نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٨

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار20%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 391

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 391 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 293656 / تحميل: 6787
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٨

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

وقال محمد بن عيسى بن الطباع: قال عبد الرحمن بن مهدي: كان هشيم أحفظ للحديث من سفيان الثوري، كان يقوى من الحديث على شيء لم يكن يقوى عليه سفيان، وسمعت وكيعاً يقول: نحوا عنّي هشيماً وهاتوا من شئتم - يعني في المذاكرة -.

وقال ابن مهدي: هشيم في حصين أثبت من سفيان وشعبة، وقال علي بن حجر: هشيم وأبو بشر مثل ابن عيينة في الزهري. وقال عيينة بن سعيد عن ابن المبارك قال: من غير الدهر حفظه فلم يغير حفظ هشيم، وقال العجلي: هشيم ثقة يدلس، وسئل أبو حاتم عن هشيم ويزيد بن هارون فقال: هشيم أحفظ منه ومن أبي عوانة »(١) .

عود إلى ترجمة الكلبي

وقد أثنى أبو اسحاق أحمد بن محمد بن ابراهيم الثعلبي على الكلبي، وجعله من أقران مجاهد والسدي حيث قال في ديباجة تفسيره: « وفرقة جرّدوا التفسير دون الأحكام وبيان الحلال والحرام، والحل عن العويصات المشكلات والرد على أهل الزيغ والشبهات، كمشايخ السلف الماضين والعلماء السابقين من التابعين وأتباعهم، مثل مجاهد، ومقاتل، والكلبي، والسدي، رضي الله عنهم أجمعين، ولكل من أهل الحق منهم غرض محمود وسعي مشكور »(٢) .

وقال ابن جزلة: « قال الحسن بن عثمان القاضي: وجدت العلم بالعراق والحجاز ثلاثة: علم أبي حنيفة، وتفسير الكلبي، ومغازي محمد بن إسحاق »(٣) .

وقال القاضي أبو عبد الله محمد بن علي العامري: « قد خرجت هذا من التفاسير التي سمعتها من الأئمةرحمهم‌الله ، منها: ما سمعت من الأُستاذ الامام أبي إسحاق إبراهيم بن محمد الإِسفراينيرحمه‌الله ، مثل تفسير مقاتل بن سليمان

____________________

(١). تذهيب التهذيب - مخطوط.

(٢). الكشف والبيان - مخطوط.

(٣). مختصر تاريخ بغداد - مخطوط.

٢١

والحلبي والكلبي وغيرهما ولم أعتمد إلّا بما صحّ عندي بتواتر واستفاضة أو روي في الصحاح بغير طعن الطاعن، والله الموفق لذلك »(١).

وقال ابن قتيبة: « الكلبي صاحب التفسير، وهو محمد بن السائب بن بشر الكلبي، ويكنى أبا النضر وكان نسّاباً عالماً بالتفسير، وتوفي بالكوفة سنة ١٤٦ »(٢) .

وقال البغوي: « وما نقلت فيه من التفسير عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما حبر هذه الأمة، ومن بعده من التابعين، أئمة السلف مثل: مجاهد، وعكرمة، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري،رضي‌الله‌عنه ، وقتادة، وأبي العالية، ومحمد بن كعب القرظي، وزيد بن أسلم، والكلبي، والضحاك، ومقاتل بن حبان، ومقاتل بن سليمان، والسدّي، وغيرهم فأكثره مما أخبرني الشيخ أبو سعيد أحمد بن محمد الشريحي المذكور »(٣) .

وقال صديق حسن القنوجي: « وجمعته جمعاً حسناً، بعبارة سهلة، وألفاظ يسيرة، مع تعرض للترجيح بين التفاسير المتعارضة في مواضع كثيرة، وبيان المعنى العربي الإِعرابي واللغوي، مع حرص على إيراد صفوة ما ثبت عن التفسير النبوي، وعن عظماء الصحابة وعلماء التابعين، ومن دونهم من سلف الأئمة وأئمتها المعتبرين، كابن عباس حبر هذه الأمة ومن بعده من الأئمة، مثل مجاهد وعكرمة، وعطاء، والحسن، وقتادة، وأبي العالية، والقرظي، والكلبي والضحاك، ومقاتل، والسدي، وغيرهم من علماء اللغة والنحو كالفراء، والزجّاج، وسيبويه، والمبرد، والخليل، والنحاس »(٤) .

وقال علي بن محمد البزدوي: « ليس من اتهم بوجه ما يسقط به كلّ حديثه

____________________

(١). الناسخ والمنسوخ - مخطوط.

(٢). المعارف ٥٣٥ - ٥٣٦.

(٣). معالم التنزيل ١ / ٣ هامش تفسير الخازن.

(٤). فتح البيان في مقاصد القرآن ١ / ١٧.

٢٢

مثل الكلبي وأمثاله، ومثل سفيان الثوري وأصحابه، مع جلالة قدره وتقدّمه في العلم والورع »(١).

وقال علاء الدين عبد العزيز بن أحمد البخاري في شرح كلام البزدوي المذكور ما نصه: « قوله: مثل الكلبي. هو أبو سعيد محمد بن السائب الكلبي صاحب التفسير، ويقال له أبو النضر أيضاً، طعنوا فيه بأنه يروي تفسير كلّ آيه عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويسمى زوائد الكلبي، وبأنه روى حديثاً عند الحجاج، فسأل عمن يرويه فقال: عن الحسن بن علي رضي الله عنهما، فلمـّا خرجٍ قيل له: هل سمعت ذلك من الحسن؟ فقال: لا ولكنّي رويت عن الحسن غيظاً له.

وذكر في الأنساب: إن الثوري ومحمد بن إسحاق يرويان عنه ويقولان حدثنا أبو النضر حتى لا يعرف. قال: وكان الكلبي سبائياً من أصحاب عبد الله ابن سبأ، من أولئك الذين يقولون إن علياً لم يمت، وإنه راجع إلى الدنيا قبل قيام الساعة، ويملؤها عدلاً كما ملئت جوراً، وإذا رأوا سحابة قالوا أمير المؤمنين فيها، والرعد صوته والبرق سوطه، حتى تبرأ واحد منهم وقال:

ومن قوم إذا ذكروا علياً

يصلّون الصلاة على السحاب

مات الكلبي سنة ١٤٦.

وأمثاله. مثل عطاء بن السائب، والربيعة، وعبد الرحمن، وسعيد بن أبي عروبة، وغيرهم، اختلطت عقولهم فلم يقبل رواياتهم التي بعد الاختلاط، وقبلت الروايات التي قبله.

فإنْ قيل: ما نقل عن الكلبي يوجب الطعن عاماً، فينبغي أن لا يقبل رواياته جميعاً.

____________________

(١). أصول الفقه ٣ / ٧٢ بشرح عبد العزيز البخاري.

٢٣

قلنا: إنما يوجب ذلك إذا ثبت ما نقلوا عنه بطريق القطع، فأما إذا اتهم به فلا يثبت حكمه في غير موضع التهمة، وينبغي أن لا يثبت في موضع التهمة أيضاً، إلّا أن ذلك يورث شبهة في الثبوت، وبالشبهة تردّ الحجة، وينتفي ترجح الصدق في الخبر، فلذلك لم يثبت أو معناه.

ليس كل من اتهم بوجه ساقط الحديث، مثل الكلبي، وعبد الله بن لهيعة والحسن بن عمارة، وسفيان الثوري وغيرهم، فإنه قد طعن في كل واحد منهم بوجه، ولكن علوّ درجتهم في الدين، وتقدّم رتبتهم في العلم والورع، منع من قبول ذلك الطعن في حقهم ومن ردّ حديثهم به، إذ لو ردّ حديث أمثال هؤلاء بطعن كل واحد انقطع الرواية واندرس الأخبار، إذ لم يوجد بعد الأنبياءعليهم‌السلام من لا يوجد فيه أدنى شيء مما يجرح إلاّ من شاء الله تعالى، فلذلك لم يلتفت إلى مثل هذا الطعن، فيحمل على أحسن الوجوه، وهو قصد الصيانة »(١) .

ترجمة عبد العزيز البخاري

وعبد العزيز البخاري شارح البزدوي وصاحب الكلام المزبور في الدفاع عن الكلبي، من مشاهير الأئمة الكبار، وقد أثنى عليه عبد القادر القرشي في ( الجواهر المضية في طبقات الحنفية ) ومحمود بن سليمان الكفوي في ( كتائب أعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار ) والكاتب الجلبي في ( كشف الظنون ).

____________________

(١). كشف الأسرار في شرح أصول الفقه ٣ / ٧٢.

٢٤

(٢)

يحيى بن زياد الفراء

وفسّر يحيى بن زياد الفرّاء ( المولى ) بـ ( الأولى ) كما قال الفخر الرازي بتفسير قوله تعالى:( هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) : «( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) . وفي لفظ المولى هاهنا أقوال: أحدها - قال ابن عباس: مولاكم أي مصيركم. وتحقيقه: أن المولى موضع الولي وهو القرب، فالمعنى: إن النار هي موضعكم الذي تقربون منه وتصلون إليه.

والثاني - قال الكلبي: يعني أولى بكم. وهو قول الزّجاج والفرّاء وأبي عبيدة »(١) .

ترجمة الفراء

١ - ابن خلكان: « أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الأسلمي، المعروف بالفراء، الديلمي الكوفي، مولى بني أسد، وقيل مولى بني منقر.

كان أبرع الكوفيين، وأعلمهم بالنحو واللغة وفنون الأدب، حكى عن أبي العباس ثعلب أنه قال: لو لا الفراء لما كانت العربية، لأنه خلّصها وضبطها، ولو لا الفرّاء لسقطت العربية، لأنها كانت تتنازع، ويدّعيها كل من أراد، ويتكلّم الناس فيها على مقادير عقولهم وقرائحهم. فتذهب.

وأخذ النحو عن أبي الحسن الكسائي، وهو والأحمر المقدّم ذكره من أشهر

____________________

(١). التفسير الكبير ٢٩ / ٢٢٧.

٢٥

أصحابه وأخصّهم به.

ولمـّا عزم الفرّاء على الاتصال بالمأمون كان يتردّد إلى الباب، فبينما هو ذات يوم على الباب، إذ جاء أبو بشر ثمامة بن الأشرس النمري المعتزلي - وكان خصيصاً بالمأمون - قال: فرأيت أبهة أديب، فجلست إليه ففاتشته عن اللغة فوجدته بحراً، وفاتشته عن النحو فوجدته نسيج وحده، وعن الفقه فوجدته رجلاً فقيهاً عارفاً باختلاف القوم، وبالنجوم ماهراً، وبالطب خبيراً، وبأيام العرب وأشعارها حاذقاً، فقلت: من تكون وما أظنك إلا الفرّاء؟ قال: انا هو، فدخلت فأعلمت أمير المؤمنين المأمون، فأمر بإحضاره لوقته وكان سبب اتصاله به

وقال الخطيب في تاريخ بغداد: إنّ الفراء لما اتصل بالمأمون أمره أن يؤلف ما يجمع به أصول النحو وما سمع من العربية وبعد أن فرغ من ذلك خرج إلى الناس وابتدأ في كتاب المعاني، وقال الرّاوي: وأردنا أن نعدّ الناس الذين اجتمعوا لإِملاء كتاب المعاني فلم نضبطهم، فعددنا القضاة فكانوا ثمانين قاضياً، فلم يزل يمليه حتى أتمّه

وكان سبب إملائه كتاب المعاني: أن أحد أصحابه - وهو عمر بن بكير - كان يصحب الحسن بن سهل المقدّم ذكره، فكتب إلى الفراء أنّ الأمير الحسن لا يزال يسألني عن أشياء من القرآن لا يحضرني فيها جواب، فإنْ رأيت أن تجمع لي أصولاً، وتجعل في ذلك كتاباً يرجع اليه فعلت. فلمـّا قرأ الكتاب قال لأصحابه: إجتمعوا حتى أملي عليكم في القرآن، وجعل لهم يوماً، فلمـّا حضروا خرج إليهم وكان في المسجد رجل يؤذن فيه وكان من القراء، فقال له: إقرأ. فقرأ فاتحة الكتاب، ففسّرها حتى مرّ في القرآن كلّه على ذلك، يقرأ الرجل والفرّاء يفسّره، وكتابه هذا نحو ألف ورقة، وهو كتاب لم يعمل مثله، ولا يمكن لأحدٍ أنْ يزيد عليه.

وكان المأمون قد وكّل الفرّاء يلقّن ابنيه النحو، فلما كان يوماً أراد الفرّاء أن ينهض إلى بعض حوائجه، فابتدرا إلى نعل الفرّاء يقدّمانها له، فتنازعا أيّهما

٢٦

يقدّمانها له، فاصطلحا على أن يقدّم كلّ واحد منهما فرداً فقدّماها

وقال الخطيب أيضاً: كان الفقيه محمد بن الحسن ابن خالة الفرّاء، وكان الفرّاء يوماً جالساً عنده فقال له الفرّاء: قلّ رجل أنعم النظر في باب من العلم فأراد غيره إلّا سهل عليه، فقال له محمد: يا أبا زكريا قد أنعمت النظر في العربية، فأسألك عن باب من أبواب الفقه، فقال: هات على بركة الله تعالى. قال: ما تقول في رجل صلّى فسهى فسجد سجدتين للسهو فسهى فيهما؟ ففكّر الفرّاء فيهما ساعة ثم قال: لا شيء عليه. فقال له محمد: ولم؟ قال: لأن التصغير عندنا لا تصغير له، وإنما السجدتان تمام الصلاة وليس للتمام تمام. فقال محمد: ما ظننت آدميّاً يلد مثلك

وقال سلمة بن عاصم: إني لأعجب من الفرّاء كيف كان يعظّم الكسائي وهو أعلم بالنحو منه.

ومولد الفرّاء بالكوفة وتوفّي الفرّاء سنة سبع ومائتين في طريق مكّة، وعمره ثلاثة وستون سنة، رحمه الله تعالى »(١) .

٢ - اليافعي: « وفيها الامام البارع النحوي، يحيى بن زياد الفرّاء الكوفي، أجلّ أصحاب الكسائي، كان رأساً في النحو واللغة، أبرع الكوفيّين وأعلمهم بفنون الأدب، على ما ذكر بعض المؤرّخين، وحكي عن أبي العباس ثعلب أنه قال: لو لا الفرّاء »(٢) .

٣ - الذهبي: « الفرّاء أخباري علامة نحوي، كان رأساً في قوة الحفظ. أملى تصانيفه كلّها حفظاً، مات بطريق مكة سنة ٢٠٧. عن ثلاث وستين سنة. اسمه يحيى بن زياد »(٣) .

____________________

(١). وفيات الأعيان ٥ / ٢٢٥ - ٢٣٠.

(٢). مرآة الجنان حوادث ٢٠٧.

(٣). تذكرة الحفاظ ١ / ٣٧٢.

٢٧

٤ - الذهبي أيضاً: « وهو أجلّ أصحاب الكسائي، وكان رأساً في النحو واللغة »(١) .

٥ - ابن الوردي: « أبرع الكوفيين نحواً وأدباً، وله كتاب الحدود وكتاب المعاني، وكتابان في المشكل، وكتاب النهي، وغير ذلك. توفي بطريق مكة، وعمره نحو ثلاث وستين، كان يفري الكلام فلقّب بذلك »(٢) .

(٣)

أبو زيد اللّغوي

وأمّا تصريح أبي زيد سعيد بن أوس الأنصاري اللّغوي بورود ( المولى ) بمعنى ( الأولى )، فقد اعترف به ( الدهلوي ) نفسه في كلامه، كما جاء في كلام غلام محمد بن محيي الدين بن عمر الأسلمي في ترجمة ( التحفة الاثنا عشرية ) حيث قال في الجواب عن حديث الغدير: « ولا يخفى أنّ أوّل الغلط في هذا الاستدلال هو إنكار أهل العربيّة قاطبة ثبوت ورود المولى بمعنى الأولى، بل قالوا لم يجيء قط المفعل بمعنى أفعل في موضع ومادة أصلاً، فضلاً عن هذه المادة بالخصوص، إلّا أن أبا زيد اللّغوي جوّز هذا متمسكاً بقول أبي عبيدة في تفسير( هِيَ مَوْلاكُمْ ) أي أولى بكم ».

وستأتي ترجمة أبي زيد اللّغوي في الكتاب إنْ شاء الله تعالى.

____________________

(١). العبر حوادث ٢٠٧.

(٢). تتمة المختصر حوادث ٢٠٧.

٢٨

(٤)

أبو عبيدة

وأمّا تفسير أبي عبيدة معمر بن المثنّى البصري ( المولى ) بـ ( الأولى ) فقد نصّ عليه الفخر الرازي في ( نهاية العقول ) أيضاً كما سيأتي قريباً، وفي ( التفسير ) كما عرفت من عبارته الماضية، وكذا ذكره ابن الجوزي في ( زاد المسير )، واعترف به ( الدّهلوي ) كذلك، وصرّح به الأسلمي المذكور في ( الترجمة العبقريّة ).

ترجمة أبي عبيدة

١ - الذهبي: « أبو عبيدة معمر بن المثنى البصري، اللغوي الحافظ، صاحب التصانيف، روى عن: هشام بن عروبة وأبي عمرو بن شيبة. وعنه: أبو عثمان المازني وأبو العيناء وخلق.

قال الحافظ: لم يكن في الأرض خارجي ولا جماعي عالم بجميع العلوم من أبي عبيدة. وذكره ابن المبارك فصحّح رواياته.

مات أبو عبيدة سنة عشر ومائتين، وقيل سنة تسع »(١) .

٢ - الذهبي أيضاً: « أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي البصري اللغوي، العلّامة الأخباري صاحب التصانيف، روى عن: هشام بن عروة وأبي عمر بن العلا وكان أحد أوعية العلم. وقيل توفي سنة إحدى عشرة »(٢) .

٣ - وذكر ابن الأثير في خطبة كتابه ( النهاية ) القول بأنّ أبا عبيدة أوّل من

____________________

(١). تذكرة الحفاظ ١ / ٣٧١.

(٢). العبر حوادث ٢١٠.

٢٩

ألّف في فن غريب الحديث بعد اختلاط الألسن وتداخل اللغات، حيث قال: « فلما أعضل الدّاء وعزّ الدّواء ألهم الله جماعة من أولى المعارف والنهى وذوي البصائر والحجى، أن صرفوا إلى هذا الشأن طرفاً من عنايتهم، وجانباً من رعايتهم، فشرّعوا فيه للناس موارد، ومهّدوا فيه لهم معاهد، حراسة لهذا العلم الشريف من الضّياع، وحفظاً لهذا المهمّ العزيز من الاختلال، فقيل: إنّ أوّل من جمع في هذا الفن شيئاً وألّفه أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي، فجمع من ألفاظ غريب الحديث والأثر كتاباً »(١).

٤ - وقال السيوطي نقلاً عن أبي الطيّب اللّغوي بعد ذكر الخليل: « وكان في هذا العصر ثلاثة هم أئمة الناس في اللغة والشعر وعلوم العرب، لم ير قبلهم ولا بعدهم مثلهم، عنهم أخذ جلّ ما في أيدي الناس من هذا العلم بل كلّه، وهم أبو زيد وأبو عبيدة والأصمعي، وكلّهم أخذوا عن أبي عمرو اللغة والنحو والشعر، ورووا عنه القراءة. ثم أخذوا بعد أبي عمرو عن عيسى بن عمرو أبي الخطاب الأخفش ويونس بن حبيب، وعن جماعة من ثقات الأعراب وعلمائهم وكان أبو زيد أحفظ الناس للّغة بعد أبي مالك وأوسعهم رواية وأكثرهم أخذاً عن البادية، وقال ابن منادر: كان الأصمعي يجيب في ثلث اللغة، وكان أبو عبيدة يجيب في نصفها، وكان أبو زيد يجيب في ثلثيها

وأبو زيد من الأنصار، وهو من رواة الحديث، ثقة عندهم مأمون، وكذلك حاله في اللغة، وقد أخذ عنه اللغة أكابر الناس منهم سيبويه وحسبك، قال أبو حاتم عن أبي زيد: كان سيبويه يأتي مجلسي وله ذؤابتان قال: فإذا سمعته يقول: وحدثني من أثق بعربيته فإنّما يريدني.

وكبر سنّ أبي زيد حتى اختلّ حفظه ولم يختل عقله، ومن جلالة أبي زيد في اللغة ما حدثنا به جعفر بن محمد حدثنا محمد بن الحسن الأزدي عن أبي حاتم عن

____________________

(١). النهاية في غريب الحديث - خطبة الكتاب.

٣٠

أبي زيد قال: كتب رجل من أهل رامهرمز إلى الخليل يسأله كيف يقال: ما أوقفك هاهنا ومن أوقفك؟ فكتب إليه: هما واحد. قال أبو زيد: ثم لقيني الخليل فقال لي في ذلك فقلت له: إنما يقال من وقفك وما أوقفك. قال: فرجع إلى قولي.

وأما أبو عبيدة فإنه كان أعلم الثلاثة بأيّام العرب وأخبارهم وأجمعهم لعلومهم، وكان أكمل القوم، قال عمر بن شيبة: كان أبو عبيدة يقول: ما التقى فرسان في جاهلية ولا إسلام إلّا عرفتهما وعرفت فارسيهما، وهو أوّل من ألّف في غريب الحديث ».

وقال السيوطي نقلاً عن أبي الطيّب: « أخبرنا جعفر بن محمد أخبرنا إبراهيم ابن حمد قال قال أبو حاتم: إذا فسّرت حروف القرآن المختلف فيها وحكيت عن العرب شيئاً فإنّما أحكيه عن الثقات منهم، مثل أبي زيد والأصمعي وأبي عبيدة ويونس، وثقات من فصحاء الأعراب وحملة العلم »(١) .

(٥)

أبو الحسن الأخفش

وممن نصّ على مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ): أبو الحسن سعيد بن مسعدة المجاشعي المعروف بالأخفش قال الفخر الرازي: « إنّ أبا عبيدة وإنْ قال في قوله تعالى:( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) معناه: هي أولى بكم. وذكر هذا أيضاً الأخفش والزّجاج وعلي بن عيسى واستشهدوا ببيت لبيد »(٢) .

____________________

(١). المزهر في اللغة ٢ / ٢٤٩.

(٢). نهاية العقول في الكلام ودراية الأصول - مخطوط.

٣١

ترجمة الأخفش

١ - ابن خلكان: « أبو الحسن سعيد بن مسعدة المجاشعي بالولاء النحوي البلخي المعروف بالأخفش الأوسط. أحد نحاة البصرة من أئمة العربية، وأخذ النحو عن سيبويه وكان أكبر منه، وكان يقول: ما وضع سيبويه في كتابه شيئاً إلّا وعرضه عليّ وكان يرى أنه أعلم به منّي وأنا اليوم أعلم به منه

وكانت وفاته سنة خمس عشرة ومائتين، وقيل سنة إحدى وعشرين ومائتين رحمه الله تعالى »(١) .

٢ - اليافعي: « وفيها الأخفش الأوسط إمام العربية »(٢) .

٣ - السيوطي: « قال المبرد: أحفظ من أخذ عن سيبويه الأخفش ثم الناشي ثم قطرب. قال: وكان الأخفش أعلم الناس بالكلام وأحذقهم بالجدل »(٣) .

(٦)

أبو العباس ثعلب

وأما تفسير أبي العباس ثعلب أحمد بن يحيى الشيباني البغدادي ( المولى ) بـ ( الأولى ) فقد ذكره الحسين بن أحمد الزوزني في شرح المعلّقات السّبع حيث قال:

« فغدت كلا الفرجين تحسب أنه

مولى المخافة خلفها وأمامها

الفرج موضع المخافة، والفرج ما بين قوائم الدواب، فما بين اليدين فرج

____________________

(١). وفيات الأعيان ٢ / ١٢٢.

(٢). مرآة الجنان حوادث ٢١٥.

(٣). بغية الوعاة ١ / ٥٩٠.

٣٢

وما بين الرجلين فرج، والجمع فروج.

وقال ثعلب: إن المولى في هذا البيت بمعنى الأولى بالشيء كقوله تعالى( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) أي هي الأولى بكم »(١) .

مصادر ترجمة ثعلب

ولقد ترجم لأبي العباس ثعلب بكل ثناء وتبجيل في المصادر التالية:

١ - وفيات الأعيان ١ / ٨٤ - ٨٧.

٢ - تاريخ بغداد ٥ / ٢٠٤.

٣ - مرآة الجنان حوادث سنة ٢٩١.

٤ - العبر في خبر من غبر حوادث سنة ٢٩١.

٥ - تتمة المختصر في أخبار البشر حوادث سنة ٢٩١.

وقد أوردنا في الكتاب سابقاً ترجمته عن هذه الكتب.

وقال الذهبي بترجمته في ( تذكرة الحفاظ ): « ثعلب - العلّامة المحدّث شيخ اللّغة والعربية حدّث عنه: نفطويه ومحمد بن العباس اليزيدي وعلى الأخفش ومحمد بن الأعرابي وأحمد بن كامل وأبو عمرو الزاهد ومحمد بن مقسم وآخرون. مولده سنة ٢٠٠. وابتدأ بالطلب سنة ست عشرة حتى برع في علم الأدب، ولو سمع إذ ذاك لسمع من عفان ودونه.

وإنما أخرجته في هذا الكتاب لأنه قال: سمعت من القواريري مائة ألف حديث. وقال الخطيب. وقال الخطيب: كان ثعلب ثقة حجة ديّناً صالحاً مشهوراً بالحفظ قال المبرّد: أعلم الكوفيين ثعلب. فذكر له الفرّاء فقال: لا يعشره »(٢) .

____________________

(١). شرح المعلقات للزوزني: ٩١.

(٢). تذكرة الحفاظ ٢ / ٦٦٦.

٣٣

(٧)

أبو العباس المبرد

وأما حكم أبي العباس محمد بن يزيد المبرد بمجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) فقد ذكره علم الهدى السيد المرتضىرضي‌الله‌عنه حيث قال: « قال أبو العباس بالمبرّد في كتابه المترجم عن صفات الله تعالى: أصل يا ولي أولى الذي هو أولى وأحق، ومثله المولى »(١) .

مصادر ترجمة المبرد

وللمبرّد ترجمة في كثير من كتب التاريخ والأدب مع المدح العظيم والثناء الجميل، وقد أشرنا سابقاً إلى ترجمته في عدة من المصادر، مثل:

١ - وفيات الأعيان ٤ / ٣١٤.

٢ - العبر في خبر من غبر حوادث: ٢٨٥.

٣ - تاريخ بغداد ٣ / ٣٨٠ - ٣٨٧.

٤ - مرآة الجنان حوادث: ٢٨٥.

٥ - بغية الوعاة ١ / ٢٦٩.

٦ - المنتظم في تاريخ الأمم ٧ / ٩ - ١١.

وقد نصّ جلال الدين السّيوطي على وثاقته حيث قال: « وكان فصيحاً بليغاً مفوهاً ثقةً أخباريا علّامة صاحب نوادر وظرافة »(٢) .

____________________

(١). الشافي في الامامة: ١٢٣.

(٢). بغية الوعاة ١ / ٢٦٩.

٣٤

ترجمة الشريف المرتضى

وأما السيد المرتضى الذي نقل عن المبرد كلامه المذكور فمن كبار علمائنا الذي أطراهم علماء السنة وأثنوا عليهم الثناء البالغ، وذكروا فضائلهم وأوصافهم الحميدة في معاجم الرجال ومصادر التراجم وقد تقدم سابقاً في الكتاب طرف من كلماتهم في حقه. فراجع.

(٨)

أبو إسحاق الزجّاج

وأما حكم أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بمجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) فهو صريح كلام الفخر الرازي في ( نهاية العقول ) وقد نقلناه آنفا.

ترجمة الزجاج

١ - السمعاني: « والمشهور بهذه النسبة أبو إسحاق إبراهيم بن السري بن سهل النحوي الزجاج، صاحب كتاب معاني القرآن.

كان من أهل الفضل والدين، حسن الاعتقاد، حميد المذهب، وله مصنفات حسان في الأدب »(١) .

٢ - النووي: « أبو اسحاق الزجاج الامام في العربية، مذكور في الروضة في الشرط في الطلاق، فيمن علّق طلاقها بأوّل ولد، هو أبو إسحاق [ إبراهيم ] بن السرّي بن سهل البصري النحوي، صاحب كتاب معاني القرآن قال الخطيب في

____________________

(١). الأنساب - الزجاج.

٣٥

تاريخ بغداد. كان أبو إسحاق الزجاج هذا من أهل الفضل والدين حسن الاعتقاد وحسن المذهب، له مصنّفات حسان في الأدب. روى عنه علي بن عبد الله بن المغيرة وغيره وتوفي الزجاج يوم الجمعة لإِحدى عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة سنة ٣١١ »(١).

٣ - ابن خلكان: « كان من أهل العلم بالأدب والدّين »(٢) .

٤ - اليافعي: « كان من أهل العلم بالأدب والدّين المتين، وله من التصانيف في معاني القرآن وعلوم الأدب والعربية »(٣) .

(٩)

إبن الأنباري

وأما تصريح محمد بن القاسم الأنباري بمجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) فقد نقله السيد المرتضى حيث قال: « وقال أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري في كتابه في القرآن المعروف بالمشكل: والموالي في اللغة ينقسم إلى ثمانية أقسام، أوّلهنّ المولى المنعم المعتق، ثم المنعم عليه المعتق، والمولى الولي والمولى الأولى بالشيء، وذكر شاهداً عليه الآية التي قدّمنا ذكرها، وبيت لبيد، والمولى الجار، والمولى ابن العم، والمولى الصهر، والمولى الحليف، واستشهد على كلّ واحد من أقسام مولى بشيء من الشعر، لم نذكره لأن غرضنا سواه »(٤) .

____________________

(١). تهذيب الأسماء واللغات ٢ / ١٧٠.

(٢). وفيات الأعيان ١ / ٣١ - ٣٣.

(٣). مرآة الجنان، حوادث ٣١٠.

(٤). الشافي في الامامة: ١٣٤.

٣٦

ترجمة ابن الأنباري

١ - السمعاني: « أبو بكر محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن ابن بيان بن سماعة بن فروة بن قطن بن دعامة الأنباري النحوي، صاحب التصانيف، كان من أعلم الناس بالنحو والأدب، وأكثرهم حفظاً روى عنه: أبو الحسن الدار قطني، وأبو عمر ابن حيويه الخزاز، وأبو الحسين بن البواب وطبقتهم.

وكان صدوقاً فاضلاً ديّناً برّاً خيراً من أهل السنّة، وصنّف كتباً كثيرة في علم القرآن وغريب الحديث والمشكل والوقف والابتداء والرد على من خالف مصحف العامة، وكان يملي وأبوه حي، يملي هو في ناحية من المسجد وأبوه في ناحية أخرى، وكان يحفظ ثلاثمائة ألف بيت شاهد في القرآن، وكان يملي من حفظه، وما كتب عنه الإِملاء قط إلّا من حفظه. وكانت ولادته في رجب سنة ٢٧١. وتوفي ليلة النحر من ذي الحجة سنة ٣٢٨ »(١) .

٢ - ابن الأثير: « ثم صنّف الناس غير من ذكرنا في هذا الفن تصانيف كثيرة منهم: شمس بن حمدويه، وأبو العباس أحمد بن يحيى اللغوي المعروف بثعلب، وأبو العباس محمد بن يزيد الثمالي المعروف بالمبرد، وأبو بكر محمد بن القاسم الأنباري، وأحمد بن الحسن الكندي، وأبو عمرو محمد بن عبد الواحد الزاهد صاحب ثعلب وغيرهم.

هؤلاء من أئمة اللغة والنحو والفقه والحديث »(٢) .

٣ - ابن خلكان: « كان علّامة وقته في الأدب، وأكثر الناس حفظاً لها، وكان صدوقاً ثقة ديّناً خيّراً من أهل السنّة »(٣) .

____________________

(١). الأنساب - الأنباري.

(٢). النهاية في غريب الحديث - خطبة الكتاب.

(٣). وفيات الأعيان ٣ / ٣٦٣.

٣٧

٤ - الذهبي: « ابن الأنباري الحافظ شيخ الإسلام كان من أفراد الدهر في سعة الحفظ مع الصّدق والدين. قال الخطيب: كان صدوقاً ديّناً من أهل السنّة »(١) .

٥ - الصفدي: « محمد بن القاسم بن محمد بن بشار أبو بكر ابن الأنباري النحوي اللغوي العلّامة كان إماماً في نحو الكوفيين، وأملى كتاب غريب الحديث في خمسة وأربعين ورقة ...»(٢) .

٦ - ابن الجزري: « الإِمام الكبير والأُستاذ الشهير قال أبو علي القالي: كان ابن الأنباري يحفظ ثلاثمائة ألف بيت شاهداً في القرآن، وكان ثقة صدوقاً، وكان أحفظ من تقدّم من الكوفيين.

وقال حمزة بن محمد بن ماهر: كان زاهداً متواضعاً.

وقال الداني فيه: إمام في صناعته مع براعة فهـ وسعة علمه وصدق لهجته. وقال أبو علي التنوخي: كان ابن الأنباري يملي من حفظه، ما أملى قط من دفتر قال محمد بن جعفر التميمي: ما رأينا أحفظ من ابن الأنباري ولا أغزر من علمه، حدّثوني عنه أنه قال: أحفظ ثلاثة عشر صندوقاً. قال التميمي:

وهذا ما لا يحفظ لأحد قبله. وحدّثت عنه أنّه كان يحفظ مائة وعشرين تفسيراً بأسانيدها ...»(٣) .

٧ - السيوطي: « قال الزبيدي: كان من أعظم الناس علماً بالنحو والأدب، وأكثرهم حفظاً، سمع من ثعلب وخلق، وكان صدوقاً فاضلاً ديّناً خيّراً من أهل السنّة »(٤) .

____________________

(١). تذكرة الحفاظ ٣ / ٨٤٢.

(٢). الوافي بالوفيات ٤ / ٣٤٤.

(٣). طبقات القراء ٢ / ٢٣٠.

(٤). بغية الوعاة ١ / ٢١٢.

٣٨

(١٠)

محمد بن عزيز السجستاني

وأما تصريح محمد بن عزيز السجستاني العزيزي بمجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) فقد جاء في تفسيره لغريب القرآن المسمى ( نزهة القلوب ) حيث قال: « مولانا. أي: ولينا. والمولى على ثمانية أوجه: المعتق والمعتق والولي والأولى بالشيء وابن العم والصهر والجار والحليف ».

نزهة القلوب

وهذا التفسير أوله: « الحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله وسلّم تسليما، هذا تفسير غريب القرآن ألف على حروف المعجم ليقرب تناوله ويسهل حفظه على من أراده. وبالله التوفيق والعون ».

ذكره القاضي الشوكاني بقوله: « تفسير السجستاني المسمى نزهة القلوب أرويه بالإسناد السابق إلى الشماخي أيضا عن أحمد بن عباس السامري عن محمد ابن علي المؤذن عن عبد الله بن محمد بن دحمان عن محمد بن أحمد المعروف بابن الخطاب عن أبي الحسن عبد الباقي بن فارس المقري عن عبد الله بن الحسين بن حسنون المقري عن المؤلف »(١) .

ترجمة العزيزي السجستاني

١ - السيوطي: « محمد بن عزيز أبو بكر العزيزي السجستاني بزائين

____________________

(١). إتحاف الأكابر بإسناد الدفاتر: ٢٥.

٣٩

معجمتين كما ذكره الدارقطني وابن ماكولا وغيرهما. وقيل: الثانية مهملة نسبة لبني عزرة، وردّ بأن القياس فيه العزري لا العزيري.

كان أديباً فاضلاً متواضعاً، أخذ عن أبي بكر الأنباري، وصنّف غريب القرآن المشهور فجوّده، ويقال: إنه صنّفه في خمس عشرة سنة، وكان يقرؤه على شيخه الأنباري يصلح فيه مواضع. رواه عنه ابن سحنون وغيره. مات سنة ٣٠٣.

وقال ابن النجّار في ترجمته: كان عبداً صالحاً، روى عنه غريب القرآن أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان المعروف بابن بطّة العكبري وأبو عمرو عثمان بن أحمد بن سمعان الوزّان، وأبو أحمد عبد الله بن حسنون المقري وغيرهم.

قال: والصحيح في اسم أبيه عزير آخره راء. هكذا رأيته بخط ابن ناصر الحافظ، وذكر أنه شاهده بخط يده وبخط غير واحد من الذين كتبوا كتابه عنه وكانوا متقنين. وذكر لي شيخنا أبو محمد الأخضر أنه رأى نسخة بغريب القرآن بخط مصنفه وفي آخرها: كتبه محمد بن عزير بالراء المهملة »(١) .

٢ - السيوطي: أيضاً: « النوع السادس والثلاثون في معرفة غريبه، أفرده بالتصنيف خلائق لا يحصون منهم: أبو عبيدة وأبو عمرو الزاهد وابن دريد. ومن أشهرها: كتاب العزيزي فقد أقام في تأليفه خمس عشرة سنة يحرّره هو وشيخه أبو بكر ابن الأنباري »(٢) .

٣ - السمعاني: « وكتاب غريب القرآن للعزيري، وهو: محمد بن عزير السجستاني المعروف بالعزيري لأنه من بني عزرة. هكذا ذكره القاضي أبو الفرج محمد بن عبيد الله بن أبي البقاء القاضي، وروى الكتاب عن أبي موسى الأندلسي

____________________

(١). بغية الوعاة ١ / ١٧١.

(٢). الإِتقان في علوم القرآن ١ / ١١٥.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

أخبرَني أبو محمّدٍ الحسنُ بن محمدٍ العلويّ، عن جدِّه، عن محمّدِ بنِ ميمون البزّاز قال: حدّثَنا سفيان بنُ عُيَيْنةَ، عنِ ابنِ شهاب الزُّهْريِّ قالَ: حدّثَناعليٌ بن الحسينِعليهما‌السلام - وكانَ أفضلَ هاشميًّ أدركْناه - قالَ: «أحِبُّونا حُبَّ الاسلامِ، فما زالَ حبُكم لنا حتّى صارَ شَيْناً علينا»(١) .

وروى أَبومعمّرٍ، عن عبدِ العزيزِ بنِ أَبي حازمِ قالَ: سمعتُ أَبي يقولُ: ما رأَيتُ هاشميّاً أفضلَ من علي بنِ الحسينِعليهما‌السلام (٢) .

أَخبرَني أَبومحمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ بنِ يحيى قالَ: حدّثَني جدِّي قالَ: حدّثَني أَبو محمّد الأنصاريُّ قالَ: حدّثَني ُمحمد بنُ ميمون البزّاز قالَ: حدّثَنا الحسينُ بن عَلْوانَ، عن أَبي عليٍّ زيادِ بنِ رُسْتَمَ، عن سعيدِ ابنِ كُلثوم قالَ: كنتُ عندَ الصّادقِ جعفرِ بنِ محمّدٍعليهما‌السلام فذُكِرَ أميرُ المؤمنينَ عليُّ بنُ أَبي طالبٍعليه‌السلام فأَطراه ومدحَه بما هو أَهلُهُ، ثمّ قالَ: «واللّهِ ما أكلَ عليّ بنُ أَبي طالبٍعليه‌السلام منَ الدًّنيا حراماً قطُّ حتّى مضى لسبيلهِ، وما عُرِضَ له أَمرانِ قطُّ هما للهِّ رضى الله أَخذَ بأَشدِّهما عليه في دينهِ، وما نزلتْ برسولِ اللّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله نازلةٌ إِلاٌ دعاه فقدّمَه ثقةً به، وما أَطاقَ عملَ رسولِ اللهِّ من

__________________

(١) رواه ابن سعد بسند آخر في الطبقات ٥: ٢١٤، وابو نعيم في الحلية ٣: ١٣٦، والذهبي في سير أعلام النبلاء ٤: ٣٨٩، وابن منظور في مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٢٤٢، ونقله المجلسي في البحار ٤٦: ٥٨ / ٧٣.

وفي هامش «ش»: اهذا نهي لهم عن الغلوّ، يقول:أحبونا الحب الذي يقتضيه الاسلام ولا تتجاوزوا الحدّ فيكون غلوّاً.

(٢) علل الشرائع: ٢٣٢، حلية الاولياء ٣: ١٤١، وعن الحلية وتاريخ النسائي رواه ابن شهرآشوب في المناقب ٤: ١٥٩، تذكرة الخواص: ٢٩٧، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٧٣ / ٦٠.

١٤١

هذهِ الامّةِ غيرُه، وإنْ كانَ لَيَعْمل عملَ رجلٍ كأَنَّ وجهَه بينَ الجنّةِ والنّارِ، يَرجو ثوابَ هذه ويخافُ عقابَ هذه، ولقد أَعتقَ من مالِه أَلفَ مملوك في طلب وجهِ اللّهِ والنّجاةِ منَ النّارِ ممّا كدَّ بيديه ورشحَ منه جبينه، وأن كان ليقوتُ اهلَه بالزّيتِ والخلِّ والعجوةِ، وما كانَ لباسُه إلّا الكرابيسَ، إِذا فضلَ شيءٌ عن يدِه من كمِّه دعا بالجَلَمِ(١) فقصه، وما أَشبهه من ولدِه ولا أَهلِ بيتِه أَحدٌ أَقرب شبهاً به في لباسِه وفقهه من عليِّ بنِ الحسينِعليهما‌السلام .

ولقد دخلَ أَبو جعفر - ابنه -عليهما‌السلام عليه فإذا هو قد بلغَ منَ العبادةِ ما لم يبلُغْه أَحدٌ، فرآه قدِ اصفرّ لونُه منَ السّهرِ، ورمَصَتْ عيناه منَ البكاءِ، ودَبِرَتْ جبهته وانخرمَ أَنفُه منَ السُجودِ، ووَرِمَتْ ساقاه وقدماه منَ القيامِ في الصّلاةِ، فقالَ أَبو جعفرعليه‌السلام : «فلم أَملكْ حينَ رأَيتُه بتلكَ الحالِ البكاءَ، فبكيتُ رحمةً له(٢) ، وإذا هو يُفكِّر، فالتفتَ إِليّ بعدَ هُنيهةٍ من دخولي فقالَ: يابُنَيٌ، أَعطِني بعضَ تلكَ الصحفِ التّي فيها عبادةُ عليِّ بنِ أَبي طالبٍعليه‌السلام ، فأَعطيتُهُ، فقرأ فيها شيئاً يسيراً ثمّ تركَها من يدِه تضجُّراً وقالَ: مَنْ يَقوى على عبادةِ عليّعليه‌السلام ؟! »(٣) .

وروى محمّدُ بن الحسينِ قالَ: حدّثَنا عبدُاللّهِ بن محمّدٍ القُرشيّ قالَ: كانَ علي بنُ الحسينِعليهما‌السلام إِذا توضّأ اصفَرَّ لونُه، فيقولُ له

__________________

(١) الجَلَم: الذي يجزّ به الشعر والصوف، كالمقص «مجمع البحرين - جلم - ٦: ٣٠».

(٢) فى هامش «ش» و «م»: عليه.

(٣) ذكر ذيله ابن شهرآشوب في مناقبه ٤: ١٤٩، وأورده الطبرسي في اعلام الورى: ٢٥٤ مختصراُ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٧٤ / ٦٥.

١٤٢

أَهلُه: ما هذا الّذي يَغشاكَ؟! فيقول: «أَتدرونَ لمن أَتاهَّبُ للقيام بينَ يديه »(١) .

وروى عمرُو بنُ شمرٍ، عن جابرٍ الجعفيّ، عن أَبي جعفرعليه‌السلام قالَ: «كانَ علي بنُ الحسينِعليهما‌السلام يُصلِّي في اليوم والليلةِ أَلفَ ركعةٍ، وكانتِ الرِّيحُ تمَيِّله بمنزلةِ السُّنبلةِ»(٢) .

وروى سفيانُ الثوريُّ، عن عبيدِاللهِ بنِ عبدِ الرّحمنِ بنِ مَوْهَبٍ قالَ: ذكِرَ لعليِّ بنِ الحسينِ فضلُه فقالَ: «حَسْبُنا أَن نكونَ من صالحي قومِنا»(٣) .

أَخبرَني أَبومحمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ، عن جدّه، عن سلمة بن شَبيب، عن عُبيدِاللّهِ بنِ محمّد التّيميِّ قالَ: سمعتُ شيخاً من عبدِ القيس يقولُ: قالَ طاوُوس: دخلتُ الحِجْرَ في الليل، فإِذا عليّ بنُ الحسينِعليهما‌السلام قد دخلَ فقامَ يُصلِّي، فصلّىَ ما شاءَ الله ثمّ سجدَ، قالَ: فقلتُ: رجلٌ صالحٌ من أَهلِ بيتِ الخيرِ، لأستمعَنَّ إِلى دعائه، فسمعتهُ يقولُ في سجودِه: «عَبيدُكَ بفِنائكَ، مِسكينُكَ بفِنائكَ، فقيرُكَ بفِنائكَ، سائلُكَ بفِنائكَ ». قالَ طاووس: فما

__________________

(١) مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٢٣٦، وذكر ما يشابهه ابن سعد في طبقاته ٥: ٢١٦، وابو نعيم في حليته ٣: ١٣٣، والذهبي في سير اعلام النبلاء ٤: ٣٩٢، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٧٣ / ١٦.

(٢) مناقب ابن شهرآشوب ٤: ١٥٠، اعلام الورى:٢٥٥، وانظر الخصال: ٥١٧ / ٤ صدر الحديث، وكذا سير اعلام النبلاء ٤: ٣٩٢، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٧٤ / ٦٢.

(٣) طبقات ابن سعد٥: ٢١٤، مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٢٣٥، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ١٦٢، اعلام الورى: ٢٥٥، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٧٤ / ٦٣.

١٤٣

دعوتُ بهنَّ في كَرْبٍ لأفُرِّجَ عنِّي(١) .

أَخبرَني أَبومحمّدٍ الحسنُ بنُ محمد، عن جدِّه، عن أحمد بن محمّدٍ الرّافعيّ، عن إِبراهيم بن عليٍّ، عن أَبيه قالَ: حججتُ معَ عليٍّ بنِ الحسينِعليه‌السلام فالْتَاثَتْ(٢) عليه النّاقةُ في سيرِها، فاَشارَ إِليها بالقضيبِ ثمّ قالَ: «آه! لولا القِصاص» وردَّ يدَه عنها(٣) .

وبهذا الاسنادِ قالَ: حج عليُّ بنُ الحسينِعليهما‌السلام ماشياً، فسارَ عشرينَ يوماً منَ المدينةِ إِلى مكّةَ(٤) .

أَخبرَني أَبو محمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ قالَ: حدّثَنا جدِّي قالَ: حدّثَنا عمّارُ بنُ أَبان َقال: حدّثَنا عبدُاللهِّ بن بُكَيْرٍ، عن زُرارة بن أَعيَنَ قالَ:سمعَ سائلٌ في جوفِ الليلِ وهويقولُ: أَينَ الزّاهدونَ في الدّنيا، الرّاغبونَ في الآخرةِ؟ فهتفَ به هاتفٌ من ناحيةِ البقيعِ يُسمَعُ صوتُه ولا يُرى شخصُه: ذاكَ علي بن الحسينِعليه‌السلام (٥) .

وروى عبدُ الرزّاقِ، عن مَعْمرٍ، عنِ الزّهريّ قالَ: لم أُدركْ أَحداً من أَهلِ هذا البيتِ - يعني بيتَ النّبيِّعليه‌السلام - أفضلَ من عليِّ

__________________

(١) سير أعلام انبلاء ٤: ٣٩٣، وفي هامشه عن ابن عساكر ١٢: ٢٠ آ، ب، مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٢٣٥، وفي كفاية الطالب: ٤٥١، وتذكرة الخواص: ٢٩٧، والفصول المهمة: ٢٠٢، باختلاف يسير، وثقله العلامة إلمجلسي في البحار ٤٦: ٧٥ / ٦٦.

(٢) التاثت الناقة: اي ابطأت في سيرها. «مجمع البحرين - لوث - ٢: ٢٦٢ ».

(٣) مناقب إبن شهرآشوب ٤: ١٥٥، اعلام الورى:٢٥٥، الفصول المهمة: ٢٠٣، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٧٦ / ٦٩.

(٤) مناقب ابن شهرآشوب ٤:١٥٥، اعلام الورى: ٢٥٦، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٧٦ / ٧٠.

(٥) مناقب ابن شهرآشوب ٤: ١٤٨، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٧٦ / ٦٧.

١٤٤

ابنِ الحسينِعليهما‌السلام (١) .

أَخبرَني أَبو محمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ قالَ: حدّثَني جدِّي قال: حدّثَنا أَبو يونسَ محمّدُ بنُ أحمدَ قالَ: حدّثَني أَبي وغيرُ واحدٍ من أصحابنا: أَنّ فتىً من قُرَيشٍ جلسَ إِلى سعيدِ بنِ المُسيَّب، فطلعَ عليُّ بنُ الحسينِعليهما‌السلام فقالَ القُرَشيُّ لابنِ المُسيِّبَ: مَنْ هذا يا أَبا محمّدٍ؟ قالَ: هذا سيِّدُ العابدينَ علي بنُ الحسينِ بنِ عَليِّ بنِ أَبي طالبِعليهم‌السلام (٢) .

أخبرَني أَبومحمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ قالَ: حدّثَتي جدِّي قالَ: حدّثَني محمّدُ بنُ جعفرٍ وغيرُه قالوا: وقفَ على عليِّ بنِ الحسينِعليهما‌السلام رجلٌ من أَهلِ بيتهِ فأَسمعَه وشتمه، فلم يكلِّمْه، فلمّا انصرفَ قالَ لجلسائه: «قد سمعتم ما قالَ هذا الرّجلُ، وأَنا أًحِبُّ أَن تَبلغوا معي إِليه حتّى تَسمعوا رَدِّي عليه » قالَ: فقالوا له: نفعلُ، ولقد كنّا نُحبُ أَن تَقولَ له ونَقولَ، قالَ: فأخذ نعليه ومشى وهو يقولُ:( وَالْكَاظِمِيْنَ الْغَيْظَ وَالْعَافِيْنَ عَنِ الناس وَاللُّه يُحِبُّ الْمُحْسِنِيْنَ ) (٣) فعلمْنا أَنّه لا يقولُ له شيئاً، قالَ: فخرجَ حتَّى أَتى منزلَ الرّجلِ فصرخَ به فقالَ: «قولوا له: هذا علي بنُ الحسينِ » قالَ: فخرجَ إِلينا ًمتوثّباً للشّرِّ، وهو لا يشكُ أَنّه إِنّما جاءه مُكافِئاً له على بعضِ ما كانَ منه، فقالَ له علي بنُ الحسينِعليهما‌السلام : « يا

__________________

(١) الجرح والتعديل ٦: ١٧٩، سير أعلام النبلاء ٤: ٣٨٩، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٧٦ / ٧١.

(٢) نقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٧٦ / ٧٢.

(٣) آل عمران ٣:١٣٤.

١٤٥

أَخي إِنّكَ كنت قد وقفتَ عليّ آنِفاً فقلتَ وقلتَ، فإِن كنتَ قلتَ ما فيَّ فأَستغفرُ اللهَ منه، وِان كنتَ قلتَ ما ليسَ فيَّ فغفرَ اللّه لكَ » قالَ: فقبّلَ الرّجلُ ما بينَ عينيه وقالَ: بل قلتُ فيكَ ما ليسَ فيكَ، وأَنا أحقُ به.

قالَ الرّاوي للحديثِ: والرّجلُ هو الحسنُ بنُ الحسنِ(١) .

أَخبرَني الحسنُ بنُ محمّدٍ، عن جدِّه قالَ: حدّثَني شيخٌ من أَهلِ اليَمَنِ قد أَتتْ عليه بضعٌ وتسعونَ سنةً (بما أَخبرَني به رجلٌ )(٢) يقالُ له عبداللهُ بن محمّدٍ قالَ: سمعتُ عبدَ الرّزّاقِ يقولُ: جعلتْ جاريةٌ لعليِّ بنِ الحسينِعليهما‌السلام تَسكبُ عليه الماءَ ليتهيّأَ للصّلاةِ، فنعستْ فسقطَ الإبريقُ من يدِ الجاريةِ فشجَّه، فرفعَ رأسَه إليها فقالتْ له الجاريةُ: إِنّ اللهَّ يقولُ:( وَالكَاظِمِيْنَ الْغَيْظَ ) (٣) قالَ: « قد

__________________

(١) ذكره مختصراً ابن شهرآشوب في المناقب ٤: ١٥٧، والذهبي في سير اعلام انبلاء ٤: ٣٩٧، وفي هامشه عن ابن عساكر ١٢: ٢٤ آ، وابن منظور في مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٢٤٠، ونقله ألعلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٥٤ / ١.

(٢) كذا في «ش» و «م» و «ح »، وفي هامش «ش»، قال أخبرني رجل، وفوقه علامة النسخة، وفي هامش «م» كلمة قال وكأن المراد منه هو نفس ما في هامش «ش»، ونسخة البحار موافقة لهذه النسخة. وقد ورد الخبر في امالي الصدوق بنفس السند حيث قال: حدثنا الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيدالله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قال: حدثني يحيى بن الحسين بن جعفر قال: حدثني شيخ من أهل اليمن يقال له: عبداللهّ ابن محمد قال: سمعت عبد الرزاق، كذا في النسخ المعتبرة من الأمالي، وفي النسخة المطبوعة من الأمالي:الحسين بن محمد بن يحيى، وهوتصحيف، وشيخه هو جدّه يحيى بن الحسن بن جعفر وما في نسخ الأمالي المخطوطة تصحيف.

(٣) آل عمران ٣: ١٣٤.

١٤٦

كظمتُ غيظي(١) » قالت:( وَالْعَافِيْنَ عَنِ النَّاسِ ) (٢) قالَ لها: «عفا اللّهُ عنكِ » قالتْ:( وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِيْنَ ) (٣) قالَ: «اذهَبي فأَنتِ حُرةٌ»(٤) .

وروى الواقديُّ قالَ: حدّثَني عبدُاللّهِ بن محمّدِ بنِ عُمَر بن عليٍّ قالَ: كانَ هشامُ بنُ إِسماعيلَ يُسيءُ جوارَنا، ولقيَ منه عليُّ بنُ الحسينِعليهما‌السلام أَذىً شديداً، فلمّا عزِلَ أَمرَ به الوليد أَن يُوقَفَ للنّاسِ ؛ قالَ: فمرَّ به عليُّ بنُ الحسينِ وقد وُقِفَ عندَ دارِ مروانَ، قالَ: فسلّمَ عليه، وكان عليُّ بنُ الحسينِعليه‌السلام قد تقدّمَ إِلى حامّتِه ألّا يعرضَ له أَحدٌ(٥) .

ورُوِيَ:أَن عليَّ بنَ الحسينِعليه‌السلام دعا مملوكَه مرّتينِ فلم يُجِبْه، ثمّ أَجابَه في الثّالثةِ، فقالَ له: «يا بنّي، أما سمعتَ صوتي؟» قالَ: بلى، قالَ: «فما بالُكَ(٦) لم تُجبْني؟» قالَ: أَمِنْتُكَ، قالَ: « الحمدُ للّهِ الّذي جعلَ مملوكي يأْمنِّي(٧) »(٨) .

__________________

(١) في «ش»: ألغيظ، وما في ألمتن من نسخة «م» و «ح » وهامش «ش» ونسخة البحار، وكذا بعض المصادر.

(٢) و (٣) آل عمران ٣: ١٣٤.

(٤) مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٢٤٠، وذكره الصدوق في أماليه: ١٦٨ / ١٢، وابن شهراشوب في مناقبه ٤: ١٥٧، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦:٦٨ / ٣٧.

(٥) انظر تاريخ الطبري ٦: ٤٢٨، كامل ابن الأثير ٤: ٥٢٦، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٥٥ / ٥.

(٦) في «م» وهامش «ش»: فمالك.

(٧) في هامش «ش» يأْمنني.

(٨) مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٢٤٠، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ١٥٧، اعلام الورى: ٢٥٦، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٥٦ / ٦.

١٤٧

أَخبرَني أَبومحمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدِ بن يحيى قالَ: حدّثَني جدِّي قالَ: حدّثَنا يعقوبُ بنُ يزيدَ قالَ: حدّثَنا ابنُ أَبي عُمَيرٍ، عن عبدِاللّهِ بنِ المغيرةِ، عن أَبي جعفرٍ الأعشى، عن أَبي حمزةَ الثُّمالي، عن عليِّ بنِ الحسينِعليهما‌السلام قالَ: «خرجتُ حتّى انتهيتُ إِلى هذا الحائطِ فاتكأت عليه، فإِذا رجلٌ عليه ثوبانِ أَبيضانِ يَنظُر في تجاهِ وجهي، ثمّ قالَ: يا عليَّ بنَ الحسينِ، ما لي أَراكَ كئيباً(١) حزيناً، أَعَلى الدُنيا حُزنُكَ؟ فرِزْقُ اللهِّ حاضرٌ للبَرِّ والفاجرِ؛ قالَ: قلتُ: ما على هذا أحزنُ(٢) ، واِنّه لَكَما تقولُ ؛ قالَ: فعَلى الآخرةِ؟ فهو وعد صادقٌ يَحكمُ فيه مَلِكٌ قاهرٌ ؛ [قالَ: قلتُ: ولا على هذا أَحزن، وانّه لَكَما تقولُ ؛ قالَ: ](٣) فعلامَ حزنُكَ؟ قالَ: قلتُ: أتخوَّفُ من فتنةِ ابن الزبيرِ؛ قالَ: فضحكَ ثمّ قالَ: يا علي بنَ الحسينِ، هل رأَيتَ أحداً قطُ توكَّلَ على اللّهِ فلم يَكفِه؟ قلت: لا ؛ قالَ: يا عليَّ بنَ الحسينِ، هل رأَيتَ أحداً قطُّ خافَ اللّهَ فلم ينْجِه؟ قلتُ: لا ؛ قالَ: يا عليَّ بنَ الحسينِ، هل رأَيتَ أَحداً قط قد سأَلَ اللهَ فلم يُعْطِه؟ قلتُ: لا ؛ ثمّ نظرتُ فإِذا ليسَ قُدَّامي احد(٤) »(٥) .

__________________

(١) في «م» وهامش«ش»:مكتئباً.

(٢) في هامش «ش»: حزني.

(٣) ما بين المعقوفين اثبتناه من المطبوع وبعض المصادر الاخرى كأمالي المصنف والكافي ومختصر تاريخ دمشق.

(٤) في مختصرتاريخ دمشق هنا زيادة: » يا علي هذا الخضرعليه‌السلام ناجاك».

(٥) التوحيد للصدوق:١٧ / ٣٧٣، مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٢٣٨، الكافي ٢: ٥٢ / ٢ بطريق آخر، والمصنف في اماليه:٣٤ / ٢٠٤، واخرج نحوه ابو نعيم في حليته ٣: ١٣٤، والكنجي الشافعي في كفاية الطالب: ٤٥٠، وابن الصباغ في الفصول المهمة: ٢٠٣، والمناقب لابن شهرآشوب ٤: ١٣٧، والخرائج والجرائح للراوندي ١: ٢٦٩ / ١٣،

١٤٨

أخبرني أبو محمدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ قالَ: حدّثَنا جدي قال: حدّثَنا أبو نصرٍ قالَ: حدّثَنا عبدُ الرّحمن بن صالحٍ قالَ: حدّثَنا يونسُ بنُ بُكَيرٍ، عنِ (ابنِ إِسحاق )(١) قالَ: كانَ بالمدينةِ كذا وكذا أَهل بيتٍ يأْتيهم رِزقُهم وما يحتاجونَ إِليه، لا يدرونَ مِن أَينَ يأْتيهم، فلمّا ماتَ عليُّ بنُ الحسينِعليهما‌السلام فَقَدُوا ذلكَ(٢) .

أخبرَني أَبو محمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ قالَ: حدّثَنا جدِّي قالَ: حدّثَنا أَبونصرٍ قالَ: حدّثَنا محمّدُ بنُ عليِّ بنِ عبدِاللّهِ قالَ: حدّثَني أَبي قالَ: حدّثَنا عبدُاللّه بن هارونَ قالَ: حدّثَني عمرُو بنُ دينارٍ قالَ: حضرتْ زيدَ بنَ أُسامة بن زيدٍ الوفاةُ فجعلَ يبكي، فقالَ له عليُّ بنُ الحسينِعليهما‌السلام : «ما يُبكيكَ؟» قالَ: يُبكيني أَنّ عليَّ خمسةَ عشرَأَلفَ دينارٍ ولم أَتركْ لها وفاءً؛ فقالَ له عليُّ بنُ الحسينِعليه‌السلام : «لا تَبكِ، فهي عَلَيَّ، وأَنتَ منها بريء » فقضاها عنه(٣) .

وروى هارونُ بنُ موسى(٤) قالَ: حدّثَنا عبدُ الملك بن عبدِ العزيزِ

__________________

ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٣٧ / ٣٣.

(١) كذا في «م» والبحار، وفي «ح »: أبي اسحاق، كما في «ش»: علي بن اسحاق.

ويونس بن بكيرالشيباني يروي عن محمد بن اسحاق كما في تهذيب التهذيب١١:٤٣٥، ونقل ابن منظور في مختصرتاريخ دمشق عين الحديث عن محمد بن اسحاق. وهو الأنسب.

(٢) مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٢٣٨، وذكره ابو نعيم في حلية الاولياء ٣: ١٣٦، باختلاف يسير، وابن حجر في تهذيب التهذيب ٧: ٢٧٠ و ١١: ٣٨٢، وابن شهرآشوب في مناقبه ٤: ١٥٣، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٦ه / ٧.

(٣) مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٢٣٩، وانظر حلية الاولياء ٣: ١٤١، وتذكرة الخواص: ٢٩٨، مناقب آل أبي طالب ٤: ١٦٣، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٥٦ / ٨.

(٤) هارون بن موسى هذا من مشايخ يحيى بن الحسن العبيدلي، انظر غاية الاختصار: ٢٢، ٢٤، ٣٢، وقد روى عن عبد الله بن نافع الزبيري في ص ٣٢ من غاية الاختصار، وهو

١٤٩

قالَ: لمّا وليَ عبدُ الملك بن مروانَ الخلافةَ ردَّ إلى عليِّ بنِ الحسينِ صلواتُ اللّهِ عليهما صدقاتِ رسولِ اللّهِ وعليٌِ بنِ أَبي طالبِ صلواتُ الله عليهما، وكانتا مضمومتينِ، فخرجَ عمرُ بنُ عليٍّ إِلى عبدِ الملكِ يتظلّمُ إِليه من نفسه ؛(١) فقال له عبد الملك: أقولُ كما قال ابن أَبي الحقيق:

إِنَّا إِذَاَ مَالَتْ دَوَاعِي الْهَوَى

وَأنصَتَ السَّامِعُ لَلْقَائِل

وَاصْطَرَعَ النَّاسُ بِأَلْبَابهِمْ

نقضي بحُكْمٍ عَادِلٍ َفاصِلِ

لا نَجْعل الْباطِلَ حَقاً وَلاَ

نُلِظًّ(٢) دُوْنَ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ

نَخَافُ أَنْ تَسْفَهَ أَحلامُنَا فنَخْمُلَ

الدَّهرَمعَ الْخَاملِ(٣)

أخبرَني أَبو محمّد الحسنُ بنُ محمّدٍ قالَ: حدّثَنا جدِّي قالَ: حدّثَنا أَبوجعفرٍ محمّدُ بن إِسماعيلَ قالَ: حجَّ عليُّ بنُ الحسينِعليهما‌السلام فاستجهرَ(٤) الناس من جمالهِ، وتَشوّفوا إِليه وجعلوا يقولونَ: مَنْ هذا؟! مَن هذا؟! تعظيماً له وِاجلاللاً لمرتبتِه، وكانَ الفرزدقُ هناكَ

__________________

هارون بن موسى بن عبدالله المدني مولى آل عثمان الذي عنونه ابن حجر وذكر روايته عن عبدالله بن نافع الزبيري في وروايته عن عبد الملك ابن الماجشون، وعبد الملك بن الماجشون هو عبد الملك بن عبد العزيز بن عبدالله بن أبي سلمة الماجشون التيمي مولاهم أبو مروان المدني المتوفى سنة ٢١٢ أو ٢١٤، ومن هذا كله يظهر أن الرواية مأخوذة من كتاب يحيى بن الحسن العبيدلي.

(١) في هامش «ش»: أي من اختلال احوال نفسه.

(٢) اُلظّ به: لازمه لا يفارقه. «الصحاح - لظظ - ٣: ١١٧٨ ».

(٣) نقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ١٢١ / ١١.

(٤) لم نعثر على هذه الصيغة في بعض الموسوعات اللغوية المفصلة، وفي هامش النسختين «ش» و «م»: جهرت ألرجل وأجتهرته [أصح - كما في هامش «ش»] اذا استحسنته، وما أحسن جهره وجهرته.

١٥٠

فانشأ يقولُ:

هذَا الَّذِيْ تَعْرِفُ الْبَطْحاءُ وَطْاتَهُ

وَالبيْتُ يعْرفُهُ وَالْحِلُّ وَالْحرَمُ

هذَا ابنُ خيْرِ عِبَادِ الله كلّهِمُ

هذَا التقيُّ النًّقِيُّ الطاهِرُ الْعَلَمُ

يَكَادُ يُمسِكُهُ عِرْفان رَاحتِهِ

رُكنُ الحَطِيْمِ إِذَا ماجَاءَ يَسْتَلمُ

يُغْضيْ حياءً وَيغْضَى منْ مَهَابتِهِ

فمَا يُكلَّمُ إلا حينَ يبتَسِمُ

أَيُّ الْخلائقِ لَيْسَتْ في رِقابهِمُ

لأوَّلِيّةِ هذَا أَولهُ نعَمُ

منْ يَعْرِفِ اللهَّ يَعْرِفْ أَوَّلِيّةََ ذَا

فَالدِّيْنُ مِنْ بَيْتِ هذَا نَالَهُ الأممُ

إِذَا رَأتهُ قرَيْشٌ قالَ قائلهَا

إِلى مَكَارِمِ هذَا يَنْتَهِي الْكَرَمُ(١)

 أخبرَني أَبومحمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ، عن جدِّه قالَ: حدّثَني داودُ ابن القاسمِ قالَ: حدّثَنا الحسينُ بنُ زيد، عن عمِّه عمر بن عليٍّ، عن أَبيه عليِّ بنِ الحسينِعليهما‌السلام أَنّه كانَ يقولُ: «لم أَرَ مثلَ التّقدُّم في الدُّعاءِ، فإِنّ العبدَ ليسَ يَحضرُه الأجابةُ في كلِّ وقتٍ(٢) ».

وكانَ ممّا حُفِظَ عنه منَ الدُّعاءِ حينَ بلغَه تَوجُّهُ مُسْرِفِ بنِ عُقْبةَ إِلى المدينةِ:

«ربِّ كم من نعمةٍ أَنعمتَ بها عليَّ قلَّ لكَ عندَها شكري، وكم

__________________

(١) ديوان الفرزدق ٢: ١٧٨، وانظرالاغاني ٢١: ٣٧٦، الاختصاص: ١٩١، حلية الاولياء ٣: ١٣٩، مرآة الجنان ١: ٢٣٩، حياة الحيوان مادة - أسد - ١: ٩، مناقب ابن شهرآشوب ٤: ١٦٩، كفاية الطالب: ٤٥١، الفصول المهمة: ٢٠٧، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ١٢١ / ١٣، وثمة رواية أخرى للواقعة في المصادر آنفة الذكر.

(٢) جاء في هامش «ش» ما نصّه: هذا أمرمنه بالدعاء أيام الرخاء ليكون مفزعاً وعدّة أيام البلاء، فربما يوافق وقت الشدة الوقت الذي لا يستجاب الدعاء فيه.

١٥١

من بليّةٍ ابتليتَني بها قلَّ لكَ عندَها صبري، فيا مَنْ قل عند َنعمتِه شكري فلم يَحرِمْني، وقلَّ(١) عندَ بلائه صبري فلم يَخذًلني، يا ذا المعروف الذي ( لا ينقطع )(٢) أبداً، ويا ذا النّعماءِ الّتي لا تُحصى عدداً، صلِّ على محمّدٍ ( وآلِ محمّدٍ )(٣) وادفعْ عنِّي شرّه، فإِنِّي أَدرأُ بكَ في نحرِه، وأَستعيذُ بكَ من شرِّه » فقدمَ مسرفُ بنُ عُقْبةَ المدينةَ وكانَ يقال: لا يُريدُ غيرَعليِّ بنِ الحسينِ ؛ فسَلِمَ منه وأَكرمَه وحباه ووَصَلَه(٤) .

وجاءَ الحديثُ من غير وجهٍ: أنَّ مُسْرِفَ بنَ عُقْبةَ لمّا قدمَ المدينةَ أَرسلَ إِلى علي بنِ الحسينِعليهما‌السلام فأتاه، فلمّا صارَ إِليه قرّبَه وأَكرمَه وقالَ له: وصّاني أَميرُ المؤمنينَ ببرِّكَ وتمييزِكَ من غيركَ ؛ فجزّاه خيراً ؛ ثمّ قالَ: أَسرِجوا له بغلتي، وقالَ له: انصرِفْ إِلى أَهلِكَ، فإِنِّي أَرى أَنْ قد أَفزعْناهم وأَتعبْناكَ بمشيِكَ إِلينا، ولو كانَ بأَيدينا ما نَقوى به على صِلَتِكَ بقدرِ حقِّكَ لَوَصلْناكَ ؛ فقالَ له عليُّ بنُ الحسينِعليهما‌السلام : « ما أَعذرَني للأمير(٥) ! » وركبَ ؛ فقالَ لجلسائه: هذا الخيِّرُ لا شرّ َفيه، معَ موضعِه من رسولِ اللّهِ ومكانِه منه(٦) .

وجاءَتِ الرِّوايةُ: أَنّ عليَّ بنَ الحسينِعليه‌السلام كانَ في مسجدِ رسولِ اللّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله ذاتَ يومٍ إِذ سمعَ قوماً يُشبِّهونَ اللهَّ

__________________

(١) في هامش «ش»: ويا من قل.

(٢) في هامش «ش» و «م»: لاينقضي ولا ينقطع.

(٣) في هامش «ش»: وآله.

(٤) مناقب آل أبي طالب ٤: ١٦٤، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ١٢٢ / ١٤.

(٥) في هامش «ش»: أي أعذِر الأمير، كما يقول: ما أضربني لزيد.

(٦) انظر تاريخ الطبري ٥: ٤٩٣، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ١٢٢.

١٥٢

تعالى بخلقِه، ففَزِعَ لذِلكَ وارتاعَ له، ونهضَ حتّى أَتى قبر َرسولِ اللّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله فوقفَ عندَه ورفعَ صوتَه يناجي ربَه، فقالَ في مُناجاتِه له:

«إِلهي بَدَتْ قدرتُكَ ولم تَبدُ هيئةٌ فجهلوكَ، (وقدّروكَ بالتّقديرِ على غيرِ ما به أَنتَ )(١) ، شبّهوكَ وأَنا بريءُ يا إِلهي منَ الّذينَ بالتّشبيهِ طلبوكَ، ليسَ كمثلِكَ(٢) شيءٌ إِلهي ولم يدركوكَ، وظاهرُ ما بهم من نعمةٍ دليلُهم عليكَ لو عرفوكَ، وفي خلقِكَ يا إِلهي مَندُوْحَةٌ أَن يناولوكَ(٣) ، بل سَوَّوْكَ بخلقِكَ فمِنْ ثَمَّ لم يَعرفوكَ، واتّخذوا بعضَ آياتِك ربّاً فبذلكَ وصفوكَ، فتعاليتَ يا إِلهي عمّا به المشَبِّهونَ نَعَتُوكَ »(٤) .

فهذا طرفٌ ممّا وردَ منَ الحديثِ في فضائلِ زينِ العابدينَعليه‌السلام .
وقد روى عنه فقهاءُ العامّةِ منَ العلومِ ما لا يُحصى كثرةً، وحُفِظَ عنه منَ المواعظِ والأدعيةِ وفضائلِ القرآنِ والحلالِ والحرام والمغازي والأيّامِ ما هو مشهورٌ بينَ العلماءِ، ولو قَصَدْنا إِلى شرحِ ذلكَ لَطَالَ به الخطابُ وتقضّى به الزّمانُ.

وقد رَوَتِ الشِّيعةُ له آياتٍ معُجزاتٍ وبراهينَ واضحاتٍ لم

__________________

(١) العبارة في «ش» مضطربة ومكررة، وأثبتناها من «م».

(٢) في «م» وهامش «ش»: ليس مثلك.

(٣) في هامش «ش»: يعني في خلقك مستغنىً باعتبار الاستدلال عن تناول ذلك والكلام فيها نفسها، وحقيقة المناولة ان تتناول ذاته عزّت.

(٤) نقله العلامة المجلسي في البحار ٣: ٢٩٣ / ١٥، وذكره الصدوق في الأمالي: ٤٨٧ عن الأمام الرضاعليه‌السلام وكذا في التوحيد: ١٢٤ / ٢، والعيون ا: ١١٦ / ٥.

١٥٣

يَتَّسِعْ لذكرِها المكانُ، ووجودُها في كتبِهم المصنّفةِ ينوبُ مَنابَ إيرادِها في هذا الكتابِ، واللهُّ الموفٌق للصّوابِ.

* * *

١٥٤

باب ذكر أولادِ عليِّ بنِ الحسينِ عليهما السّلامُ

وولد عليّ بن الحسينِعليهما‌السلام خمسةَ عشرَولداً:

محمّدٌ المُكنّى أَبا جعفرٍ الباقرعليه‌السلام ، أًمُه أُمّ عبدِاللهِ بنتُ الحسنِ بنِ عليِّ بنِ أَبي طالبعليهم‌السلام .

وعبدُاللهِّ والحسنُ والحسينُ، أُمُّهم أُمُّ ولدٍ.

وزيدٌ وعمرُ، لأم ولدٍ.

والحسين الأصغرُ وعبدُ الرّحمنِ وسُليمان، لأمّ ولدٍ.

وعلي - وكانَ أَصغرَ ولدِ عليِّ بنِ الحسينِ - وخديجةُ، أًمُّهما أُمُّ ولدٍ
ومحمّدٌ الأصغرُ، أُمُّه أمُّ ولدٍ.

وفاطمةُ وعليّةُ وأُمُّ كلثوم، أُمًّهنَّ أُمُّ ولدٍ.

* * *

١٥٥

١٥٦

باب ذكر الإمامِ بعدَ عليِّ بنِ الحسينِ عليهما السلامُ

وتاريخ مولدِه، ودلائلِ إِمامتِه، ومبلغ سنَّه،

ومدّة خلافتِه، ووقت وفاتِه وسببها،

وموضع قبرِه، وعدد أولادِه، ومختصر من أخبارِه

وكانَ الباقرُ أَبو جعفرٍ محمّدُ بنُ عليِّ بنِ الحسينِعليهم‌السلام من بينِ إِخوته خليفةَ أَبيه علي بنِ الحسينِ ووصيه والقائمَ بالإمامةِ من بعدِه، وبرز على جماعتِهم بالفضلِ في العلمِ والزُهدِ والسؤْدَدِ، وكانَ أَنبهَهم ذِكراً وأَجلَّهم في العامّةِ والخاصّةِ وأَعظمَهم قدراً، ولم يَظهْر عن أَحدٍ من ولدِ الحسن والحسينِعليهما‌السلام من علم الدِّينِ والأثارِ والسُّنّةِ وعلمِ القرانِ والسيرِ وفنونِ الأداب ما ظهرَ عن أَبي جعفرٍعليه‌السلام ، وروى عنه معالمَ الدِّينِ بقايا اَلصّحابةِ ووجوهُ التّابعينَ ورؤساءُ فقهاءِ المسلمينَ، وصارَ بالفضلِ به عَلَماً لأهلِه تُضْرَبُ به الأمثالُ، وتَسيرُ بوصفِه الأثارُ والأشعارُ؛ وفيه يقول القُرظيُّ:

يَابَاقِرَ الْعِلْمِ لاهْلِ التُّقَى

وَخَيْرَمَنْ لبى على الأجبُلِ(١)

وقالَ مالكُ بنُ أَعيَنَ الجُهَنيّ فيه:

إذَا طَلَبَ النَاسُ عِلْمَ الْقُرَا

نِ كَانَتْ قُرَيْش عَلَيْهِ عِيَالا

وَإنْ قِيْلَ: أيْنَ ابْنُ بِنْتِ الَّنب

يِ؟ نِلْتَ بِذَاكَ فُرُوْعَاً طِوَالا

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ٤: ٤٠٣، مختصر تاريخ دمشق ٢٣: ٧٨.

١٥٧

نُجُوْم تَهَلّلُ لِلْمُدْلِجين

جِبَالٌ تُوَرِّثُ عِلْمَاً جِبالا(١)

ووُلِدَعليه‌السلام بالمدينةِ سنةَ سبعٍ وخمسينَ منَ الهجرة، وقُبِضَ فيها سنةَ أَربعَ عشرةَ ومائة، وسنه يومئذٍ سبعٌ وخمسونَ سنة، وهو هاشميّ من هاشِمِيَّيْنِ علوي من علوييْنِ، وقبرُه بالبقيعِ من مدينةِ الرّسولِ عليهِ واله السّلامُ.

روى ميمون القداحُ، عن جعفر بنِ محمّدٍ، عن أَبيه قالَ: «دخلتُ على جابرِ بنِ عبدِاللهِ رحمةُ اللهِّ عليه فسلَّمتُ عليه، فردَّ عليَّ السّلامَ ثم قالَ لي: مَنْ أَنتَ؟ - وذلكَ بعدَما كُفّ بصرُه - فقلتُ: محمّدُ بنُ عليِّ بنِ الحسين ؛ فقالَ: يا بُني ادْنُ منِّي، فدنوتُ منه فقبّلَ يَدَي ثمّ أَهوى إلى رجليّ يقبِّلها فتنحّيتُ عنه، ثمّ قالَ لي: إِنّ رسولَ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله يُقرئُكَ السّلامَ، فقلتُ: وعلى رسولِ اللهِ السّلامُ ورحمةُ اللهِ وبركاتُه، وكيفَ ذلكَ يا جابرُ؟ فقالَ: كنتُ معَه ذاتَ يومٍ فقالَ لي: يا جابر، لعلكَ أَنْ تبقى حتّى تلقى رجلاً من ولدي يقالُ له ُمحمّد بنُ عليِّ بنِ الحسينِ، يَهبُ اللهُ له النُورَ والحكمَةَ فاقْرِئْه منِّي السّلامَ »(٢) .

وكانَ في وصيّةِ أَميرِ المؤمنينَعليه‌السلام إلى ولدِه ذكرُ محمّدِ بنِ

__________________

(١) معجم الشعراء للمرزباني: ٢٦٨، سير اعلام النبلاء ٤:٤٠٤.

(٢) انظر الكافي ١: ٣٩٠ / ٢، امالي الصدوق: ٢٨٩ / ٩، كمال الدين ١: ٢٥٤ / ٣، علل الشرائع: ١: ٢٣٣، مختصر تاريخ دمشق ٢٣: ٧٨، الفصول المهمة: ٢١١، المناقب لابن شهرآشوب ٤: ١٩٦، وقد ورد فيها مضمون الخبر بطرق مختلفة.وقد روى هذا الخبر في غاية الاختصار: ١٠٤ باسناده الى محمد بن الحسن العبيدلي، قال: أخبرني ابن أبي بزة:أخبرنا عبداللهّ بن ميمون عن جعفر بن محمد عن أبيه ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٢٢٧ / ٨.

١٥٨

عليٍّ والوَصاة به.

وسمّاه رسول الله وعرفَه بباقرِ العلمِ(١) ، على ما رواه أصحابُ الأثارِ، وبما ِرويَ عن جابرِ بن عبدِاللهِ في حديثٍ مجرّدٍ أَنّه قالَ: قالَ لي رسولُ اللهِصلى‌الله‌عليه‌وآله : «يوشَكُ أَن تبقى حتى تلقى ولداً لي منَ الحسينِ يقالُ له: محمّدُ يَبقرُ علمَ الدينِ بقراً، فإذا لقيتَه فأقرِئْه منّي السلامَ »(٢) .

وروتِ الشّيعةُ في خبر اللوح الّذي هبطَ به جَبْرِئيْلُعليه‌السلام على رسولِ اللّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله منَ الجنةِ، فاَعطاه فاطمةَعليها‌السلام وفيه أَسماءُ الأئمّةِ من بعدِه، وكانَ فيه: «محمّدُ ابنُ عليٍّ الإمام بعدَ أَبيهِ »(٣) .

وروتْ أيضاً: أنّ اللّه تباركَ وتعالى أنزلَ إلى نبيِّه عليه وآله السّلامُ كتاباً مختوماً باثني عشرَ خاتماً، وأمَرَه أن يدفعَه إلى أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالبعليه‌السلام وياْمرَه أن يَفُضَّ أولَ خاتمٍ فيه ويعملَ بما تحتَه، ثم يدفعه عندَ وفاتِه إلى ابنهِ الحسنِعليه‌السلام وياْمره أَن يَفضُّ الخاتمَ الثانيَ ويعملَ بما تحتَه، ثم يدفعه عندَ حضورِ وفاتِه إِلى أَخيهِ الحسينِ وياْمره أَن يفضَّ الخاتمَ الثالثَ ويعمل بما تحتَه، ثمّ يدفعه الحسينُ عندَ وفاتَه إلى ابنهِ عليّ بنِ الحسينِعليهما‌السلام ويأمره بمثلِ ذلكَ ويدفعه عليُّ بنُ الحسين عندَ وفاتهِ إلى ابنهِ محمّدِ بنِ علي الأكبرِعليه‌السلام ويأمره بمثلِ ذلكَ، ثمّ يدفعه محمّدُ بنَ عليٍّ إِلى

__________________

(١) في هامش «ش« و «م»: العلوم.

(٢) مناقب آل أبي طالب ٤: ١٩٧، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٢٢٢ / ٦.

(٣) انظر ص ١٣٨ من هذا الكتاب.

١٥٩

ولدِه حتّى ينتهي إِلى آخرِ الأئمّةِعليهم‌السلام أجمعين(١) .

ورَوَوْا أَيضاً نصوصاً كثيرةً عليه بالأمامةِ بعدَ أَبيه عنِ النّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله وعن أَمير المؤمنينَ وعنِ الحسينِ وعليّ بنِ الحسينِعليهم‌السلام .

وقد رَوى النّاسُ من فضائلهِ ومناقبِه ما يكثر به الخطبُ إِن أَثبتْناه، وفيما نذكرُه منه كفايةٌ فيما نقصدُه في معناه إِنْ شاءَ اللّهُ.

أَخبرَني الشّريفُ أَبو محمّدٍ الحسنُ بنُ محمّدٍ قالَ: حدَّثني جدَي قالَ: حدثَنا محمدُ بنُ القاسم الشيبانيّ قالَ: حدّثَنا عبدُ الرّحمن بن صالح الأزديّ، عن أَبي مالكٍ الجَنْبيّ(٢) ، عن عبدِاللهِ بنِ عطاءٍ المكِّيِّ قالَ: ما رأَيت العلماءَ عندَ أحدٍ قطُ أَصغرَمنهم عند أَبي جعفرٍ محمّدِ بنِ عليِّ ابنِ الحسينِعليهم‌السلام ، ولقد رأَيتُ الحَكَمَ بن عُتَيْبَةَ - معَ جلالتِه في القوم - بينَ يديه كأَنّه صبيّ بين يَدَيْ مُعَلِّمه(٣) .

وكانَ جابر بنُ يزيدَ الجعفيّ إِذا روى عن محمّدِ بنِ عليٍّعليهما‌السلام شيئاً قالَ: حدّثَني وصيُّ الأوصياءِ ووارثُ علم الأنبياءِ محمّدُ ابنُ عليِّ بنِ الحسينِعليهم‌السلام .

__________________

(١) انظر الكافي ١: ٢٢٠ / ١، ٢، أمالي الصدوق: ٣٢٨ / ٢، كمال الدين: ٢٣١ / ٣٥، غيبة النعماني: ٥٢ / ٣، ٤، أمالي الطوسي ٢: ٥٦.

(٢) كذا واضحاً في «ش» و «م» و «ح » وفي ذيل الكلمة في «ش»: «هكذا وكأنه اشارة الى أنّه هو الموجود في نسخة قرئت على المصنف، وقد تكررت الحكاية عن نسخة قرئت على الشيخ - يعني المصنف - كما مرّ. وفي هامش «ش»: «الجنبي لا غير، » وقد سقط (عن أبي مالك الجنبي ) من نسخة البحار، وفي المطبوع من الارشاد (الجهني ) وهو تصحيف من النسّاخ، وعلى هذه النسخة المصحفة بنى بعض المعاصرين الوهم الذي عقده في كتابه واعترض على المصنف وغيره.

(٣) مختصر تاريخ دمشق٢٣: ٧٩، حلية الاولياء ٣: ١٨٦، مناقب آل أبي طالب ٤: ١٨٠ و ٢٠٤، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٦: ٢٨٦ / ٢.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391