نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٨

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار15%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 391

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 391 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 293578 / تحميل: 6785
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٨

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبي نجران ، عن حماد بن عثمان ، عن المسمعي قال لما قتل داود بن علي المعلى بن خنيس قال أبو عبد اللهعليه‌السلام لأدعون

_________________________________________

هنا بمعنى متى للزمان ، لا بمعنى كيف ، ولا بمعنى أين لئلا يلزم التكرار ، كذا قيل ، والظاهر أن معنى« من حيث شئت » من أي جهة وناحية شئت ، و« أنى شئت » في أي مكان شئت ، فالفرق بينهما ظاهر قال في القاموس حيث كلمة دالة على المكان ، كحين في الزمان ، ويثلث أخره.

وأقول : الجوهري ، وغيره اكتفوا بالضم والفتح ، وقالوا لا يضاف إلا إلى جملة ، وقال الراغب : حيث عبارة من مكان مبهم يشرح بالجملة التي بعده نحو قوله « وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ ».

الحديث الخامس : ضعيف عند الأكثر ، وعندي أنه صحيح لأن المسمعي يطلق على ثلاثة ، عبد الله بن عبد الرحمن الأصم ، وهو ضعيف لكنه ليس في هذه المرتبة ، لأنه يروي عنه محمد بن عيسى بن عبيد من أصحاب الرضا والجواد ، فروايته عن الصادقعليه‌السلام بعيد ، ومحمد بن عبد الله المسمعي ، وهو أيضا وإن كان مجهولا ، أو ضعيفا ، لكنه ليس في هذه المرتبة ، لأنه يروي عنه محمد بن أحمد بن يحيى ، ويطلق على مسمع بن عبد الملك ، وهو ثقة ، يروي عن الصادقعليه‌السلام فالظاهر أنه هو المراد هنا ، فالحديث صحيح ، ومعتب بضم الميم ، وفتح العين ، وتشديد التاء المكسورة.

والمعلى بن خنيس كان مولى الصادقعليه‌السلام ، واختلفوا فيه ، ضعفه النجاشي وابن الغضائري ، وقال الشيخ الطوسي ره في كتاب الغيبة : إنه كان من قوام أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وكان محمودا عنده ومضى على منهاجه ، وروى الكشي روايات كثيرة تدل على مدحه ، وأنه من أهل الجنة.

والأقوى عندي أنه كان من خواص أصحاب الصادقعليه‌السلام ، ومحل إسراره وذمه يرجع إلى أنه كان يروي أخبارا مرتفعة ، لا يدركها عقول أكثر الخلق ، ومعجزات غريبة لا توافق فهم أكثر الناس ، وكان مقصرا في التقية لشدة حبه لهم

١٨١

الله على من قتل مولاي وأخذ مالي فقال له داود بن علي إنك لتهددني بدعائك ؛

_________________________________________

عليهم‌السلام ، ولعل من ورائه الشفاعة ، ويظهر من الأخبار أن القتل كان كفارة له ، وسببا لرفع درجاته.

وروى الكشي ، عن ابن أبي يعفور ، عن حماد الناب ، عن المسمعي قال : لما أخذ داود بن علي ، المعلى بن خنيس حبسه فأراد قتله فقال له المعلى : أخرجني إلى الناس ، فإن لي دينا كثيرا ومالا ، حتى أشهد بذلك ، فأخرجه إلى السوق ، فلما اجتمع الناس قال : أيها الناس أنا معلى بن خنيس ، فمن عرفني فقد عرفني ، اشهدوا أني ما أترك من مال ، عين أو دين ، أو أمة ، أو عبد ، أو دار ، قليل أو كثير ، فهو لجعفر بن محمد ، قال : فشد عليه صاحب شرطة داود فقتله ، فقال : فلما بلغ ذلك أبا عبد اللهعليه‌السلام خرج يجر ذيله حتى دخل على داود بن علي ، وإسماعيل ابنه خلفه فقال : يا داود قتلت مولاي ، وأخذت مالي فقال : ما أنا قتلته ، ولا أخذت مالك ، فقال : والله لأدعون على من قتل مولاي وأخذ مالي ، قال : ما قتلته ولكن قتله صاحب شرطتي فقال : بإذنك ، أو بغير إذنك ، فقال : بغير إذني فقال : يا إسماعيل شانك به ، فخرج إسماعيل والسيف معه ، حتى قتله في مجلسه ، قال : حماد فأخبرني المسمعي ، عن معتب ، قال : فلم يزل أبو عبد اللهعليه‌السلام ليلة ساجدا وقائما قال فسمعته في آخر الليل وهو ساجد يقول : « اللهم إني أسألك بقوتك القوية وبجلالك الشديد. وبعزتك التي جل خلقك لها ذليل ، أن تصلي على محمد وآل محمد ، وأن تأخذه الساعة » قال : فو الله ما رفع رأسه من سجوده حتى سمعنا الصائحة فقالوا مات داود بن علي فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : إني دعوت الله عليه بدعوة بعث الله إليه ملكا فضرب رأسه بمرزبة انشقت مثانته.

وبإسناده عن إسماعيل بن جابر ، أنه قال : لما سمع أبو عبد اللهعليه‌السلام قتل المعلى قال : أما والله لقد دخل الجنة.

وعن الوليد بن صبيح ، قال : قال داود بن علي : لأبي عبد اللهعليه‌السلام ما أنا قتلته

١٨٢

قال حماد قال المسمعي فحدثني معتب أن أبا عبد اللهعليه‌السلام لم يزل ليلته راكعا وساجدا فلما كان في السحر سمعته يقول وهو ساجد ـ اللهم إني أسألك بقوتك

_________________________________________

يعني المعلى ، قال : فمن قتله قال السيرافي ، وكان صاحب شرطته قال : أقدنا منه قال : قد أقدتك ، قال : فلما أخذ السيرافي ، وقدم ليقتل جعل يقول يا معشر المسلمين يأمروني بقتل الناس فأقتلهم لهم ثم يقتلوني ، فقتل السيرافي.

وروى أيضا بإسناده عن حفص التمار قال دخلت على أبي عبد الله أيام طلب المعلى بن خنيس ، فقال لي يا حفص إني أمرت المعلى فخالفني ، فابتلي بالحديد ، إني نظرت إليه يوما ، وهو كئيب حزين فقلت : يا معلى كأنك ذكرت أهلك ، وعيالك قال أجل ، قلت : ادن مني فدنا مني فمسحت وجهه فقلت : أين تراك ، فقال أراني في أهل بيتي ، وهذه زوجتي ، وهذا ولدي ، قال : فتركته حتى تملأ منهم ، واستترت منه حتى نال ما ينال الرجل من أهله ، ثم قلت : ادن مني فدنا مني فمسحت وجهه فقلت : أين تراك ، فقال : أراني معك في المدينة قال فقلت يا معلى إن لنا حديثا من حفظه ، حفظه الله على دينه ، ودنياه ، يا معلى لا تكونوا أسراء في أيدي الناس بحديثنا ، إن شاءوا آمنوا عليكم ، وإن شاءوا قتلوكم ، يا معلى أنه من كتم الصعب من حديثنا ، جعله الله نورا بين عينيه ، وزوده قوة في الناس ، ومن أذاع الصعب من حديث لم يمت حتى يعضه السلاح ، أو يموت بخبل ، يا معلى أنت مقتول فاستعد.

وعن أبي بصير قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : وجرى ذكر المعلى بن خنيس ، فقال : يا أبا محمد اكتم على ما أقول لك في المعلى ، قلت : افعل فقال أما إنه لا ينال درجتنا ، إلا مما ينال منه داود بن علي ، قلت : وما الذي يصيبه من داود ، قال : يدعو به فيأمر به فيضرب عنقه ، ويصلبه قلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، قال : ذلك في قابل فلما كان قابل والي المدينة ، فقصد قصد المعلى فدعاه ، وسأله عن شيعة أبي عبد اللهعليه‌السلام وأن يكتبهم له ، فقال : ما أعرف من أصحاب أبي عبد اللهعليه‌السلام أحدا

١٨٣

القوية وبجلالك الشديد الذي كل خلقك له ذليل أن تصلي على محمد وأهل بيته وأن تأخذه الساعة الساعة فما رفع رأسه حتى سمعنا الصيحة في دار داود بن علي فرفع أبو عبد اللهعليه‌السلام رأسه وقال إني دعوت الله بدعوة بعث الله عز وجل عليه ملكا فضرب رأسه بمرزبة من حديد انشقت منها مثانته فمات.

_________________________________________

وإنما أنا رجل اختلف في حوائجه ، ولا أعرف له صاحبا ، قال : تكتمني أما إنك إن كتمتني قتلتك ، فقال له المعلى : بالقتل تهددني ، والله والله ، لو كانوا تحت قدمي ما رفعت قدمي عنهم ، وإن أنت قتلتني لتسعدني وأشقيك وكان كما قال أبو عبد اللهعليه‌السلام (١) يغادر منه قليلا ، ولا كثيرا ، وقد مضت الأخبار في أنهعليه‌السلام نهى المعلى عن الإذاعة في باب الإذاعة ، وغيره ، ومر أيضا بكاؤهعليه‌السلام له ، وترحمه عليه.

قوله « بقوتك القوية » القوة ، والقدرة متقاربتان ، ووصف القوة بالقوية للتأكيد إشارة إلى كمالها ، واستيلائها على جميع الممكنات ، وعدم تطرق العجز إليها« وبجلالك الشديد » أي القوي الغالب المرتفع على كل شيء ، والجلال العظمة ، ومن أسمائه تعالى الجليل ، قال في النهاية : هو الموصوف بنعوت الجلال الحاوي بجميعها ، وهو راجع إلى كمال الصفات ، كما أن الكبير راجع إلى كمال الذات ، والعظيم إلى كمال الذات ، والصفات ، وقال : المحال بالكسر الكيد ، وقيل : المكر ، وقيل : القوة ، والشدة ، وميمه أصلية ، ورجل محل أي ذو كيد.

وقال الجوهري :« الإرزبة » التي يكسر بها المدر فإن قلتها بالميم خففت قلت : المرزبة ، وفي القاموس : الأرزبة والمرزبة مشددتان ، والأولى فقط عصية من حديد ، وفي النهاية : المرزبة بالتخفيف المطرقة الكبيرة التي تكون للحداد ، ومنه حديث الملك وبيده مرزبة ، ويقال لها الأرزبة أيضا بالهمزة والتشديد و« المثانة » العضو الذي يجتمع فيه البول داخل الجوف.

__________________

(١) هكذا في النسخ والظاهر « لم يغادر منه ».

١٨٤

(باب المباهلة)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن محمد بن حكيم ، عن أبي مسروق ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قلت إنا نكلم الناس فنحتج عليهم بقول الله عز وجل : «أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ » فيقولون نزلت في أمراء السرايا فنحتج عليهم بقوله عز وجل : «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ » إلى آخر الآية فيقولون نزلت في المؤمنين ونحتج عليهم بقول الله عز وجل : «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى » فيقولون نزلت في قربى المسلمين قال فلم أدع شيئا مما حضرني ذكره من هذه وشبهه إلا ذكرته فقال لي إذا كان ذلك فادعهم إلى المباهلة قلت وكيف أصنع قال أصلح نفسك ثلاثا وأظنه قال وصم و

_________________________________________

باب المباهلة

الحديث الأول : حسن ، وفي النهاية« السرية » طائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدو ، وجمعها السرايا ، سموا بذلك لأنهم يكونون خلاصة العسكر ، وخيارهم من الشيء السري النفيس ، وقيل : سموا بذلك ، لأنهم ينفذون سرا وخفية ، وليس بالوجه لأن لام السر راء ، وهذه ياء ، وأقول : قد مر جهات أجوبة تلك الشبه في كتاب الحجة فلا نعيدها.

وفي النهاية« المباهلة » الملاعنة ، وهو أن يجتمع القوم إذا اختلفوا في شيء فيقولون لعنة الله على الظالم منا ، ومنه حديث ابن عباس من شاء باهلته أن الحق معي.

قال : « أصلح نفسك ثلاثا » أي ثلاث ليال بأيامهن ، ولو كان المراد الأيام لقال ثلاثة ، والغالب في التواريخ ، وأمثالها اعتبار الليالي ، والإصلاح بالتوبة ، والاستغفار والدعاء ، والاشتغال بالأعمال الصالحة ، ولخصوص الثلاثة مدخلا عظيما في ذلك ، كما اعتبرت في أقل الاعتكاف ، والكفارات وصوم الحاجة ، والاستسقاء وغيرها

١٨٥

اغتسل وابرز أنت وهو إلى الجبان فشبك أصابعك من يدك اليمنى في أصابعه ثم أنصفه وابدأ بنفسك وقل اللهم رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم إن كان أبو مسروق جحد حقا و

_________________________________________

« وأظنه قال : وصم » أي في الأيام الثلاثة« واغتسل » أي في اليوم الثالث قبل الخروج ، والظاهر أنه عطف على أصلح لا على صم ، فلا يكون داخلا في المظنون وإن كان محتملا ، ومنه يظهر أن ما ورد في عداد الأغسال من غسل المباهلة ، وحمله الأصحاب على غسل يوم مباهلة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، نصارى نجران يحتمل هذا أيضا بل هو أظهر لعدم الحاجة إلى تقدير اليوم إلا أن يكون لهم قرينة من غير هذه الرواية ، والبروز الخروج.

وفي المغرب« الجبانة » المصلى العام في الصحراء ، وفي المصباح : الجبانة مثقل الباء ، وثبوت الهاء أكثر من حذفها هي المصلى في الصحراء ، وربما أطلقت على المقبرة ، لأن المصلي غالبا يكون في المقبرة ، وفي القاموس : الجبان ، والجبانة مشددتين المقبرة ، والصحراء ، والمنبت الكريم ، أو الأرض المسوية في ارتفاع ، وقيل : المراد المكان المرتفع لينظر الناس إليهما ، ويشهدوا بذلك ، وهو بعيد« في أصابعه » أي أصابع يده اليمنى أيضا ، و« التشبيك » إما بإدخال الأصابع في الأصابع ، أو بأخذ الأصابع بالأصابع كالمصافحة ، والأول أظهر« تم أنصفه » بأن يبدأ في اللعن بنفسه ،فقوله وأبدا عطف تفسير له.

« عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ » أي يعلم ما لا تشاهده حواس الخلق ، وما تشاهده حواسهم ، ولا يعلمون ، وما يعلمون ، وقال البيضاوي : الغيب مصدر وصف به للمبالغة كالشهادة في قوله تعالى( عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ ) (١) والعرب تسمى المطمئن من الأرض ، والخمصة التي تلي الكلية ، غيبا أو فيعل فعيل خفف كقيل ، والمراد به الخفي الذي لا يدركه الحسن ، ولا تقتضيه بديهة العقل ، وهو قسمان قسم لا

__________________

(١) الرعد : ٩.

١٨٦

ادعى باطلا فأنزل عليه حسبانا من السماء أو عذابا أليما ثم رد الدعوة عليه فقل وإن كان فلان جحد حقا وادعى باطلا فأنزل عليه حسبانا من السماء أو عذابا أليما ثم قال لي فإنك لا تلبث أن ترى ذلك فيه فو الله ما وجدت خلقا

_________________________________________

دليل عليه ، وهو المعنى بقوله تعالى «وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ » وقسم نصب عليه دليل كالصانع وصفاته ، واليوم الآخر وأحواله ، وهو المراد به في قوله سبحانه « يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ » إذا جعلته صلة للإيمان انتهى وقيل : يعلم ما يغيب عنكم ، وما تشهدونه ، وقيل : إنما قدم الغيب على الشهادة ، لأن علمه تعالى بالأشياء قبل خلقها علم بالغيب فقط ، وبعد خلقها علم بالشهادة أيضا.

وقوله « الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ » إن كانا بدلين فهما مبنيان على الضم كالمنادى المنفرد ، وإن كانا نعتين فهما منصوبان ، وإن كانا عطفي بيان فيحتمل الرفع والنصب عند الأخفش ، والنصب متعين عند غيره ، وفي القاموس« الحسبان » بالضم جمع الحساب ، والعذاب ، والبلاء والشر ، والصاعقة وكأنه إشارة إلى قوله تعالى( وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ ) (١) أي بعذاب أليم سواه وقال تعالى في قصة صاحب الجنة الكافر( وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ ) (٢) قال البيضاوي : أي مرامي جمع حسبانة وهي الصواعق ، وقيل : هو مصدر بمعنى الحساب ، والمراد به التقدير بتخريبها أو عذاب حساب الأعمال السيئة ، وقيل : الحسبان عذاب الاستئصال ، والعذاب الأليم ما لم يكن سببا للاستيصال ، وإن ترى بتقدير حتى أن ترى ويتعلق بالمنفي لا بالنفي.

قوله « فو الله » الظاهر أنه من كلام أبي مسروق بتقدير قال ، ويحتمل أن يكون كلام الإمامعليه‌السلام « يجيبني إليه » أي يرضى بأن يباهلني بمثل هذا لخوفهم

__________________

(١) الأنفال : ٣٢.

(٢) الكهف : ٤٠.

١٨٧

يجيبني إليه.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن إسماعيل بن مهران ، عن مخلد أبي الشكر ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال الساعة التي تباهل فيها ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.

عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن محمد بن إسماعيل ، عن مخلد أبي الشكر ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام مثله.

٣ ـ أحمد ، عن بعض أصحابنا في المباهلة قال تشبك أصابعك في أصابعه ثم تقول اللهم إن كان فلان جحد حقا وأقر بباطل فأصبه بحسبان من السماء أو بعذاب من عندك وتلاعنه سبعين مرة.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن أبي العباس ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في المباهلة قال تشبك أصابعك في أصابعه ثم تقول اللهم إن كان فلان جحد حقا وأقر بباطل فأصبه بحسبان من السماء أو بعذاب من عندك وتلاعنه سبعين مرة.

_________________________________________

على أنفسهم وعليهم ، أو ظنهم بأني على الحق كما امتنع نصارى نجران عن المباهلة لذلك.

الحديث الثاني : ضعيف بسنده الأول مجهول بسنده الثاني.

« يباهل » بالياء على بناء المجهول ، أو بالتاء على بناء المخاطب المعلوم ، وحمل على أن المباهلة فيها أفضل لأنه وقت استجابة الدعاء ، وكان دعوة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهل نجران إلى المباهلة كانت في هذه الساعة.

الحديث الثالث : مرسل موقوف.

و « تلاعنه سبعين مرة » والظاهر كون العدد في مجلس واحد ، وقيل : يعني إن لم تقع الاستجابة في المرة الأولى ، لاعنه مرة ثانية وهكذا.

الحديث الرابع : صحيح.

١٨٨

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن عبد الحميد ، عن أبي جميلة ، عن بعض أصحابه قال إذا جحد الرجل الحق فإن أراد أن تلاعنه قل اللهم رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع ورب العرش العظيم إن كان فلان جحد الحق وكفر به فأنزل عليه حسبانا من السماء أو عذابا أليما.

(باب)

(ما يمجد به الرب تبارك وتعالى نفسه)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن صفوان بن يحيى ، عن إسحاق بن عمار

_________________________________________

الحديث الخامس : ضعيف موقوف.

و « جحد » إما على بناء المجهول ، والضمير المرفوع في أراد ، وفي يلاعنه راجعان إلى الرجل ، أو على بناء المعلوم ، والضميران راجعان إلى القائل بالحق بقرينة المقام ، قال الجوهري : الجحود الإنكار مع العلم يقال : جحده حقه وبحقه جحدا وجحودا.

باب ما يمجد به الرب تبارك وتعالى نفسه

الحديث الأول : مرسل.

« حين تكون الشمس » قيل : أي حين تكون الشمس من جانب المشرق إلى الصلاة الأولى ، وهي الظهر مقدارها حين تكون من جانب المغرب وقت العصر إلى الغروب ، وهو قريب من ثمن الدور ، ومثله في آخر الليل إلى طلوع الفجر فإنه قال أول ساعات الليل في الثلث الباقي ، أو أول الثلث الباقي ، ولو قال ذلك لكان المقدار قريبا من سدس الدور وهو أكثر من ثلاث ساعات انتهى ، وهو بعيد بل الظاهر أن أول ساعات النهار حين كان ارتفاع الشمس عن الأفق من جانب المشرق بقدر ارتفاعها من الأفق في وقت العصر في جانب المغرب ، وأول ساعات الليل من أول الثلث الثالث من الليلة الشرعية إلى آخرها وهو طلوع الفجر الثاني ، ولا بعد

١٨٩

عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن لله عز وجل ثلاث ساعات في الليل

_________________________________________

في كون الساعات الثلاث في الليل أطول من ساعات النهار ، لكون عبادة الليل وساعاته أشرف كما قال تعالى( إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً ) (١) أنا لا تسلم كون تلك الساعات أطول ، لأنها إنما تكون ثلثا بالنسبة إلى الليل الشرعي وهو أقصر من الليل النجومي بقريب من ساعتين فمع انضمامهما إلى الليل الشرعي يصير الثلث ربعا فتفطن.

ثم الظاهر أن قوله « من المشرق » من كلام الراوي وكذا « من المغرب » وأيضا ظاهر أن كلا من الفقرتين تحديد لتمام الثلث بأن يكون الثلث في كل منهما متوالية ، وكونه تحديدا للساعة الأولى فقط كما قيل بعيد جدا ويدل على أن ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس داخل في النهار ، وقد يقال : دلالة فيه على ذلك ، لأنه قال : في الثلث الباقي لأول الثلث الباقي فيمكن أن تكون تلك الساعات بين هذا الثلث ، ولا يخفى بعده.

وتفصيل القول في شرح الخبر : أنه قد يقسم مجموع الليل والنهار ، أربعا وعشرين ساعة متساوية وتسمى بالساعات المسوية ، وقد يقسم كل من الليل والنهار ، اثني عشرة ساعة متساوية في أي فصل كان ، وتسمى بالساعات المعوجة ، وكأنها المراد هنا ، وقد يطلق على مقدار قليل من الليل أو النهار ، اختص بحكم أو حالة ، كما ورد أن ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ساعة ، وأن بين العشاءين ساعة ، فليست هي من الساعات المسوية ، ولا المعوجة.

قال في المصباح :الساعة الوقت من ليل ، أو نهار ، والعرب تطلقها ، وتريد بها الوقت ، والحين وإن قل وعليه قوله تعالى «لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ »(٢) ومنه قولهعليه‌السلام من راح في الساعة الأولى الحديث ، ليس المراد الساعة التي ينقسم عليها النهار القسمة الزمانية ، بل المراد مطلق الوقت ، وهو السبق ، وإلا لاقتضى

__________________

(١) المزّمّل : ٦.

(٢) الأعراف : ٣٤.

١٩٠

وثلاث ساعات في النهار يمجد فيهن نفسه فأول ساعات النهار حين تكون الشمس هذا الجانب يعني من المشرق مقدارها من العصر يعني من المغرب إلى الصلاة الأولى وأول ساعات الليل في الثلث الباقي من الليل إلى أن ينفجر الصبح يقول إني أنا

_________________________________________

أن يستوي من جاء في أول الساعة الفلكية ومن جاء في آخرها لأنهما حضرا في ساعة واحدة وليس كذلك بل من جاء في أولها أفضل ممن جاء في آخرها انتهى.

وإنما خص هذين الوقتين ، لأنهما وقت غفلة أكثر الناس بالنوم ، والاستراحة ، والقيلولة فهم غافلون عن ذكر الله ، فالرب الذي لا يغفل ، ولا يكل ولا ينام ، ولا يموت يمجد نفسه في تلك الساعات ، بل يظهر مجده وعظمته وتفرده بالجلال ، والكبرياء في تلك الساعات ، بل يظهر مجده وعظمته وتفرده بالجلال ، والكبرياء في تلك الساعات ، وأنه لا يشبههم في تلك الحالات.

« يمجد فيهن » أي في كل واحدة منهن كما يدل عليه الخبر الآتي« فأول » الفاء للبيان ، ومرفوع بالابتداء و« حين » خبره ، و« هذا الجانب » مفعول فيه لتكون ، و« مقدارها » خبر تكون بتقدير على مقدار ارتفاعها ، وقيل« من » في ثلاثة مواضع بمعنى ـ في ـ وفي الرابعة للتبعيض ، والمرادبالمشرق النصف الأول من قوس النهار ، وبالمغرب النصف الآخر منه ، وقوله « إلى صلاة الأولى » ظرف مستقر ، وهو خبر مبتدإ محذوف يفهم من الكلام السابق لأن معنى أول ساعات النهار حين تكون بمعنى ساعات النهار من حين تكون الحر ، وعلى هذا القياس.

قوله « إلى أن ينفجر » كذا قيل ، ويمكن تقدير فعل أي تنتهي إلى صلاة الأولى أو تمتد إليها ، و « صلاة الأولى » صلاة الظهر لأنها أول صلاة فرضها الله كما ورد في الأخبار ، وقيل إن كانت الإضافة فيها من إضافة الموصوف إلى الصفة كما هو مذهب الكوفيين ، فهو باعتبار أنها أول صلاة وجبت على الأمة لسبق نزول( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ) (١) على نزول( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ ) (٢)

__________________

(١) الإسراء : ٧٨.

(٢) هود : ١١٤.

١٩١

الله رب العالمين إني أنا الله العلي العظيم إني أنا الله العزيز الحكيم إني أنا الله الغفور الرحيم إني أنا الله الرحمن الرحيم إني أنا الله مالك يوم الدين ،

_________________________________________

وإن كانت بتقدير صلاة الساعة الأولى ، كما هو مذهب البصريين ، فهو باعتبار أن أول خلق العالم كانت الشمس في نصف نهار وسط الدنيا ، كما روي عن الرضاعليه‌السلام .

فإن قيل : هذه الساعات تختلف باختلاف عروض البلاد ، فالمعتبر في ذلك أي عرض ، وأي بلد.

قلت : يحتمل أن يكون المعتبر قبة الأرض ، أو مكة ضاعف الله شرفها ، ولو حمل على أن المراد بالتمجيد ظهور تقدسه ، وجلاله لطريان أضداد تلك الصفات على العباد فلا يبعد كون التمجيد في كل بلد في هذا النوع من الأوقات فتدبر.

« إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ » الله ، أشهر أسمائه تعالى ، وأعلاها محلا في الذكر والدعاء ، ولذا ابتدأ به في القرآن المجيد ، وفي فقرات هذا التمجيد ، وهو اسم للذات الواجب بالذات المستحق لجميع المحامد ، والكمالات ، و « الرب » قيل هو مصدر بمعنى التربية وهي تبليغ كل شيء إلى كماله اللائق به شيئا فشيئا ، والوصف به للمبالغة كزيد عدل ، وقيل : صفة مشبهة من ربه يربه ثم سمي به المالك لأنه يحفظ ما يملكه ، ويربيه لينتقل من حد النقص إلى حد الكمال ، و « العالم » هو كل ما سوى الله تعالى من المجردات ، والجسمانيات ، وفيه دلالة على افتقار الممكن إلى المؤثر في البقاء.

« إني أنا الله العلي العظيم » العلي المتنزه عن صفات الممكن ، وقد يكون بمعنى العالي فوق خلقه بالغلبة ، والقدرة عليهم ، وبمعنى المتعالي عن الأشباه ، والأنداد و « العظيم » ذو العظمة ، وهو راجع إلى كمال الذات ، والصفات و« العزيز » الغالب الذي لا يغلب ، ولا يعادله شيء و« الحكيم » الذي يعلم الأشياء كما هي ، أو يحكم خلقها ويتقنها بلطف التدبير ، وحسن التقدير و« الغفور » كثير المغفرة للسيئات ، وعظيم التجاوز عن العقوبات و« الرحيم » شديد الرحمة بجميع عبادة ،

١٩٢

إني أنا الله لم أزل ولا أزال إني أنا الله خالق الخير والشر إني أنا الله خالق الجنة والنار إني أنا الله بديء كل شيء وإلي يعود إني أنا الله الواحد الصمد إني أنا الله عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ إني أنا الله الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ

_________________________________________

أو بالمؤمنين في الدنيا ، والآخرة و« الرحمن » ذو الرحمة الشاملة لجميع الخلق في الدنيا بإيصال الأرزاق ، وتيسر الأسباب ، ودفع البليات ، وقضاء الحاجات مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ الدين الجزاء أي مالك الأمور كلها ، والمتصرف فيها يوم الجزاء إذ لا مالك فيه غيره ، حذف المفعول به ، وأقيم الظرف مقامه ، وجعل مفعولا به على سبيل الاتساع والتجوز« لم أزل ولا أزال » إذ لا بداية لوجوده ولا نهاية له.

« خالق الخير والشر » أي مقدرهما ، أو خالق النور والظلمة ، أو خالق الحياة ، والموت ، أو خالق الغناء ، والفقر ، والصحة ، والسقم ، وغيرها من الصفات المتضادة« خالق الجنة ، والنار » قيل الظاهر أن الخالق من حيث هو مضاف صفة الله ، لا خبر بعد خبر ، وحينئذ وجب أن يكون بمعنى الماضي لتكون الإضافة معنوية مفيدة للتعريف لا بمعنى الحال ، أو الاستقبال فيفهم منه أن الجنة والنار مخلوقتان وهذا يجري في سائر الإضافات الواقعة في هذا التمجيد« بدئ كل شيء » البديء كالبديع الأول كالبدء ، والله سبحانه أول كل شيء بالعلية ، وعليه عوده بعد الفناء وبالحاجة في حال البقاء و« الغيب والشهادة » قيل هما الآخرة والدنيا ، وما غاب عن الحس وما حضر ، أو السر ، والعلانية ، أو عالم المجردات ، وعالم الجسمانيات و «الْمَلِكُ » هو المتصرف بالأمر والنهي في المأمورين.

وفي النهاية في أسماء الله تعالى : الْقُدُّوسُ ـ هو الطاهر المنزه عن العيوب والنقائص ، وفعول من أبنية المبالغة ، وقد تفتح القاف ، وليس بالكثير ، ولم يجيء منه إلا قدوس وسبوح وذروح ، وفي القاموس : هو الطاهر ، أو المبارك.

و « السَّلامُ » في الأصل مصدر ، ووصفه تعالى به للمبالغة ، ومعناه السلامة عما يلحق الخلق من العيب والفناء ، والحاجة ، والعناء وقيل : للجنة دار السلام

١٩٣

الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ، إني أنا الله الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ، لي الأسماء الحسنى إني

_________________________________________

لأن أهلها سالمون من الآفات ، أو لأنها داره عز وجل ، ومن أسمائه « الْمُؤْمِنُ » لأنه الذي يصدق عباده وعده فهو من الإيمان التصديق ، أو يؤمنهم في القيامة عذابه فهو من الأمان ، والأمن ضد الخوف ، ومن أسمائه « الْمُهَيْمِنُ » قيل : هو الرقيب الحافظ لكل شيء ، وقيل : هو الشاهد علي الخلق ، وقيل : المؤتمن ، وقيل : القائم بأمور الخلق ، وتدبيرهم ، وقيل : أصله مؤيمن أبدلت الهاء من الهمزة ، وهو يفعل من الأمانة ، والْعَزِيزُ المنيع الذي لا يغلب ، أو لا يعادله شيء ، أو لا مثل له ، ولا نظير ، والْجَبَّارُ من أبنية المبالغة ، ومعناه الذي يقهر العباد على ما أراد من أمر ونهي ، وغيرهما من الأمور التي ليس لهم فيها اختيار ، ولا قدرة على تغييرها ، وقيل : هو العالي فوق خلقه ، وقيل : هو الذي يجبر مفاقر الخلق ، وكسرهم ، ويكفيهم أسباب الرزق ، ويصلح أحوالهم ، والْمُتَكَبِّرُ العظيم من الكبر بالكسر ، وهو العظمة وهي عبارة عن كمال الذات ، والصفات ، وقيل : هو المتعالي عن صفات الخلق ، وقيل : المتكبر على عتاة خلقه.

« الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ » قال الشيخ البهائي ره : قد يظن أن الثلاثة مترادفة لأنها بمعنى الإيجاد والإنشاء فذكرها للتأكيد ، وليس كذلك بل هي أمور متخالفة ألا ترى أن البنيان يحتاج إلى تقدير في الطول ، والعرض ، وإلى إيجاد بوضع الأحجار والأخشاب على نهج خاص ، وإلى تزيين ، ونقش وتصوير فهذه أمور ثلاثة مترتبة يصدر عنه جل شأنه في إيجاد الخلائق من كتم العدم ، فله سبحانه باعتبار كل منها اسم على ذلك الترتيب.

« لي الأسماء الحسنى » هي التي لا نقص فيها ، ولا في مفهومها ، أو مترتب عليها الآثار الحسنة ، وفي العدة :الكبير السيد يقال لكبير القوم سيدهم ، وفي النهاية : في أسماء الله تعالى المتكبر ، والكبير أي العظيم ذو الكبرياء ، وقيل :المتعالي عن صفات الخلق ، وقيل : المتكبر على عتاة خلقه ، والتاء فيه للتفرد ،

١٩٤

أنا الله الكبير المتعال قال ثم قال أبو عبد اللهعليه‌السلام من عنده والكبرياء رداؤه فمن نازعه شيئا من ذلك أكبه الله في النار ثم قال ما من عبد مؤمن يدعو بهن

_________________________________________

والتخصص لا تاء التعاطي والتكلف ، والكبرياء العظمة ، والملك ، وقيل : هي عبارة عن كمال الذات ، وكمال الوجود ، ولا يوصف بها إلا الله تعالى ، وقد تكرر ذكرهما في الحديث ، وهما من الكبر بالكسر وهو العظمة ، ويقال : كبر بالضم يكبر أي عظم فهو كبير.قوله « من عنده » الضمير راجع إلى الصادقعليه‌السلام أي ليس هذا من تتمة الدعاء ، وقال في النهاية في الحديث : « قال الله تبارك وتعالى : العظمة إزاري ،والكبرياء ردائي » ضرب الإزار والرداء مثلا في انفراده بصفة العظمة ، والكبرياء أي ليستا كسائر الصفات التي قد يتصف بها الخلق مجازا كالرحمة ، والكرم ، وغيرهما ، وشبههما بالإزار ، والرداء لأن المتصف بهما يشملانه كما يشمل الرداء الإنسان ، ولأنه لا يشاركه في إزاره ، وردائه أحد فكذلك الله لا ينبغي أن يشركه فيهما أحد ، ومثله الحديث الآخر « تأزر بالعظمة وتردى بالكبرياء وتسر بل بالعزة ».

قوله عليه‌السلام « أكبه الله » كذا في النسخ ، والمشهور أن كب متعد وأكب لازم على خلاف القياس المطرد ، قال في المصباح : كببت الإناء كبا من باب قتل قلبته على رأسه ، وكببت زيدا كبا أيضا ألقيته على وجهه وأكب هو بالألف ، وهو من النوادر التي تعدى ثلاثيها وتقصر رباعيها ، وفي التنزيل «فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي (١) النَّارِ » «أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ »(٢) وأكب على كذا بالألف لازمه لكن قال في القاموس كبه قلبه ، وصرعه كأكبه ، وكبكبه فأكب وهو لازم متعد و« قلبه » مرفوع ، وهو فاعل مقبلا ، وقضى على بناء المفعول وشقي يشقي شقاء

__________________

(١) النمل : ٩٠.

(٢) الملك : ٢٢.

١٩٥

مقبلا قلبه إلى الله عز وجل إلا قضى حاجته ولو كان شقيا رجوت أن يحول سعيدا.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن عبد الله بن بكير ، عن عبد الله بن أعين ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن الله تبارك وتعالى يمجد نفسه في كل يوم وليلة ثلاث مرات فمن مجد الله بما مجد به نفسه ثم كان في حال شقوة حوله الله عز وجل إلى سعادة يقول أنت الله لا إله إلا أنت رب العالمين أنت الله لا إله إلا أنت الرحمن الرحيم أنت الله لا إله إلا أنت العزيز العلي الكبير أنت الله لا إله إلا أنت مالك يوم الدين أنت الله لا إله إلا أنت الغفور الرحيم أنت الله لا إله إلا أنت العزيز الحكيم أنت الله لا إله إلا أنت منك بدأ الخلق وإليك يعود أنت الله الذي لا إله إلا أنت لم تزل ولا تزال أنت الله الذي لا إله إلا أنت خالق الخير والشر أنت الله لا إله إلا أنت خالق الجنة والنار أنت الله لا إله إلا أنت أحد صمد «لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ » أنت الله لا إله إلا أنت الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

_________________________________________

ضد سعد ، والشقوة بالكسر ، والشقاوة بالفتح الاسم منه ، والسعادة حسن العاقبة والشقاوة سوء العاقبة إما في الدنيا أو في الآخرة ، والمراد هنا في الآخرة ، وقد ينسبان إلى العمل ، والحالة كما في الخبر الآتي.

الحديث الثاني : حسن موثق ، وفي ثواب الأعمال ، عن زرارة بن أعين ، وفيه مكان« العزيز الكبير » العلي الكبير ، وفيه « لم تلد ولم تولد ولم يكن لك كفوا أحد » ، وفي أخره « أنت الله الخالق البارئ المصور ، لك الأسماء الحسنى يسبح لك ما في السماوات ، والأرض ، وأنت العزيز الحكيم ».

قوله عليه‌السلام : « منك بدأ الخلق » مهموزا على صيغة فعل الماضي أي ابتداء

١٩٦

ـ إلى آخر السورة ـ أنت الله لا إله إلا أنت الكبير والكبرياء رداءك.

(باب)

(من قال لا إله إلا الله)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن علي ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول ما من شيء أعظم ثوابا من شهادة أن لا إله إلا الله إن الله عز وجل لا يعدله شيء ولا يشركه في الأمور أحد.

٢ ـ عنه ، عن الفضيل بن عبد الوهاب ، عن إسحاق بن عبيد الله ، عن عبيد الله بن الوليد الوصافي رفعه قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من قال لا إله إلا الله

_________________________________________

خلقهم ، أو على صيغة المصدر ، وقد يقرأ غير مهموز أي ظهر الخلق.

باب من قال لا إله إلا الله

الحديث الأول : ضعيف على مشهور.

« إن الله لا يعدله شيء » كأنه تعليل لما مضى فإنه إذا لم يعدل الله شيء ، لا يعدل ما يتعلق بألوهيته ووحدانيته شيء ، وهذا الذكر أعظم ما يتعلق به من الأذكار إذ تدل على اتصافه بجميع الصفات الكمالية ، وعلى نفي الشريك ، والأنداد عنه ، وعلى احتياج كل موجود سواه إليه ، ولذا صارت من بين جميعها سببا للدخول في الإسلام ، وتوقف عليها صحة سائر العبادات ويحتمل أن يكون بيانا لكيفية التهليل الذي ليس شيء أعظم ثوابا منه بأن يكون المقصود منه هذا المعنى الذي هو التوحيد الكامل ، وعلى هذا الوجه يمكن أن يقرءان بالفتح عطف بيان لقوله : « إن لا إله إلا الله » وفي توحيد الصدوق ، وثواب الأعمال لأن الله فهو يؤيد الأول « لا يعدله شيء » أي في كمال الذات ، والصفات« ولا يشركه في الأمور أحد » في صفات الأعمال له الحكم ، والأمر ، وفي ثواب الأعمال في الأمر.

الحديث الثاني : مجهول مرفوع.

١٩٧

غرست له شجرة في الجنة من ياقوتة حمراء منبتها في مسك أبيض أحلى من العسل وأشد بياضا من الثلج وأطيب ريحا من المسك فيها أمثال ثدي الأبكار تعلو عن سبعين حلة.

_________________________________________

« من ياقوتة » من ابتدائية وقيل بيانية أي من ياقوتة واحدة« منبتها » وصف لأرض الجنة في طيبها ، وريحها« أحلى من العسل » أي ثمرتها أحلى ، أو وصف للشجرة باعتبار ثمرتها فالإسناد مجازي ، وقد يقرأ منبتها بضم الميم وفتح الباء أي الثمرة التي تنسب منها« أمثال ثدي الأبكار » قد يقرأ ثدي كحلي بضم الثاء ، وكسر الدال ، وتشديد الياء جمع الثدي ، وفي ثواب الأعمال فيها ثمار أمثال أثداء الأبكار وفي القاموس : الثدي ويكسر خاص بالمرأة أو عام ، ويؤنث ، والجمع أثد ، وثدي كحلي« تعلو » أي ترتفع منفصلا ، أو منفتحا أو كاشفا أو علوا ناشياعن سبعين حلة والحاصل أن في جوف هذه الثمرة سبعون حلة يلبسها أهل الجنة وهذا نوع آخر من ثمرها غير ما مر.

وقيل المراد أن ثمرتها شبيهة بثدي بكر تكون تحت سبعين حجابا تحفظها عن الغبار والكثافة ، ونظر الأجانب مبالغة في صفاء تلك الثمرة ، وطراوتها ، وفي نسخ ثواب الأعمال تفلق بالفاء ثم القاف أي تشق ، وهو أظهر ، ولا استبعاد في كون الحلة أيضا من ثمرات الجنة ، ويؤيده ما رواه الصدوق ره في المجالس بإسناده عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال إن في الجنة شجرة يخرج من أعلاها الحلل ، ومن أسفلها خيل بلق مسرجة ملحمة ذوات أجنحة لا تروث ، ولا تبول ، إلى آخر الخبر.

وروى البرقي في المحاسن ، بإسناده عن الباقر ، والصادقعليه‌السلام قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والذي نفس محمد بيده أن في الجنة لشجرا يتصفق بالتسبيح بصوت لم يسمع الأولون ، والآخرون بمثله يثمر ثمرا كالرمان تلقى الثمرة إلى الرجل فيشقها عن سبعين حلة الخبر ، والتشبيهان متقاربان ، فإن الرمان شبيه بالثدي ، وهو مؤيد لنسخة ثواب الأعمال.

١٩٨

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خير العبادة قول لا إله إلا الله.

وقال خير العبادة الاستغفار وذلك قول الله عز وجل في كتابه : «فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ».

_________________________________________

وروى السيد بن طاوس ، في كشف اليقين بإسناده إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما أدخلت الجنة رأيت الشجرة تحمل الحلي ، والحلل أسفلها خيل بلق ، وأوسطها الحور العين ، وفي أعلاها الرضوان ، قلت يا جبرئيل لمن هذه الشجرة ، قال : هذه لابن عمك أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام إذا أمر الله الخليقة بالدخول إلى الجنة ، يؤتى بشيعة علي حتى ينتهي بهم إلى هذه الشجرة فيلبسون الحلي ، والحلل ، ويركبون الخيل البلق ، وينادي مناد هؤلاء شيعة علي صبروا في الدنيا على الأذى فحبوا هذا اليوم ، ومثله كثير ، وفي القاموس : الحلة بالضم إزار ورداء برداء ، وغيره ، ولا يكون حلة إلا من ثوبين أو ثوب له بطانة ، وقد مر شرح آخر الخبر في باب الاستغفار.

وقيل : يحتمل أن يكون المراد أن مجموع التوحيد ، والاستغفار من حيث المجموع خير العبادة.

لكن فيه شيء ، لأنك قد عرفت أن التوحيد وحده خير العبادة فما الفائدة في ضم الاستغفار معه ، والحكم على المجموع بالخيرية.

ويمكن الجواب : بأن الخيرية تقبل التشكيك فهذا الفرد منها أكمل من السابق.

ويحتمل أن يكون المراد أن كل واحد منهما خير العبادة ، أما الأول : فلما عرفت ، وأما الثاني : فلأن الاستغفار في نفسه عبادة ، لكونه غاية الخشوع والتذلل ، والرجعة إليه سبحانه ، ومع ذلك سبب لمحو الذنوب الصغيرة ، والكبيرة جميعا الذي يوجب طهارة النفس ، وحصول القرب إليه سبحانه لأن المعصية مانعة منه ، وأما غيره من العبادات وإن كان مكفرا للذنوب ، لكن ليس بهذه المثابة.

١٩٩

(باب)

(من قال لا إله إلا الله والله أكبر)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى رفعه ، عن حريز ، عن يعقوب القمي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ثمن الجنة لا إله إلا الله والله أكبر.

_________________________________________

باب من قال لا إله إلا الله والله أكبر

الحديث الأول : مرفوع.

« الله أكبر » أي من كل شيء أو من أن يوصف ، والبائع هو الله سبحانه ، والمشتري هو العبد ، والثمن هذه الكلمة الشريفة مع شرائطها ، ومنها الإقرار بالرسالة والولاية لأهلهما ، قال في النهاية : في حديث الأذان الله أكبر معناه الكبير فوضع أفعل موضوع فعيل ، وقيل : معناه الله أكبر من كل شيء ، أي أعظم فحذفت من لوضوح معناها ، وأكبر خبر ، والإخبار لا ينكر حذفها ، وقيل معناه الله أكبر من أن يعرف كنه كبريائه ، وعظمته ، وإنما قدر له ذلك وأول ، لأن أفعل فعلى يلزمه الألف واللام ، أو الإضافة كالأكبر وأكبر القوم انتهى ، وأقول : قد مر معناه في كتاب التوحيد.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

محفوظاً على الجمع والتأليف، صنف التاريخ الكبير لدمشق في ثمانين مجلدات أتى فيه بالعجائب وهو على نسق تاريخ بغداد قال بعض أهل العلم بالحديث والتواريخ: ساد أهل زمانه في الحديث ورجاله وبلغ فيه الذروة العليا، ومن تصفح تاريخه علم منزلة الرجل في الحفظ.

قلت: بل من تأمل تصانيفه من حيث الجملة علم مكانه في الحفظ والضبط للعلم، والاطلاع وجودة الفهم، والبلاغة والتحقيق والاتساع في العلوم، وفضائل تحتها من المناقب والمحاسن كلّ طائل

وكان ابن عساكر المذكور -رضي‌الله‌عنه - حسن السيرة والسريرة، قال الحافظ الرئيس أبو المواهب: لم أر مثله ولا من اجتمع فيه ما اجتمع فيه من لزوم طريقة واحدة منذ أربعين سنة ذكره الامام الحافظ ابن النجار في تاريخه فقال: إمام المحدّثين في وقته ومن انتهت إليه الرئاسة في الحفظ والاتقان والمعرفة التامة والثقة به، وبه ختم هذا الشأن وقال الحافظ عبد القاهر الرهاوي: رأيت الحافظ السلفي والحافظ أبا العلاء الهمداني والحافظ أبا موسى الهمداني فما رأيت فيهم مثل ابن عساكر »(١) .

٦ - الأسنوي: « ومنهم الحافظ أبو القاسم علي أخو الصائن المتقدم ذكره، إمام الشافعية، صاحب تاريخ دمشق في ثمانين مجلدة وغير ذلك من المصنفات كانرحمه‌الله ديّناً خيّراً حسن السمت مواظباً على الاعتكاف »(٢) .

٧ - ابن قاضي شهبة: « علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين، الحافظ الكبير، ثقة الدين، أبو القاسم ابن عساكر، فخر الشافعية، وإمام أهل الحديث في زمانه وحامل لوائهم، صاحب تاريخ دمشق وغير ذلك من المصنفات المفيدة المشهورة، مولده في مستهل سنة تسع وتسعين وأربعمائة، ورحل إلى بلاد

____________________

(١). مرآة الجنان حوادث ٥٧١.

(٢). طبقات الشافعية ٢ / ٢١٦.

٢٢١

كثيرة، وسمع الكثير من نحو ألف وثلاثمائة شيخ وثمانين امرأة، تفقه بدمشق وبغداد، وكان ديّناً خيّراً »(١) .

(١٠)

الفخر الرازي

وذكر فخر الدين محمّد بن عمر الرازي نزول آية التبليغ في واقعة يوم غدير خم في ( تفسيره )، في بيان الأقوال المذكورة في سبب تلك الآية، حيث قال:

« العاشر - نزلت هذه الآية في فضل عليرضي‌الله‌عنه ، ولمـّا نزلت هذه الآية أخذ بيده وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، فلقيه عمررضي‌الله‌عنه فقال: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. وهو قول ابن عباس والبراء بن عازب ومحمّد بن علي »(٢) .

أقول: إن العبرة بذكر الرازي لهذا القول في ضمن الأقوال المزعومة الأخرى، وقد عرفت أنه ينسب هذا القول إلى ابن عباس والبراء بن عازب وسيدنا الإمام محمّد بن علي الباقرعليه‌السلام ، فلا عبرة إذن بكلامه هو حول هذا الموضوع، فإنه كلام لا موجب له إلّا المكابرة والعناد، ويكفي في سقوطه أنه ردّ على الامام المعصوم أبي جعفر الباقرعليه‌السلام .

ولو قيل: إن المتعصبين من أهل السنة لا يعتقدون بعصمة الأئمة الطاهرين، بل إنّ بعضهم كابن الجوزي في ( الموضوعات ) والسيوطي في ( اللئالي المصنوعة ) وابن العرّاق في ( تنزيه الشريعة ) يجرحون فيهم والعياذ بالله.

____________________

(١). طبقات الشافعية ١ / ٣٤٥.

(٢). تفسير الرازي ١٢ / ٤٩.

٢٢٢

قلنا: فما يقولون في حق صحابةٍ يقولون بعدالتهم كابن عباس والبراء بن عازب، وكأبي سعيد الخدري القائل بهذا القول - كما في تفسير النيسابوري، وسنذكر عبارته - وعبد الله بن مسعود كما ستعلم فيما بعد؟

فالحاصل: إن الرازي يعترف بأن القول بنزول الآية في فضل أمير المؤمنينعليه‌السلام يوم الغدير هو قول ابن عباس والبراء والامام الباقر، وإنْ كان لا يرتضي هذا القول ولا يعتمد عليه تعصباً وعناداً.

ترجمة الرازي

وقد بالغ بعض علماء أهل السنة في الثناء على هذا المتعصب العنيد:

١ - فقد ترجم لهابن خلكان بقوله: « أبو عبد الله محمّد بن عمر بن الحسين ابن الحسن بن علي، التيمي، البكري، الطبرستاني [ الأصل ] الرازي المولد، الملقب فخر الدين، المعروف بابن الخطيب، الفقيه الشافعي. فريد عصره ونسيج وحده، فاق أهل زمانه في علم الكلام والمعقولات وعلم الأوائل، له التصانيف المفيدة في فنون عديدة، منها تفسير القرآن الكريم، جمع فيه كل غريب وغريبة، وهو كبير جدّاً لكنه لم يكمله وكل كتبه ممتعة.

وانتشرت تصانيفه في البلاد ورزق فيها سعادة عظيمة، فإن النّاس اشتغلوا بها ورفضوا كتب المتقدمين، وهو أول من اخترع هذا الترتيب في كتبه، وأتى فيها بما لم يسبق إليه، وكان له في الوعظ اليد البيضاء، ويعظ باللسانين العربي والعجمي، وكان يلحقه الوجد في حال الوعظ ويكثر البكاء، وكان يحضر مجلسه بمدينة هراة أرباب المذاهب والمقالات، ويسالونه وهو يجيب كل سائل بأحسن إجابة، ورجع بسببه خلق كثير من الطائفة الكرامية وغيرهم إلى مذهب أهل السنة، وكان يلقب بهراة شيخ الإسلام وكان العلماء يقصدونه من البلاد وتشدّ إليه الرحال من الأقطار »(١) .

____________________

(١). وفيات الأعيان ٣ / ٣٨١ - ٣٨٥.

٢٢٣

٢ - ابن الوردي: « الامام فخر الدين الفقيه الشافعي، صاحب التصانيف المشهورة، ومولده سنة ٥٤٣ ومع فضائله كانت له اليد الطولى في الوعظ بالعربي والعجمي، ويلحقه فيه وجد وبكاء، وكان أوحد الناس في المعقولات والأصول، قصد الكمال السمناني، ثم عاد إلى الري إلى المجد الجيلي، واشتغل عليهما، وسافر إلى خوارزم وما وراء النهر، وجرت الفتنة التي ذكرت، واتّصل بشهاب الدين الغوري صاحب غزنة وحصل له منه مال طائل، ثم حظي في خراسان عند السلطان خوارزم شاه بن تكش، وشدّت إليه الرّحال، وقصده ابن عنين ومدحه بقصائد »(١) .

٣ - اليافعي: « وفيها الامام الكبير، العلّامة النحرير، الأصولي المتكلّم المناظر المفسر، صاحب التصانيف المشهورة في الآفاق، الحظّية في سوق الإِفادة بالنفاق، فخر الدين الرازي الملقب بالإمام عند علماء الأصول، المقرر لشبه مذاهب فرق المخالفين، والمبطل بها بإقامة البراهين، الطبرستاني الأصل، الرازي المولد، المعروف بابن الخطيب، الشافعي المذهب، فريد عصره ونسيج دهره، الذي قال فيه بعض العلماء: خصّه الله برأي هو للغيب طليعة، فيرى الحق بعين دونها حدّ الطبيعة، ومدحه الامام سراج الدين يوسف ابن أبي بكر بن محمد السكاكي الخوارزمي

فاق أهل زمانه في الأصلين والمعقولات وعلوم الأوائل، صنّف التصانيف المفيدة في فنون عديدة وكان صاحب وقار وحشمة ومماليك، وثروة وبزة حسنة وهيئة جميلة، إذا ركب ركب معه نحو ثلاثمائة مشتغل على اختلاف مطالبهم، في التفسير والفقه والكلام والأصول والطب وغير ذلك »(٢) .

٤ - محمّد الحافظ خواجة بارسا: « قال الامام النحرير، المناظر المتكلّم

____________________

(١). تتمة المختصر حوادث سنة ٦٠٦.

(٢). مرآة الجنان حوادث سنة ٦٠٦.

٢٢٤

المفسر، صاحب التصانيف المشهورة، فخر الملة والدين الرازي في التفسير الكبير في قوله سبحانه:( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) فيه لطيفة وهو: إن الرجس قد يزول عنّا ولا يطهر المحلّ، فقوله سبحانه: ليذهب عنكم الرجس أي يزيل عنكم الذنوب، وقوله سبحانه: ويطهّركم تطهيرا أي يلبسكم خلع الكرامة تطهيرا، لا يكون بعده تلوّث »(١) .

٥ - ابن قاضي شهبة: « محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن بن علي، العلامة سلطان المتكلّمين في زمانه المفسر المتكلم، إمام وقته في العلوم العقلية، وأحد الأئمة في العلوم الشرعية، صاحب المصنفات المشهورة والفضائل الغزيرة المذكورة، ولد في رمضان سنة ٥٤٤، وقيل سنة ثلاث، اشتغل أوّلا على والده ضياء الدين عمر، وهو من تلامذة البغوي، ثم على الكمال السمناني وعلى المجد الجيلي صاحب محمّد بن يحيى، وأتقن علوما كثيرة وبرز فيها وتقدّم وساد، وقصده الطلبة من سائر البلاد، وصنف في فنون كثيرة »(٢)

(١١)

رواية محمد بن طلحة

وروى أبو سالم محمد بن طلحة بن محمد القرشي النصيبي نزول آية التبليغ في واقعة يوم الغدير حيث قال: « زيادة تقرير - نقل الامام أبو الحسن الواحدي في كتابه المسمّى بأسباب النزول يرفعه بسنده إلى أبي سعيد الخدريرضي‌الله‌عنه قال: أنزلت هذه الآية:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) يوم غدير

____________________

(١). فصل الخطاب - مخطوط.

(٢). طبقات الشافعية ١ / ٣٩٦.

٢٢٥

خم في علي بن أبي طالب »(١) .

ترجمة محمّد بن طلحة

وقد ترجم لمحمّد بن طلحة مشاهير علمائهم، واصفين إيّاه بالمحامد الجميلة والفضائل العظيمة، وسنذكر ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى، ونكتفي هنا بما ذكره اليافعي في حقّه حيث قال: « الكمال محمّد بن طلحة النصيبي الشافعي. وكان رئيساً محتشماً بارعاً في الفقه والخلاف، ولّي الوزارة مرة ثم زهد وجمع نفسه، توفي بحلب في شهر رجب وقد جاوز التسعين، وله دائرة الحروف ...»(٢) .

(١٢)

رواية الرسعني

وروى عبد الرزاق بن رزق الله الرسعني نزول الآية الكريمة في يوم الغدير، قال محمّد بن معتمد خان البدخشاني: « أخرج عبد الرزاق الرسعني عن ابن عباسرضي‌الله‌عنه قال: لما نزلت هذه الآية:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) أخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد علي فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه »(٣) .

____________________

(١). مطالب السئول في مناقب آل الرسول: ٤٤.

(٢). مرآة الجنان حوادث سنة ٦٥٢.

(٣). مفتاح النجا في مناقب آل العبا - مخطوط.

٢٢٦

ترجمة الرسعني

١ - الذهبي: « الرسعني العلّامة عز الدين عبد الرزاق بن رزق الله بن أبي بكر، المحدّث المفسّر الحنبلي. ولد سنة تسع وثمانين، وسمع بدمشق من الكندي وببغداد من ابن منينا، وصنف تفسيراً جيّداً، وكان شيخ الجزيرة في زمانه علماً وفضلاً وجلالة. توفي في ثاني عشر ربيع الآخر »(١) .

٢ - الذهبي أيضاً: « الرسعني الامام المحدّث الرحّال، الحافظ المفسّر، عالم الجزيرة عني بهذا العلم، وجمع وصنف تفسيراً حسناً، رأيته يروي فيه بأسانيده، وصنّف كتاب مقتل الشهيد الحسين، وكان إماماً متقناً ذا فنون وأدب، روى عنه ولده العدل شمس الدين، والدمياطي في معجمه، وغير واحد، وبالاجازة أبو المعالي الأبرقوهي.

كانت له حرمة وافرة عند الملك بدر الدين صاحب الموصل وله شعر رائق، ولّي مشيخة دار الحديث بالموصل. كان من أوعية العلم والخير، توفي سنة ٦٦١ »(٢) .

٣ - ابن الجزري: « عبد الرزاق بن رزق الله أبو محمّد الرسعني، الامام العلّامة، المحدّث المقرئ، شيخ ديار بكر والجزيرة »(٣) .

٤ - السيوطي: « الرسعني الامام المحدّث الرحّال، الحافظ المفيد، عالم الجزيرة، عز الدين أبو محمّد عبد الرزاق بن رزق الله بن أبي بكر بن خلف الجزري، ولد برأس عين سنة ٥٨٩، وسمع الكندي وعدّة، وعني بهذا الشأن وصنف تفسيراً، وكان إماماً متقناً ذا فنون وأدب، أجاز للدمياطي والأبرقوهي،

____________________

(١). العبر حوادث ٦٦١.

(٢). تذكرة الحفاظ ٤ / ١٤٥٢.

(٣). طبقات القراء ١ / ٣٨٤.

٢٢٧

ولّي مشيخة دار الحديث بالموصل. مات سنة ٦٦١ »(١) .

٥ - وذكر الكاتب الجلبي تفسير الرسعني في مواضع من كتابه، ففي باب التاء: « تفسير عبد الرزاق بن رزق الله الحنبلي الرسعني، المسمى بمطالع أنوار التنزيل. يأتي. قلت: تفسير عبد الرزاق المذكور اسمه رموز الكنوز. قال محمد المالكي الداودي صاحب طبقات المفسرين بعد نقل هذا التفسير واسمه: وفيه فوائد حسنة، ويروى فيه الأحاديث بأسانيده »(٢) .

وقال في باب الراء: « رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز، للشيخ الامام عز الدين عبد الرزاق الرسعني الحنبلي المتوفى سنة ٦٦٠ »(٣) .

وقال في باب الميم: « مطالع أنوار التنزيل ومفاتيح أسرار التأويل لعبد الرزاق بن رزق الله وهو تفسير كبير حسن، انتفاه السيوطي، وكتب في آخره إجازة سماعه في مجالس آخرها ثاني ذي القعدة سنة ٦٥٩ بدار الحديث المهاجرية بالموصل »(٤) .

(١٣)

رواية النيسابوري

وأما رواية نظام الدين حسن بن محمّد بن حسين القمي النيسابوري نزول آية التبليغ المباركة في واقعة يوم غدير خم، فهي في تفسيره بعد تفسير قوله تعالى

____________________

(١). طبقات الحفاظ: ٥٠٥.

(٢). كشف الظنون ١ / ٤٥٢.

(٣). المصدر ١ / ٩١٣.

(٤). المصدر ٢ / ١٧١٥.

٢٢٨

( وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ ) إذ قال:

« ثم أمر رسوله بأنْ لا ينظر إلى قلّة المقتصدين وكثرة المعاندين، ولا يتخوف مكرهم [ مكروههم ] فقال.( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ) عن أبي سعيد الخدري إن هذه الآية نزلت في فضل علي بن أبي طالب [ رضي ‌الله‌ عنه وكرّم الله وجهه ] يوم غدير خم، فأخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيده وقال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، فلقيه عمر وقال: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة.وهو قول ابن عباس والبراء ابن عازب ومحمّد بن علي.

وروى أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نام في بعض أسفاره تحت شجرة وعلّق سيفه عليها، فأتاه أعرابي وهو نائم، فأخذ سيفه واخترطه وقال: يا محمّد من يمنعك مني؟ فقال: الله. فرعدت يد الأعرابي وسقط السيف من يده، وضرب برأسه الشجر [ ة ] حتى انتثر دماغه ونزل( وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) .

وقيل: لما نزلت آية التخيير:( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ ) فلم يعرضها عليهن خوفاً من اختيارهن الدنيا نزلت( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ) .

وقيل: نزلت في أمر زيد وزينب بنت جحش.

وقيل: لمـّا نزل:( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ) سكت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن عيب آلهتهم فنزلت، أي: بلّغ معايب آلهتهم ولا تخفها.

وقيل: إنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمـّا بيّن الشرائع والمناسك في حجة الوداع قال: هل بلغت؟ قالوا: نعم. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهم اشهد. فنزلت.

وقيل: نزلت في قصة الرجم والقصاص المذكورتين.

وقال الحسن: إن نبي الله قال: لمـّا بعثني الله برسالته ضقت بها ذرعاً، وتخوّفت أن من الناس من يكذّبني، واليهود والنصارى يخوّفونني، فنزلت الآية. فزال الخوف.

٢٢٩

وقالت عائشة: سهر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات ليلة فقلت: يا رسول الله ما شأنك؟ قال: ألا رجل صالح يحرسني الليلة؟! قالت: فبينا نحن في ذلك إذ سمعت صوت السلاح، فقال من هذا؟ قال: سعيد وحذيفة جئنا نحرسك. فنام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى سمعت غطيطه، فنزلت هذه الآية، فأخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأسه من قبة أدم فقال: انصرفوا أيّها الناس، فقد عصمني الله.

وعن ابن عباس: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحرس، فكان يرسل معه أبو طالب كلّ يوم رجالا من بني هاشم يحرسونه، حتى نزلت هذه الآية، فأراد عمّه أن يرسل معه من يحرسونه فقال: يا عمّاه إن الله تعالى قد عصمني من الجنّ والإِنس »(١) .

أقول: نلمس من هذه العبارة أن النيسابوري يرى أن سبب نزول الآية هو واقعة يوم الغدير، وأن القول بنزولها في فضل أمير المؤمنينعليه‌السلام هو الصحيح من بين الأقوال، ولذا قدّم هذا القول على سائر الأقوال، مع عزوه إلى جماعة من الصحابة والامام الباقرعليه‌السلام ، ونسب أكثر الأقوال الأخرى إلى القيل.

ويشهد بكون ذكر هذا القول مقدّماً على غيره قرينة على اختيار النيسابوري له: أن رشيد الدين الدهلوي نقل عن النسفي كلاماً في موضوع، ثم نسب إليه إختيار الأول منهما، لذكره إياه مقدّما على القول الآخر، وهذا كلام رشيد الدين في ( ايضاح لطافة المقال ):

« وقال العلامة أبو البركات عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي صاحب كنز الدقائق، في آخر كتاب الاعتماد في الاعتقاد: ثم قيل: لا يفضّل أحد بعد الصحابة إلّا بالعلم والتقوى، وقيل: فضل أولادهم على ترتيب فضل آبائهم،

____________________

(١). تفسير النيسابوري ٦ / ١٢٩ - ١٣٠.

٢٣٠

إلّا أولاد فاطمةعليهما‌السلام ، فإنهم يفضَّلون على أولاد أبي بكر وعمر وعثمان، لقربهم من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنهم العترة الطاهرة والذريّة الطيّبة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

وتفيد هذه العبارة - من جهة تقديم ذكر القول المختار للشيخ عبد الحق - أن هذا القول هو الأرجح عند صاحب كتاب الاعتماد، كما لا يخفى على العلماء الأمجاد ».

الاعتماد على النيسابوري وتفسيره

وذكر الكاتب الجلبي تفسير النيسابوري بقوله: « غرائب القرآن ورغائب الفرقان في التفسير، للعلامة نظام الدين حسن بن محمّد بن حسين القمي النيسابوري، المعروف بالنظام الأعرج...»(١) .

وعدّه المولوي حسام الدين السهارنبوري ضمن مصادر كتابه ( مرافض الروافض ) في عداد تفسير البيضاوي ومعالم التنزيل والمدارك والكشاف وجامع البيان، واصفاً إياها بالكتب المعتبرة.

وقد اعتمد القوم على كلمات النيسابوري واستندوا إليها في مقابلة أهل الحق والرد على استدلالاتهم، من ذلك استناد ( الدهلوي ) إلى ما اختاره النيسابوري في الجواب عن مطعن عزل أبي بكر عن إبلاغ سورة البراءة(٢) .

ومن ذلك استشهاد المولوي حيدر علي الفيض آبادي في ( منتهى الكلام )، في كلامه حول حديث ارتداد الاصحاب بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذبّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إيّاهم عن الحوض.

____________________

(١). كشف الظنون ٢ / ١١٩٥.

(٢). التحفة. باب المطاعن: ٢٧٢.

٢٣١

كلام النيسابوري في خطبة تفسيره

كما يظهر اعتبار هذا التفسير من كلام النيسابوري نفسه أيضاً في خطبته، إذ قال:

« ولقد انتصب جم غفير وجمع كثير من الصحابة والتابعين ثم من العلماء الراسخين، والفضلاء المحققين، والأئمة المتقنين في كل عصر وحين، للخوض في تيار بحاره والكشف عن أستار أسراره، والفحص عن غرائبه والاطلاع على رغائبه، نقلاً وعقلاً وأخذاً واجتهاداً، فتباعدت مطامح همّاتهم، وتباينت مواقع نياتهم، وتشعّبت مسالك أقدامهم، وتفننت مقاطر أقلامهم، فمن بين وجيز وأوجز ومطنب وملغز، ومن مقتصر على حلّ الألفاظ، ومن ملاحظ مع ذلك حظّ المعاني والبيان ونعم اللحاظ، فشكر الله تعالى مساعيهم وصان عن إزراء القادح معاليهم، ومنهم من أعرض عن التفسير وأقبل على التأويل، وهو عندي ركون إلى الأضاليل وسكون على شفا جرف الأباطيل، إلّا من عصمه الله وإنه لقليل، ومنهم من مرج البحرين وجمع بين الأمرين، فللراغب الطالب أن يأخذ العذب الفرات ويترك الملح الأجاج، يلقط الدر الثمين ويسقط السبخ والزجاج.

وإذ وفقني الله تعالى لتحريك القلم في أكثر الفنون المنقولة والمعقولة، كما اشتهر - بحمد الله تعالى ومنّه - فيما بين أهل الزمان، وكان علم التفسير من العلوم بمنزلة الإنسان من العين والعين من الإنسان، وكان قد رزقني الله تعالى من إبان الصبى وعنفوان الشباب حفظ لفظ القرآن وفهم معنى الفرقان، وطالما طالبني بعض أجلّة الإِخوان وأعزّة الأخدان ممن كنت مشاراً عندهم بالبنان في البيان، والله المنّان يجازيهم عن حسن ظنونهم ويوفقنا لاسعاف سؤلهم وإنجاح مطلوبهم، أن أجمع كتاباً في علم التفسير مشتملاً على المهمّات، مبنيّاً على ما وقع إلينا من نقل الأثبات وأقوال الثقات، من الصحابة والتابعين ثم من العلماء الراسخين والفضلاء المحققين المتقدمين والمتأخّرين، جعل الله تعالى سعيهم مشكوراً

٢٣٢

وعملهم مبروراً، إستعنت بالمعبود وشرعت في المقصود، معترفاً بالعجز والقصور في هذا الفن وفي سائر الفنون، لا كمن هو بابنه وشعره مفتون، كيف وقد قال عز من قائل( وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً ) مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً؟ وكفى بالله ولياً وكفى بالله وكيلاً.

ولمـّا كان التفسير الكبير المنسوب إلى الامام الأفضل والهمام الأمثل، الحبر النحرير والبحر الغزير، الجامع بين المعقول والمنقول، الفائز بالفروع والأصول، أفضل المتأخرين، فخر الملة والحق والدين، محمد بن عمر بن الحسين الخطيب الرازي، تغمّده الله برضوانه وأسكنه بحبوحة جنانه، إسمه مطابق لمسماه، وفيه من اللطائف والبحوث ما لا يحصى، ومن الزوائد والنيوث ما لا يخفى، فإنه قد بذل مجهوده ونثل موجودة حتى عسر كتبه على الطالبين، وأعوز تحصيله على الراغبين.

حاذيت سياق مرامه وأوردت حاصل كلامه، وقربت مسالك أقدامه، والتقطت عقود نظامه، من غير إخلال بشيء من الفوائد، وإهمال لما يعدّ من اللطائف والعوائد، وضممت إليه ما وجدت في الكشاف وفي سائر التفاسير من اللطائف المهمات، ورزقني الله تعالى من البضاعة المزجاة، وأثبت القراآت المعتبرات والوقوف المعللات، ثم التفسير المشتمل على المباحث اللفظيات والمعنويات، مع إصلاح ما يجب إصلاحه، وإتمام ما ينبغي إتمامه، من المسائل الموردة في التفسير الكبير والاعتراضات، ومع كلّ ما يوجد في الكشاف من المواضع المعضلات، سوى الأبيات المعقّدات، فإن ذلك يوردها من ظنَّ أن تصحيح القراآت وغرائب القرآن إنما يكون بالأمثال والمستشهدات، كلّا، فإنّ القرآن حجة على غيره وليس غيره حجة عليه، فلا علينا أن نقتصر في غرائب القرآن على تفسيرها بالألفاظ المشتهرات، وعلى إيراد بعض المتجانسات التي تعرف منها أصول الاشتقاقات، وذكرت طرفاً من الاشارات المقنعات، والتأويلات الممكنات، والحكايات المبكيات، والمواعظ الرداعة عن المنهيات، الباعثة على أداء الواجبات.

٢٣٣

والتزمت إيراد لفظ القرآن الكريم أوّلاً مع ترجمته على وجه بديع وطريق منيع، يشتمل على إبراز المقدّرات وإظهار المضمرات، وتأويل المتشابهات وتصريح الكنايات، وتحقيق المجازات والاستعارات، فإنّ هذا النوع من الترجمة مما تكسب فيه العبرات، ويؤذن المترجمون هنالك إلى العثرات، وقلّما يفطن له الناشي الواقف على متن اللغة العربية، فضلاً عن الدخيل القاصر في العلوم الأدبية، واجتهدت كلّ الاجتهاد في تسهيل سبيل الرشاد، ووضعت الجميع على طرف الثمام، ليكون الكتاب كالبدر في التمام، وكالشمس في إفادة الخاص والعام، من غير تطويل يورث الملام ولا تقصير يوعر مسالك السالك، ويبدد نظام الكلام، فخير الكلام ما قل ودل، وحسبك من الزاد ما بلّغك المحل، والتكلان في الجميع على الرحمن المستعان، والتوفيق مسئول ممن بيده مفاتيح الفضل والإحسان، وخزائن البر والامتنان، وهذا أوان الشروع في تفسير القرآن ».

(١٤)

رواية الهمداني

وروى السيد علي بن شهاب الدين الهمداني نزول آية التبليغ، في فضل أمير المؤمنينعليه‌السلام في واقعة يوم غدير خم: « عن البراء بن عازبرضي‌الله‌عنه قال: أقبلت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع، فلمـّا كان بغدير خم نودي الصلاة جامعة، فجلس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحت شجرة، وأخذ بيد علي وقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. فقال: ألا من أنا مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فلقيه عمررضي‌الله‌عنه فقال: هنيئاً لك يا علي بن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة، وفيه نزلت( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ )

٢٣٤

الآية »(١) .

ترجمة الهمداني وخطبة كتابه

والسيد علي الهمداني من علماء أهل السنة الرّبانيين، ومن مشاهير عرفائهم المنتجبين، فقد ترجموا له بما يفوق الوصف، ونسبوا الكرامات الجليلة إليه مثل إحياء الأموات وغيره، كما سنذكر ذلك فيما سيأتي إن شاء الله.

وأما كتابه ( مودة القربى ) فقد مدحه مؤلّفه في خطبته، وبيّن اعتباره وشأنه بقوله: « وبعد، فقد قال الله تعالى:( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) و قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أحبّوا الله لما أرفدكم من نعمه وأحبّوني لحب الله وأحبوا أهل بيتي لحبي. فلمـّا كان مودة آل النبي مسئولاً عنها حيث أمر الله تعالى حبيبه العربي بأن لا يسأل عن قومه سوى المودة في القربى، وأن ذلك سبب النجاة للمحبين، وموجب وصولهم إليه وإلى آلهعليهم‌السلام كما قالعليه‌السلام : من أحبّ قوماً حشر في زمرتهم. وأيضاً قالعليه‌السلام : المرء مع من أحب. فوجب على من طلب طريق الوصول ومنهج القبول محبّة الرسول ومودة أهل بيت البتول، وهذه لا تحصل إلّا بمعرفة فضائله وفضائل آلهعليهم‌السلام ، وهي موقوفة على معرفة ما ورد فيهم من أخبارهعليه‌السلام .

ولقد جمعت الأخيار في فضائل العلماء والفقراء أربعينيات كثيرة، ولم يجمع في فضائل أهل البيت إلّا قليلاً، فلذا - وأنا الفقير الجاني على العلوي الهمداني - أردت أن أجمع في جواهر أخباره ولآلي آثاره مما ورد فيهم، مختصراً موسوماً بكتاب ( المودة في القربى ) تبركا بالكلام القديم، كما في مأمولي أن يجعل ذلك وسيلتي إليهم ونجاتي بهم، وطويته على أربع عشرة مودة، والله يعصمني من الخبط والخلل في القول والعمل، ولم يحوّل قلمي إلى ما لم ينقل، بحق محمّد ومن اتبعه من أصحاب الدّول ».

____________________

(١). مودة القربى. أنظر ينابيع المودة: ٢٤٩.

٢٣٥

(١٥)

رواية ابن الصباغ

وروى نور الدين علي بن محمّد المعروف بابن الصباغ المالكي نزول آية التبليغ في واقعة يوم غدير خم في كتابه ( الفصول المهمة ) حيث قال:

« روى الامام أبو الحسن الواحدي في كتابه المسمى بأسباب النزول، يرفعه بسنده إلى أبي سعيد الخدريرضي‌الله‌عنه قال: نزلت هذه الآية:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) يوم غدير خم في علي بن أبي طالب »(١) .

ترجمة ابن الصباغ واعتبار كتابه

وابن الصباغ من مشاهير فقهاء المالكية، ومن ثقات علماء أهل السنة المعروفين، فهم ينقلون عنه أقواله ويعتمدون على رواياته، ويصفونه - وهم ناقلون عنه - بالأوصاف العظيمة. وممن أكثر من النقل عنه نور الدين السمهودي في كتابه ( جواهر العقدين ).

وفي ( نزهة المجالس ): « ورأيت في الفصول المهمة في معرفة الأئمة بمكّة المشرفة شرّفها الله تعالى وهي مصنفة لأبي الحسن المالكي: إن علياً ولدته أمه بجوف الكعبة شرّفها الله تعالى »(٢) .

وعبّر عنه الشيخ أحمد بن عبد القادر العجيلي الشافعي بـ « الشيخ الامام علي ابن محمّد الشهير بابن الصباغ من علماء المالكية » في كلام له حول حكم الخنثى

____________________

(١). الفصول المهمة في معرفة الأئمة: ٤٢.

(٢). نزهة المجالس لعبد الرحمن الصفوري ٢ / ٢٠٤ - ٢٠٥.

٢٣٦

وهذا نصه: « قلت: وهذه المسألة وقعت في زماننا هذا ببلاد الجبرت، على ما أخبرني به سيدي العلامة نور بن خلف الجبرتي، وذكر لي أن الخنثى الموصوفة توفيت عن ولدين، ولد لبطنها وولد لظهرها، وخلّفت تركة كثيرة، وأن علماء تلك الجهة تحيّروا في الميراث واختلفت أحكامهم، فمنهم من قال: يرث ولد الظهر دون ولد البطن. ومنهم من قال بعكس هذا. ومنهم من قال: يقتسمان التركة. ومنهم من قال: توقف التركة حتى يصطلح الولدان على تساو أو على مفاضلة. وأخبرني أن الخصام قائم والتركة موقوفة، وأنه خرج لسؤال علماء المغرب خصوصا علماء الحرمين عن ذلك.

وبعد الاتفاق به بسنتين، وجدت حكم أمير المؤمنين في كتاب الفصول المهمة في فضل الأئمة تصنيف الشيخ الامام علي بن محمّد الشهير بابن الصباغ من علماء المالكية »(١) .

وذكر محمّد رشيد الدين خان الدهلوي كتاب ( الفصول المهمة ) ناسباً إياه إلى الشيخ ابن الصباغ المالكي، ومصرّحاً بكونه من كتب أهل السنة المؤلّفة في فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام .

كما ذكر عبد الله بن محمّد المدني والمطيري شهرة، الشافعي مذهباً، الأشعري إعتقاداً، والنقشبندي طريقة - كتاب ( الفصول المهمة ) في خطبة كتابه ( الرياض الزاهرة في فضل آل بيت النبي وعترته الطاهرة ) حيث قال:

« أما بعد فيقول العبد الفقير إلى الله تعالى عبد الله بن محمّد المطيري شهرة المدني حالاً: هذا كتاب سميته بالرياض الزاهرة في فضل آل بيت النبي وعترته الطاهرة، جمعت فيه ما اطّلعت عليه مما ورد في هذا الشأن، واعتنى بنقله العلماء العاملون الأعيان، وأكثره من الفصول المهمة لابن الصباغ، ومن الجوهر الشفاف للخطيب ».

____________________

(١). ذخيرة المآل - مخطوط.

٢٣٧

(١٦)

رواية العيني

وروى بدر الدين محمود بن أحمد العيني نزول آية التبليغ:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ) . في واقعة يوم الغدير، في شرحه على صحيح البخاري، حيث جاء بتفسير الآية المذكورة من كتاب التفسير ما هذا نصه: « ص - باب( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) .

ش - أي هذا باب من قوله تعالى:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ ) ذكر الواحدي من حديث الحسن بن حماد سجادة قال: ثنا علي بن عياش عن الأعمش وأبي الجحاف، عن عطيّة، عن أبي سعيد قال: نزلت هذه الآية:( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) يوم غدير خم في علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه .

وقال مقاتل: قوله بلّغ ما أنزل إليك. وذلك أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا اليهود إلى الإسلام فأكثر الدعاء، فجعلوا يستهزؤن به ويقولون: أتريد يا محمّد أن نتخذك حناناً كما اتخذت النصارى عيسى حناناً. فلما رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك سكت عنهم، فحرّض الله تعالى نبيهعليه‌السلام على الدعاء إلى دينه لا يمنعه تكذيبهم إياه واستهزاؤهم به عن الدعاء.

وقال الزمخشري: نزلت هذه الآية بعد أحد.

وذكر الثعلبي عن الحسن قال سيدنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لما بعثني الله عزّ وجلّ برسالته ضقت بها ذرعاً، وعرفت أن من الناس من يكذّبني - وكان يهاب قريشا واليهود والنصارى - فنزلت.

وقيل: نزلت في عيينة بن حصين وفقراء أهل الصفة.

وقيل: نزلت في الجهاد، وذلك أن المنافقين كرهوه وكرهه أيضاً بعض

٢٣٨

المؤمنين، وكان النبيعليه‌السلام يمسك في بعض الأحايين عن الحث على الجهاد لما يعرف من كراهية القوم، فنزلت.

وقيل: بلّغ ما أنزل إليك من ربّك، في أمر زينب بنت جحش، وهو مذكور في البخاري.

وقيل: بلّغ ما أنزل إليك في أمر نسائك.

وقال أبو جعفر محمّد بن علي بن حسين: معناه بلّغ ما أنزل إليك من ربك في فضل علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه ، فلمـّا نزلت هذه الآية أخذ بيد علي وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه.

وقيل: بلّغ ما أنزل إليك من حقوق المسلمين، فلمـّا نزلت هذه الآية خطبعليه‌السلام في حجة الوداع، ثم قال: اللهم هل بلغت؟

وعند ابن الجوزي: بلّغ ما أنزل إليك من الرجم والقصاص »(١) .

هذا هو النص الكامل لعبارة العيني في هذا المقام، وقد رأيت أنه قد قدّم القول بنزولها في فضل عليعليه‌السلام يوم الغدير على سائر الأقوال في الذكر، الأمر الذي يدلّ على تقديمه إياه عليها في الاختيار كما تقدم ثمّ إنّه عاد وذكر قول سيدنا الامام الباقرعليه‌السلام وهو القول الفصل، والحمد لله ربّ العالمين.

ترجمة البدر العيني

١ - شمس الدين السخاوي: « محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين بن يوسف بن محمود، القاضي بدر الدين أبو محمد - وقيل أبو الثناء - ابن القاضي شهاب الدين، الحلبي الأصل، العنتابي المولد، القاهري الحنفي. أحد الأعيان، ويعرف بابن العيني. كان مولد والده بحلب في سنة خمس وعشرين وسبعمائة، وانتقل إلى عنتاب فولي قضاءها فولد بها ولده البدر، وذلك - كما قرأته

____________________

(١). عمدة القاري - شرح صحيح البخاري ١٨ / ٢٠٦.

٢٣٩

بخطّه - في سابع عشر رمضان سنة ٧٦٢، فنشأ بها، وقرأ القرآن واشتغل بالعلوم من سائر الفنون على العلماء الكبار

وكان إماماً عالماً علّامة، عارفاً بالتصريف والعربية وغيرهما، حافظاً للتاريخ واللغة، كثير الاستعمال لها، مشاركاً في الفنون، لا يمل من المطالعة والكتابة، كتب بخطه جملة من الكتب، وصنّف الكثير، وكان نادرة بحيث لا أعلم بعد شيخنا أكثر تصانيف منه، وقلمه أجود من تقريره، وكتابته طريفة حسنة من السرعة

وحدّث وأفتى ودرّس، مع لطف العشرة والتواضع، واشتهر اسمه وبعد صيته، وأخذ عنه الفضلاء من كل مذهب، وممن سمع عليه من القدماء: الكمال الشمني، سمع عليه بعض شرح الطحاوي من تصانيفه، وأرغون شاه التيدمري المتوفى سنة ٨٠٢ صحيح البخاري ومسلم والمصابيح. وعلّق شيخنا من فوائده بل سمع عليه، لأجل ما كان عزم عليه من عمل البلدانيات

وذكره العلاء ابن خطيب الناصرية في تاريخه فقال: وهو إمام عالم فاضل مشارك في علوم، وعنده حشمة ومروة وعصبية وديانة - انتهى.

وقد قرأت عليه الأربعين التي انتقاها شيخي رحمه الله تعالى من صحيح مسلم، في خامس صفر سنة إحدى وخمسين، وعرضت عليه قبل ذلك محافيظي وسمعت عدة من دروسه »(١) .

٢ - السيوطي: « العيني قاضي القضاة تفقّه واشتغل بالفنون، وبرع ومهر، ودخل القاهرة وولي الحسبة مراراً، وقضاء الحنفية، وله تصانيف منها: شرح البخاري، وشرح الشواهد، وشرح معاني الآثار، وشرح الهداية، وشرح الكنز، وشرح المجمع، وشرح درر البحار، وطبقات الحنفية، وغير ذلك. مات في

____________________

(١). الذيل الطاهر للسخاوي - مخطوط. ومنه نسخة وعليها خط المؤلف في مكتبة السيد صاحب عبقات الأنواررحمه‌الله .

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391