نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٨

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار10%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 391

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 391 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 293743 / تحميل: 6789
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٨

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

« الواحدي في أسباب نزول القرآن بإسناده عن الأعمش وأبي الجحاف عن عطية عن أبي سعيد الخدري. وأبو بكر الشيرازي في ما نزل من القرآن في أمير المؤمنينعليه‌السلام بالإِسناد عن ابن عباس. والمرزباني في كتابه عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) يوم غدير خم في علي بن أبي طالب »(١) .

ترجمة أبي بكر الشيرازي

١ - الذهبي: « الشيرازي الإِمام الحافظ الجوّال أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن ابن أحمد بن محمد بن موسى الفارسي صاحب كتاب الألقاب. سمع أبا القاسم الطبراني بإصبهان، وأبا بحر البربهاري وطبقته ببغداد، وعبد الله بن عدي بجرجان، ومحمد بن الحسن السّراج بنيسابور، وعبد الله بن عمر بن علك بمرو، وسعيد بن القاسم المطّوعي ببلاد الترك، ومحمّد بن محمّد بن صابر ببخارى، وسمع بالبصرة وواسط وشيراز وعدة مدائن.

روى عنه: محمد بن عيسى الهمداني، وأبو مسلم بن عروة، وحميد بن المأمون، وآخرون.

قال شيرويه نا عنه أبو الفرج البجلي. قال: كان صدوقاً حافظاً، يحسن هذا الشأن جيّداً. خرج من عندنا سنة ٤٠٤ الى شيراز. وأخبرت أنه مات في سنة ٤١١. وذكره جعفر المستغفري فقال: كان يفهم ويحفظ، كتبت عنه »(٢) .

٢ - الذهبي: « وفيها توفي أبو بكر الشيرازي أحمد بن عبد الرحمن الحافظ مصنّف الألقاب. كان أحد من عني بهذا الشأن، وأكثر الترحال في البلدان، ووصل إلى بلاد الترك، وسمع من الطبراني وطبقته. قال عبد الرحمن ابن مندة:

____________________

(١). بحار الأنوار ٣٧ / ١٥٥ عن المناقب لابن شهر آشوب.

(٢). تذكرة الحفاظ ٣ / ١٠٦٥ - ١٠٦٦.

٢٠١

مات في شوال »(١) .

٣ - اليافعي: « وفيها توفي الحافظ أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي مصنف كتاب الألقاب »(٢) .

٤ - السيوطي: « الشيرازي صاحب الألقاب، الامام الحافظ الجوّال أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن موسى الفارسي. سمع الطبراني وطبقته. وكان صدوقاً حافظاً يحسن هذا الشأن جيّداً. مات سنة ٤٠٧ قال جعفر المستغفري: كان يفهم ويحفظ »(٣) .

(٣)

رواية ابن مردويه

وروى ذلك أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الاصفهاني كما علمت من عبارة ( الدر المنثور ) السالفة الذكر.

وفيه أيضاً: « وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال: كنّا نقرأ على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إنّ عليا مولى المؤمنين و إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ »(٤) .

وستعلم روايته أيضاً من عبارة البدخشي الآتية.

____________________

(١). العبر حوادث ٤٠٧.

(٢). مرآة الجنان حوادث ٤٠٧.

(٣). طبقات الحفاظ: ٤١٥.

(٤). الدر المنثور في التفسير بالمأثور ٢ / ٢٩٨.

٢٠٢

ترجمة ابن مردويه

١ - الذهبي: « ابن مردويه الحافظ الثبت العلامة أبو بكر أحمد بن موسى ابن مردويه الاصفهاني صاحب التفسير والتاريخ وغير ذلك.

روى عن أبي سهل بن زياد القطان، وميمون بن إسحاق الخراساني، ومحمّد بن عبد الله بن علم الصفار، وإسماعيل الخطبي، ومحمّد بن علي بن دحيم الشيباني، وأحمد بن عبد الله بن دليل، وإسحاق بن محمّد بن علي الكوفي، ومحمد ابن أحمد بن علي الأسواري، وأحمد بن عيسى الخفاف، وأحمد بن محمّد بن عاصم الكراني، وطبقتهم.

وروى عنه: أبو القاسم عبد الرحمن بن مندة، وأخوه عبد الوهاب، وأبو الخير محمّد بن أحمد، وأبو منصور محمّد بن سكرويه، وأبو بكر محمّد بن الحسن ابن محمّد بن سليم، وأبو عبد الله الثقفي، وأبو مطيع محمّد بن عبد الواحد المصري، وخلق كثير.

وعمل المستخرج على صحيح البخاري، وكان قيّماً بمعرفة هذا الشأن، بصيراً بالرجال، طويل الباع، مليح التصانيف.

ولد سنة ٣٢٣. ومات لست بقين من رمضان سنة ٤١٠. يقع عواليه في الثقفيات وغيرها»(١) .

٢ - الذهبي أيضاً: « وفيها توفي أحمد بن موسى بن مردويه، أبو بكر الحافظ الاصبهاني، صاحب التفسير والتاريخ والتصانيف، لست بقين من رمضان، وقد قارب التسعين، سمع بأصبهان والعراق، وروى عن أبي سهل ابن زياد القطان وطبقته »(٢) .

____________________

(١). تذكرة الحفاظ ٣ / ١٠٥٠.

(٢). العبر حوادث ٤١٠.

٢٠٣

٣ - السيوطي: « ابن مردويه الحافظ الكبير العلّامة كان قيّماً بهذا الشأن، بصيراً بالرجال، طويل الباع، مليح التصانيف، ولد سنة ٣٢٣. ومات لست بقين من رمضان سنة ٤١٠ »(١) .

٤ - الزرقاني: « أبو بكر الحافظ أحمد بن موسى بن مردويه الاصبهاني الثبت [ اللبيب ] العلامة. ولد سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة، وصنف التاريخ والتفسير المسند والمستخرج على البخاري، وكان فهماً بهذا الشأن، بصيرا بالرجال طويل الباع، مليح التصنيف، مات لست بقين من رمضان سنة ٤١٠ »(٢) .

وتظهر جلالة الحافظ ابن مردويه من كلامٍ لابن قيّم الجوزية حول حديث بني المنتفق حيث قال بعد أن ذكره ما هذا نصه: « هذا حديث كبير جليل، ينادي جلالته وفخامته وعظمته على أنه قد خرج من مشكاة النبوة، لا يعرف إلّا من حديث عبد الرحمن بن المغيرة بن عبد الرحمن المدني، رواه عنه إبراهيم بن ضمرة الزبيري، وهما من كبار أهل المدينة، ثقتان يحتج بهما في الصحيح، احتج بهما إمام الحديث محمّد بن إسماعيل البخاري، رواه أئمة السنّة في كتبهم وتلقّوه بالقبول وقابلوه بالتسليم والانقياد، ولم يطعن أحد منهم فيه، ولا في أحد من رواته.

فممّن رواه الامام ابن الامام أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل في مسند أبيه وفي كتاب السنة

ومنهم الفاضل الجليل أبو بكر أحمد بن عمرو بن عاصم النبيل في كتاب السنّة له.

ومنهم الحافظ أبو أحمد بن أحمد بن ابراهيم بن سليمان العسّال في كتاب المعرفة.

ومنهم حافظ زمانه ومحدث أوانه أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب

____________________

(١). طبقات الحفاظ: ٤١٢.

(٢). شرح المواهب اللدنية ١ / ٦٨.

٢٠٤

الطبراني في كثير من كتبه.

ومنهم الحافظ أبو محمّد عبد الله بن محمّد بن حيان أبو الشيخ الاصبهاني في كتاب السنّة.

ومنهم الحافظ ابن الحافظ أبو عبد الله محمّد بن إسحاق بن محمّد بن يحيى ابن مندة حافظ أصبهان.

ومنهم الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه.

ومنهم حافظ عصره أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن إسحاق الاصبهاني.

وجماعة من الحفاظ سواهم يطول ذكرهم »(١) .

وتظهر جلالته أيضاً من عبارةٍ لتاج الدين السّبكي فإنه قال في ( طبقاته ):

« فأين أهل عصرنا من حفاظ هذه الشريعة: أبي بكر الصديق، وعمر الفاروق، وعثمان ذي النورين، وعلي المرتضى

ومن طبقة أخرى من التابعين: أويس القرني

... أخرى: وأبي عبد الله بن مندة، وأبي عبد الله الحسين بن أحمد بن بكير، وأبي عبد الله الحاكم، وعبد الغني بن سعيد الازدي، وأبي بكر بن مردويه

فهولاء مهرة هذا الفن، وقد أغفلنا كثيراً من الأئمة، وأهملنا عدداً صالحاً من المحدّثين، وإنما ذكرنا من ذكرناه لننبّه بهم على من عداهم، ثم أفضى الأمر إلى طيّ بساط الأسانيد رأساً وعدّ الإِكثار منها جهالة ووسواسا »(٢) .

وهذه العبارة تدل على جلالة ابن مردويه من وجوه عديدة لا تخفى.

كما تظهر جلالته من وصفهم إياه بالحفظ، فقد قال السمعاني بترجمة حمزة

____________________

(١). زاد المعاد في هدي خير العباد ٣ / ٥٦.

(٢). طبقات الشافعية ١ / ٣١٧.

٢٠٥

ابن الحسين المؤدب الاصبهاني: « روى عنه أبو بكر ابن مردويه الحافظ »(١).

وقال ابن كثير حول حديث الطائر: « وقد جمع الناس في هذا الحديث مصنفات مفردة، ومنهم أبو بكر ابن مردويه الحافظ، وأبو طاهر محمّد بن أحمد بن حمدان فيما رواه شيخنا أبو عبد الله الذهبي »(٢) .

وقال الكاتب الجلبي: « تفسير ابن مردويه هو الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى الاصبهاني المتوفى سنة ٤١٠ »(٣) .

« الحافظ » في الاصطلاح

ثم إنّ « الحافظ » من الألقاب الجليلة في اصطلاح علماء الحديث، قال الشيخ علي القاري: « الحافظ - المراد به حافظ الحديث لا القرآن. كذا ذكره ميرك، ويحتمل أنه كان حافظاً للكتاب والسنّة.

ثم الحافظ في اصطلاح المحدّثين من أحاط علمه بمائة ألف حديث متنا وإسنادا »(٤) .

وفي ( لواقح الأنوار ) بترجمة السيوطي: « وكان الحافظ ابن حجر يقول: الشروط التي إذا اجتمعت في الإنسان سمّي حافظا هي: الشهرة بالطلب: والأخذ من أفواه الرجال، والمعرفة بالجرح والتعديل لطبقات الرواة ومراتبهم وتمييز الصحيح من السقيم، حتى يكون ما يستحضره من ذلك أكثر مما لا يستحضره، مع استحفاظ الكثير من المتون، فهذه الشروط من جمعها فهو حافظ ».

وقال البدخشي: « الحافظ - يطلق هذا الاسم على من مهر في فن الحديث بخلاف المحدّث»(٥) .

____________________

(١). الأنساب - الاصبهاني.

(٢). تاريخ ابن كثير ٧ / ٣٥٣.

(٣). كشف الظنون ١ / ٤٣٩.

(٤). جمع الوسائل في شرح الشمائل: ٧.

(٥). تراجم الحفاظ - مخطوط.

٢٠٦

ومن شواهد جلالة ابن مردويه: إن شمس الدين محمّد ابن الجزري ذكره في عداد مشاهير الأئمة، وكبار علماء الحديث الذين روى عنهم في كتابه ( الحصن الحصين )، مع أصحاب الصحاح والمسانيد وسائر الكتب المعتبرة وجعل رمزه « مر »، وذكر في خطبة كتابه ما نصه: « فليعلم أني أرجو أن يكون جميع ما فيه صحيحاً »(١) .

كما أن ( الدهلوي ) نفسه ذكر تفسير ابن مردويه في ( رسالة أصول الحديث ) في عداد تفاسير الديلمي وابن جرير وغيرهم، وقدّمه عليها في الذكر، وهذا يدلّ على أن تفسير ابن مردويه من التفاسير المشهورة المعتبرة لدى أهل السنّة.

(٤)

رواية الثعلبي

روى أبو إسحاق أحمد بن محمّد بن إبراهيم الثعلبي نزول الآية الكريمة:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ) في يوم غدير خم في تفسيره حيث قال:

« قال أبو جعفر محمّد بن علي: معناه: بلّغ ما أنزل إليك من ربك في فضل علي بن أبي طالب، فلمـّا نزلت هذه الآية أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد علي فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه.

أخبرنا أبو القاسم يعقوب بن أحمد بن السري، أنا أبو بكر محمّد بن عبد الله ابن محمد، نا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله الكجي، نا حجاج بن منهال نا حماد عن علي بن زيد عن عدي بن ثابت عن البراء قال: لمـّا نزلنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع كنا بغدير خم فنادى: إن الصلاة جامعة، وكسح

____________________

(١). الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين بشرح القاري: انظر ٢٠ و ٢٥.

٢٠٧

للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحت شجرتين، فأخذ بيد علي فقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: ألست أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى. قال: هذا مولى من أنا مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. قال: فلقيه عمر فقال: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة.

أخبرني أبو محمد عبد الله بن محمّد القائني، نا أبو الحسين محمّد بن عثمان النصيبي، نا أبو بكر محمّد بن الحسن السبيعي، نا علي بن محمّد الدهان والحسين ابن إبراهيم الجصاص، نا حسين بن حكم، نا حسن بن حسين عن حبان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) الآية. قال: نزلت في علي، أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يبلّغ فيه فأخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد علي، فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه »(١) .

ترجمة الثعلبي

وقد ذكرت ترجمة أبي إسحاق الثعلبي وآيات عظمته وجلالته ووثاقته في المنهج الأول من الكتاب، في الجواب عن شبهات ( الدهلوي ) حول الاستدلال بقوله تعالى:( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) .

كما ستأتي ترجمته في الدليل السادس من أدلة دلالة حديث الغدير على إمامة عليعليه‌السلام ، وستقف هناك على كلمات الثناء التي قالها والد ( الدهلوي ) في حق الثعلبي.

كما يتضح من عبارة الثعلبي في خطبة تفسيره عظمة هذا التفسير واعتباره.

____________________

(١). الكشف والبيان في تفسير القرآن - مخطوط.

٢٠٨

(٥)

رواية أبي نعيم

وروى أبو نعيم أحمد بن عبد الله الاصبهاني نزولها في واقعة يوم غدير خم في كتاب ( ما نزل من القرآن في عليعليه‌السلام ). وقد ذكر روايته الفاضل رشيد الدين خان الدهلوي في ( إيضاح لطافة المقال ) نقلاً عن الشيخ علي المتخلص بحزين، وتلك الرواية هي باسناده « عن علي بن عامر [ عياش ] عن أبي الجحاف والأعمش عن عطية قال: نزلت هذه الآية على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في علي بن أبي طالب:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) .

وقد ذكر مثل هذه الرواية الحاج عبد الوهاب بن محمّد عن الحافظ أبي نعيم كما سيجيء.

ترجمة أبي نعيم

١ - ابن خلكان: « الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق ابن موسى بن مهران الاصبهاني، الحافظ المشهور، صاحب كتاب حلية الأولياء. كان من أعلام المحدّثين، وأكابر الحفاظ الثقات، أخذ عن الأفاضل وأخذوا عنه وانتفعوا به. وكتاب الحلية من أحسن الكتب، وله كتاب تاريخ أصبهان وتوفي في صفر وقيل يوم الاثنين الحادي والعشرين من المحرم سنة ثلاثين وأربعمائة باصبهان. رحمه الله تعالى »(١) .

____________________

(١). وفيات الأعيان ١ / ٢٦.

٢٠٩

٢ - الصلاح الصفدي: « أحمد بن عبد الله بن إسحاق بن موسى بن مهران، أبو نعيم الحافظ، سبط محمد بن يوسف بن البناء الاصفهاني، تاج المحدثين وأحد أعلام الدين، له العلوّ في الرواية والحفظ والفهم والدراية، وكانت الرّحال تشدّ إليه، أملى في فنون الحديث كتباً سارت في البلاد وانتفع بها العباد، وامتدت أيامه حتى ألحق الأحفاد بالأجداد، وتفرّد بعلوّ الأسناد

وكان أبو نعيم إماماً في العلم والزهد والدّيانة، وصنف مصنفات كثيرة منها: حلية الأولياء، والمستخرج على الصحيحين - ذكر فيها [ فيه ] أحاديث ساوى فيها البخاري ومسلماً، وأحاديث علا عليهما فيها كأنهما سمعاها منه، وذكر فيها حديثاً كأن البخاري ومسلماً سمعاه ممّن سمعه منه ودلائل النبوة، ومعرفة الصحابة، وتاريخ بلده، وفضائل الصحابة، وصفة الجنّة، وكثيراً من المصنفات الصغار.

وبقي أربعة عشر سنة بلا نظير، لا يوجد شرقاً ولا غرباً أعلى إسناداً منه ولا أحفظ، ولمـّا كتب كتاب الحلية إلى نيسابور بيع بأربعمائة دينار »(١) .

٣ - الخطيب التبريزي: « أبو نعيم الاصفهاني هو: أبو نعيم أحمد ابن عبد الله الاصفهاني صاحب الحلية، هو من مشايخ الحديث الثقات المعمول بحديثهم المرجوع إلى قولهم، كبير القدر، ولد سنة ٣٣٤ ومات في صفر سنة ٤٣٠ باصفهان وله من العمر ٩٦ سنة رحمه الله تعالى »(٢) .

____________________

(١). الوافي بالوفيات ٧ / ٨١.

(٢). رجال المشكاة = الإِكمال في أسماء الرجال ط مع المشكاة ٣ / ٨٠٥.

٢١٠

(٦)

رواية الواحدي

وروى ذلك أيضاً أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي، وعنه في ( مطالب السئول لابن طلحة الشافعي ) و ( الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ) وهذا نص ما جاء في ( أسباب النزول ) له: « قوله تعالى:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) قال الحسن: إن نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لمـّا بعثني الله تعالى برسالته ضقت بها ذرعاً، وعرفت أن من الناس من يكذّبني، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يهاب قريشاً واليهود والنصارى، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

أخبرنا أبو سعيد محمد بن علي الصفار قال: أنا الحسن بن أحمد المخلدي قال: أنا محمّد بن حمدون بن خالد، أنا محمد بن إبراهيم الحلواني [ الخلواتي ] قال: أنا الحسن بن حماد سجادة قال: علي بن عياش [ عابس ] عن الأعمش وأبي الجحاف عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال نزلت هذه الآية:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) يوم غدير خم في علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه »(١) .

كلام الواحدي في خطبة أسباب النزول

ولأجل أنْ لا يبقى ريب في اعتبار هذه الرواية نورد نص عبارة الواحدي في خطبة كتابه ( أسباب النزول ) فإنه قال: « وبعد هذا: فإن علوم القرآن غزيرة فآل الأمر بنا إلى إفادة المستهترين بعلوم الكتاب إبانة ما أنزل فيه من

____________________

(١). أسباب النزول للواحدي: ١١٥.

٢١١

الأسباب، إذ هي أولى ما يجب الوقوف عليها وأولى ما يصرف العناية إليها، لامتناع معرفة تفسير الآية وقصد سبيلها دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها، ولا يحلُّ القول في أسباب نزول الكتاب إلّا بالرواية والسماع ممّن شاهد التنزيل ووقفوا على الأسباب، وبحثوا عن علمها وجدّوا في الطلاب.

وقد ورد الشرع بالوعيد للجاهل في العثار في هذا العلم بالنار: أنا أبو إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الواعظ، أنبأ أبو الحسين [ الحسن ] محمّد بن أحمد بن حامد العطار، أنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار، أنا ليث بن حماد، ثنا أبو عوانة عن عبد الأعلى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اتقوا الحديث إلّا ما علمتم، فإنه من كذب عليّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار، ومن كذب على القرآن من غير علم فليتبوأ مقعده من النار.

والسلف الماضون -رحمهم‌الله - كانوا من أبعد الغاية احترازاً عن القول في نزول الآية، أنا أبو نصر أحمد بن عبد الله المخلدي، أنا أبو عمرو بن مجيد ثنا أبو مسلم، ثنا عبد الرحمن بن حماد، ثنا أبو عمر عن محمّد بن سيرين قال: سألت عبيدة السلماني عن آية من القرآن فقال: إتق الله وقل سداداً، ذهب الذين يعلمون في ما أنزل القرآن.

فأما اليوم فكلّ واحد يخترع للآية سبباً ويخلق إفكاً وكذباً، ملقياً زمامه إلى الجهالة، غير مفكر في الوعيد لجاهل سبب الآية، وذاك الذي حداني إلى إملاء الكتاب الجامع للأسباب، لينتهي إليه طالبوا هذا الشأن، والمتكلمون في نزول القرآن، فيعرفوا الصدق ويستغنوا عن التمويه والكذب، ويجدّوا في تحفظه بعد السماع والطلب »(١) .

وإذا كان ما ذكر سبب تأليفه هذا الكتاب، فإن هذا الحديث الذي رواه في سبب نزول الآية:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ) يكون هو الخبر الصدق الوارد

____________________

(١). أسباب النزول: ٤.

٢١٢

عمّن شاهد التنزيل ووقفوا على الأسباب، فيجب التصديق به والاعراض عن غيره، لأنه من الكذب على القرآن، ومن كذب على القرآن من غير علم فليتبوأ مقعده من النار.

ترجمة الواحدي

١ - ابن الأثير: « وفيها توفي أبو الحسن علي بن أحمد بن محمّد بن متويه الواحدي المفسّر، مصنّف الوسيط والوجيز في التفسير، وهو نيسابوري إمام مشهور »(١) .

٢ - الذهبي: « الامام العلامة الاستاذ أبو الحسن صاحب التفسير، وإمام علماء التأويل، من أولاد النجار، وأصله من ساوه، لزم الاستاذ أبا إسحاق الثعلبي وأكثر عنه، وأخذ علم العربية من أبي الحسن القهندزي الضرير وسمع من أبي طاهر بن مخمس، والقاضي أبي بكر الحيري، وأبي إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم الواعظ، ومحمّد بن إبراهيم المزكّي، وعبد الرحمن بن حمدان النصروي، وأحمد بن إبراهيم النجار، وخلق.

حدّث عنه: أحمد بن عمر الارغياني، وعبد الجبار بن محمد الخواري وطائفة أكبرهم الخواري.

صنف التفاسير الثلاثة: البسيط والوسيط والوجيز، وبتلك الأسماء سمّى الغزالي تواليفه الثلاثة في الفقه، ولأبي الحسن كتاب أسباب النزول مروي،

تصدر للتدريس مدة وعظم شأنه، وقيل: كان منطلق اللسان في جماعة من العلماء بما لا ينبغي، وقد كفّر من ألّف كتاب حقائق التفسير، فهو معذور قال أبو سعد السمعاني: كان الواحدي حقيقاً بكل احترام وإعظام، لكن كان فيه بسط لسان في الأئمة، وقد سمعت أحمد بن محمّد بن بشار يقول: كان الواحدي

____________________

(١). الكامل في التاريخ حوادث سنة ٤٦٨.

٢١٣

يقول صنّف السلمي كتاب حقائق التفسير، ولو قال إن ذلك تفسير القرآن لكفر به.

قلت: الواحدي معذور مأجور. مات بنيسابور في جمادى الآخرة سنة ثمان وستين وأربعمائة، وقد شاخ »(١) .

٣ - الذهبي أيضاً: « أحد من برع في العلم وكان رأسا في الفقه والعربية »(٢) .

٤ - ابن الوردي: « كان استاذاً في التفسير والنحو، وشرح ديوان المتنبي أجود شرح، وهو تلميذ الثعلبي، وتوفي بعد مرض طويل بنيسابور »(٣) .

٥ - اليافعي: « الامام المفسر أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري، أستاذ عصره في النحو والتفسير، تلميذ أبي إسحاق الثعلبي، وأحد من برع في العلم، وصنف التصانيف الشهيرة المجمع على حسنها، والمشتغل بتدريسها والمرزوق السعادة فيها »(٤) .

٦ - ابن الجزري: « إمام كبير علامة، روى القراءة عن علي بن أحمد البستي، وأحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي. روى القراءة عنه: أبو القاسم الهذلي. مات في سنة ٤٦٨ بنيسابور »(٥) .

٧ - ابن قاضي شهبة: « كان فقيهاً، إماماً في النحو واللغة وغيرهما، شاعراً، وأما التفسير فهو إمام عصره فيه، »(٦) .

٨ - الديار بكري: « وفي سنة ثمان وستين وأربعمائة توفي أبو الحسن علي بن

____________________

(١). سير أعلام النبلاء ١٨ / ٣٣٩.

(٢). العبر، حوادث سنة ٤٦٨.

(٣). تتمة المختصر، حوادث سنة ٤٦٨.

(٤). مرآة الجنان، حوادث سنة ٤٦٨.

(٥). طبقات القراء ١ / ٥٢٣.

(٦). طبقات الشافعية ١ / ٢٦٤.

٢١٤

أحمد بن محمد بن متويه الواحدي المفسّر، مصنّف البسيط والوسيط والوجيز في التفسير، وهو نيسابوري إمام مشهور »(١) .

٩ - الكاتب الجلبي: « أسباب النزول للشيخ الامام أبي الحسن علي بن أحمد الواحدي المفسر المتوفى سنة ٤٦٨. وهو أشهر ما صنّف فيه، أوله: الحمد لله الكريم الوهاب »(٢) .

١٠ - وذكر ولي اللهالدهلوي الواحدي مع البغوي والبيضاوي، واصفاً إياهم بكبار المفسّرين، وجاعلاً إيّاهم قدوة المسلمين(٣) .

(٧)

رواية أبي سعيد السجستاني

ورواه أبو سعيد مسعود بن ناصر السجستاني في كتابه حول حديث الولاية باسناده عن ابن عباس إنه قال: « أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يبلّغ بولاية علي، فأنزل الله عزّ وجلّ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) الآية فلمـّا كان يوم غدير خم قام فحمد الله وأثنى عليه وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وأحب من أحبه وأبغض من أبغضه وانصر من نصره، وأعز من أعزه، وأعن من أعانه ».

____________________

(١). تاريخ الخميس ٢ / ٣٥٩.

(٢). كشف الظنون ١ / ٧٦.

(٣). ازالة الخفاء.

٢١٥

ترجمة أبي سعيد السجستاني

وأبو سعيد السجستاني من مشاهير حفاظ أهل السنّة الثّقات، وقد تقدم سابقاً ذكر طرف من ترجمته عن السمعاني والذهبي.

(٨)

رواية الحاكم الحسكاني

وروى أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله الحسكاني نزول قوله تعالى:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ) في واقعة يوم غدير خم، ففي كتاب ( مجمع البيان ) بتفسير الآية المباركة: « عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن الكلبي عن أبي صالح عن عبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله قالا: أمر الله محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله أن ينصب عليّاً علماً للناس فيخبرهم بولايته، فتخوّف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقولوا حابى ابن عمه، وأن يطعنوا في ذلك عليه، فأوحى الله إليه هذه الآية، فقامعليه‌السلام بولايته يوم غدير خم ».

قال: وهذا الخبر بعينه قد حدثناه السيد أبو الحمد عن الحاكم أبي القاسم الحسكاني بإسناده عن ابن أبي عمير في كتاب شواهد التنزيل في قواعد التفضيل »(١) .

____________________

(١). مجمع البيان في تفسير القرآن المجلد الثاني / ٢٢٣ وهو في شواهد التنزيل ١ / ١٨٧.

٢١٦

(٩)

رواية ابن عساكر

وممّن روى نزول تلك الآية المباركة في واقعة يوم غدير خم: أبو القاسم علي بن الحسن المعروف بابن عساكر الدمشقي، كما عرفت ذلك من عبارة السيوطي في ( الدر المنثور )(١) .

ترجمة ابن عساكر

١ - ياقوت الحموي: « هو أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الحافظ أحد أئمة الحديث المشهورين والعلماء المذكورين. ولد في المحرم سنة ٤٩٩. ومات في الحادي عشر من رجب سنة ٥٧١ »(٢) .

٢ - ابن خلكان: « الحافظ أبو القاسم المعروف بابن عساكر الدمشقي الملقب ثقة الدين. كان محدّث الشام في وقته ومن أعيان الفقهاء الشافعية، غلب عليه الحديث فاشتهر به، وبالغ في طلبه، إلى أن جمع منه ما لم يتفق لغيره، ورحل وطوف وجاب البلاد ولقي المشايخ، وكان رفيق الحافظ أبي سعد عبد الكريم ابن السمعاني في الرحلة.

وكان حافظاً ديناً، جمع بين معرفة المتون والأسانيد وصنّف التصانيف المفيدة وخرّج التخاريج، وكان حسن الكلام على الأحاديث، محفوظاً في الجمع والتأليف، صنف التاريخ الكبير لدمشق في ثمانين مجلدة، أتى فيه بالعجائب،

____________________

(١) وهو في ترجمة أمير المؤمنينعليه‌السلام من تاريخ دمشق ٢ / ٨٦.

(٢). معجم الأدباء ١٣ / ٧٣.

٢١٧

وهو على نسق تاريخ بغداد، قال لي شيخنا الحافظ العلامة أبو محمد عبد العظيم المنذري حافظ مصر أدام الله به النفع - وقد جرى ذكر هذا التاريخ وأخرج لي منه مجلّداً وطال الحديث في أمره واستعظامه - ما أظن هذا الرجل إلّا عزم على وضع هذا التاريخ من يوم عقل على نفسه، وشرع في الجمع من ذلك الوقت، وإلّا فالعمر يقصر عن أن يجمع الإنسان فيه مثل هذا الكتاب بعد الاشتغال والتنبّه. قال - ولقد قال الحق - من وقف عليه عرف حقيقة هذا القول، ومتى يتسع للانسان الوقت حتى يضع مثله، وهذا الذي ظهر هو الذي اختاره وما صح له هذا إلّا بعد مسودات ما كاد ينضبط حصرها.

وله غيره تواليف حسنة وأجزاء ممتعة »(١) .

٣ - الذهبي: « ابن عساكر الامام الحافظ الكبير محدّث الشام فخر الأئمة ثقة الدين قال السمعاني: أبو القاسم حافظ ثقة متقن ديّن خيّر حسن السمت، جمع بين معرفة المتن والاسناد، وكان كثير العلم غزير الفضل، صحيح القراءة، متثبّتا، رحل وتعب وبالغ في الطلب، وجمع ما لم يجمعه غيره، وأربى على الأقران وقال المحدث بهاء الدين القاسم: كان أبيرحمه‌الله مواظباً على الجماعة والتلاوة، يختم كلّ ليلة ختمة [ يختم كل جمعة ]، ويختم في رمضان كلّ يوم، ويعتكف في المنارة الشرقية، وكان كثير النوافل والأذكار، ويحيي ليلة العيدين بالصلاة والذكر، وكان يحاسب نفسه على لحظة تذهب

قال سعد الخير: ما رأيت في سنن [ سن ] ابن عساكر مثله.

قال القاسم ابن عساكر سمعت التاج المسعودي يقول سمعت أبا العلاء الهمداني يقول لرجل استأذنه في الرحلة [ قال ]: إن عرفت أحداً أفضل مني فحينئذٍ آذن لك أن تسافر إليه، إلّا أن تسافر إلى ابن عساكر فإنه حافظ كما يجب.

وحدثني أبو المواهب بن صصري قال: لما دخلت همدان قال لي الحافظ: أنا

____________________

(١). وفيات الأعيان ١ / ٣٣٥.

٢١٨

أعلم أنه لا يساجل الحافظ أبا القاسم في شأنه أحد، فلو خالق الناس ومازجهم كما ينبغي [ أصنع ] إذاً لاجتمع عليه الموافق والمخالف، وقال لي يوماً: أي شيء فتح له؟ وكيف الناس له؟ قلت: هو بعيد من هذا كلّه، لم يشتغل منذ أربعين سنة إلّا بالجمع والتسميع حتى في نزهته وخلواته، قال: الحمد لله هذا ثمرة العلم، إلّا أنا حصل لنا [ من ] هذا المسجد والدار والكتب تدل على قلة حظ أهل العلم في بلادكم. ثم قال: ما كان يسمى أبو القاسم إلاّ شعلة نار ببغداد من ذكائه وتوقده وحسن إدراكه.

قال أبو المواهب: كنت أذاكر أبا القاسم الحافظ عن الحفّاظ الذين لقيهم. فقال: أما بغداد فأبو عامر العبدري، وأما اصبهان فأبو نصر اليونارتي لكن اسماعيل بن محمّد الحافظ كان أشهر. فقلت: فعلى هذا ما كان رأى سيدنا مثل نفسه. قال: لا تقل هذا قال الله:( فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ ) قلت: فقد قال [ الله تعالى ]( أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) . فقال: لو قال قائل: إن عيني لم تر مثلي لصدق.

ثم قال أبو المواهب: لم أر مثله ولا من اجتمع فيه ما اجتمع فيه، من لزوم طريقة واحدة مدة أربعين سنة، من لزوم الصلوات في الصف الأول إلّا من عذر، والاعتكاف في رمضان وعشر ذي الحجة، وعدم التطلع إلى تحصيل الأملاك وبناء الدور، قد أسقط ذلك عن نفسه، وأعرض عن طلب المناصب من الامامة والخطابة، وأباها بعد أن عرضت عليه

وكان شيخنا أبو الحجاج يميل إلى أن ابن عساكر ما رأى حافظاً مثل نفسه.

قال الحافظ عبد القادر: ما رأيت أحفظ من ابن عساكر.

وقال ابن النجار: أبو القاسم إمام المحدّثين في وقته، إنتهت إليه الرياسة في الحفظ والإتقان والنقل والمعرفة التامة وبه ختم هذا الشأن. فقرأت بخط الحافظ معمر بن الفاخر في معجمه أنا الحافظ أبو القاسم الدمشقي - بمنى - وكان أحفظ من رأيت من طلبة الحديث والشبان. وكان شيخنا اسماعيل بن محمد الامام

٢١٩

يفضّله على جميع من لقيناهم، قدم إصبهان ونزل في داري، وما رأيت شاباً أودع ولا أحفظ ولا أتقن منه، وكان مع ذلك فقيهاً أديباً سنّياً، جزاه الله خيراً وكثّر في الاسلام مثله، وإني كثيراً سألته عن تأخره عن المجيء إلى إصبهان فقال: لم تأذن لي أمّي.

قال القاسم: توفي أبي في حادي عشر رجب سنة ٥٧١. ورئي له منامات حسنة، ورثي بقصائد، وقبره يزار بباب الصغير »(١) .

٤ - الذهبي أيضاً: « فيها توفي الحافظ ابن عساكر صاحب التاريخ الثمانين مجلّداً ساد أهل زمانه في الحديث ورجاله، وبلغ في ذلك الذروة العليا، ومن تصفّح تاريخه علم منزلة الرجل في الحفظ. توفي في حادي عشر رجب »(٢) .

٥ - اليافعي: « وفيها: الفقيه الامام، المحدث البارع، الحافظ المتقن الضابط ذو العلم الراسخ، شيخ الاسلام، ومحدّث الشام، ناصر السنّة، وقامع البدعة زين الحفّاظ وبحر العلوم الزاخر، رئيس المحدّثين المقر له بالتقدم، العارف الماهر، ثقة الدين، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر، الذي اشتهر في زمانه بعلو شانه، ولم ير مثله في أقرانه، الجامع بين المعقول والمنقول، والمميز بين الصحيح والمعلول.

كان محدّث زمانه، ومن أعيان الفقهاء الشافعية، غلب عليه الحديث واشتهر به، وبالغ في طلبه إلى أن جمع منه ما لم يتفق لغيره، رحل وطوّف وجاب البلاد، ولقي المشايخ، وكان رفيق الحافظ أبي سعد عبد الكريم بن السمعاني في الرحلة.

وكان أبو القاسم المذكور حافظاً ديناً، جمع بين معرفة المتون والأسانيد - وصنف التصانيف المفيدة، وخرّج التخاريج، وكان حسن الكلام على الأحاديث

____________________

(١). تذكرة الحفاظ ٤ / ١٣٢٨ - ١٣٣٣.

(٢). العبر حوادث ٥٧١.

٢٢٠

محفوظاً على الجمع والتأليف، صنف التاريخ الكبير لدمشق في ثمانين مجلدات أتى فيه بالعجائب وهو على نسق تاريخ بغداد قال بعض أهل العلم بالحديث والتواريخ: ساد أهل زمانه في الحديث ورجاله وبلغ فيه الذروة العليا، ومن تصفح تاريخه علم منزلة الرجل في الحفظ.

قلت: بل من تأمل تصانيفه من حيث الجملة علم مكانه في الحفظ والضبط للعلم، والاطلاع وجودة الفهم، والبلاغة والتحقيق والاتساع في العلوم، وفضائل تحتها من المناقب والمحاسن كلّ طائل

وكان ابن عساكر المذكور -رضي‌الله‌عنه - حسن السيرة والسريرة، قال الحافظ الرئيس أبو المواهب: لم أر مثله ولا من اجتمع فيه ما اجتمع فيه من لزوم طريقة واحدة منذ أربعين سنة ذكره الامام الحافظ ابن النجار في تاريخه فقال: إمام المحدّثين في وقته ومن انتهت إليه الرئاسة في الحفظ والاتقان والمعرفة التامة والثقة به، وبه ختم هذا الشأن وقال الحافظ عبد القاهر الرهاوي: رأيت الحافظ السلفي والحافظ أبا العلاء الهمداني والحافظ أبا موسى الهمداني فما رأيت فيهم مثل ابن عساكر »(١) .

٦ - الأسنوي: « ومنهم الحافظ أبو القاسم علي أخو الصائن المتقدم ذكره، إمام الشافعية، صاحب تاريخ دمشق في ثمانين مجلدة وغير ذلك من المصنفات كانرحمه‌الله ديّناً خيّراً حسن السمت مواظباً على الاعتكاف »(٢) .

٧ - ابن قاضي شهبة: « علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين، الحافظ الكبير، ثقة الدين، أبو القاسم ابن عساكر، فخر الشافعية، وإمام أهل الحديث في زمانه وحامل لوائهم، صاحب تاريخ دمشق وغير ذلك من المصنفات المفيدة المشهورة، مولده في مستهل سنة تسع وتسعين وأربعمائة، ورحل إلى بلاد

____________________

(١). مرآة الجنان حوادث ٥٧١.

(٢). طبقات الشافعية ٢ / ٢١٦.

٢٢١

كثيرة، وسمع الكثير من نحو ألف وثلاثمائة شيخ وثمانين امرأة، تفقه بدمشق وبغداد، وكان ديّناً خيّراً »(١) .

(١٠)

الفخر الرازي

وذكر فخر الدين محمّد بن عمر الرازي نزول آية التبليغ في واقعة يوم غدير خم في ( تفسيره )، في بيان الأقوال المذكورة في سبب تلك الآية، حيث قال:

« العاشر - نزلت هذه الآية في فضل عليرضي‌الله‌عنه ، ولمـّا نزلت هذه الآية أخذ بيده وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، فلقيه عمررضي‌الله‌عنه فقال: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. وهو قول ابن عباس والبراء بن عازب ومحمّد بن علي »(٢) .

أقول: إن العبرة بذكر الرازي لهذا القول في ضمن الأقوال المزعومة الأخرى، وقد عرفت أنه ينسب هذا القول إلى ابن عباس والبراء بن عازب وسيدنا الإمام محمّد بن علي الباقرعليه‌السلام ، فلا عبرة إذن بكلامه هو حول هذا الموضوع، فإنه كلام لا موجب له إلّا المكابرة والعناد، ويكفي في سقوطه أنه ردّ على الامام المعصوم أبي جعفر الباقرعليه‌السلام .

ولو قيل: إن المتعصبين من أهل السنة لا يعتقدون بعصمة الأئمة الطاهرين، بل إنّ بعضهم كابن الجوزي في ( الموضوعات ) والسيوطي في ( اللئالي المصنوعة ) وابن العرّاق في ( تنزيه الشريعة ) يجرحون فيهم والعياذ بالله.

____________________

(١). طبقات الشافعية ١ / ٣٤٥.

(٢). تفسير الرازي ١٢ / ٤٩.

٢٢٢

قلنا: فما يقولون في حق صحابةٍ يقولون بعدالتهم كابن عباس والبراء بن عازب، وكأبي سعيد الخدري القائل بهذا القول - كما في تفسير النيسابوري، وسنذكر عبارته - وعبد الله بن مسعود كما ستعلم فيما بعد؟

فالحاصل: إن الرازي يعترف بأن القول بنزول الآية في فضل أمير المؤمنينعليه‌السلام يوم الغدير هو قول ابن عباس والبراء والامام الباقر، وإنْ كان لا يرتضي هذا القول ولا يعتمد عليه تعصباً وعناداً.

ترجمة الرازي

وقد بالغ بعض علماء أهل السنة في الثناء على هذا المتعصب العنيد:

١ - فقد ترجم لهابن خلكان بقوله: « أبو عبد الله محمّد بن عمر بن الحسين ابن الحسن بن علي، التيمي، البكري، الطبرستاني [ الأصل ] الرازي المولد، الملقب فخر الدين، المعروف بابن الخطيب، الفقيه الشافعي. فريد عصره ونسيج وحده، فاق أهل زمانه في علم الكلام والمعقولات وعلم الأوائل، له التصانيف المفيدة في فنون عديدة، منها تفسير القرآن الكريم، جمع فيه كل غريب وغريبة، وهو كبير جدّاً لكنه لم يكمله وكل كتبه ممتعة.

وانتشرت تصانيفه في البلاد ورزق فيها سعادة عظيمة، فإن النّاس اشتغلوا بها ورفضوا كتب المتقدمين، وهو أول من اخترع هذا الترتيب في كتبه، وأتى فيها بما لم يسبق إليه، وكان له في الوعظ اليد البيضاء، ويعظ باللسانين العربي والعجمي، وكان يلحقه الوجد في حال الوعظ ويكثر البكاء، وكان يحضر مجلسه بمدينة هراة أرباب المذاهب والمقالات، ويسالونه وهو يجيب كل سائل بأحسن إجابة، ورجع بسببه خلق كثير من الطائفة الكرامية وغيرهم إلى مذهب أهل السنة، وكان يلقب بهراة شيخ الإسلام وكان العلماء يقصدونه من البلاد وتشدّ إليه الرحال من الأقطار »(١) .

____________________

(١). وفيات الأعيان ٣ / ٣٨١ - ٣٨٥.

٢٢٣

٢ - ابن الوردي: « الامام فخر الدين الفقيه الشافعي، صاحب التصانيف المشهورة، ومولده سنة ٥٤٣ ومع فضائله كانت له اليد الطولى في الوعظ بالعربي والعجمي، ويلحقه فيه وجد وبكاء، وكان أوحد الناس في المعقولات والأصول، قصد الكمال السمناني، ثم عاد إلى الري إلى المجد الجيلي، واشتغل عليهما، وسافر إلى خوارزم وما وراء النهر، وجرت الفتنة التي ذكرت، واتّصل بشهاب الدين الغوري صاحب غزنة وحصل له منه مال طائل، ثم حظي في خراسان عند السلطان خوارزم شاه بن تكش، وشدّت إليه الرّحال، وقصده ابن عنين ومدحه بقصائد »(١) .

٣ - اليافعي: « وفيها الامام الكبير، العلّامة النحرير، الأصولي المتكلّم المناظر المفسر، صاحب التصانيف المشهورة في الآفاق، الحظّية في سوق الإِفادة بالنفاق، فخر الدين الرازي الملقب بالإمام عند علماء الأصول، المقرر لشبه مذاهب فرق المخالفين، والمبطل بها بإقامة البراهين، الطبرستاني الأصل، الرازي المولد، المعروف بابن الخطيب، الشافعي المذهب، فريد عصره ونسيج دهره، الذي قال فيه بعض العلماء: خصّه الله برأي هو للغيب طليعة، فيرى الحق بعين دونها حدّ الطبيعة، ومدحه الامام سراج الدين يوسف ابن أبي بكر بن محمد السكاكي الخوارزمي

فاق أهل زمانه في الأصلين والمعقولات وعلوم الأوائل، صنّف التصانيف المفيدة في فنون عديدة وكان صاحب وقار وحشمة ومماليك، وثروة وبزة حسنة وهيئة جميلة، إذا ركب ركب معه نحو ثلاثمائة مشتغل على اختلاف مطالبهم، في التفسير والفقه والكلام والأصول والطب وغير ذلك »(٢) .

٤ - محمّد الحافظ خواجة بارسا: « قال الامام النحرير، المناظر المتكلّم

____________________

(١). تتمة المختصر حوادث سنة ٦٠٦.

(٢). مرآة الجنان حوادث سنة ٦٠٦.

٢٢٤

المفسر، صاحب التصانيف المشهورة، فخر الملة والدين الرازي في التفسير الكبير في قوله سبحانه:( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) فيه لطيفة وهو: إن الرجس قد يزول عنّا ولا يطهر المحلّ، فقوله سبحانه: ليذهب عنكم الرجس أي يزيل عنكم الذنوب، وقوله سبحانه: ويطهّركم تطهيرا أي يلبسكم خلع الكرامة تطهيرا، لا يكون بعده تلوّث »(١) .

٥ - ابن قاضي شهبة: « محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن بن علي، العلامة سلطان المتكلّمين في زمانه المفسر المتكلم، إمام وقته في العلوم العقلية، وأحد الأئمة في العلوم الشرعية، صاحب المصنفات المشهورة والفضائل الغزيرة المذكورة، ولد في رمضان سنة ٥٤٤، وقيل سنة ثلاث، اشتغل أوّلا على والده ضياء الدين عمر، وهو من تلامذة البغوي، ثم على الكمال السمناني وعلى المجد الجيلي صاحب محمّد بن يحيى، وأتقن علوما كثيرة وبرز فيها وتقدّم وساد، وقصده الطلبة من سائر البلاد، وصنف في فنون كثيرة »(٢)

(١١)

رواية محمد بن طلحة

وروى أبو سالم محمد بن طلحة بن محمد القرشي النصيبي نزول آية التبليغ في واقعة يوم الغدير حيث قال: « زيادة تقرير - نقل الامام أبو الحسن الواحدي في كتابه المسمّى بأسباب النزول يرفعه بسنده إلى أبي سعيد الخدريرضي‌الله‌عنه قال: أنزلت هذه الآية:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) يوم غدير

____________________

(١). فصل الخطاب - مخطوط.

(٢). طبقات الشافعية ١ / ٣٩٦.

٢٢٥

خم في علي بن أبي طالب »(١) .

ترجمة محمّد بن طلحة

وقد ترجم لمحمّد بن طلحة مشاهير علمائهم، واصفين إيّاه بالمحامد الجميلة والفضائل العظيمة، وسنذكر ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى، ونكتفي هنا بما ذكره اليافعي في حقّه حيث قال: « الكمال محمّد بن طلحة النصيبي الشافعي. وكان رئيساً محتشماً بارعاً في الفقه والخلاف، ولّي الوزارة مرة ثم زهد وجمع نفسه، توفي بحلب في شهر رجب وقد جاوز التسعين، وله دائرة الحروف ...»(٢) .

(١٢)

رواية الرسعني

وروى عبد الرزاق بن رزق الله الرسعني نزول الآية الكريمة في يوم الغدير، قال محمّد بن معتمد خان البدخشاني: « أخرج عبد الرزاق الرسعني عن ابن عباسرضي‌الله‌عنه قال: لما نزلت هذه الآية:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) أخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد علي فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه »(٣) .

____________________

(١). مطالب السئول في مناقب آل الرسول: ٤٤.

(٢). مرآة الجنان حوادث سنة ٦٥٢.

(٣). مفتاح النجا في مناقب آل العبا - مخطوط.

٢٢٦

ترجمة الرسعني

١ - الذهبي: « الرسعني العلّامة عز الدين عبد الرزاق بن رزق الله بن أبي بكر، المحدّث المفسّر الحنبلي. ولد سنة تسع وثمانين، وسمع بدمشق من الكندي وببغداد من ابن منينا، وصنف تفسيراً جيّداً، وكان شيخ الجزيرة في زمانه علماً وفضلاً وجلالة. توفي في ثاني عشر ربيع الآخر »(١) .

٢ - الذهبي أيضاً: « الرسعني الامام المحدّث الرحّال، الحافظ المفسّر، عالم الجزيرة عني بهذا العلم، وجمع وصنف تفسيراً حسناً، رأيته يروي فيه بأسانيده، وصنّف كتاب مقتل الشهيد الحسين، وكان إماماً متقناً ذا فنون وأدب، روى عنه ولده العدل شمس الدين، والدمياطي في معجمه، وغير واحد، وبالاجازة أبو المعالي الأبرقوهي.

كانت له حرمة وافرة عند الملك بدر الدين صاحب الموصل وله شعر رائق، ولّي مشيخة دار الحديث بالموصل. كان من أوعية العلم والخير، توفي سنة ٦٦١ »(٢) .

٣ - ابن الجزري: « عبد الرزاق بن رزق الله أبو محمّد الرسعني، الامام العلّامة، المحدّث المقرئ، شيخ ديار بكر والجزيرة »(٣) .

٤ - السيوطي: « الرسعني الامام المحدّث الرحّال، الحافظ المفيد، عالم الجزيرة، عز الدين أبو محمّد عبد الرزاق بن رزق الله بن أبي بكر بن خلف الجزري، ولد برأس عين سنة ٥٨٩، وسمع الكندي وعدّة، وعني بهذا الشأن وصنف تفسيراً، وكان إماماً متقناً ذا فنون وأدب، أجاز للدمياطي والأبرقوهي،

____________________

(١). العبر حوادث ٦٦١.

(٢). تذكرة الحفاظ ٤ / ١٤٥٢.

(٣). طبقات القراء ١ / ٣٨٤.

٢٢٧

ولّي مشيخة دار الحديث بالموصل. مات سنة ٦٦١ »(١) .

٥ - وذكر الكاتب الجلبي تفسير الرسعني في مواضع من كتابه، ففي باب التاء: « تفسير عبد الرزاق بن رزق الله الحنبلي الرسعني، المسمى بمطالع أنوار التنزيل. يأتي. قلت: تفسير عبد الرزاق المذكور اسمه رموز الكنوز. قال محمد المالكي الداودي صاحب طبقات المفسرين بعد نقل هذا التفسير واسمه: وفيه فوائد حسنة، ويروى فيه الأحاديث بأسانيده »(٢) .

وقال في باب الراء: « رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز، للشيخ الامام عز الدين عبد الرزاق الرسعني الحنبلي المتوفى سنة ٦٦٠ »(٣) .

وقال في باب الميم: « مطالع أنوار التنزيل ومفاتيح أسرار التأويل لعبد الرزاق بن رزق الله وهو تفسير كبير حسن، انتفاه السيوطي، وكتب في آخره إجازة سماعه في مجالس آخرها ثاني ذي القعدة سنة ٦٥٩ بدار الحديث المهاجرية بالموصل »(٤) .

(١٣)

رواية النيسابوري

وأما رواية نظام الدين حسن بن محمّد بن حسين القمي النيسابوري نزول آية التبليغ المباركة في واقعة يوم غدير خم، فهي في تفسيره بعد تفسير قوله تعالى

____________________

(١). طبقات الحفاظ: ٥٠٥.

(٢). كشف الظنون ١ / ٤٥٢.

(٣). المصدر ١ / ٩١٣.

(٤). المصدر ٢ / ١٧١٥.

٢٢٨

( وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ ) إذ قال:

« ثم أمر رسوله بأنْ لا ينظر إلى قلّة المقتصدين وكثرة المعاندين، ولا يتخوف مكرهم [ مكروههم ] فقال.( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ) عن أبي سعيد الخدري إن هذه الآية نزلت في فضل علي بن أبي طالب [ رضي ‌الله‌ عنه وكرّم الله وجهه ] يوم غدير خم، فأخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيده وقال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، فلقيه عمر وقال: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة.وهو قول ابن عباس والبراء ابن عازب ومحمّد بن علي.

وروى أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نام في بعض أسفاره تحت شجرة وعلّق سيفه عليها، فأتاه أعرابي وهو نائم، فأخذ سيفه واخترطه وقال: يا محمّد من يمنعك مني؟ فقال: الله. فرعدت يد الأعرابي وسقط السيف من يده، وضرب برأسه الشجر [ ة ] حتى انتثر دماغه ونزل( وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) .

وقيل: لما نزلت آية التخيير:( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ ) فلم يعرضها عليهن خوفاً من اختيارهن الدنيا نزلت( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ) .

وقيل: نزلت في أمر زيد وزينب بنت جحش.

وقيل: لمـّا نزل:( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ) سكت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن عيب آلهتهم فنزلت، أي: بلّغ معايب آلهتهم ولا تخفها.

وقيل: إنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمـّا بيّن الشرائع والمناسك في حجة الوداع قال: هل بلغت؟ قالوا: نعم. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهم اشهد. فنزلت.

وقيل: نزلت في قصة الرجم والقصاص المذكورتين.

وقال الحسن: إن نبي الله قال: لمـّا بعثني الله برسالته ضقت بها ذرعاً، وتخوّفت أن من الناس من يكذّبني، واليهود والنصارى يخوّفونني، فنزلت الآية. فزال الخوف.

٢٢٩

وقالت عائشة: سهر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات ليلة فقلت: يا رسول الله ما شأنك؟ قال: ألا رجل صالح يحرسني الليلة؟! قالت: فبينا نحن في ذلك إذ سمعت صوت السلاح، فقال من هذا؟ قال: سعيد وحذيفة جئنا نحرسك. فنام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى سمعت غطيطه، فنزلت هذه الآية، فأخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأسه من قبة أدم فقال: انصرفوا أيّها الناس، فقد عصمني الله.

وعن ابن عباس: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحرس، فكان يرسل معه أبو طالب كلّ يوم رجالا من بني هاشم يحرسونه، حتى نزلت هذه الآية، فأراد عمّه أن يرسل معه من يحرسونه فقال: يا عمّاه إن الله تعالى قد عصمني من الجنّ والإِنس »(١) .

أقول: نلمس من هذه العبارة أن النيسابوري يرى أن سبب نزول الآية هو واقعة يوم الغدير، وأن القول بنزولها في فضل أمير المؤمنينعليه‌السلام هو الصحيح من بين الأقوال، ولذا قدّم هذا القول على سائر الأقوال، مع عزوه إلى جماعة من الصحابة والامام الباقرعليه‌السلام ، ونسب أكثر الأقوال الأخرى إلى القيل.

ويشهد بكون ذكر هذا القول مقدّماً على غيره قرينة على اختيار النيسابوري له: أن رشيد الدين الدهلوي نقل عن النسفي كلاماً في موضوع، ثم نسب إليه إختيار الأول منهما، لذكره إياه مقدّما على القول الآخر، وهذا كلام رشيد الدين في ( ايضاح لطافة المقال ):

« وقال العلامة أبو البركات عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي صاحب كنز الدقائق، في آخر كتاب الاعتماد في الاعتقاد: ثم قيل: لا يفضّل أحد بعد الصحابة إلّا بالعلم والتقوى، وقيل: فضل أولادهم على ترتيب فضل آبائهم،

____________________

(١). تفسير النيسابوري ٦ / ١٢٩ - ١٣٠.

٢٣٠

إلّا أولاد فاطمةعليهما‌السلام ، فإنهم يفضَّلون على أولاد أبي بكر وعمر وعثمان، لقربهم من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنهم العترة الطاهرة والذريّة الطيّبة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

وتفيد هذه العبارة - من جهة تقديم ذكر القول المختار للشيخ عبد الحق - أن هذا القول هو الأرجح عند صاحب كتاب الاعتماد، كما لا يخفى على العلماء الأمجاد ».

الاعتماد على النيسابوري وتفسيره

وذكر الكاتب الجلبي تفسير النيسابوري بقوله: « غرائب القرآن ورغائب الفرقان في التفسير، للعلامة نظام الدين حسن بن محمّد بن حسين القمي النيسابوري، المعروف بالنظام الأعرج...»(١) .

وعدّه المولوي حسام الدين السهارنبوري ضمن مصادر كتابه ( مرافض الروافض ) في عداد تفسير البيضاوي ومعالم التنزيل والمدارك والكشاف وجامع البيان، واصفاً إياها بالكتب المعتبرة.

وقد اعتمد القوم على كلمات النيسابوري واستندوا إليها في مقابلة أهل الحق والرد على استدلالاتهم، من ذلك استناد ( الدهلوي ) إلى ما اختاره النيسابوري في الجواب عن مطعن عزل أبي بكر عن إبلاغ سورة البراءة(٢) .

ومن ذلك استشهاد المولوي حيدر علي الفيض آبادي في ( منتهى الكلام )، في كلامه حول حديث ارتداد الاصحاب بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذبّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إيّاهم عن الحوض.

____________________

(١). كشف الظنون ٢ / ١١٩٥.

(٢). التحفة. باب المطاعن: ٢٧٢.

٢٣١

كلام النيسابوري في خطبة تفسيره

كما يظهر اعتبار هذا التفسير من كلام النيسابوري نفسه أيضاً في خطبته، إذ قال:

« ولقد انتصب جم غفير وجمع كثير من الصحابة والتابعين ثم من العلماء الراسخين، والفضلاء المحققين، والأئمة المتقنين في كل عصر وحين، للخوض في تيار بحاره والكشف عن أستار أسراره، والفحص عن غرائبه والاطلاع على رغائبه، نقلاً وعقلاً وأخذاً واجتهاداً، فتباعدت مطامح همّاتهم، وتباينت مواقع نياتهم، وتشعّبت مسالك أقدامهم، وتفننت مقاطر أقلامهم، فمن بين وجيز وأوجز ومطنب وملغز، ومن مقتصر على حلّ الألفاظ، ومن ملاحظ مع ذلك حظّ المعاني والبيان ونعم اللحاظ، فشكر الله تعالى مساعيهم وصان عن إزراء القادح معاليهم، ومنهم من أعرض عن التفسير وأقبل على التأويل، وهو عندي ركون إلى الأضاليل وسكون على شفا جرف الأباطيل، إلّا من عصمه الله وإنه لقليل، ومنهم من مرج البحرين وجمع بين الأمرين، فللراغب الطالب أن يأخذ العذب الفرات ويترك الملح الأجاج، يلقط الدر الثمين ويسقط السبخ والزجاج.

وإذ وفقني الله تعالى لتحريك القلم في أكثر الفنون المنقولة والمعقولة، كما اشتهر - بحمد الله تعالى ومنّه - فيما بين أهل الزمان، وكان علم التفسير من العلوم بمنزلة الإنسان من العين والعين من الإنسان، وكان قد رزقني الله تعالى من إبان الصبى وعنفوان الشباب حفظ لفظ القرآن وفهم معنى الفرقان، وطالما طالبني بعض أجلّة الإِخوان وأعزّة الأخدان ممن كنت مشاراً عندهم بالبنان في البيان، والله المنّان يجازيهم عن حسن ظنونهم ويوفقنا لاسعاف سؤلهم وإنجاح مطلوبهم، أن أجمع كتاباً في علم التفسير مشتملاً على المهمّات، مبنيّاً على ما وقع إلينا من نقل الأثبات وأقوال الثقات، من الصحابة والتابعين ثم من العلماء الراسخين والفضلاء المحققين المتقدمين والمتأخّرين، جعل الله تعالى سعيهم مشكوراً

٢٣٢

وعملهم مبروراً، إستعنت بالمعبود وشرعت في المقصود، معترفاً بالعجز والقصور في هذا الفن وفي سائر الفنون، لا كمن هو بابنه وشعره مفتون، كيف وقد قال عز من قائل( وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً ) مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً؟ وكفى بالله ولياً وكفى بالله وكيلاً.

ولمـّا كان التفسير الكبير المنسوب إلى الامام الأفضل والهمام الأمثل، الحبر النحرير والبحر الغزير، الجامع بين المعقول والمنقول، الفائز بالفروع والأصول، أفضل المتأخرين، فخر الملة والحق والدين، محمد بن عمر بن الحسين الخطيب الرازي، تغمّده الله برضوانه وأسكنه بحبوحة جنانه، إسمه مطابق لمسماه، وفيه من اللطائف والبحوث ما لا يحصى، ومن الزوائد والنيوث ما لا يخفى، فإنه قد بذل مجهوده ونثل موجودة حتى عسر كتبه على الطالبين، وأعوز تحصيله على الراغبين.

حاذيت سياق مرامه وأوردت حاصل كلامه، وقربت مسالك أقدامه، والتقطت عقود نظامه، من غير إخلال بشيء من الفوائد، وإهمال لما يعدّ من اللطائف والعوائد، وضممت إليه ما وجدت في الكشاف وفي سائر التفاسير من اللطائف المهمات، ورزقني الله تعالى من البضاعة المزجاة، وأثبت القراآت المعتبرات والوقوف المعللات، ثم التفسير المشتمل على المباحث اللفظيات والمعنويات، مع إصلاح ما يجب إصلاحه، وإتمام ما ينبغي إتمامه، من المسائل الموردة في التفسير الكبير والاعتراضات، ومع كلّ ما يوجد في الكشاف من المواضع المعضلات، سوى الأبيات المعقّدات، فإن ذلك يوردها من ظنَّ أن تصحيح القراآت وغرائب القرآن إنما يكون بالأمثال والمستشهدات، كلّا، فإنّ القرآن حجة على غيره وليس غيره حجة عليه، فلا علينا أن نقتصر في غرائب القرآن على تفسيرها بالألفاظ المشتهرات، وعلى إيراد بعض المتجانسات التي تعرف منها أصول الاشتقاقات، وذكرت طرفاً من الاشارات المقنعات، والتأويلات الممكنات، والحكايات المبكيات، والمواعظ الرداعة عن المنهيات، الباعثة على أداء الواجبات.

٢٣٣

والتزمت إيراد لفظ القرآن الكريم أوّلاً مع ترجمته على وجه بديع وطريق منيع، يشتمل على إبراز المقدّرات وإظهار المضمرات، وتأويل المتشابهات وتصريح الكنايات، وتحقيق المجازات والاستعارات، فإنّ هذا النوع من الترجمة مما تكسب فيه العبرات، ويؤذن المترجمون هنالك إلى العثرات، وقلّما يفطن له الناشي الواقف على متن اللغة العربية، فضلاً عن الدخيل القاصر في العلوم الأدبية، واجتهدت كلّ الاجتهاد في تسهيل سبيل الرشاد، ووضعت الجميع على طرف الثمام، ليكون الكتاب كالبدر في التمام، وكالشمس في إفادة الخاص والعام، من غير تطويل يورث الملام ولا تقصير يوعر مسالك السالك، ويبدد نظام الكلام، فخير الكلام ما قل ودل، وحسبك من الزاد ما بلّغك المحل، والتكلان في الجميع على الرحمن المستعان، والتوفيق مسئول ممن بيده مفاتيح الفضل والإحسان، وخزائن البر والامتنان، وهذا أوان الشروع في تفسير القرآن ».

(١٤)

رواية الهمداني

وروى السيد علي بن شهاب الدين الهمداني نزول آية التبليغ، في فضل أمير المؤمنينعليه‌السلام في واقعة يوم غدير خم: « عن البراء بن عازبرضي‌الله‌عنه قال: أقبلت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع، فلمـّا كان بغدير خم نودي الصلاة جامعة، فجلس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحت شجرة، وأخذ بيد علي وقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. فقال: ألا من أنا مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فلقيه عمررضي‌الله‌عنه فقال: هنيئاً لك يا علي بن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة، وفيه نزلت( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ )

٢٣٤

الآية »(١) .

ترجمة الهمداني وخطبة كتابه

والسيد علي الهمداني من علماء أهل السنة الرّبانيين، ومن مشاهير عرفائهم المنتجبين، فقد ترجموا له بما يفوق الوصف، ونسبوا الكرامات الجليلة إليه مثل إحياء الأموات وغيره، كما سنذكر ذلك فيما سيأتي إن شاء الله.

وأما كتابه ( مودة القربى ) فقد مدحه مؤلّفه في خطبته، وبيّن اعتباره وشأنه بقوله: « وبعد، فقد قال الله تعالى:( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) و قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أحبّوا الله لما أرفدكم من نعمه وأحبّوني لحب الله وأحبوا أهل بيتي لحبي. فلمـّا كان مودة آل النبي مسئولاً عنها حيث أمر الله تعالى حبيبه العربي بأن لا يسأل عن قومه سوى المودة في القربى، وأن ذلك سبب النجاة للمحبين، وموجب وصولهم إليه وإلى آلهعليهم‌السلام كما قالعليه‌السلام : من أحبّ قوماً حشر في زمرتهم. وأيضاً قالعليه‌السلام : المرء مع من أحب. فوجب على من طلب طريق الوصول ومنهج القبول محبّة الرسول ومودة أهل بيت البتول، وهذه لا تحصل إلّا بمعرفة فضائله وفضائل آلهعليهم‌السلام ، وهي موقوفة على معرفة ما ورد فيهم من أخبارهعليه‌السلام .

ولقد جمعت الأخيار في فضائل العلماء والفقراء أربعينيات كثيرة، ولم يجمع في فضائل أهل البيت إلّا قليلاً، فلذا - وأنا الفقير الجاني على العلوي الهمداني - أردت أن أجمع في جواهر أخباره ولآلي آثاره مما ورد فيهم، مختصراً موسوماً بكتاب ( المودة في القربى ) تبركا بالكلام القديم، كما في مأمولي أن يجعل ذلك وسيلتي إليهم ونجاتي بهم، وطويته على أربع عشرة مودة، والله يعصمني من الخبط والخلل في القول والعمل، ولم يحوّل قلمي إلى ما لم ينقل، بحق محمّد ومن اتبعه من أصحاب الدّول ».

____________________

(١). مودة القربى. أنظر ينابيع المودة: ٢٤٩.

٢٣٥

(١٥)

رواية ابن الصباغ

وروى نور الدين علي بن محمّد المعروف بابن الصباغ المالكي نزول آية التبليغ في واقعة يوم غدير خم في كتابه ( الفصول المهمة ) حيث قال:

« روى الامام أبو الحسن الواحدي في كتابه المسمى بأسباب النزول، يرفعه بسنده إلى أبي سعيد الخدريرضي‌الله‌عنه قال: نزلت هذه الآية:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) يوم غدير خم في علي بن أبي طالب »(١) .

ترجمة ابن الصباغ واعتبار كتابه

وابن الصباغ من مشاهير فقهاء المالكية، ومن ثقات علماء أهل السنة المعروفين، فهم ينقلون عنه أقواله ويعتمدون على رواياته، ويصفونه - وهم ناقلون عنه - بالأوصاف العظيمة. وممن أكثر من النقل عنه نور الدين السمهودي في كتابه ( جواهر العقدين ).

وفي ( نزهة المجالس ): « ورأيت في الفصول المهمة في معرفة الأئمة بمكّة المشرفة شرّفها الله تعالى وهي مصنفة لأبي الحسن المالكي: إن علياً ولدته أمه بجوف الكعبة شرّفها الله تعالى »(٢) .

وعبّر عنه الشيخ أحمد بن عبد القادر العجيلي الشافعي بـ « الشيخ الامام علي ابن محمّد الشهير بابن الصباغ من علماء المالكية » في كلام له حول حكم الخنثى

____________________

(١). الفصول المهمة في معرفة الأئمة: ٤٢.

(٢). نزهة المجالس لعبد الرحمن الصفوري ٢ / ٢٠٤ - ٢٠٥.

٢٣٦

وهذا نصه: « قلت: وهذه المسألة وقعت في زماننا هذا ببلاد الجبرت، على ما أخبرني به سيدي العلامة نور بن خلف الجبرتي، وذكر لي أن الخنثى الموصوفة توفيت عن ولدين، ولد لبطنها وولد لظهرها، وخلّفت تركة كثيرة، وأن علماء تلك الجهة تحيّروا في الميراث واختلفت أحكامهم، فمنهم من قال: يرث ولد الظهر دون ولد البطن. ومنهم من قال بعكس هذا. ومنهم من قال: يقتسمان التركة. ومنهم من قال: توقف التركة حتى يصطلح الولدان على تساو أو على مفاضلة. وأخبرني أن الخصام قائم والتركة موقوفة، وأنه خرج لسؤال علماء المغرب خصوصا علماء الحرمين عن ذلك.

وبعد الاتفاق به بسنتين، وجدت حكم أمير المؤمنين في كتاب الفصول المهمة في فضل الأئمة تصنيف الشيخ الامام علي بن محمّد الشهير بابن الصباغ من علماء المالكية »(١) .

وذكر محمّد رشيد الدين خان الدهلوي كتاب ( الفصول المهمة ) ناسباً إياه إلى الشيخ ابن الصباغ المالكي، ومصرّحاً بكونه من كتب أهل السنة المؤلّفة في فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام .

كما ذكر عبد الله بن محمّد المدني والمطيري شهرة، الشافعي مذهباً، الأشعري إعتقاداً، والنقشبندي طريقة - كتاب ( الفصول المهمة ) في خطبة كتابه ( الرياض الزاهرة في فضل آل بيت النبي وعترته الطاهرة ) حيث قال:

« أما بعد فيقول العبد الفقير إلى الله تعالى عبد الله بن محمّد المطيري شهرة المدني حالاً: هذا كتاب سميته بالرياض الزاهرة في فضل آل بيت النبي وعترته الطاهرة، جمعت فيه ما اطّلعت عليه مما ورد في هذا الشأن، واعتنى بنقله العلماء العاملون الأعيان، وأكثره من الفصول المهمة لابن الصباغ، ومن الجوهر الشفاف للخطيب ».

____________________

(١). ذخيرة المآل - مخطوط.

٢٣٧

(١٦)

رواية العيني

وروى بدر الدين محمود بن أحمد العيني نزول آية التبليغ:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ) . في واقعة يوم الغدير، في شرحه على صحيح البخاري، حيث جاء بتفسير الآية المذكورة من كتاب التفسير ما هذا نصه: « ص - باب( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) .

ش - أي هذا باب من قوله تعالى:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ ) ذكر الواحدي من حديث الحسن بن حماد سجادة قال: ثنا علي بن عياش عن الأعمش وأبي الجحاف، عن عطيّة، عن أبي سعيد قال: نزلت هذه الآية:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) يوم غدير خم في علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه .

وقال مقاتل: قوله بلّغ ما أنزل إليك. وذلك أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا اليهود إلى الإسلام فأكثر الدعاء، فجعلوا يستهزؤن به ويقولون: أتريد يا محمّد أن نتخذك حناناً كما اتخذت النصارى عيسى حناناً. فلما رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك سكت عنهم، فحرّض الله تعالى نبيهعليه‌السلام على الدعاء إلى دينه لا يمنعه تكذيبهم إياه واستهزاؤهم به عن الدعاء.

وقال الزمخشري: نزلت هذه الآية بعد أحد.

وذكر الثعلبي عن الحسن قال سيدنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لما بعثني الله عزّ وجلّ برسالته ضقت بها ذرعاً، وعرفت أن من الناس من يكذّبني - وكان يهاب قريشا واليهود والنصارى - فنزلت.

وقيل: نزلت في عيينة بن حصين وفقراء أهل الصفة.

وقيل: نزلت في الجهاد، وذلك أن المنافقين كرهوه وكرهه أيضاً بعض

٢٣٨

المؤمنين، وكان النبيعليه‌السلام يمسك في بعض الأحايين عن الحث على الجهاد لما يعرف من كراهية القوم، فنزلت.

وقيل: بلّغ ما أنزل إليك من ربّك، في أمر زينب بنت جحش، وهو مذكور في البخاري.

وقيل: بلّغ ما أنزل إليك في أمر نسائك.

وقال أبو جعفر محمّد بن علي بن حسين: معناه بلّغ ما أنزل إليك من ربك في فضل علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه ، فلمـّا نزلت هذه الآية أخذ بيد علي وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه.

وقيل: بلّغ ما أنزل إليك من حقوق المسلمين، فلمـّا نزلت هذه الآية خطبعليه‌السلام في حجة الوداع، ثم قال: اللهم هل بلغت؟

وعند ابن الجوزي: بلّغ ما أنزل إليك من الرجم والقصاص »(١) .

هذا هو النص الكامل لعبارة العيني في هذا المقام، وقد رأيت أنه قد قدّم القول بنزولها في فضل عليعليه‌السلام يوم الغدير على سائر الأقوال في الذكر، الأمر الذي يدلّ على تقديمه إياه عليها في الاختيار كما تقدم ثمّ إنّه عاد وذكر قول سيدنا الامام الباقرعليه‌السلام وهو القول الفصل، والحمد لله ربّ العالمين.

ترجمة البدر العيني

١ - شمس الدين السخاوي: « محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين بن يوسف بن محمود، القاضي بدر الدين أبو محمد - وقيل أبو الثناء - ابن القاضي شهاب الدين، الحلبي الأصل، العنتابي المولد، القاهري الحنفي. أحد الأعيان، ويعرف بابن العيني. كان مولد والده بحلب في سنة خمس وعشرين وسبعمائة، وانتقل إلى عنتاب فولي قضاءها فولد بها ولده البدر، وذلك - كما قرأته

____________________

(١). عمدة القاري - شرح صحيح البخاري ١٨ / ٢٠٦.

٢٣٩

بخطّه - في سابع عشر رمضان سنة ٧٦٢، فنشأ بها، وقرأ القرآن واشتغل بالعلوم من سائر الفنون على العلماء الكبار

وكان إماماً عالماً علّامة، عارفاً بالتصريف والعربية وغيرهما، حافظاً للتاريخ واللغة، كثير الاستعمال لها، مشاركاً في الفنون، لا يمل من المطالعة والكتابة، كتب بخطه جملة من الكتب، وصنّف الكثير، وكان نادرة بحيث لا أعلم بعد شيخنا أكثر تصانيف منه، وقلمه أجود من تقريره، وكتابته طريفة حسنة من السرعة

وحدّث وأفتى ودرّس، مع لطف العشرة والتواضع، واشتهر اسمه وبعد صيته، وأخذ عنه الفضلاء من كل مذهب، وممن سمع عليه من القدماء: الكمال الشمني، سمع عليه بعض شرح الطحاوي من تصانيفه، وأرغون شاه التيدمري المتوفى سنة ٨٠٢ صحيح البخاري ومسلم والمصابيح. وعلّق شيخنا من فوائده بل سمع عليه، لأجل ما كان عزم عليه من عمل البلدانيات

وذكره العلاء ابن خطيب الناصرية في تاريخه فقال: وهو إمام عالم فاضل مشارك في علوم، وعنده حشمة ومروة وعصبية وديانة - انتهى.

وقد قرأت عليه الأربعين التي انتقاها شيخي رحمه الله تعالى من صحيح مسلم، في خامس صفر سنة إحدى وخمسين، وعرضت عليه قبل ذلك محافيظي وسمعت عدة من دروسه »(١) .

٢ - السيوطي: « العيني قاضي القضاة تفقّه واشتغل بالفنون، وبرع ومهر، ودخل القاهرة وولي الحسبة مراراً، وقضاء الحنفية، وله تصانيف منها: شرح البخاري، وشرح الشواهد، وشرح معاني الآثار، وشرح الهداية، وشرح الكنز، وشرح المجمع، وشرح درر البحار، وطبقات الحنفية، وغير ذلك. مات في

____________________

(١). الذيل الطاهر للسخاوي - مخطوط. ومنه نسخة وعليها خط المؤلف في مكتبة السيد صاحب عبقات الأنواررحمه‌الله .

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391