تذكرة الفقهاء الجزء ٧

تذكرة الفقهاء16%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: 481

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 481 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 169415 / تحميل: 5804
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٧

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٠٠٧-٢
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

وبنى بعضهم القولين على أصل التبيّن ، فإن قلنا به ، فلا دم عليه ، وإن قلنا بانعقاد إحرامه نفلاً ثم انقلب فرضا ، لزم الدم(١) .

والطريق الثاني : أنّه لا دم عليه(٢) .

وهذا الخلاف عندهم فيما إذا لم يَعُدْ بعد البلوغ إلى الميقات ، فإن عاد إليه ، لم يلزمه الدم بحال ؛ لأنّه أتى بالممكن أوّلاً وأخيراً ، وبذل ما في وسعه(٣) .

وقد بيّنّا مذهبنا في ذلك.

مسألة ٢٧ : لو بلغ الصبي أو اُعتق العبد قبل الوقوف أو في وقته وأمكنهما الإِتيان بالحجّ ، وجب عليهما ذلك ؛ لأنّ الحجّ واجب على الفور ، فلا يجوز لهما تأخيره مع إمكانه كالبالغ الحُرّ ، خلافاً للشافعي(٤) .

ومتى لم يفعلا الحجّ مع إمكانه ، فقد استقرّ الوجوب عليهما ، سواءً كانا موسرين أو معسرين؛ لأنّ ذلك وجب عليهما بإمكانه في موضعه ، فلم يسقط بفوات القدرة بعده.

مسألة ٢٨ : المجنون لا يجب عليه الحجّ بالإِجماع ؛ لأنّه ليس محلّاً للتكليف ؛ لما رواه العامة عن عليعليه‌السلام أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( رُفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى ينبت ، وعن المعتوه حتى يعقل )(٥) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه محمد بن يحيى الخثعمي ، قال : سأل‌

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٢٩ - ٤٣٠.

(٢ و ٣) فتح العزيز ٧ : ٤٣٠ ، المجموع ٧ : ٥٩.

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ٢٤ ، المجموع ٧ : ١٠٢ و ١٠٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٤٣.

(٥) سنن الترمذي ٤ : ٣٢ / ١٤٢٣ ، وأوردها عنه ابنا قدامة في المغني ٣ : ١٦٥ ، والشرح الكبير ٣ : ١٦٦ - ١٦٧ ، وفيها : ( حتى يشب ) بدل ( حتى ينبت ).

٤١

حفص الكناسي أبا عبد اللهعليه‌السلام - وأنا عنده - عن قول الله عزّ وجلّ :( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) (١) ما يعني بذلك؟ قال : « من كان صحيحاً في بدنه مخلّى سربه ، له زاد وراحلة فهو ممّن يستطيع الحجّ »(٢) والمجنون غير صحيح ، فلا يندرج تحت الخطاب.

إذا عرفت هذا ، فلو حجّ حالة جنونه ، لم يجزئه إجماعاً.

ولو أحرم به الوليّ ، صحّ إحرامه كالطفل ، فإن عاد عقله قبل الوقوف بالمشعر الحرام فوقف به ، أجزأه عن حجّة الإِسلام ، وإن كان بعد الوقوف ، لم يجزئه ، ووجب عليه إعادة الحجّ مع إفاقته وكمال الشرائط.

ولو كان المجنون يعتوره أدواراً ، فإن وسع الوقت في نوبة العقل لأداء الحجّ من بلده وإكماله وعوده ، وجب عليه الحجّ ، لأنّه عاقل مكلّف مستطيع ، وإن قصر الوقت عن ذلك ، سقط عنه الوجوب ، وحكم المجنون حكم الصبي غير المميّز في جميع ما تقدّم.

ولو خرج الوليّ بالمجنون بعد ما استقرّ فرض الحجّ عليه وأنفق عليه من ماله ، فإن لم يُفق حتى فات الوقوف غرم له الولي زيادة نفقة السفر ، وإن أفاق وأحرم وحجّ ، فلا غرم عليه ، لأنّه قضى ما وجب عليه.

وشرطت الشافعية إفاقته عند الإِحرام والوقوف والطواف والسعي(٣) ، ولم يتعرّضوا لحالة الحلق ، وقياس كونه منسكاً عندهم اشتراط الإِفاقة كسائر الأركان(٤) .

وحكم المغمى عليه حكم المجنون لا يجب عليه الحجّ ، ولا يُحْرم عنه غيره على إشكال - وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد(٥) - لأنّه ليس أهلاً

____________________

(١) آل عمران : ٩٧.

(٢) الكافي ٤ : ٢٦٧ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٣ / ٢.

(٣ و ٤) فتح العزيز ٧ : ٤٢٨ ، المجموع ٧ : ٣٨.

(٥) المغني ٣ : ٢١١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٣ ، المجموع ٧ : ٣٨ ، حلية العلماء ٣ : =

٤٢

للخطاب حالة الإِغماء.

وقال أبو حنيفة : يُحْرم عنه رفيقه ، فيصير مُحرماً بإحرامه استحساناً(١) .

وقد علم من ذلك أنّ التكليف شرط الوجوب دون الصحة ؛ إذ يصح من غير المكلّف.

البحث الثاني : في شرط الحُرّية‌

مسألة ٢٩ : لا خلاف بين علماء الأمصار أنّ الحُرّية شرط في وجوب الحجّ والعمرة ، وقد سبق البحث في ذلك.

ويصح من العبد الحجّ بإذن مولاه ، ولا يجزئه عن حجّة الإِسلام بعد عتقه لو وجبت عليه إلّا أن يُدرك أحد الموقفين معتقاً على ما تقدّم.

وليس له أن يُحرم بحجّ أو عمرة إلّا بإذن مولاه بلا خلاف ؛ لأنّ منافعه مستحقّة لمولاه ، ويجب عليه صرف زمانه في إشغاله ، فلا يجوز أن يُفوّت حقوقَ مولاه الواجبة عليه بالتزام ما ليس بلازم عليه ، فإن أحرم بغير إذن مولاه ، لم ينعقد إحرامه.

وللسيّد منعه منه. ولا يلزمه الهدي ولا بد له ؛ لأنّ إحرامه لم ينعقد ، ولأنّه لا يملك أن يُحرم ؛ لقوله تعالى :( عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) (٢) .

ولما رواه الشيخ عن آدم عن أبي الحسنعليه‌السلام قال : « ليس على المملوك حجّ ولا جهاد ، ولا يسافر إلّا بإذن مالكه »(٣) والنهي في العبادة يدلّ‌

____________________

= ٢٣٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٦١.

(١) المغني ٣ : ٢١١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٣ ، المجموع ٧ : ٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٣٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٦١.

(٢) النحل : ٧٥.

(٣) التهذيب ٥ : ٤ / ٥.

٤٣

على الفساد.

وقال أحمد : إنّ إحرامه ينعقد صحيحاً ؛ لأنّه عبادة بدنية يصحّ من العبد الدخول فيها بغير إذن سيّده.

ولسيّده أن يحلّله - في إحدى الروايتين عنه - لأنّ في بقائه عليه تفويتاً لحقّه من المنافع بغير إذنه ، فلم يلزم ذلك سيّده كالصوم المضرّ ببدنه ، وإذا حلّله منه ، كان حكمه حكم المحصر.

والثانية : ليس له تحليله ؛ لأنّه لا يملك التحلّل من تطوّعه فلم يملك تحليل عبده. والأول أصح؛ لأنّه التزم التطوّع باختيار نفسه ، فنظيره أن يُحْرم عبده بإذنه ، وفي مسألتنا يفوت حقّه الواجب بغير اختياره(١) .

مسألة ٣٠ : لو أذن السيد في الإِحرام فأحرم ، انعقد إحرامه ، وصحّ إجماعاً ؛ لما رواه إسحاق بن عمّار عن الكاظمعليه‌السلام ، قال : سألته عن اُمّ الولد تكون للرجل يكون قد أحجّها أيجوز(٢) ذلك عنها من حجّة الإِسلام؟ قال : « لا » قلت : لها أجر في حجّتها؟ قال : « نعم»(٣) .

إذا عرفت هذا ، فهل لسيّده بعد إذنه الرجوع؟ إن لم يكن قد أحرم كان له الرجوع قطعاً ، وإن كان المملوك قد تلبّس بالإِحرام ، لم يكن للمولى الرجوع فيه ولا تحليله ، لأنّه إحرام انعقد صحيحا فلم يكن له إبطاله كالصلاة ، وبه قال الشافعي وأحمد ، لأنّه عقد لازم عقده بإذن سيده فلم يكن لسيده منعه ، كالنكاح(٤) .

وقال أبو حنيفة : له تحليله ؛ لأنّه ملك منافع نفسه ، فكان له الرجوع ،

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٠٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٣.

(٢) في التهذيب والاستبصار : أيجزئ.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٦٥ / ١٢٨٨ ، التهذيب ٥ : ٥ / ١٠ ، الاستبصار ٢ : ١٤٧ / ٤٨٢.

(٤) فتح العزيز ٨ : ٢٢ ، المجموع ٧ : ٤٥ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٥١ ، المغني ٣ : ٢٠٥ - ٢٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٣.

٤٤

كالمـُعير يرجع في العارية(١) .

والفرق ظاهر ؛ فإنّ العارية ليست لازمةً ، ولو أعاره شيئاً ليرهنه فرهنه ، لم يكن له الرجوع فيه.

فروع :

أ - لو أذن له سيّده في الإِحرام ثم رجع وعلم العبد رجوعه قبل الإِحرام ، بطل إحرامه ، وصار كمن لم يؤذن له.

ولو لم يعلم حتى أحرم فهل للمولى تحليله؟ قال الشيخرحمه‌الله : الأولى أن نقول : ينعقد إحرامه ، غير أنّ للسيّد منعه منه ، وقد قيل : إنّه لا ينعقد إحرامه أصلاً(٢) .

وللعامّة في أنّه هل يكون حكمه حكم من أحرم بإذن سيّده؟ وجهان(٣) .

ب - لو باعه سيّده بعد ما أحرم فحُكْم مشتريه في تحليله حكم بائعه سواء ؛ لأنّه اشتراه مسلوب المنفعة ، فأشبه بيع الأمة المزوّجة أو المستأجرة ، فإن علم المشتري بذلك ، فلا خيار له ؛ لأنّه دخل على علم ، فأشبه ما لو اشترى معيباً علم بعيبه.

وإن لم يعلم ، فله فسخ البيع ؛ لأنّه يتضرّر بمضيّ العبد في الحجّ ، لفوات منافعه وعجزه عن تحليله(٤) ، وهو نقص يوجب الردّ ، إلّا في إحرامٍ يكون لسيّده تحليله ، فلا يملك الفسخ ؛ لأنّه يمكنه رفع الضرر عنه.

ج - إذا باعه مولاه في إحرام له تحليله فيه ، لم يكن ذلك تحليلاً له ولا مقتضياً لذلك ، ويكون حكم المشتري حكمه في جواز التحليل ، فإن أمره‌

____________________

(١) فتح العزيز ٨ : ٢٣ ، المجموع ٧ : ٤٥ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٥١ ، المغني ٣ : ٢٠٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٣.

(٢) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٢٧.

(٣) المغني ٣ : ٢٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٣.

(٤) في النسخ الخطية : تحلّله‌

٤٥

البائع بالمضيّ في إحرامه وإتمام حجّه بعد البيع ، لم يعتدّ بهذا الأمر وإن كان في زمن خياره ، ولو أمره المشتري ، لم يكن له تحليله ولا لبائعه وإن كان في زمن خياره.

مسألة ٣١ : لو أحرم العبد بغير إذن سيّده ثم أعتقه قبل الموقفين ، لم يجزئه إحرامه ، ووجب عليه الرجوع إلى الميقات والإِحرام منه إن أمكنه ، وإن لم يمكنه ، أحرم من موضعه ، فإن فاته المشعر الحرام ، فقد فاته الحجّ.

وإن أحرم بإذن سيّده ، لم يلزمه الرجوع إلى الميقات ؛ لأنّ إحرامه صحيح منعقد ، فإن أدرك المشعر الحرام بعد العتق فقد أدرك حجّة الإِسلام ، وإن لم يدركه معتقاً ، لم يجزئه ، وكان عليه الحجّ مع الشرائط.

وإذا أحرم بغير إذن سيّده ثم أفسد الحجّ ، لم يتعلّق به حكم ؛ لأنّ إحرامه غير منعقد.

وإن أحرم بإذن سيّده ثم أفسده ، لزمه المضيّ في فاسدة ، كالحُرّ ، وليس لسيّده إخراجه منه ؛ لأنّه ليس له منعه من صحيحه فلم يكن له منعه من فاسدة.

وقالت العامّة : إن كان إحرامه بغير إذن سيّده ، كان له تحليله منه ؛ لأنّه يملك تحليله من صحيحه فالفاسد أولى(١) .

والحقّ ما قلناه.

مسألة ٣٢ : إذا أفسد العبد حجّه ، فإن كان مأذوناً فيه ، وجب عليه القضاء والمضيّ فيه ، كالحُرّ ؛ لأنّه حجّ صحيح وإحرام معتدّ به ، فيترتّب عليه أحكامه.

ويصحّ القضاء في حال رقّه ؛ لأنّه وجب في حال الرقّ فيصحّ به ، كالصلاة والصيام ، وليس لسيّده منعه من القضاء ؛ لأنّ إذنه في الحجّ الأول‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٠٧ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٥.

٤٦

إذن في موجبه ومقتضاه ، ومن مقتضياته القضاء لما أفسده.

وإن لم يكن الأول(١) مأذوناً فيه ، كان للمولى منعه من القضاء ، لأنّه يملك منعه من الحجّ الذي شرع فيه بغير إذنه فكذلك قضاؤه ، وهو قول بعض العامّة(٢) .

وقال بعضهم : لا يملك منعه من قضائه ؛ لأنّه واجب ، وليس للسيّد(٣) منعه من الواجبات(٤) .

وهو خطأ ؛ لأنّا نمنع وجوبه ، بل نمنع صحته فضلاً عن وجوبه.

مسألة ٣٣ : إذا أفسد العبدُ الحجَّ ولزمه القضاء ، فأعتقه مولاه ، فإن كان عتقه بعد الوقوف بالمشعر الحرام ، كان عليه أن يُتمّ هذه الحجّة ، ويلزمه حجّة الإِسلام وحجّة القضاء ، ويجب عليه البدأة بحجّة الإِسلام ثم يأتي بحجّة القضاء ، وكذلك إذا بلغ وعليه قضاء ، ولا يقضي قبل حجّة الإِسلام ، فإن فعل حجّة الإِسلام بقي عليه حجّة القضاء ، وإن أحرم بالقضاء ، انعقد بحجّة الإِسلام ؛ لأنّها آكد ، وكان القضاء في ذمّته ، قاله الشيخ(٥) رحمه‌الله ، وهو مذهب العامة(٦) .

ثم قال الشيخ : وإن قلنا : لا يجزئ عن واحد منهما ، كان قويّاً(٧) . وأطلق.

والوجه : ما قوّاه الشيخ إن كان قد استطاع أو استقرّ الحجّ في ذمّته ، وإلّا فالوجه : الإِجزاء عن القضاء.

____________________

(١) أي : الحجّ الأول.

(٢) المغني ٣ : ٢٠٧ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٥.

(٣) في الطبعة الحجرية : لسيّده.

(٤) المغني ٣ : ٢٠٧ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٥.

(٥) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٢٧ - ٣٢٨.

(٦) المغني ٣ : ٢٠٧ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٥.

(٧) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٢٨.

٤٧

وإن اُعتق قبل الوقوف بالمشعر ، فلا فصل بين أن يفسد بعد العتق أو قبله ، فإنّه يمضي في فاسدة ، ولا تجزئه الفاسدة عن حجّة الإِسلام ، ويلزمه القضاء في القابل ، ويجزئه القضاء عن حجّة الاسلام ؛ لأنّ ما أفسده لو لم يفسده لكان يجزئه عن حجّة الإِسلام وهذه قضاء عنها.

مسألة ٣٤ : إذا أحرم العبد بإذن مولاه فارتكب محظوراً يلزمه به الدم ، كالتطيّب واللبس وحلق الشعر وتقليم الأظفار واللمس بشهوة والوطء في الفرج أو في ما دونه وقتل الصيد أو أكله ، ففرضه الصوم ، وليس عليه دم ، كالمعسر.

وإن تحلّل بحصر عدوّ ، فعليه الصوم ، ولا يتحلّل قبل فعله ، كالحُرّ.

قال الشيخرحمه‌الله : ولسيّده منعه منه ؛ لأنّه فَعَله بغير إذنه ، وإن ملّكه سيّده هدياً ليخرجه فأخرجه ، جاز ، وإن أذن له فصام ، جاز أيضاً ، وإن مات قبل الصيام ، جاز لسيّده أن يُطعم عنه(١) .

وقالت العامّة : ليس للسيّد أن يحول بينه وبين الصوم مطلقاً(٢) .

والوجه : ذلك إن أذن له في الإِحرام ؛ لأنّه صوم وجب عليه ، فأشبه صوم رمضان.

وإن ملّكه السيد هدياً وأذن له في إهدائه وقلنا : إنه يملكه ، فهو كالواجد للهدي لا يتحلّل إلّا به ، وإن قلنا : لا يملكه ، ففرضه الصيام.

وإن أذن له سيّده في تمتّع أو قران ، فعليه الصيام بدلاً عن الهدي الواجب.

وقال بعض العامّة : على سيّده تحمّل ذلك عنه ، لأنّه بإذنه ، فكان على مَنْ أذن فيه ، كما لو فعله النائب بإذن المستنيب(٣) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ الحجّ للعبد وهذا من موجباته فيكون عليه ، كالمرأة‌

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٢٨.

(٢) المغني ٣ : ٢٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٤.

(٣) المغني ٣ : ٢٠٧ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٤.

٤٨

إذا حجّت بإذن زوجها ، بخلاف النائب فإنّ الحجّ للمنوب ، فموجبه عليه.

وعندنا أنّ للسيّد الخيار بين أن يأمره بالصوم أو يهدي عنه.

وإن تمتّع أو قرن بغير إذن سيّده ، لم يعتدّ به.

وقالت العامّة : إنّ عليه الصوم(١) .

وإن أفسد حجّه ، فعليه أن يصوم كذلك ، فإنه لا مال له ، فهو كالمعسر من الأحرار.

مسألة ٣٥ : إذا نذر العبدُ الحجَّ ، فلا يخلو إمّا أن يكون مولاه قد أذن له في النذر أو لا ، فإن كان قد أذن له ، فلا يخلو النذر إمّا أن يكون مقيّداً بوقت أو مطلقاً ، فإن كان مقيّداً بوقت ، وجب عليه الوفاء به مع قدرته ، ولا يجوز لمولاه منعه منه ؛ لأنّه واجب عليه ، وكان كما لو أذن له في الإِحرام وتلبّس به.

وهل يجب على مولاه دفع ما يحتاج إليه العبد زائداً عن نفقة الحضر؟ الأقرب : المنع ؛ لأصالة البراءة.

ويحتمل وجوبه ، كالإِذن في الدَّيْن.

ولو قدر العبد على المشي ، لم يجب على المولى بذل الراحلة.

ولو كان مطلقاً ، أو مقيّداً وفرّط العبد ، أو المولى يمنعه عن المبادرة حتى صار قضاءً ، فالأقرب : عدم وجوبه على الفور ؛ لأنّ حقّ السيّد مضيّق ؛ والنذر المطلق وقضاء النذر المقيّد غير مضيّق ، لأصالة البراءة.

فلو شرع العبد وبادر معجّلاً فأحرم بغير إذن مولاه ، فالأقرب أنّه ليس للمولى تحليله ؛ لأنّه إحرام حجّ أذن له فيه مولاه ، فلم يملك تحليله ، كما لو تلبّس بالإِحرام بعد إذن مولاه.

وإن لم يكن مولاه قد أذن له في النذر ، فالمشهور بين علمائنا : عدم انعقاده ؛ لأنّ أوقاته مستحقّة للمولى.

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٠٧ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٤.

٤٩

وقال بعض العامة : يصحّ نذره ؛ لأنّه مكلّف ، فانعقد نذره ، كالحُرّ ، ولسيده منعه من المضيّ فيه ؛ لما فيه من تفويت حقّ سيّده الواجب ، فيُمنع منه ، كما لو لم ينذر(١) .

وروي عن أحمد أنّه لا يُمنع من الوفاء به ؛ لما فيه من أداء الواجب(٢) .

واختلف أصحابه على قولين :

أحدهما : أنّ ذلك على الكراهية دون التحريم.

والثاني : التحريم ؛ لأنّه واجب فلم يملك منعه كسائر الواجبات(٣) .

وهو غلط ، لأنّا نمنع وجوبه.

فإن اُعتق ، وجب عليه الوفاء بما نذره بإذن مولاه ، وفي غيره الخلاف.

وتُقَدَّمُ حجّة الإِسلام مع وجوبها ، وإطلاق النذر أو تقييده بزمان متأخّر عن الاستطاعة.

البحث الثالث : في الاستطاعة‌

مسألة ٣٦ : الاستطاعة شرط في وجوب الحجّ والعمرة ، بإجماع العلماء وبالنصّ :

قال الله تعالى( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) (٤) دلّ بمفهومه على سقوطه عن غير المستطيع.

ولا نعلم في ذلك خلافاً ، ولقضاء الضرورة بقبح تكليف غير القادر.

إذا عرفت هذا ، فنقول : الاستطاعة المشترطة في الآية هي الزاد والراحلة ، بإجماع علمائنا ، وبه قال الحسن البصري ومجاهد وسعيد بن جبير والشافعي وأحمد وإسحاق(٥) .

____________________

(١ - ٣) المغني ٣ : ٢٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٤.

(٤) آل عمران : ٩٧.

(٥) المغني ٣ : ١٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٨.

٥٠

قال الترمذي : والعمل عليه عند أهل العلم(١) .

لما رواه العامّة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، سُئل ما السبيل؟ قال : ( الزاد والراحلة )(٢) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه محمد بن يحيى الخثعمي ، قال : سأل حفصُ الكناسي الصادقعليه‌السلام - وأنا عنده - عن قول الله عزّ وجلّ :( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) قال : ما يعني بذلك؟ قال : « من كان صحيحاً في بدنه مخلّى سربه ، له زاد وراحلة ، فهو ممّن يستطيع الحجّ »(٣) .

ولأنّها عبادة تتعلّق بقطع مسافة بعيدة ، واشترط لوجوبها الزاد والراحلة ، كالجهاد.

وقال عكرمة : الاستطاعة هي الصحة(٤) .

وقال الضحّاك : إن كان شابّاً فليؤاجر نفسه بأكله وعَقِبَه(٥) حتى يقضي نسكه(٦) .

وقال مالك : إن كان يمكنه المشي وعادته سؤال الناس ، لزمه الحجّ ؛ لأنّ هذه الاستطاعةُ في حقّه ، فهو كواجد الزاد والراحلة(٧) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ هذا فعلٌ شاقٌّ ، فليس استطاعةً وإن كان عادةً ،

____________________

(١) سنن الترمذي ٣ : ١٧٧ ذيل الحديث ٨١٣ ، وحكاه عنه ابنا قدامة في المغني ٣ : ١٦٨ ، والشرح الكبير ٣ : ١٧٨.

(٢) سنن الترمذي ٥ : ٢٢٥ / ٢٩٩٨ ، سنن الدار قطني ٢ : ٢١٧ و ٢١٨ / ١١ و ١٢ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٢٧ و ٣٣٠ ، المستدرك - للحاكم - ١ : ٤٤٢.

(٣) الكافي ٤ : ٢٦٧ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٣ / ٢ ، الاستبصار ٢ : ١٣٩ / ٤٥٤.

(٤) المغني ٣ : ١٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٨.

(٥) منصوب بنزع الخافض.

(٦) المغني ٣ : ١٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٨.

(٧) بداية المجتهد ١ : ٣١٩ ، المغني ٣ : ١٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٨.

٥١

والشارع اعتبر عموم الأحوال دون خصوصها ، كما في مشقّة السفر ، فإنّها غير معتبرة ، بل المظنّة وإن كانت المشقّةُ منتفيةً.

مسألة ٣٧ : الراحلة إنّما هي شرط في حقّ البعيد عن مكة ، وأمّا أهل مكة فلا تشترط الراحلة فيهم ، وكذا من كان بينه وبين مكة [ مكان ](١) قريب لا يحتاج إلى الراحلة ، وإنّما تعتبر الراحلة في حقّه ، لأنّها مسافة قريبة يمكنه المشي إليها فلزمه ، كالسعي إلى الجمعة ، ولو لم يتمكّن من المشي ، اشترط في حقّه وجود المحمولة ، لأنّه عاجز عن المشي ، فأشبه البعيد.

وأمّا الزاد فلا بدّ من اشتراطه في حقّ القريب والبعيد ، فإن لم يجد زاداً لم يلزمه الحج ؛ لعجزه(٢) .

مسألة ٣٨ : الراحلة شرط في الحجّ للقادر على المشي والعاجز عنه ، وبه قال الشافعي(٣) ، لقولهعليه‌السلام لـمّا سُئل عن تفسير السبيل : ( زاد وراحلة )(٤) .

ويعتبر راحلةُ مِثْلِه ، فإن كان يستمسك على الراحلة من غير محمل ولا يلحقه ضرر ولا مشقّة شديدة ، فلا يعتبر في حقّه إلّا وجدان الراحلة لحصول الاستطاعة معها ، وإن كان لا يستمسك على الراحلة بدون المحمل أو يجد مشقّةً عظيمة ، اعتبر مع وجود الراحلة وجود المحمل ، ولو كان يجد مشقّة عظيمة‌

____________________

(١) زيادة يقتضيها السياق.

(٢) المغني ٣ : ١٧٠ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٩.

(٣) فتح العزيز ٧ : ١٠.

(٤) سنن الدار قطني ٢ : ٢١٨ / ١٣ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٣٠.

٥٢

في ركوب المحمل ، اعتبر في حقّه الكنيسة(١) .

ولا فرق بين الرجل والمرأة في ذلك.

وقال بعض الشافعية : إنّ المحمل معتبر في حقّ المرأة مطلقاً(٢) .

وليس بمعتمد ، والستر يحصل بالملحفة.

فروع :

أ - لا يشترط وجود عين الزاد والراحلة ، بل المعتبر التمكّن منهما تملّكاً أو استئجاراً.

ب - إنّما يشترط الزاد والراحلة في حقّ المحتاج إليهما لبُعد المسافة ، أمّا القريب فيكفيه اليسير من الاُجرة بنسبة حاجته ، والمكّي لا تُعتبر الراحلة في حقّه ، ويكفيه التمكّن من المشي.

ج - إذا وجد شقّ محمل ووجد شريكاً يجلس في الجانب الآخر ، لزمه الحجّ ، فإن لم يجد الشريك ولم يتمكّن إلّا من مؤونة الشقّ ، سقط عنه الحجّ مع حاجته إلى المحمل ، وإن تمكّن من المحمل بتمامه ، احتمل وجوب الحجّ ؛ لأنّه مستطيع ، وعدمه ؛ لأنّ بذل الزيادة خسران لا مقابل له.

د - القريب إلى مكة إذا شقّ عليه المشي أو الركوب بغير محمل ، اشترطت الراحلة والمحمل في حقّه ، كالبعيد ، ولا يؤمر بالزحف(٣) وإن أمكن.

ه - يجب شراء الراحلة والمحمل مع الحاجة إليهما أو استيجارهما بثمن المثل واُجرته ، فإن زاد فإن لم يتمكّن من الزيادة ، سقط الحج ، وإن تمكّن منها ، وجب ؛ لأنّه مستطيع.

____________________

(١) بهامش « ن » : يريد بها المحفّة.

(٢) فتح العزيز ٧ : ١١ ، المجموع ٧ : ٦٧.

(٣) الزحف : المشي. لسان العرب ٩ : ١٢٩.

٥٣

وقيل : لا يجب(١) . وليس بمعتمد.

مسألة ٣٩ : الزاد شرط في وجوب الحجّ ؛ لعدم التمكّن بدونه.

والمراد منه أن يملك ما يبلغه إلى الحجّ إمّا عين الزاد أو ثمنه مع وجود بائعه بقدر كفايته مدّة سفره وعوده إلى وطنه ، سواء كان له أهل وعشيرة يأوي إليهم أو لم يكن ، وهو أحد وجهي الشافعية(٢) .

والثاني لهم : أنّه لا يشترط في حقّ من لا أهل له ولا عشيرة مؤونة الإِياب ؛ لأنّ البلاد بالنسبة إليه متساوية(٣) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ النفوس تطلب الأوطان.

ولا فرق أيضاً بين أن يملك في بلدته مسكناً أو لا.

وخصّص الجويني الوجهين بمن له ملك في البلد(٤) .

ويجري الوجهان لهم في الراحلة(٥) .

ولهم وجه آخر ضعيف عندهم : أنّه لا يعتبر مؤونة الإِياب مطلقاً(٦) .

إذا عرفت هذا ، فالمشترط في الراحلة والزاد راحلة مثله وزادُ مثله ؛ لتفاوت الأشخاص في خشونة العيش ونُعومته ، فيعتبر في حقّ الرفيع زيادة على ما يحتاج إليه غيره ممّا يناسبه.

مسألة ٤٠ : يشترط أن يكون الزاد والراحلة فاضلين عن نفقته‌ ونفقة من تلزمه نفقته مدّة ذهابه ورجوعه ودست ثوب يليق به.

وهل يشترط أن يكونا فاضلين عن مسكنه وعبده الذي يحتاج إلى خدمته لعجزه أو لمنصبه؟ الوجه : ذلك ، كما في الكفّارة ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة.

____________________

(١) كما في شرائع الإِسلام ١ : ٢٢٦ ، وراجع : المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٠٠.

(٢ و ٣) المهذب - للشيرازي - ١ : ٢٠٤ ، فتح العزيز ٧ : ١٣ ، المجموع ٧ : ٦٨.

(٤) فتح العزيز ٧ : ١٣.

(٥ و ٦) فتح العزيز ٧ : ١٣ ، المجموع ٧ : ٦٨.

٥٤

والثاني : لا يشترط ، بل يباعان في المؤونة - وبه قال مالك - لأنّ الاستطاعة في الخبر(١) مفسّرة بالزاد والراحلة وهو واجد لهما(٢) .

والوجه : الأول ؛ لحاجته إلى المسكن والعبد ، فأشبها ثياب بدنه.

فعلى هذا إذا كانت الدار مستغرقة لحاجته وكانت سكنى مثله والعبد عبد مثله ، لم يبع شيئاً منهما ، وإن كانت الدار فاضلةً عن حاجته وأمكن بيع بعضها أو كانت نفيسةً أو العبد كذلك وأمكن شراء أدون منه ممّا تندفع به حاجته ، احتمل وجوب البيع والاقتصار على الأدون ، وعدمه ، كما في الكفّارة.

وربما يفرّق بين الحجّ والكفّارة بأنّ الحجّ لا بدل له والعتق في الكفّارة له بدل.

إذا ثبت هذا ، فالزاد الذي يشترط القدرة عليه هو ما يحتاج إليه في ذهابه وعوده من مأكول ومشروب وكسوة ، فإن كان يملك ذلك أو وجده يُباع بثمن المثل في الغلاء والرخص أو بزيادة يسيرة لا تجحف بماله ، لزمه شراؤه ، وإن كانت تجحف بماله ، لم يلزمه شراؤه وإن تمكّن على إشكال ، كما قلنا في شراء الماء للوضوء ، وإذا كان يجد الزاد في كلّ منزل ، لم يلزمه حمله ، وإن لم يجده كذلك ، لزمه حمله.

وأمّا الماء وعلف البهائم فإن كان يوجد في المنازل التي ينزلها على حسب العادة ، فلا كلام ، وإن لم يوجد ، لم يلزمه حمله من بلده ولا من أقرب البلدان إلى مكة كأطراف الشام ونحوها ، لما فيه من عظم المشقة وعدم جريان العادة به ، ولا يتمكّن من حمل الماء لدوابّه في جميع الطريق ، والطعام بخلاف ذلك.

مسألة ٤١ : كما تعتبر قدرته على المطعوم والمشروب‌ والتمكّن من‌

____________________

(١) في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق ، والطبعة الحجرية : الحر. وهي تصحيف ، والصحيح ما أثبتناه.

(٢) فتح العزيز ٧ : ١٣.

٥٥

حمله من بلده كذا تعتبر قدرته على الآلات والأوعية التي يحتاج إليها كالغرائر(١) ونحوها ، وأوعية الماء من القِرَب وغيرها ، وجميع ما يحتاج إليه ، كالسُّفرة وشبهها ؛ لأنّه ممّا لا يستغني عنه ، فأشبه علف البهائم.

وكذا يشترط وجود راحلة تصلح لمثله على ما بيّنّا إمّا بشراء أو باُجرة لذهابه وعوده ، ويجد ما يحتاج إليه من آلتها التي تصلح لمثله.

فإن كان ممّن يكفيه الرحل والقتب ولا يخشى السقوط ، أجزأ وجود ذلك ، وإن كان ممّن لم تجر عادته بذلك ويخشى السقوط عنهما ، يعتبر وجود محمل وما أشبهه ممّا لا مشقّة في ركوبه ولا يخشى السقوط عنه ، لأنّ الراحلة إنّما اعتبرت في حقّ القادر على المشي لدفع المشقّة عنه ، فيجب أن يعتبر هنا ما تندفع به المشقّة.

وإن كان ممّن لا يقدر على خدمة نفسه والقيام بأمره ، اعتبرت القدرة على من يخدمه ؛ لأنّه من سبيله.

مسألة ٤٢ : يعتبر أن تكون هذه الأشياء التي ذكرناها فاضلةً عمّا يحتاج إليه‌ لنفقة عياله الذين تلزمه مؤونتهم في سفره ذاهباً وعائداً ؛ لما رواه العامة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( كفى بالمرء إثماً أن يضيعَ من يقوت )(٢) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه أبو الربيع الشامي ، قال : سُئل أبو عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ :( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) فقال : « ما يقول الناس؟ » قال : فقيل له : الزاد والراحلة ، قال : فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « قد سُئل أبو جعفرعليه‌السلام عن هذا ، فقال : هلك الناس إذن ، لئن كان كلّ من له زاد وراحلة قدر ما يقوت‌

____________________

(١) الغرائر جمع ، واحدتها ، غِرارة ، وهي الجُوالق. لسان العرب ٥ : ١٨.

(٢) سنن أبي داود ٢ : ١٣٢ - ١٦٩٢ ، سنن البيهقي ٧ : ٤٦٧ و ٩ : ٢٥ ، المعجم الكبير - للطبراني - ١٢ : ٣٨٢ / ١٣٤١٤ ، مسند أحمد ١٢ : ١٦٠.

٥٦

عياله ويستغني به عن الناس ينطلق فيسلبهم إيّاه لقد هلكوا إذن » فقيل له : ما السبيل؟ قال : فقال : « السعة في المال إذا كان يحجّ ببعض ويبقى بعض لقوت عياله ، أليس قد فرض الله الزكاة ، فلم يجعلها إلّا على من ملك مائتي درهم »(١) .

ولأنّ النفقة متعلّقة بحقوق الآدميّين وهُمْ أحوج وحقّهم آكد.

ويشترط أيضاً أن تكون فاضلةً عمّا يحتاج هو وأهله إليه من مسكن وخادم وما لا بدّ منه من ثياب وغيرها ، وأن يكون فاضلاً عن قضاء دينه ؛ لأنّ قضاء الدَّيْن من حوائجه الأصلية ، وتتعلّق به حقوق الآدميّين فهو آكد ، ولهذا منع الخمس مع تعلّق حقوق الفقراء من ذوي القربى به ، وحاجتهم إليها ، فالحجّ الذي هو خالص حقّ الله تعالى أولى.

ولا فرق بين أن يكون الدّين لآدمي معيّن أو من حقوق الله تعالى ، كزكاة في ذمّته أو كفّارات وشبهها.

ولا فرق أيضاً بين أن يكون الدَّيْن حالّاً أو مؤجّلاً محلّه قبل عرفة أو بعدها في منع الوجوب ؛ لأنّه غير موصوف بالاستطاعة.

وللشافعية في وجوب الحجّ على المديون إذا كان الدّين يحلّ بعد عرفة وجهان :

أحدهما كما قلناه.

والثاني : الوجوب ؛ لأنّ الدَّيْن المؤجّل غير مستحقّ عليه قبل حلوله(٢) . وهو ممنوع.

تذنيب : لو احتاج إلى النكاح وخاف على نفسه العَنَت ، قدّم الحجّ ؛ لأنّه واجب والنكاح تطوّع ، ويلزمه الصبر.

____________________

(١) الكافي ٤ : ٢٦٧ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٥٨ / ١٢٥٥ ، التهذيب ٥ : ٢ - ٣ / ١ ، الاستبصار ٢ : ١٣٩ / ٤٥٣.

(٢) الحاوي الكبير ٤ : ١٣.

٥٧

وقال بعض العامة : يقدّم النكاح ؛ لأنّه واجب عليه ، ولا غنى به عنه ، فهو كنفقته(١) .

ونمنع الوجوب.

ولو لم يخف العَنَت ، قدّم الحجّ إجماعاً.

تذنيب آخر : لو حجّ من تلزمه هذه الحقوق وضيّعها ، قال بعض العامة : يصح حجّة ، لأنّها متعلّقة بذمّته ، فلا تمنع صحة فعله(٢) .

وفيه نظر ؛ لأنّه مأمور بصرف المال إلى نفقة العيال مثلاً ، فإذا صرفه في غيره ، كان قد فعل المنهي عنه ، والنهي يدلّ على الفساد في العبادات.

البحث الرابع : المؤونة.

ويشترط أن يكون له مال يصرفه في مؤونة سفره ذهاباً وعوداً ، ومؤونة عياله الذين تلزمه نفقتهم على الاقتصاد.

وهل يشترط الرجوع إلى كفايةٍ من مالٍ أو حرفةٍ أو صناعةٍ في وجوب الحجّ بعد وجدان ما ذكر؟ قال الشيخ : نعم(٣) .

فلو كان له زاد وراحلة ونفقة له ولعياله بقدر ذهابه وعوده وجميع ما تقدّم وليس له ما يرجع إليه من مالٍ أو ملكٍ أو صناعةٍ وحرفةٍ يرجع إليها عند عوده من حجّه ، سقط عنه فرض الحجّ - وبه قال أبو العباس بن سريج من الشافعية(٤) - خوفاً من فقره وحاجته إلى المسألة ، وفي ذلك أعظم مشقّة.

____________________

(١) المغني ٣ : ١٧٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٨٠.

(٢) المغني ٣ : ١٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ١٨٠.

(٣) المبسوط - للطوسي - ١ : ٢٩٧ ، الخلاف ٢ : ٢٤٥ ، المسألة ٢.

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ١٣ ، فتح العزيز ٧ : ١٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٣٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٠٤ ، المجموع ٧ : ٧٣.

٥٨

ولرواية أبي الربيع الشامي عن الباقر(١) عليه‌السلام .

وقال أكثر علمائنا : لا يشترط الرجوع إلى كفاية(٢) - وهو قول الشافعي(٣) - وهو المعتمد ؛ لأنّه مستطيع بوجود الزاد والراحلة ونفقته ونفقة عياله ذهاباً وعوداً.

ورواية أبي الربيع لا حجّة فيها على ما قالوه ، والمشقّة ممنوعة ، فإنّ الله هو الرزّاق.

فروع :

أ - لو كان له عقار يحتاج إليه لسكناه أو سكنى عياله ، أو يحتاج إلى اُجرته لنفقة نفسه أو نفقة عياله ، أو سائمة يحتاجون إليها ، لم يلزمه الحجّ.

ولو كان له شي‌ء من ذلك فاضل عن حاجته ، لزمه بيعه وصرفه في الحجّ.

ولو كان مسكنه واسعاً يكفيه للسكنى بعضه ، وجب بيع الفاضل وصرفه في الحجّ إذا كان بقدر الاستطاعة.

وكذا لو كان له كتب يحتاج إليها ، لم يلزمه بيعها في الحجّ ، ولو استغنى عنها ، وجب البيع.

ولو كان له بكتاب نسختان يستغني بإحداهما ، وجب بيع الفاضل.

ولو كان له دار نفيسة أو عبد نفيس أو كتب نفيسة وأمكنه بيعها وشراء أقلّ من ثمنها وكان مسكن مثله أو عبد مثله والحجّ بالفاضل عن مئونته من ثمنها ، فالأقرب وجوب البيع وشراء الأدون ممّا تقوم به كفايته.

____________________

(١) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في صدر المسألة ٤٢.

(٢) منهم : ابن إدريس في السرائر : ١١٨ ، والمحقّق في المعتبر : ٣٢٩ ، وشرائع الإِسلام ١ : ٢٢٨ ، والمختصر النافع : ٧٦ ، والفاضل الآبي في كشف الرموز ١ : ٣٢٥ - ٣٢٦.

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ١٣ ، المهذب - للشيرازي - ١ : ٢٠٤ ، المجموع ٧ : ٧٣ ، فتح العزيز ٧ : ١٤.

٥٩

ب - لو كان له دَيْنٌ على باذل له يكفيه للحجّ ، لزمه ؛ لأنّه مستطيع ، ولو كان على معسر أو تعذّر استيفاؤه أو كان مؤجّلاً ، لم يلزمه الحجّ ؛ لعدم الاستطاعة.

ج - لو كان له رأس مال يتّجر به وينفق من ربحه ولو صرفه في الحج لبطلت تجارته ، وجب عليه الحج‌ - وهو أصحّ وجهي الشافعية ، وبه قال أبو حنيفة(١) - لأنّه واجد.

والثاني للشافعية : أنّه لا يكلّف الصرف إليه - وبه قال أحمد - لئلّا يلتحق بالمساكين ، وكالعبد والمسكن(٢) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ العبد والمسكن يحتاج إليهما في الحال ، وهذا إمساك ذخيرة للمستقبل.

د - لو لم يجد الزاد ووجد الراحلة وكان كسوباً يكتسب ما يكفيه وقد عزل نفقة أهله مدّة ذهابه وعوده ، فإن كان السفر طويلاً ، لم يلزمه الحجّ ؛ لما في الجمع بين السفر والكسب من المشقّة العظيمة ، ولأنّه قد ينقطع عن الكسب لعارض فيؤدّي إلى هلاك نفسه.

وإن كان السفر قصيراً ، فإن كان تكسّبه في كلّ يوم بقدر كفاية ذلك اليوم من غير فضل ، لم يلزمه الحجّ ؛ لأنّه قد ينقطع عن كسبه في أيّام الحجّ فيتضرّر.

وإن كان كسبه في كلّ يوم يكفيه لأيّامه ، لم يلزمه الحجّ أيضا ؛ للمشقّة ، ولأنّه غير واجد لشرط الحجّ ، وهو أحد وجهي الشافعية ، والثاني : الوجوب - وبه قال مالك - مطلقاً(٣) .

ه - لو كان له مال فباعه نسيئةً عند قرب وقت الخروج‌ إلى أجل يتأخّر‌

____________________

(١ و ٢) فتح العزيز ٧ : ١٤.

(٣) فتح العزيز ٧ : ١٤ - ١٥.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

العبادة ، فلا يجب عليه الدم ، كما لو أحرم منه ، أمّا إذا عاد بعد فعل شي‌ء من أفعال الحج فقد عاد في غير وقت إحرامه ؛ لأنّ الإِحرام يتقدّم أفعال الحج.

وقد بيّنّا أنّ فعله لا اعتداد به ، فلا فرق بينهما.

وقال أبو حنيفة : إن رجع إلى الميقات ، سقط عنه الدم ، وإن لم يلبّ لم يسقط(١) .

وقال مالك : يجب الدم مطلقاً - وبه قال أحمد وزفر وابن المبارك - لقول ابن عباس : من ترك نسكاً فعليه دم(٢) .

ونمنع كون قوله حجةً أو العموم.

إذا عرفت هذا ، فلو لم يرجع مع قدرته ، بطل إحرامه وحجّه.

وقال الشافعي : إن لم يتمكّن من الرجوع ، جاز أن يُحْرم من مكانه ، ويجب الدم ، وإن لم يكن له عذر ، وجب الرجوع ، فإن لم يرجع أثم ، ووجب الدم ، وصحّ إحرامه(٣) .

وقد بيّنّا بطلانه.

مسألة ١٥٥ : لو تجاوز الميقات ناسياً أو جاهلاً ، أو لا يريد النسك ثم تجدّد له عزم ، وجب عليه الرجوع إلى الميقات ، وإنشاء الاحرام منه مع القدرة ، ولا يكفيه المرور بالميقات ، فإن لم يتمكن ، أحرم من موضعه ، ولو أحرم من موضعه مع إمكان الرجوع ، لم يجزئه.

____________________

(١) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٧٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٦٥ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٢٢٥ ، الحاوي الكبير ٤ : ٧٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧٢ ، المجموع ٧ : ٢٠٨.

(٢) المغني والشرح الكبير ٣ : ٢٢٥ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٤٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٦٥ ، الحاوي الكبير ٤ : ٧٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧١ ، المجموع ٧ : ٢٠٨.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٨٩ ، المجموع ٧ : ٢٠٦.

٢٠١

وقد وافقنا العامّة على وجوب الرجوع إلى الميقات للناسي والجاهل(١) .

أمّا غير مُريد النسك فقد وافقنا أحمد أيضاً في إحدى الروايتين(٢) على وجوب الرجوع ؛ لأنّه متمكّن من الإِتيان بالنسك على الوجه المأمور به ، فيكون واجباً عليه.

ولما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل نسي أن يُحْرم حتى دخل الحرم ، قال : « عليه أن يخرج إلى ميقات أهل أرضه ، فإن خشي أن يفوته الحج أحرم من مكانه ، وإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم »(٣) .

وسأل أبو الصباح الكناني الصادقعليه‌السلام عن رجل جهل أن يحرم حتى دخل الحرم كيف يصنع؟ قال : « يخرج من الحرم يهلّ بالحج »(٤) .

وقال مالك والثوري والشافعي وأبو يوسف ومحمد : يحرم من موضعه ، لأنّه حصل دون الميقات على وجه مباح ، فكان له الإِحرام منه كأهل ذلك المكان(٥) .

والفرق ظاهر ؛ لقولهعليه‌السلام : ( ومَنْ كان منزله دون الميقات فمهلّه من أهله )(٦) .

إذا عرفت هذا ، فلو لم يتمكّن من الرجوع إلى الميقات وتمكّن من‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٢٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٤.

(٢) المغني ٣ : ٢٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٧٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧٢ ، المجموع ٧ : ٢٠٤.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٨٣ - ٢٨٤ / ٩٦٥.

(٤) الكافي ٤ : ٣٢٥ / ٧ ، التهذيب ٥ : ٢٨٤ / ٩٦٦.

(٥) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٤٨ ، التفريع ١ : ٣١٩ ، المغني ٣ : ٢٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٠ ، المجموع ٧ : ٢٠٣ و ٢٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٧٥.

(٦) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٢٢٧ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٢٢.

٢٠٢

الخروج إلى خارج الحرم ، وجب عليه ، لما رواه عبد الله بن سنان - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل مرّ على الوقت الذي يُحْرم منه الناس ، فنسي أو جهل فلم يُحْرمْ حتى أتى مكة فخاف إن يرجع إلى الوقت فيفوته الحج ، قال : « يخرج من الحرم فيحرم منه ويجزئه ذلك »(١) .

ولأنّه بخروجه إلى خارج الحرم يكون جامعاً بين الحلّ والحرم ، بخلاف ما لو أحرم من موضعه مع المكنة من الخروج.

ولو لم يتمكّن من الخروج ، أحرم من موضعه ، وأجزأه إجماعاً ، ولا يجب عليه دم ، خلافاً للشافعي(٢) .

ولو أسلم بعد مجاوزة الميقات ، وجب عليه الرجوع إلى الميقات والإِحرام منه مع المكنة ، وإن لم يتمكّن ، أحرم من موضعه ، ولا دم عليه - وبه قال عطاء ومالك والثوري والأوزاعي وإسحاق وأصحاب الرأي(٣) - لأنّه أحرم من الموضع الذي وجب عليه الإِحرام منه ، فأشبه المكّي ومَنْ كان منزله دون الميقات.

وقال الشافعي : يجب الدم(٤) .

وعن أحمد روايتان(٥) .

والصبي والعبد إذا تجاوزا الميقات من غير إحرام ثم بلغ أو تحرّر وتمكّنا من الحجّ ، وجب عليهما الرجوع إلى الميقات ، والإِحرام منه ، وإن لم‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٣٢٤ / ٦ ، التهذيب ٥ : ٥٨ / ١٨١.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٠ ، المجموع ٧ : ٢٠٦.

(٣) المغني ٣ : ٢٢٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧٣ ، المجموع ٧ : ٦٢.

(٤ و ٥) حلية العلماء ٣ : ٢٧٣ ، المجموع ٧ : ٦١ - ٦٢ ، المغني ٣ : ٢٢٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٣.

٢٠٣

يتمكّنا ، أحرما من موضعهما ، ولا دم عليهما ، خلافاً للشافعي(١) .

ولو منعه مرض من الإِحرام عند الميقات ، قال الشيخرحمه‌الله : جاز له أن يؤخّره عن الميقات ، فإذا زال المنع ، أحرم من الموضع الذي انتهى إليه(٢) .

والظاهر أنّ مقصوده تأخير نزع الثياب وكشف الرأس وشبهه ، فأمّا النية والتلبية مع القدرة عليهما فلا يجوز له ذلك ؛ إذ لا مانع منه.

ولو زال عقله بإغماء وشبهه ، سقط عنه الحج ، فلو أحرم عنه رجل ؛ جاز ، لما رواه بعض أصحابنا عن أحدهماعليهما‌السلام في مريض أُغمي عليه فلم يعقل حتى أتى الموقف ، قال : « يحرم عنه رجل »(٣) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ الإِحرام يجزئ عنه بمعنى لو أفاق ، كان مُحْرماً ، ويجب عليه إتمام الحج ، فإن زال قبل الموقفين ، أجزأه عن حجّة الإِسلام ، وإن زال بعده ، لم يجزئه عن حجّة الإِسلام.

مسألة ١٥٦ : المواقيت التي يجب الاحرام منها هي التي وقّتها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلو كان الميقات قرية فخربت ونقلت عمارتها إلى موضع آخر ، كان الميقات موضع الاُولى وإن انتقل الاسم إلى الثانية ، لأنّ الحكم تعلّق بذلك الموضع ، فلا يزول عنه بخرابه.

وقد روي أنّ سعيد بن جبير رأى رجلاً يريد أن يُحْرم من ذات عِرْقٍ ، فأخذ بيده حتى أخرجه من البيوت وقطع به الوادي وأتى به المقابر ، ثم قال : هذه ذاتُ عِرْق الاُولى(٤) .

مسألة ١٥٧ : لو سلك طريقاً لا يؤدّي إلى شي‌ء من المواقيت ، روى‌

____________________

(١) انظر : المجموع ٧ : ٥٩.

(٢) النهاية : ٢٠٩.

(٣) التهذيب ٥ : ٦٠ / ١٩١.

(٤) الاُم ٢ : ١٣٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ٦٩ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٢١٥.

٢٠٤

العامّة عن عمر لمـّا قالوا له : وقِّتْ لأهل المشرق ، قال : ما حيال طريقهم؟ قالوا : قرن المنازل ، قال : قيسوا عليه ، فقال قوم : بطن العقيق ، وقال قوم : ذات عِرْق ، فوقَّت عمر ذات عِرْقٍ(١) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه عبد الله بن سنان - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : «مَنْ أقام بالمدينة وهو يريد الحج شهراً أو نحوه ثم بدا له أن يخرج في غير طريق المدينة ، فإذا كان حذاء الشجرة مسيرة ستة أميال فليحرم منها »(٢) .

ولو لم يعرف محاذاة الميقات المقارب لطريقة ، احتاط وأحرم من بُعْدٍ بحيث يتيقّن أنّه لم يجاوز الميقات إلّا مُحْرماً ، ولا يلزمه الإِحرام حتى يعلم أنّه قد حاذاه أو يغلب على ظنّه ذلك ؛ لأنّ الأصل عدم الوجوب ، فلا يجب بالشك.

ولو أحرم بغلبة الظنّ بالمحاذاة ثم علم أنّه قد جاوز ما يحاذيه من الميقات غير مُحْرم ، الأقرب : عدم وجوب الرجوع ؛ لأنّه فعل ما كلّف به من اتّباع الظن ، فكان مجزئاً.

ولو مرّ على طريق لم يحاذ ميقاتاً ولا جاز به ، قال بعض الجمهور : يُحْرم من مرحلتين ، فإنّه أقلّ المواقيت وهو ذات عِرْق(٣) .

ويحتمل أنّه يُحْرم من أدنى الحِلّ.

مسألة ١٥٨ : أهل مكة يُحرمون للحجّ من مكة ، وللعمرة من أدنى الحلّ ، سواء كان مقيماً بمكة أو غير مقيم ؛ لأنّ كلّ مَنْ أتى على ميقات كان ميقاتاً له ، ولا نعلم في ذلك خلافاً ، ولهذا أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ،

____________________

(١) راجع : صحيح البخاري ٢ : ١٦٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٧ ، الحاوي الكبير ٤ : ٦٨ ، المغني ٣ : ٢١٤ ، والمحلّى ٧ : ٧٢.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٠٠ / ٩١٣.

(٣) الوجيز ١ : ١١٤ ، فتح العزيز ٧ : ٨٨ ، المجموع ٧ : ١٩٩.

٢٠٥

عبد الرحمن بن أبي بكر أن يعمر عائشة من التنعيم ، وكانت بمكة(١) .

وإنّما لزم الإِحرام من الحِلّ ، ليجمع في النسك بين الحِلّ والحرم ، فإنّه لو أحرم من الحرم ، لما جمع بينهما فيه ؛ لأنّ أفعال العمرة كلّها في الحرم ، بخلاف الحجّ ، فإنّه يفتقر إلى الخروج إلى عرفة فيجتمع له الحِلّ والحرم ، والعمرة بخلاف ذلك.

ومن أيّ الحِلّ أحرم جاز ، كما أنّ المـُحْرم من مكة يُحْرم من أيّ موضع شاء منها ؛ لأنّ المقصود من الإِحرام الجمع في النسك بين الحِلّ والحرم.

وعن أحمد رواية : أنّ من اعتمر في أشهر الحج من أهل مكة أنّه يُهلّ بالحجّ من الميقات ، فإن لم يفعل ، فعليه دم(٢) .

ولو أحرم بالعمرة من الحرم ، لم يُجْزئه ، خلافاً للعامّة ؛ فإنّهم جوّزوه ، وأوجبوا عليه الدم ؛ لتركه الإِحرام من الميقات(٣) .

ثم إن خرج إلى الحِلّ قبل الطواف ثم عاد ، أجزأه ؛ لأنّه قد جمع بين الحِلّ والحرم.

وإن لم يخرج حتى قضى عمرته صحّ أيضاً عندهم ؛ لأنّه قد أتى بأركانها ، وإنّما أخلّ بالإِحرام من ميقاتها وقد جبره ، وهذا قول أبي ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي وأحد قولي الشافعي ، والقول الثاني : لا تصح عمرته ؛ لأنّه نسك ، فكان من شرطه الجمع بين الحِلّ والحرم ، كالحجّ ، فعلى هذا وجود هذا الطواف كعدمه ، وهو باقٍ على إحرامه حتى يخرج إلى الحِلّ ، ثم يطوف بعد ذلك ويسعى ، وإن حلق قبل ذلك فعليه دم(٤) .

____________________

(١) كما في المغني ٣ : ٢١٥ ، والشرح الكبير ٣ : ٢١٧ ، وراجع : صحيح البخاري ٣ : ٤ ، وصحيح مسلم ٢ : ٨٧١ / ١١٣ ، وسنن البيهقي ٤ : ٣٥٧ ، ومسند أحمد ٣ : ٣٠٥.

(٢) المغني ٣ : ٢١٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢١٨.

(٣) المغني ٣ : ٢١٨ ، المجموع ٧ : ٢٠٩ ، فتح العزيز ٧ : ٩٨.

(٤) المغني ٣ : ٢١٨ - ٢١٩ ، فتح العزيز ٧ : ٩٩ ، المجموع ٧ : ٢٠٩.

٢٠٦

مسألة ١٥٩ : مَنْ لا يريد النسك لو تجاوز الميقات ، فإن لم يُرِدْ دخول الحرم ، بل أراد حاجةً في ما سواه ، فهذا لا يلزمه الإِحرام إجماعاً ، ولا شي‌ء عليه في ترك الإِحرام ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أتى هو وأصحابه بَدْراً مرّتين ، وكانوا يسافرون للجهاد وغيره ، فيمرّون بذي الحليفة فلا يُحْرمون ، ولا يرون بذلك بأساً(١) .

ثم لو تجدّد له عزم الإِحرام ، احتمل الرجوع إلى الميقات والإِحرام منه ، وهو قول إسحاق وإحدى الروايتين عن أحمد(٢) .

وفي الاُخرى : يُحْرم من موضعه ولا شي‌ء عليه ، وبه قال مالك والثوري والشافعي وأبو يوسف ومحمد(٣) .

وأمّا إن أراد دخول الحرم إمّا إلى مكة أو إلى غيرها ، فأقسامه ثلاثة :

الأول : مَنْ يدخلها لقتال مباح ، أو من خوف ، أو لحاجة متكرّرة ، كالحشّاش والحطّاب وناقل المِيرَة(٤) ، ومَنْ كانت له ضيعة يتكرّر دخوله وخروجه إليها ، فهؤلاء لا إحرام عليهم ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله دخل يوم الفتح مكة حلالاً وعلى رأسه المِغْفَر(٥) ، وكذا أصحابه(٦) .

ولأنّ في إيجاب الإِحرام على مَنْ يتكرّر دخوله مشقّةً عظيمةً ؛ لاستلزامه‌

____________________

(١) انظر : المغني ٣ : ٢٢٦ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٢١.

(٢) المغني ٣ : ٢٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٧٥ ، المجموع ٧ : ٢٠٤.

(٣) المغني ٣ : ٢٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢١ - ٢٢٢ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٣٧٣ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٤٨ ، الحاوي الكبير ٤ : ٧٥ ، المجموع ٧ : ٢٠٤.

(٤) المِيرَة : الطعام. المفردات في غريب القرآن : ٤٧٨ « مور ».

(٥) المِغفَر : زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة. والزّرد : حلق المغفر والدرع. لسان العرب ٥ : ٢٦ و ٣ : ١٩٤.

(٦) صحيح مسلم ٢ : ٩٨٩ - ٩٩٠ / ١٣٥٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢٠١ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٢١ ، المغني ٣ : ٢٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٢.

٢٠٧

أن يكون مُحْرماً في جميع زمانه. وبهذا قال الشافعي وأحمد(١) .

وقال أبو حنيفة : لا يجوز لأحد دخول الحرم بغير إحرام إلّا مَنْ كان دون الميقات ؛ لأنّه يجاوز الميقات مُريداً للحرم ، فلم يجز بغير إحرام ، كغيره(٢) .

والشافعي استدلّ : بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله دخل يوم الفتح مكة وعلى رأسه عمامة سوداء(٣) .

إذا عرفت هذا ، فلو أراد هذا النسك بعد مجاوزة الميقات ، رجع وأحرم منه ، فإن لم يتمكّن ، أحرم من موضعه.

وقالت العامّة : يحرم من موضعه مطلقاً(٤) .

الثاني : مَنْ لا يكلّف بالحجّ - كالصبي والعبد والكافر - إذا أسلم بعد مجاوزة الميقات ، أو بلغ الصبي ، أو عُتق العبد ، وأراد الإِحرام ، فإنّهم يخرجون إلى الميقات ، ويُحْرمون منه ، فإن لم يتمكّنوا ، أحرموا من موضعه.

وقالت العامّة : يُحْرمون من موضعهم ثم اختلفوا :

فقال الشافعي : على كلّ واحد منهم دم(٥) .

وقال عطاء ومالك والثوري والأوزاعي وإسحاق وأحمد : لا دم عليهم(٦) .

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٠٢ ، المغني ٣ : ٢٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٢.

(٢) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٦٧ ، المغني ٣ : ٢٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٢ ، المجموع ٧ : ١٦.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٩٩٠ / ١٣٥٨ ، سنن النسائي ٥ : ٢٠١ ، سنن الترمذي ٤ : ١٩٦ / ١٦٧٩ ، وسنن الدارمي ٢ : ٧٤ ، وانظر : المغني ٣ : ٢٢٧ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٢٣ ، والمهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٠٢.

(٤) المغني ٣ : ٢٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢١.

(٥) المغني ٣ : ٢٢٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٣.

(٦) المدوّنة الكبرى ١ : ٣٨٠ ، المغني ٣ : ٢٢٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٣.

٢٠٨

وقال أصحاب الرأي : لا دم في الكافر يسلم والصبي يبلغ ، وأمّا العبد فعليه دم(١) .

الثالث : المكلّف الداخل لغير قتال ولا حاجة متكررة ، فلا يجوز له تجاوز الميقات غير مُحْرم ، وبه قال أبو حنيفة وبعض أصحاب الشافعي(٢) .

وقال بعضهم : لا يجب الإِحرام عليه - وعن أحمد روايتان(٣) - لأنّ ابن عمر دخلها بغير إحرام ، ولأنّه أحد الحرمين ، فلا يجب الإِحرام لدخوله ، كحرم المدينة(٤) .

والحقّ خلافه ؛ لأنّه لو نذر دخولها ، لزمه الإِحرام ، ولو لم يكن واجباً لم يجب بنذر الدخول، كسائر البلدان.

إذا ثبت هذا ، فمتى أراد هذا الإِحرام بعد تجاوز الميقات رجع فأحرم منه ، فإن أحرم من دونه مع القدرة ، لم يجزئه ، ولو لم يتمكّن ، أحرم من موضعه.

مسألة ١٦٠ : لو دخل الحرم من غير إحرام ممّن يجب عليه الإِحرام ، وجب عليه الخروج والإِحرام من الميقات ، فإن حجّ والحال هذه ، بطل حجّه ، ووجب عليه القضاء - والشافعي [ ما ](٥) أوجب القضاء(٦) - ؛ لأنّه أخلّ بركن من أركان الحجّ ، فوجب عليه الإِعادة.

وقال أبو حنيفة : يجب عليه أن يأتي بحجّة أو عمرة ، فإنّ أتى بحجّة الإِسلام في سنته أو منذورة أو عمرة ، أجزأته عن عمرة الدخول استحساناً ؛ لأنّ مروره على الميقات مريداً للحرم موجب للإِحرام ، فإذا لم يأت به ، وجب قضاؤه ، كالنذر(٧) .

____________________

(١) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٧٣ ، المغني ٣ : ٢٢٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٣.

(٢ - ٤) المغني ٣ : ٢٢٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٣.

(٥) زيادة يقتضيها السياق.

(٦ و ٧) المغني ٣ : ٢٢٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٤.

٢٠٩

وقال أحمد : لا قضاء عليه ؛ لأنّ الإِحرام شُرّع لتحية البقعة ؛ فإذا لم يأت به ، سقط ، كتحية المسجد(١)

وليس بجيّد ؛ لأنّ تحية المسجد غير واجبة.

ولو تجاوز الميقات ورجع ولم يدخل الحرم ، فلا قضاء عليه بلا خلاف نعلمه ، سواء أراد النسك أو لم يرده.

ومَنْ كان منزله دون الميقات خارجاً من الحرم فحكمه في مجاوزة قريته إلى ما يلي الحرم حكم المجاوز للميقات في الأحوال الثلاث السابقة ؛ لأنّه موضعه ميقاته ، فهو في حقّه كالمواقيت الخمسة في حقّ الآفاقي.

مسألة ١٦١ : إذا ترك الإِحرام من الميقات عامداً ، أثم ، ووجب عليه الرجوع إليه والإِحرام منه ، فإن لم يتمكّن من الرجوع ، بطل حجّه.

ولو تركه ناسياً أو جاهلاً ، وجب عليه الرجوع مع القدرة ، فإن لم يتمكّن ، أحرم من موضعه إن لم يتمكّن من الخروج إلى خارج الحرم ، سواء خشي فوات الحجّ برجوعه إلى الميقات أم لا - وقالت العامّة : يُحْرم من موضعه(٢) . وابن جبير(٣) وافقنا - لأنّه ترك ركنا من أركان الحج.

واحتجاج العامّة على أنّه ليس بركن : بإختلاف الناس والأماكن ، ولو كان ركناً لم يختلف ، كالوقوف والطواف(٤) .

والملازمة ممنوعة.

ويستحب لمن يُحْرم من ميقات أن يُحْرم من أول جزء ينتهي إليه منه ، ويجوز أن يُحْرم من آخره؛ لوقوع الاسم عليه.

ومَنْ سلك طريقاً لا يُفضي إلى هذه المواقيت في برٍّ أو بحرٍ ، فقد قلنا :

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٢٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٤.

(٢) المغني ٣ : ٢٣٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٦.

(٣) المغني ٣ : ٢٣٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٦ ، المجموع ٧ : ٢٠٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧١.

(٤) المغني ٣ : ٢٣٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٦.

٢١٠

إنّ ميقاته حيث يُحاذي واحداً منها.

ولو حاذى ميقاتين ، فأظهر وجهي الشافعية : أنّه يُحْرم من الموضع المحاذي لأبعدهما ، والثاني : يتخيّر(١) .

مسألة ١٦٢ : قد بيّنّا في ما تقدّم أنواع الحجّ ، وأنّها ثلاثة : تمتّع وقران وإفراد ، وأنّ الإِفراد أن يأتي بالحجّ وحده من ميقاته وبالعمرة مفردةً من ميقاتها في حقّ الحاضر بمكة ، ولا يلزمه العود إلى ميقات بلده عند الشافعي(٢) .

وعن أبي حنيفة أنّ عليه أن يعود ، وعليه دم الإِساءة لو لم يعُدْ(٣) .

والقران عند الشافعي : أن يُحْرم بالحجّ والعمرة معاً ، ويأتي بأعمال الحجّ ، فتحصل العمرة أيضاً ، ويتّحد الميقات والفعل(٤) .

وعند أبي حنيفة : يأتي بطوافين وسَعْيَيْن(٥) .

ولو أحرم بالعمرة أوّلاً ثم أدخل عليها الحج ، لم يجز عندنا.

وقال الشافعي : إن أدخله في غير أشهر الحج ، فهو لغو و [ إحرام ](٦) العمرة بحاله ، وإن أدخله عليها في أشهر الحجّ ، فإن كان إحرامه بالعمرة قبل أشهر الحج ثم أراد إدخال الحجّ عليها في الأشهر ليكون قارناً ، فوجهان :

أحدهما : يجوز ؛ لأنّه إنّما يدخل في الحجّ من وقت إحرامه به ، ووقت إحرامه به صالح للحج ، فعلى هذا له أن يجعله حجّاً بعد دخول الأشهر ، وان يجعله قراناً.

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٨٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٧٢ ، المجموع ٧ : ١٩٩.

(٢) فتح العزيز ٧ : ١١٤ - ١١٥.

(٣) فتح العزيز ٧ : ١١٥.

(٤) فتح العزيز ٧ : ١١٨ ، المجموع ٧ : ١٧١ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٦٤.

(٥) الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٥٤ ، فتح العزيز ٧ : ١١٨.

(٦) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطية والحجرية : إدخال. وما أثبتناه يقتضيه السياق. والمراد : لم يتغيّر إحرامه بالعمرة.

٢١١

والثاني : لا يجوز ؛ لأنّ ابتداء الإِحرام متلبّس بإحرامٍ ، ولذلك لو ارتكب محظوراً ، لم يلزمه إلّا فدية واحدة ، فلو انعقد الحجّ وابتداء الإِحرام سابق على الأشهر ، لانعقد الإِحرام بالحجّ قبل أشهره ، فعلى هذا لا يجوز أن يجعله حجّاً.

وإن كان إحرامه في أشهر الحجّ ، فإن لم يشرع بَعْدُ في الطواف ، جاز ، وصار قارناً ؛ لقضية عائشة لمـّا حاضت وخافت فوت الحجّ ، فأمرها النبيعليه‌السلام بإدخال الحجّ على العمرة لتصير قارنة لتأتي بأعمال الحجّ ، وتؤخّر الطواف إلى أن تطهر.

وإن شرع فيه أو أتمّه ، لم يجز إدخال العمرة عليه ؛ لأنّه أتى بعمل من أعمال العمرة ، فيقع ذلك العمل عن العمرة ، ولا ينصرف بعدها إلى غيرها.

ولأنّه أخذ في التحلّل من العمرة ، ولا ينصرف بعدها إلى غيرها.

ولأنّه أخذ في التحلّل من العمرة ، فلا يليق به إدخال إحرام عليه ، والمتحلّل جارٍ إلى نقصان(١) .

وشبّهوه بما لو ارتدّت الرجعية ، فراجعها الزوج في العدّة ، فإنّه لا يجوز ؛ لأنّ الرجعة استباحة ، فلا يليق بحال التي تجري إلى تحريم.

ولو أحرم بالحجّ ثم أدخل عليه العمرة ، فقولان :

القديم - وبه قال أبو حنيفة - إنّه يجوز كإدخال الحجّ على العمرة.

والجديد - وبه قال أحمد - المنع ؛ لأنّ الحجّ أقوى من العمرة ؛ لاختصاصه بالوقوف والرمي والمبيت ، والضعيف لا يدخل على القويّ وإن كان القويّ قد يدخل على الضعيف ، كما أنّ فراش النكاح يدخل على فراش ملك اليمين حتى لو نكح اُخت أمةٍ(٢) حلّ له وطؤها ، وفراش ملك اليمين لا يدخل على فراش النكاح حتى لو اشترى اُخت منكوحةٍ(٣) لم يجز له وطؤها.

____________________

(١) أي : نقصان الإِحرام.

(٢) أي : أمته.

(٣) أي : منكوحته.

٢١٢

فإن جوّزنا إدخال العمرة على الحجّ فإلى متى يجوز؟ فيه لهم وجوه :

أحدها : يجوز ما لم يطف للقدوم ، ولا يجوز بعده ؛ لأنّه أتى بعمل من أعمال الحجّ.

والثاني : يجوز وإن طاف للقدوم ما لم يأت بالسعي ولا غيره من فروض الحجّ.

والثالث : يجوز ما لم يقف بعرفة ، فإنّ الوقوف أعظم أعمال الحجّ.

والرابع : يجوز وإن وقف ما لم يشتغل بشي‌ء من أسباب التحلّل من الرمي وغيره.

قالوا : ويجب على القارن دم ؛ لأنّ النبيعليه‌السلام أهدى عن أزواجه بقرةً وكنّ قارنات ، ودم القارن كدم المتمتّع ؛ لأنّه أكثر ترفّهاً ؛ لاستمتاعه بمحظورات الإِحرام بين النسكين ، فما يكفي المتمتّع أولى أن يكفي القارن.

وقال مالك : على القارن بدنة. وهو القول القديم للشافعي(١) .

وأمّا التمتّع : فأن يُحْرم بالعمرة من ميقات بلده ، ويأتي بأعمالها ، ثم ينشئ الحج من مكة ، سُمّي متمتّعاً ؛ لتمكّنه من الاستمتاع بمحظورات الإِحرام بينهما ، لحصول التحلّل(٢) . وهذا كمذهبنا.

وعند أبي حنيفة إن كان قد ساق الهدي لم يتحلّل بفراغه من العمرة ، بل يُحْرم بالحجّ ، فإذا فرغ منه ، حلّ منهما(٣) .

وإنّما يجب دم التمتّع عند الشافعي بشروط :

الأول : أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام ؛ لقوله تعالى :

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ١٢٠ - ١٢٧ و ٢٠٤ - ٢٠٥ ، وراجع : المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٠٨ - ٢٠٩ ، والمجموع ٧ : ١٧١ - ١٧٣ ، و ١٩٠ - ١٩١ ، والحاوي الكبير ٤ : ٣٨ و ٣٩ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٤٥.

(٢) فتح العزيز ٧ : ١٢٧.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ١٤٩ ، فتح العزيز ٧ : ١٢٧.

٢١٣

( ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (١) والمعنى فيه أنّ الحاضر بمكة ميقاته للحج مكة ، فلا يكون بالتمتّع رابحاً ميقاتاً.

الثاني : أن يُحْرم بالعمرة في أشهر الحج ، فلو أحرم وفرغ من أعمالها قبل أشهر الحج ثم حجّ ، لم يلزمه الدم ؛ لأنّه لم يجمع بين الحجّ والعمرة في وقت الحجّ ، فأشبه المفرد لمـّا لم يجمع بينهما لم يلزمه دم ؛ لأنّ دم التمتّع منوط من جهة المعنى بأمرين :

أحدهما : ربح ميقات ، كما سبق.

والثاني : وقوع العمرة في أشهر الحجّ ، وكانوا لا يزحمون الحجّ بالعمرة في وقت إمكانه ، ويستنكرون ذلك ، فورد التمتّع رخصةً وتخفيفاً ؛ إذ الغريب قد يرد قبل عرفة بأيّام ، ويشقّ عليه استدامة الإِحرام لو أحرم من الميقات ، ولا سبيل إلى مجاوزته ، فجُوّز أن يعتمر ويتحلّل.

ولو أحرم بها قبل أشهر الحج وأتى بجميع أفعالها في أشهر الحجّ ، فللشافعي قولان :

أحدهما : يلزمه الدم - قاله في القديم - لأنّه حصل له المزاحمة في الأفعال وهي المقصودة ، والإِحرام كالتمهيد لها.

وأصحّهما : لا يلزم - وبه قال أحمد(٢) - لأنّه لم يجمع بين النسكين في أشهر الحجّ ؛ لتقدّم أحد أركان العمرة عليها.

وقال مالك : مهما حصل التحلّل في أشهر الحجّ وجب الدم(٣) .

وقال أبو حنيفة : إذا أتى بأكثر أفعال العمرة في الأشهر ، كان متمتّعاً(٤) .

وإذا لم نوجب دم التمتّع في هذه الصورة ، ففي وجوب دم الإِساءة‌

____________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) الشرح الكبير ٣ : ٢٤٦ ، فتح العزيز ٧ : ١٣٩ - ١٤٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦١.

(٣) فتح العزيز ٧ : ١٤١ - ١٤٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦١.

(٤) فتح العزيز ٧ : ١٤٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦١.

٢١٤

للشافعية وجهان :

أحدهما : يجب ؛ لأنّه أحرم بالحج من مكة دون الميقات.

وأصحّهما : لا يجب ؛ لأنّ المسي‌ء مَنْ ينتهي إلى الميقات على قصد النسك ويتجاوزه غير مُحْرم ، وهنا قد أحرم بنسك ، وحافَظَ على حرمة البقعة.

الثالث : أن يقع الحجّ والعمرة في سنة واحدة ، فلو اعتمر ثم حجّ في السنة القابلة ، فلا دم عليه سواء أقام بمكة إلى أن حجّ ، أو رجع وعاد ؛ لأنّ الدم إنّما يجب إذا زاحم بالعمرة حجّةً في وقتها ، وترك الإِحرام بحجّة من الميقات مع حصوله بها في وقت الإِمكان ولم يوجد.

وهذه الشرائط الثلاثة عندنا شرائط في التمتّع.

الرابع : أن لا يعود إلى الميقات ، كما إذا أحرم بالحج من جوف مكة واستمرّ عليه ، فإن عاد إلى ميقاته الذي أنشأ العمرة منه وأحرم بالحجّ ، فلا دم عليه ؛ لأنّه لم يربح ميقاتاً.

ولو رجع إلى مثل مسافة ذلك الميقات وأحرم منه ، فكذلك لا دم عليه ؛ لأنّ المقصود قطع تلك المسافة مُحْرماً.

ولو أحرم من جوف مكة ثم عاد إلى الميقات مُحْرماً ، ففي سقوط الدم مثل الخلاف المذكور فيما إذا جاوز غير مُحْرم وعاد إليه مُحْرماً.

ولو عاد إلى ميقات أقرب إلى مكة من ذلك الميقات وأحرم منه كما إذا كان ميقاته الجحفة فعاد إلى ذات عرق ، فهو كالعود إلى ذلك الميقات للشافعية فيه وجهان :

أحدهما : لا ، وعليه الدم إذا لم يَعُدْ إلى ميقاته ولا إلى مثل مسافته.

والثاني : نعم ؛ لأنّه أحرم من موضع ليس ساكنوه من حاضري المسجد الحرام.

الخامس : اختلفت الشافعيّة في أنّه هل يشترط وقوع النسكين عن شخص واحد أم لا؟

٢١٥

فقال بعضهم : يشترط كما يشترط وقوعهما في سنة واحدة.

وقال الأكثر : لا يشترط ؛ لأنّ زحمة الحجّ وترك الميقات لا يختلف.

وهذا يفرض في ثلاث صُور :

إحداها : أن يكون أجيراً من شخصين استأجره أحدهما للحج والآخر للعمرة.

والثانية : أن يكون أجيراً للعمرة للمستأجر ثم يحجّ عن نفسه.

والثالثة : أن يكون أجيرا للحجّ ، فيعتمر لنفسه ثم يحجّ عن المستأجر.

فعلى قول الأكثر يكون نصف دم التمتّع على مَنْ يقع له الحجّ ونصفه على مَنْ تقع له العمرة.

وفصّل بعضهم ، فقال في الصورة الاُولى : إن أذنا في التمتّع ، فالدم عليهما نصفان ، وإن لم يأذنا ، فهو على الأجير ، وإن أذن أحدهما دون الآخر ، فالنصف على الآذن ، والنصف الآخر على الأجير.

وأمّا في الصورتين الأخيرتين : فإن أذن له المستأجر في التمتّع ، فالدم عليهما نصفان ، وإلاّ فالكلّ على الأجير.

السادس : في اشتراط نيّة التمتّع للشافعي وجهان :

أصحّهما عنده : أنّه لا يُشترط ، كما لا تُشترط نيّة القران ، وهذا لأنّ الدم منوط بزحمة الحجّ وربح أحد الميقاتين ، وذلك لا يختلف بالنيّة وعدمها.

والثاني : يشترط ؛ لأنّه جمع بين عبادتين في وقت إحداهما ، فأشبه الجمع بين الصلاتين.

وهذه الشروط الستّة معتبرة عنده في لزوم الدم ، وهل تعتبر في نفس التمتّع؟

قال بعض الشافعية : نعم ، فإذا تخلّف شرط ، كانت الصورة من صور الإِفراد.

وقال بعضهم : لا. وهو الأشهر عندهم ، ولهذا اختلفوا في أنّه يصحّ‌

٢١٦

التمتّع والقران من المكّي.

فقال بعضهم : نعم. وبه قال مالك.

وقال بعضهم : لا يصح. وبه قال أبو حنيفة(١) .

وعندنا يصحّ القران من المكّي دون التمتّع.

مسألة ١٦٣ : دم التمتّع نسك‌ - وبه قال أبو حنيفة وأصحابه(٢) - لقوله تعالى( وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) (٣) .

فأخبر أنّها من الشعائر ، فأمر بالأكل ، فلو كان جبراناً لما أمر بالأكل منها.

وقال الشافعي : إنّه دم جبران(٤) . وقد ظهر بطلانه.

إذا عرفت هذا ، فالمتمتّع إذا أحرم بالحجّ من مكة ، لزمه الدم إجماعاً ، فإن أتى الميقات وأحرم منه ، لم يسقط عنه فرض الدم عند علمائنا ؛ لأنّه متمتّع.

وقال جميع العامّة : يسقط عنه الدم(٥) .

مسألة ١٦٤ : من حضر الميقات ولم يتمكّن من الإِحرام لمرض أو غيره ، أحرم عنه وليّه‌ وجنّبه ما يجتنبه المحرم ، وقد تمّ إحرامه.

والحائض والنفساء إذا جاءتا إلى الميقات اغتسلتا وأحرمتا منه وتركتا صلاة الإِحرام.

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ١٢٨ و ١٣٦ - ١٤٩ و ١٥٢ - ١٥٥ و ١٦١ و ١٦٣ - ١٦٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ٤٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٠٨ ، المجموع ٧ : ١٧٥ - ١٧٩ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦٠ - ٢٦١.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٨٦ ، المجموع ٧ : ١٧٦ و ٨ : ٤١٩ ، التفسير الكبير ٥ : ١٦٨.

(٣) الحج : ٣٦.

(٤) فتح العزيز ٧ : ١٣٥ ، المجموع ٧ : ١٧٦ ، التفسير الكبير ٥ : ١٦٨.

(٥) انظر : فتح العزيز ٧ : ١٤٧ ، والمجموع ٧ : ١٧٧.

٢١٧

ويجرّد الصبيان من فخّ إذا أُريد الحجّ بهم ، ويجنّبون ما يجتنبه المحرم ، ويفعل بهم جميع ما يفعل به ، وإذا فعلوا ما تجب فيه الكفّارة ، كان على أوليائهم أن يكفّروا عنهم.

ولو كان الصبي لا يحسن التلبية أو لا يتأتّى له ، لبّى عنه وليّه ، وكذا يطوف به ، ويصلّي عنه إذا لم يحسن ذلك.

وإن حجّ بهم متمتّعين ، وجب أن يذبح عنهم إذا كانوا صغاراً ، وإن كانوا كباراً ، جاز أن يؤمروا بالصيام.

وينبغي أن يوقفوا الموقفين معاً ويحضروا المشاهد كلّها ويرمي عنهم ، ويناب عنهم في جميع ما يتولّاه البالغ بنفسه.

وإذا لم يوجد لهم هدي ولا يقدرون على الصوم ، كان على وليّهم أن يصوم عنهم.

٢١٨

٢١٩

المقصد الثاني

في أعمال العمرة المتمتّع بها إلى الحجّ‌

وفيه فصول‌

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481