نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٨

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار10%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 391

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 391 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 294059 / تحميل: 6789
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٨

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

(باب )

(كراهية الارتماس في الماء للصائم )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال الصائم يستنقع في الماء ولا يرتمس رأسه.

في قضاء الصوم فذهب الأكثر إلى وجوبه لهذا الخبر ولصحيحة الحلبي(١) .

وقال الصدوق : بعد نقل هذه الرواية وفي خبر آخر إن من جامع في أول شهر رمضان ثم نسي الغسل حتى خرج شهر رمضان أن عليه أن يغتسل ويقضي صلاته وصيامه إلى ذلك اليوم ولا يقضي ما بعد ذلك.

وقال ابن إدريس : لا يجب قضاء الصوم لأنه ليس من شرطه الطهارة في الرجال إلا إذا تركها الإنسان معتمدا من غير اضطرار وهذا لم يتعمد تركها ووافقه المحقق في الشرائع والنافع.

باب كراهية الارتماس في الماء للصائم

الحديث الأول : حسن.

قوله عليه‌السلام : « يستنقع » الاستنقاع كما يظهر من كتب اللغة النزول في الماء واللبس فيه وعبر عنه أكثر الأصحاب : بالجلوس فيه ، وهو أخص من المعنى اللغوي وعلى التقديرين هو مكروه للمرأة دون الرجال كما سيأتي.

قوله عليه‌السلام : « ولا يرتمس » لعله كان الأولى يرمس كما في غيره من الكتب لأن الارتماس لازم وهو الاغتماس والاختفاء تحت الماء وقوله « رأسه » إما مرفوع بالفاعلية أو منصوب بنزع الخافض ويمكن أن يكون استعمل متعديا ولم ينقل.

ثم اعلم : أن الخبر ظاهرا يدل على عدم جواز الارتماس للصائم واختلف الأصحاب في حكمه فذهب الأكثر إلى أن الارتماس مفسد للصوم وبه قال المرتضى وادعى

__________________

(١) الوسائل ج ٧ ص ٤٣ ح ١.

٢٨١

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد ، عن حريز ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه قال لا يرتمس الصائم ولا المحرم رأسه في الماء.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن علي بن الحكم ، عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال الصائم يستنقع في الماء ويصب على رأسه ويتبرد بالثوب وينضح بالمروحة وينضح البورياء تحته ولا يغمس رأسه في الماء.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن موسى بن سعدان ، عن عبد الله بن الهيثم ، عن عبد الله بن سنان قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول لا تلزق ثوبك إلى جسدك وهو رطب وأنت صائم حتى تعصره.

٥ ـ محمد بن يحيى وغيره ، عن محمد بن أحمد ، عن السياري ، عن محمد بن علي الهمذاني ، عن حنان بن سدير قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الصائم يستنقع في الماء قال لا بأس ولكن لا ينغمس فيه والمرأة لا تستنقع في الماء لأنها تحمل الماء بفرجها.

الإجماع عليه.

وقال ابن إدريس إنه مكروه.

وقال الشيخ في الاستبصار : إنه محرم ولا يوجب قضاء ولا كفارة.

الحديث الثاني : حسن وهو كما تقدم.

الحديث الثالث : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « ويتبرد بالثوب » يدل على الجواز ولا ينافي الكراهة المشهورةالحديث الرابع : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « لا تلزق » يدل على المنع من بل الثوب على الجسد وحمل على الكراهة ولم يذهب إلى التحريم أحد ، لضعف المستند ووجود المعارض كما مر.

الحديث الخامس : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « والمرأة لا تستنقع » المشهور بين الأصحاب كراهة جلوس المرأة في الماء.

٢٨٢

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن بعض أصحابنا ، عن مثنى الحناط والحسن الصيقل قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الصائم يرتمس في الماء قال لا ولا المحرم قال وسألته عن الصائم يلبس الثوب المبلول قال لا.

(باب )

(المضمضة والاستنشاق للصائم )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في الصائم يتوضأ للصلاة فيدخل الماء حلقه فقال إن كان وضوؤه لصلاة فريضة فليس عليه شيء وإن كان وضوؤه لصلاة نافلة فعليه القضاء.

وقال أبو الصلاح : إذا جلست المرأة في الماء إلى وسطها لزمها القضاء.

ونقل عن ابن البراج : أنه أوجب الكفارة أيضا بذلك وهما نادران.

والحق الشهيد في اللمعة بالمرأة : الخنثى والخصي الممسوح لمساواتها لهما في العلة وفيه إشكال.

الحديث السادس : ضعيف وقد مر الكلام فيه.

باب المضمضة والاستنشاق للصائم

الحديث الأول : حسن ورواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي(١) .

قوله عليه‌السلام : « إن كان وضوؤه » المشهور بين الأصحاب أنه من أدخل فمه الماء فابتلعه سهوا فإن كان متبردا فعليه القضاء وإن كان للمضمضة به للطهارة فلا شيء عليه وقال في المنتهى : وهذا مذهب علمائنا. واستدل عليه بروايتي سماعة(٢) ويونس(٣) وفيهما ضعف ، وهذا الخبر يدل على وجوب القضاء إذا دخل الماء الحلق من وضوء

__________________

(١) الوسائل : ج ٧ ص ٤٩ ح ١.

(٢) الوسائل : ج ٧ ص ٤٩ ح ٣.

(٣) الوسائل : ج ٧ ص ٥٠ ح ٤.

٢٨٣

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن مرار ، عن يونس ، عن أبي جميلة ، عن زيد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في الصائم يتمضمض قال لا يبلع ريقه حتى يبزق ثلاث مرات.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد عمن ذكره ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه في الصائم يتمضمض ويستنشق قال نعم ولكن لا يبالغ.

النافلة ويستفاد منه وجوب القضاء إذا دخل من مضمضة التبرد أو العبث بطريق أولى.

وأما الكفارة فلا تثبت إلا مع تعمد الازدراد قطعا.

وقال بعض المحققين : وفي معنى دخول الماء من الوضوء الواجب دخوله من المضمضة للتداوي أو لإزالة النجاسة ولا يلحق بالمضمضة الاستنشاق في هذا الحكم قطعا ولا يجب بما يسبق منه قضاء ولا كفارة بل لو قيل بأن تعمد إدخال الماء من الأنف غير مفسد للصوم لم يكن بعيدا.

ثم اعلم : أن المعروف من مذهب الأصحاب جواز المضمضة للصائم في الوضوء وغيره ، بل قال في المنتهى ولو تمضمض لم يفطر بلا خلاف بين العلماء ، سواء كان في الطهارة أو غيرها ، وربما ظهر من كلام الشيخ عدم جواز المضمضة للتبرد وهو ضعيف.

الحديث الثاني : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « أن (١) يبزق ثلاث مرات » حمل في المشهور على الاستحباب.

قال : في الدروس يستحب للمتمضمض أن يتفل ثلاثا ، وكذا ذائق الطعام وشبهه انتهى.

والأحوط عدم ترك العمل به.

الحديث الثالث : حسن.

قوله عليه‌السلام : « ولكن لا يبلغ » (٢) أي الماء وجوبا أو الريق بعد المضمضة كما مر

__________________

(١) هكذا في الأصل : ولكن في الكافي : حتى يبق.

(٢) هكذا في الأصل : ولكن في الكافي : ولكن لا يبالغ.

٢٨٤

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن الريان بن الصلت ، عن يونس قال الصائم في شهر رمضان يستاك متى شاء وإن تمضمض في وقت فريضته فدخل الماء حلقه فليس عليه شيء وقد تم صومه وإن تمضمض في غير وقت فريضة فدخل الماء حلقه فعليه الإعادة والأفضل للصائم أن لا يتمضمض.

(باب )

(الصائم يتقيأ أو يذرعه القيء أو يقلس )

١ ـ محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان وأبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار جميعا ، عن صفوان بن يحيى ، عن ابن مسكان ، عن الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا تقيأ الصائم فعليه قضاء ذلك اليوم وإن ذرعه من غير أن يتقيأ فليتم

استحبابا ، وفي بعض النسخ لا يبالغ فهو أيضا محمول على الكراهة.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام : « يستاك » المشهور بين الأصحاب استحباب الاستياك للصائم باليابس والرطب.

بل قال : في المنتهى : إنه قول علمائنا أجمع إلا ابن أبي عقيل فإنه كرهه بالرطب.

قوله عليه‌السلام : « في غير وقت فريضة » لا يخفى أنه موافق للتفصيل المستفاد من الخبر السابق وإن استدل به بعض الأصحاب على عدم النقض بما يدخل في الحلق من مضمضة الوضوء للصلاة مطلقا كما عرفت.

قوله عليه‌السلام : « أن لا يتمضمض » لعله محمول على المضمضة لغير الوضوء.

باب في الصائم يتقيأ أو يذرعه القيء أو يقلس

الحديث الأول : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « فعليه قضاء ذلك اليوم » اختلف الأصحاب في حكم تعمد القيء للصائم بعد اتفاقهم على أنه لو ذرعه أي سبقه بغير اختياره لم يفطر.

٢٨٥

صومه.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا تقيأ الصائم فقد أفطر وإن ذرعه من غير أن يتقيأ فليتم صومه.

٣ ـ محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في الذي يذرعه القيء وهو صائم قال يتم صومه ولا يقضي.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن أحمد ، عن أحمد بن الحسن ، عن عمرو بن سعيد ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار بن موسى ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن الرجل يخرج من جوفه القلس حتى يبلغ الحلق ثم يرجع إلى جوفه وهو صائم قال ليس بشيء.

فذهب الشيخ وأكثر الأصحاب : إلى أنه موجب للقضاء خاصة.

وقال ابن إدريس : إنه محرم ولا يجب به قضاء ولا كفارة.

وحكى السيد المرتضى عن بعض علمائنا قولا : بأنه موجب للقضاء والكفارة ، وعن بعضهم أنه ينقض الصوم ولا يبطله قال : وهو الأشبه والمعتمد الأول كما يدل عليه هذا الخبر.

الحديث الثاني : صحيح. وهو كالخبر السابق والإفطار لا يستلزم الكفارة كما توهم.

الحديث الثالث : مجهول كالصحيح.

الحديث الرابع : موثق.

قوله عليه‌السلام : « من جوفه القلس » قال : الجزري « القلس » بالتحريك ، وقيل : بالسكون ما خرج من الجوف ملء الفم ، أو دونه وليس بقيء فإن عاد فهو القيء.

قوله عليه‌السلام : « ليس بشيء » إما لعدم الاختيار أو لعدم الوصول إلى الفم والأول أظهر.

٢٨٦

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن علي بن الحكم ، عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم قال سئل أبو جعفرعليه‌السلام عن القلس يفطر الصائم قال لا.

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة قال سألته عن القلس وهي الجشأة يرتفع الطعام من جوف الرجل من غير أن يكون تقيأ وهو قائم في الصلاة قال لا ينقض ذلك وضوءه ولا يقطع صلاته ولا يفطر صيامه.

(باب )

(في الصائم يحتجم ويدخل الحمام )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن الصائم أيحتجم فقال إني أتخوف عليه أما يتخوف على نفسه قلت ما ذا يتخوف عليه قال الغشيان أو تثور به مرة قلت أرأيت إن قوي على ذلك ولم يخش شيئا قال نعم إن شاء.

قال في الدروس : لو ابتلع ما خرج منه كفر ، واقتصر في النهاية ، والقاضي في رواية محمد بن سنان(١) لا يفطر ويحمل على عوده بغير قصد.

الحديث الخامس : صحيح وقد مر فيه الكلام.

الحديث السادس : موثق.

قوله عليه‌السلام « وهي الجشأة » قال : الجوهري الجشأة كهمزة.

وقال الأصمعي : ويقال : الجشاء على وزن فعال.

باب في الصائم يحتجم ويدخل الحمام

الحديث الأول : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « أو تثور به مرة » هي بالكسر تطلق على الصفراء والسوداء والخبر يدل على كراهة الحجامة مع خوف ثوران المرة وطريان الغشي ، ولا خلاف بين الأصحاب في عدم حرمة إخراج الدم في الصوم ولا في كراهته إذا كان مضعفا.

__________________

(١) هكذا في الأصل : ولكن في الوسائل : عبد الله بن سنان فراجع چ ٧ ص ٦٢ ح ٩.

٢٨٧

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن الحسين بن أبي العلاء قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الحجامة للصائم قال نعم إذا لم يخف ضعفا.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام أنه سئل عن الرجل يدخل الحمام وهو صائم فقال لا بأس ما لم يخش ضعفا.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الرجل يدخل الحمام وهو صائم قال لا بأس.

(باب )

(في الصائم يسعط ويصب في أذنه الدهن أو يحتقن )

١ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن حماد بن عثمان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن الصائم يشتكي أذنه يصب فيها الدواء قال لا بأس به.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد قال سألت أبا عبد الله

الحديث الثاني : حسن.

الحديث الثالث : صحيح. ويدل على جواز دخول الحمام في الصوم ، والمنع منه إذا كان مضعفا وحمله الأصحاب على الكراهة.

الحديث الرابع : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « لا بأس » أي مطلقا ، ولا ينافي الكراهة إذا كان مضعفا ويمكن حمله على ما إذا لم يكن مضعفا.

باب في الصائم يسعط ويصب في أذنه الدهن أو يحتقن

الحديث الأول : صحيح.

٢٨٨

عليه‌السلام عن الصائم يصب في أذنه الدهن قال لا بأس به.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد أنه سأله عن الرجل يحتقن تكون به العلة في شهر رمضان فقال الصائم لا يجوز له أن يحتقن.

٤ ـ أحمد بن محمد ، عن علي بن الحسين ، عن أحمد بن الحسن ، عن أبيه ، عن علي بن رباط ، عن ابن مسكان ، عن ليث المرادي قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الصائم

قوله عليه‌السلام : « لا بأس به » يدل على جواز صب الدواء في الأذن وبإطلاقه يشمل ما إذا وصل إلى الجوف وإن كان بعيدا ، وحمله بعض الأصحاب على عدمه وحكم بأنه مع الوصول إلى الجوف مفسد للصوم ، وللمناقشة فيه مجال.

وحكم في الدروس : بكراهته مع عدم التعدي إلى الحلق.

الحديث الثاني : حسن وقد مر الكلام فيه.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام . « لا يجوز له أن يحتقن » يدل على عدم جواز الاحتقان للصائم مطلقا ، واختلف الأصحاب في حكمه.

وقال المفيد : إنه يفسد الصوم وأطلق.

وقال علي بن بابويه : لا يجوز للصائم أن يحتقن.

وقال ابن الجنيد : ويستحب للصائم الامتناع من الحقنة لأنها تصل إلى الجوف.

واستقرب العلامة في المختلف : أنها مفطرة مطلقا ، ويجب بها القضاء خاصة.

وقال : الشيخ في جملة من كتبه ، وابن إدريس تحرم الحقنة بالمائع خاصة ، ولا يجب بها قضاء ولا الكفارة واستوجه المحقق في المعتبر تحريم الحقنة بالمائع والجامد بدون الإفساد ولا يخلو من قوة.

الحديث الرابع : موثق.

٢٨٩

يحتجم ويصب في أذنه الدهن قال لا بأس إلا السعوط فإنه يكره.

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن العمركي بن علي ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفرعليه‌السلام قال سألته عن الرجل والمرأة هل يصلح لهما أن يستدخلا الدواء وهما صائمان قال لا بأس.

٦ ـ أحمد بن محمد ، عن علي بن الحسين ، عن محمد بن الحسين ، عن أبيه قال كتبت إلى أبي الحسنعليه‌السلام ما تقول في التلطف يستدخله الإنسان وهو صائم فكتب لا بأس بالجامد.

قوله عليه‌السلام : « فإنه يكره » يدل على كراهة السعوط وعدم كراهة صب الدواء في الأذن ، والمشهور كراهة التسعط بما لا يتعدى إلى الحلق.

وقال : الصدوق في الفقيه : ولا يجوز للصائم أن يتسعط.

ونقل عن المفيد وسلار : أنهما أوجبا به القضاء والكفارة ، وأما السعوط بما يتعدى إلى الحلق فالمشهور : إن تعمده يوجب القضاء والكفارة.

ويمكن المناقشة فيه بانتفاء ما يدل على كون مطلق الإيصال إلى الجوف مفسدا.

الحديث الخامس : صحيح ويدل على جواز الاحتقان بالجامد فيمكن حمل الخبر السابق على المائع جمعا.

الحديث السادس : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « في التلطف » قال الجوهري : « التلطف » للأمر الترفق له وألطف الرجل البعير أدخل قضيبه في الحياء وذلك إذا لم يهتد لموضع الضراب انتهى وهنا كناية عن الحقنة.

والجواب : يدل على التفصيل المتقدم.

٢٩٠

(باب )

(الكحل والذرور للصائم )

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن سليمان الفراء ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام في الصائم يكتحل قال لا بأس به ليس بطعام ولا شراب.

علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن سليمان الفراء ، عن غير واحد ، عن أبي جعفرعليه‌السلام مثله.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن خالد ، عن سعد بن سعد الأشعري ، عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال سألته عمن يصيبه الرمد في شهر رمضان هل يذر

باب الكحل والذرور للصائم

الحديث الأول : سنده الأول صحيح. والثاني مرسل في قوة الحسن.

قوله عليه‌السلام : « لا بأس به » يدل على جواز الاكتحال للصائم مطلقا.

والمشهور بين الأصحاب : كراهة الاكتحال بما فيه صبر أو مسك ، ومقتضى بعض الروايات المعتبرة كراهة الاكتحال بكل ما له طعم يصل إلى الحلق ، وبه قطع العلامة في التذكرة والمنتهى وهو قوي.

بل قال بعض المحققين : لا يبعد كراهة الاكتحال مطلقا لصحيحة سعد بن سعد(١) وصحيحة الحلبي(٢) .

الحديث الثاني : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « هل يذر » قال : في القاموس « الذر » طرح الذرور في العين وقال

__________________

(١) الوسائل : ج ٧ ص ٥٢ ح ٣.

(٢) الوسائل : ج ٧ ص ٥٣. ح ٩.

٢٩١

عينه بالنهار وهو صائم قال يذرها إذا أفطر ولا يذرها وهو صائم.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة بن مهران قال سألته عن الكحل للصائم فقال إذا كان كحلا ليس فيه مسك وليس له طعم في الحلق فلا بأس به.

(باب )

(السواك للصائم )

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن الحسين بن أبي العلاء قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن السواك للصائم فقال نعم يستاك أي النهار شاء.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن الصائم يستاك بالماء قال لا بأس به وقال لا يستاك بسواك رطب.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه كره للصائم أن يستاك بسواك رطب وقال لا يضر أن يبل سواكه

الذرور ما يذر في العين.

الحديث الثالث : موثق وقد مر الكلام فيه.

باب السواك للصائم

الحديث الأول : حسن وقد مر الكلام في مثله.

الحديث الثاني : حسن.

قوله عليه‌السلام : « لا يستاك » قال الشيخ في التهذيب : الكراهة في هذه الأخبار إنما توجهت إلى من لا يضبط نفسه فيبصق ما يحصل في فيه من رطوبة العود ، فأما من يتمكن من حفظ نفسه فلا بأس باستعماله على كل حال.

الحديث الثالث : حسن.

٢٩٢

بالماء ثم ينفضه حتى لا يبقى فيه شيء.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن أحمد ، عن أحمد بن الحسن ، عن عمرو بن سعيد ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار بن موسى ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في الصائم ينزع ضرسه قال لا ولا يدمي فاه ولا يستاك بعود رطب.

(باب )

(الطيب والريحان للصائم )

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن يحيى ، عن غياث بن

قوله عليه‌السلام : « حتى لا يبقى » قال سيد المحققين في المدارك : لا بأس بالمصير إلى ما تضمنه هذه الروايات. لأن رواية ابن سنان(١) مطلقة ورواية الحلبي(٢) غير صريحة في انتفاء كراهة السواك بالرطب لأن نفي البأس لا ينافي الكراهة انتهى كلامه ولا يخلو من قوة.

الحديث الرابع : موثق. ويدل على جواز قلع الضرس في الصوم.

وقال في الدروس : ويكره نزع الضرس لمكان الدم رواه عمار(٣) ولعل المرادبالعود الرطب العود المرطب بالماء لا العود الذي فيه رطوبة من نفسه وإن أمكن أن يشمله.

باب الطيب والريحان للصائم

الحديث الأول : موثق. وفي بعض النسخ هكذا عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن يحيى ، عن غياث وهو الظاهر ، وفي بعضها عن أحمد بن محمد بن علي ، عن غياث وهو اشتباه.

__________________

(١) الوسائل : ج ٧ ص ٥٧ ح ١.

(٢) الوسائل : ج ٧ ص ٥٧ ح ٢.

(٣) الوسائل : ج ٧ ص ٥٩ ح ١١.

٢٩٣

إبراهيم ، عن جعفر ، عن أبيهعليه‌السلام أن عليا صلوات الله عليه كره المسك أن يتطيب به الصائم.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن داود بن إسحاق الحذاء ، عن محمد بن الفيض قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام ينهى عن النرجس فقلت جعلت فداك لم ذلك فقال لأنه ريحان الأعاجم.

وأخبرني بعض أصحابنا أن الأعاجم كانت تشمه إذا صاموا وقالوا إنه يمسك الجوع.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن عبد الله بن

قوله عليه‌السلام : « كره المسك » ظاهر أكثر الأصحاب استحباب التطيب للصائم بأنواع الطيب ، وإنما خصوا الكراهة بشم الرياحين خصوصا النرجس.

وألحق العلامة في المنتهى. بالنرجس المسك لشدة رائحته ، ولهذه الرواية واقتصر الشهيد (ره) في الدروس على نسبة الكراهة إلى هذه الرواية.

الحديث الثاني : مجهول. وقد أومأنا إلى أن المشهور بين الأصحاب كراهة شم الرياحين في الصوم وتأكد كراهة شم النرجس من بينها.

بل قال في المنتهى : إن كراهة شم الرياحين قول علمائنا أجمع ، والذي يظهر من كلام أهل اللغة أنه يطلق الريحان على كل نبت له رائحة طيبة وربما يخص بما له ساق.

وأما تأكد كراهة النرجس فمستنده هذه الرواية.

قوله عليه‌السلام : « وأخبرني » الظاهر أنه كلام الكليني ، وعلله المفيد في المقنعة بوجه آخر ، وهو أن ملوك العجم كان لهم يوم معين يصومونه فيكثرون فيه شم النرجس فنهواعليهم‌السلام عنه خلافا لهم.

الحديث الثالث : ضعيف.

٢٩٤

الفضل النوفلي ، عن الحسن بن راشد قال كان أبو عبد اللهعليه‌السلام إذا صام تطيب بالطيب ويقول الطيب تحفة الصائم.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن علي بن الحكم ، عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام الصائم يشم الريحان والطيب قال لا بأس به.

وروي أنه لا يشم الريحان لأنه يكره له أن يتلذذ به.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن الحسن بن راشد قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام الحائض تقضي الصلاة قال لا قلت تقضي الصوم قال نعم قلت من أين جاء ذا قال إن أول من قاس إبليس قلت والصائم يستنقع في الماء قال نعم قلت فيبل ثوبا على جسده قال لا قلت من أين جاء ذا قال من

قوله عليه‌السلام : « تحفة الصائم » أي يستحب أن يؤتى به للصائم ويتحف به لأنه ينتفع به في حالة الصوم ولا ينتفع بغيره من المأكول والمشروب ، أو أتحف الله الصائم به بأنه أحل له التلذذ به في الصوم.

ثم اعلم : أن هذا الخبر يدل على عدم كراهة استعمال مطلق الطيب بل على استحبابه.

الحديث الرابع : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « لا بأس به » يدل على عدم كراهة شم الريحان ، وحمل على الجواز جمعا ، لكن روايات الجواز التي ظاهرها عدم الكراهة أقوى سندا ، ولذا مال بعض المحققين من المتأخرين إلى عدم الكراهة.

قوله عليه‌السلام : « يكره له أن يتلذذ » جعل الشهيدرحمه‌الله في الدروس هذا التعليل مؤيدا لكراهة المسك ولعله مخصوص بالتلذذ الحاصل من الريحان.

الحديث الخامس : ضعيف.

٢٩٥

ذاك قلت الصائم يشم الريحان قال لا لأنه لذة ويكره له أن يتلذذ.

(باب )

(مضغ العلك للصائم )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قلت الصائم يمضغ العلك قال لا.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن علي بن الحكم ، عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم قال قال أبو جعفرعليه‌السلام يا محمد إياك أن تمضغ علكا فإني مضغت اليوم علكا وأنا صائم فوجدت في نفسي منه شيئا.

قوله عليه‌السلام : « من ذاك » أي مما أنبأتك عليه من عدم تطرق القياس في دين الله ووجوب التسليم في كل ما ورد من الشارع.

باب مضغ العلك للصائم

الحديث الأول : حسن.

قوله عليه‌السلام : « قال : لا » ماله طعم كالعلك إذا تغير الريق بطعمه ولم ينفصل منه أجزاء فابتلع الصائم الريق المتغير بطعمه ففي فساد الصوم به قولان :

أحدهما : الإفساد لهذا الخبر ولما ذكره في المختلف من أن وجود الطعم في الريق دليل على تحلل شيء من أجزاء ذي الطعم فيه لاستحالة انتقال الأعراض فكان ابتلاعه مفطرا.

واعترض عليه باحتمال الانفعال بالمجاورة.

قال في المنتهى : وقد قيل أن من لطخ باطن قدميه بالحنظل وجد طعمه ولا يفطره إجماعا انتهى.

وأما الخبر : فالأجود حمل النهي فيه على الكراهة كما اختاره الشيخ في المبسوط ، وابن إدريس ، وجماعة لصحيحة محمد بن مسلم(١) وغيرها.

الحديث الثاني : صحيح وقد مر الكلام فيه.

__________________

(١) الوسائل : ج ٧ ص ٧٣ ح ١.

٢٩٦

(باب )

(في الصائم يذوق القدر ويزق الفرخ )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه سئل عن المرأة الصائمة تطبخ القدر فتذوق المرقة تنظر إليه فقال لا بأس قال وسئل عن المرأة يكون لها الصبي وهي صائمة فتمضغ الخبز وتطعمه فقال لا بأس والطير إن كان لها.

٢ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن أبان بن عثمان ، عن الحسين بن زياد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لا بأس للطباخ والطباخة أن يذوق المرق وهو صائم.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن فاطمة صلى الله عليها كانت تمضغ للحسن ثم للحسين صلوات الله عليهما وهي صائمة في شهر رمضان.

باب في الصائم يذوق القدر ويزق الفرخ

الحديث الأول : حسن.

قوله عليه‌السلام « لا بأس به » المشهور بين الأصحاب جواز مضغ الطعام للصبي وزق الطائر وذوق المرق مطلقا كما دل عليه هذه الرواية.

وقال : الشيخ في كتاب الأخبار بتفصيل سنشير إليه.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور. ويدل على المشهور.

الحديث الثالث : ضعيف. ويدل على المشهور أيضا.

٢٩٧

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن علي بن النعمان ، عن سعيد الأعرج قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الصائم يذوق الشيء ولا يبلعه قال لا.

الحديث الرابع : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « قال لا » اعلم : أن الشيخقدس‌سره أورد هذا الخبر في الكتابين وأوله بما لفظه في التهذيب هذه الرواية محمولة على من لا يكون له حاجة إلى ذلك والرخصة إنما وردت في ذلك لصاحبة الصبي أو الطباخ الذي يخاف فساد طعامه أو من عنده طائر إن لم يزقه هلك ، فأما من هو مستغن عن جميع ذلك فلا يجوز له أن يزق الطعام انتهى.

ولا يخفى ما فيه من البعد ، إذ لا دلالة في الأخبار السابقة على التقييد الذي اعتبره والأولى الحمل على الكراهة.

« فرع »

لو مضغ الصائم شيئا فسبق منه شيء إلى الحلق بغير اختياره فظاهر أصول الأصحاب عدم فساد صومه بذلك للإذن فيه شرعا وعدم تعمد الازدراد.

وقال في المنتهى : لو أدخل فمه شيئا فابتلعه سهوا ، فإن كان لغرض صحيح فلا قضاء عليه وإلا وجب القضاء انتهى وفيه نظر.

٢٩٨

(باب )

(في الصائم يزدرد نخامته ويدخل حلقه الذباب )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن غياث بن إبراهيم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لا بأس بأن يزدرد الصائم نخامته.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد الله ، عن آبائهعليهم‌السلام أن عليا صلوات الله عليه سئل عن الذباب يدخل حلق الصائم قال ليس عليه قضاء لأنه ليس بطعام.

باب في الصائم يزدرد نخامته ويدخل حلقه الذباب

الحديث الأول : موثق. واختلف الأصحاب في حكم النخامة ، فجوز المحقق في الشرائع : ابتلاع ما يخرج عن الصدر ما لم ينفصل عن الفم ، ومنع من ازدراد ما ينزل عن الرأس وإن لم يصل إلى الفم.

وحكم الشهيدان : بالتسوية بينهما في جواز الازدراد ما لم يصلا إلى فضاء الفم والمنع إذا صارتا فيه.

وجزم الفاضلان في المعتبر والمنتهى والتذكرة : بجواز اجتلاب النخامة من الصدر والرأس وابتلاعهما ما لم ينفصلا عن الفم وهو الأقوى.

ثم إن قلنا : إن ذلك مفسد للصوم فالأصح أنه غير موجب للكفارة.

وربما قيل : بوجوب كفارة الجمع بناء على تحريمه وهو مدفوع بالأصل والروايات الدالة على جواز الابتلاع في باب المساجد.

الحديث الثاني : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « لأنه ليس بطعام » أي ليس مما يعتاد أكله أو ليس دخول الذباب

٢٩٩

(باب )

(في الرجل يمص الخاتم والحصاة والنواة )

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في الرجل يعطش في شهر رمضان قال لا بأس بأن يمص الخاتم.

٢ ـ أحمد بن محمد ، عن علي بن الحسن ، عن محسن بن أحمد ، عن يونس بن يعقوب قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول الخاتم في فم الصائم ليس به بأس فأما النواة فلا.

مما يعد طعما وأكلا ، والأول أظهر لفظا والثاني معنى.

واختلف الأصحاب في أكل ما ليس بمعتاد أو شربه.

قال السيد المرتضىرضي‌الله‌عنه في بعض كتبه : إن ابتلاع غير المعتاد كالحصاة ونحوها لا يفسد الصوم وحكاه في المختلف عن ابن الجنيد أيضا ، واستدل لهما بأن تحريم الأكل والشرب إنما ينصرف إلى المعتاد ثم أجاب بالمنع من تناول المعتاد خاصة ولا بأس به إذا صدق على تناوله اسم الأكل والشرب.

وقال الشهيد (ره) في الدروس : ولا إفطار لسبق الغبار إلى الحلق أو الذباب وشبهه ويجب التحفظ من الغبار.

باب الرجل يمص الخاتم والحصاة والنواة

الحديث الأول : صحيح.

قوله عليه‌السلام : « لا بأس » بأن يمص الخاتم لا خلاف فيه بين الأصحاب.

الحديث الثاني : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « فأما النواة فلا » يحمل مع العلم بانفصال شيء على الحرمة كما هو المشهور ، وإن أمكن المناقشة فيه بأن ابتلاع في مثل هذا لا يسمى أكلا عرفا ، وقل ما يخلو الريق عن مثله ، ومع عدم العلم على الكراهة إما لتكليف الريق بالطعم أو لاحتمال انفصال شيء منها وقد مر بعض القول فيه في باب مضغ العلك.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

استلزام الأفضلية للإمامة

والأفضلية تستلزم الامامة كما بينا ذلك بالتفصيل في ( المنهج الأول )، وسنوضحه في البحوث الآتية إن شاء الله تعالى ولكن لا بأس يذكر كلمات بعض أساطين أهل السنة الصريحة في لزوم كون الخليفة أفضل الناس، وأنه لا يجوز خلافة المفضول مع وجود الأفضل منه في الأمة:

قال ابن تيمية: « أمّا جمهور الناس ففضّلوا عثمان، وعليه استقرار أهل السنة، وهو مذهب أهل الدين ومشايخ الزهد والتصوف وأئمة الفقهاء، كالشافعي وأصحابه وأبي حنيفة وأصحابه، وهو أصح الروايتين عن مالك وعليها أصحابه. قال مالك: لا أجعل من خاض في الدماء كمن لم يخض فيها، وقال الشافعي وغيره: إنه بهذا السبب قصد وإلى المدينة الهاشمي ضرب مالك، وجعل طلاق المكره سبباً ظاهراً، وهو أيضاً مذهب جماهير أهل الكلام: الكرامية والكلابية والأشعرية والمعتزلة.

وقال أيوب السختياني: من لم يقدّم عثمان على علي فقد أزرى المهاجرين والأنصار، وهكذا قال أحمد بن حنبل وأبو الحسن الدار قطني وغيرهما. إنهم اتفقوا على تقديم عثمان، ولهذا تنازعوا فيمن لم يقدّم عثمان هل يعدّ مبتدعاً على قولين، هما روايتان عن أحمد، فإذا قام الدليل على تقديم عثمان كان ما سواه أوكد.

فأمّا الطريق التوفيقي فالنص والاجماع، أمّا النص ففي الصحيحين عن ابن عمر قال: كنا نقول ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حي: أفضل أمة النبي بعده أبو بكر ثم عمر ثم عثمان. وأما الاجماع فالنقل الصحيح قد ثبت: إن عمر جعل الأمر شورى في ستة، وأنّ ثلاثة تركوه لثلاثة: عثمان وعلي وعبد الرحمن، وأن الثلاثة اتفقوا على أن عبد الرحمن يختار واحداً منهما، وبقي عبد الرحمن ثلاثة أيام حلف أنه لم ينم فيها كثير نوم يشاور المسلمين، وقد اجتمع بالمدينة أهل الحلّ والعقد حتى أمراء الأمصار، وبعد ذلك اتفقوا على مبايعة عثمان بغير رغبة ولا

٣٦١

رهبة، فيلزم أن يكون هو الأحق، ومن كان هو الأحق كان هو الافضل، فإن أفضل الخلق من كان أحق أن يقوم مقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر وعمر.

وإنما قلنا يلزم أن يكون هو الأحق، لأنه لو لم يكن ذلك للزم إمّا جهلهم وإما ظلمهم، فإنه إذا لم يكن أحق وكان غيره أحق فإنْ لم يعلموا ذلك كانوا جهّالاً، وإن علموه وعدلوا عن الأحق إلى غيره كانوا ظلمة، فتبيّن أن عثمان إن لم يكن أحق لزم إما جهلهم وإما ظلمهم، وكلاهما منتف، أمّا أولاً فلأنهم أعلم بعثمان وعلي منّا، وأعلم بما قاله الرسول فيهما منا، وأعلم بما دلّ عليه القرآن في ذلك منّا، ولأنهم خير القرون فيمتنع أن نكون نحن أعلم منهم بمثل هذه المسائل، مع أنهم أحوج إلى علمها منّا، فإنّهم لو جهلوا مسائل أصول دينهم وعلمنا نحن لكنا أفضل منهم، وذلك ممتنع.

وكونهم علموا الحق وعدلوا عنه أعظم وأعظم، فإن ذلك قدح في عدالتهم، وذلك يمنع أن يكونوا خير القرون بالضرورة، ولأن القرآن قد أثنى عليهم ثناءاً يقتضي غاية المدح، فيمتنع إجماعهم وإصرارهم على الظلم الذي هو ضرر في حق الأمة كلها، فإن هذا ليس ظلما للممنوع من الولاية بل هو ظلم لكن من منع نفعه عن ولاية الأحق بالولاية، فإنه إذا كان راعيان أحدهما هو الذي يصلح للرعاية ويكون أحق بها، كان منعه من رعايتها يعود بنقص الغنم حقها في نفعه، ولأن القرآن والسنة دلّ على أن هذه الأمة خير الأمم وأن خيرها أوّلوها، فإن كانوا مصرّين على ذلك لزم أن تكون هذه الأمة شر الأمم، وأن لا يكون أوّلوها خيرها، ولأنا نحن نعلم أن المتأخرين ليسوا مثل الصحابة، فإن كان أولئك ظالمين مصرّين على الظلم، فالأمة كلّها ظالمة، فليست خير الأمم.

وقد قيل لابن مسعود لمـّا ذهب إلى الكوفة: من وليتم؟ قال: وليّنا أعلانا ذا فوق ولم نأل. وذو الفوق هو السهم، يعني أعلانا سهماً في الاسلام.

فإن قيل: قد يكون عثمان الأحق بالامامة وعلي أفضل منه.

٣٦٢

قيل: أولاً هذا السؤال لا يمكن أن يورده أحد من الامامية، لأن الأفضل عندهم أحق بالإِمامة، وهذا قول الجمهور من أهل السنة. وهنا مقامان: إمّا أن يقال: الأفضل أحق بالإِمامة لكن يجوز تولية المفضول إمّا مطلقا وإما للحاجة. وإمّا أن يقال: ليس كل من كان أفضل عند الله يكون هو الأحق بالإمامة. وكلاهما منتف هاهنا.

أمّا الأول فلأن الحاجة إلى تولية المفضول في الاستحقاق كانت منتفية، فإن القوم كانوا قادرين على تولية علي، وليس هناك من ينازع أصلاً، ولا يحتاجون إلى رغبة ولا رهبة، ولم يكن هناك لعثمان شوكة تخاف، بل التمكن من تولية هذا كان كالتمكن من تولية هذا. فامتنع أن يقال: ما كان يمكن إلّا تولية المفضول، وإذا كانوا قادرين - وهم يتصرفون للأمة لا لأنفسهم - لم يجز لهم تفويت مصلحة الأمة من ولاية الفاضل، فإن الوكيل والولي المتصرف لغيره ليس له أن يعدل عما هو أصلح لمن ائتمنه، مع كونه قادراً على تحصيل المصلحة، فكيف إذ كانت قدرته على الأمرين سواء. وأما الثاني فلأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل الخلق، وكلّ من كان به أشبه فهو أفضل ممن لم يكن كذلك، والخلافة كانت خلافة نبوة لم تكن ملكاً، فمن خلف النبي وقام مقام النبي كان أشبه بالنبي، ومن كان أشبه بالنبي كان أفضل، فالذي يخلفه أشبه به من غيره، والأشبه به أفضل، فالذي يخلفه أفضل »(١) .

وقال حسن بن محمد الطيبي بشرح حديث « لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمهم غيره » قال: « هذا دليل على فضله على جميع الصحابة، فاذا ثبت هذا ثبت خلافته، لأن خلافة المفضول مع وجود الفاضل لا تصح »(٢) .

وقال علي بن سلطان الهروي القاري: « وأولى ما يستدل به على أفضلية

____________________

(١). منهاج السنة ٤ / ٢٠٢ - ٢٠٣.

(٢). الكاشف - شرح المشكاة - مخطوط.

٣٦٣

الصديقرضي‌الله‌عنه في مقام التحقيق نصبهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لامامة الأنام مدة مرضه في الليالي والأيام، ولذا قال أكابر الصحابة: رضيه لديننا أفلا نرضاه لدنيانا! ثم إجماع جمهورهم على نصبه للخلافة ومتابعة غيرهم أيضاً في آخر أمرهم، ففي الخلاصة رجلان في الفقه والصلاح سواء، إلّا أن أحدهما أقرأ، فقدّم أهل المسجد الآخر فقد أساؤا، وكذا لو قلدوا القضاء رجلاً وهو من أهله وغيره أفضل منه، وكذا الوالي. وأمّا الخليفة فليس لهم أن يولوا الخلافة إلّا أفضلهم، وهذا في الخلفاء خاصة، وعليه إجماع الامة »(١) .

وقد نص شاه ولي الله الدهلوي على لزوم أفضلية الخليفة، ولهذا ألف كتاب ( قرة العينين في تفضيل الشيخين ).

دلالة الحديث على الامامة من وجه آخر

ويدل إباء الحارث بن النعمان الفهري عن قبول كون أمير المؤمنينعليه‌السلام « المولى » - حتى أنه دعا على نفسه بقوله: اللهم إنْ كان هذا حقاً - على أن مدلول قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « من كنت مولاه فعلي مولاه » أمر عظيم ومنصب جسيم لم ينله أحد أبداً، ولو كان المراد من « المولى » هو « الناصر » أو « المحب » أو غير ذلك لما كان يمتنع الحارث عن قبول ذلك، ولما صعب عليه الخضوع له والاذعان به.

من وجوه دلالته على الامامة تكذيب ابن تيمية إياه

ولما كان حديث نزول الآية الكريمة:( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ ) في شأن الحارث بن النعمان الفهري في واقعة حديث الغدير، من أوضح الأدلة والبراهين على دلالة حديث الغدير على إمامة أمير

____________________

(١). شرح الفقه الأكبر ١١٣ - ١١٤.

٣٦٤

نبيّن مواضع بطلانها:

«الوجه الثالث - أن نقول: في نفس هذا الحديث ما يدل على أنه كذب من وجوه كثيرة، فإنّ فيه أن رسول الله لمـّا كان بغدير يدعى خمّاً نادى الناس فاجتمعوا، فأخذ بيد علي وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، وإن هذا شاع وطار بالبلاد، وبلغ ذلك النعمان بن الحارث الفهري، وأنه أتى النبي على ناقة وهو بالأبطح، وأتى وهو في ملأ من أصحابه، فذكر أنهم قبلوا أمره بالشهادتين والصلاة والزكاة والصيام والحج، قال: لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك تفضّله علينا وقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه، وهذا منك أو من الله؟ فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هو من أمر الله، فولّى الحارث بن النعمان يريد راحلته وهو يقول: اللهم إنْ كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره فقتله وأنزل الله:( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ ) الآية.

فيقال لهؤلاء الكذابين: أجمع الناس على أن ما قاله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغدير خم كان حين مرجعه من حجة الوداع، والشيعة تسلّم هذا وتجعل ذلك اليوم عيداً، وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة والنبي بعد ذلك لم يرجع إلى مكة، بل رجع من حجة الوداع إلى المدينة، وعاش تمام ذي الحجة والمحرم والصفر، وتوفي في أوّل ربيع الأوّل.

وفي هذا الحديث يذكر أنه قال هذا بغدير خم، وشاع في البلاد، وجاء الحارث وهو بالأبطح والأبطح بمكة. فهذا كذب جاهل لم يعلم متى كانت قصة غدير خم.

وأيضاً: فإنّ هذه السورة - سورة سأل سائل - مكيّة باتفاق أهل العلم، نزلت بمكة قبل الهجرة، فهذه نزلت قبل غدير خم بعشر سنين أو أكثر من ذلك، المؤمنينعليه‌السلام ، لم يجد ابن تيمية سبيلاً إلى الجواب عنه إلّا تكذيبه، وهذا وجه آخر يؤكّد دلالة هذا الحديث على المطلوب، ولنذكر عين عبارة ابن تيمية ثم

٣٦٥

فكيف يكون نزلت بعد ذلك؟

وأيضاً فقوله تعالى:( وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ ) في سورة الأنفال، وقد نزلت عقيب بدر بالاتفاق، قبل غدير خم بسنين كثيرة.

وأيضاً: فأهل التفسير متفقون على أنها نزلت بسبب ما قاله المشركون للنبي بمكة قبل الهجرة، كأبي جهل وأمثاله، وإنّ الله ذكّر نبيه بما كانوا يقولونه( وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ ) أي أذكر قولهم اللهم. كقوله:( وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ ) ونحو ذلك. فأمر بأن يذكر ما تقدم. فدلّ على أن هذا القول كان قبل نزول هذه السورة.

وأيضاً: فإنّهم لمـّا استحقوا من الله أنه لا ينزل عليهم العذاب ومحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهم فقال تعالى:( وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ ) قال الله تعالى:( وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) واتفق الناس على أن أهل مكة لم ينزل عليهم حجارة من السّماء لما قالوا ذلك.

وأيضاً: فلو كان هذا آية لكان من جنس آية أصحاب الفيل، ومثل هذا ما تتوافر الهمم والدواعي على نقله، ولو أن الناقل طائفة من أهل العلم، ولمـّا كان هذا لا يرويه أحد من المصنفين في العلم لا المسند ولا الصحيح ولا الفضائل ولا التفسير ولا السير ونحوها، إلّا ما يروى بمثل هذا الاسناد المنكر علم أنه كذب باطل.

وأيضاً: فقد ذكر في هذا الحديث إن هذا القائل آمن بمباني الإِسلام الخمس، وعلى هذا فقد كان مسلماً لأنه قال: فقبلناه منك، ومن المعلوم بالضرورة أن أحداً من المسلمين على عهد النبي لم يصبه هذا.

وأيضاً: فهذا الرجل لا يعرف في الصحابة، بل هو من جنس الأسماء التي

٣٦٦

تذكرها الطرقية »(١) .

فنقول في جوابه: إنّ توهّم بطلان هذا الحديث مندفع بوجوه:

١ - الحديث في تفسير الثعلبي

لقد أورد الثعلبي الحديث في تفسيره، وهذا يدل على صحة هذا الحديث واعتباره، لما عرفت من جلالة قدر الثعلبي واعتبار تفسيره ( الكشف والبيان ) لدى أئمة أهل السنة وعلمائهم الأعلام.

بل لقد نصّ الثعلبي - وهو الثقة الأمين عندهم - في خطبة تفسيره المذكور على أنّ تفسيره « كتاب جامع مهذب يعتمد وفي علم القرآن عليه يقتصر » وأنه قد صنفه بعد « سؤال قوم من الفقهاء المبرزين والعلماء المخلصين والرؤساء المحتشمين » وأنه « كتاب شامل كامل مهذب ملخص مفهوم منظوم، استخرج من زهاء مائة كتاب مجموعات مسموعات سوى ما التقطته من التعليقات والأجزاء، وتلقفته عن أفواه المشايخ الكبار وهم قريب من ثلاثمائة شيخ » قال: « نسقته بأبلغ ما قدرت عليه من الايجاز والترتيب، ولفقته بغاية التنقيب والتهذيب.

وينبغي لكلّ مؤلّف كتاباً في فن قد سبق إليه أن لا يعدم كتابه بعض الخلال التي أنا ذاكرها: إما استنباط شيء كان مغفلاً، أو جمعه إن كان متفرقاً، أو شرحه إن كان غامضاً، أو حسن نظم وتأليف أو إسقاط حشو وتطويل. وأرجو أن لا يخلو هذا الكتاب عن هذه الخصال التي ذكرت. والله الموفق لإِتمام ما نويت وقصدت ».

٢ - من رواته سفيان بن عيينة

إن « سفيان بن عيينة » من مشاهير الأئمة الموثوقين، والأئمة المعتمدين عند أهل السنّة، وإليك بعض كلماتهم في توثيقه ومدحه والثناء عليه باختصار:

١ - النووي: « سفيان بن عيينة روى عنه: الأعمش، والثوري،

____________________

(١). منهاج السنة ٤ / ١٣.

٣٦٧

ومسعر وابن جريج، وشعبة، وهمام، ووكيع، وابن المبارك، وابن المهدي، والقطان، وحماد بن زيد، وقيس بن الربيع، والحسن بن صالح، والشافعي، وابن وهب، وأحمد بن حنبل، وابن المديني، وابن معين، وابن راهويه، والحميدي، وخلائق لا يحصون من الأئمة. وروى الثوري عن القطان عن ابن عيينة.

واتفقوا على إمامته وجلالته وعظم مرتبته

ولد سفيان سنة ١٠٧ وتوفي يوم السبت غرة رجب سنة ١٩٨ »(١) .

٢ - الذهبي: « العلاّمة الحافظ شيخ الإسلام. كان إماما حجة حافظا واسع العلم كبير القدر »(٢) .

٣ - الذهبي أيضاً: « الامام أبو محمّد سفيان بن عيينة الهلالي مولاهم، الكوفي، شيخ الحجاز. قال الشافعي: لو لا مالك وسفيان لذهب علم الحجاز، وقال ابن وهب: لا أعلم أحداً أعلم بالتفسير منه. وقال أحمد العجلي: كان حديثه نحواً من سبعة آلاف حديث ولم يكن له كتاب.

وكان ثبتاً في الحديث. وقال بهز بن أسد: ما رأيت مثل ابن عيينة، فقيل:

ولا شعبة؟ قال: ولا شعبة. وقال أحمد: ما رأيت أحداً أعلم بالسنن منه »(٣) .

٤ - الذهبي أيضاً: « أحد الأعلام، ثقة ثبت حافظ إمام »(٤) .

٥ - اليافعي: « وفي أول رجب منها توفي شيخ الحجاز وأحد الأعلام، أبو محمّد سفيان بن عيينة الهلالي مولاهم الكوفي، الحافظ، نزيل مكة، وله إحدى وتسعون سنة، وحج سبعين حجة. قال الشافعي: لو لا مالك وابن عيينة لذهب علم الحجاز، وقال ابن وهب: لا أعلم أحداً أعلم بالتفسير من ابن عيينة. وقال أحمد بن حنبل: ما رأيت أحداً أعلم بالسنن من ابن عيينة. وقال غيرهم من

____________________

(١). تهذيب الأسماء واللغات ١ / ٢٢٤.

(٢). تذكرة الحفاظ ١ / ٢٦٢.

(٣). العبر حوادث ١٩٧.

(٤). الكاشف ١ / ٣٧٩.

٣٦٨

العلماء: كان إماماً عالماً ثبتاً ورعاً مجمعاً على صحة حديثه »(١) .

٣ - الحديث في وسيلة المآل

إن ذكر صحاب كتاب ( وسيلة المآل ) هذا الحديث في كتابه المذكور، من الوجوه الدالة على اعتباره، لما سيأتي من التزامه بإيراد الأحاديث المعتبرة من الأحاديث التي صحّحها العلماء في هذا الكتاب.

وبمثل هذا صرح بعض العلماء الآخرين، الذين رووا هذا الحديث في كتبهم، كالسمهودي في ( جواهر العقدين )، وسبط ابن الجوزي في ( تذكرة الخواص )، والزرندي في ( نظم درر السمطين )، والشيخاني القادري في ( الصراط السوى ).

٤ - السكوت على الحديث بعد نقله دليل القبول

لقد ذكر ( الدهلوي ) في الباب الرابع من كتابه ( التحفة ) أن السكوت على حديثٍ بعد نقله - وإن كان عن طريق المخالفين في الاعتقاد - دليل على التسليم به وقبوله.

وعلى هذا الأساس، فلأن نقل هذه الكثرة من العلماء المشاهير من أهل السنة لهذا الحديث وسكوتهم عن الطعن فيه، دليل على تصحيحهم له وقبولهم إياه، لا سيما وأنهم يروونه في كتبهم عن طرقهم لا عن طريق المخالفين لهم.

وقد وافق رشيد الدين الدهلوي استاذه ( الدهلوي ) على هذا الذي ذكره ونص عليه.

____________________

(١). مرآة الجنان حوادث سنة ١٨٩.

٣٦٩

الجواب عن شبهات ابن تيمية

وإذ قد عرفت اعتبار حديث نزول الآية:( سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ ) في حق الحارث بن النعمان في واقعة غدير خم، وثبت بطلان دعوى ابن تيمية بطلان الحديث المذكور وكذبه، نشرع في الجواب عن شبهات هذا المتعصب العنيد حول هذا الحديث ودفعها بايجاز:

١ - ليس « الأبطح » بمكة فحسب

فأوّل ما قاله ابن تيمية هو إنه: « أجمع الناس على أن ما قاله النبي بغدير خم كان حين مرجعه من حجة الوداع والنبي بعد ذلك لم يرجع إلى مكة، بل رجع من حجة الوداع إلى المدينة وفي هذا الحديث يذكر أنه قال هذا بغدير خم وشاع في البلاد، وجاء الحارث وهو بالأبطح والأبطح بمكة، فهذا كذب جاهل لم يعلم متى كانت قصة غدير خم ».

وهذا كلام من لم يعلم معنى « الأبطح » فظنَّ أنه بمكة فقط، ولا يقال لغيرها أبطح، وهذا باطل جدّاً، فليس المراد من الأبطح في هذا الحديث أبطح مكة، ولا أن الأبطح منحصر بأبطح مكة. بل قال الجوهري: « الأبطح مسيل واسع فيه دقاق الحصى، والجمع الأباطح والبطاح أيضاً على غير القياس. قال الأصمعي: يقال بطاح وبطح كما يقال عوام وعوم حكاه أبو عبيدة، والبطيحة والبطحاء مثل الأبطح، ومنه بطحاء مكة »(١) .

وقال أبو الفتح ناصر بن عبد السيد المطرزي: « البطحاء مسيل ماء فيه رمل وحصى، ومنها بطحاء مكة: ويقال له الأبطح أيضاً، وهو من الأبطح النبط »(٢) .

____________________

(١). الصحاح: بطح.

(٢). المغرب في ترتيب المعرب: بطح.

٣٧٠

وقال الفيروزآبادي: « والبطح ككتف والبطيحة والبطحاء والأبطح: مسيل واسع فيه دقاق الحصى. ج أبطاح وبطاح وبطائح، وتبطح السيل اتسع في البطحاء. وقريش البطاح الذين ينزلون بين أخشبي مكة »(١) .

وقال ابن الأثير: « وفي حديث عمر أنه أوّل من بطح المسجد وقال: ابطحوه من الوادي المبارك، أي ألقي فيه البطحاء وهو الحصى الصغار، وبطحاء الوادي وأبطحه حصاه اللين في بطن المسيل، ومنه الحديث: إنه صلى بالأبطح يعني أبطح مكة مسيل واديها، ويجمع على البطاح والأباطح، ومنه قيل: قريش البطاح هم الذين ينزلون أباطح مكة وبطاحها »(٢) .

وقال السيوطي: « وأبطح مكة مسيل واديها، الجمع بطاح وأباطح، وقريش البطاح الذين ينزلون أباطح مكة »(٣) .

وقال الفتني: « صلّى بالأبطح أي مسيل وادي مكة »(٤) .

وقال الشيخ حسن البوريني بشرح قول ابن الفارض:

« أسعد أخي وغنّني بحديث من

حل الأباطح إن رعيت إخائي »

قال: « والأباطح جمع الأبطح، وهو مسيل واسع فيه دقاق الحصى »(٥) .

وقال الشيخ عبد الغني النابلسي بشرحه: « كنى بمن حلّ الأباطح عن الروح الذي هو من أمر الله المفتوح منه في الأجسام الانسانية الكاملة العرفان »(٦) .

____________________

(١). القاموس المحيط: بطح.

(٢). النهاية الاثيرية: بطح.

(٣). النثير في مختصر النهاية لابن الأثير: بطح.

(٤). مجمع البحار: بطح.

(٥). شرح ديوان ابن الفارض للبوريني.

(٦). شرح ديوان ابن الفارض.

٣٧١

وكذا قال البوريني بشرح قول ابن الفارض:

« يا ساكني البطحاء هل من عودة

أحيى بها يا ساكني البطحاء »(١)

وقوله:

« وإذا وصلت إلى ثنّيات اللوى

فانشد فؤاداً بالأبيطح طاحا »(٢)

وقال القاضي أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن محمّد بن مرزوق بشرح قول البوصيري:

« وأحيت السنّة البيضاء دعوته

حتى حكت غرة في الأعصر الدهم

بعارض جاد أو خلت البطاح بها

سيب من اليم أو سيل من العرم »

قال: « والأبطح مسيل واسع فيه دقاق الحصى، والجمع الأباطح والبطاح أيضاً على غير قياس، وبطاح بطح كعوام عوم، والبطيحة والبطحاء مثل الأبطح، ومنه بطحاء مكة وبطائح النبط بين العراقين، وتبطح السيل اتسع في البطحاء »(٣) .

وقال سعد الدين التفتازاني: « وقد تحصل الغرابة بتصرف في الاستعارة العامية كما في قوله:

أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا

وسالت بأعناق المطي الأباطح

جمع أبطح، وهو مسيل الماء فيه دقاق الحصى »(٤) .

بل لقد استعمل « الأبطح » إستعمال اسم الجنس في أشعار العرب

____________________

(١). شرح ديوان ابن الفارض ٢ / ٢٢.

(٢). المصدر ٢ / ٤١.

(٣). الاستيعاب في شرح البردة البوصيرية.

(٤). شرح مختصر تلخيص المفتاح: ١٨٨.

٣٧٢

الجاهلين، ففي قصيدة عمرو بن كلثوم - (وهي القصيدة الخامسة من القصائد السبع المعلّقات)-:

« يدهدون الرءوس كما تدهدي

حزاورة بأبطحها الكرينا »

قال شارحه الزوزني: « الحزور الغلام الغليظ الشديد، والجمع الحزاورة.

يقول: يدحرجون رؤس أقرانهم كما يدحرج الغلمان الغلاظ والشداد الكرات في مكان مطمئن».

وقال بشرح قوله.

« وقد علم القبائل من معد

إذا قبب بأبطحها بنينا »

قال: « يقول: قد علمت قبائل معد إذا بنيت قبابها بمكان أبطح، والقبب والقباب جمع قبة»(١) .

شعر حيص بيص وترجمته

ومن الشواهد شعر حيص بيص في قصة ذكرها ابن خلكان بترجمته، وهذا نص ما حكاه: « وقال الشيخ نصر الله بن مجلى مشارف الصناعة بالمخزن - وكان من ثقات أهل السنة - رأيت في المنام علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه فقلت له: يا أمير المؤمنين تفتحون مكة فتقولون: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن. ثم يتم على ولدك الحسين يوم الطف ما تمّ؟ فقال: أما سمعت أبيات ابن الصيفي في هذا؟ فقلت: لا. فقال: إسمعها منه.

ثم استيقظت فبادرت إلى دار حيص بيص، فخرج إليّ، فذكرت له الرؤيا، فشهق وأجهش بالبكاء، وحلف بالله إن كانت خرجت من فمي أو خطي

____________________

(١). شرح المعلقات للزوزني: ١١٣ - ١١٤.

٣٧٣

إلى أحد، وإنْ كنت نظمتها إلّا في ليلتي هذه - ثم أنشدني:

ملكنا فكان العفو منا سجية

فلمـّا ملكتم سال بالدم أبطح

وحللتم قتل الأسارى وطالما

غدونا على الأسرى نعفو ونصفح

فحسبكم هذا التفاوت بيننا

وكل إناء بالذي فيه ينضح »

و « حيص بيص » هذا شاعر مشهور، وفقيه شافعي، عنونه ابن خلكان بقوله: « أبو الفوارس سعد بن محمّد بن سعد بن الصيفي التميمي، الملقب شهاب الدين المعروف بحيص بيص، الشاعر المشهور، كان فقيهاً شافعي المذهب، تفقه بالري على القاضي محمّد بن عبد الكريم الوزان، وتكلّم في مسائل الخلاف، إلّا أنه غلب عليه الأدب ونظم الشعر وأجاد فيه مع جزالة لفظه، وله رسائل فصيحة بليغة. ذكره الحافظ أبو سعد السمعاني في كتاب الذيل وأثنى عليه، وحدّث بشيء من مسموعاته، وقرأ عليه ديوانه ورسائله، وأخذ الناس عنه أدباً وفضلاً كثيراً، وكان من أخبر الناس بأشعار العرب واختلاف لغاتهم

وكانت وفاته ليلة الأربعاء سادس شعبان سنة ٥٧٤ ببغداد »(١) .

وذكره أيضاً أبو محمّد اليافعي وأثنى عليه كذلك. ثم أورد القصة المذكورة(٢) .

وقد أوردها أيضاً الشيخ أحمد الخفاجي بترجمة قطب الدين محمّد بن أحمد المكي النهرواني(٣) والمحبي بترجمة عبد الله بن قادر(٤) .

وإذ عرفت أن « الأبطح » اسم لمطلق المسيل الذي فيه دقاق الحصى، وليس

____________________

(١). وفيات الأعيان ٢ / ١٠٦ - ١٠٨.

(٢). مرآة الجنان حوادث ٥٧٤.

(٣). ريحانة الأدب ١ / ٤١٤ - ٤١٥.

(٤). خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر.

٣٧٤

اسماً لمكان خاص بمكة الكريمة، لم يبق عندك ريب في صحة ما جاء في الحديث المذكور، وبطل ما أورده ابن تيمية من هذه الناحية، إذْ لا مانع من إطلاق هذا الاسم على بعض الأودية بالمدينة المنورة.

بل لقد كانت في هذه البلدة الطيبة مواضع تسمى بهذا الاسم، فقد قال نور الدين السمهودي في كتاب ( خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى ): في بقاعها وآطامها وبعض أعمالها وأعراضها وجبالها: « البطحاء، يدفع فيها طرف عظم الشامي وما دبر من الصلصلين، وتدفع هي من بين الجبلين في العقيق »(١)

فمن هذه العبارة يعلم أن هناك مكاناً مسمى بهذا الاسم في المدينة المنورة وهو معروف به، وقد علمت سابقاً من عبارات اللغويين أن البطحاء والأبطح بمعنى واحد.

كما يتضح ذلك من كلام ابن الحاجب حيث قال: « والصفة نحو عطشي على عطاش، ونحو حرماً على حرامي، ونحو بطحاء على بطاح » وقال الجاربردي بشرحه: « ثم ذكر الممدود كبطحاء وهي مسيل واسع فيه دقاق الحصى ومنه بطحاء مكة »(٢) .

وقال السيوطي بشرح قول الفرزدق:

« تنح عن البطحاء إنّ قديمها

لنا والجبال الراسيات القوارع »

قال: « والبطحاء الموضع الواسع، وأراد هنا ببطحاء: مكة »(٣) .

فظهر أنه لا مانع من إطلاق « الأبطح » على « بطحاء المدينة المنورة ».

وقال السمهودي بعد أن نقل قول أبي عبيدة في بيان العقيق: « وقال غيره: أعلى أودية العقيق النقيع، وصدور العقيق ما دفع في النقيع من قدس وما أقبل

____________________

(١). خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى: ٢٤٦.

(٢). شرح الشافعية ٩٠ - ٩١.

(٣). شرح شواهد مغني اللبيب ١ / ١٤.

٣٧٥

من الحرة ويقال له: بطاويح فيصب ذلك في النقيع على أربعة برد من المدينة في يمانيها »(١) .

بل هناك في المدينة المنورة موضع اسمه « الأبطح » وبه صرح الحسين بن معين الميبدي بشرح قول أمير المؤمنينعليه‌السلام :

« يهددني بالعظيم الوليد

فقلت أنا ابن أبي طالب

أنا ابن المجبل بالأبطحين

وبالبيت من سلفي غالب

فلا تحسبني أخاف الوليد

ولا أنني منه بالهائب »(٢)

٢ - لا مانع من تكرر نزول الآية

واعترض ابن تيمية على حديث سفيان بن عيينة بأن سورة سأل سائل مكية، فكيف يقال بأنها نزلت في شأن الحارث بن النعمان في واقعة غدير خم؟! وهو اعتراض باطل جداً، فإنه لا مانع عن القول بنزول هذه السورة مرتين، بأن تكون قد نزلت بمكة مرة، وفي الواقعة المذكورة مرة أخرى، ولقد ذكر علماء أهل السنة احتمال تكرر النزول بالنسبة إلى آيات كثيرة من القرآن الكريم.

قال جلال الدين السيوطي: « النوع الحادي عشر: - ما تكرر نزوله - صرّح جماعة من المتقدّمين والمتأخرين بأنّ من القرآن ما تكرر نزوله. قال ابن الحصار: قد يتكرر نزول الآية تذكيراً وموعظة، وذكر من ذلك خواتيم سورة النحل، وأول سورة الروم. وذكر ابن كثير منه آية الروح، وذكر قوم منه الفاتحة، وذكر بعضهم منه قوله:( ما كان النبي والذين آمنوا ) الآية.

وقال الزركشي في البرهان: قد ينزل الشيء مرتين، تعظيماً لشأنه وتذكيراً

____________________

(١). خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى: ٢٣٦.

(٢). الفواتح - شرح ديوان أمير المؤمنين: ١٩٧.

٣٧٦

عند حدوث سببه خوف نسيانه. ثم ذكر منه آية الروح وقوله:( أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ ) الآية. قال: فإنّ سورة الأسراء وهود مكيّتان وسبب نزولهما يدل على أنهما نزلا بالمدينة، ولهذا أشكل ذلك على بعضهم ولا إشكال، لأنها نزلت مرة بعد مرة. قال: وكذلك ما ورد في سورة الاخلاص من أنها جواب المشركين بمكة، وجواب لأهل الكتاب بالمدينة، وكذلك قوله تعالى:( ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) الآية.

قال: والحكمة في هذا كلّه: إنّه قد يحدث سبب من سؤال أو حادثة تقتضي نزول آية، وقد نزل قبل ذلك ما يتضمنها، فيوحى إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تلك الآية بعينها تذكيراً لهم بها، وبأنها تتضمن هذه.

تنبيه: قد يجعل من ذلك الأحرف التي تقرأ على وجهين فأكثر، ويدل له ما أخرجه مسلم من حديث أبي: إنّ ربي أرسل إليّ أن أقرأ القرآن على حرف، فرددت إليه أن هوّن على أمتي، فأرسل إليَّ أن اقرأ على حرفين، فرددت إليه أن هوّن على أمّتي، فأرسل إليّ أن اقرأه على سبعة أحرف. فهذا الحديث يدل على أن القراآت لم تنزل من أول وهلة، بل مرة بعد أخرى.

وفي جمال القراء للسخاوي - بعد أن حكى القول بنزول الفاتحة مرتين -: فإنْ قيل: فما فائدة نزولها مرة ثانية؟ قلت: يجوز أن يكون نزلت أول مرة على حرف واحد، ونزلت في الثانية ببقية وجوهها، نحو ملك ومالك، والسراط والصراط، ونحو ذلك انتهى.

تنبيه - أنكر بعضهم كون شيء من القرآن تكرر نزوله، كذا رأيته في كتاب الكفيل بمعاني التنزيل، وعلّله بأنه تحصيل ما هو حاصل، لا فائدة فيه. وهو مردود بما تقدم من فوائده، وبأنه يلزم منه أن يكون كلّما نزل بمكة نزل بالمدينة مرة أخرى، فإن جبرئيلعليه‌السلام كان يعارضه القرآن كل سنة. وردّ بمنع الملازمة، وبأنه لا معنى للانزال إلّا أن جبرئيل كان ينزل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقرآن لم يكن نزل به من قبل فيقرؤه إياه. وردّ منع اشتراط قوله لم يكن

٣٧٧

نزل به من قبل »(١) .

وقد بحث السيوطي عن هذا الموضوع في مقام ذكر تعدد أسباب النزول حيث قال: « الحال السادس: أن لا يمكن ذلك فيحمل على تعدّد النزول وتكرّره »(٢) .

٣ - ما ذكره ابن تيمية حول آية: ( وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ )

ومن العجيب قول ابن تيمية بعد ما تقدم: « وأيضاً فقوله تعالى:( وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ ) في سورة الأنفال، وقد نزلت عقيب بدر بالاتفاق قبل غدير خم بسنين كثيرة، وأيضاً، فأهل التفسير متفقون على أنها نزلت بسبب ما قاله المشركون للنبي بمكة قبل الهجرة كأبي جهل وأمثاله فدل على أن هذا القول كان قبل نزول هذه السورة ».

فإنّه ليس في حديث سفيان بن عيينة ذكر لنزول هذه الآية المباركة في واقعة غدير خم فهذا كلام من لا يعقل ما يقول.

٤ - قوله تعالى: ( وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ ) . لا ينفي العقاب على الإطلاق.

ثم قال ابن تيمية: « وأيضاً، فانهم لمـّا استحقوا من الله أنْ لا ينزل عليهم العذاب ومحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهم فقال تعالى:( إِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) .

والجواب: إن تلك الآية الشريفة لا تنفي تعذيبهم على الاطلاق، فلقد وقع العذاب عليهم بنصّ الكتاب والروايات، وقد قال تعالى بعد هذه الآية

____________________

(١). الاتقان في علوم القرآن ١ / ٣٥.

(٢). الاتقان ١ / ٣٣.

٣٧٨

نفسها:( وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ) فلو كانت تلك الآية الكريمة دالة على رفع العذاب على الإطلاق، للزم التناقض بينها وبين هذه الآية المتصلة بها.

ومن هنا قال الرازي: « واعلم أنه تعالى بيّن في الآية الأولى أنه لا يعذّبهم ما دام الرسول فيهم. وذكر في هذه الآية أنه يعذّبهم. وكأن المعنى أنه يعذبهم إذا خرج الرسول من بينهم. ثم اختلفوا في هذا العذاب فقال بعضهم: لحقهم هذا العذاب المتوعد به يوم بدر، وقيل بل يوم فتح مكة »(١) .

٥ - بطلان جعل هذه الآية من جنس آية أصحاب الفيل

ثم قال: « وأيضاً، فلو كان هذا آية لكان من جنس آية أصحاب الفيل، ومثل هذا ما تتوافر الهمم والدواعي على نقله » وهذا قياس فاسد، إذ كيف يقاس تعذيب رجل واحد بتعذيب جماعة كبيرة جاءت لهدم الكعبة وإبادة خدّامها ومن حولها؟! إن تلك الواقعة مما تتوافر الهمم على نقله، بخلاف واقعة تعذيب رجل واحد، فإنّ توفر الدواعي على نقله ممنوع، وإلّا لزم بطلان جميع المعاجز النبوية التي لم تنقل إلينا بالتواتر.

وأيضاً، لقد كانت الدواعي متوفرة على إخفاء قصة الحارث بن النعمان، بخلاف قصة أصحاب الفيل. فانقطع القال والقيل.

٦ - بطلان دعوى دلالة الحديث على إسلام الحارث

وأما قوله: « وأيضاً، فقد ذكر في هذا الحديث إن هذا القائل آمن بمباني الاسلام الخمس، وعلى هذا فقد كان مسلماً لأنه قال: فقبلناه منك ومن المعلوم

____________________

(١). تفسير الرازي ١٥ / ١٥٩.

٣٧٩

بالضرورة أن أحدا من المسلمين على عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يصبه هذا ». فمن طرائف الخزعبلات.

أمّا أولاً: فلأن هذا الحديث كما يتضمن قبول الحارث للمباني المذكورة كذلك يتضمن كفره وارتداده بقوله: أللهم إنْ كان ما يقوله محمد حقاً

وأما ثانياً فلو سلّمنا كونه مسلماً، فمن أين دعوى العلم الضروري بأن أحداً من المسلمين على عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يصبه هذا؟

٧ - الحارث بن النعمان من الصحابة

ثم انتهى ابن تيمية إلى القول بأن « هذا الرجل لا يعرف في الصحابة بل هو من جنس الاسماء التي تذكرها الطرقيّة » وهذا الكلام باطل أيضاً.

فأوّل ما يبطله كلام نفسه، إذ ذكر أن الحارث آمن بمباني الاسلام الخمس ثم قال: « وعلى هذا فقد كان مسلماً » فهو إذن من الصحابة المسلمين عند ابن تيمية.

وثانياً: لقد قلنا سابقاً إن هذا الحديث يدل على ارتداد الحارث وكفره، وهو بذلك يخرج من عداد الصحابة، لأن من شرائط الصحابي موته على الاسلام، ومن خرج عن الاسلام لا يعدّ في الصحابة البتة، ولا يذكره المصنفون في الصحابة أبداً.

وثالثاً: ولو وافقنا ابن تيمية جدلاً وقلنا بعدم خروج الحارث عن الاسلام ومن عداد صحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما تفوه به، فما الدليل على حصر المصنفين واستقصائهم لأسماء جميع الصحابة في كتبهم؟ بل الأمر على العكس من ذلك، فإنهم قد نصّوا على أنهم لم يتمكنوا من الوقوف على العشر من أسامي الصحابة، وإليك نصّ عبارة ابن حجر العسقلاني في خطبة ( الاصابة ):

« أما بعد، فإنّ من أشرف العلوم الدينية علم الحديث النبوي، ومن أجلّ معارفه تمييز أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ممن خلف بعدهم. وقد جمع

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391