تذكرة الفقهاء الجزء ٧

تذكرة الفقهاء12%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: 481

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 481 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 169347 / تحميل: 5804
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٧

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٠٠٧-٢
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

وبنى بعضهم القولين على أصل التبيّن ، فإن قلنا به ، فلا دم عليه ، وإن قلنا بانعقاد إحرامه نفلاً ثم انقلب فرضا ، لزم الدم(١) .

والطريق الثاني : أنّه لا دم عليه(٢) .

وهذا الخلاف عندهم فيما إذا لم يَعُدْ بعد البلوغ إلى الميقات ، فإن عاد إليه ، لم يلزمه الدم بحال ؛ لأنّه أتى بالممكن أوّلاً وأخيراً ، وبذل ما في وسعه(٣) .

وقد بيّنّا مذهبنا في ذلك.

مسألة ٢٧ : لو بلغ الصبي أو اُعتق العبد قبل الوقوف أو في وقته وأمكنهما الإِتيان بالحجّ ، وجب عليهما ذلك ؛ لأنّ الحجّ واجب على الفور ، فلا يجوز لهما تأخيره مع إمكانه كالبالغ الحُرّ ، خلافاً للشافعي(٤) .

ومتى لم يفعلا الحجّ مع إمكانه ، فقد استقرّ الوجوب عليهما ، سواءً كانا موسرين أو معسرين؛ لأنّ ذلك وجب عليهما بإمكانه في موضعه ، فلم يسقط بفوات القدرة بعده.

مسألة ٢٨ : المجنون لا يجب عليه الحجّ بالإِجماع ؛ لأنّه ليس محلّاً للتكليف ؛ لما رواه العامة عن عليعليه‌السلام أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( رُفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى ينبت ، وعن المعتوه حتى يعقل )(٥) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه محمد بن يحيى الخثعمي ، قال : سأل‌

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٢٩ - ٤٣٠.

(٢ و ٣) فتح العزيز ٧ : ٤٣٠ ، المجموع ٧ : ٥٩.

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ٢٤ ، المجموع ٧ : ١٠٢ و ١٠٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٤٣.

(٥) سنن الترمذي ٤ : ٣٢ / ١٤٢٣ ، وأوردها عنه ابنا قدامة في المغني ٣ : ١٦٥ ، والشرح الكبير ٣ : ١٦٦ - ١٦٧ ، وفيها : ( حتى يشب ) بدل ( حتى ينبت ).

٤١

حفص الكناسي أبا عبد اللهعليه‌السلام - وأنا عنده - عن قول الله عزّ وجلّ :( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) (١) ما يعني بذلك؟ قال : « من كان صحيحاً في بدنه مخلّى سربه ، له زاد وراحلة فهو ممّن يستطيع الحجّ »(٢) والمجنون غير صحيح ، فلا يندرج تحت الخطاب.

إذا عرفت هذا ، فلو حجّ حالة جنونه ، لم يجزئه إجماعاً.

ولو أحرم به الوليّ ، صحّ إحرامه كالطفل ، فإن عاد عقله قبل الوقوف بالمشعر الحرام فوقف به ، أجزأه عن حجّة الإِسلام ، وإن كان بعد الوقوف ، لم يجزئه ، ووجب عليه إعادة الحجّ مع إفاقته وكمال الشرائط.

ولو كان المجنون يعتوره أدواراً ، فإن وسع الوقت في نوبة العقل لأداء الحجّ من بلده وإكماله وعوده ، وجب عليه الحجّ ، لأنّه عاقل مكلّف مستطيع ، وإن قصر الوقت عن ذلك ، سقط عنه الوجوب ، وحكم المجنون حكم الصبي غير المميّز في جميع ما تقدّم.

ولو خرج الوليّ بالمجنون بعد ما استقرّ فرض الحجّ عليه وأنفق عليه من ماله ، فإن لم يُفق حتى فات الوقوف غرم له الولي زيادة نفقة السفر ، وإن أفاق وأحرم وحجّ ، فلا غرم عليه ، لأنّه قضى ما وجب عليه.

وشرطت الشافعية إفاقته عند الإِحرام والوقوف والطواف والسعي(٣) ، ولم يتعرّضوا لحالة الحلق ، وقياس كونه منسكاً عندهم اشتراط الإِفاقة كسائر الأركان(٤) .

وحكم المغمى عليه حكم المجنون لا يجب عليه الحجّ ، ولا يُحْرم عنه غيره على إشكال - وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد(٥) - لأنّه ليس أهلاً

____________________

(١) آل عمران : ٩٧.

(٢) الكافي ٤ : ٢٦٧ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٣ / ٢.

(٣ و ٤) فتح العزيز ٧ : ٤٢٨ ، المجموع ٧ : ٣٨.

(٥) المغني ٣ : ٢١١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٣ ، المجموع ٧ : ٣٨ ، حلية العلماء ٣ : =

٤٢

للخطاب حالة الإِغماء.

وقال أبو حنيفة : يُحْرم عنه رفيقه ، فيصير مُحرماً بإحرامه استحساناً(١) .

وقد علم من ذلك أنّ التكليف شرط الوجوب دون الصحة ؛ إذ يصح من غير المكلّف.

البحث الثاني : في شرط الحُرّية‌

مسألة ٢٩ : لا خلاف بين علماء الأمصار أنّ الحُرّية شرط في وجوب الحجّ والعمرة ، وقد سبق البحث في ذلك.

ويصح من العبد الحجّ بإذن مولاه ، ولا يجزئه عن حجّة الإِسلام بعد عتقه لو وجبت عليه إلّا أن يُدرك أحد الموقفين معتقاً على ما تقدّم.

وليس له أن يُحرم بحجّ أو عمرة إلّا بإذن مولاه بلا خلاف ؛ لأنّ منافعه مستحقّة لمولاه ، ويجب عليه صرف زمانه في إشغاله ، فلا يجوز أن يُفوّت حقوقَ مولاه الواجبة عليه بالتزام ما ليس بلازم عليه ، فإن أحرم بغير إذن مولاه ، لم ينعقد إحرامه.

وللسيّد منعه منه. ولا يلزمه الهدي ولا بد له ؛ لأنّ إحرامه لم ينعقد ، ولأنّه لا يملك أن يُحرم ؛ لقوله تعالى :( عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) (٢) .

ولما رواه الشيخ عن آدم عن أبي الحسنعليه‌السلام قال : « ليس على المملوك حجّ ولا جهاد ، ولا يسافر إلّا بإذن مالكه »(٣) والنهي في العبادة يدلّ‌

____________________

= ٢٣٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٦١.

(١) المغني ٣ : ٢١١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٣ ، المجموع ٧ : ٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٣٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٦١.

(٢) النحل : ٧٥.

(٣) التهذيب ٥ : ٤ / ٥.

٤٣

على الفساد.

وقال أحمد : إنّ إحرامه ينعقد صحيحاً ؛ لأنّه عبادة بدنية يصحّ من العبد الدخول فيها بغير إذن سيّده.

ولسيّده أن يحلّله - في إحدى الروايتين عنه - لأنّ في بقائه عليه تفويتاً لحقّه من المنافع بغير إذنه ، فلم يلزم ذلك سيّده كالصوم المضرّ ببدنه ، وإذا حلّله منه ، كان حكمه حكم المحصر.

والثانية : ليس له تحليله ؛ لأنّه لا يملك التحلّل من تطوّعه فلم يملك تحليل عبده. والأول أصح؛ لأنّه التزم التطوّع باختيار نفسه ، فنظيره أن يُحْرم عبده بإذنه ، وفي مسألتنا يفوت حقّه الواجب بغير اختياره(١) .

مسألة ٣٠ : لو أذن السيد في الإِحرام فأحرم ، انعقد إحرامه ، وصحّ إجماعاً ؛ لما رواه إسحاق بن عمّار عن الكاظمعليه‌السلام ، قال : سألته عن اُمّ الولد تكون للرجل يكون قد أحجّها أيجوز(٢) ذلك عنها من حجّة الإِسلام؟ قال : « لا » قلت : لها أجر في حجّتها؟ قال : « نعم»(٣) .

إذا عرفت هذا ، فهل لسيّده بعد إذنه الرجوع؟ إن لم يكن قد أحرم كان له الرجوع قطعاً ، وإن كان المملوك قد تلبّس بالإِحرام ، لم يكن للمولى الرجوع فيه ولا تحليله ، لأنّه إحرام انعقد صحيحا فلم يكن له إبطاله كالصلاة ، وبه قال الشافعي وأحمد ، لأنّه عقد لازم عقده بإذن سيده فلم يكن لسيده منعه ، كالنكاح(٤) .

وقال أبو حنيفة : له تحليله ؛ لأنّه ملك منافع نفسه ، فكان له الرجوع ،

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٠٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٣.

(٢) في التهذيب والاستبصار : أيجزئ.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٦٥ / ١٢٨٨ ، التهذيب ٥ : ٥ / ١٠ ، الاستبصار ٢ : ١٤٧ / ٤٨٢.

(٤) فتح العزيز ٨ : ٢٢ ، المجموع ٧ : ٤٥ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٥١ ، المغني ٣ : ٢٠٥ - ٢٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٣.

٤٤

كالمـُعير يرجع في العارية(١) .

والفرق ظاهر ؛ فإنّ العارية ليست لازمةً ، ولو أعاره شيئاً ليرهنه فرهنه ، لم يكن له الرجوع فيه.

فروع :

أ - لو أذن له سيّده في الإِحرام ثم رجع وعلم العبد رجوعه قبل الإِحرام ، بطل إحرامه ، وصار كمن لم يؤذن له.

ولو لم يعلم حتى أحرم فهل للمولى تحليله؟ قال الشيخرحمه‌الله : الأولى أن نقول : ينعقد إحرامه ، غير أنّ للسيّد منعه منه ، وقد قيل : إنّه لا ينعقد إحرامه أصلاً(٢) .

وللعامّة في أنّه هل يكون حكمه حكم من أحرم بإذن سيّده؟ وجهان(٣) .

ب - لو باعه سيّده بعد ما أحرم فحُكْم مشتريه في تحليله حكم بائعه سواء ؛ لأنّه اشتراه مسلوب المنفعة ، فأشبه بيع الأمة المزوّجة أو المستأجرة ، فإن علم المشتري بذلك ، فلا خيار له ؛ لأنّه دخل على علم ، فأشبه ما لو اشترى معيباً علم بعيبه.

وإن لم يعلم ، فله فسخ البيع ؛ لأنّه يتضرّر بمضيّ العبد في الحجّ ، لفوات منافعه وعجزه عن تحليله(٤) ، وهو نقص يوجب الردّ ، إلّا في إحرامٍ يكون لسيّده تحليله ، فلا يملك الفسخ ؛ لأنّه يمكنه رفع الضرر عنه.

ج - إذا باعه مولاه في إحرام له تحليله فيه ، لم يكن ذلك تحليلاً له ولا مقتضياً لذلك ، ويكون حكم المشتري حكمه في جواز التحليل ، فإن أمره‌

____________________

(١) فتح العزيز ٨ : ٢٣ ، المجموع ٧ : ٤٥ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٥١ ، المغني ٣ : ٢٠٥ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٣.

(٢) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٢٧.

(٣) المغني ٣ : ٢٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٣.

(٤) في النسخ الخطية : تحلّله‌

٤٥

البائع بالمضيّ في إحرامه وإتمام حجّه بعد البيع ، لم يعتدّ بهذا الأمر وإن كان في زمن خياره ، ولو أمره المشتري ، لم يكن له تحليله ولا لبائعه وإن كان في زمن خياره.

مسألة ٣١ : لو أحرم العبد بغير إذن سيّده ثم أعتقه قبل الموقفين ، لم يجزئه إحرامه ، ووجب عليه الرجوع إلى الميقات والإِحرام منه إن أمكنه ، وإن لم يمكنه ، أحرم من موضعه ، فإن فاته المشعر الحرام ، فقد فاته الحجّ.

وإن أحرم بإذن سيّده ، لم يلزمه الرجوع إلى الميقات ؛ لأنّ إحرامه صحيح منعقد ، فإن أدرك المشعر الحرام بعد العتق فقد أدرك حجّة الإِسلام ، وإن لم يدركه معتقاً ، لم يجزئه ، وكان عليه الحجّ مع الشرائط.

وإذا أحرم بغير إذن سيّده ثم أفسد الحجّ ، لم يتعلّق به حكم ؛ لأنّ إحرامه غير منعقد.

وإن أحرم بإذن سيّده ثم أفسده ، لزمه المضيّ في فاسدة ، كالحُرّ ، وليس لسيّده إخراجه منه ؛ لأنّه ليس له منعه من صحيحه فلم يكن له منعه من فاسدة.

وقالت العامّة : إن كان إحرامه بغير إذن سيّده ، كان له تحليله منه ؛ لأنّه يملك تحليله من صحيحه فالفاسد أولى(١) .

والحقّ ما قلناه.

مسألة ٣٢ : إذا أفسد العبد حجّه ، فإن كان مأذوناً فيه ، وجب عليه القضاء والمضيّ فيه ، كالحُرّ ؛ لأنّه حجّ صحيح وإحرام معتدّ به ، فيترتّب عليه أحكامه.

ويصحّ القضاء في حال رقّه ؛ لأنّه وجب في حال الرقّ فيصحّ به ، كالصلاة والصيام ، وليس لسيّده منعه من القضاء ؛ لأنّ إذنه في الحجّ الأول‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٠٧ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٥.

٤٦

إذن في موجبه ومقتضاه ، ومن مقتضياته القضاء لما أفسده.

وإن لم يكن الأول(١) مأذوناً فيه ، كان للمولى منعه من القضاء ، لأنّه يملك منعه من الحجّ الذي شرع فيه بغير إذنه فكذلك قضاؤه ، وهو قول بعض العامّة(٢) .

وقال بعضهم : لا يملك منعه من قضائه ؛ لأنّه واجب ، وليس للسيّد(٣) منعه من الواجبات(٤) .

وهو خطأ ؛ لأنّا نمنع وجوبه ، بل نمنع صحته فضلاً عن وجوبه.

مسألة ٣٣ : إذا أفسد العبدُ الحجَّ ولزمه القضاء ، فأعتقه مولاه ، فإن كان عتقه بعد الوقوف بالمشعر الحرام ، كان عليه أن يُتمّ هذه الحجّة ، ويلزمه حجّة الإِسلام وحجّة القضاء ، ويجب عليه البدأة بحجّة الإِسلام ثم يأتي بحجّة القضاء ، وكذلك إذا بلغ وعليه قضاء ، ولا يقضي قبل حجّة الإِسلام ، فإن فعل حجّة الإِسلام بقي عليه حجّة القضاء ، وإن أحرم بالقضاء ، انعقد بحجّة الإِسلام ؛ لأنّها آكد ، وكان القضاء في ذمّته ، قاله الشيخ(٥) رحمه‌الله ، وهو مذهب العامة(٦) .

ثم قال الشيخ : وإن قلنا : لا يجزئ عن واحد منهما ، كان قويّاً(٧) . وأطلق.

والوجه : ما قوّاه الشيخ إن كان قد استطاع أو استقرّ الحجّ في ذمّته ، وإلّا فالوجه : الإِجزاء عن القضاء.

____________________

(١) أي : الحجّ الأول.

(٢) المغني ٣ : ٢٠٧ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٥.

(٣) في الطبعة الحجرية : لسيّده.

(٤) المغني ٣ : ٢٠٧ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٥.

(٥) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٢٧ - ٣٢٨.

(٦) المغني ٣ : ٢٠٧ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٥.

(٧) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٢٨.

٤٧

وإن اُعتق قبل الوقوف بالمشعر ، فلا فصل بين أن يفسد بعد العتق أو قبله ، فإنّه يمضي في فاسدة ، ولا تجزئه الفاسدة عن حجّة الإِسلام ، ويلزمه القضاء في القابل ، ويجزئه القضاء عن حجّة الاسلام ؛ لأنّ ما أفسده لو لم يفسده لكان يجزئه عن حجّة الإِسلام وهذه قضاء عنها.

مسألة ٣٤ : إذا أحرم العبد بإذن مولاه فارتكب محظوراً يلزمه به الدم ، كالتطيّب واللبس وحلق الشعر وتقليم الأظفار واللمس بشهوة والوطء في الفرج أو في ما دونه وقتل الصيد أو أكله ، ففرضه الصوم ، وليس عليه دم ، كالمعسر.

وإن تحلّل بحصر عدوّ ، فعليه الصوم ، ولا يتحلّل قبل فعله ، كالحُرّ.

قال الشيخرحمه‌الله : ولسيّده منعه منه ؛ لأنّه فَعَله بغير إذنه ، وإن ملّكه سيّده هدياً ليخرجه فأخرجه ، جاز ، وإن أذن له فصام ، جاز أيضاً ، وإن مات قبل الصيام ، جاز لسيّده أن يُطعم عنه(١) .

وقالت العامّة : ليس للسيّد أن يحول بينه وبين الصوم مطلقاً(٢) .

والوجه : ذلك إن أذن له في الإِحرام ؛ لأنّه صوم وجب عليه ، فأشبه صوم رمضان.

وإن ملّكه السيد هدياً وأذن له في إهدائه وقلنا : إنه يملكه ، فهو كالواجد للهدي لا يتحلّل إلّا به ، وإن قلنا : لا يملكه ، ففرضه الصيام.

وإن أذن له سيّده في تمتّع أو قران ، فعليه الصيام بدلاً عن الهدي الواجب.

وقال بعض العامّة : على سيّده تحمّل ذلك عنه ، لأنّه بإذنه ، فكان على مَنْ أذن فيه ، كما لو فعله النائب بإذن المستنيب(٣) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ الحجّ للعبد وهذا من موجباته فيكون عليه ، كالمرأة‌

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٢٨.

(٢) المغني ٣ : ٢٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٤.

(٣) المغني ٣ : ٢٠٧ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٤.

٤٨

إذا حجّت بإذن زوجها ، بخلاف النائب فإنّ الحجّ للمنوب ، فموجبه عليه.

وعندنا أنّ للسيّد الخيار بين أن يأمره بالصوم أو يهدي عنه.

وإن تمتّع أو قرن بغير إذن سيّده ، لم يعتدّ به.

وقالت العامّة : إنّ عليه الصوم(١) .

وإن أفسد حجّه ، فعليه أن يصوم كذلك ، فإنه لا مال له ، فهو كالمعسر من الأحرار.

مسألة ٣٥ : إذا نذر العبدُ الحجَّ ، فلا يخلو إمّا أن يكون مولاه قد أذن له في النذر أو لا ، فإن كان قد أذن له ، فلا يخلو النذر إمّا أن يكون مقيّداً بوقت أو مطلقاً ، فإن كان مقيّداً بوقت ، وجب عليه الوفاء به مع قدرته ، ولا يجوز لمولاه منعه منه ؛ لأنّه واجب عليه ، وكان كما لو أذن له في الإِحرام وتلبّس به.

وهل يجب على مولاه دفع ما يحتاج إليه العبد زائداً عن نفقة الحضر؟ الأقرب : المنع ؛ لأصالة البراءة.

ويحتمل وجوبه ، كالإِذن في الدَّيْن.

ولو قدر العبد على المشي ، لم يجب على المولى بذل الراحلة.

ولو كان مطلقاً ، أو مقيّداً وفرّط العبد ، أو المولى يمنعه عن المبادرة حتى صار قضاءً ، فالأقرب : عدم وجوبه على الفور ؛ لأنّ حقّ السيّد مضيّق ؛ والنذر المطلق وقضاء النذر المقيّد غير مضيّق ، لأصالة البراءة.

فلو شرع العبد وبادر معجّلاً فأحرم بغير إذن مولاه ، فالأقرب أنّه ليس للمولى تحليله ؛ لأنّه إحرام حجّ أذن له فيه مولاه ، فلم يملك تحليله ، كما لو تلبّس بالإِحرام بعد إذن مولاه.

وإن لم يكن مولاه قد أذن له في النذر ، فالمشهور بين علمائنا : عدم انعقاده ؛ لأنّ أوقاته مستحقّة للمولى.

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٠٧ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٤.

٤٩

وقال بعض العامة : يصحّ نذره ؛ لأنّه مكلّف ، فانعقد نذره ، كالحُرّ ، ولسيده منعه من المضيّ فيه ؛ لما فيه من تفويت حقّ سيّده الواجب ، فيُمنع منه ، كما لو لم ينذر(١) .

وروي عن أحمد أنّه لا يُمنع من الوفاء به ؛ لما فيه من أداء الواجب(٢) .

واختلف أصحابه على قولين :

أحدهما : أنّ ذلك على الكراهية دون التحريم.

والثاني : التحريم ؛ لأنّه واجب فلم يملك منعه كسائر الواجبات(٣) .

وهو غلط ، لأنّا نمنع وجوبه.

فإن اُعتق ، وجب عليه الوفاء بما نذره بإذن مولاه ، وفي غيره الخلاف.

وتُقَدَّمُ حجّة الإِسلام مع وجوبها ، وإطلاق النذر أو تقييده بزمان متأخّر عن الاستطاعة.

البحث الثالث : في الاستطاعة‌

مسألة ٣٦ : الاستطاعة شرط في وجوب الحجّ والعمرة ، بإجماع العلماء وبالنصّ :

قال الله تعالى( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) (٤) دلّ بمفهومه على سقوطه عن غير المستطيع.

ولا نعلم في ذلك خلافاً ، ولقضاء الضرورة بقبح تكليف غير القادر.

إذا عرفت هذا ، فنقول : الاستطاعة المشترطة في الآية هي الزاد والراحلة ، بإجماع علمائنا ، وبه قال الحسن البصري ومجاهد وسعيد بن جبير والشافعي وأحمد وإسحاق(٥) .

____________________

(١ - ٣) المغني ٣ : ٢٠٦ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٤.

(٤) آل عمران : ٩٧.

(٥) المغني ٣ : ١٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٨.

٥٠

قال الترمذي : والعمل عليه عند أهل العلم(١) .

لما رواه العامّة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، سُئل ما السبيل؟ قال : ( الزاد والراحلة )(٢) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه محمد بن يحيى الخثعمي ، قال : سأل حفصُ الكناسي الصادقعليه‌السلام - وأنا عنده - عن قول الله عزّ وجلّ :( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) قال : ما يعني بذلك؟ قال : « من كان صحيحاً في بدنه مخلّى سربه ، له زاد وراحلة ، فهو ممّن يستطيع الحجّ »(٣) .

ولأنّها عبادة تتعلّق بقطع مسافة بعيدة ، واشترط لوجوبها الزاد والراحلة ، كالجهاد.

وقال عكرمة : الاستطاعة هي الصحة(٤) .

وقال الضحّاك : إن كان شابّاً فليؤاجر نفسه بأكله وعَقِبَه(٥) حتى يقضي نسكه(٦) .

وقال مالك : إن كان يمكنه المشي وعادته سؤال الناس ، لزمه الحجّ ؛ لأنّ هذه الاستطاعةُ في حقّه ، فهو كواجد الزاد والراحلة(٧) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ هذا فعلٌ شاقٌّ ، فليس استطاعةً وإن كان عادةً ،

____________________

(١) سنن الترمذي ٣ : ١٧٧ ذيل الحديث ٨١٣ ، وحكاه عنه ابنا قدامة في المغني ٣ : ١٦٨ ، والشرح الكبير ٣ : ١٧٨.

(٢) سنن الترمذي ٥ : ٢٢٥ / ٢٩٩٨ ، سنن الدار قطني ٢ : ٢١٧ و ٢١٨ / ١١ و ١٢ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٢٧ و ٣٣٠ ، المستدرك - للحاكم - ١ : ٤٤٢.

(٣) الكافي ٤ : ٢٦٧ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٣ / ٢ ، الاستبصار ٢ : ١٣٩ / ٤٥٤.

(٤) المغني ٣ : ١٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٨.

(٥) منصوب بنزع الخافض.

(٦) المغني ٣ : ١٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٨.

(٧) بداية المجتهد ١ : ٣١٩ ، المغني ٣ : ١٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٨.

٥١

والشارع اعتبر عموم الأحوال دون خصوصها ، كما في مشقّة السفر ، فإنّها غير معتبرة ، بل المظنّة وإن كانت المشقّةُ منتفيةً.

مسألة ٣٧ : الراحلة إنّما هي شرط في حقّ البعيد عن مكة ، وأمّا أهل مكة فلا تشترط الراحلة فيهم ، وكذا من كان بينه وبين مكة [ مكان ](١) قريب لا يحتاج إلى الراحلة ، وإنّما تعتبر الراحلة في حقّه ، لأنّها مسافة قريبة يمكنه المشي إليها فلزمه ، كالسعي إلى الجمعة ، ولو لم يتمكّن من المشي ، اشترط في حقّه وجود المحمولة ، لأنّه عاجز عن المشي ، فأشبه البعيد.

وأمّا الزاد فلا بدّ من اشتراطه في حقّ القريب والبعيد ، فإن لم يجد زاداً لم يلزمه الحج ؛ لعجزه(٢) .

مسألة ٣٨ : الراحلة شرط في الحجّ للقادر على المشي والعاجز عنه ، وبه قال الشافعي(٣) ، لقولهعليه‌السلام لـمّا سُئل عن تفسير السبيل : ( زاد وراحلة )(٤) .

ويعتبر راحلةُ مِثْلِه ، فإن كان يستمسك على الراحلة من غير محمل ولا يلحقه ضرر ولا مشقّة شديدة ، فلا يعتبر في حقّه إلّا وجدان الراحلة لحصول الاستطاعة معها ، وإن كان لا يستمسك على الراحلة بدون المحمل أو يجد مشقّةً عظيمة ، اعتبر مع وجود الراحلة وجود المحمل ، ولو كان يجد مشقّة عظيمة‌

____________________

(١) زيادة يقتضيها السياق.

(٢) المغني ٣ : ١٧٠ ، الشرح الكبير ٣ : ١٧٩.

(٣) فتح العزيز ٧ : ١٠.

(٤) سنن الدار قطني ٢ : ٢١٨ / ١٣ ، سنن البيهقي ٤ : ٣٣٠.

٥٢

في ركوب المحمل ، اعتبر في حقّه الكنيسة(١) .

ولا فرق بين الرجل والمرأة في ذلك.

وقال بعض الشافعية : إنّ المحمل معتبر في حقّ المرأة مطلقاً(٢) .

وليس بمعتمد ، والستر يحصل بالملحفة.

فروع :

أ - لا يشترط وجود عين الزاد والراحلة ، بل المعتبر التمكّن منهما تملّكاً أو استئجاراً.

ب - إنّما يشترط الزاد والراحلة في حقّ المحتاج إليهما لبُعد المسافة ، أمّا القريب فيكفيه اليسير من الاُجرة بنسبة حاجته ، والمكّي لا تُعتبر الراحلة في حقّه ، ويكفيه التمكّن من المشي.

ج - إذا وجد شقّ محمل ووجد شريكاً يجلس في الجانب الآخر ، لزمه الحجّ ، فإن لم يجد الشريك ولم يتمكّن إلّا من مؤونة الشقّ ، سقط عنه الحجّ مع حاجته إلى المحمل ، وإن تمكّن من المحمل بتمامه ، احتمل وجوب الحجّ ؛ لأنّه مستطيع ، وعدمه ؛ لأنّ بذل الزيادة خسران لا مقابل له.

د - القريب إلى مكة إذا شقّ عليه المشي أو الركوب بغير محمل ، اشترطت الراحلة والمحمل في حقّه ، كالبعيد ، ولا يؤمر بالزحف(٣) وإن أمكن.

ه - يجب شراء الراحلة والمحمل مع الحاجة إليهما أو استيجارهما بثمن المثل واُجرته ، فإن زاد فإن لم يتمكّن من الزيادة ، سقط الحج ، وإن تمكّن منها ، وجب ؛ لأنّه مستطيع.

____________________

(١) بهامش « ن » : يريد بها المحفّة.

(٢) فتح العزيز ٧ : ١١ ، المجموع ٧ : ٦٧.

(٣) الزحف : المشي. لسان العرب ٩ : ١٢٩.

٥٣

وقيل : لا يجب(١) . وليس بمعتمد.

مسألة ٣٩ : الزاد شرط في وجوب الحجّ ؛ لعدم التمكّن بدونه.

والمراد منه أن يملك ما يبلغه إلى الحجّ إمّا عين الزاد أو ثمنه مع وجود بائعه بقدر كفايته مدّة سفره وعوده إلى وطنه ، سواء كان له أهل وعشيرة يأوي إليهم أو لم يكن ، وهو أحد وجهي الشافعية(٢) .

والثاني لهم : أنّه لا يشترط في حقّ من لا أهل له ولا عشيرة مؤونة الإِياب ؛ لأنّ البلاد بالنسبة إليه متساوية(٣) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ النفوس تطلب الأوطان.

ولا فرق أيضاً بين أن يملك في بلدته مسكناً أو لا.

وخصّص الجويني الوجهين بمن له ملك في البلد(٤) .

ويجري الوجهان لهم في الراحلة(٥) .

ولهم وجه آخر ضعيف عندهم : أنّه لا يعتبر مؤونة الإِياب مطلقاً(٦) .

إذا عرفت هذا ، فالمشترط في الراحلة والزاد راحلة مثله وزادُ مثله ؛ لتفاوت الأشخاص في خشونة العيش ونُعومته ، فيعتبر في حقّ الرفيع زيادة على ما يحتاج إليه غيره ممّا يناسبه.

مسألة ٤٠ : يشترط أن يكون الزاد والراحلة فاضلين عن نفقته‌ ونفقة من تلزمه نفقته مدّة ذهابه ورجوعه ودست ثوب يليق به.

وهل يشترط أن يكونا فاضلين عن مسكنه وعبده الذي يحتاج إلى خدمته لعجزه أو لمنصبه؟ الوجه : ذلك ، كما في الكفّارة ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة.

____________________

(١) كما في شرائع الإِسلام ١ : ٢٢٦ ، وراجع : المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٠٠.

(٢ و ٣) المهذب - للشيرازي - ١ : ٢٠٤ ، فتح العزيز ٧ : ١٣ ، المجموع ٧ : ٦٨.

(٤) فتح العزيز ٧ : ١٣.

(٥ و ٦) فتح العزيز ٧ : ١٣ ، المجموع ٧ : ٦٨.

٥٤

والثاني : لا يشترط ، بل يباعان في المؤونة - وبه قال مالك - لأنّ الاستطاعة في الخبر(١) مفسّرة بالزاد والراحلة وهو واجد لهما(٢) .

والوجه : الأول ؛ لحاجته إلى المسكن والعبد ، فأشبها ثياب بدنه.

فعلى هذا إذا كانت الدار مستغرقة لحاجته وكانت سكنى مثله والعبد عبد مثله ، لم يبع شيئاً منهما ، وإن كانت الدار فاضلةً عن حاجته وأمكن بيع بعضها أو كانت نفيسةً أو العبد كذلك وأمكن شراء أدون منه ممّا تندفع به حاجته ، احتمل وجوب البيع والاقتصار على الأدون ، وعدمه ، كما في الكفّارة.

وربما يفرّق بين الحجّ والكفّارة بأنّ الحجّ لا بدل له والعتق في الكفّارة له بدل.

إذا ثبت هذا ، فالزاد الذي يشترط القدرة عليه هو ما يحتاج إليه في ذهابه وعوده من مأكول ومشروب وكسوة ، فإن كان يملك ذلك أو وجده يُباع بثمن المثل في الغلاء والرخص أو بزيادة يسيرة لا تجحف بماله ، لزمه شراؤه ، وإن كانت تجحف بماله ، لم يلزمه شراؤه وإن تمكّن على إشكال ، كما قلنا في شراء الماء للوضوء ، وإذا كان يجد الزاد في كلّ منزل ، لم يلزمه حمله ، وإن لم يجده كذلك ، لزمه حمله.

وأمّا الماء وعلف البهائم فإن كان يوجد في المنازل التي ينزلها على حسب العادة ، فلا كلام ، وإن لم يوجد ، لم يلزمه حمله من بلده ولا من أقرب البلدان إلى مكة كأطراف الشام ونحوها ، لما فيه من عظم المشقة وعدم جريان العادة به ، ولا يتمكّن من حمل الماء لدوابّه في جميع الطريق ، والطعام بخلاف ذلك.

مسألة ٤١ : كما تعتبر قدرته على المطعوم والمشروب‌ والتمكّن من‌

____________________

(١) في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق ، والطبعة الحجرية : الحر. وهي تصحيف ، والصحيح ما أثبتناه.

(٢) فتح العزيز ٧ : ١٣.

٥٥

حمله من بلده كذا تعتبر قدرته على الآلات والأوعية التي يحتاج إليها كالغرائر(١) ونحوها ، وأوعية الماء من القِرَب وغيرها ، وجميع ما يحتاج إليه ، كالسُّفرة وشبهها ؛ لأنّه ممّا لا يستغني عنه ، فأشبه علف البهائم.

وكذا يشترط وجود راحلة تصلح لمثله على ما بيّنّا إمّا بشراء أو باُجرة لذهابه وعوده ، ويجد ما يحتاج إليه من آلتها التي تصلح لمثله.

فإن كان ممّن يكفيه الرحل والقتب ولا يخشى السقوط ، أجزأ وجود ذلك ، وإن كان ممّن لم تجر عادته بذلك ويخشى السقوط عنهما ، يعتبر وجود محمل وما أشبهه ممّا لا مشقّة في ركوبه ولا يخشى السقوط عنه ، لأنّ الراحلة إنّما اعتبرت في حقّ القادر على المشي لدفع المشقّة عنه ، فيجب أن يعتبر هنا ما تندفع به المشقّة.

وإن كان ممّن لا يقدر على خدمة نفسه والقيام بأمره ، اعتبرت القدرة على من يخدمه ؛ لأنّه من سبيله.

مسألة ٤٢ : يعتبر أن تكون هذه الأشياء التي ذكرناها فاضلةً عمّا يحتاج إليه‌ لنفقة عياله الذين تلزمه مؤونتهم في سفره ذاهباً وعائداً ؛ لما رواه العامة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( كفى بالمرء إثماً أن يضيعَ من يقوت )(٢) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه أبو الربيع الشامي ، قال : سُئل أبو عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ :( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) فقال : « ما يقول الناس؟ » قال : فقيل له : الزاد والراحلة ، قال : فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : « قد سُئل أبو جعفرعليه‌السلام عن هذا ، فقال : هلك الناس إذن ، لئن كان كلّ من له زاد وراحلة قدر ما يقوت‌

____________________

(١) الغرائر جمع ، واحدتها ، غِرارة ، وهي الجُوالق. لسان العرب ٥ : ١٨.

(٢) سنن أبي داود ٢ : ١٣٢ - ١٦٩٢ ، سنن البيهقي ٧ : ٤٦٧ و ٩ : ٢٥ ، المعجم الكبير - للطبراني - ١٢ : ٣٨٢ / ١٣٤١٤ ، مسند أحمد ١٢ : ١٦٠.

٥٦

عياله ويستغني به عن الناس ينطلق فيسلبهم إيّاه لقد هلكوا إذن » فقيل له : ما السبيل؟ قال : فقال : « السعة في المال إذا كان يحجّ ببعض ويبقى بعض لقوت عياله ، أليس قد فرض الله الزكاة ، فلم يجعلها إلّا على من ملك مائتي درهم »(١) .

ولأنّ النفقة متعلّقة بحقوق الآدميّين وهُمْ أحوج وحقّهم آكد.

ويشترط أيضاً أن تكون فاضلةً عمّا يحتاج هو وأهله إليه من مسكن وخادم وما لا بدّ منه من ثياب وغيرها ، وأن يكون فاضلاً عن قضاء دينه ؛ لأنّ قضاء الدَّيْن من حوائجه الأصلية ، وتتعلّق به حقوق الآدميّين فهو آكد ، ولهذا منع الخمس مع تعلّق حقوق الفقراء من ذوي القربى به ، وحاجتهم إليها ، فالحجّ الذي هو خالص حقّ الله تعالى أولى.

ولا فرق بين أن يكون الدّين لآدمي معيّن أو من حقوق الله تعالى ، كزكاة في ذمّته أو كفّارات وشبهها.

ولا فرق أيضاً بين أن يكون الدَّيْن حالّاً أو مؤجّلاً محلّه قبل عرفة أو بعدها في منع الوجوب ؛ لأنّه غير موصوف بالاستطاعة.

وللشافعية في وجوب الحجّ على المديون إذا كان الدّين يحلّ بعد عرفة وجهان :

أحدهما كما قلناه.

والثاني : الوجوب ؛ لأنّ الدَّيْن المؤجّل غير مستحقّ عليه قبل حلوله(٢) . وهو ممنوع.

تذنيب : لو احتاج إلى النكاح وخاف على نفسه العَنَت ، قدّم الحجّ ؛ لأنّه واجب والنكاح تطوّع ، ويلزمه الصبر.

____________________

(١) الكافي ٤ : ٢٦٧ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٥٨ / ١٢٥٥ ، التهذيب ٥ : ٢ - ٣ / ١ ، الاستبصار ٢ : ١٣٩ / ٤٥٣.

(٢) الحاوي الكبير ٤ : ١٣.

٥٧

وقال بعض العامة : يقدّم النكاح ؛ لأنّه واجب عليه ، ولا غنى به عنه ، فهو كنفقته(١) .

ونمنع الوجوب.

ولو لم يخف العَنَت ، قدّم الحجّ إجماعاً.

تذنيب آخر : لو حجّ من تلزمه هذه الحقوق وضيّعها ، قال بعض العامة : يصح حجّة ، لأنّها متعلّقة بذمّته ، فلا تمنع صحة فعله(٢) .

وفيه نظر ؛ لأنّه مأمور بصرف المال إلى نفقة العيال مثلاً ، فإذا صرفه في غيره ، كان قد فعل المنهي عنه ، والنهي يدلّ على الفساد في العبادات.

البحث الرابع : المؤونة.

ويشترط أن يكون له مال يصرفه في مؤونة سفره ذهاباً وعوداً ، ومؤونة عياله الذين تلزمه نفقتهم على الاقتصاد.

وهل يشترط الرجوع إلى كفايةٍ من مالٍ أو حرفةٍ أو صناعةٍ في وجوب الحجّ بعد وجدان ما ذكر؟ قال الشيخ : نعم(٣) .

فلو كان له زاد وراحلة ونفقة له ولعياله بقدر ذهابه وعوده وجميع ما تقدّم وليس له ما يرجع إليه من مالٍ أو ملكٍ أو صناعةٍ وحرفةٍ يرجع إليها عند عوده من حجّه ، سقط عنه فرض الحجّ - وبه قال أبو العباس بن سريج من الشافعية(٤) - خوفاً من فقره وحاجته إلى المسألة ، وفي ذلك أعظم مشقّة.

____________________

(١) المغني ٣ : ١٧٢ ، الشرح الكبير ٣ : ١٨٠.

(٢) المغني ٣ : ١٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ١٨٠.

(٣) المبسوط - للطوسي - ١ : ٢٩٧ ، الخلاف ٢ : ٢٤٥ ، المسألة ٢.

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ١٣ ، فتح العزيز ٧ : ١٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٣٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٠٤ ، المجموع ٧ : ٧٣.

٥٨

ولرواية أبي الربيع الشامي عن الباقر(١) عليه‌السلام .

وقال أكثر علمائنا : لا يشترط الرجوع إلى كفاية(٢) - وهو قول الشافعي(٣) - وهو المعتمد ؛ لأنّه مستطيع بوجود الزاد والراحلة ونفقته ونفقة عياله ذهاباً وعوداً.

ورواية أبي الربيع لا حجّة فيها على ما قالوه ، والمشقّة ممنوعة ، فإنّ الله هو الرزّاق.

فروع :

أ - لو كان له عقار يحتاج إليه لسكناه أو سكنى عياله ، أو يحتاج إلى اُجرته لنفقة نفسه أو نفقة عياله ، أو سائمة يحتاجون إليها ، لم يلزمه الحجّ.

ولو كان له شي‌ء من ذلك فاضل عن حاجته ، لزمه بيعه وصرفه في الحجّ.

ولو كان مسكنه واسعاً يكفيه للسكنى بعضه ، وجب بيع الفاضل وصرفه في الحجّ إذا كان بقدر الاستطاعة.

وكذا لو كان له كتب يحتاج إليها ، لم يلزمه بيعها في الحجّ ، ولو استغنى عنها ، وجب البيع.

ولو كان له بكتاب نسختان يستغني بإحداهما ، وجب بيع الفاضل.

ولو كان له دار نفيسة أو عبد نفيس أو كتب نفيسة وأمكنه بيعها وشراء أقلّ من ثمنها وكان مسكن مثله أو عبد مثله والحجّ بالفاضل عن مئونته من ثمنها ، فالأقرب وجوب البيع وشراء الأدون ممّا تقوم به كفايته.

____________________

(١) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في صدر المسألة ٤٢.

(٢) منهم : ابن إدريس في السرائر : ١١٨ ، والمحقّق في المعتبر : ٣٢٩ ، وشرائع الإِسلام ١ : ٢٢٨ ، والمختصر النافع : ٧٦ ، والفاضل الآبي في كشف الرموز ١ : ٣٢٥ - ٣٢٦.

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ١٣ ، المهذب - للشيرازي - ١ : ٢٠٤ ، المجموع ٧ : ٧٣ ، فتح العزيز ٧ : ١٤.

٥٩

ب - لو كان له دَيْنٌ على باذل له يكفيه للحجّ ، لزمه ؛ لأنّه مستطيع ، ولو كان على معسر أو تعذّر استيفاؤه أو كان مؤجّلاً ، لم يلزمه الحجّ ؛ لعدم الاستطاعة.

ج - لو كان له رأس مال يتّجر به وينفق من ربحه ولو صرفه في الحج لبطلت تجارته ، وجب عليه الحج‌ - وهو أصحّ وجهي الشافعية ، وبه قال أبو حنيفة(١) - لأنّه واجد.

والثاني للشافعية : أنّه لا يكلّف الصرف إليه - وبه قال أحمد - لئلّا يلتحق بالمساكين ، وكالعبد والمسكن(٢) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ العبد والمسكن يحتاج إليهما في الحال ، وهذا إمساك ذخيرة للمستقبل.

د - لو لم يجد الزاد ووجد الراحلة وكان كسوباً يكتسب ما يكفيه وقد عزل نفقة أهله مدّة ذهابه وعوده ، فإن كان السفر طويلاً ، لم يلزمه الحجّ ؛ لما في الجمع بين السفر والكسب من المشقّة العظيمة ، ولأنّه قد ينقطع عن الكسب لعارض فيؤدّي إلى هلاك نفسه.

وإن كان السفر قصيراً ، فإن كان تكسّبه في كلّ يوم بقدر كفاية ذلك اليوم من غير فضل ، لم يلزمه الحجّ ؛ لأنّه قد ينقطع عن كسبه في أيّام الحجّ فيتضرّر.

وإن كان كسبه في كلّ يوم يكفيه لأيّامه ، لم يلزمه الحجّ أيضا ؛ للمشقّة ، ولأنّه غير واجد لشرط الحجّ ، وهو أحد وجهي الشافعية ، والثاني : الوجوب - وبه قال مالك - مطلقاً(٣) .

ه - لو كان له مال فباعه نسيئةً عند قرب وقت الخروج‌ إلى أجل يتأخّر‌

____________________

(١ و ٢) فتح العزيز ٧ : ١٤.

(٣) فتح العزيز ٧ : ١٤ - ١٥.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

مطلقاً.

( الثاني ) قوله: « وإني قائد الناس طرّاً إلى الاسلام من عرب وعجم » فيه دلالة واضحة على أنهعليه‌السلام هو السبب في إسلام جميع الناس من عرب وعجم، فهو إذن أفضلهم مطلقاً.

( الثالث ) قوله: « وقاتل كل صنديد رئيس وجبار من الكفار ضخم » فيه دلالة على أفضليته، لأن من عمدة أسباب قوة الدين قتل الكفار والمعاندين، وهوعليه‌السلام قاتلهم باعتراف جميع المخالفين.

( الرابع ) قوله: « وفي القرآن ألزمهم ولائي وأوجب طاعتي فرضاً بعزم » فيه دلالة صريحة على وجوب اتّباعه وأطاعته والانقياد له، فهوعليه‌السلام إمام الأمة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأمرٍ من الله تعالى من القرآن الكريم، لأن من وجبت طاعته فهو الامام كما اعترف بذلك ( الدهلوي ).

( الخامس ) قوله: « فمن منكم يعادلني بسهمي وإسلامي وسابقتي ورحمي؟ » فيه دلالة صريحة على أفضليتهعليه‌السلام .

ثم إن استماع كبار الصحابة لهذه الأشعار - كما في رواية الواحدي - وتقريرهم لما قالهعليه‌السلام من أقوى الشواهد على ما نذهب إليه من دلالة حديث الغدير على الإِمامة، وبذلك تذهب تأويلات أتباع أولئك الأصحاب أدراج الرياح.

ترجمة الميبدي شارح ديوان الامام

والحسين الميبدي من مشاهير علماء أهل السنة، قد أطروه وأثنوا عليه الثناء البالغ في كتبهم، كما لا يخفى على من راجعها. وممن أثنى عليه: غياث الدين المدعو بخواند أمير في تاريخه ( حبيب السير ). كما نقل عن شرحه للديوان: محمود ابن سليمان الكفوي في طبقاته للحنفية المسمى بـ ( كتائب أعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار ).

٣٢١

وفي ( كشف الظنون ): « ديوان علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وقد شرحه حسين بن معين الدين الميبدي اليزدي المتوفى سنة ٨٧٠ بالفارسية ».

* * *

٣٢٢

(٦)

نزول قوله تعالى:

سأل سائل بعذابٍ واقع

٣٢٣

٣٢٤

ونزل قوله تعالى:( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ ) بحق ( الحارث بن نعمان ) الذي قال ما قال بعد ما سمع كلام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في غدير خم.

وهذا دليل قطعي آخر على دلالة حديث الغدير على إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام .

ذكر من روى ذلك

وقد روى حديث نزول الآية المباركة في هذا الشأن جماعة كبيرة من أكابر أعلام أهل السنة وهم:

١ - أحمد بن محمّد بن إبراهيم الثعلبي النيسابوري.

٢ - شمس الدين سبط ابن الجوزي.

٣ - إبراهيم بن عبد الله اليمني الوصابي. ؛

٤ - محمّد بن يوسف الزرندي المدني.

٥ - شهاب الدين بن شمس الدين الدولت آبادي.

٦ - نور الدين علي بن عبد الله السمهودي.

٣٢٥

٧ - نور الدين علي بن محمّد بن الصبّاغ.

٨ - عطاء الله بن فضل الله المحدّث الشيرازي.

٩ - شمس الدين عبد الرءوف المنّاوي.

١٠ - شيخ بن عبد الله العيدروس.

١١ - محمود بن محمّد الشيخاني القادري المدني.

١٢ - نور الدين علي بن إبراهيم الحلبي.

١٣ - أحمد بن الفضل باكثير المكي.

١٤ - محمّد محبوب عالم.

١٥ - محمّد صدر عالم.

١٦ - محمّد بن إسماعيل بن صلاح الأمير.

١٧ - أحمد بن عبد القادر العجيلي.

١٨ - السيد مؤمن بن حسن الشبلنجي.

(١)

رواية الثعلبي

قال أبو إسحاق الثعلبي: « سئل سفيان بن عيينة عن قول الله عز وجل:( سَأَلَ سائِلٌ ) فيمن نزلت؟ فقال: لقد سألتني عن مسألة ما سألني عنها أحد قبلك.

حدثني أبي عن جعفر بن محمّد عن آبائه: لمـّا كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغدير خم، نادى الناس فاجتمعوا، فأخذ بيد علي بن أبي طالب فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فشاع ذلك وطار في البلاد، فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري، فأتى رسول الله على ناقة حتى أتى الأبطح، فنزل عن ناقته فأناخها

٣٢٦

وعقلها، ثم أتى النبي وهو في ملأ من أصحابه فقال:

يا محمد! أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلّا الله وأنك رسول الله، فقبلناه منك. وأمرتنا أن نصلّي خمساً، فقبلناه منك، وأمرتنا بالزكاة فقبلناه، وأمرتنا أن نصوم شهر رمضان فقبلناه منك، وأمرتنا بالحج فقبلناه. ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك ففضّلته علينا وقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه!! فهذا شيء منك أم من الله عزّ وجلّ؟!

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : والذي لا إله إلّا هو إنّ هذا من الله.

فولّى الحارث بن النعمان يريد راحلته وهو يقول: اللهم إنْ كان ما يقوله محمّد حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم.

فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره فقتله. وأنزل الله عز وجل:( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ ) »(١) .

ترجمة أبي إسحاق الثعلبي

١ - ياقوت الحموي: بترجمة الواحدي: « وقال أبو الحسن الواحدي في مقدمة البسيط: وأظنني لم آل جهداً في إحكام أصول هذا العلم [ على ] حسب ما يليق بزماننا [ بزمننا ] هذا وتسعه سنو عمري على قلة أعدادها، فقد وفق الله [ تعالى ] وله الحمد حتى اقتبست كلّما احتجت إليه فيه هذا الباب في مظانه وأخذته من معادنه.

أما اللغة فقد درستها على الشيخ أبي الفضل أحمد بن محمّد بن عبد الله بن يوسف العروضيرحمه‌الله حتى عاتبني شيخيرحمه‌الله يوماً وقال: إنك لم تبق ديواناً من الشعر إلّا قضيت حقه، أما آن لك أن تتفرّغ لتفسير كتاب الله

____________________

(١). تفسير الثعلبي - مخطوط.

٣٢٧

العزيز، تقرأه على هذا الرجل الذي يأتيه البعداء من أقاصي البلاد وتتركه أنت على قرب ما بيننا من الجوار - يعني الأستاذ الامام أحمد بن محمّد بن ابراهيم الثعلبي -؟!

فقلت: يا أبت إنما أتدرّج بهذا إلى ذلك الذي تريد، وإذا المرء أحكم الأدب بجدٍ وتعبٍ رمى في غرض التفسير من كثب. ثم لم أغبّ زيارته يوماً من الأيام حتى حال بيننا قدر الحمام

ثم فرغت للاستاذ أبي اسحاق أحمد بن محمّد بن إبراهيم الثعلبيرحمه‌الله ، وكان خير العلماء بل بحرهم، ونجم الفضلاء بل بدرهم، وزين الأئمة بل فخرهم، وأوحد الأئمة بل صدرهم. وله التفسير الملقّب بالكشف والبيان عن تفسير القرآن، الذي رفعت به المطايا في السهل والأوعار، وسارت به الفلك في البحار، وهبّ هبوب الريح في الأقطار، وسار مسير الشمس في كلّ بلدة، وهب هبوب الريح في البر والبحر، وأصفقت عليه كافة الأمة على اختلاف نحلهم، وأقروا بالفضيلة في تصنيفه ما لم يسبق إلى مثله، فمن أدركه وصحبه علم أنه كان منقطع القرين، ومن لم يدركه فلينظر في مصنفاته ليستدل لها أنه كان بحراً لا ينزف وغمراً لا يسبر، وقرأت عليه من مصنفاته أكثر من خمسمائة جزء، منها تفسيره الكبير، وكتابه المعنون بالكامل في علم القرآن وغيرهما »(١) .

ترجمة العروضي مادح الثعلبي

وأبو الفضل العروضي الذي نقل عنه الواحدي مدحه للثعلبي من كبار مشايخ علماء أهل السنة في اللغة والأدب، وقد ترجموا له في معاجم الرجال:

قالجلال الدين السيوطي: « أحمد بن محمّد بن عبد الله بن يوسف بن محمد النهشلي، الأديب، أبو الفضل العروضي الصفار الشافعي. قال عبد الغافر: هو

____________________

(١). معجم الأدباء ١٢ / ٢٦٢.

٣٢٨

شيخ أهل الأدب في عصره، حدّث عن الأصم وأبي منصور الأزهري والطبقة. وتخرّج به جماعة من الأئمة منهم الواحدي. وقال الثعالبي: إمام في الأدب، خنّق التسعين في خدمة الكتب، وأنفق عمره على مطالعة العلوم وتدريس مؤدبي نيسابوري. ولد سنة ٣٣٤ ومات بعد سنة ٤١٦ »(١) .

٢ - ابن خلكان: « أبو إسحاق أحمد بن محمّد بن إبراهيم الثعلبي. النيسابوري، المفسر المشهور، كان أوحد أهل زمانه في علم التفسير. وصنف التفسير الكبير الذي فاق غيره من التفاسير، وله كتاب العرائس في قصص الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وغير ذلك. ذكره السمعاني وقال: يقال له الثعلبي والثعالبي، وهو لقب له وليس بنسب قاله بعض العلماء.

وقال أبو القاسم القشيري: رأيت رب العزة عز وجل في المنام وهو يخاطبني وأخاطبه، فكان في أثناء ذلك أن قال الرب تعالى اسمه: أقبل الرجل الصالح. فالتفتّ فإذا أحمد الثعلبي مقبل.

وذكره عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي في كتاب سياق تاريخ نيسابور وأثنى عليه وقال: هو صحيح النقل موثوق به، حدّث عن أبي طاهر بن خزيمة، والامام أبي بكر بن مهران المقري، وكان كثير الحديث كثير الشيوخ، توفي سنة ٤٢٧، وقال غيره: توفي في محرم سنة ٤٢٧. وقال غيره: توفي يوم الأربعاء لسبع بقين من المحرم سنة ٤٣٧ رحمه الله تعالى »(٢) .

٣ - الذهبي: « وفيها توفي أبو إسحاق الثعلبي وكان حافظاً واعظاً، رأساً في التفسير والعربية، متين الديانة، توفي في المحرم »(٣) .

٤ - ابن الوردي: « صحيح النقل، روى عن جماعة »(٤) .

____________________

(١). بغية الوعاة ١ / ٣٦٩.

(٢). وفيات الأعيان ١ / ٦١ - ٦٢.

(٣). العبر - حوادث ٤٢٧.

(٤). تتمة المختصر حوادث ٤٢٧.

٣٢٩

٥ - الصفدي: « روى عن جماعة، وكان حافظاً عالماً بارعاً في العربية موثقاً » ثم ذكر منام القشيري وكلام عبد الغافر المذكورين(١) .

٦ - اليافعي: « المفسّر المشهور، وكان حافظاً واعظاً رأساً في التفسير والعربية والدين والديانة، فاق تفسيره الكبير سائر التفاسير »(٢) .

٧ - ابن الشحنة: « كان واحد زمانه في علم التفسير، وله كتاب العرائس في قصص الأنبياء وهو صحيح النقل »(٣) .

٨ - ابن قاضي شهبة: « أخذ عنه أبو الحسن الواحدي، روى عن أبي القاسم القشيري قال الذهبي: وكان حافظاً رأساً في التفسير والعربية متين الديانة »(٤) .

٩ - السيوطي: « كان كبيراً إماماً حافظاً للغة بارعاً في العربية »(٥)

١٠ - وذكره ولي الله الدهلوي - الذي عدّه ولده ( الدهلوي ) آية من آيات الله ومعجزة من المعاجز النبوية، وطالما استند إلى أقواله، ووصفه الفاضل رشيد الدين خان الدهلوي بـ « عمدة المحدثين وقدوة العارفين » ووصفه المولوي حيدر علي الفيض آبادي بـ « خاتم العارفين وقاصم المخالفين، سيد المحدّثين سند المتكلّمين، حجة الله على العالمين » في كلام له في ( إزالة الخفاء ) في بيان كون الخلفاء الراشدين وسائط بين النبي والأمة - ذكر أبا إسحاق الثعلبي من جملة علماء التفسير الذين كانوا وسائط في حفظ الدين المبين، وإيصال الشريعة المطهّرة، إلى الأمة، وإن القرون المتأخرة أخذت علم التفسير منهم.

وذكر أن الثعلبي إمام المفسرين ومقتداهم، كما أن أبا حنيفة إمام الحنفية،

____________________

(١). الوافي بالوفيات ٨ / ٣٣ وفيه السهلي.

(٢). مرآة الجنان حوادث سنة ٤٢٧.

(٣). روض المناظر حوادث ٤٢٧.

(٤). طبقات الشافعية ١ / ٢٠٧.

(٥). بغية الوعاة ١ / ٣٥٦.

٣٣٠

والشافعي إمام الشافعية وأن ما ذكره الثعلبي في تفسيره مأخوذ من السلف الصالح لأهل السنة، وأنه بمنزلة اللوح، وكأنه اللوح المحفوظ من المحو والإثبات والمصون من تطرّق الأغلاط والشبهات إليه، إلى غير ذلك من الأوصاف الحميدة التي ذكرها للثعلبي وتفسيره.

رواية القوم لتفسير الثعلبي

وتفسير الثعلبي من الكتب المعروفة المعتمدة لدى القوم، وهم يروونه بأسانيدهم عن مؤلفه، وينقلون عنه رواياته ويعتمدون اليها، فقد ذكره عز الدين ابن الأثير في الفصل الذي ذكر فيه أسانيد الكتب التي خرّج منها الأحاديث في صدر تلك الكتب حيث قال: « فصل نذكر فيه أسانيد الكتب التي خرجت منها الأحاديث وغيرها، وتركت ذكرها في الكتاب لئلّا يطول الاسناد، ولا أذكر في أثناء الكتاب إلّا اسم المصنف وما بعده فليعلم ذلك:

تفسير القرآن المجيد لأبي إسحاق الثعلبي. أخبرنا به أبو العباس أحمد بن عثمان بن أبي علي بن مهدي الزرزاري الشيخ الصالح رحمه الله تعالى قال: أخبرنا الرئيس مسعود بن الحسن بن القاسم الاصبهاني وأبو عبد الله الحسن بن العباس الرستمي قالا: أخبرنا أحمد بن خلف الشيرازي قال: أنبأنا أبو إسحاق أحمد بن محمّد بن إبراهيم الثعلبي بجميع كتاب الكشف والبيان في تفسير القرآن، سمعت عليه من أول الكتاب الى آخر سورة النساء. وأما من أول سورة المائدة الى آخر الكتاب فانه حصل لي بعضه سماعاً وبعضه اجازة واختلط السماع بالاجازة، فأنا أقول فيه أخبرنا به إجازة ان لم يكن سماعاً، فاذا قلت أخبرنا أحمد باسناده إلى الثعلبي فهو بهذا الاسناد »(١) .

ثم إنه ذكر أسانيد الكتب الأخرى ومنها الصحاح والمسانيد.

____________________

(١). أسد الغابة ١ / ٨.

٣٣١

وقال أبو محمّد بن محمّد الأمير في ( رسالة أسانيده ): « تفسير الثعلبي وسائر مؤلفاته بسند صاحب المنح من طريق ابن البخاري عن منصور بن عبد المنعم وعبد الله بن عمر الصفار والمؤيد بن محمّد الطريثيثي كلهم عن أبي محمّد العباس بن محمّد بن أبي منصور الطوسي عن أبي سعيد بن محمّد عن أبي اسحاق أحمد بن محمد النيسابوري الثعلبي وهو لقب وليس بنسب توفي سنة ٤٢٧».

اعتماد القوم على تفسير الثعلبي

ولقد كثر نقل علماء القوم عن تفسير الثعلبي وغيره من مؤلفاته واستشهادهم برواياته واعتمادهم عليها، ونحن نذكر موارد من ذلك من باب التمثيل:

قال القرطبي بتفسير قوله تعالى:( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَ ) : « ذكر الثعلبي وغيره: أن عائشة رضي الله عنها كانت إذا قرأت هذه الآية تبكي حتى تبلّ خمارها. وذكر أن سودة قيل لها: لم لا تحجّين ولا تعتمرين كما تفعل أخواتك؟ فقالت: قد حججت واعتمرت، وأمرني الله أن أقرّ في بيتي. قال الراوي: فو الله ما خرجت من باب حجرتها حتى أخرجت جنازتها، رضوان الله عليها»(١) .

وفيه بتفسير( وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى ) : « وقال الثعلبي: واسم أم موسى: لوخا بنت هاند بن لاوي بن يعقوب »(٢) .

وقال النووي بترجمة آدمعليه‌السلام : « قال الامام أبو إسحاق الثعلبي في قول الله عزّ وجلّ إخباراً عن إبليس( خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ) قال الحكماء: أخطأ عدو الله في تفضيله النار على الطين، لأن الطين أفضل منه من أوجه »(٣) .

____________________

(١). تفسير القرطبي ١٤ / ١٨٠ - ١٨١.

(٢). المصدر نفسه ١٣ / ٢٥٠.

(٣). تهذيب الأسماء واللغات ١ / ٩٦.

٣٣٢

وقد نقل عنه النووي في مواضع أخر مع وصفه بـ « الامام ».

وقال كمال الدين الدميري: « وقال محمّد الباقررضي‌الله‌عنه : كان أصحاب الكهف صياقلة، واسم الكهف حيوم، والقصة طويلة في كتب التفاسير والقصص، وقد وقفت على جمل من ذلك في كتب التفاسير والقصص مطوّلاً ومختصراً، فمن ذلك ما ساقه الامام أبو إسحاق أحمد بن محمّد بن أحمد بن إبراهيم النيسابوري الثعلبي، في كتابه الكشف والبيان في تفسير القرآن »(١) .

وقال نور الدين الحلبي في ( السيرة ): « وفي العرائس: إن فرعون لمـّا أمر بذبح أبناء بني إسرائيل جعلت المرأة، أي بعض النساء كما لا يخفى، إذا ولدت الغلام انطلقت به سرّاً إلى واد أو غار فأخفته ».

وقال الحسين الديار بكري في مقدّمة تاريخه: « هذه مجموعة من سير سيد المرسلين انتخبتها من الكتب المعتمدة تحفةً للاخوان البررة وهي: التفسير الكبير، والكشاف، وحاشيته للجرجاني الشريف، والكشف، والوسيط، ومعالم التنزيل والعرائس للثعلبي، وسحّ السحابة، وأصول الصفار، والبحر العميق وسرّ الأدب، والانسان الكامل، وسمّيتها بالخميس في أحوال النفس النفيس ».

وقال محمّد بن معتمد خان البدخشي: « وأخرج العلّامة أبو إسحاق أحمد ابن محمّد بن إبراهيم الثعلبي المفسّر النيسابوري في تفسيره، عن جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنهما أنه قال: نحن حبل الله الذي قال الله تعالى:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (٢) .

وقال أحمد بن باكثير المكي: « وروى الثعلبي في تفسير قوله تعالى:( وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ ) عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: الأعراف موضع عال من الصراط، عليه العباس وحمزة وعلي بن أبي طالب وجعفر

____________________

(١). حياة الحيوان « الكلب ».

(٢). مفتاح النجا - مخطوط.

٣٣٣

ذو الجناحين، يعرفون محبّهم ببياض الوجه ومبغضهم بسواد الوجه »(١) .

(٢)

رواية سبط ابن الجوزي

وقال سبط ابن الجوزي: « اتفق علماء السير أن قصة الغدير بعد رجوع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حجة الوداع، في الثامن عشر من ذي الحجة، جمع الصحابة وكانوا مائة وعشرين ألفاً و قال: من كنت مولاه فعلي مولاه. الحديث. نصّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ذلك بصريح العبارة دون التلويح والإِشارة. وذكر أبو إسحاق الثعلبي في تفسير بإسناده: أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمـّا قال ذلك طار في الأقطار وشاع في البلاد والأمصار، وبلغ ذلك الحارث بن نعمان الفهري »(٢) .

ترجمة السبط والثناء عليه

١ - الذهبي: « وابن الجوزي العلّامة الواعظ المؤرّخ، شمس الدين أبو المظفر، يوسف بن قزعلي التركي ثم البغدادي العوني الهبيري، الحنفي، سبط الشيخ جمال الدين أبي الفرج ابن الجوزي، أسمعه جدّه منه ومن ابن كلبي وجماعة، وقدم دمشق سنة بضع وستمائة فوعظ بها، وحصل له القبول العظيم، للطف شمائله وعذوبة وعظه، وله تفسير في تسعة وعشرين مجلّدا، وشرح الجامع الكبير، وجمع مجلّداً في مناقب أبي حنيفة، ودرّس وأفتى، وكان في شبيبته حنبليّاً.

____________________

(١). وسيلة المآل - مخطوط.

(٢). تذكرة خواص الأمة: ٣٠.

٣٣٤

توفي في الحادي والعشرين من ذي الحجّة، وكان وافر الحرمة عند الملوك »(١) .

٢ - ابن الوردي: « وفيها توفي الشيخ شمس الدين يوسف، سبط جمال الدين ابن الجوزي: واعظ فاضل، له مرآة الزمان تاريخ جامع. قلت: وله تذكرة الخواص من الأمة في ذكر مناقب الأئمة. والله أعلم »(٢) .

(٣)

رواية الوصابي

ورواه إبراهيم بن عبد الله اليمني الوصابي عن « الامام الثعلبي في تفسيره » كذلك.

اعتماد العلماء على كتاب الاكتفاء

وكتاب ( الإِكتفاء في فضل الأربعة الخلفاء ) لليمني الوصابي من الكتب المشهورة لدى القوم، فقد نقل عنه محمّد محبوب في مواضع من تفسيره ( تفسير شاهي ) منها قوله: « و في الاكتفاء عن علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه قال: وقع بيني وبين العباس مفاخرة، ففخر عليّ العباس بسقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام أنهما له، قال علي فقلت: ألآن أخبرك بمن هو خير من هذا كله!، الذي قرع خراطيمكم بالسيف وقادكم إلى الإِسلام. فعزّ ذلك على العباسرضي‌الله‌عنه ، فأنزل عزّ وجلّ:( أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ ) يعني علياًرضي‌الله‌عنه »(٣) .

____________________

(١). العبر في خبر من غبر حوادث ٦٥٦.

(٢). تتمة المختصر حوادث ٦٥٦.

(٣). تفسير شاهي. بتفسير الآية.

٣٣٥

ومنها: « في الإِكتفاء عن علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه قال: لمـّا أراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يغزو تبوك، دعا جعفر بن أبي طالب، فأمره أن يتخلّف على المدينة فقال: لا أتخلّف بعدك يا رسول الله. فعزم عليَّ لمـّا تخلّفت قبل أن أتكلّم فبكيت، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما يبكيك يا علي؟ قال: يا رسول الله يبكيني خصال غير واحد، تقول قريش غداً ما أسرع ما تخلّف عن ابن عمه وخذله، وتبكيني خصلة أخرى، كنت أريد أن أتعرّض للجهاد في سبيل الله »(١) .

ونقل شهاب الدين أحمد بن عبد القادر العجيلي عن ( أسنى المطالب في فضائل علي بن أبي طالب ) وهو الكتاب الرابع من ( الاكتفاء في فضل الأربعة الخلفاء )(٢) .

(٤)

رواية الزرندي

وروى محمّد بن يوسف الزرندي حديث نزول الآية المباركة المذكورة في شأن الحارث بن النعمان الفهري، عن الثعلبي واصفاً إياه بـ « الامام » عن سفيان ابن عيينة كما تقدّم(٣) .

ترجمة الزرندي والاعتماد على كتبه

وقال ابن حجر العسقلاني بترجمة الزرندي: « محمّد بن يوسف بن الحسن

____________________

(١). المصدر.

(٢). ذخيرة المآل - مخطوط.

(٣). معارج الوصول - مخطوط - نظم درر السمطين ٩٣.

٣٣٦

ابن محمّد بن محمود بن الحسن، الزرندي المدني الحنفي، شمس الدين، أخو نور الدين علي. قرأت في مشيخة الجنيد البلياني تخريج الحافظ شمس الدين الجزري الدمشقي نزيل شيراز أنه كان عالماً، وأرّخ مولده سنة ٦٩٣ ووفاته بشيراز سنة بضع وخمسين وسبعمائة. وذكر أنه صنف درر السمطين في مناقب السبطين. وبغية المرتاح جمع فيها أربعين حديثاً بأسانيدها وشرحها »(١) .

وفي ( الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ): « حكى شيخ الاسلام العلّامة المحدّث بالحرم الشريف النبوي، جمال الدين محمّد بن يوسف الزرندي، في كتابه المسمى بدرر السمطين في فضل المصطفى والمرتضى والسبطين: أن الامام المعظم والحبر المكرم، أحد الأئمة المتّبعين المقتدى بهم في أمور الدين، محمّد بن إدريس الشافعي المطّلبي -رضي‌الله‌عنه وأرضاه وجعل الجنة منقلبه ومثواه - لما صرّح بمحبّة أهل البيت وأنه من شيعتهم، قيل فيه هذا وهو السيد الجليل، فقال مجيبا عن ذلك بأبيات:

إذا نحن فضّلنا علياً فإننا

روافض بالتفضيل عند ذوي الجهل

إلى آخر الأشعار »(٢) .

ووصفه شهاب الدين أحمد عند النقل عنه بـ: « الامام المحدّث بالحرم الشريف النبوي المحمدي»(٣) .

وقد ذكر الكاتب الجلبي كتابيه ( نظم درر السمطين ) و ( بغية المرتاح ) في ( كشف الظنون)(٤) .

____________________

(١). الدرر الكامنة ٤ / ٢٩٥.

(٢). الفصول المهمة: ٢١.

(٣). توضيح الدلائل - مخطوط.

(٤). كشف الظنون ١ / ٧٤٧ باسم: درر السمطين و ٢٥٠١.

٣٣٧

كما عدَّ الديار بكري كتابه ( الإِعلام ) ضمن مصادر كتابه ( الخميس ).

وقال السمهودي: « وقال الحافظ جمال الدين المذكور: وقال أبو الليث عبد السلام بن صالح الهروي: كنت مع علي بن موسى الرضا - وقد دخل نيسابور وهو على بغله شهباء - فغدا في طلبه العلماء من أهل البلد وقالوا: بحق آبائك الطاهرين حدّثنا بحديث سمعته من أبيك. فقال: حدثني أبي العبد الصالح موسى بن جعفر وقال: حدثني أبي جعفر الصادق ابن محمّد قال: حدثني أبي باقر علم الأنبياء محمّد بن علي قال: حدثني أبي سيّد العابدين علي بن الحسين قال: حدثني أبي سيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي قال: سمعت أبي سيد العرب علي بن أبي طالب يقول: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: الإِيمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان.

قال الامام أحمد بن حنبلرحمه‌الله : لو قرأت هذا الاسناد على مجنون لبرئ من حينه.

وروى بعضهم أن المستملي لهذا الحديث أبو زرعة الرازي ومحمّد بن أسلم الطوسي »(١) .

وهكذا نقل عنه في مواضع عديدة واصفاً إياه بـ « الحافظ ».

(٥)

رواية الدولت آبادي

وروى ملك العلماء شهاب الدين بن شمس الدين الدولت آبادي حديث نزول قوله تعالى:( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ ) في واقعة حديث الغدير قوله: « وفي

____________________

(١). جواهر العقدين - مخطوط.

٣٣٨

الزاهدية عند قوله تعالى:( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ ) :في تفسير الثعلبي نزولا: أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال يوماً . من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله. فسمع ذلك واحد من الكفرة من جملة الخوارج، فجاء إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا محمد هذا من عندك أو من عند الله؟ فقال: هذا من عند الله. فخرج الكافر من المسجد وقام على عتبة الباب وقال: إنْ كان ما يقوله حقاً فأنزل عليّ حجراً من السماء قال: فنزل حجر ورضخ رأسه. فنزلت السورة »(١) .

ترجمة الدولت آبادي

وشهاب الدين الدولت آبادي من أعلام علماء أهل السنة، فقد ذكره غلام علي آزاد قائلاً: « مولانا القاضي شهاب الدين بن شمس الدين ابن عمر الزاولي الدولت آبادي نوّر الله ضريحه. ولد بدولت آباد دهلي، وتلمّذ على القاضي عبد المقتدر الدهلوي، ومولانا خواجكي الدهلوي وهو من تلامذة مولانا معين الدين العمراني رحمهم ‌الله تعالى. وفاق أقرانه وسبق إخوانه. وكان القاضي عبد المقتدر يقول في حقه: يأتيني من الطلبة من جلده علم ولحمه علم وعظمه علم.

... وألّف كتباً سارت بها ركبان العرب والعجم، وأذكى سرجاً أهدى من النار الموقدة على العلم.

توفي لخمس بقين من رجب المرجب، سنة تسع وأربعين وثمانمائة، ودفن بجو نفور في الجانب الجنوبي من مسجد السلطان إبراهيم الشرقي »(٢) .

كما ترجم له الشيخ عبد الحق الدهلوي وأثنى عليه الثناء البالغ(٣) .

____________________

(١). هداية السعداء. الجلوة الثانية من الهداية الثامنة.

(٢). سبحة المرجان في آثار هندوستان: ٣٩.

(٣). أخبار الأخيار: ١٧٣.

٣٣٩

وذكر كاشف الظنون أحد كتب شهاب الدين الدولت آبادي وهو ( الارشاد في النحو ) ووصف مؤلفه بـ « الشيخ الفاضل » والكتاب بقوله: « وهو متن لطيف، تعمّق في تهذيبه كل التعمق، وتأنق في ترتيبه حق التأنق ».

وكذا مدح ولي الله الدهلوي مؤلفات الدولت آبادي في كتابه ( المقدمة السنية في الانتصار للفرقة السنية ).

وقد عدّ رشيد الدين الدهلوي ملك العلماء في عداد عظماء العلماء من أهل السنة، الذين ألّفوا كتباً ورسائل في مناقب الأئمة الطاهرين من أهل البيتعليهم‌السلام .

وهذا المقدار يكفي لبيان كون الدولت آبادي من علماء أهل السنة، المعتمدين الموثوقين لديهم.

(٦)

رواية السمهودي

وروى نور الدين لي بن عبد الله السمهودي الشافعي، حديث نزول الآية الشريفة في حق الحارث في الواقعة المذكورة، عن الثعلبي أيضاً، حيث قال:

« وروى الامام الثعلبي في تفسيره: إنّ سفيان بن عيينةرحمه‌الله سئل عن قول الله عز وجل:( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ ) فيمن نزلت؟ فقال للسائل: سألتني عن مسألة ما سألني عنها أحد قبلك، حدثني أبي عن جعفر بن محمّد عن آبائه: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمـّا كان بغدير خم نادى الناس فاجتمعوا، فأخذ بيد عليرضي‌الله‌عنه وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فشاع ذلك وطار في البلاد، فبلغ ذلك الحارث ابن النعمان الفهري، فأتى رسول الله على ناقة، فنزل بالأبطح عن ناقته وأناخها وقال:

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481