نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٨

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار15%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 391

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 391 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 293614 / تحميل: 6785
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٨

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

العبادة ، فلا يجب عليه الدم ، كما لو أحرم منه ، أمّا إذا عاد بعد فعل شي‌ء من أفعال الحج فقد عاد في غير وقت إحرامه ؛ لأنّ الإِحرام يتقدّم أفعال الحج.

وقد بيّنّا أنّ فعله لا اعتداد به ، فلا فرق بينهما.

وقال أبو حنيفة : إن رجع إلى الميقات ، سقط عنه الدم ، وإن لم يلبّ لم يسقط(١) .

وقال مالك : يجب الدم مطلقاً - وبه قال أحمد وزفر وابن المبارك - لقول ابن عباس : من ترك نسكاً فعليه دم(٢) .

ونمنع كون قوله حجةً أو العموم.

إذا عرفت هذا ، فلو لم يرجع مع قدرته ، بطل إحرامه وحجّه.

وقال الشافعي : إن لم يتمكّن من الرجوع ، جاز أن يُحْرم من مكانه ، ويجب الدم ، وإن لم يكن له عذر ، وجب الرجوع ، فإن لم يرجع أثم ، ووجب الدم ، وصحّ إحرامه(٣) .

وقد بيّنّا بطلانه.

مسألة ١٥٥ : لو تجاوز الميقات ناسياً أو جاهلاً ، أو لا يريد النسك ثم تجدّد له عزم ، وجب عليه الرجوع إلى الميقات ، وإنشاء الاحرام منه مع القدرة ، ولا يكفيه المرور بالميقات ، فإن لم يتمكن ، أحرم من موضعه ، ولو أحرم من موضعه مع إمكان الرجوع ، لم يجزئه.

____________________

(١) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٧٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٦٥ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٢٢٥ ، الحاوي الكبير ٤ : ٧٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧٢ ، المجموع ٧ : ٢٠٨.

(٢) المغني والشرح الكبير ٣ : ٢٢٥ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٤٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٦٥ ، الحاوي الكبير ٤ : ٧٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧١ ، المجموع ٧ : ٢٠٨.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٨٩ ، المجموع ٧ : ٢٠٦.

٢٠١

وقد وافقنا العامّة على وجوب الرجوع إلى الميقات للناسي والجاهل(١) .

أمّا غير مُريد النسك فقد وافقنا أحمد أيضاً في إحدى الروايتين(٢) على وجوب الرجوع ؛ لأنّه متمكّن من الإِتيان بالنسك على الوجه المأمور به ، فيكون واجباً عليه.

ولما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل نسي أن يُحْرم حتى دخل الحرم ، قال : « عليه أن يخرج إلى ميقات أهل أرضه ، فإن خشي أن يفوته الحج أحرم من مكانه ، وإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم »(٣) .

وسأل أبو الصباح الكناني الصادقعليه‌السلام عن رجل جهل أن يحرم حتى دخل الحرم كيف يصنع؟ قال : « يخرج من الحرم يهلّ بالحج »(٤) .

وقال مالك والثوري والشافعي وأبو يوسف ومحمد : يحرم من موضعه ، لأنّه حصل دون الميقات على وجه مباح ، فكان له الإِحرام منه كأهل ذلك المكان(٥) .

والفرق ظاهر ؛ لقولهعليه‌السلام : ( ومَنْ كان منزله دون الميقات فمهلّه من أهله )(٦) .

إذا عرفت هذا ، فلو لم يتمكّن من الرجوع إلى الميقات وتمكّن من‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٢٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٤.

(٢) المغني ٣ : ٢٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٧٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧٢ ، المجموع ٧ : ٢٠٤.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٨٣ - ٢٨٤ / ٩٦٥.

(٤) الكافي ٤ : ٣٢٥ / ٧ ، التهذيب ٥ : ٢٨٤ / ٩٦٦.

(٥) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٤٨ ، التفريع ١ : ٣١٩ ، المغني ٣ : ٢٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٠ ، المجموع ٧ : ٢٠٣ و ٢٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٧٥.

(٦) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٢٢٧ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٢٢.

٢٠٢

الخروج إلى خارج الحرم ، وجب عليه ، لما رواه عبد الله بن سنان - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل مرّ على الوقت الذي يُحْرم منه الناس ، فنسي أو جهل فلم يُحْرمْ حتى أتى مكة فخاف إن يرجع إلى الوقت فيفوته الحج ، قال : « يخرج من الحرم فيحرم منه ويجزئه ذلك »(١) .

ولأنّه بخروجه إلى خارج الحرم يكون جامعاً بين الحلّ والحرم ، بخلاف ما لو أحرم من موضعه مع المكنة من الخروج.

ولو لم يتمكّن من الخروج ، أحرم من موضعه ، وأجزأه إجماعاً ، ولا يجب عليه دم ، خلافاً للشافعي(٢) .

ولو أسلم بعد مجاوزة الميقات ، وجب عليه الرجوع إلى الميقات والإِحرام منه مع المكنة ، وإن لم يتمكّن ، أحرم من موضعه ، ولا دم عليه - وبه قال عطاء ومالك والثوري والأوزاعي وإسحاق وأصحاب الرأي(٣) - لأنّه أحرم من الموضع الذي وجب عليه الإِحرام منه ، فأشبه المكّي ومَنْ كان منزله دون الميقات.

وقال الشافعي : يجب الدم(٤) .

وعن أحمد روايتان(٥) .

والصبي والعبد إذا تجاوزا الميقات من غير إحرام ثم بلغ أو تحرّر وتمكّنا من الحجّ ، وجب عليهما الرجوع إلى الميقات ، والإِحرام منه ، وإن لم‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٣٢٤ / ٦ ، التهذيب ٥ : ٥٨ / ١٨١.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢١٠ ، المجموع ٧ : ٢٠٦.

(٣) المغني ٣ : ٢٢٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧٣ ، المجموع ٧ : ٦٢.

(٤ و ٥) حلية العلماء ٣ : ٢٧٣ ، المجموع ٧ : ٦١ - ٦٢ ، المغني ٣ : ٢٢٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٣.

٢٠٣

يتمكّنا ، أحرما من موضعهما ، ولا دم عليهما ، خلافاً للشافعي(١) .

ولو منعه مرض من الإِحرام عند الميقات ، قال الشيخرحمه‌الله : جاز له أن يؤخّره عن الميقات ، فإذا زال المنع ، أحرم من الموضع الذي انتهى إليه(٢) .

والظاهر أنّ مقصوده تأخير نزع الثياب وكشف الرأس وشبهه ، فأمّا النية والتلبية مع القدرة عليهما فلا يجوز له ذلك ؛ إذ لا مانع منه.

ولو زال عقله بإغماء وشبهه ، سقط عنه الحج ، فلو أحرم عنه رجل ؛ جاز ، لما رواه بعض أصحابنا عن أحدهماعليهما‌السلام في مريض أُغمي عليه فلم يعقل حتى أتى الموقف ، قال : « يحرم عنه رجل »(٣) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ الإِحرام يجزئ عنه بمعنى لو أفاق ، كان مُحْرماً ، ويجب عليه إتمام الحج ، فإن زال قبل الموقفين ، أجزأه عن حجّة الإِسلام ، وإن زال بعده ، لم يجزئه عن حجّة الإِسلام.

مسألة ١٥٦ : المواقيت التي يجب الاحرام منها هي التي وقّتها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلو كان الميقات قرية فخربت ونقلت عمارتها إلى موضع آخر ، كان الميقات موضع الاُولى وإن انتقل الاسم إلى الثانية ، لأنّ الحكم تعلّق بذلك الموضع ، فلا يزول عنه بخرابه.

وقد روي أنّ سعيد بن جبير رأى رجلاً يريد أن يُحْرم من ذات عِرْقٍ ، فأخذ بيده حتى أخرجه من البيوت وقطع به الوادي وأتى به المقابر ، ثم قال : هذه ذاتُ عِرْق الاُولى(٤) .

مسألة ١٥٧ : لو سلك طريقاً لا يؤدّي إلى شي‌ء من المواقيت ، روى‌

____________________

(١) انظر : المجموع ٧ : ٥٩.

(٢) النهاية : ٢٠٩.

(٣) التهذيب ٥ : ٦٠ / ١٩١.

(٤) الاُم ٢ : ١٣٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ٦٩ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٢١٥.

٢٠٤

العامّة عن عمر لمـّا قالوا له : وقِّتْ لأهل المشرق ، قال : ما حيال طريقهم؟ قالوا : قرن المنازل ، قال : قيسوا عليه ، فقال قوم : بطن العقيق ، وقال قوم : ذات عِرْق ، فوقَّت عمر ذات عِرْقٍ(١) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه عبد الله بن سنان - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : «مَنْ أقام بالمدينة وهو يريد الحج شهراً أو نحوه ثم بدا له أن يخرج في غير طريق المدينة ، فإذا كان حذاء الشجرة مسيرة ستة أميال فليحرم منها »(٢) .

ولو لم يعرف محاذاة الميقات المقارب لطريقة ، احتاط وأحرم من بُعْدٍ بحيث يتيقّن أنّه لم يجاوز الميقات إلّا مُحْرماً ، ولا يلزمه الإِحرام حتى يعلم أنّه قد حاذاه أو يغلب على ظنّه ذلك ؛ لأنّ الأصل عدم الوجوب ، فلا يجب بالشك.

ولو أحرم بغلبة الظنّ بالمحاذاة ثم علم أنّه قد جاوز ما يحاذيه من الميقات غير مُحْرم ، الأقرب : عدم وجوب الرجوع ؛ لأنّه فعل ما كلّف به من اتّباع الظن ، فكان مجزئاً.

ولو مرّ على طريق لم يحاذ ميقاتاً ولا جاز به ، قال بعض الجمهور : يُحْرم من مرحلتين ، فإنّه أقلّ المواقيت وهو ذات عِرْق(٣) .

ويحتمل أنّه يُحْرم من أدنى الحِلّ.

مسألة ١٥٨ : أهل مكة يُحرمون للحجّ من مكة ، وللعمرة من أدنى الحلّ ، سواء كان مقيماً بمكة أو غير مقيم ؛ لأنّ كلّ مَنْ أتى على ميقات كان ميقاتاً له ، ولا نعلم في ذلك خلافاً ، ولهذا أمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ،

____________________

(١) راجع : صحيح البخاري ٢ : ١٦٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٧ ، الحاوي الكبير ٤ : ٦٨ ، المغني ٣ : ٢١٤ ، والمحلّى ٧ : ٧٢.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٠٠ / ٩١٣.

(٣) الوجيز ١ : ١١٤ ، فتح العزيز ٧ : ٨٨ ، المجموع ٧ : ١٩٩.

٢٠٥

عبد الرحمن بن أبي بكر أن يعمر عائشة من التنعيم ، وكانت بمكة(١) .

وإنّما لزم الإِحرام من الحِلّ ، ليجمع في النسك بين الحِلّ والحرم ، فإنّه لو أحرم من الحرم ، لما جمع بينهما فيه ؛ لأنّ أفعال العمرة كلّها في الحرم ، بخلاف الحجّ ، فإنّه يفتقر إلى الخروج إلى عرفة فيجتمع له الحِلّ والحرم ، والعمرة بخلاف ذلك.

ومن أيّ الحِلّ أحرم جاز ، كما أنّ المـُحْرم من مكة يُحْرم من أيّ موضع شاء منها ؛ لأنّ المقصود من الإِحرام الجمع في النسك بين الحِلّ والحرم.

وعن أحمد رواية : أنّ من اعتمر في أشهر الحج من أهل مكة أنّه يُهلّ بالحجّ من الميقات ، فإن لم يفعل ، فعليه دم(٢) .

ولو أحرم بالعمرة من الحرم ، لم يُجْزئه ، خلافاً للعامّة ؛ فإنّهم جوّزوه ، وأوجبوا عليه الدم ؛ لتركه الإِحرام من الميقات(٣) .

ثم إن خرج إلى الحِلّ قبل الطواف ثم عاد ، أجزأه ؛ لأنّه قد جمع بين الحِلّ والحرم.

وإن لم يخرج حتى قضى عمرته صحّ أيضاً عندهم ؛ لأنّه قد أتى بأركانها ، وإنّما أخلّ بالإِحرام من ميقاتها وقد جبره ، وهذا قول أبي ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي وأحد قولي الشافعي ، والقول الثاني : لا تصح عمرته ؛ لأنّه نسك ، فكان من شرطه الجمع بين الحِلّ والحرم ، كالحجّ ، فعلى هذا وجود هذا الطواف كعدمه ، وهو باقٍ على إحرامه حتى يخرج إلى الحِلّ ، ثم يطوف بعد ذلك ويسعى ، وإن حلق قبل ذلك فعليه دم(٤) .

____________________

(١) كما في المغني ٣ : ٢١٥ ، والشرح الكبير ٣ : ٢١٧ ، وراجع : صحيح البخاري ٣ : ٤ ، وصحيح مسلم ٢ : ٨٧١ / ١١٣ ، وسنن البيهقي ٤ : ٣٥٧ ، ومسند أحمد ٣ : ٣٠٥.

(٢) المغني ٣ : ٢١٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢١٨.

(٣) المغني ٣ : ٢١٨ ، المجموع ٧ : ٢٠٩ ، فتح العزيز ٧ : ٩٨.

(٤) المغني ٣ : ٢١٨ - ٢١٩ ، فتح العزيز ٧ : ٩٩ ، المجموع ٧ : ٢٠٩.

٢٠٦

مسألة ١٥٩ : مَنْ لا يريد النسك لو تجاوز الميقات ، فإن لم يُرِدْ دخول الحرم ، بل أراد حاجةً في ما سواه ، فهذا لا يلزمه الإِحرام إجماعاً ، ولا شي‌ء عليه في ترك الإِحرام ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أتى هو وأصحابه بَدْراً مرّتين ، وكانوا يسافرون للجهاد وغيره ، فيمرّون بذي الحليفة فلا يُحْرمون ، ولا يرون بذلك بأساً(١) .

ثم لو تجدّد له عزم الإِحرام ، احتمل الرجوع إلى الميقات والإِحرام منه ، وهو قول إسحاق وإحدى الروايتين عن أحمد(٢) .

وفي الاُخرى : يُحْرم من موضعه ولا شي‌ء عليه ، وبه قال مالك والثوري والشافعي وأبو يوسف ومحمد(٣) .

وأمّا إن أراد دخول الحرم إمّا إلى مكة أو إلى غيرها ، فأقسامه ثلاثة :

الأول : مَنْ يدخلها لقتال مباح ، أو من خوف ، أو لحاجة متكرّرة ، كالحشّاش والحطّاب وناقل المِيرَة(٤) ، ومَنْ كانت له ضيعة يتكرّر دخوله وخروجه إليها ، فهؤلاء لا إحرام عليهم ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله دخل يوم الفتح مكة حلالاً وعلى رأسه المِغْفَر(٥) ، وكذا أصحابه(٦) .

ولأنّ في إيجاب الإِحرام على مَنْ يتكرّر دخوله مشقّةً عظيمةً ؛ لاستلزامه‌

____________________

(١) انظر : المغني ٣ : ٢٢٦ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٢١.

(٢) المغني ٣ : ٢٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٧٥ ، المجموع ٧ : ٢٠٤.

(٣) المغني ٣ : ٢٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢١ - ٢٢٢ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٣٧٣ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٤٨ ، الحاوي الكبير ٤ : ٧٥ ، المجموع ٧ : ٢٠٤.

(٤) المِيرَة : الطعام. المفردات في غريب القرآن : ٤٧٨ « مور ».

(٥) المِغفَر : زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة. والزّرد : حلق المغفر والدرع. لسان العرب ٥ : ٢٦ و ٣ : ١٩٤.

(٦) صحيح مسلم ٢ : ٩٨٩ - ٩٩٠ / ١٣٥٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢٠١ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٢١ ، المغني ٣ : ٢٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٢.

٢٠٧

أن يكون مُحْرماً في جميع زمانه. وبهذا قال الشافعي وأحمد(١) .

وقال أبو حنيفة : لا يجوز لأحد دخول الحرم بغير إحرام إلّا مَنْ كان دون الميقات ؛ لأنّه يجاوز الميقات مُريداً للحرم ، فلم يجز بغير إحرام ، كغيره(٢) .

والشافعي استدلّ : بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله دخل يوم الفتح مكة وعلى رأسه عمامة سوداء(٣) .

إذا عرفت هذا ، فلو أراد هذا النسك بعد مجاوزة الميقات ، رجع وأحرم منه ، فإن لم يتمكّن ، أحرم من موضعه.

وقالت العامّة : يحرم من موضعه مطلقاً(٤) .

الثاني : مَنْ لا يكلّف بالحجّ - كالصبي والعبد والكافر - إذا أسلم بعد مجاوزة الميقات ، أو بلغ الصبي ، أو عُتق العبد ، وأراد الإِحرام ، فإنّهم يخرجون إلى الميقات ، ويُحْرمون منه ، فإن لم يتمكّنوا ، أحرموا من موضعه.

وقالت العامّة : يُحْرمون من موضعهم ثم اختلفوا :

فقال الشافعي : على كلّ واحد منهم دم(٥) .

وقال عطاء ومالك والثوري والأوزاعي وإسحاق وأحمد : لا دم عليهم(٦) .

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٠٢ ، المغني ٣ : ٢٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٢.

(٢) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٦٧ ، المغني ٣ : ٢٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٢ ، المجموع ٧ : ١٦.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٩٩٠ / ١٣٥٨ ، سنن النسائي ٥ : ٢٠١ ، سنن الترمذي ٤ : ١٩٦ / ١٦٧٩ ، وسنن الدارمي ٢ : ٧٤ ، وانظر : المغني ٣ : ٢٢٧ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٢٣ ، والمهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٠٢.

(٤) المغني ٣ : ٢٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢١.

(٥) المغني ٣ : ٢٢٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٣.

(٦) المدوّنة الكبرى ١ : ٣٨٠ ، المغني ٣ : ٢٢٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٣.

٢٠٨

وقال أصحاب الرأي : لا دم في الكافر يسلم والصبي يبلغ ، وأمّا العبد فعليه دم(١) .

الثالث : المكلّف الداخل لغير قتال ولا حاجة متكررة ، فلا يجوز له تجاوز الميقات غير مُحْرم ، وبه قال أبو حنيفة وبعض أصحاب الشافعي(٢) .

وقال بعضهم : لا يجب الإِحرام عليه - وعن أحمد روايتان(٣) - لأنّ ابن عمر دخلها بغير إحرام ، ولأنّه أحد الحرمين ، فلا يجب الإِحرام لدخوله ، كحرم المدينة(٤) .

والحقّ خلافه ؛ لأنّه لو نذر دخولها ، لزمه الإِحرام ، ولو لم يكن واجباً لم يجب بنذر الدخول، كسائر البلدان.

إذا ثبت هذا ، فمتى أراد هذا الإِحرام بعد تجاوز الميقات رجع فأحرم منه ، فإن أحرم من دونه مع القدرة ، لم يجزئه ، ولو لم يتمكّن ، أحرم من موضعه.

مسألة ١٦٠ : لو دخل الحرم من غير إحرام ممّن يجب عليه الإِحرام ، وجب عليه الخروج والإِحرام من الميقات ، فإن حجّ والحال هذه ، بطل حجّه ، ووجب عليه القضاء - والشافعي [ ما ](٥) أوجب القضاء(٦) - ؛ لأنّه أخلّ بركن من أركان الحجّ ، فوجب عليه الإِعادة.

وقال أبو حنيفة : يجب عليه أن يأتي بحجّة أو عمرة ، فإنّ أتى بحجّة الإِسلام في سنته أو منذورة أو عمرة ، أجزأته عن عمرة الدخول استحساناً ؛ لأنّ مروره على الميقات مريداً للحرم موجب للإِحرام ، فإذا لم يأت به ، وجب قضاؤه ، كالنذر(٧) .

____________________

(١) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٧٣ ، المغني ٣ : ٢٢٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٣.

(٢ - ٤) المغني ٣ : ٢٢٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٣.

(٥) زيادة يقتضيها السياق.

(٦ و ٧) المغني ٣ : ٢٢٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٤.

٢٠٩

وقال أحمد : لا قضاء عليه ؛ لأنّ الإِحرام شُرّع لتحية البقعة ؛ فإذا لم يأت به ، سقط ، كتحية المسجد(١)

وليس بجيّد ؛ لأنّ تحية المسجد غير واجبة.

ولو تجاوز الميقات ورجع ولم يدخل الحرم ، فلا قضاء عليه بلا خلاف نعلمه ، سواء أراد النسك أو لم يرده.

ومَنْ كان منزله دون الميقات خارجاً من الحرم فحكمه في مجاوزة قريته إلى ما يلي الحرم حكم المجاوز للميقات في الأحوال الثلاث السابقة ؛ لأنّه موضعه ميقاته ، فهو في حقّه كالمواقيت الخمسة في حقّ الآفاقي.

مسألة ١٦١ : إذا ترك الإِحرام من الميقات عامداً ، أثم ، ووجب عليه الرجوع إليه والإِحرام منه ، فإن لم يتمكّن من الرجوع ، بطل حجّه.

ولو تركه ناسياً أو جاهلاً ، وجب عليه الرجوع مع القدرة ، فإن لم يتمكّن ، أحرم من موضعه إن لم يتمكّن من الخروج إلى خارج الحرم ، سواء خشي فوات الحجّ برجوعه إلى الميقات أم لا - وقالت العامّة : يُحْرم من موضعه(٢) . وابن جبير(٣) وافقنا - لأنّه ترك ركنا من أركان الحج.

واحتجاج العامّة على أنّه ليس بركن : بإختلاف الناس والأماكن ، ولو كان ركناً لم يختلف ، كالوقوف والطواف(٤) .

والملازمة ممنوعة.

ويستحب لمن يُحْرم من ميقات أن يُحْرم من أول جزء ينتهي إليه منه ، ويجوز أن يُحْرم من آخره؛ لوقوع الاسم عليه.

ومَنْ سلك طريقاً لا يُفضي إلى هذه المواقيت في برٍّ أو بحرٍ ، فقد قلنا :

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٢٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٤.

(٢) المغني ٣ : ٢٣٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٦.

(٣) المغني ٣ : ٢٣٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٦ ، المجموع ٧ : ٢٠٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧١.

(٤) المغني ٣ : ٢٣٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٦.

٢١٠

إنّ ميقاته حيث يُحاذي واحداً منها.

ولو حاذى ميقاتين ، فأظهر وجهي الشافعية : أنّه يُحْرم من الموضع المحاذي لأبعدهما ، والثاني : يتخيّر(١) .

مسألة ١٦٢ : قد بيّنّا في ما تقدّم أنواع الحجّ ، وأنّها ثلاثة : تمتّع وقران وإفراد ، وأنّ الإِفراد أن يأتي بالحجّ وحده من ميقاته وبالعمرة مفردةً من ميقاتها في حقّ الحاضر بمكة ، ولا يلزمه العود إلى ميقات بلده عند الشافعي(٢) .

وعن أبي حنيفة أنّ عليه أن يعود ، وعليه دم الإِساءة لو لم يعُدْ(٣) .

والقران عند الشافعي : أن يُحْرم بالحجّ والعمرة معاً ، ويأتي بأعمال الحجّ ، فتحصل العمرة أيضاً ، ويتّحد الميقات والفعل(٤) .

وعند أبي حنيفة : يأتي بطوافين وسَعْيَيْن(٥) .

ولو أحرم بالعمرة أوّلاً ثم أدخل عليها الحج ، لم يجز عندنا.

وقال الشافعي : إن أدخله في غير أشهر الحج ، فهو لغو و [ إحرام ](٦) العمرة بحاله ، وإن أدخله عليها في أشهر الحجّ ، فإن كان إحرامه بالعمرة قبل أشهر الحج ثم أراد إدخال الحجّ عليها في الأشهر ليكون قارناً ، فوجهان :

أحدهما : يجوز ؛ لأنّه إنّما يدخل في الحجّ من وقت إحرامه به ، ووقت إحرامه به صالح للحج ، فعلى هذا له أن يجعله حجّاً بعد دخول الأشهر ، وان يجعله قراناً.

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٨٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٧٢ ، المجموع ٧ : ١٩٩.

(٢) فتح العزيز ٧ : ١١٤ - ١١٥.

(٣) فتح العزيز ٧ : ١١٥.

(٤) فتح العزيز ٧ : ١١٨ ، المجموع ٧ : ١٧١ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٦٤.

(٥) الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٥٤ ، فتح العزيز ٧ : ١١٨.

(٦) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطية والحجرية : إدخال. وما أثبتناه يقتضيه السياق. والمراد : لم يتغيّر إحرامه بالعمرة.

٢١١

والثاني : لا يجوز ؛ لأنّ ابتداء الإِحرام متلبّس بإحرامٍ ، ولذلك لو ارتكب محظوراً ، لم يلزمه إلّا فدية واحدة ، فلو انعقد الحجّ وابتداء الإِحرام سابق على الأشهر ، لانعقد الإِحرام بالحجّ قبل أشهره ، فعلى هذا لا يجوز أن يجعله حجّاً.

وإن كان إحرامه في أشهر الحجّ ، فإن لم يشرع بَعْدُ في الطواف ، جاز ، وصار قارناً ؛ لقضية عائشة لمـّا حاضت وخافت فوت الحجّ ، فأمرها النبيعليه‌السلام بإدخال الحجّ على العمرة لتصير قارنة لتأتي بأعمال الحجّ ، وتؤخّر الطواف إلى أن تطهر.

وإن شرع فيه أو أتمّه ، لم يجز إدخال العمرة عليه ؛ لأنّه أتى بعمل من أعمال العمرة ، فيقع ذلك العمل عن العمرة ، ولا ينصرف بعدها إلى غيرها.

ولأنّه أخذ في التحلّل من العمرة ، ولا ينصرف بعدها إلى غيرها.

ولأنّه أخذ في التحلّل من العمرة ، فلا يليق به إدخال إحرام عليه ، والمتحلّل جارٍ إلى نقصان(١) .

وشبّهوه بما لو ارتدّت الرجعية ، فراجعها الزوج في العدّة ، فإنّه لا يجوز ؛ لأنّ الرجعة استباحة ، فلا يليق بحال التي تجري إلى تحريم.

ولو أحرم بالحجّ ثم أدخل عليه العمرة ، فقولان :

القديم - وبه قال أبو حنيفة - إنّه يجوز كإدخال الحجّ على العمرة.

والجديد - وبه قال أحمد - المنع ؛ لأنّ الحجّ أقوى من العمرة ؛ لاختصاصه بالوقوف والرمي والمبيت ، والضعيف لا يدخل على القويّ وإن كان القويّ قد يدخل على الضعيف ، كما أنّ فراش النكاح يدخل على فراش ملك اليمين حتى لو نكح اُخت أمةٍ(٢) حلّ له وطؤها ، وفراش ملك اليمين لا يدخل على فراش النكاح حتى لو اشترى اُخت منكوحةٍ(٣) لم يجز له وطؤها.

____________________

(١) أي : نقصان الإِحرام.

(٢) أي : أمته.

(٣) أي : منكوحته.

٢١٢

فإن جوّزنا إدخال العمرة على الحجّ فإلى متى يجوز؟ فيه لهم وجوه :

أحدها : يجوز ما لم يطف للقدوم ، ولا يجوز بعده ؛ لأنّه أتى بعمل من أعمال الحجّ.

والثاني : يجوز وإن طاف للقدوم ما لم يأت بالسعي ولا غيره من فروض الحجّ.

والثالث : يجوز ما لم يقف بعرفة ، فإنّ الوقوف أعظم أعمال الحجّ.

والرابع : يجوز وإن وقف ما لم يشتغل بشي‌ء من أسباب التحلّل من الرمي وغيره.

قالوا : ويجب على القارن دم ؛ لأنّ النبيعليه‌السلام أهدى عن أزواجه بقرةً وكنّ قارنات ، ودم القارن كدم المتمتّع ؛ لأنّه أكثر ترفّهاً ؛ لاستمتاعه بمحظورات الإِحرام بين النسكين ، فما يكفي المتمتّع أولى أن يكفي القارن.

وقال مالك : على القارن بدنة. وهو القول القديم للشافعي(١) .

وأمّا التمتّع : فأن يُحْرم بالعمرة من ميقات بلده ، ويأتي بأعمالها ، ثم ينشئ الحج من مكة ، سُمّي متمتّعاً ؛ لتمكّنه من الاستمتاع بمحظورات الإِحرام بينهما ، لحصول التحلّل(٢) . وهذا كمذهبنا.

وعند أبي حنيفة إن كان قد ساق الهدي لم يتحلّل بفراغه من العمرة ، بل يُحْرم بالحجّ ، فإذا فرغ منه ، حلّ منهما(٣) .

وإنّما يجب دم التمتّع عند الشافعي بشروط :

الأول : أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام ؛ لقوله تعالى :

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ١٢٠ - ١٢٧ و ٢٠٤ - ٢٠٥ ، وراجع : المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٠٨ - ٢٠٩ ، والمجموع ٧ : ١٧١ - ١٧٣ ، و ١٩٠ - ١٩١ ، والحاوي الكبير ٤ : ٣٨ و ٣٩ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٤٥.

(٢) فتح العزيز ٧ : ١٢٧.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ١٤٩ ، فتح العزيز ٧ : ١٢٧.

٢١٣

( ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (١) والمعنى فيه أنّ الحاضر بمكة ميقاته للحج مكة ، فلا يكون بالتمتّع رابحاً ميقاتاً.

الثاني : أن يُحْرم بالعمرة في أشهر الحج ، فلو أحرم وفرغ من أعمالها قبل أشهر الحج ثم حجّ ، لم يلزمه الدم ؛ لأنّه لم يجمع بين الحجّ والعمرة في وقت الحجّ ، فأشبه المفرد لمـّا لم يجمع بينهما لم يلزمه دم ؛ لأنّ دم التمتّع منوط من جهة المعنى بأمرين :

أحدهما : ربح ميقات ، كما سبق.

والثاني : وقوع العمرة في أشهر الحجّ ، وكانوا لا يزحمون الحجّ بالعمرة في وقت إمكانه ، ويستنكرون ذلك ، فورد التمتّع رخصةً وتخفيفاً ؛ إذ الغريب قد يرد قبل عرفة بأيّام ، ويشقّ عليه استدامة الإِحرام لو أحرم من الميقات ، ولا سبيل إلى مجاوزته ، فجُوّز أن يعتمر ويتحلّل.

ولو أحرم بها قبل أشهر الحج وأتى بجميع أفعالها في أشهر الحجّ ، فللشافعي قولان :

أحدهما : يلزمه الدم - قاله في القديم - لأنّه حصل له المزاحمة في الأفعال وهي المقصودة ، والإِحرام كالتمهيد لها.

وأصحّهما : لا يلزم - وبه قال أحمد(٢) - لأنّه لم يجمع بين النسكين في أشهر الحجّ ؛ لتقدّم أحد أركان العمرة عليها.

وقال مالك : مهما حصل التحلّل في أشهر الحجّ وجب الدم(٣) .

وقال أبو حنيفة : إذا أتى بأكثر أفعال العمرة في الأشهر ، كان متمتّعاً(٤) .

وإذا لم نوجب دم التمتّع في هذه الصورة ، ففي وجوب دم الإِساءة‌

____________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) الشرح الكبير ٣ : ٢٤٦ ، فتح العزيز ٧ : ١٣٩ - ١٤٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦١.

(٣) فتح العزيز ٧ : ١٤١ - ١٤٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦١.

(٤) فتح العزيز ٧ : ١٤٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦١.

٢١٤

للشافعية وجهان :

أحدهما : يجب ؛ لأنّه أحرم بالحج من مكة دون الميقات.

وأصحّهما : لا يجب ؛ لأنّ المسي‌ء مَنْ ينتهي إلى الميقات على قصد النسك ويتجاوزه غير مُحْرم ، وهنا قد أحرم بنسك ، وحافَظَ على حرمة البقعة.

الثالث : أن يقع الحجّ والعمرة في سنة واحدة ، فلو اعتمر ثم حجّ في السنة القابلة ، فلا دم عليه سواء أقام بمكة إلى أن حجّ ، أو رجع وعاد ؛ لأنّ الدم إنّما يجب إذا زاحم بالعمرة حجّةً في وقتها ، وترك الإِحرام بحجّة من الميقات مع حصوله بها في وقت الإِمكان ولم يوجد.

وهذه الشرائط الثلاثة عندنا شرائط في التمتّع.

الرابع : أن لا يعود إلى الميقات ، كما إذا أحرم بالحج من جوف مكة واستمرّ عليه ، فإن عاد إلى ميقاته الذي أنشأ العمرة منه وأحرم بالحجّ ، فلا دم عليه ؛ لأنّه لم يربح ميقاتاً.

ولو رجع إلى مثل مسافة ذلك الميقات وأحرم منه ، فكذلك لا دم عليه ؛ لأنّ المقصود قطع تلك المسافة مُحْرماً.

ولو أحرم من جوف مكة ثم عاد إلى الميقات مُحْرماً ، ففي سقوط الدم مثل الخلاف المذكور فيما إذا جاوز غير مُحْرم وعاد إليه مُحْرماً.

ولو عاد إلى ميقات أقرب إلى مكة من ذلك الميقات وأحرم منه كما إذا كان ميقاته الجحفة فعاد إلى ذات عرق ، فهو كالعود إلى ذلك الميقات للشافعية فيه وجهان :

أحدهما : لا ، وعليه الدم إذا لم يَعُدْ إلى ميقاته ولا إلى مثل مسافته.

والثاني : نعم ؛ لأنّه أحرم من موضع ليس ساكنوه من حاضري المسجد الحرام.

الخامس : اختلفت الشافعيّة في أنّه هل يشترط وقوع النسكين عن شخص واحد أم لا؟

٢١٥

فقال بعضهم : يشترط كما يشترط وقوعهما في سنة واحدة.

وقال الأكثر : لا يشترط ؛ لأنّ زحمة الحجّ وترك الميقات لا يختلف.

وهذا يفرض في ثلاث صُور :

إحداها : أن يكون أجيراً من شخصين استأجره أحدهما للحج والآخر للعمرة.

والثانية : أن يكون أجيراً للعمرة للمستأجر ثم يحجّ عن نفسه.

والثالثة : أن يكون أجيرا للحجّ ، فيعتمر لنفسه ثم يحجّ عن المستأجر.

فعلى قول الأكثر يكون نصف دم التمتّع على مَنْ يقع له الحجّ ونصفه على مَنْ تقع له العمرة.

وفصّل بعضهم ، فقال في الصورة الاُولى : إن أذنا في التمتّع ، فالدم عليهما نصفان ، وإن لم يأذنا ، فهو على الأجير ، وإن أذن أحدهما دون الآخر ، فالنصف على الآذن ، والنصف الآخر على الأجير.

وأمّا في الصورتين الأخيرتين : فإن أذن له المستأجر في التمتّع ، فالدم عليهما نصفان ، وإلاّ فالكلّ على الأجير.

السادس : في اشتراط نيّة التمتّع للشافعي وجهان :

أصحّهما عنده : أنّه لا يُشترط ، كما لا تُشترط نيّة القران ، وهذا لأنّ الدم منوط بزحمة الحجّ وربح أحد الميقاتين ، وذلك لا يختلف بالنيّة وعدمها.

والثاني : يشترط ؛ لأنّه جمع بين عبادتين في وقت إحداهما ، فأشبه الجمع بين الصلاتين.

وهذه الشروط الستّة معتبرة عنده في لزوم الدم ، وهل تعتبر في نفس التمتّع؟

قال بعض الشافعية : نعم ، فإذا تخلّف شرط ، كانت الصورة من صور الإِفراد.

وقال بعضهم : لا. وهو الأشهر عندهم ، ولهذا اختلفوا في أنّه يصحّ‌

٢١٦

التمتّع والقران من المكّي.

فقال بعضهم : نعم. وبه قال مالك.

وقال بعضهم : لا يصح. وبه قال أبو حنيفة(١) .

وعندنا يصحّ القران من المكّي دون التمتّع.

مسألة ١٦٣ : دم التمتّع نسك‌ - وبه قال أبو حنيفة وأصحابه(٢) - لقوله تعالى( وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) (٣) .

فأخبر أنّها من الشعائر ، فأمر بالأكل ، فلو كان جبراناً لما أمر بالأكل منها.

وقال الشافعي : إنّه دم جبران(٤) . وقد ظهر بطلانه.

إذا عرفت هذا ، فالمتمتّع إذا أحرم بالحجّ من مكة ، لزمه الدم إجماعاً ، فإن أتى الميقات وأحرم منه ، لم يسقط عنه فرض الدم عند علمائنا ؛ لأنّه متمتّع.

وقال جميع العامّة : يسقط عنه الدم(٥) .

مسألة ١٦٤ : من حضر الميقات ولم يتمكّن من الإِحرام لمرض أو غيره ، أحرم عنه وليّه‌ وجنّبه ما يجتنبه المحرم ، وقد تمّ إحرامه.

والحائض والنفساء إذا جاءتا إلى الميقات اغتسلتا وأحرمتا منه وتركتا صلاة الإِحرام.

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ١٢٨ و ١٣٦ - ١٤٩ و ١٥٢ - ١٥٥ و ١٦١ و ١٦٣ - ١٦٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ٤٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٠٨ ، المجموع ٧ : ١٧٥ - ١٧٩ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦٠ - ٢٦١.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٨٦ ، المجموع ٧ : ١٧٦ و ٨ : ٤١٩ ، التفسير الكبير ٥ : ١٦٨.

(٣) الحج : ٣٦.

(٤) فتح العزيز ٧ : ١٣٥ ، المجموع ٧ : ١٧٦ ، التفسير الكبير ٥ : ١٦٨.

(٥) انظر : فتح العزيز ٧ : ١٤٧ ، والمجموع ٧ : ١٧٧.

٢١٧

ويجرّد الصبيان من فخّ إذا أُريد الحجّ بهم ، ويجنّبون ما يجتنبه المحرم ، ويفعل بهم جميع ما يفعل به ، وإذا فعلوا ما تجب فيه الكفّارة ، كان على أوليائهم أن يكفّروا عنهم.

ولو كان الصبي لا يحسن التلبية أو لا يتأتّى له ، لبّى عنه وليّه ، وكذا يطوف به ، ويصلّي عنه إذا لم يحسن ذلك.

وإن حجّ بهم متمتّعين ، وجب أن يذبح عنهم إذا كانوا صغاراً ، وإن كانوا كباراً ، جاز أن يؤمروا بالصيام.

وينبغي أن يوقفوا الموقفين معاً ويحضروا المشاهد كلّها ويرمي عنهم ، ويناب عنهم في جميع ما يتولّاه البالغ بنفسه.

وإذا لم يوجد لهم هدي ولا يقدرون على الصوم ، كان على وليّهم أن يصوم عنهم.

٢١٨

٢١٩

المقصد الثاني

في أعمال العمرة المتمتّع بها إلى الحجّ‌

وفيه فصول‌

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

مطلقاً.

( الثاني ) قوله: « وإني قائد الناس طرّاً إلى الاسلام من عرب وعجم » فيه دلالة واضحة على أنهعليه‌السلام هو السبب في إسلام جميع الناس من عرب وعجم، فهو إذن أفضلهم مطلقاً.

( الثالث ) قوله: « وقاتل كل صنديد رئيس وجبار من الكفار ضخم » فيه دلالة على أفضليته، لأن من عمدة أسباب قوة الدين قتل الكفار والمعاندين، وهوعليه‌السلام قاتلهم باعتراف جميع المخالفين.

( الرابع ) قوله: « وفي القرآن ألزمهم ولائي وأوجب طاعتي فرضاً بعزم » فيه دلالة صريحة على وجوب اتّباعه وأطاعته والانقياد له، فهوعليه‌السلام إمام الأمة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بأمرٍ من الله تعالى من القرآن الكريم، لأن من وجبت طاعته فهو الامام كما اعترف بذلك ( الدهلوي ).

( الخامس ) قوله: « فمن منكم يعادلني بسهمي وإسلامي وسابقتي ورحمي؟ » فيه دلالة صريحة على أفضليتهعليه‌السلام .

ثم إن استماع كبار الصحابة لهذه الأشعار - كما في رواية الواحدي - وتقريرهم لما قالهعليه‌السلام من أقوى الشواهد على ما نذهب إليه من دلالة حديث الغدير على الإِمامة، وبذلك تذهب تأويلات أتباع أولئك الأصحاب أدراج الرياح.

ترجمة الميبدي شارح ديوان الامام

والحسين الميبدي من مشاهير علماء أهل السنة، قد أطروه وأثنوا عليه الثناء البالغ في كتبهم، كما لا يخفى على من راجعها. وممن أثنى عليه: غياث الدين المدعو بخواند أمير في تاريخه ( حبيب السير ). كما نقل عن شرحه للديوان: محمود ابن سليمان الكفوي في طبقاته للحنفية المسمى بـ ( كتائب أعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار ).

٣٢١

وفي ( كشف الظنون ): « ديوان علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وقد شرحه حسين بن معين الدين الميبدي اليزدي المتوفى سنة ٨٧٠ بالفارسية ».

* * *

٣٢٢

(٦)

نزول قوله تعالى:

سأل سائل بعذابٍ واقع

٣٢٣

٣٢٤

ونزل قوله تعالى:( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ ) بحق ( الحارث بن نعمان ) الذي قال ما قال بعد ما سمع كلام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في غدير خم.

وهذا دليل قطعي آخر على دلالة حديث الغدير على إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام .

ذكر من روى ذلك

وقد روى حديث نزول الآية المباركة في هذا الشأن جماعة كبيرة من أكابر أعلام أهل السنة وهم:

١ - أحمد بن محمّد بن إبراهيم الثعلبي النيسابوري.

٢ - شمس الدين سبط ابن الجوزي.

٣ - إبراهيم بن عبد الله اليمني الوصابي. ؛

٤ - محمّد بن يوسف الزرندي المدني.

٥ - شهاب الدين بن شمس الدين الدولت آبادي.

٦ - نور الدين علي بن عبد الله السمهودي.

٣٢٥

٧ - نور الدين علي بن محمّد بن الصبّاغ.

٨ - عطاء الله بن فضل الله المحدّث الشيرازي.

٩ - شمس الدين عبد الرءوف المنّاوي.

١٠ - شيخ بن عبد الله العيدروس.

١١ - محمود بن محمّد الشيخاني القادري المدني.

١٢ - نور الدين علي بن إبراهيم الحلبي.

١٣ - أحمد بن الفضل باكثير المكي.

١٤ - محمّد محبوب عالم.

١٥ - محمّد صدر عالم.

١٦ - محمّد بن إسماعيل بن صلاح الأمير.

١٧ - أحمد بن عبد القادر العجيلي.

١٨ - السيد مؤمن بن حسن الشبلنجي.

(١)

رواية الثعلبي

قال أبو إسحاق الثعلبي: « سئل سفيان بن عيينة عن قول الله عز وجل:( سَأَلَ سائِلٌ ) فيمن نزلت؟ فقال: لقد سألتني عن مسألة ما سألني عنها أحد قبلك.

حدثني أبي عن جعفر بن محمّد عن آبائه: لمـّا كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغدير خم، نادى الناس فاجتمعوا، فأخذ بيد علي بن أبي طالب فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فشاع ذلك وطار في البلاد، فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري، فأتى رسول الله على ناقة حتى أتى الأبطح، فنزل عن ناقته فأناخها

٣٢٦

وعقلها، ثم أتى النبي وهو في ملأ من أصحابه فقال:

يا محمد! أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلّا الله وأنك رسول الله، فقبلناه منك. وأمرتنا أن نصلّي خمساً، فقبلناه منك، وأمرتنا بالزكاة فقبلناه، وأمرتنا أن نصوم شهر رمضان فقبلناه منك، وأمرتنا بالحج فقبلناه. ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك ففضّلته علينا وقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه!! فهذا شيء منك أم من الله عزّ وجلّ؟!

فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : والذي لا إله إلّا هو إنّ هذا من الله.

فولّى الحارث بن النعمان يريد راحلته وهو يقول: اللهم إنْ كان ما يقوله محمّد حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم.

فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره فقتله. وأنزل الله عز وجل:( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ ) »(١) .

ترجمة أبي إسحاق الثعلبي

١ - ياقوت الحموي: بترجمة الواحدي: « وقال أبو الحسن الواحدي في مقدمة البسيط: وأظنني لم آل جهداً في إحكام أصول هذا العلم [ على ] حسب ما يليق بزماننا [ بزمننا ] هذا وتسعه سنو عمري على قلة أعدادها، فقد وفق الله [ تعالى ] وله الحمد حتى اقتبست كلّما احتجت إليه فيه هذا الباب في مظانه وأخذته من معادنه.

أما اللغة فقد درستها على الشيخ أبي الفضل أحمد بن محمّد بن عبد الله بن يوسف العروضيرحمه‌الله حتى عاتبني شيخيرحمه‌الله يوماً وقال: إنك لم تبق ديواناً من الشعر إلّا قضيت حقه، أما آن لك أن تتفرّغ لتفسير كتاب الله

____________________

(١). تفسير الثعلبي - مخطوط.

٣٢٧

العزيز، تقرأه على هذا الرجل الذي يأتيه البعداء من أقاصي البلاد وتتركه أنت على قرب ما بيننا من الجوار - يعني الأستاذ الامام أحمد بن محمّد بن ابراهيم الثعلبي -؟!

فقلت: يا أبت إنما أتدرّج بهذا إلى ذلك الذي تريد، وإذا المرء أحكم الأدب بجدٍ وتعبٍ رمى في غرض التفسير من كثب. ثم لم أغبّ زيارته يوماً من الأيام حتى حال بيننا قدر الحمام

ثم فرغت للاستاذ أبي اسحاق أحمد بن محمّد بن إبراهيم الثعلبيرحمه‌الله ، وكان خير العلماء بل بحرهم، ونجم الفضلاء بل بدرهم، وزين الأئمة بل فخرهم، وأوحد الأئمة بل صدرهم. وله التفسير الملقّب بالكشف والبيان عن تفسير القرآن، الذي رفعت به المطايا في السهل والأوعار، وسارت به الفلك في البحار، وهبّ هبوب الريح في الأقطار، وسار مسير الشمس في كلّ بلدة، وهب هبوب الريح في البر والبحر، وأصفقت عليه كافة الأمة على اختلاف نحلهم، وأقروا بالفضيلة في تصنيفه ما لم يسبق إلى مثله، فمن أدركه وصحبه علم أنه كان منقطع القرين، ومن لم يدركه فلينظر في مصنفاته ليستدل لها أنه كان بحراً لا ينزف وغمراً لا يسبر، وقرأت عليه من مصنفاته أكثر من خمسمائة جزء، منها تفسيره الكبير، وكتابه المعنون بالكامل في علم القرآن وغيرهما »(١) .

ترجمة العروضي مادح الثعلبي

وأبو الفضل العروضي الذي نقل عنه الواحدي مدحه للثعلبي من كبار مشايخ علماء أهل السنة في اللغة والأدب، وقد ترجموا له في معاجم الرجال:

قالجلال الدين السيوطي: « أحمد بن محمّد بن عبد الله بن يوسف بن محمد النهشلي، الأديب، أبو الفضل العروضي الصفار الشافعي. قال عبد الغافر: هو

____________________

(١). معجم الأدباء ١٢ / ٢٦٢.

٣٢٨

شيخ أهل الأدب في عصره، حدّث عن الأصم وأبي منصور الأزهري والطبقة. وتخرّج به جماعة من الأئمة منهم الواحدي. وقال الثعالبي: إمام في الأدب، خنّق التسعين في خدمة الكتب، وأنفق عمره على مطالعة العلوم وتدريس مؤدبي نيسابوري. ولد سنة ٣٣٤ ومات بعد سنة ٤١٦ »(١) .

٢ - ابن خلكان: « أبو إسحاق أحمد بن محمّد بن إبراهيم الثعلبي. النيسابوري، المفسر المشهور، كان أوحد أهل زمانه في علم التفسير. وصنف التفسير الكبير الذي فاق غيره من التفاسير، وله كتاب العرائس في قصص الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وغير ذلك. ذكره السمعاني وقال: يقال له الثعلبي والثعالبي، وهو لقب له وليس بنسب قاله بعض العلماء.

وقال أبو القاسم القشيري: رأيت رب العزة عز وجل في المنام وهو يخاطبني وأخاطبه، فكان في أثناء ذلك أن قال الرب تعالى اسمه: أقبل الرجل الصالح. فالتفتّ فإذا أحمد الثعلبي مقبل.

وذكره عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي في كتاب سياق تاريخ نيسابور وأثنى عليه وقال: هو صحيح النقل موثوق به، حدّث عن أبي طاهر بن خزيمة، والامام أبي بكر بن مهران المقري، وكان كثير الحديث كثير الشيوخ، توفي سنة ٤٢٧، وقال غيره: توفي في محرم سنة ٤٢٧. وقال غيره: توفي يوم الأربعاء لسبع بقين من المحرم سنة ٤٣٧ رحمه الله تعالى »(٢) .

٣ - الذهبي: « وفيها توفي أبو إسحاق الثعلبي وكان حافظاً واعظاً، رأساً في التفسير والعربية، متين الديانة، توفي في المحرم »(٣) .

٤ - ابن الوردي: « صحيح النقل، روى عن جماعة »(٤) .

____________________

(١). بغية الوعاة ١ / ٣٦٩.

(٢). وفيات الأعيان ١ / ٦١ - ٦٢.

(٣). العبر - حوادث ٤٢٧.

(٤). تتمة المختصر حوادث ٤٢٧.

٣٢٩

٥ - الصفدي: « روى عن جماعة، وكان حافظاً عالماً بارعاً في العربية موثقاً » ثم ذكر منام القشيري وكلام عبد الغافر المذكورين(١) .

٦ - اليافعي: « المفسّر المشهور، وكان حافظاً واعظاً رأساً في التفسير والعربية والدين والديانة، فاق تفسيره الكبير سائر التفاسير »(٢) .

٧ - ابن الشحنة: « كان واحد زمانه في علم التفسير، وله كتاب العرائس في قصص الأنبياء وهو صحيح النقل »(٣) .

٨ - ابن قاضي شهبة: « أخذ عنه أبو الحسن الواحدي، روى عن أبي القاسم القشيري قال الذهبي: وكان حافظاً رأساً في التفسير والعربية متين الديانة »(٤) .

٩ - السيوطي: « كان كبيراً إماماً حافظاً للغة بارعاً في العربية »(٥)

١٠ - وذكره ولي الله الدهلوي - الذي عدّه ولده ( الدهلوي ) آية من آيات الله ومعجزة من المعاجز النبوية، وطالما استند إلى أقواله، ووصفه الفاضل رشيد الدين خان الدهلوي بـ « عمدة المحدثين وقدوة العارفين » ووصفه المولوي حيدر علي الفيض آبادي بـ « خاتم العارفين وقاصم المخالفين، سيد المحدّثين سند المتكلّمين، حجة الله على العالمين » في كلام له في ( إزالة الخفاء ) في بيان كون الخلفاء الراشدين وسائط بين النبي والأمة - ذكر أبا إسحاق الثعلبي من جملة علماء التفسير الذين كانوا وسائط في حفظ الدين المبين، وإيصال الشريعة المطهّرة، إلى الأمة، وإن القرون المتأخرة أخذت علم التفسير منهم.

وذكر أن الثعلبي إمام المفسرين ومقتداهم، كما أن أبا حنيفة إمام الحنفية،

____________________

(١). الوافي بالوفيات ٨ / ٣٣ وفيه السهلي.

(٢). مرآة الجنان حوادث سنة ٤٢٧.

(٣). روض المناظر حوادث ٤٢٧.

(٤). طبقات الشافعية ١ / ٢٠٧.

(٥). بغية الوعاة ١ / ٣٥٦.

٣٣٠

والشافعي إمام الشافعية وأن ما ذكره الثعلبي في تفسيره مأخوذ من السلف الصالح لأهل السنة، وأنه بمنزلة اللوح، وكأنه اللوح المحفوظ من المحو والإثبات والمصون من تطرّق الأغلاط والشبهات إليه، إلى غير ذلك من الأوصاف الحميدة التي ذكرها للثعلبي وتفسيره.

رواية القوم لتفسير الثعلبي

وتفسير الثعلبي من الكتب المعروفة المعتمدة لدى القوم، وهم يروونه بأسانيدهم عن مؤلفه، وينقلون عنه رواياته ويعتمدون اليها، فقد ذكره عز الدين ابن الأثير في الفصل الذي ذكر فيه أسانيد الكتب التي خرّج منها الأحاديث في صدر تلك الكتب حيث قال: « فصل نذكر فيه أسانيد الكتب التي خرجت منها الأحاديث وغيرها، وتركت ذكرها في الكتاب لئلّا يطول الاسناد، ولا أذكر في أثناء الكتاب إلّا اسم المصنف وما بعده فليعلم ذلك:

تفسير القرآن المجيد لأبي إسحاق الثعلبي. أخبرنا به أبو العباس أحمد بن عثمان بن أبي علي بن مهدي الزرزاري الشيخ الصالح رحمه الله تعالى قال: أخبرنا الرئيس مسعود بن الحسن بن القاسم الاصبهاني وأبو عبد الله الحسن بن العباس الرستمي قالا: أخبرنا أحمد بن خلف الشيرازي قال: أنبأنا أبو إسحاق أحمد بن محمّد بن إبراهيم الثعلبي بجميع كتاب الكشف والبيان في تفسير القرآن، سمعت عليه من أول الكتاب الى آخر سورة النساء. وأما من أول سورة المائدة الى آخر الكتاب فانه حصل لي بعضه سماعاً وبعضه اجازة واختلط السماع بالاجازة، فأنا أقول فيه أخبرنا به إجازة ان لم يكن سماعاً، فاذا قلت أخبرنا أحمد باسناده إلى الثعلبي فهو بهذا الاسناد »(١) .

ثم إنه ذكر أسانيد الكتب الأخرى ومنها الصحاح والمسانيد.

____________________

(١). أسد الغابة ١ / ٨.

٣٣١

وقال أبو محمّد بن محمّد الأمير في ( رسالة أسانيده ): « تفسير الثعلبي وسائر مؤلفاته بسند صاحب المنح من طريق ابن البخاري عن منصور بن عبد المنعم وعبد الله بن عمر الصفار والمؤيد بن محمّد الطريثيثي كلهم عن أبي محمّد العباس بن محمّد بن أبي منصور الطوسي عن أبي سعيد بن محمّد عن أبي اسحاق أحمد بن محمد النيسابوري الثعلبي وهو لقب وليس بنسب توفي سنة ٤٢٧».

اعتماد القوم على تفسير الثعلبي

ولقد كثر نقل علماء القوم عن تفسير الثعلبي وغيره من مؤلفاته واستشهادهم برواياته واعتمادهم عليها، ونحن نذكر موارد من ذلك من باب التمثيل:

قال القرطبي بتفسير قوله تعالى:( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَ ) : « ذكر الثعلبي وغيره: أن عائشة رضي الله عنها كانت إذا قرأت هذه الآية تبكي حتى تبلّ خمارها. وذكر أن سودة قيل لها: لم لا تحجّين ولا تعتمرين كما تفعل أخواتك؟ فقالت: قد حججت واعتمرت، وأمرني الله أن أقرّ في بيتي. قال الراوي: فو الله ما خرجت من باب حجرتها حتى أخرجت جنازتها، رضوان الله عليها»(١) .

وفيه بتفسير( وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى ) : « وقال الثعلبي: واسم أم موسى: لوخا بنت هاند بن لاوي بن يعقوب »(٢) .

وقال النووي بترجمة آدمعليه‌السلام : « قال الامام أبو إسحاق الثعلبي في قول الله عزّ وجلّ إخباراً عن إبليس( خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ) قال الحكماء: أخطأ عدو الله في تفضيله النار على الطين، لأن الطين أفضل منه من أوجه »(٣) .

____________________

(١). تفسير القرطبي ١٤ / ١٨٠ - ١٨١.

(٢). المصدر نفسه ١٣ / ٢٥٠.

(٣). تهذيب الأسماء واللغات ١ / ٩٦.

٣٣٢

وقد نقل عنه النووي في مواضع أخر مع وصفه بـ « الامام ».

وقال كمال الدين الدميري: « وقال محمّد الباقررضي‌الله‌عنه : كان أصحاب الكهف صياقلة، واسم الكهف حيوم، والقصة طويلة في كتب التفاسير والقصص، وقد وقفت على جمل من ذلك في كتب التفاسير والقصص مطوّلاً ومختصراً، فمن ذلك ما ساقه الامام أبو إسحاق أحمد بن محمّد بن أحمد بن إبراهيم النيسابوري الثعلبي، في كتابه الكشف والبيان في تفسير القرآن »(١) .

وقال نور الدين الحلبي في ( السيرة ): « وفي العرائس: إن فرعون لمـّا أمر بذبح أبناء بني إسرائيل جعلت المرأة، أي بعض النساء كما لا يخفى، إذا ولدت الغلام انطلقت به سرّاً إلى واد أو غار فأخفته ».

وقال الحسين الديار بكري في مقدّمة تاريخه: « هذه مجموعة من سير سيد المرسلين انتخبتها من الكتب المعتمدة تحفةً للاخوان البررة وهي: التفسير الكبير، والكشاف، وحاشيته للجرجاني الشريف، والكشف، والوسيط، ومعالم التنزيل والعرائس للثعلبي، وسحّ السحابة، وأصول الصفار، والبحر العميق وسرّ الأدب، والانسان الكامل، وسمّيتها بالخميس في أحوال النفس النفيس ».

وقال محمّد بن معتمد خان البدخشي: « وأخرج العلّامة أبو إسحاق أحمد ابن محمّد بن إبراهيم الثعلبي المفسّر النيسابوري في تفسيره، عن جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنهما أنه قال: نحن حبل الله الذي قال الله تعالى:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (٢) .

وقال أحمد بن باكثير المكي: « وروى الثعلبي في تفسير قوله تعالى:( وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ ) عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: الأعراف موضع عال من الصراط، عليه العباس وحمزة وعلي بن أبي طالب وجعفر

____________________

(١). حياة الحيوان « الكلب ».

(٢). مفتاح النجا - مخطوط.

٣٣٣

ذو الجناحين، يعرفون محبّهم ببياض الوجه ومبغضهم بسواد الوجه »(١) .

(٢)

رواية سبط ابن الجوزي

وقال سبط ابن الجوزي: « اتفق علماء السير أن قصة الغدير بعد رجوع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حجة الوداع، في الثامن عشر من ذي الحجة، جمع الصحابة وكانوا مائة وعشرين ألفاً و قال: من كنت مولاه فعلي مولاه. الحديث. نصّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ذلك بصريح العبارة دون التلويح والإِشارة. وذكر أبو إسحاق الثعلبي في تفسير بإسناده: أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمـّا قال ذلك طار في الأقطار وشاع في البلاد والأمصار، وبلغ ذلك الحارث بن نعمان الفهري »(٢) .

ترجمة السبط والثناء عليه

١ - الذهبي: « وابن الجوزي العلّامة الواعظ المؤرّخ، شمس الدين أبو المظفر، يوسف بن قزعلي التركي ثم البغدادي العوني الهبيري، الحنفي، سبط الشيخ جمال الدين أبي الفرج ابن الجوزي، أسمعه جدّه منه ومن ابن كلبي وجماعة، وقدم دمشق سنة بضع وستمائة فوعظ بها، وحصل له القبول العظيم، للطف شمائله وعذوبة وعظه، وله تفسير في تسعة وعشرين مجلّدا، وشرح الجامع الكبير، وجمع مجلّداً في مناقب أبي حنيفة، ودرّس وأفتى، وكان في شبيبته حنبليّاً.

____________________

(١). وسيلة المآل - مخطوط.

(٢). تذكرة خواص الأمة: ٣٠.

٣٣٤

توفي في الحادي والعشرين من ذي الحجّة، وكان وافر الحرمة عند الملوك »(١) .

٢ - ابن الوردي: « وفيها توفي الشيخ شمس الدين يوسف، سبط جمال الدين ابن الجوزي: واعظ فاضل، له مرآة الزمان تاريخ جامع. قلت: وله تذكرة الخواص من الأمة في ذكر مناقب الأئمة. والله أعلم »(٢) .

(٣)

رواية الوصابي

ورواه إبراهيم بن عبد الله اليمني الوصابي عن « الامام الثعلبي في تفسيره » كذلك.

اعتماد العلماء على كتاب الاكتفاء

وكتاب ( الإِكتفاء في فضل الأربعة الخلفاء ) لليمني الوصابي من الكتب المشهورة لدى القوم، فقد نقل عنه محمّد محبوب في مواضع من تفسيره ( تفسير شاهي ) منها قوله: « و في الاكتفاء عن علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه قال: وقع بيني وبين العباس مفاخرة، ففخر عليّ العباس بسقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام أنهما له، قال علي فقلت: ألآن أخبرك بمن هو خير من هذا كله!، الذي قرع خراطيمكم بالسيف وقادكم إلى الإِسلام. فعزّ ذلك على العباسرضي‌الله‌عنه ، فأنزل عزّ وجلّ:( أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ ) يعني علياًرضي‌الله‌عنه »(٣) .

____________________

(١). العبر في خبر من غبر حوادث ٦٥٦.

(٢). تتمة المختصر حوادث ٦٥٦.

(٣). تفسير شاهي. بتفسير الآية.

٣٣٥

ومنها: « في الإِكتفاء عن علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه قال: لمـّا أراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يغزو تبوك، دعا جعفر بن أبي طالب، فأمره أن يتخلّف على المدينة فقال: لا أتخلّف بعدك يا رسول الله. فعزم عليَّ لمـّا تخلّفت قبل أن أتكلّم فبكيت، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما يبكيك يا علي؟ قال: يا رسول الله يبكيني خصال غير واحد، تقول قريش غداً ما أسرع ما تخلّف عن ابن عمه وخذله، وتبكيني خصلة أخرى، كنت أريد أن أتعرّض للجهاد في سبيل الله »(١) .

ونقل شهاب الدين أحمد بن عبد القادر العجيلي عن ( أسنى المطالب في فضائل علي بن أبي طالب ) وهو الكتاب الرابع من ( الاكتفاء في فضل الأربعة الخلفاء )(٢) .

(٤)

رواية الزرندي

وروى محمّد بن يوسف الزرندي حديث نزول الآية المباركة المذكورة في شأن الحارث بن النعمان الفهري، عن الثعلبي واصفاً إياه بـ « الامام » عن سفيان ابن عيينة كما تقدّم(٣) .

ترجمة الزرندي والاعتماد على كتبه

وقال ابن حجر العسقلاني بترجمة الزرندي: « محمّد بن يوسف بن الحسن

____________________

(١). المصدر.

(٢). ذخيرة المآل - مخطوط.

(٣). معارج الوصول - مخطوط - نظم درر السمطين ٩٣.

٣٣٦

ابن محمّد بن محمود بن الحسن، الزرندي المدني الحنفي، شمس الدين، أخو نور الدين علي. قرأت في مشيخة الجنيد البلياني تخريج الحافظ شمس الدين الجزري الدمشقي نزيل شيراز أنه كان عالماً، وأرّخ مولده سنة ٦٩٣ ووفاته بشيراز سنة بضع وخمسين وسبعمائة. وذكر أنه صنف درر السمطين في مناقب السبطين. وبغية المرتاح جمع فيها أربعين حديثاً بأسانيدها وشرحها »(١) .

وفي ( الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ): « حكى شيخ الاسلام العلّامة المحدّث بالحرم الشريف النبوي، جمال الدين محمّد بن يوسف الزرندي، في كتابه المسمى بدرر السمطين في فضل المصطفى والمرتضى والسبطين: أن الامام المعظم والحبر المكرم، أحد الأئمة المتّبعين المقتدى بهم في أمور الدين، محمّد بن إدريس الشافعي المطّلبي -رضي‌الله‌عنه وأرضاه وجعل الجنة منقلبه ومثواه - لما صرّح بمحبّة أهل البيت وأنه من شيعتهم، قيل فيه هذا وهو السيد الجليل، فقال مجيبا عن ذلك بأبيات:

إذا نحن فضّلنا علياً فإننا

روافض بالتفضيل عند ذوي الجهل

إلى آخر الأشعار »(٢) .

ووصفه شهاب الدين أحمد عند النقل عنه بـ: « الامام المحدّث بالحرم الشريف النبوي المحمدي»(٣) .

وقد ذكر الكاتب الجلبي كتابيه ( نظم درر السمطين ) و ( بغية المرتاح ) في ( كشف الظنون)(٤) .

____________________

(١). الدرر الكامنة ٤ / ٢٩٥.

(٢). الفصول المهمة: ٢١.

(٣). توضيح الدلائل - مخطوط.

(٤). كشف الظنون ١ / ٧٤٧ باسم: درر السمطين و ٢٥٠١.

٣٣٧

كما عدَّ الديار بكري كتابه ( الإِعلام ) ضمن مصادر كتابه ( الخميس ).

وقال السمهودي: « وقال الحافظ جمال الدين المذكور: وقال أبو الليث عبد السلام بن صالح الهروي: كنت مع علي بن موسى الرضا - وقد دخل نيسابور وهو على بغله شهباء - فغدا في طلبه العلماء من أهل البلد وقالوا: بحق آبائك الطاهرين حدّثنا بحديث سمعته من أبيك. فقال: حدثني أبي العبد الصالح موسى بن جعفر وقال: حدثني أبي جعفر الصادق ابن محمّد قال: حدثني أبي باقر علم الأنبياء محمّد بن علي قال: حدثني أبي سيّد العابدين علي بن الحسين قال: حدثني أبي سيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي قال: سمعت أبي سيد العرب علي بن أبي طالب يقول: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: الإِيمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان.

قال الامام أحمد بن حنبلرحمه‌الله : لو قرأت هذا الاسناد على مجنون لبرئ من حينه.

وروى بعضهم أن المستملي لهذا الحديث أبو زرعة الرازي ومحمّد بن أسلم الطوسي »(١) .

وهكذا نقل عنه في مواضع عديدة واصفاً إياه بـ « الحافظ ».

(٥)

رواية الدولت آبادي

وروى ملك العلماء شهاب الدين بن شمس الدين الدولت آبادي حديث نزول قوله تعالى:( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ ) في واقعة حديث الغدير قوله: « وفي

____________________

(١). جواهر العقدين - مخطوط.

٣٣٨

الزاهدية عند قوله تعالى:( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ ) :في تفسير الثعلبي نزولا: أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال يوماً . من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله. فسمع ذلك واحد من الكفرة من جملة الخوارج، فجاء إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا محمد هذا من عندك أو من عند الله؟ فقال: هذا من عند الله. فخرج الكافر من المسجد وقام على عتبة الباب وقال: إنْ كان ما يقوله حقاً فأنزل عليّ حجراً من السماء قال: فنزل حجر ورضخ رأسه. فنزلت السورة »(١) .

ترجمة الدولت آبادي

وشهاب الدين الدولت آبادي من أعلام علماء أهل السنة، فقد ذكره غلام علي آزاد قائلاً: « مولانا القاضي شهاب الدين بن شمس الدين ابن عمر الزاولي الدولت آبادي نوّر الله ضريحه. ولد بدولت آباد دهلي، وتلمّذ على القاضي عبد المقتدر الدهلوي، ومولانا خواجكي الدهلوي وهو من تلامذة مولانا معين الدين العمراني رحمهم ‌الله تعالى. وفاق أقرانه وسبق إخوانه. وكان القاضي عبد المقتدر يقول في حقه: يأتيني من الطلبة من جلده علم ولحمه علم وعظمه علم.

... وألّف كتباً سارت بها ركبان العرب والعجم، وأذكى سرجاً أهدى من النار الموقدة على العلم.

توفي لخمس بقين من رجب المرجب، سنة تسع وأربعين وثمانمائة، ودفن بجو نفور في الجانب الجنوبي من مسجد السلطان إبراهيم الشرقي »(٢) .

كما ترجم له الشيخ عبد الحق الدهلوي وأثنى عليه الثناء البالغ(٣) .

____________________

(١). هداية السعداء. الجلوة الثانية من الهداية الثامنة.

(٢). سبحة المرجان في آثار هندوستان: ٣٩.

(٣). أخبار الأخيار: ١٧٣.

٣٣٩

وذكر كاشف الظنون أحد كتب شهاب الدين الدولت آبادي وهو ( الارشاد في النحو ) ووصف مؤلفه بـ « الشيخ الفاضل » والكتاب بقوله: « وهو متن لطيف، تعمّق في تهذيبه كل التعمق، وتأنق في ترتيبه حق التأنق ».

وكذا مدح ولي الله الدهلوي مؤلفات الدولت آبادي في كتابه ( المقدمة السنية في الانتصار للفرقة السنية ).

وقد عدّ رشيد الدين الدهلوي ملك العلماء في عداد عظماء العلماء من أهل السنة، الذين ألّفوا كتباً ورسائل في مناقب الأئمة الطاهرين من أهل البيتعليهم‌السلام .

وهذا المقدار يكفي لبيان كون الدولت آبادي من علماء أهل السنة، المعتمدين الموثوقين لديهم.

(٦)

رواية السمهودي

وروى نور الدين لي بن عبد الله السمهودي الشافعي، حديث نزول الآية الشريفة في حق الحارث في الواقعة المذكورة، عن الثعلبي أيضاً، حيث قال:

« وروى الامام الثعلبي في تفسيره: إنّ سفيان بن عيينةرحمه‌الله سئل عن قول الله عز وجل:( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ ) فيمن نزلت؟ فقال للسائل: سألتني عن مسألة ما سألني عنها أحد قبلك، حدثني أبي عن جعفر بن محمّد عن آبائه: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمـّا كان بغدير خم نادى الناس فاجتمعوا، فأخذ بيد عليرضي‌الله‌عنه وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فشاع ذلك وطار في البلاد، فبلغ ذلك الحارث ابن النعمان الفهري، فأتى رسول الله على ناقة، فنزل بالأبطح عن ناقته وأناخها وقال:

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391