نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٧

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار13%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 424

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 424 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 257379 / تحميل: 6459
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٧

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

الإيمان ، وهذا حكم عامّ لا استثناء فيه حتّى في تلك الموارد التي رخّص الله تعالى لرسوله الكريم مشورة الناس فيها.

قال تعالى :( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ) (١) .

فمدار القرار ومحوره عزم الرسول وإقدامه في تحديد أيّ موقف ، ولا رأي للناس في ذلك ، ولم تكن مشورتهم إلاّ لتطيب خواطرهم ، وإشعارهم بشخصيتهم في ميدان العمل والتطبيق ، مضافاً إلى ما للمشورة من تأثير على تمسّكهم بأوامر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والتزامهم بما ألزموا به أنفسهم ، خصوصاً في مواطن الشدّة كالحرب.

هذا ، وإنّ الشورى لم تتحقّق بعد وفاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في سقيفة بني ساعدة ، فقد حضرها مجموعة قليلة من الأنصار والمهاجرين ، ولم يكونوا يمثّلون جميع أهل الحلّ والعقد ، خصوصاً وأنّ علياً ‎عليه‌السلام قد أبدى اعتراضه على ما جرى في السقيفة ورفض البيعة ، كما اعترض كبار الصحابة : كالمقداد ، وسلمان ، والزبير ، وعمّار ، وعبد الله بن مسعود ، وسعد بن عبادة ، والعباس ابن عبد المطلب ، وأُسامة بن زيد ، وأُبي بن كعب ، وعثمان بن حنيف.

ولو تنزّلنا وقلنا : حصلت الشورى في انتخاب الخليفة الأوّل ، لكنّها لم تحصل في الخليفة الثاني ، حيث تمّ تعيينه مباشرة ومن دون مشورة أحد.

وهكذا لم تحصل في الخليفة الثالث ، حيث إنّ عمر رشّح ستة أشخاص ، ووضع لهم طريقة خاصّة في انتخاب الخليفة ، كما ورد في كتب التاريخ(٢) .

ثمّ لو كانت الشورى مشروعة في تعيين الخليفة لبيّنها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ورفع الغموض عنها ، مع أنّه لم يؤثر عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله شيء في هذا المجال.

____________

١ ـ آل عمران : ١٥٩.

٢ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٣ / ٢٩٥ ، تاريخ المدينة ٣ / ٩٢٤.

٦١

وهل يعقل أنّ النبيّ ‎صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يهتمّ في مسألة الحاكم الذي يليه ، بينما يكون غيره ـ كأبي بكر وعمر ـ أكثر حرصاً منهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيقدما على الوصاية من بعدهما ، ولا يقدم نبي الرحمة على ذلك؟

والخلاصة : حيث إنّه لم يؤثر عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه تحدّث عن الشورى كأسلوب في تعيين الخليفة من بعده ، فلابدّ من الرجوع إلى النصوص المأثورة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله والدالّة على تنصيب الإمام عليعليه‌السلام كخليفة المسلمين.

( ـ السعودية ـ )

ليست أساس الحكم والخلافة :

س : حاول المتجدّدون من متكلّمي أهل السنّة ، صب صيغة الحكومة الإسلامية على أساس المشورة بجعله بمنزلة الاستفتاء الشعبي ، واستدلّوا على ذلك بقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) (١) ، فما هو ردّكم؟

ج : إنّ الآية الشريفة حثّت على الشورى فيما يمت إلى شؤون المؤمنين بصلة ، لا فيما هو خارج عن حوزة أُمورهم ، وكون تعيين الإمام داخلاً في أُمورهم فهو أوّل الكلام ، إذ لا ندري ـ على الفرض ـ هل هو من شؤونهم أو من شؤون الله سبحانه؟ ولا ندري ، هل هي إمرة وولاية إلهية تتمّ بنصبه سبحانه وتعيينه ، أو إمرة وولاية شعبية يجوز للناس التدخّل فيها؟ فما لم يحرز تعيين الإمام أمر مربوط بالمؤمنين لم يجز التمسّك بعموم الآية في أنّها تشمل تعيين الإمام.

____________

١ ـ الشورى : ٣٨.

٦٢

الشيعة :

( فاطمة السنّية ـ سنّية ـ ٢٥ سنة ـ طالبة )

دفع تهم عنهم :

س : أرجو منكم الردّ عليّ فوراً يا شيعة : سئل الإمام مالك عن الشيعة ، فقال : لا تكلّمهم ، ولا ترو عنهم ، فإنّهم يكذبون.

وقال الشافعي : ما رأيت أهل الأهواء قوم أشهد بالزور من الرافضة.

وقال شيخ الإسلام : لا توجد فرقة تقدّس الكذب سوى الرافضة.

ج : إنّ البحث عن الحقائق لا يُؤخذ هكذا ، ولا يكون بالحكم على الأشياء سلفاً دون الاعتماد على تقصّي الوقائع ، ودون اللجوء إلى استماع الأقاويل ، وتقليد الآخرين في حكمهم ، فإنّ الله غداً سائلنا عن كُلّ ما نقوله ، فماذا نعتذر غداً إذا لم نملك حجّة نعتذر بها عند الله تعالى؟

قال تعالى :( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) (١) ، نحن مسؤولون عن كُلّ صغيرة وكبيرة ، عن ظلمنا لشخص واحد ، فكيف بظلمنا لطائفةٍ من المسلمين؟

علينا أن نبحث أوّلاً عن نشوء مصطلح الرافضة ، ومن هم؟ فاصطلاح الرافضة ليس من الضروري أن يطلق على الشيعة ، إلاّ أنّ الأنظمة السياسية عزّزت من

____________

١ ـ الإسراء : ٣٦.

٦٣

فكرة استخدام هذا المصطلح على الشيعة ، وقلّدهم الآخرون في ذلك ، فأطلقوا هذا المصطلح على كُلّ شيعي ، من هنا نشكّك في دعوى انتساب هذا المصطلح إلى التشيّع ، ومنه يمكننا إلغاء كُلّ ما تدّعينه في حقّ شيعة أهل البيتعليهم‌السلام ، وتنسبين أقوال هؤلاء العلماء في حقّهم ، وهذا الكلام يؤيّده ما قاله إمام الشافعية :

إذا نحن فضّلنا علياً فإنّنا

روافضُ بالتفضيل عند ذوي الجهلِ

وقال كذلك :

إذا في مجلس ذكروا علياً

وسبطيه فاطمة الزكية

يقال تجاوزوا يا قوم هـذا

فهذا من حديث الرافضية

برئت إلى المهيمن من أُناسٍ

يرون الرفض حبّ الفاطمية

وقال كذلك :

قالوا ترفّضت قلت كلاّ

ما الرفض ديني ولا اعتقادي

لكن تولّيت غير شكّ

خير إمامٍ وخير هادي

إن كان حبّ الولي رفضاً

فإنّني أرفض العبادِ(١)

وهكذا فرّق الشافعي بين مصطلح التشيّع الذي هو ولاء علي وأولادهعليهم‌السلام وبين مصطلح الرافضة الذي أطلقه النظام السياسي الحاكم على معارضيه ، ومن هنا فإنّ الذي تذكرينه عن الشافعي لا يستقيم.

أمّا ما تذكرينه عن مالك في حقّ الشيعة ، فلم يثبت في مصدر يعوّل عليه ، ولم تذكرين لنا المصدر الذي تأخذين هذا القول عنه ، ويستحيل أن ينسب مالك هذا الكلام لشيعة أهل البيتعليهم‌السلام .

____________

١ ـ نظم درر السمطين : ١١١.

٦٤

واعلمي أنّ الشيعة لم يضعوا الحديث ، ولم يكذّبوا فيه ، فإنّهم كانوا تحت رقابةٍ مشدّدة من التعديلات الرجالية ، بحيث كان الرجاليون يترقّبون كُلّ من وضع الحديث ، أو كذّب فيه ، فيسقطونه عن الاعتبار ، وكانوا يتحرّجون في ذلك أشدّ التحرّج ، ولو كان قد صدر منهم كذب في حديث لوجدتِ أنّ الأنظمة الحاكمة قد جعلت ذلك ذريعة للتشهير بهم ، ومحاربتهم بحجّة وضع الحديث وكذبهم فيه.

إلاّ أنّنا نعلمك : أنّ آفة وضع الحديث قد امتاز بها غير الشيعة ، وشهد لذلك ابن حجر الهيثمي وغيره لهذه المشكلة فقال : « وقد اغتر قوم من الجهلة ، فوضعوا أحاديث الترغيب والترهيب وقالوا : نحن لم نكذب عليه ـ أي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ـ بل فعلنا ذلك لتأييد شريعته »(١) .

وأخرج البخاري في تاريخه عن عمر بن صبح ـ وهو من رواة أهل السنّة ـ يقول : أنا وضعت خطبة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) .

قيل لأبي عصمة : من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضل سور القرآن سورة سورة؟ فقال : إنّي رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن ، واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ، ومغازي ابن إسحاق ، فوصفت هذا الحديث حسبة(٣) .

وهكذا ، فإنّ الوضع لم يكن عند الشيعة كما تذكرين ، بل هؤلاء علماء أهل السنّة يعترفون بمشكلة الوضع عند رواة أهل السنّة ، وهي مشكلة تعمّ الكثير من الأحاديث ، وعليكِ متابعة الموضوع من مصادره ، ليتبيّن لكِ الحقّ والواقع.

نسأل الله تعالى أن يكشف لكِ الكثير من الحقائق لتقفين بنفسكِ على كثيرٍ من الأُمور.

____________

١ ـ فتح الباري ١ / ١٧٨.

٢ ـ التاريخ الصغير ٢ / ١٩٢.

٣ ـ الجامع لأحكام القرآن ١ / ٧٨ ، البرهان في علوم القرآن ١ / ٤٣٢.

٦٥

( خالد ـ الجزائر ـ ٢٧ سنة ـ التاسعة أساسي )

تعقيب على الجواب السابق :

لقد قرأت سؤال الأُخت فاطمة السنّية ، حيث نقلت عن بعض النواصب : إنّ الشيعة يكذبون ، وأردت أن أبيّن الحقيقة لكُلّ من يطلبها ، وأبيّن من هم الكذّابين؟ وأرجو منكم أن تنشروا هذه الفقرات تبياناً للحقيقة ، وخدمة لأهل البيت عليهم‌السلام .

فأقول بعد الصلاة على محمّد وآل محمّد :

١ ـ قال ابن الأثير في تاريخه : « فلمّا مات زياد عزم معاوية على البيعة لابنه يزيد ، ثمّ كتب معاوية بعد ذلك إلى مروان بن الحكم ، فقام مروان فيهم وقال : إنّ أمير المؤمنين قد اختار لكم فلم يألُ ، وقد استخلف ابنه يزيد بعده.

فقام عبد الرحمن بن أبي بكر فقال : كذبت والله يا مروان وكذب معاوية! ما الخيار أردتما لأُمّة محمّد ، ولكنّكم تريدون أن تجعلوها هرقلية كلّما مات هرقل قام هرقل

فسمعت عائشة مقالته فقامت من وراء الحجاب وقالت : يا مروان كذبت! ولكنّك أنت فضض من لعنه نبي الله »(١) .

لكن البخاري ذكر الحديث في باب : « والذي قال لوالديه أُفّ لكما ، فقال : كان مروان على الحجاز استعمله معاوية ، فخطب وجعل يذكر يزيد لكي يبايع له بعد أبيه ، فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر شيئاً ، فقال : خذوه ، فدخل بيت عائشة فلم يقدروا عليه ، فقال مروان : إنّ هذا الذي أنزل الله فيه : والذي قال لوالديه أُفّ لكما أتعدانني ، فقالت عائشة من وراء الحجاب : ما أنزل الله فينا شيئاً من القرآن إلاّ أنّ الله أنزل عذري »(٢) .

لاحظوا جيّداً كيف حذف الشيخ البخاري كلام عبد الرحمن عندما قال : كذبت والله يا مروان وكذب معاوية! ما الخيار أردتما لأُمّة محمّد ،

____________

١ ـ الكامل في التاريخ ٣ / ٥٠٦.

٢ ـ صحيح البخاري ٦ / ٤٢.

٦٦

ولكنّكم تريدون أن تجعلوها هرقلية كُلّما مات هرقل قام هرقل ، وأبدله بعبارة : فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر شيئاً ، وحذف قول عائشة لمروان : يا مروان كذبت! ولكنّك أنت فضض من لعنه نبي الله .

٢ ـ روى الطبري في تاريخه في وصف مرض النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « عن عائشة قالت : فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بين رجلين من أهله ، أحدهما الفضل بن العباس ورجل آخر ، قال عبيد الله : فحدّثت هذا الحديث عنها عبد الله بن عباس فقال : هل تدري من الرجل؟ قلت : لا ، قال : علي بن أبي طالب ، ولكنّها كانت لا تقدر على أن تذكره بخير وهي تستطيع »(١) .

ورواه أيضاً ابن سعد في طبقاته(٢) .

٣ ـ أخذ ابن هشام من سيرة ابن إسحاق برواية البكائي ، وقال في ذكر منهجه في أوّل الكتاب ، وتارك بعض ما أورده ابن إسحاق في هذا الكتاب ، وأشياء يشنع الحديث به ويسوء الناس ذكره ، وكان ممّا يسوء الناس ذكره ممّا حذف : خبر دعوة النبيّ بني عبد المطلب حينما نزلت( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) (٣) .

فقد روى الطبري في تاريخه : أنّه بعد نزول هذه الآية دعا النبيّ بني عبد المطلب وقال لعلي : «إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا »(٤) ، وقد تدارك الطبري أهمّية هذا الحديث ، فتدارك في تفسيره ما غفل عنه في تاريخه ، فلمّا أورد الحديث بنفس الإسناد في تفسير الآية قال : فقال النبيّ لعلي : «إنّ هذا أخي وكذا وكذا ، فاسمعوا له وأطيعوا »(٥) .

____________

١ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٢ / ٤٣٣.

٢ ـ الطبقات الكبرى ٢ / ٢١٨.

٣ ـ الشعراء : ٢١٣.

٤ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٢ / ٦٣.

٥ ـ جامع البيان ١٩ / ١٤٩.

٦٧

وكذلك فعل ابن كثير في تاريخه وتفسيره ، حيث حذف كلمة : أخي ووصيي ، وأبدلها بعبارة : كذا وكذا ، وكذلك محمّد حسين هيكل حيث ذكر الحديث بتمامه في الطبعة الأُولى من كتابه حياة محمّد ، لكنّه حذفه في الطبعة الثانية.

٤ ـ أورد الطبري وابن الأثير في تاريخهما خطبة الإمام الحسينعليه‌السلام فقالوا : قال الحسين : « أمّا بعد ، فانسبوني فانظروا من أنا ، ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها ، فانظروا هل يحلّ لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟! ألست ابن بنت نبيّكم ، وابن وصيّه ، وابن عمّه »؟!(١) .

لكن ابن كثير ذكر الخبر وحذف عبارة : وابن وصيه وابن عمّه!(٢) .

٥ ـ ابن تيمية الذي يتهمّ الشيعة بالكذب ، فحسبنا أنّه أنكر حديث من كنت مولاه فعلي مولاه(٣) .

ويقول الشيخ الألباني : « فزعم ـ ابن تيمية ـ أنّه كذب! وهذا من مبالغاته الناتجة في تقديري من تسرّعه في تضعيف الأحاديث قبل أن يجمع طرقها ويدقّق النظر فيها »(٤) .

وبهذه الأمثلة من كتب أهل السنّة يتبيّن للأخوة القرّاء عامّة ، وللأخت فاطمة خاصّة ، من هم الكذّابين الحقّيقيين؟!

وإنّ ما نسب للشيعة وعلمائنا الكبار أنّه محض افتراء ، وفي هذا بيان كافّ إن شاء الله تعالى.

____________

١ ـ تاريخ الأُمم والملوك ٤ / ٣٢٢ ، الكامل في التاريخ ٤ / ٦١.

٢ ـ البداية والنهاية ٨ / ١٩٣.

٣ ـ منهاج السنّة ٧ / ٣١٩.

٤ ـ سلسلة الأحاديث الصحيحة ٤ / ٣٤٤.

٦٨

( خالد ـ الجزائر ـ ٢٧ سنة ـ التاسعة أساسي )

تعقيب ثاني على الجواب السابق :

إتماماً للفقرة الأُولى التي ذكر فيها بعض الأمثلة على كذب علماء العامّة ، أرجو منكم أن تضيفوا هذه الفقرات نظراً لأهمّيتها ، وخدمة للقرّاء الكرام.

١ ـ نقل الذهبي في ترجمة الإمام النسائي قال : « سئل النسائي عن فضائل معاوية : ألا تخرج فضائل معاوية؟ فقال : أيّ شيء أخرج؟ حديث : « اللهم لا تشبع بطنه » ، فسكت السائل ».

قال الذهبي : لعل هذه منقبة لمعاوية لقول النبيّ : « اللهم من لعنته أو شتمته فاجعل ذلك له زكاة ورحمة »!(١) .

وجاء ابن كثير من بعده فقال : « لقد انتفع معاوية بهذه الدعوة »(٢) .

وقد روى مسلم في صحيحه حديث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي يذمّ فيه معاوية : « لا اشبع الله بطنه » (٣) .

وعندما وقع أهل السنّة في حيرة من هذا الحديث ـ وقد روته صحاحهم ـ نسبوا للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « اللهم من لعنته أو شتمته فجعل ذلك له زكاة ورحمة » فربطوا بين الحديثين ، وجعلوا منهما منقبة لمعاوية.

سبحان الله ، هل يعقل أنّ سيّد الخلق يسبّ ويشتم المؤمنين! وهل يعقل أنّ النبيّ الذي خاطبه الله تعالى بقوله :( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (٤) ، وبقوله : ( وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ) (٥) ،هل يعقل أن يتحوّل هذا النبيّ الكريم من الرسول القدوة إلى من يسبّ ويلعن المؤمنين؟

____________

١ ـ تذكرة الحفّاظ ٢ / ٦٩٩.

٢ ـ البداية والنهاية ٨ / ١٢٨.

٣ ـ صحيح مسلم ٨ / ٢٧.

٤ ـ صحيح مسلم ٨ / ٢٧.

٥ ـ آل عمران : ١٥٩.

٦٩

٢ ـ ما فعله الطبراني بالحديث الآتي عن سلمان الفارسيرضی‌الله‌عنه قال : قلت يا رسول الله لكُلّ نبي وصي فمن وصيّك؟ فسكت عنّي ، فلمّا كان بعد رآني فقال : « يا سلمان » ، فأسرعت إليه قلت : لبيك ، قال : « تعلم من وصي موسى »؟ قلت : نعم يوشع بن نون ، قال : « لِمَ »؟ قلت : لأنّه كان أعلمهم يومئذ ، قال : « فإنّ وصيي وموضع سرّي وخير من اترك بعدي ، وينجز عدّتي ، ويقضي ديني علي بن أبي طالب ».

فبعد روايته للحديث قال الطبراني : « قوله وصيي يعني أنّه أوصاه بأهله لا بالخلافة »(١) .

سبحان الله ، انظروا كيف أوّل الطبراني هذا الحديث حسب هواه ، والحديث واضح ، وهو يؤكّد أنّ علياًعليه‌السلام وصي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصدق الله العظيم حين يقول في كتابه :( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ) (٢) ، فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله.

٣ ـ قال الذهبي في ترجمة الحاكم النيسابوري : « فسئل أبو عبد الله الحاكم عن حديث الطير فقال : لا يصحّ ، ولو صحّ لما كان أحد أفضل من علي بعد النبيّ.

قلت : ثمّ تغيّر رأي الحاكم ، وأخرج حديث الطير في مستدركه ، ولا ريب أنّ في المستدرك أحاديث كثيرة ليست على شرط الصحّة ، بل فيه أحاديث موضوعة شأن المستدرك بإخراجها فيه.

وأمّا حديث الطير فله طرق كثيرة جدّاً ، قد أفردتها بمصنّف ومجموعها هو يوجب أن يكون الحديث له أصل ، وأمّا حديث : « من كنت مولاه » ، فله طرق جيّدة ، وقد أفردت ذلك أيضاً »(٣) .

____________

١ ـ المعجم الكبير ٦ / ٢٢١.

٢ ـ الجاثية : ٢٣.

٣ ـ تذكرة الحفّاظ ٣ / ١٠٤٢.

٧٠

فالذهبي ينقل فضل الحاكم ، وبما أنّ الحاكم نقل في مستدركه أحاديث في فضائل علي ، وما فيه انتقاص لمعاوية ، طعنوا فيه وقالوا : ثقة في الحديث رافضي خبيث.

قال الذهبي : « أمّا انحرافه عن خصوم علي فظاهر ، وأمّا أمر الشيخين فمعظّم لهما بكُلّ حال ، فهو شيعي لا رافضي ، وليته لم يصنّف المستدرك على الصحيحين ، فإنّه غضّ من فضائله بسوء تصرّفه »(١) .

ومن العجيب أنّ ابن كثير بعدما نقل في أربع صفحات من تاريخه ، ملئها بطرق حديث الطير وأسانيده ورواته ، ونحو أكثر من مائة ممّن رووا عن أنس هذا الحديث قال : « وبالجملة ففي القلب من صحّة هذا الحديث نظر ، وإن كثرت طرقه » (٢) .

انظروا إلى هذا التعصّب الأعمى ، كيف جعلهم يتّهمون عالماً من علمائهم بالتشيّع والرفض ، بسبب روايته أحاديث لا تعجبهم ، والأعجب بعد هذا أن يقول ابن كثير بعد روايته للحديث : في القلب من صحّة هذا الحديث نظر!

والجدير بالذكر : أنّ حديث الطير رواه الترمذي في سننه ، والطبراني في المعجم الأوسط ، وغيرهما من أعلام السنّة(٣) ، وممّا لاشكّ فيه ، أنّه لو كان الحديث يخصّ أحد الصحابة ـ خاصّة الخلفاء الأوائل ـ لدقّوا عليه الطبول.

ومن أمثلة الأحاديث التي رواها الحاكم :

١ ـ عن علي عليه‌السلام قال : « اخبرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ أوّل من يدخل الجنّة أنا وفاطمة والحسن والحسين ، قلت : يا رسول الله فمحبّونا ، قال : من ورائكم ».

____________

١ ـ المصدر السابق ٣ / ١٠٤٥.

٢ ـ البداية والنهاية ٧ / ٣٩٠.

٣ ـ الجامع الكبير ٥ / ٣٠٠ ، طبقات المحدّثين بأصبهان ٣ / ٤٥٤ ، البداية والنهاية ٧ / ٣٩٠ ، المناقب : ١٠٨ ، سبل الهدى والرشاد ٧ / ١٩١ ، ينابيع المودّة ٢ / ١٥٠ ، المستدرك ٣ / ١٣٠ ، أُسد الغابة ٤ / ٣٠ ، المعجم الأوسط ٢ / ٢٠٧ و ٦ / ٩٠ و ٧ / ٢٦٧ و ٩ / ١٤٦ ، تاريخ بغداد ٩ / ٣٧٩ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٢٥٠ و ٢٥٧.

٧١

قال الحاكم : « صحيح الإسناد ولم يخرجاه »(١) ، وقال الذهبي في تلخيصه : « الحديث منكر من القول ، يشهد القلب بوضعه ».

٢ ـ عن عليعليه‌السلام قال : « سمعت النبيّ يقول : إذا كان يوم القيامة نادى مناد من وراء الحجاب : غضّوا أبصاركم عن فاطمة بنت محمّد حتّى تمر » (٢) .

قال الحاكم : « هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه »(٣) ، وقال الذهبي في تلخيصه : « لا والله بل موضوع ».

وأخرج الحاكم بإسناده إلى عليعليه‌السلام في تفسير قوله تعالى : ( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) (٤) ، قال علي : « رسول الله المنذر وأنا الهادي ».

قال الحاكم : « هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه »(٥) ، وقال الذهبي : « بل كذب قبّح الله واضعه ».

وسئل أحمد بن حنبل عن حديث : « أنا مدينة العلم وعلي بابها » فقال : « قبّح الله أبا الصلت »(٦) .

لاحظوا كيف استدلّوا على وضع الأحاديث التي لم تعجبهم : فتارة يستشهدون بالقلب ، وتارة باليمين ، وتارة بالسبّ ، وهل يعقل أن نستشهد على وضع الحديث بالقلب أو اليمين بلا دليل؟ فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله.

٤ ـ نقل ابن كثير في تفسيره لقوله تعالى :( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) (٧) ، قال

____________

١ ـ المستدرك ٣ / ١٥١.

٢ ـ ذخائر العقبى : ٤٨ ، نظم درر السمطين : ١٨٢ ، الجامع الصغير ١ / ١٢٧ ، كنز العمّال ١٢ / ١٠٨ ، فيض القدير ١ / ٥٤٩ ، كشف الخفاء ١ / ٩٦ ، أُسد الغابة ٥ / ٥٢٣ ، ينابيع المودّة ٢ / ٨٨ و ١٣٧.

٣ ـ المستدرك ٣ / ١٥٣.

٤ ـ الرعد : ٧.

٥ ـ المستدرك ٣ / ١٣٠.

٦ ـ الموضوعات ١ / ٣٥٤.

٧ ـ النساء : ٦٤.

٧٢

ابن كثير : وقد ذكر جماعة ، منهم الشيخ أبو منصور بن الصبّاغ في كتابه الشامل الحكاية المشهورة عن العتبي قال : كنت جالساً عند قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فجاء إعرابي فقال : السلام عليك يا رسول الله ، سمعت الله يقول : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) ، وقد جئتك مستغفراً لذنبي مستشفعاً بك إلى ربّي ، ثمّ انشأ يقول :

يا خير من دفنت بالقاع أعظمه

فطاب من طيبهن القاع والاكم

نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه

فيه العفاف وفيه الجود والكرم

ثمّ انصرف الأعرابي فغلبتني عيني فرأيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في النوم فقال : « يا عتبي الحق الإعرابي فبشّره أنّ الله قد غفر له »(١) .

وذكر هذه القصّة النووي الشافعي في كتابه « الأذكار » ، ولكن عندما طبع الكتاب سنة ١٤٠٩ هجري في دار الهدى في الرياض ، حذفت قصّة العتبي ، وحذف قول النووي : « اعلم أنّ على كُلّ من حجّ أن يتوجّه إلى زيارة النبيّ ، فإنّ زيارته من أهمّ القربات ».

لماذا حذفت قصّة العتبي وحذف قول النووي؟ بالطبع لأنّ الوهّابية تحرّم الاستشفاع والتوسّل بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبما أنّ قصّة العتبي رواها كبار علماء السنّة ، فلم يجدوا المخرج إلاّ بتحريف الكتاب ، فحذفوا ما لا يروقهم ، فهل من الأمانة العلمية أن تحرّف الكتب؟! هذا سؤال يبقى مطروح على علماء الوهّابية.

ويشبه هذا ما يفعله علماء الوهّابية حالياً بكتاب الرحّالة ابن بطّوطة ، إذ إنّ ابن بطوطة عندما يصف رحلته إلى الشام يذكر ابن تيمية ، ويقول عنه : أنّه إنسان مجنون ، ونقل عن ابن تيمية أنّه كان ينزل من أعلى المنبر إلى أسفله ، ثمّ يقول : إنّ الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا ، ونزل درجة من المنبر(٢) .

____________

١ ـ تفسير القرآن العظيم ١ / ٥٣٢.

٢ ـ رحلة ابن بطّوطة : ٩٥.

٧٣

لكن الكتب التي تطبع حالياً ـ خاصّة في الأوساط الوهّابية ـ تنزع منها هذه العبارة ، ولكن في النسخ القديمة ما زالت موجودة ، والحمد لله.

يقول الشيخ محمّد إبراهيم شقرة في شريط اسمه لا دفاعاً عن ابن تيمية ، ولكن إظهاراً للحقّ : إنّ ابن بطّوطة كان ينقل عن العوام ، وما نقله عن ابن تيمية سمعه ولم يره ، ولهذا فكتب ابن بطّوطة تحذف منها هذه العبارة الآن!

سبحان الله ، كيف يجوّزون لأنفسهم حذف الأخبار والأحاديث ـ التي لا تعجبهم ـ ثمّ يتّهمون الشيعة بالكذب ، وهل يقبل إنسان عاقل هذه التبريرات منهم؟ وهل اصبحوا كاليهود حيث يقول الله تعالى عنهم :( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ) (١) .

هذه بعض الأمثلة سقناها للقرّاء الكرام حول كيفية تحريف علماء العامّة عامّة والوهّابية خاصّة للأخبار والأحاديث التي لا تعجبهم.

والآن نأتي بأمثلة أُخرى من كتبهم حول تركهم للسنّة بدعاوى مختلفة :

١ ـ قال ابن حزم : « وأمّا قولنا في الرجلين فإنّ القرآن نزل بالمسح ، وقد قال بالمسح على الرجلين جماعة من السلف ، منهم علي بن أبي طالب ، وابن عباس ، والحسن ، وعكرمة ، والشعبي ، وجماعة غيرهم ، وهو قول الطبري »(٢) .

قال ابن الجوزي في المنتظم : « كان ابن جرير ـ أي الطبري ـ يرى المسح على القدمين ، ولا يوجب غسلهما ، فلهذا نسب إلى الرفض » (٣) .

لاحظوا كيف ينسبون علماءهم ويتهمونهم بالرفض والتشيّع إذا اقرّوا بالحقيقة ، ومعروف في التاريخ : أنّ الطبري حاصره الحنابلة ـ أجداد الوهّابية والسلفية ـ في داره ، ومنعوا من دفنه ، وادعوا عليه الإلحاد حتّى دفن ليلاً.

____________

١ ـ النساء : ٤٦.

٢ ـ المحلّى ٢ / ٥٦.

٣ ـ المنتظم ١٣ / ٢١٧.

٧٤

وذكر ثابت بن سنان في تاريخه : « أنّه إنّما أخفيت حاله ، لأنّ العامّة اجتمعوا ومنعوا من دفنه بالنهار ، وادعوا عليه الرفض ثمّ ادعوا عليه الإلحاد »(١) .

٢ ـ قال أبو حنيفة ومالك وأحمد : « التسنيم أولى ، لأنّ التسطيح صار شعاراً للشيعة » (٥) .

وقال الغزّالي : « ثمّ التسنيم أفضل من التسطيح مخالفة لشعار الروافض » !(٢) .

٣ ـ ذكر الزرقاني في شرح المواهب اللدنية في صفة عِمّة النبيّ على رواية علي في إسدالها على منكبه حين عمّمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ ذكر قول الحافظ العراقي : « كما يفعله بعضهم ، إلاّ أنّه صار شعار الإمامية فينبغي تجنّبه ، لترك التشبه بهما » (٣) .

٤ ـ قال الزمخشري في كيفية الصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « وأمّا إذا أفرد غيره من أهل البيت بالصلاة كما يفرد هو فمكروه ، لأنّ ذلك شعاراً لذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولأنّه يؤدّي إلى الاتهام بالرفض » (٤) .

قال ابن تيمية عند بيان التشبّه بالشيعة : « ومن هنا ذهب من ذهب من الفقهاء إلى ترك بعض المستحبّات إذ صارت شعاراً لهم » (٤) .

سبحان الله ، هل يعقل أن يترك من يدّعي أنّه يتبع السنّة ، السنّة الصحيحة ، بدعوى أنّ من يسمّوهم الرافضة تتبع هذه السنن.

فهل أمر الله تعالى أو نبيّه الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله بمخالفة الشيعة؟! وإذا وجب مخالفة الشيعة ، فلماذا لا يفتي علماؤهم لاتباعهم بترك الصلاة والحجّ ، لأنّ الشيعة

____________

١ ـ نفس المصدر السابق.

٢ ـ رحمة الأُمّة : ١٠٢.

٣ ـ الوجيز ١ / ٧٨.

٤ ـ شرح المواهب اللدنية ٥ / ١٣.

٥ ـ الكشّاف ٥ / ٩٦.

٦ ـ منهاج السنّة ٤ / ١٥٤.

٧٥

يصومون ويحجّون؟! وهل يعقل أن يخالف المرء السنّة بحجّة أنّ الشيعة يعملون بها؟!

ومن هم الرافضة؟! أهم الذين رفضوا الإسلام كما يروّجه الوهّابية؟ أم من رفضوا البدع ، وحكّام الجور ، وتمسكوا بالسنّة؟! هذه أسئلة نطرحها على كُلّ إنسان له ضمير حيّ ، وعلى كُلّ إنسان جرّد نفسه من التعصّب الأعمى.

وممّا يجدر بالذكر أنّ كُلّ الأمثلة التي ذكرت هي من أُمّهات كتب السنّة ، ولا يوجد حديث أو رواية واحدة من كتب الشيعة حتّى تكون الحجّة عليهم ، وكما قيل : ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم.

والحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله المعصومين.

( عاشق التوحيد ـ السعودية ـ سنّي )

الأئمّة لم يذمّوا شيعتهم :

س : إنّ علياًرضی‌الله‌عنه وأولاده ، كانوا يبغضون الشيعة المنتسبين إليهم ـ المدّعين حبّهم واتباعهم ـ وكانوا يذمّونهم على رؤوس الإشهاد.

فهذا علي يذمّ شيعته ، ويدعو عليهم فيقول : « لقد ملأتم قلبي قيحاً ، وشحنتم صدري غيظا ، وأفسدتم عليّ رأيي بالعصيان والخذلان »(١) .

ويروي الكليني عن أبي الحسن أنّه قال : « لو ميّزت شيعتي ما أجدهم إلاّ واصفة ، ولو امتحنتهم لما وجدتهم إلاّ مرتدّين »(٢) .

وقال الحسين بن علي مخاطباً الرافضة : « تبّاً لكم أيّتها الجماعة وترحاً ، وبؤساً لكم؟ حين استصرختمونا ولهين ، فأصرخناكم موجفين ، فشحذتم علينا سيفاً كان في أيدينا ، وحمشتم علينا ناراً أضرمناها على عدوّكم

____________

١ ـ شرح نهج البلاغة ٢ / ٧٥.

٢ ـ الكافي ٨ / ٢٢٨.

٧٦

وعدوّنا ، فأصبحتم ألباً على أوليائكم ، ويداً على أعدائكم ، من غير عدل أفشوه فيكم ، ولا أمل أصبح لكم فيهم ، ولا ذنب كان منّا إليكم » (١) .

ج : إنّ البحث عن الحقائق لا تأتي هكذا اعتباطاً ، ما لم يعزّز البحث عنها بالدليل والبرهان ، وإلاّ ستكون محاولات يائسة تجرّ صاحبها إلى سخط الله تعالى ، وتحيله إلى مقلّدٍ أعمى لا يعي ما يقول ، فالغيور على دينه ، ينبغي عليه أن يتحرّى الأُمور بحقائقها ، ويتابع الأشياء بوقائعها ، وأن لا يقلّد كُلّ ما سمعه وردّده الآخرون.

إنّ ما ذكرته : إنّ علياًعليه‌السلام قد ذمّ شيعته ، فهذا ما لا ينبغي أن يصدر منك ، فإنّ شيعة عليعليه‌السلام هم خير من عرفهم التاريخ ، واعتزّ بذكرهم بكُلّ إجلال ، منهم سلمان الفارسي وعمّار وأبو ذر ومحمّد بن أبي بكر وعبد الله بن مسعود وأبو الهيثم بن التيّهان وأمثالهم ، فهم خيرة من عرفت وأحصيت ، فكيف فات عليك ذكر هؤلاء؟ وكيف أنّ علياًعليه‌السلام قد ذمّ أمثال هؤلاء ووبّخهم؟!

وعليك أن ترجع إلى تاريخ ما حدث أيّام خلافة عليعليه‌السلام ، وتابع بنفسك ما أحدثه المنشقوّن على طاعته ، والخارجون على إمامته ، فأشعلوا حروب صفّين والجمل والنهروان ، فقد كانت مجموعة من رعية الإمام وقت ذاك أناس مخالفون لطاعته ، لا ينصاعون لأوامره ، يثبّطون قومه على الخروج معه ، وكان أشهرهم أبو موسى الأشعري ، الذي تخاذل حين استخلفه الإمامعليه‌السلام على الكوفة ، وثبّط الناس عن الخروج ، فوبّخه وكتب إليه في أمر الحكمين وخيانته قائلاً : «فإنّ شرار الناس طائرون إليك بأقاويل السوء »(٢) ، ممّا يعني أنّ هناك عصابة من المنافقين قد تألبوا عليه.

وعبّرعليه‌السلام عن سخطه من طلحة والزبير ، ومن كان معهما في حرب الجمل ، التي تسبّبت في إزهاق آلاف من نفوس المسلمين فقالعليه‌السلام : « فخرجوا يجرّون

____________

١ ـ الاحتجاج ٢ / ٢٤.

٢ ـ شرح نهج البلاغة ١٨ / ٧٤.

٧٧

حرمة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما تجرّ الأمة عند شرائها ، متوجّهين بها إلى البصرة ، فحبسا نساءهما في بيوتهما ، وأبرز حبيس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لهما ولغيرهما ، في جيش ما منهم رجل إلاّ وقد أعطاني الطاعة ، وسمح لي بالبيعة »(١) .

فقد أنّب الإمام عليعليه‌السلام كُلّ من خرج في حرب الجمل دون استثناء ، وحمّلهم مسؤولية الخروج على طاعته ، وهؤلاء ـ كما تعلم ـ كانوا يشكّلون الغالبية العظمى من رعايا الإمام ، فكان الإمامعليه‌السلام يوجّه لومه إلى مثل هؤلاء ، هذا من جهة.

ومن جهة أُخرى كان رعايا الإمام ممّن انخرطوا في صفٍ معارضٍ خطير ، وهم الخوارج الذين آل الأمر إليهم بالخروج عليه في حرب النهروان ، وأدّى بعد ذلك انحرافهم وخبثهم ، أن سخّروا عبد الرحمن بن ملجم المرادي ـ الذي هو أحد رؤوس الخوارج ـ إلى اغتيال الإمامعليه‌السلام في فاجعة الاعتداء الغشيمة ، وقتله في مسجد الكوفة.

هؤلاء الخوارج ، ومثلهم أصحاب الجمل ، أضف إليهم المتقاعسون القاعدون عن القتال أتباع أبي موسى الأشعري ، إذ كانوا يشكّلون نسبة كبيرة من أتباعه ، وكان الأشعث بن قيس ـ رأس المنافقين ـ طابور خيانة داخل دولة الإمامعليه‌السلام ، فيشعلون الفتن ، ويطعنون بالإمام من خلفه ، كُلّ هؤلاء كان الإمامعليه‌السلام قد خاطبهم بالخطب التي ذكرتها ، وليس كما عبّرت من كون المخاطبين كانوا شيعة الإمام.

كيف يصف الإمام شيعته ومحبّيه بهذه الأوصاف؟ التي لا تنم إلاّ عن أوصاف أعدائه ومخالفيه ، وعليك فيما بعد أن تتابع الأحداث التي عاشها الإمام مع هؤلاء ، فحينئذ تجد قد شكّلوا نسبة كبرى من المنافقين الذين خرجوا على الإمام ، وخرقوا طاعته ومعصيته.

____________

١ ـ المصدر السابق ٩ / ٣٠٨.

٧٨

أمّا ما ذكرته عن خطبة الإمام الحسينعليه‌السلام ، فإنّك خلطت في كثير من القضايا ، فالخطبة كانت للإمام الحسينعليه‌السلام يوم الطفّ ، وكان يخاطب بها الجيش الأموي ، ومن الخطأ الكبير أن تنسب هؤلاء إلى شيعة الإمام ، إذ إنّ شيعة الإمام هم الذين شكّلوا جيش الإمام ، وقد فدوا نفوسهم دونه ، وكانوا من خيرة الشيعة الذين يعتزّ بهم التاريخ ، بل يذكرهم العالم ـ المسلم وغير المسلم ـ بكُلّ إجلال وإكبار ، لتضحيتهم ووفائهم أمثال : حبيب بن مظاهر الأسدي ، ومسلم بن عوسجة ، وبرير بن خضير ، وأمثالهم الذين ضحّوا بنفوسهم الزكية ، هؤلاء هم شيعة الحسينعليه‌السلام .

فكيف تنسب أعداء الحسين ـ الذين خرجوا لحربه ـ إلى كونهم شيعته؟ فهل هذا إلاّ تناقض وخلط للحقائق؟ أرجو أن تكون دقيقاً في متابعتك للأُمور ، لا أن يغلبك القيل والقال دون تروٍ وتحقيق.

ونفس الكلام سيكون في ما ذكرته من قول الإمام أبي الحسن موسىعليه‌السلام ، فإنّ الشيعة الذين يقصدهم الإمام لم يكونوا شيعته حقيقة ، بل أنّ ظاهر ما اشتهر عن هؤلاء أنّهم شيعة ، فيظنّ الظانّ أنّ هؤلاء يحسبون من اتباع الإمام اشتباهاً ، وهم ليسوا من أتباعه حقيقة ، فأرادعليه‌السلام أن يرفع شبهة من نسب هؤلاء إلى الإمام بأنّهم من خيرة شيعته ومريديه.

هذا ، وفي الختام نذكّرك بأنّ لفظ الشيعة له معنى خاصّ ، ومعنى عام ، فالمعنى الخاصّ : من اعتقد بالإمامة وأنّها من الله تعالى وبالنصّ ، وذلك يستلزم اعتقاد عصمة الإمام ومقاماته.

والشيعة بالمعنى العام : هو من أحبّ الإمام واتبعه بصفة أنّه خليفة ، أو من أهل البيتعليهم‌السلام ، ولم يعتقد بإمامته الإلهية ولا بعصمته ، فهذا يعبّر عنه بالشيعة بالمعنى العام ، وفي كلمات الأئمّةعليهم‌السلام إن ورد ذمّ الشيعة فمحمول على معناه العام لا الخاصّ.

٧٩

( أبو أحمد ـ مصر ـ )

موقفهم من أهل السنّة :

س : لماذا هذا العداء بين الشيعة والسنّة؟ مع العلم أنّ العداء من الطرفين.

ج : عليك بالتأمّل في كتب التاريخ لترى بوضوح : إنّ العداء لم يشرع من الشيعة في مقابل إخوانهم السنّة ، ولا أيضاً استمرّ من قبلهم ، فالشيعة وعلى مرّ العصور في موقف دفاع ، فهم دائماً يعانون أنواع الظلم الذي يجري عليهم ، وحتّى يومنا الحاضر ، فالشيعة دائماً في موقف دفاع ، وأكثر ما استعمله الشيعة في موقف الدفاع هو الردّ بالدليل وتأليف الكتب ، حتّى وإن كان ما واجهوه من الظلم بالاعتداء على النفوس المحترمة والأموال ، فالشيعة دائماً في موقف دفاع بالطريق العلمي المستدلّ.

( عبد الأمير ـ البحرين ـ ١٩ سنة ـ طالب جامعة )

كيفية انتشارها في إيران :

س : كيف انتشر التشيّع في إيران؟ هل صحيح أنّ أحد حكّام الدولة الصفوية قديماً قام بفرضه على الناس؟ حيث كان وزيره شيعياً ، وذهب معه إلى النجف ، ثمّ اقتنع بالتشيّع ، أو هناك روايات أُخرى؟

ج : إنّ كيفية انتشار التشيّع هي حديث التاريخ لا المذهب والعقيدة ؛ ولكن باختصار نقول :

أوّلاً : إنّ العلّة الأساسية لبسط نفوذ الشيعة في أي منطقة ـ ومنها إيران ـ تكمن وراء ثلاث نقاط :

١ ـ عدالة قضيّتهم وحقّانيتهم المدعومة بالأدلّة الواضحة والمبرهنة.

٢ ـ مظلوميّتهم لما يرونه من السلطات وتحدّيهم لهؤلاء حكّام الجور.

٣ ـ نشاطات علمائهم ومبلّغيهم لنشر أفكارهم.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

(٨٠)

رواية الخلعي

قال المتقي: « عن أبي إسحاق عن عمرو ذي مرّ وسعيد بن وهب وزيد ابن يثيع قالوا: سمعنا عليّاً يقول: نشدت الله رجلاً سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول يوم غدير خم ما قال لما قام، فقام ثلاثة عشر رجلاً فشهدوا أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال فأخذ بيد علي قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، أللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وأحب من أحبه وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره واخذل من خذله. البزار وابن جرير والخلعي في الخلعيات، قال الهيثمي: رجال إسناده ثقات. قال ابن حجر: ولكنهم شيعة »(١) .

ترجمته

١ - الذهبي: « والخلعي القاضي أبو الحسن علي بن الحسن المصري الفقيه الشافعي، وله ثمان وثمانون سنة، سمع عبد الرحمن بن عمر النحاس وأبا سعد الماليني، وطائفة، وانتهى إليه علو الإِسناد بمصر، قال ابن سكرة: فقيه له تصانيف، ولّي القضاء وحكم يوماً واستغفى وانزوى بالقرافة. توفي في ذي الحجة. قلت: وكان يوصف بدين وعبادة »(٢) .

٢ - الأسنوي: « القاضي أبو الحسن ولد بمصر في المحرم من السّنة

____________________

(١). كنز العمال ١٣ / ١٥٨.

(٢). العبر حوادث سنة ٤٩٢.

١٤١

الخامسة بعد الأربعمائة، وكان فقيهاً صالحاً، له كرامات وتصانيف، وروايات متّسعة، وكان أعلى أهل مصر إسناداً، جمع له أبو نصر أحمد بن الحسن الشيرازي عشرين جزءاً، خرّجها عنه وسمّاها الخلعيات »(١) .

(٨١)

ذكر أبي حامد الغزالي

حديث الغدير في كتابه ( سر العالمين وكشف ما في الدارين )، وسيأتي نص عبارته مع ترجمته فيما بعد إنْ شاء الله تعالى.

(٨٢)

رواية البغوي

رواه في ( المصابيح ) حيث قال: « عن زيد بن أرقم عن النبيعليه‌السلام قال: من كنت مولاه فعلي مولاه ».

ترجمته

قالالسيوطي: « محي السنّة البغوي، الإِمام الفقيه، الحافظ المجتهد، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد الفرّاء الشافعي ويلقب أيضا ركن الدين، صاحب معالم التنزيل، وشرح السنّة، والتهذيب والمصابيح، وغير ذلك. تفقه على القاضي حسين، وحدّث عنه، وعن أبي عمر عبد الواحد المليجي، وبورك له في

____________________

(١). طبقات الشافعية ١ / ٤٧٩.

١٤٢

تصانيفه لقصده الصالح، فإنّه كان من العلماء الربّانيين، ذا تعبد ونسك وقناعة باليسير، وآخر من روى عنه بالإِجازة: أبو المكارم فضل الله بن محمد البرقاني، الذي أجاز للفخر ابن البخاري. مات بمرو الروذ في شوال سنة ٥١٦ عن ثمانين »(١) .

(٨٣)

رواية رزين العبدري

رواه « عن أبي سريحة أو زيد بن أرقم: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه»(٢) .

ترجمته

قالالذهبي: « ورزين بن معاوية أبو الحسن العبدري الأندلسي السرقسطي مصنف تجريد الصحاح، روى كتاب البخاري عن أبي مكتوم ابن أبي ذر، وكتاب مسلم عن الحسين الطبري، وجاور بمكة دهراً، وتوفي في المحرم »(٣) .

____________________

(١). طبقات الحفاظ ٤٥٧. وفيه بدل « البرقاني »: « النوقاني »، وتوجد ترجمته في: تذكرة الحفاظ ٤ / ١٢٥٧ وتاريخ ابن كثير ١٢ / ١٩٣ ومرآة الجنان ٣ / ١٩٣ ووفيات الأعيان ١ / ١٤٥ وطبقات السبكي ٧ / ٧٥ وشذرات الذهب ٤ / ٤٨ والعبر ٤ / ٣٧ وغيرها.

(٢). الجمع بين الصحاح الستة - مخطوط.

(٣). العبر - حوادث سنة: ٥٣٥. وتوجد ترجمته في: طبقات الحفاظ ٤٥٧ وتذكرة الحفاظ ٤ / ١٢٥٧ ومرآة الجنان ٣ / ٢١٣ وطبقات المفسرين ١ / ٢٠٥ وغيرها.

١٤٣

(٨٤)

رواية العاصمي

ورواه أحمد بن محمد العاصمي بأسانيده المختلفة، بعد أن قال في ذكر مشابه أمير المؤمنينعليه‌السلام مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وأمّا المولى والولاية فإنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه ».

وقد ذكر في خطبة كتابه ما هذا نصه: « ولقد كان من أوكد ما دعاني إليه وأشد ما حداني عليه - بعد الذي قدمت ذكره وبيّنت أمره - ظن بعض الجهلة الأغثام والغفلة الذين هم في بلادة الأغنام، بنا معاشر آل الكرام وجماعة أهل السنة والجماعة الاحكام، أنا نستجيز الوقيعة في المرتضى رضوان الله عليه وحباه خير ما لديه، وفي أولاده ثم في شيعته وأحفاده، وكيف نستجيز ذلك!! وهو الذي قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه وهذا حديث تلّقته الأمة بالقبول، وهو موافق للأصول، أخبرنا الشيخ الزاهد » ثم قال بعد روايته ببعض أسانيده وطرقه: « ولهذا الحديث طرق سوى ما ذكرناه، يأتيك في الفصل الخامس من هذا الكتاب إن شاء الله عزّ وجلّ ».

وقال: « ومن ذلك قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه » ثم رواه بطرقه وأسانيده المختلفة(١) .

____________________

(١). زين الفتى في تفسير سورة هل أتى - مخطوط.

١٤٤

(٨٥)

ذكر جار الله الزمخشري

حديث الغدير وأرسله إرسال المسلَّم حيث قال: « ليلة الغدير معظّمة عند الشيعة، محياة عندهم بالتهجّد، وهي الليلة التي خطب فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغدير خم على أقتاب الجمال وقال في خطبته: من كنت مولاه فعلي مولاه »(١) .

ترجمته

قالعبد القادر القرشي الحنفي: « محمد بن عمر بن محمد بن عمر الزمخشري، الإِمام الكبير، المضروب به المثل في علم الأدب، لقي الفضلاء وصنّف التصانيف: التفسير وغريب الحديث وغيرهما. وله ديوان شعر. وشهرته تغني عن الإِطناب بذكره. ولد بزمخشر، قرية من قرى خوارزم، في رجب سنة ٤٦٧. وتوفي رحمه الله تعالى بجرجانية خوارزم، ليلة عرفة سنة ٥٣٧. وأجاز للحافظ السلفي »(٢) .

____________________

(١). ربيع الأبرار ونصوص الأخبار ١ / ٨٥.

(٢). الجواهر المضية في طبقات الحنفية ٢ / ١٦٠.

١٤٥

(٨٦)

رواية النطنزي

وروى أبو الفتح محمد بن علي بن إبراهيم النطنزي حديث الغدير، وستأتي عبارته فيما بعد، إن شاء الله تعالى(١) .

(٨٧)

رواية الموفق الخوارزمي

ورواه الموفّق بن أحمد المكي المعروف بأخطب خوارزم حيث قال: « وبهذا الإِسناد عن أحمد بن الحسين هذا، أخبرنا [ بهذا ] علي بن أحمد ابن عبدان قال: أخبرنا أحمد بن عبيد قال: حدثنا أحمد بن سليمان المؤدب قال: حدثنا عثمان قال: حدثنا زيد بن الحباب قال: حدثنا أحمد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن عدي بن ثابت عن البراء، قال: أقبلنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجّته، حتى إذ كنّا بين مكة والمدينة نزل فأمر منادياً الصّلاة جامعة، قال فأخذ بيد علي ثم قال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، قال: ألست أولى بكلّ مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى. قال: فهذا وليّ من أنا وليّه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، من كنت مولاه فعلي مولاه، فلقيه عمر بن الخطاب بعد ذلك فقال: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب، أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة »(٢) .

____________________

(١). وتوجد ترجمة أبي الفتح النطنزي في: الأنساب - النطنزي، الوافي بالوفيات، وغيرهما.

(٢). مناقب علي بن أبي طالب: ٩٤ باختلاف في بعض أسماء الرواة.

١٤٦

وروى أخطب خوارزم كتاباً لعمرو بن العاص إلى معاوية جاء فيه: « وأمّا ما نسيت أبا الحسن أخا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووصيّه، إلى الحسد والبغي على عثمان، وسمّيت الصحابة فسقة، وزعمت أنه أشلاهم على قتله، فهذا غواية، ويحك يا معاوية أما علمت أن أبا حسن بذل نفسه بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبات على فراشه، وهو صاحب السبق إلى الإسلام والهجرة، و قد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هو منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي، وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم غدير خم: ألا من كنت مولاه فعليّ مولاه، أللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله »(١) .

(٨٨)

رواية عمر الملّا

ورواه الشيخ عمر بن محمد بن خضر المعروف بالملّا في كتابه في السّيرة النبويّة: « عن البراء قال: أقبلنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع، حتى إذا كنا بغدير خم نودي فينا الصّلاة جامعة، وكسح لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحت شجرتين، فأخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد علي، ثم قال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى. قال: ألست أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى. قال: أليس أزواجي أمّهاتكم؟ قالوا: بلى. قال: فإن هذا مولى من أنا مولاه. اللهم وال من

____________________

(١). مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. وتوجد ترجمة الخوارزمي في: شذرات الذهب حوادث: ٥٦٨، الجواهر المضيّة في طبقات الحنفية، بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين، وستأتي ترجمته عن المصادر المذكورة وغيرها في قسم حديث التشبيه.

١٤٧

والاه وعاد من عاداه، فلقيه بعد ذلك عمر فقال له: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة »(١) .

(٨٩)

رواية ابن عساكر

أخرج حديث الغدير بترجمة سيدنا الأميرعليه‌السلام من ( تاريخ دمشق ) بأسانيد وألفاظ كثيرة جدّاً. من الحديث رقم (٥٠١) إلى الحديث رقم (٥٨٨)، فأخرجه عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وعن: عبدالله بن مسعود، وجابر، وأبي سعيد، والبرّاء، وطلحة، وسعد، وزيد بن أرقم، وحذيفة بن أسيد، وأبي هريرة، وعمر، وعبدالله بن عمر، وسمرة، وأنس وجماعةٍ غيرهم. كما روى خبر مناشدة أمير المؤمنينعليه‌السلام الناس في رحبة الكوفة عن عدّةٍ من الصحّابة والتابعين. ونحن نكتفي هنا بإيراد الرواية التالية:

« أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر، أنبأنا أبو سعد الجنزرودي، أنبأنا السيد أبو الحسن محمد بن علي، أنبأنا أحمد بن علي بن مهدي، أنبأنا أبي، أنبأنا علي بن موسى الرضا، أنبأنا أبي، عن أبيه جعفر الصادق، حدثني أبي، عن أبيه على بن الحسين، عن أبيه عن جدّه علي بن أبي طالب قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله ».

قال الحافظ ابن كثير: « وقد رواه معروف بن خرّبوذ [ المكي ] عن أبي الطفيل [ عامر بن واثلة ] عن حذيفة بن أسيد [ الغفاري ]. قال: لمـّا قفل رسول

____________________

(١). وسيلة المتعبّدين إلى متابعة سيد المرسلين ٥ / ١٦٢، وستأتي ترجمته وبيان اعتبار كتابه المذكور في قسم حديث التشبيه.

١٤٨

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حجة الوداع، أمر أصحابه أن ينزلوا عند شجرات متقاربات بالبطحاء، فنزلوا حولهنّ، ثم أمر فقم ما تحتهنّ من الشوك، وشذبن بمقدار الرؤس ثم بعث إليهم فصلّى تحتهنّ، ثم قام فقال:

أيّها الناس لقد نبأني اللّطيف الخبير أنه لم يعمّر نبي إلّا مثل نصف عمر الذي قبله، وإني لأظنّ أنه يوشك أن أدعى فأجيب، وإني مسئول وأنتم مسئولون، فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلّغت ونصحت وجهدت، فجزاك الله خيراً، قال: ألستم تشهدون أن لا إله، إلّا الله ومحمد عبده ورسوله، وأن الجنة حق وأن النار حق، وأن الموت حق، وأن البعث حق بعد الموت، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور؟ قالوا: بلى نشهد بذلك. قال: اللهم اشهد. ثم قال: أيها الناس إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم، من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، ثم قال: أيها الناس إني فرطكم وإنكم واردون عليّ الحوض، حوض أعرض مما بين بصرى وصنعاء، فيه آنية عدد النجوم، قدحان من ذهب وقدحان من فضة، وإني سائلكم حين تردون علي عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، الثقل الأكبر كتاب الله سبب طرف بيد الله وطرف بأيديكم، فاستمسكوا به ولا تضلّوا ولا تبدّلوا، وعترتي أهل بيتي، فإني نبأني اللّطيف الخبير أنهما لم يفترقا حتى يردا عليّ الحوض.

رواه ابن عساكر بطوله من طريق معروف كما ذكرنا »(١) .

وقال المتقي الهندي: « عن رفاعة بن أياس الضبي عن أبيه عن جدّه، قال: كنت من علي في الجمل فبعث إلى طلحة أن ألقني فلقيه، فقال: أنشدك الله أسمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه؟ قال: نعم. قال: فلم تقاتلني؟!. كر»(٢) .

____________________

(١). تاريخ ابن كثير ٧ / ٣٤٩ مع الاختلاف في ألفاظ الحديث.

(٢). كنز العمال ١١ / ٣٣٢.

١٤٩

ترجمته

قالابن قاضي شهبة « علي بن الحسين بن هبة الله بن عبدالله بن الحسين، الحافظ الكبير، ثقة الدين، أبو القاسم بن عساكر، فخر الشافعية وإمام أهل الحديث في زمانه وحامل لوائهم، صاحب تاريخ دمشق، وغير ذلك من المصنّفات المفيدة المشهورة، مولده في مستهل سنة ٤٩٩. ورحل إلى بلاد كثيرة، وسمع الكثير من نحو ألف وثلاثمائة شيخ وثمانين امرأة، وتفقه بدمشق وبغداد، وكان ديّناً خيّراً يختم في كل جمعة، وأمّا في رمضان ففي كلّ يوم، معرضاً عن المناصب بعد عرضها عليه، كثير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قليل الالتفات إلى الامراء وأبناء الدنيا.

قال الحافظ أبو سعد السمعاني في تاريخه: هو كثير العلم، غزير الفضل حافظ ثقة متقن، ديّن خير حسن السّمت، جمع بين معرفة المتون والأسانيد، صحيح القراءة متثبت محتاط، رحل وبالغ في الطلب، إلى أن جمع ما لم يجمع غيره، وأربى على أقرانه، وصنّف التصانيف وخرّج التخاريج، وشرع في تاريخ دمشق.

وقال أبو محمد عبدالقادر الرهاوي: رأيت الحافظ السلفي والحافظ أبا العلاء الهمداني والحافظ أبا موسى المديني، ما رأيت فيهم مثل ابن عساكر. توفي في رجب سنة ٥٧١ »(١) .

____________________

(١). طبقات الشافعية. وتوجد ترجمة ابن عساكر في: تذكرة الحفاظ ٤ / ١٣٢٨ وطبقات السبكي ٧ / ٢١٥ وتاريخ ابن كثير ١٢ / ٢٩٤ ومرآة الجنان ٣ / ٣٩٣ والمنتظم ١٠ / ٢٦١ والنجوم الزاهرة ٦ / ٧٧ ووفيات الأعيان ١ / ٣٣٥ وشذرات الذهب ٤ / ٢٣٩.

١٥٠

(٩٠)

رواية أبي موسى المديني

قال الحافظ السمهودي: « وعن عامر بن ليلى بن ضمرة وحذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنهما، قالا: لمـّا صدر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حجة الوداع - ولم يحج غيرها - أقبل حتى إذا كان بالجحفة، نهى عن شجرات بالبطحاء متقاربات، لا ينزلوا تحتهنّ، حتى إذا نزل القوم وأخذوا منازلهم سواهنّ، أرسل إليهنّ فقمّ ما تحتهنّ وشذبن عن رؤس القوم، حتى إذا نودي للصّلاة غدا إليهنّ، فصلّى تحتهنّ، ثم انصرف إلى الناس، وذلك يوم غدير خم - وخم من الجحفة وله بها مسجد معروف - فقال:

يا أيّها الناس إنه قد نبّأني اللّطيف الخبير أنه لم يعمّر نبي إلّا نصف عمر الذي يليه من قبله، وإني لأظنّ أن أدعى فأجيب، وإني مسئول وأنتم مسئولون هل بلّغت، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نقول قد بلّغت وجهدت ونصحت فجزاك الله خيرا، وقال: ألستم تشهدون أن لا إله إلاّ الله وأن محمدا عبده ورسوله وأن جنّته حق وأن ناره حق، والبعث بعد الموت حق؟ قالوا: بلى. قال: أللهم اشهد، ثم قال: يا ايها الناس ألا تسمعون! ألا فإن الله مولاي وأنا أولى بكم من أنفسكم، ألا ومن كنت مولاه فهذا علي مولاه، وأخذ بيد علي فعرفها(١) حتى عرفه القوم أجمعون، ثم قال: اللهم وإل من والاه وعاد من عاداه. ثم قال: أيها الناس إني فرطكم، وأنتم واردون عليّ الحوض، أعرض مما بين بصري وصنعاء، فيه عدد نجوم السماء قدحان من فضة، ألا وإني سائلكم حين تردون عليَّ عن الثقلين،

____________________

(١). كذا ولعله: فرفعها.

١٥١

فانظروا كيف تخلفوني فيهما حين تلقوني. قالوا: وما الثقلان يا رسول الله؟ قال: الثقل الأكبر كتاب الله، سبب طرفه بيد الله وطرف بأيديكم، فاستمسكوا به لا تضلّوا بعدي ولا تبدّلوا، وعترتي، فإني قد نبّأني الخبير أن لا يتفرقا حتى يلقياني، وسألت الله ربّي لهم ذلك فأعطاني، فلا تسبقوهم فتهلكوا، ولا تعلّموهم فهم أعلم منكم. أخرجه ابن عقدة في الموالاة من طريق عبدالله بن سنان عن أبي الطفيل عنهما به.

ومن طريق ابن عقدة أورده أبو موسى المديني في الصحابة وقال: إنه غريب جدّاً، والحافظ أبو الفتوح العجلي في كتابه الموجز في فضائل الصحابة »(١) .

وقال علي بن محمد المعروف بابن الاثير الجزري: « عبدالله بن ياميل. أورده ابن عقدة وحده. روى جعفر بن محمد عن أبيه وأيمن بن نائل عن عبدالله بن ياميل قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه. أخرجه أبو موسى »(٢) .

وروى عنه أحاديث أخرى، كما سيظهر عن كثب إن شاء الله تعالى.

ترجمته

١ - الذهبي: « وأبو موسى المديني، محمد بن أبي بكر عمر بن أحمد الحافظ صاحب التصانيف، وله ثمانون سنة، سمع من غانم البرحي وجماعة من أصحاب أبي نعيم، ولم يخلّف بعده مثله. مات في جمادي الأولى، وكان مع براعته في الحفظ والرجال صاحب ورع وعبادة وجلالة وتقى »(٣) .

٢ - الأسنوي: « الحافظ أبو موسى المديني محمد بن عمر بن أحمد المديني الاصبهاني، الامام الحافظ، ولد ليلة الاربعاء تاسع عشر ذي القعدة سنة ٥٠١،

____________________

(١). جواهر العقدين - مخطوط.

(٢). أسد الغابة ٣ / ٢٧٤.

(٣). العبر - حوادث سنة ٥٨١.

١٥٢

وتخرّج بالامام إسماعيل بن محمد التيمي، وأخذ عنه المذهب، وعلوم الحديث، وسمع من خلائق كثيرين، وصنف التصانيف المشهورة النافعة، وكان ورعاً زاهداً متواضعاً متعففاً عمّا في أيدي الناس، لا يقبل لأحد شيئاً قطّ، مع الهرب من الناس.

قال ابن الدبيثي: وعاش حتى صار أوحد وقته وشيخ زمانه، توفي منتصف يوم الأربعاء تاسع جمادى الأولى سنة ٥٨١. ذكره في العبر قال: لم يخلّف بعده مثله »(١) .

٣ - ابن قاضي شهبة: « محمد بن عمر بن محمد الحافظ الكبير، أبو موسى المديني الاصبهاني أحد الأعلام، وكان حافظاً، واسع الدائرة، جم العلوم.

قال أبو سعد السمعاني: كتبت عنه وسمعت منه، وهو ثقة صدوق. وقال ابن الدبيثي »(٢) .

(٩١)

حكم التوربشتي

باعتبار حديث الغدير وشهرته، فإنه قال بعد ذكر حديث: علي منّي بمنزلة هارون من موسى وحديث الغدير والجواب عنهما - ما تعريبه: « وليس لهذه الطائفة في الأحاديث ما يتمسّكون به، إلّا هذين الحديثين المشهورين المعتبرين، وقد ذكرنا وجه الاستدلال بهما، وأما غيرهما فإمّا ضعيف لا يصلح للاحتجاج به، وإمّا موضوع لا يجوز التفوّه به، فضلاً عن الاستدلال ...»(٣) .

____________________

(١). طبقات الشافعية ٢ / ٤٤٠.

(٢). طبقات الشافعية ١ / ٣٧٣.

(٣). المعتمد في المعتقد للتوربشتي.

١٥٣

ترجمته

قالابن قاضي شهبة: « فضل الله التوربشتي. قال السبكي في الطبقات الكبرى: فقيه محدث من أهل شيراز، شرح مصابيح البغوي شرحاً حسناً، ولعله كان في حدود الستمائة »(١) .

(٩٢)

رواية أبي الفتوح العجلي

قال الشيخ نور الدين علي بن محمد المعروف بابن الصبّاغ المالكي: « وروى الحافظ أبو الفتوح أسعد بن أبي الفضائل بن خلف العجلي، في كتابه الموجز في فضائل الخلفاء الأربعة، يرفعه بسنده إلى حذيفة بن أسيد الغفاري وعامر بن ليلى بن ضمرة قالا: لمـّا صدر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حجة الوداع - ولم يحجّ غيرها - أقبل حتى إذا كان بالجحفة، نهى عن سمرات متقاربات بالبطحاء، أن لا ينزل تحتهنّ أحد، حتى إذا أخذ القوم منازلهم أرسل فقمّ ما تحتهنّ، حتى إذا ثوّب بالصلاة - صلاة الظهر - غدا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصلّى بالناس تحتهنّ، وذلك يوم غدير خم، ثم بعد فراغه من الصلاة قال:

أيها الناس إنّه قد نبأني اللّطيف الخبير، أنه لن يعمّر نبي إلّا نصف عمر النبي الذي كان قبله، وإني لأظن بأني أدعى فأجيب، وإني مسئول هل بلغت فما أنتم قائلون؟ قالوا: نقول: قد بلّغت وجهدت ونصحت، فجزاك الله خيراً، قال: ألستم تشهدون أن لا إله إلّا الله وأن محمّداً عبده ورسوله، وأن جنّته حق

____________________

(١). طبقات الشافعية ١ / ٣٦٧. وترجمته في طبقات السبكي ٤ / ١٤٦.

١٥٤

وأن ناره حق، والبعث بعد الموت حق؟ قالوا: بلى نشهد. قال: اللهم اشهد.

ثم قال: أيها الناس ألا تسمعون: ألا فإن الله مولاي وأنا أولى بكم من أنفسكم، ألا ومن كنت مولاه فعلي مولاه، وأخذ بيد علي فعرفه حتى نظره القوم، ثم قال: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه »(١) .

وقد عرفت من كلام السمهودي - في رواية أبي موسى المديني - رواية العجلي لحديث الغدير، في كتابه الموجز في فضائل الصحابة.

ترجمته

١ - الذهبي: « وفيها توفي العلامة أبو الفتح العجلي منتجب الدين، أسعد ابن أبي الفضائل محمود بن خلف الاصبهاني، الشافعي الواعظ، شيخ الشافعية، عاش خمساً وثمانين سنة »(٢) .

٢ - اليافعي: « وفيها توفي الامام العلامة أبو الفتح العجلي، كان من الفقهاء الفضلاء، الموصوفين بالعلم والزهد، مشهوراً بالعبادة والنسك والقناعة، لا يأكل إلّا من كسب يده »(٣) .

٣ - ابن قاضي شهبة: « كان فقيهاً مكثراً من الرواية، زاهداً ورعاً »(٤) .

____________________

(١). الفصول المهمة في معرفة الأئمة: ٤١.

(٢). العبر - حوادث ٦٠٠.

(٣). مرآة الجنان - حوادث ٦٠٠.

(٤). طبقات الشافعية ١ / ٣٥٨.

١٥٥

(٩٣)

إثبات الفخر الرازي

إجماع الأمة على حديث الغدير، كما ذكرنا سابقاً أنه قال في ( الأربعين في أصول الدين ): «وأما الشبهة الثانية عشر، وهي التمسك بقولهعليه‌السلام : من كنت مولاه فعلي مولاه. فجوابها من وجوه، الأول: إنّه خبر واحد، قوله: الأمة اتفقت على صحّته، لأن منهم من تمسّك به في فضل علي، ومنهم من تمسّك به في إمامته. قلنا: تدعى أن كل الأمة قبلوه قبول القطع أو قبول الظن، الأول ممنوع وهو نفس المطلوب، والثاني: مسلّم ولا ينفعكم في مطلوبكم »(١) .

وتقدم أيضاً: أنه اعترف في ( نهاية العقول ) بأن مخالفي الشيعة يروون حديث الغدير، للاحتجاج به في فضل علي بن أبي طالب.

وذكر الرازي في ( تفسيره ) القول بنزول قوله تعالى:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ. ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ) الآية في غدير خم، ناسباً إيّاه إلى ابن عباس والبراء بن عازب والامام محمد بن علي الباقرعليه‌السلام ، كما علمت وستعلم إن شاء الله تعالى.

ترجمته

قالاليافعي: « وفيها الامام الكبير، العلامة النحرير، الأصولي المتكلّم، المناظر المفسّر، صاحب التصانيف المشهورة في الآفاق، الحظيّة في سوق الإِفادة بالنفاق، الامام فخر الدين الرازي، أبو عبدالله محمد بن عمر بن حسين القرشي، التيمي البكري، الملقّب بالإمام عند علماء الأصول، المقرّر لشبه مذاهب الفرق المخالفين، والمبطل لها بإقامة البراهين، الطبرستاني الأصل،

____________________

(١). الأربعين في أصول الدين ٤٦٢.

١٥٦

الرازي المولد المعروف به، الشافعي المذهب، فريد عصره ونسيج دهره، الذي قال فيه بعض العلماء: خصّه الله برأي هو للغيب طليعة، فيرى الحق بعين دونها حدّ الطبيعة، فاق أهل زمانه في الأصلين والمعقولات وعلم الأوائل، صنّف التصانيف المفيدة في فنون عديدة وكل كتبه مفيدة، وانتشرت تصانيفه في البلاد، ورزق فيها سعادة عظيمة بين العباد »(١) .

(٩٤)

رواية أبي السعادات ابن الأثير

رواه بقوله: « زيد بن أرقم - أو أبو سريحة، شك شعبة - إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه. أخرجه الترمذي »(٢) .

ترجمته

قالاليافعي: « وفيها العلامة مجد الدين، أبو السعادات، المبارك بن محمد ابن محمد المعروف بابن الأثير، الشيباني الجزري ثم الموصلي الكاتب. قال أبو البركات ابن المستوفي في حقه: أشهر العلماء ذكراً، وأكبر النبلاء قدراً، واحد الأفاضل المشار إليهم، وفرد الأماثل المعتمد في الأمور عليهم »(٣) .

____________________

(١). مرآة الجنان - حوادث ٦٠٦.

(٢). جامع الأصول ٩ / ٤٦٨.

(٣). مرآة الجنان - حوادث ٦٠٦. وتوجد ترجمته في الكامل ١٢ / ١٢٠.

١٥٧

(٩٥)

رواية أبي الحسن ابن الأثير

رواه بقوله: « عامر بن ليلى بن ضمرة. أورده أبو العباس ابن عقدة روى عبدالله بن سنان، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة عن حذيفة بن أسيد الغفاري وعامر بن ليلى بن ضمرة قالا: لما صدر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حجة الوداع - ولم يحج غيرها - أقبل حتى إذا كان بالجحفة، وذلك يوم غدير خم من الجحفة - وله بها مسجد معروف - فقال: أيها الناس إنه قد نبأني اللّطيف الخبير، أنه لم يعمّر نبي إلّا نصف عمر الذين قبله، وإنّي يوشك أن أدعى فأجيب، ثم ذكر الحديث إلى أن قال: فأخذ بيد علي فرفعها وقال: من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وذكر الحديث، قال أبو موسى: هذا حديث غريب جداً، لا أعلم أني كتبته إلّا من رواية ابن سعيد. أخرجه أبو موسى »(١) .

وقال: « عبدالله بن ياميل. أورده ابن عقدة وحده. روى جعفر بن محمد عن أبيه وأيمن بن نائل، عن عبدالله بن ياميل، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه. أخرجه أبو موسى »(٢) .

وقال: « أبو سريحة الغفاري اسمه حذيفة بن أسيد بن خالد عن سلمة بن كهيل قال: سمعت أبا الطفيل يحدّث عن أبي سريحة أو زيد بن أرقم - شك شعبة - عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه.

____________________

(١). أسد الغابة ٣ / ٩٢.

(٢). أسد الغابة ٣ / ٢٧٤.

١٥٨

أخرجه أبو عمر وأبو نعيم وأبو موسى »(١) .

ترجمته

قالاليافعي: « الامام الحافظ ابن الأثير، أبو الحسن علي بن محمد الجزري صاحب التاريخ، ومعرفة الصحابة، وغير ذلك، كان صدراً معظماً كثير الفضائل، كان بيته مجمع الفضل لأهل الموصل، وحافظاً للتاريخ، وخبيراً لأنساب العرب وأخبارهم وأيامهم ووقائعهم »(٢) .

(٩٦)

رواية الضياء المقدسي

رواه في ( المختارة )، الكتاب الذي التزم فيه بالصحة، قال السمهودي: « عن حذيفة بن أسيد الغفاري أو زيد بن أرقم قال: لما صدر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حجة الوداع، نهى أصحابه عن شجرات بالبطحاء متقاربات أن ينزلوا تحتهنّ، ثم بعث إليهن فقمّ ما تحتهنّ من الشوك، وعمد إليهنّ فصلّى تحتهن، ثم قام فقال: يا ايها الناس إنّي قد نبأني اللّطيف الخبير، أنه لم يعمّر نبي إلّا نصف عمر الذي يليه من قبله، وإني لأظنّ أن يوشك أن أدعى فأجيب، وإني مسئول وإنكم مسئولون، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلّغت وجهدت ونصحت، فجزاك الله خيراً، فقال: أليس تشهدون أن لا إله إلّا الله وأن محمّداً عبده ورسوله، وأن جنّته حق وناره حق، وأن الموت حق، وأن البعث حق بعد

____________________

(١). المصدر نفسه ٥ / ٢٠٨.

(٢). مرآة الجنان - حوادث: ٦٣٠ وله ترجمة في: العبر ٥ / ١٢٠ وتذكرة الحفاظ ٤ / ١٣٦٦ ووفيات الأعيان ٢ / ٢٧٨ وغيرها.

١٥٩

الموت، وأنّ السّاعة آتية لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث من في القبور؟ قالوا: بلى نشهد بذلك. قال: اللهم اشهد.

ثم قال: يا أيها الناس إنّ الله مولا لي وأنا ولي المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا مولاه - يعني علياً - اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، ثم قال: يا أيها الناس إني فرطكم وإنكم واردون عليّ الحوض، حوض أعرض مما بين بصرى إلى صنعاء، فيه عدد النجوم قدحان من فضة، وإني سائلكم حين تردون عليَّ عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، الثقل الأكبر كتاب الله عز وجل، سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فاستمسكوا به لا تضلّوا ولا تبدّلوا، وعترتي أهل بيتي، فإنه قد نبّأني اللّطيف الخبير أنهما لن ينقضيا حتى يردا عليَّ الحوض.

أخرجه الطبراني في الكبير، والضياء في المختارة من طريق سلمة بن كهيل عن أبي الطفيل، وهما من رجال الصحيح عنه بالشك في صحابيته »(١) .

وفي ( الجامع الصغير ) للسيوطي: « من كنت مولاه فعلي مولاه. حم عن البراء، حم عن بريدة، ن والضياء عن زيد بن أرقم »(٢) .

ترجمته

١ - الذهبي: « الضياء الامام العالم، الحافظ الحجة، محدث الشام شيخ السنّة، ضياء الدين أبو عبدالله محمد بن عبد الواحد ولد سنة ٥٦٩ حصّل أصولاً كثيرة، ونسخ وصنّف وصحّح وليّن وجرح وعدّل، وكان المرجوع إليه في هذا الشأن. قال تلميذه عمر بن الحاجب: شيخنا أبو عبدالله شيخ وقته، ونسيج وحده، علماً وحفظاً وثقة وديناً، من العلماء الربانيين، وهو أكثر من أن يدخل عليه مثل، كان شديد التحرّي في الرواية، مجتهداً في العبادة، كثير الذكر،

____________________

(١). جواهر العقدين - مخطوط.

(٢). الجامع الصغير ٢ / ١٨١.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424