نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٨

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار10%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 391

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 391 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 293519 / تحميل: 6778
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ٨

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

وأمّا الأول فلأن أحداً من أئمة العربية لم يذكر أن مفعلاً يأتي بمعنى أفعل. وقوله تعالى:( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) أي مقرّكم أو ناصرتكم، مبالغة في نفي النصرة، كقولهم: الجوع زاد من لا زاد له.

وأيضاً، فالاستعمال يمنع من أن مفعلاً بمعنى أفعل، إذ يقال هو أولى من كذا دون مولى من كذا، وأولى الرجلين دون مولاهما، وحينئذٍ فإنما جعلنا من معانيه المتصرف في الأمور نظراً للرواية الآتية من كنت وليّه. فالغرض من التنصيص على موالاته اجتناب بغضه لأن التنصيص عليه أوفى بمزيد شرفه. وصدّره بأ لست أولى بكم من أنفسكم ثلاثاً ليكون أبعث على قبولهم. وكذا بالدعاء له لأجل ذلك أيضاً »(١) .

فالعجب منه كيف يصرّ هنا - في الوجه الثاني - على نفي احتمال إرادة ( الأولى ) من ( المولى ) مطلقاً، ثمّ في الوجه الثالث يدعي بأن المعنى الواقعي من ( المولى ) في الحديث هو ( الأولى بالاتباع والقرب ) استناداً إلى فهم الشيخين هذا المعنى منه، فيبطل تطويلاته وخزعبلاته في الوجه الثاني بنفسه؟!

أليس تلك التطويلات رداً على الشيخين وإبطالاً لفهمهما؟!

نعم لا بدّ من الردّ على الشيعة وإن استلزم الردّ على أبي بكر وعمر!!

تحريف من عبد الحق الدهلوي

والعجب أيضاً من الشيخ عبد الحق الدهلوي إذ اقتفى أثر ابن حجر المكي في هذا التهافت والتناقض، ونقله في ( اللمعات ) من غير تنبيه على ذلك، وأمّا في ترجمته المشكاة إلى الفارسية فأورد كلام ابن حجر في الوجه الثالث مع إسقاط جملة: « بل هو الواقع » فحيّا الله الأمانة!!

____________________

(١). الصواعق المحرقة: ٢٥.

٨١

حديث الغدير بلفظ:

« من كنت أولى به »

ومن الأدلة القاطعة على مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) وأنه المراد من حديث الغدير هو: ورود حديث الغدير في بعض طرقه بلفظ: « من كنت أولى به من نفسه » و في بعضها بلفظ: « من كنت وليّه وأولى بنفسه »:

أخرج الطبراني في مسند زيد بن أرقم خطبة الغدير وفيها حديث الثقلين وجاء في آخرها: « ثم أخذ بيد عليرضي‌الله‌عنه فقال: من كنت أولى به من نفسه فعليّ وليّه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه »(١) .

وقال الميرزا محمد بن معتمد خان البدخشاني: « وللطبراني في رواية أخرى عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم رضي الله عنهما بلفظ: من كنت أولى به من نفسه فعليّ وليّه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه »(٢) .

وقال أيضاً: « وعند الطبراني في رواية أخرى عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم رضي الله عنهما بلفظ: من كنت أولى به من نفسه فعليّ وليّه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه »(٣) .

____________________

(١). المعجم الكبير ٥ / ١٨٦.

(٢). مفتاح النجا في مناقب آل العبا - مخطوط.

(٣). نزل الأبرار بما صحّ من مناقب آل البيت الأطهار ص: ٢١.

٨٢

وقال القاضي ثناء الله الهندي - وهو من تلامذة الشاه ولي الله، والموصوف عند مخاطبنا ( الدهلوي ) بـ « بيهقي الزّمان » كما في ( إتحاف النبلاء ): « وفي بعض طرقه: من كنت أولى به من نفسه فعليّ وليّه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه »(١) .

وقال سبط ابن الجوزي: « فتعيّن العاشر، ومعناه: من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به. و قد صرّح بهذا المعنى الحافظ أبو الفرج يحيى بن سعيد الثقفي الاصفهاني في كتابه المسمّى بمرج البحرين، فإنه روى هذا الحديث بإسناده إلى مشايخه وقال فيه: فأخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد عليّ وقال: من كنت وليّه وأولى به من نفسه فعلي وليّه »(٢) .

الحديث يفسّر بعضه بعضا ً

ثم إنّ من القضايا المسلّمة لدى علماء الحديث « إنّ الحديث يفسّر بعضه بعضاً »، وهي قضية يستند إليها المحقّقون في توضيح مشكلات الأخبار ورفع إشكالاتها، ومن ذلك قول ابن حجر العسقلاني في شرح حديث عائشة الآتي:

« إستأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعرف استيذان خديجة فارتاع لذلك، فقال: اللهم هالة، قالت: فغرت فقلت: ما تذكر من عجوزٍ من عجائز قريش، حمراء الشدقين، هلكت في الدهر قد أبدلك الله خيراً منها » فقال:

« قوله: قد أبدلك الله خيراً منها. قال ابن التين: في سكوت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على هذه المقالة دليل على أفضلية عائشة على خديجة، إلّا أنْ يكون المراد بالخيرية هنا حسن الصورة وصغر السن انتهى.

____________________

(١). سيف مسلول - مخطوط.

(٢). تذكرة خواص الأمة: ٣٢.

٨٣

ولا يلزم من كونه لم ينقل في هذه الطريق أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ردّ عليها عدم ذلك، بل الواقع أنه صدر منه ردّ لهذه المقالة.

ففي رواية أبي نجيح عن عائشة عند أحمد والطبراني في هذه القصّة قالت عائشة فقلت: قد أبدلك الله بكبيرة السنّ حديثة السّن، فغضب حتى قلت: والذي بعثك بالحق لا أذكرها بعد هذا إلّا بخير. وهذا يؤيد ما تأوّله ابن التين في الخيرية المذكورة. والحديث يفسّر بعضه بعضاً »(١) .

ونحن نقول بمقتضى « الحديث يفسّر بعضه بعضاً » إنّ رواية الطبراني والاصبهاني تفسّر حديث الغدير، ويتّضح أنّ المراد من ( المولى ) فيه هو ( الأولى ).

* * *

____________________

(١). فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٧ / ١١١.

٨٤

مجيء ( المولى ) بمعنى:

( المتصرّف في الْأَمر ) و ( ولي الْأَمر )

و ( المليك ) ونحوها

٨٥

٨٦

١ - مجيء ( المولى ) بمعنى ( المتصرف في الأمر )

ثم إنّه قد صرّح جماعة من أعلام أهل السنّة بأنّ من المعاني الحقيقية للفظ ( المولى ) هو « المتصرف في الأمر ». وهذا أيضاً واف بمطلوب الشيعة، وكاف لاستدلالهم بحديث الغدير، إذ الحاصل من ( الأولى بالتصرف ) و ( المتصرف في الأمر ) واحد وممن صرّح بمجيء ( المولى ) بهذا المعنى:

ذكر من نص على ذلك

١ - ابن حجر المكي، وقد تقدم نص عبارته قريباً.

٢ - عبد الحق الدهلوي، حيث نقل مقالة ابن حجر في ( اللمعات ).

٣ - كمال الدين بن فخر الدين الجهرمي في ( البراهين القاطعة في ترجمة الصواعق المحرقة ).

٤ - محمد بن عبد الرسول البرزنجي، إذ قال في الجواب عن حديث الغدير: « الثاني - إنه لو سلّمنا تواتره ففيه دلالة وليس نصّاً في المدعى، لأن القدر المصرح بذكر الخلافة فيه موضوع كما مر التنبيه عليه، والقدر الصحيح غير صريح فيه، لأنا لا نسلّم أن ( المولى ) هو ( الامام )، بل له معان كثيرة، فإنه مشترك بين الناصر والمعتق والعتيق والمتصرف في الأمر والمحبوب وابن العم والقريب وغيرها.

٨٧

وهو حقيقة في الكل، وتعيين بعض معاني المشترك من غير دليل يقتضيه تحكّم لا يعبأ به ...»(١) .

٥ - الفاضل رشيد الدين خان الدهلوي حيث أورد كلام ابن حجر المذكور في ( إيضاح لطافة المقال ) وارتضاه.

ومتى ثبت مجيء ( المولى ) بمعنى « المتصرف في الأمر » باعتراف علماء أهل السنة، لم يجدهم إنكار مجيئه بمعنى ( الأولى )، لأن غرض الشيعة من الاستدلال بحديث الغدير إثبات دلالته على الامامة، وهذه الدلالة تامة على كل تقدير، فمن العجيب انكار ابن حجر والجهرمي والبرزنجي مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) واثباتهم في نفس الوقت مجيئه بمعنى ( المتصرف في الأمر )!! ويزيد كون ( المتصرف في الأمر ) معنى حقيقياً للفظ ( المولى ) وضوحاً أنهم لا ينكرون على الشيعة قولهم بمجيئه بهذا المعنى، وإن أجابوا عن استدلالهم بذلك على الامامة، فقد قال الحسين بن محمد الطيبي: « قالت الشيعة: المولى هو المتصرف في الأمور، وقالوا: معنى الحديث إن علياًرضي‌الله‌عنه يستحق التصرف في كل ما يستحق الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التصرف فيه، ومن ذلك أمور المؤمنين فيكون إمامهم. أقول: لا يستقيم أن يحمل الولاية على الامامة التي هي التصرف في أمور المؤمنين، لأن المتصرف المستقل في حياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو لا غير، فيجب أن يحمل على المحبة وولاء الإسلام ونحوهما»(٢) .

فترى أن الطيبي لا ينكر مجيء ( المولى ) بمعنى ( المتصرف في الأمر ). كما أن كلامه ظاهر في أن التصرف في أمور المؤمنين هي الامامة بعينها.

وذكر علي بن سلطان القاري كلام الطيبي هذا بنصه في شرحه على المشكاة حيث قال: « وفي شرح المصابيح للقاضي قالت الشيعة: المولى هو المتصرف

____________________

(١). نواقض الروافض - مخطوط.

(٢). شرح المشكاة - مخطوط.

٨٨

وقالوا: معنى الحديث إن عليّاًرضي‌الله‌عنه يستحق التصرف في كلّ ما يستحق الرسول صلّى الله عليه التصرّف فيه، ومن ذلك أمور المؤمنين فيكون إمامهم. قال الطيبي: لا يستقيم أن يحمل الولاية على الامامة التي هي التصرف في أمور المؤمنين، لأن المتصرف المستقل في حياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو لا غير، فيجب أن يحمل على المحبة وولاء الإسلام ونحوهما »(١) .

وقال الفخر الرازي بتفسير قوله تعالى:( ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ ) « البحث الثالث - إنه تعالى سمّى نفسه في هذه الآية باسمين، أحدهما: المولى وقد عرفت أن لفظ المولى ولفظ الولي مشتقان من الولي أي القرب، وهو سبحانه القريب البعيد الظاهر الباطن

وأيضاً قال: مولاهم الحق. والمعنى إنهم كانوا في الدنيا تحت تصرفات الموالي الباطلة، وهي النفس والشهوة والغضب، كما قال:( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ ) فلمـّا مات الانسان تخلّص من تصرفات الموالي الباطلة، وانتقل إلى تصرّفات المولى الحق »(٢) .

وقال بتفسير قوله تعالى:( وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ ) : « وقال القفال: اجعلوا الله عصمة لكم مما تحذرون، هو مولاكم: سيدكم والمتصرف فيكم. فنعم المولى: فنعم السيد. ونعم النصير. فكأنه سبحانه قال: أنا مولاك، بل أنا ناصرك وحسبك »(٣) .

وقال النيسابوري بتفسير الآية الأُولى: « والمعنى: إنهم كانوا في الدنيا تحت تصرفات الموالي الباطلة، وهي النفس والشهوة والغضب، فلمـّا ماتوا تخلّصوا إلى تصرف المولى الحقّ »(٤) .

____________________

(١). المرقاة في شرح المشكاة ٥ / ٥٦٨.

(٢). تفسير الرازي ١٣ / ١٧ - ١٨.

(٣). تفسير الرازي ٢٣ / ٧٤.

(٤). تفسير النيسابوري ٧ / ١٢٨.

٨٩

وقال ابن كثير بتفسيرها: « أي ورجعت الأمور كلّها إلى الله الحكم العدل ففصلها، وأدخل أهل الجنة وأهل النار النار »(١) .

ففسّر ابن كثير ( المولى ) بـ ( الحكم )، ولو أنا فسرنا ( المولى ) في حديث الغدير بهذا المعنى لثبتت الامامة كذلك.

٢ - مجيء ( المولى ) بمعنى ( متولي الأمر )

وقد ثبت مجيء ( المولى ) بمعنى ( متولي الأمر ) من كلمات علماء العربية والمفسرين، وهذا المعنى أيضاً يفيد الامامة والخلافة كسابقه، لأنّ ( المتولي ) هو ( المتصرف ) كما هو ظاهر جدّاً، وبه صرح سعيد الجلبي، والشهاب الخفاجي في حاشيتيهما على البيضاوي كما سيجيء.

ذكر من قال بذلك

ومجيء ( المولى ) بمعنى ( متولي الأمر ) قد ثبت من كلمات جماعة من أعلام المحققين في العلوم المختلفة، وممن صرّح بذلك:

١ - أبو العباس محمد بن يزيد المبرّد.

٢ - أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضل المعروف بالرّاغب الاصفهاني.

٣ - أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي.

٤ - أحمد بن الحسن بن أحمد الزاهد.

٥ - جار الله محمود بن عمر الزمخشري.

٦ - أبو السعادات مبارك بن محمد الجزري.

٧ - أحمد بن يوسف بن حسن الكواشي.

٨ - ناصر الدين عبد الله بن عمر البيضاوي.

____________________

(١). تفسير ابن كثير ٢ / ١٣٨.

٩٠

٩ - عبد الله بن أحمد النسفي.

١٠ - أبو حيّان محمد بن يوسف الأندلسي.

١١ - نظام الدين حسن بن محمد بن حسين النيسابوري.

١٢ - جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي.

١٣ - محمد طاهر الكجراتي.

١٤ - أبو السعود بن محمد العمادي.

١٥ - سعيد الجلبي.

١٦ - شهاب الدين أحمد بن محمد بن عمر الخفاجي.

(١)

محمد بن يزيد المبرّد

قال المبرد - على ما نقل عنه السيد المرتضى - بعد تأويل قوله تعالى:( ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا ) : « والولي والمولى معناهما سواء، وهو الحقيق بخلقه المتولي لأمورهم »(١) .

(٢)

الراغب الاصفهاني

وقال الراغب الاصبهاني في كتابه ( غريب القرآن ) الذي قال عنه السيوطي

____________________

(١). الشافي في الامامة: ١٢٣ عن كتاب العبارة عن صفات الله للمبرد.

٩١

في ذكر كتب غريب القرآن: « ومن أحسنها المفردات للراغب » - قال ما هذا نصه: « الولاء والتوالي أن يحصل شيئان فصاعداً حصولاً ليس بينهما ما ليس منهما، ويستعار ذلك للقرب من حيث المكان، ومن حيث النسبة، ومن حيث الدين، ومن حيث الصداقة والنصرة والاعتقاد، والولاية النصرة، والولاية تولّي الأمر، والولي والمولى يستعملان في كل ذلك، وكلّ واحد منهما يقال في معنى الفاعل أي الموالي، وفي معنى المفعول اي الموالي، يقال للمؤمن هو ولي الله، ولم يرد مولاه »(١) .

(٣)

أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي

وقال أبو الحسن الواحدي:( ثُمَّ رُدُّوا ) يعنى العباد يردون بالموت( إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ ) الذي يتولى أمورهم »(٢) .

(٤)

أحمد بن الحسن الزاهد الدرواجكي

وقال الزاهد الدرواجكي: « قوله( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) والمولى في اللغة: من يتولى مصالحك فهو مولاك، يلي القيام بأمورك وينصرك على أعدائك، ولهذا سمي ابن العم والمعتق مولى، ثم صار اسماً لمن لزم الشيء، كما يقال أخ الفقراء وأخ المال »(٣) .

____________________

(١). المفردات: ٥٣٣.

(٢). التفسير الوسيط - مخطوط.

(٣). تفسير الزاهدي - مخطوط.

٩٢

(٥)

جار الله الزمخشري

وقال الزمخشري: «( مَوْلانا ) سيدنا ونحن عبيدك، أو ناصرنا، أو متولي أمورنا( فَانْصُرْنا ) فمن حق المولى أن ينصر عبيده، فان ذلك عادتك، أو فان ذلك من أمورنا التي عليك توليها »(١) .

(٦)

أبو السعادات ابن الأثير

وقال المبارك بن محمد بن الأثير الجزري: « وقد تكرر ذكر المولى في الحديث، وهو اسم يقع على جماعة كثيرة وكلّ من ولي أمراً أو قام به فهو مولاه ووليّه ومنه الحديث: أيما امرأة نكحت بغير إذن مولاها فنكاحها باطل، وفي رواية وليّها. أي متولي أمرها »(٢) .

____________________

(١). الكشاف ١ / ٣٣٣.

(٢). النهاية: ولي.

٩٣

(٧)

أحمد بن يوسف الكواشي

وقال أحمد بن يوسف الكواشي: « ولا يوقف على( أَنْتَ مَوْلانا ) سيدنا ومتولي أمورنا، لوجود الفاء في قوله( فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ ) لأنك سيدنا، والسيد ينصر عبيده »(١) .

(٨)

ناصر الدين البيضاوي

وقال ناصر الدين البيضاوي: «( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) هي أولى بكم كقول لبيد:

فغدت كلا الفرجين تحسب أنه

مولى المخافة خلفها وأمامها

أو متوليكم. تتولاكم كما توليتم موجباتها في الدنيا وبئس المصير النار »(٢) .

____________________

(١). التلخيص في التفسير. توجد منه في المكتبة الناصرية نسخة مكتوبة في حياة المؤلف تاريخها ٦٧٧.

(٢). تفسير البيضاوي: ٧١٦.

٩٤

(٩)

عبد الله بن أحمد النسفي

وقال النسفي:( أَنْتَ مَوْلانا ) سيدنا ونحن عبيدك، أو ناصرنا أو متولي أمورنا »(١) .

(١٠)

أبو حيان الأندلسي

وقال أبو حيان: «( هُوَ مَوْلانا ) أي ناصرنا وحافظنا قاله الجمهور. وقال الكلبي: أولى بنا من أنفسنا في الموت والحياة. وقيل: مالكنا وسيّدنا فلهذا يتصرف كيف شاء، فيجب الرضى بما يصدر من جهته. وقال:( ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ ) فهو مولانا الذي يتولانا ويتولاهم »(٢) .

وقال أبو حيان أيضاً: « ومعنى( إِلَى اللهِ ) إلى عقابه. وقيل: إلى موضع جزائه( مَوْلاهُمُ الْحَقِ ) لا ما زعموه من أصنامهم، إذْ هو المتولي حسابهم، فهو مولاهم في الملك والإحاطة لا في النصر والرحمة »(٣) .

____________________

(١). تفسير النسفي ١ / ١٤٤.

(٢). البحر المحيط ٥ / ٥٢.

(٣). نفس المصدر ٤ / ١٤٩.

٩٥

(١١)

نظام الدين النيسابوري

وقال نظام الدين النيسابوري: « وهو قوله:( أَنْتَ مَوْلانا ) ففيه الاعتراف بأنه سبحانه هو المتولي لكلّ نعمة ينالونها، وهو المعطي لكل مكرمة يفوزون بها، وأنهم بمنزلة الطفل الذي لا تتم مصلحته إلّا بتدبير قيّمه، والعبد الذي لا ينتظم شمل مهماته إلا بإصلاح مولاه. وبهذا الاعتراف يحق الوصول إلى الحق، من عرف نفسه أي بالإِمكان والنقصان عرف ربه أي بالوجوب والتمام»(١) .

وقال النيسابوري أيضاً: «( فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ ) ناصركم ومتولي أموركم، يحفظكم ويدفع شر الكفار عنكم، فإنّه( نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) فثقوا بولايته ونصرته »(٢) .

وقال أيضاً: «( هُوَ مَوْلانا ) لا يتولى أمورنا إلّا هو، يفعل بنا ما يريد من أسباب التهاني والتعازي، لا اعتراض لأحدٍ عليه »(٣) .

وقال: «( وَاللهُ مَوْلاكُمْ ) متولي أموركم. وقيل: أولى بكم من أنفسكم ونصيحته أنفع لكم من نصائحكم لأنفسكم »(٤) .

وقال: «( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ ) حتى تصلوا إليه، هو متولي إفنائكم عنكم،( نِعْمَ الْمَوْلى ) في افناء وجودكم( وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) في إبقائكم بربكم »(٥) .

____________________

(١). تفسير النيسابوري ٣ / ١١٣.

(٢). نفس المصدر ٩ / ١٥٣.

(٣). نفس المصدر ١٠ / ١٠٤.

(٤). نفس المصدر ٢٨ / ٨٠.

(٥). تفسير النيسابوري ١٧ / ١٢٦.

٩٦

(١٢)

جلال الدين السيوطي

وقال جلال الدين السيوطي: «( أَنْتَ مَوْلانا ) سيدنا ومتولي أمورنا »(١) .

وقال: «( فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ ) ناصركم ومتولي أموركم »(٢) .

وقال: «( لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللهُ لَنا ) إصابته( هُوَ مَوْلانا ) ناصرنا ومتولي أمورنا»(٣) .

(١٣)

محمد بن طاهر الكجراتي

وقال محمد طاهر الفتني الكجراتي نقلاً عن النهاية: « وكلّ من ولي أمراً أو قام به فهو مولاه ووليّه ومنه: أيّما امرأة نكحت بغير إذن مولاها. وروى وليها. أي متولي أمرها »(٤) .

____________________

(١). تفسير الجلالين: ٦٦.

(٢). تفسير الجلالين: ٢٤٠.

(٣). المصدر نفسه: ٢٥٦.

(٤). مجمع البحار: ولي.

٩٧

(١٤)

أبو السعود العمادي

وقال أبو السعود:( هِيَ مَوْلاكُمْ ) أو متوليكم تتولاكم كما توليتم موجباتها »(١) .

(١٥)

سعيد الجلبي

وقال سعيد الجلبي بتفسير( هِيَ مَوْلاكُمْ ) : أو متوليكم. أي المتصرف فيه »(٢) .

(١٦)

الشهاب الخفاجي

وقال شهاب الدين الخفاجي: « وقوله: متوليكم. أي المتصرف فيكم كتصرفكم فيما أوجبها واقتضاها من أمور الدنيا »(٣) .

____________________

(١). تفسير أبي السعود هامش الرازي ٨ / ٧٣.

(٢). حاشية البيضاوي للجلبي.

(٣). حاشية البيضاوي للخفاجي.

٩٨

إعتراف الرازي

وإنّ مجيء ( المولى ) بمعنى ( متولي الأمر ) في غاية الثبوت والوضوح، حتى فسّر به الفخر الرّازي - الذي سعى في إنكار مجيئه بمعنى ( الأولى ) - فقال في تفسير قوله تعالى( أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ ) : « وفي قوله: أنت مولانا فائدة أخرى، وذلك: أن هذه الكلمة تدل على نهاية الخضوع والتذلل، والاعتراف بأنه سبحانه هو المتولي لكلّ نعمة يصلون إليها، وهو المعطي لكلّ مكرمة يفوزون بها، فلا جرم أظهروا عند الدعاء أنهم في كونهم متكّلين على فضله وإحسانه بمنزلة الطفل الذي لا تتم مصلحته إلّا ببرّ [ بتدبير ] قيّمه، والعبد الذي لا ينتظم شمل مهمّاته إلّا باصلاح مولاه، فهو سبحانه قيّوم السماوات والأرض، والقائم بإصلاح مهمّات الكلّ، وهو المتولي في الحقيقة للكلّ على ما قال:( نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) (١) ».

٣ - مجيء ( المولى ) بمعنى ( الوارث الأولى )

على أنّ الرازي الذي أطال الكلام في إنكار مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) بإبداء التشكيكات الواهية والاعتراضات السخيفة التي أضلت بعض الهمج الرعاع الذين ينعقون مع كل ناعق - قد ألجأته الحقيقة الراهنة إلى نقل تفسير ( المولى ) بـ ( الوارث الأولى ) عن أبي علي الجبائي، واستحسانه هذا المعنى كالوجوه الأخرى المذكورة بتفسير قوله تعالى:( وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ ) وهذا نصّ كلامه:

« المسألة الثالثة - من الناس من قال: هذه الآية منسوخة، ومنهم من قال: إنها غير منسوخة. أمّا القائلون بالنسخ فهم الذين فسّروا الآية بأحد هذه الوجوه

____________________

(١). تفسير الرازي ٧ / ١٦١.

٩٩

التي نذكرها

القول الثاني - قول من يقول: الآية غير منسوخة، والقائلون بذلك ذكروا في تأويل الآية وجوها: الأول - تقدير الآية: ولكل شيء ممّا ترك الوالدان والأقربون والذين عاقدت أيمانكم موالي وورثة فآتوهم نصيبهم. أي: فآتوا الموالي والورثة نصيبهم. فقوله: والذين عاقدت أيمانكم معطوف على قوله: الوالدان والأقربون، والمعنى: إن ما ترك الذين عاقدت أيمانكم فله وارث هو أولى به، وسمّي الله تعالى الوارث المولى، والمعنى: لا تدفعوا المال إلى الحليف بل إلى المولى والوارث، وعلى هذا التقدير فلا نسخ في الآية. وهذا تأويل أبي علي الجبائي ».

ثم قال الرازي بعد ذكر ثلاثة وجوه أخرى: « وكل هذه الوجوه حسنة محتملة. والله أعلم بمراده »(١) .

وأيضاً، فقد اعترف الرازي في ( نهاية العقول ) بحكم أبي عبيدة وابن الأنباري بأنّ لفظة ( المولى ) تأتي لـ ( الأولى ) وهذا نصّ كلامه: « لا نسلّم أن كلّ من قال بأن لفظه المولى محتملة للأولى قال بدلالة الحديث على إمامة عليرضي‌الله‌عنه . أليس أن أبا عبيدة وابن الأنباري حكما بأن لفظ المولى للأولى مع كونهما قائلين بامامة أبي بكررضي‌الله‌عنه »(٢) .

فالحمد لله الذي وفّقنا لإِظهار بطلان كلامه في إنكار مجيء ( المولى ) بمعنى ( الأولى ) من كلام نفسه في ( التفسير ) و ( نهاية العقول ). كما أثبتنا بطلان ردّه لحديث الغدير من كلامه في هذين الكتابين والتفسير. والله ولي التوفيق.

٤ - مجيء ( المولى ) بمعنى ( ولي الأمر )

وقد فسّر جماعة من كبار المفسرين لفظة ( المولى ) بـ ( ولي الأمر ) فقد قال

____________________

(١). تفسير الرازي ١٠ / ٨٨.

(٢). نهاية العقول - مخطوط.

١٠٠

جلال الدين المحلّي: «( وَهُوَ كَلٌ ) ثقيل( عَلى مَوْلاهُ ) ولي أمره »(١) .

وقال الواحدي: «( أَنْتَ مَوْلانا ) أي ناصرنا والذي يلي علينا أمورنا »(٢) .

وقال النيسابوري: « قوله:( وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ ) أصله: من الغلظ الذي هو نقيض الحدّة، يقال: كلّ السكين إذا غلظت شفرته، وكلّ اللّسان إذا غلظ فلم يقدر على الكلام، وكلّ فلان عن الكلام إذا ثقل عليه ولم ينبعث فيه، وفلان كلٌّ على مولاه أي ثقيل وعيال على من يلي أمره ويعوله »(٣) .

وقال: «( أَنْتَ مَوْلانا ) وليّنا في رفع وجودنا وناصرنا في نيل مقصودنا »(٤) .

ومن الواضح: أن ( ولى الأمر ) مثل ( متولي الأمر ) كلاهما بمعنى ( الامام، الحاكم، الرئيس ). فلو كان ( المولى ) في حديث الغدير بمعنى ( ولي الأمر ) لتم استدلال الشيعة به على معتقدهم.

إنكار ولي الله الدهلوي

إلّا أن الشّاه ولي الله الدهلوي أنكر(٥) مجيء ( المولى ) بمعنى ( ولي الأمر ). وذلك من أصدق الشواهد على دلالة حديث الغدير على هذا التقدير أيضاً، ولا ريب في أن هذا الإِنكار مكابرة واضحة وتعصب مقيت، وما أوردنا من كلمات علماء القوم كاف لإِبطاله.

٥ - مجيء ( المولى ) بمعنى ( المليك )

فهل يا ترى لم يلحظ شاه ولي الله تفسير الجلالين؟! أو لم يقف على تصريح

____________________

(١). إزالة الخفا عن سيرة الخلفاء.

(٢). تفسير الجلالين: ٣٦٢.

(٣). التفسير الوسيط - مخطوط.

(٤). تفسير النيسابوري ١٤ / ٩٩.

(٥). المصدر ٣ / ١١٣.

١٠١

البخاري بمجيء ( المولى ) بمعنى ( المليك ) وهو مرادف ( وليّ الأمر )؟!

قال البخاري في كتاب التفسير: « باب:( وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً ) وقال معمر: موالي: أولياء ورثة عاقد أيمانكم، هو مولى اليمين وهو الحليف. والمولى أيضاً: ابن العم. والمولى: المنعم المعتق والمولى: المعتق. والمولى: المليك. والمولى: مولى في الدين »(١) .

إنّ مجيء ( المولى ) بمعنى ( المليك ) أيضاً كاف لثبوت مطلوب الشيعة من حديث الغدير، لأن ( المليك ) و ( ولي الأمر ) في المعنى واحد، وانْ كان لأحدٍ من المكابرين شك من هذا الترادف ننقل له كلمات شراح البخاري في شرح كلامه المذكور:

قال بدر الدين العيني: « إنّ لفظ المولى يأتي لمعان كثيرة، وذكر منها خمسة معان الرابع: يقال للمليك المولى، لأنه يلي أمور الناس »(٢) .

وقال شهاب الدين القسطلاني: « والمولى: المليك، لأنه يلي أمور الناس »(٣) .

إذنْ يقال للمليك المولى لأنه يلي أمور الناس، فالمولى يستعمل بمعنى ( ولي الأمر ) و ( متولي الأمر ) أيضاً قطعاً.

على أن هذا المعنى ثابت بوضوح من كلمات اللغويين، فقد قال الجوهري « والملكوت من الملك كالرهبوت من الرهبة، يقال: له ملكوت العراق وملكوت العراق أيضاً، مثال الترقوة. وهو الملك والعز، فهو مليك وملك وملك، مثال فخذ وفخذ. كأن الملك مخفف من ملك والملك مقصور من مالك أو مليك، والجمع: الملوك والأملاك، والاسم: الملك، والموضع: المملكة، وتملّكه أي ملكه قهراً،

____________________

(١). صحيح البخاري ٨ / ١٩٩ بشرح ابن حجر.

(٢). عمدة القاري ١٨ / ١٧٠.

(٣). إرشاد الساري ٧ / ٧٧.

١٠٢

ومليك النحل: يعسوبها »(١) .

وقد ترجم اللّغويون المترجمون للّغات العربية إلى الفارسية لفظة ( الملك ) بـ ( شاه ) و ( پادشاه) كما لا يخفى على من راجع ( صراح اللغة ) و ( منتهى الأرب في لغات العرب ).

ثم إنّ المراد من « معمر » في كلام البخاري هو ( أبو عبيدة معمر بن المثنى اللغوي ) وبه صرّح ابن حجر العسقلاني في الشرح حيث قال: « ومعمر هذا بسكون المهملة - وكنت أظنه معمر بن راشد. إلى أن رأيت الكلام المذكور في المجاز لأبي عبيدة واسمه معمر بن المثنى، ولم أره عن معمر بن راشد، وإنما أخرج عبد الرزاق عنه في قوله:( وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ ) قال: الموالي الأولياء الأب والأخ والإِبن وغيرهم من الغصبة، وكذا أخرجه إسماعيل القاضي في الأحكام من طريق محمد بن ثور عن معمر. وقال أبو عبيدة:( وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ ) أولياء [ و ] ورثة( وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمانُكُمْ ) فالمولى ابن العم، وساق ما ذكره البخاري وأنشد في المولى ابن العم:

مهلاً بني عمّنا مهلاً موالينا.

وممّا لم يذكره وذكره غيره من أهل اللغة: المولى: المحب. والمولى الجار. والمولى: الناصر. والمولى: الصهر. والمولى: التابع. والمولى: الولي »(٢) .

فظهر أن المراد من ( معمر ) هو ( أبو عبيدة اللغوي معمر بن المثنى ).

وقد نقل ابن حجر عن اللغويين مجيء ( المولى ) بمعنى ( الولي ).

( المولى ) بمعنى ( الأولى ) من حديثٍ في الصحيحين

بل إنّ دلالة ( المولى ) على الأولوية في التصرف ثابتة بوضوح من حديث

____________________

(١). الصحاح - ولي.

(٢). فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٨ / ١٩٩.

١٠٣

أخرجه الشيخان عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذا نصه فيهما:

قال البخاري: « حدّثنا عبد الله بن محمد، ثنا أبو عامر، ثنا فليح عن هلال ابن علي عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن أبي هريرة: أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ما من مؤمن إلّا وأنا أولى به في الدنيا والآخرة، إقرأوا إنْ شئتم:( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) فأيّما مؤمن مات وترك مالاً فليرثه عصبته من كانوا، ومن ترك ديناً أو ضياعاً فليأتني فأنا مولاه »(١) .

وأخرجه مرّةً أخرى في كتاب التفسير في تفسير سورة الأحزاب(٢) .

وقال مسلم بن الحجاج: « حدثني محمد بن رافع قال: نا شبابة قال: حدثني ورقاء عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: والذي نفس محمد بيده إنْ على الأرض من مؤمن إلّا وأنا أولى الناس به، فأيّكم ترك ديناً أو ضياعاً فأنا مولاه وأيّكم ترك مالاً فإلى العصبة من كان »(٣) .

فهذا الحديث ظاهر في كون ( المولى ) بمعنى ( الأولى بالتصرف ) لأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال أولاً: « ما من مؤمن إلّا وأنا أولى به » ثمّ فرّع على ذلك قوله: « فأيّما مؤمن » فظهر أنّ المراد من قوله بالتالي: « فأنا مولاه » هو الأولويّة التي نصّ عليها واستدل عليها بالآية الكريمة.

وفي شرح القسطلاني في كتاب التفسير بشرح قوله: « وأنا مولاه » ما نصه « أي: وليّ الميت أتولى عنه أموره »(٤) . وظاهره أن المراد من ( المولى ) في هذا الحديث هو ( متولي الأمر ).

وشرح بعضهم بمعنى ( القائم بالمصالح ) و ( ولي الأمر )، ففي شرح شمس الدين الكرماني: « وقضاء دين المعسر كان من خصائصهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،

____________________

(١). صحيح البخاري ٣ / ١٥٥ باب في الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس.

(٢). المصدر ٨ / ٤٢٠ بشرح ابن حجر.

(٣). صحيح مسلم. كتاب الفرائض.

(٤). إرشاد الساري ٧ / ٢٨٠.

١٠٤

وذلك كان من خالص ماله، وقيل: من بيت المال. وفيه: إنه قائم بمصالح الأمة حيّاً وميّتاً وولي أمرهم في الحالين »(١) .

وقال النووي: « ومعنى هذا الحديث: إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أنا قائم بمصالحكم في حياة أحدكم وموته، وأنا وليّه في الحالين، فإنْ كان عليه دين قضيته من عندي إنْ لم يخلف وفاء، وإنْ كان له مال فهو لورثته لا آخذ منه شيئاً، وإنْ خلّف عيالاً محتاجين ضائعين فليأتوا إليّ فعليّ نفقتهم ومؤنتهم »(٢) .

فالمولى إذن هو ( وليّ الأمر ) و ( متولي الأمر ) و ( القائم بمصالح المتولى عليه ).

وفي شرح ابن حجر العسقلاني: « فأنا مولاه. أي: وليّه »(٣) . وهو يريد ( ولي الأمر ) قطعاً.

اعتراف الرازي بمجيء ( المولى ) بمعنى ( ولي الأمر )

ولقد بلغ مجيء ( المولى ) بمعنى ( ولي الأمر ) في الثبوت والشهرة حدّاً بحيث لم يتمكّن الرازي مع كثرة تعصبه من إنكاره وجحده، بل لقد أثبته إذْ قال في ( نهاية العقول ): « وأما قول الأخطل ع: فأصبحت مولاها من الناس بعده. وقوله: ع: لم يأشروا فيه إذا كانوا مواليه. وقوله: موالي حق يطلبون به.

فالمراد بها: الأولياء. و مثله قولهعليه‌السلام : مزينة وجهينة وأسلم وغفار موالي الله ورسوله. أي: أولياء الله ورسوله. و قولهعليه‌السلام : أيّما امرأة تزوّجت بغير إذن مولاها. والرواية المشهورة مفسّرة له. وقوله:( ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا ) أي وليّهم وناصرهم( وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ ) أي لا ناصر لهم. هكذا روي عن ابن عباس ومجاهد وعامة المفسرين ».

ومن الواضح أن المراد من ( الولي ) في هذا المقام هو ( وليّ الأمر ).

____________________

(١). الكواكب الدراري ٢٣ / ١٥٩ كتاب الفرائض.

(٢). المنهاج في شرح صحيح مسلم هامش - إرشاد الساري. كتاب الفرائض.

(٣). فتح الباري ١٢ / ٧.

١٠٥

فظهر أنّ شاه ولي الله الدهلوي أكثر تعصباً وأشدّ عنادا من الفخر الرازي الشهير بالعناد والتعصّب.

٦ - مجيء ( المولى ) بمعنى ( الرئيس ).

وقال الفخر الرازي: « أما قوله:( لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ ) فالمولى هو الولي والناصر، والعشير الصاحب والمعاشر. واعلم أن هذا الوصف بالرؤساء أليق، لأنّ ذلك لا يكاد يستعمل في الأوثان، فبيّن تعالى أنّهم يعدلون عن عبادة الله تعالى الذي يجمع خير الدنيا والآخرة إلى عبادة الأصنام وإلى طاعة الرؤساء. ثمّ ذمّ الرؤساء بقوله: لبئس المولى. المراد به ذم من انتصر بهم والتجأ اليهم »(١) .

فظهر أنّ ( المولى ) يأتي بمعنى ( الرئيس ) وهو و ( ولي الأمر ) و ( متولّي الأمر ) واحد كما لا يخفى.

وممن قال بمجيء ( المولى ) بمعنى ( ولي الأمر )

جماعة من مشاهير العلماء ومحققي اللغويين كالأنباري حيث قال: « والمولى في اللغة ينقسم إلى ثمانية أقسام أولهنّ: المولى المنعم المعتق، ثم المنعم عليه المعتق، والمولى: الولي، والمولى: الأولى بالشيء »(٢) .

وقد أورد كلام الأنباري هذا ابن البطريق - يحيى بن الحسن الحلي المتوفى سنة ٦٠٠ - قائلاً: « وقال أبوبكر محمد بن القاسم الأنباري في كتابه المعروف بتفسير المشكل في القرآن في ذكر أقسام المولى: إنّ المولى: الولي. والمولى: الأولى بالشيء. واستشهد على ذلك بالآية المقدّم ذكرها، وببيت لبيد أيضاً:

كانوا موالي حق يطلبون به

فأدركوه وما ملّوا ولا تعبوا »(٣)

____________________

(١). تفسير الرازي ٢٣ / ١٥.

(٢). مشكل القرآن: ولي.

(٣). العمدة لابن بطريق: ٥٥.

١٠٦

وكالسجستاني العزيزي حيث قال:( مَوْلانا ) أي وليّنا. والمولى على ثمانية أوجه: المعتق والمعتق والولي والأولى بالشيء وابن العم والصهر والجار والحليف »(١) .

وكأبي زكريا ابن الخطيب التبريزي إذ قال: « المولى عند كثير من الناس هو ابن العم خاصة وليس هو هكذا، ولكنه الولي وكلّ ولي للإنسان فهو مولاه، مثل: الأب والأخ وابن الأخ والعم وابن العم، وما وراء ذلك من العصبة كلهم. ومنه قوله:( إِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي ) وممّا يبيّن ذلك - أي المولى كلّ ولي - حديث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أيّما امرأة نكحت بغير إذن مولاها فنكاحها باطل. أراد بالمولى الوليّ. وقال عزّ وجلّ:( يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً ) أفتراه إنما عنى ابن العم خاصة دون سائر أهل بيته؟ ويقال للحليف أيضاً مولى »(٢) .

وكالفيروزآبادي: « والمولى: المالك والعبد والمعتق والمعتق والصاحب والقريب كابن العم ونحوه والجار والحليف والابن والعم والنّزيل والشريك وابن الأخت والولي والرب والناصر والمنعم والمنعم عليه والمحب والتابع والصهر »(٣) .

وكأبي ليث السمرقندي حيث قال:( أَنْتَ مَوْلانا ) يعني وليّنا وحافظنا »(٤) .

وقال أيضاً:( بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ ) يقول: أطيعوا الله تعالى فيما يأمركم. هو مولاكم يعني وليّكم وناصركم »(٥) .

وكالثعلبي حيث قال: «( أَنْتَ مَوْلانا ) أي ناصرنا وحافظنا ووليّنا وأولى

____________________

(١). نزهة القلوب: ٢٠٩.

(٢). غريب الحديث: ولي.

(٣). القاموس: ولي.

(٤). تفسير أبي الليث - مخطوط.

(٥). المصدر.

١٠٧

بنا »(١) .

وكالواحدي: «( بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ ) ناصركم ومعينكم. أي فاستغنوا عن موالاة الكفار فلا تستنصروهم، فإنّي وليّكم وناصركم »(٢) .

وكالبغوي: «( أَنْتَ مَوْلانا ) ناصرنا وحافظنا ووليّنا »(٣) .

وكابن الجوزي: «( وَاللهُ مَوْلاكُمْ ) أي وليّكم وناصركم »(٤) .

وكالقمولي: ( وَاللهُ مَوْلاكُمْ ) أي وليّكم وناصركم »(٥) .

وكالنيسابوري: «( بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا ) أي وليّهم وناصرهم »(٦) .

فهؤلاء وغيرهم يفسّرون ( المولى ) بـ ( الوليّ )، وحيث أنّهم يفسّرون ( الوليّ ) بـ ( ولي الأمر ) ( ومتولي الأمر ) فإنه يكون معنى ( المولى ) هو ( مولى الأمر ) و ( متولّي الأمر ).

وقد جاء تفسير ( الولي ) بمعنى ( وليّ الأمر ) في تفسير الرازي حيث قال: « قوله تعالى:( اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا ) فيه مسألتان. المسألة الأولى: الولي فعيل بمعنى فاعل من قولهم: ولي فلان الشيء يليه ولاية فهو وال وولي. وأصله من الولي الذي هو القرب، قال الهذلي: عدت عواد دون وليك تشغب. ومنه يقال: داري تلي دارها أي تقرب منها، ومنه يقال للمحب المعاون: ولي لأنه يقرب منك بالمحبة والنصرة ولا يفارقك، ومنه الوالي لأنه يلي القوم بالتدبير والأمر والنهي ومنه المولى »(٧) .

____________________

(١). تفسير الثعلبي - مخطوط.

(٢). التفسير الوسيط للواحدي - مخطوط.

(٣). معالم التنزيل ١ / ٢٦٥.

(٤). زاد المسير ٨ / ٣٠٧.

(٥). تكملة تفسير الرازي.

(٦). تفسير النيسابوري ٢٦ / ٢٤.

(٧). تفسير الرازي ٧ / ١٨.

١٠٨

وجاء تفسير ( الولي ) بمعنى ( متولي الأمر ) في تفسير النيسابوري حيث قال:( اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا ) أي متولي أمورهم وكافل مصالحهم. فعيل بمعنى فاعل. والتركيب يدل على القرب. فالمحب وليّ، لأنّه يقرب منك بالمحبّة والنصرة، ومنه الوالي لأنه يلي القوم بالتدبير »(١) .

* * *

____________________

(١). تفسير النيسابوري ٣ / ٢١.

١٠٩

حديث الغدير بلفظ:

« من كنت وليّه فعليٌّ وليّه »

وقد جاء في كثير من طرق حديث الغدير لفظ « من كنت وليّه فعلي وليّه » بدل « من كنت مولاه فعليّ مولاه » وهذا دليل على مجيء ( المولى ) بمعنى ( الولي ) ومجيء ( المفعل ) بمعنى ( الفعيل ). وإليك نصوص بعض الأخبار المشتملة على ذلك:

(١)

رواية أحمد بن حنبل

لقد جاء في مسند أحمد ما نصّه: « حدثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا وكيع ثنا الأعمش عن سعد بن عبيدة عن ابن بريدة عن أبيه قال قال رسول الله صلّى

١١٠

الله عليه وسلّم: من كنت وليّه فعليّ وليّه »(١) .

وفيه: « حدثنا عبد الله، حدثني أبي، حدثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش عن سعد بن عبيدة عن ابن بريدة عن أبيه قال: بعثنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سرية قال لمـّا قدمنا قال: كيف رأيتم صحابة صاحبكم؟ قال: فإمّا شكوته أو شكاه غيري. قال: فرفعت رأسي وكنت رجلاً مكباباً، قال: فرأيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد احمرّ وجهه قال وهو يقول: من كنت وليّه فعليّ وليّه »(٢) .

وفيه: « حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع ثنا الأعمش عن سعد بن عبيدة عن ابن بريدة عن أبيه: أنه مرَّ على مجلس وهم يتناولون من علي، فوقف عليهم فقال: إنه قد كان في نفسي على علي شيء، وكان خالد بن الوليد كذلك، فبعثني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في سريّة عليها علي وأصبنا سبياً، قال: فأخذ علي جارية من الخمس لنفسه. فقال خالد بن الوليد: دونك. قال: فلمـّا قدمنا على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جعلت أحدّثه بما كان. ثم قلت: إن علياً أخذ جارية من الخمس. قال: وكنت رجلاً مكباباً. قال فرفعت رأسي فإذا وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد تغيّر فقال: من كنت وليّه فعلي وليّه»(٣) .

(٢)

رواية النسائي

وقال النسائي: « ذكر قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : من كنت وليّه فعلي وليّه.

____________________

(١). مسند أحمد ٥ / ٣٦١.

(٢). المسند ٥ / ٣٥٠.

(٣). المصدر ٥ / ٣٥٨.

١١١

أنبأنا محمد بن المثنى قال ثنا يحيى بن حماد قال: أخبرنا أبو عوانة عن سليمان قال حدثنا حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقمرضي‌الله‌عنه قال: لمـّا رجع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حجة الوداع ونزل غدير خمٍ أمر بدوحات فقممن، ثم قال: كأنّي قد دعيت فأجبت، وإني قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض. ثم قال:

ان الله مولاي وأنا ولي كلّ مؤمن. ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت وليّه فهذا وليّه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فقلت لزيد: سمعته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال: ما كان في الدوحات أحد إلّا رآه بعينه وسمعه بأذنه.

أخبرنا أبو كريب محمد بن العلاء الكوفي قال حدثنا أبو معاوية قال حدثنا الأعمش عن سعيد بن عمير عن ابن بريدة عن أبيه قال: بعثنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستعمل علينا عليّاً، فلما رجعنا سألنا: كيف رأيتم صحبة صاحبكم؟ فإمّا شكوته أنا أو شكاه غيري، فرفعت رأسي وكنت رجلاً من مكة [ مكباباً ] وإذا وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد احمرّ فقال: من كنت وليّه فعليّ وليّه »(١) .

« أخبرنا أحمد بن عثمان [ البصري أبو الجوزاء ] قال ثنا ابن عثمة - وهو محمد ابن خالد البصري - عن عائشة بنت سعد عن سعد قال: أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد علي فخطب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ألم تعلموا أني أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: نعم صدقت يا رسول الله. ثم أخذ بيد علي فرفعها فقال: من كنت وليّه فهذا وليّه، وإن الله ليوالي من والاه ويعادي من عاداه.

أخبرنا زكريّا بن يحيى قال حدثنا يعقوب بن جعفر بن أبي كثير عن مهاجر

____________________

(١). الخصائص ٩٣ - ٩٤.

١١٢

ابن مسمار قال أخبرتني عائشة بنت سعد عن سعد قال: كنّا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطريق مكة وهو متوجه إليها، فلمـّا بلغ غدير خم وقف للناس، ثم ردّ من تبعه ولحقه من تخلّف، فلمـّا اجتمع الناس إليه قال: أيها الناس من وليّكم؟ قالوا: الله ورسوله - ثلاثاً - ثم أخذ بيد علي فأقامه ثم قال: من كان الله ورسوله وليه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه »(١) .

« أخبرنا الحسين بن حريث المروزي قال أخبرنا الفضل بن موسى عن الأعمش عن أبي إسحاق عن سعيد بن وهب قال قال علي كرّم الله وجهه في الرحبة: أنشد الله من سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم غدير خم يقول: إن الله وليي وأنا وليّ المؤمنين، ومن كنت وليه فهذا وليه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره. قال فقال سعيد: فقام إلى جنبي ستة. وقال زيد بن يثيع من عندي ستة - وقال عمرو ذو مرّ: أحب من أحبه وأبغض من أبغضه. و ساق الحديث »(٢) .

« أنبأنا يوسف بن عيسى أنبأنا الفضل بن موسى قال ثنا الأعمش عن أبي إسحاق عن سعيد بن وهب قال قال عليرضي‌الله‌عنه في الرحبة: أنشد بالله من سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم غدير خم يقول: الله وليي وأنا ولي المؤمنين ومن كنت وليّه فهذا وليّه »(٣) .

____________________

(١). الخصائص: ١٠١.

(٢). المصدر: ١٠٣.

(٣). المصدر: ١٠٣.

١١٣

(٣)

رواية ابن ماجة

وقال أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة القزويني: « ثنا علي بن محمد نا أبو الحسين أخبرني حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال: أقبلنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجته التي حج، فنزل في بعض الطريق، فأمر الصلاة جامعة، فأخذ بيد علي فقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى. قال ألست أولى بكلّ مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى. قال فهذا ولي من أنا مولاه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه »(١) .

(٤)

رواية الطبري

وأخرج محمد بن جرير الطبري أحاديث عديدة متضمنة للفظ ( الولي ) بدلاً عن ( المولى ) وقد روى القاري هذه الأحاديث، وإليك ذلك:

« عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال: لمـّا رجع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حجة الوداع فنزل غدير خم أمر بدوحات فقممن. ثم قال: فقال: كأني قد دعيت فأجبت، إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني

____________________

(١). سنن ابن ماجة ١ / ٤٣.

١١٤

فيهما فإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض. ثم قال: إن الله مولاي وأنا ولي كلّ مؤمن، ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت وليه فعلي وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فقلت لزيد: أنت سمعته من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فقال: ما كان في الدوحات أحد إلّا قد رآه بعينيه وسمعه بأذنيه.ابن جرير.

أيضاً عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري مثل ذلك. ابن جرير »(١) . « عن أبي الضحى عن زيد بن أرقم قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كنت وليه فعلي وليه. ابن جرير »(٢) .

« عن بريدة قال: بعثنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سرية واستعمل علينا علياً، فلما جئنا سألنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كيف رأيتم صحبة صاحبكم؟ فإمّا شكوته أنا وإمّا شكاه غيري، فرفعت رأسي وكنت رجلاً مكباباً إذا حدّثت الحديث أكببت، فإذا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد احمرَّ وجهه فقال: من كنت وليّه فإنّ عليّاً وليّه، فذهب الذي في نفسي عليه فقلت: لا أذكره بسوء - ابن جرير »(٣) .

(٥)

رواية الحاكم النيسابوري

وقال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري: « حدثنا أبو الحسين محمد بن أحمد ابن تميم الحنظلي ببغداد، ثنا أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي، ثنا يحيى بن حماد، وحدثني أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه وأبو بكر أحمد بن جعفر البزاز قالا:

____________________

(١). كنز العمال ١٣ / ١٠٤.

(٢). كنز العمال ١٣ / ١٠٥.

(٣). المصدر ١٣ / ١٣٥.

١١٥

حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا يحيى بن حماد. وثنا أبو نصر أحمد بن سهل الفقيه ببخارى، ثنا صالح بن محمد الحافظ البغدادي، ثنا خلف ابن سالم المخرمي، ثنا يحيى بن حماد، ثنا أبو عوانة عن سليمان الأعمش قال ثنا حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم رضي‌الله‌عنه قال:

لمـّا رجع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حجة الوداع ونزل غدير خم، أمر بدوحات فقممن، ثم قال: كأنّي قد دعيت فأجبت، إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله تعالى، وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض. ثم قال: الله عزّ وجلّ مولاي وأنا وليّ كل مؤمن، ثم أخذ بيد عليرضي‌الله‌عنه فقال: من كنت وليه فهذا وليّه. اللهم وال من والاه. وذكر الحديث بطوله.

هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله. شاهده حديث سلمة بن كهيل عن أبي الطفيل أيضاً صحيح على شرطهما »(١) .

(٦)

رواية الخطيب الخوارزمي

وروى الموفق بن أحمد المعروف بأخطب خوارزم حديث الغدير بسنده عن الحاكم النيسابوري كما تقدم مضيفاً اليه: « فقلت: أنت سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فقال: ما كان في الدوحات أحد إلّا رآه بعينه وسمعه بأذنه »(٢) .

____________________

(١). المستدرك على الصحيحين: ٣ / ١٠٩.

(٢). مناقب الخوارزمي: ٩٣.

١١٦

(٧)

رواية ابن المغازلي

ورواه علي بن محمد الجلّابي المعروف بابن المغازلي حيث قال: « أخبرنا أبو يعلى علي بن عبد الله بن العلاف البزار إذناً قال: أخبرنا عبد السلام بن عبد الملك ابن حبيب البزار قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن عثمان قال: حدثنا محمد بن بكر ابن عبد الرزاق، حدثنا أبو حاتم مغيرة بن محمد المهلّبي قال: حدثني مسلم بن إبراهيم حدثنا نوح بن قيس الحدّاني حدثنا الوليد بن صالح عن ابن امرأة زيد بن أرقم قالت: أقبل نبي الله من مكة في حجة الوداع حتى نزلصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغدير الجحفة بين مكة والمدينة، فأمر بالدّوحات فقمّ ما تحتهنّ من شوك، ثم نادى: الصلاة جامعة. فخرجنا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في يوم شديد الحرّ، وإنّ منّا لمن يضع رداءه على رأسه وبعضه على قدميه من شدة الرّمضاء، حتى انتهينا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصلّى بنا الظهر ثم انصرف إلينا فقال:

الحمد لله نحمده ونستعينه ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، الذي لا هادي لمن أضل، ولا مضلّ لمن هدى، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّدا عبده ورسوله.

أمّا بعد أيّها الناس، فإنه لم يكن لنبيّ من العمر إلّا نصف من عمر من قبله، وإنّ عيسى بن مريم لبث في قومه أربعين سنة، وإني قد أسرعت في العشرين، ألا وإني يوشك أن أفارقكم، ألا وإني مسئول وأنتم مسئولون فهل بلّغتكم؟ فما ذا أنتم قائلون؟ فقام من كل ناحية من القوم مجيب يقولون: نشهد أنك عبد الله ورسوله، قد بلّغت رسالته وجاهدت في سبيله وصدعت بأمره،

١١٧

وعبدته حتى أتاك اليقين، جزاك الله عنّا خير ما جزى نبيّاً عن أمته.

فقال: ألستم تشهدون أن لا إله إلاّ الله لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله؟ وأنّ الجنّة حق وأنّ النار حق وتؤمنون بالكتاب كلّه؟ قالوا: بلى. قال: فإنّي أشهد أن قد صدقتكم وصدقتموني، ألا وإنّي فرطكم وإنكم تبعي توشكون أن تردوا عليَّ الحوض، فأسألكم حين تلقونني عن ثقليّ كيف خلفتموني فيهما. قال: فأعيل علينا ما ندري ما الثقلان، حتى قام رجل من المهاجرين وقال: بأبي وأمي أنت يا نبيّ الله ما الثقلان؟

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : الأكبر منهما كتاب الله تعالى، سبب طرفه بيد الله وطرف بأيديكم فتمسّكوا به ولا تضلّوا، والأصغر منهما عترتي، من استقبل قبلتي وأجاب دعوتي، فلا تقتلوهم ولا تقهروهم ولا تقصروا عنهم، فإنّي قد سألت لهم اللّطيف الخبير فأعطاني، ناصرهما لي ناصر وخاذلهما لي خاذل، ووليهما لي وليّ وعدوّهما لي عدوّ.

ألا وإنّها لم تهلك أمة قبلكم حتى تتديّن بأهوائها وتظاهر على نبوّتها، وتقتل من قام بالقسط، ثمّ أخذ بيد علي بن أبي طالب فرفعها ثم قال: من كنت مولاه فهذا مولاه، ومن كنت وليّه فهذا وليّه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. قالها ثلاثاً. هذا آخر الخطبة »(١) .

____________________

(١). المناقب لابن المغازلي ١٦ / ١٨.

١١٨

(٨)

رواية الحمويني

ورواه إبراهيم بن محمد بن حمويه بسنده عن مهاجر بن مسمار عن عائشة بنت سعد عن سعد كما تقدّم سابقاً(١) .

(٩)

رواية ابن كثير

ورواه اسماعيل بن عمر المعروف بابن كثير الدمشقي عن النّسائي في سننه ثم قال: « تفرّد به النسائي من هذا الوجه. قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي: وهذا حديث صحيح. وقال ابن ماجة

وكذلك رواه عبد الرزّاق عن معمر عن علي بن جدعان عن عدي عن البرّاء »(٢) .

____________________

(١). فرائد السمطين ١ / ٧٠.

(٢). تاريخ ابن كثير ٥ / ٢٠٩.

١١٩

(١٠)

رواية ولي الله الدهلوي

ورواه شاه ولي الله الدهلوي عن الحاكم النيسابوري « من طريق سليمان الأعمش عن حبيب عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم »(١) .

أقول: إلى هنا ظهر:

أوّلاً: إن ( المفعل ) يأتي بمعنى ( الفعيل ).

وثانياً: إن ( المولى ) يأتي بمعنى ( الولي ).

وثالثاً: إنّ هذه الأحاديث - ولا سيّما حديث سعد - تدلّ على الامامة بوضوح، لأن الامام هو ( ولي الأمر ) و ( المتصرف في الأمر ) وهو المراد من ( الولي ) في هذه الأحاديث قطعا، لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله سأل الأصحاب: « من وليّكم » فقالوا: « الله ورسوله »، فلو كان المراد من ( الولي ) هو ( المحبّ ) لم يكن لحصر الولاية بالله ورسوله معنى.

ثم إنهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد أن أثبت هذه الولاية لله ورسوله وشهد القوم بذلك قال « من كان الله ورسوله وليّه فإنّ هذا وليّه » أي: فمن كان الله ورسوله المتصرّف في أمره فإن علياً هو المتصرّف في أمره.

٧ - مجيء ( المولى ) بمعنى ( السيد )

وقد ثبت من كلمات جماعة من أعلام القوم ومشاهيرهم مجيء لفظة ( المولى ) بمعنى ( السيد )، وممّن فسّرها بهذا المعنى وأثبته:

____________________

(١). إزالة الخفا في سيرة الخلفاء ٢ / ١١٢.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391