تذكرة الفقهاء الجزء ٨

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-051-X
الصفحات: 460

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 964-319-051-X
الصفحات: 460
المشاهدات: 131680
تحميل: 3521


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 131680 / تحميل: 3521
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 8

مؤلف:
ISBN: 964-319-051-X
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ولو قلع جلدة عليها شعر ، لم يكن عليه ضمان ؛ لأنّ زوال الشعر بالتبعية ، فلا يكون مضموناً ، كما لو قطع أشفار عيني غيره ، فإنّه لا يضمن أهدابهما.

مسألة ٣٩٦ : اختلف قول الشيخ -رحمه‌الله - في المحرم هل له أن يحلق رأس المـُحِلّ؟ فجوّزه في الخلاف‌ ولا ضمان - وبه قال الشافعي وعطاء ومجاهد وإسحاق وأبو ثور(١) - لأصالة براءة الذمّة(٢) .

وقال في التهذيب : لا يجوز - وبه قال مالك وأبو حنيفة ، وأوجبا عليه الضمان ، وهو عند أبي حنيفة صدقة(٣) - لقول الصادقعليه‌السلام : « لا يأخذ الحرام من شعر الحلال »(٤) .

إذا عرفت هذا ، فالشاة تصرف إلى المساكين ، ولا يجوز له أن يأكل من اللحم شيئاً ؛ لأنّها كفّارة ، فيجب دفعها إلى المساكين ، كغيرها من الكفّارات.

ولما رواه ابن بابويه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث كعب ( والنسك شاة لا يطعم منها أحد إلّا المساكين )(٥) .

مسألة ٣٩٧ : أجمع علماء الأمصار على أنّ المـُحْرم ممنوع من قصّ أظفاره‌ ، وتجب فيه الفدية عند عامّة أهل العلم(٦) - وبه قال حمّاد ومالك‌

____________________

(١) الاُم ٢ : ٢٠٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ١١٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٩ ، المجموع ٧ : ٢٤٨ و ٣٥٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٤ ، المغني ٣ : ٥٢٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩٣ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٧٢.

(٢) الخلاف ٢ : ٣١١ - ٣١٢ ، المسألة ١٠٣.

(٣) المدوّنة الكبرى ١ : ٤٢٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩٣ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٧٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ١١٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٩ ، المجموع ٧ : ٢٤٨ و ٣٥٠ ، المغني ٣ : ٥٢٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٤.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٤٠ - ٣٤١ ذيل الحديث ١١٧٨ والحديث ١١٧٩.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٢٨ - ٢٢٩ ذيل الحديث ١٠٨٤.

(٦) المغني ٣ : ٥٣١ - ٥٣٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٢.

٢١

والشافعي وأحمد وأبو ثور وأصحاب الرأي وعطاء في إحدى الروايتين(١) - لأنّه أزال ما منع من إزالته لأجل التنظيف والترفّه ، فوجبت الفدية ، كحلق الشعر.

وفي الرواية الاُخرى عن عطاء : أنّه لا كفّارة ؛ لأنّ الشرع لم يرد فيه بفدية(٢) .

ونمنع عدم ورود الشرع على ما يأتي ، والقياس يدلّ عليه.

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجب في الظفر الواحد مُدٌّ من طعام عند علمائنا أجمع - وبه قال أحمد والشافعي في أحد أقواله(٣) - لأنّ أبا بصير سأل الصادقَعليه‌السلام - في الصحيح - : عن رجل قلّم ظفراً من أظافيره وهو مُحْرم ، قال : « عليه في كلّ ظفر قيمة مُدَّ من طعام حتى يبلغ عشرة »(٤) .

والثاني للشافعي : عليه درهم.

والثالث : ثُلْث دم ؛ لأنّ الدم عنده يجب في ثلاثة أظفار(٥) .

إذا ثبت هذا ، ففي الظفرين مُدّان ، وفي الثلاثة ثلاثة أمداد ، وهكذا يزيد في كلّ ظُفْر مُدٌّ إلى أن يستوعب القصّ أظفار يديه معاً ، فيجب عليه دم شاة عند علمائنا ؛ لأصالة البراءة من الدم ، فلا يثبت إلّا بدليل.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « فإن قلّم أصابع يديه كلّها فعليه دم شاة »(٦) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٣١ - ٥٣٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٢ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٧ ، الحاوي الكبير ٤ : ١١٧ ، المجموع ٧ : ٢٤٨ و ٣٧٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩٤ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٧٧.

(٢) المغني ٣ : ٥٣٢ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٧٧.

(٣) المغني ٣ : ٥٣٢ ، الاُم ٢ : ٢٠٦ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٧ ، المجموع ٧ : ٣٧١ و ٣٧٦.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٣٢ / ١١٤١ ، الاستبصار ٢ : ١٩٤ / ٦٥١ ، والفقيه ٢ : ٢٢٧ / ١٠٧٥.

(٥) فتح العزيز ٧ : ٤٦٧ ، المجموع ٧ : ٣٧١ و ٣٧٦.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٣٢ / ١١٤١ ، الاستبصار ٢ : ١٩٤ / ٦٥١ ، والفقيه ٢ : ٢٢٧ / ١٠٧٥.

٢٢

وفي حديث الحلبي عنهعليه‌السلام « مدّ في كلّ إصبع ، فإن هو قلّم أظافيره عشرتها فإنّ عليه دم شاة »(١) .

وقال أبو حنيفة : إن : قلّم خمس أصابع من يد واحدة ، لزمه الدم ، ولو قلّم من كلّ يد أربعة أظفار ، لم يجب عليه دم ، بل الصدقة. وكذا لو قلّم يداً واحدة إلّا بعض الظفر لم يجب الدم.

وبالجملة : فالدم عنده إنّما يجب بتقليم أظفار يد واحدة كاملة - وهو رواية لنا(٢) - لأنّه لم يستكمل منفعة اليد من التزيين والإرفاق الكامل ، بل تحصل بالشين في أعين الناس ، بخلاف اليد الواحدة(٣) .

وهو حجّة لنا ؛ فإنّ الإرفاق والتزيين إنّما يحصلان بتقليم اليدين معاً أو الرِّجْلين معاً ، لا بإحدى اليدين أو إحدى الرِّجلين.

وقال الشافعي : إن قلّم ثلاثة أظافير في مجلس واحد ، وجب الدم ، ولو كانت في ثلاثة أوقات متفرّقة ، ففي كلّ ظفر الأقوال الثلاثة. ولا يقول : إنّه يجب الدم عند التكامل ، وفي أصحابه من قال : عليه دم. وليس هو المذهب عندهم ؛ لأنّ الثلاثة جمع يقع عليها اسمه ، فأشبه ما لو قلّم خمساً من كلّ واحدة أو العشرة(٤) .

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٣٢ / ١١٤٢ ، الاستبصار ٢ : ١٩٤ / ٦٥٢.

(٢) كما في الخلاف - للشيخ الطوسي - ٢ : ٣٠٩ ، المسألة ١٠٠.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٦٣ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ٧٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩٤ ، المغني ٣ : ٥٣٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٧٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ١١٧ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٨ ، المجموع ٧ : ٣٧٦ ، وحكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٠٩ ، المسألة ١٠٠.

(٤) انظر : المغني ٣ : ٥٣٢ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٧٢ ، والحاوي الكبير ٤ : ١١٧ ، والمجموع ٧ : ٣٦٩ و ٣٧٦ ، و ٣٨٠ - ٣٨١ ، وحكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٠٩ و ٣١٠ ، المسألتان ١٠٠ و ١٠١.

٢٣

ونمنع تعلّق الدم بما يقع عليه اسم الجمع ، ولا عبرة به مع النصّ.

وقال محمّد : إذا قصّ خمسة أظفار من يدين أو رجلين أو منهما أو من واحدة منهما ، وجب الدم ؛ لأنّه ربع وزيادة ، فأشبه قصّ يد واحدة أو رِجْل واحدة(١) .

ونمنع ثبوت الحكم في الأصل.

فروع :

أ - الكفّارة تجب على كلّ مَنْ قلّم متعمّداً‌ ، ولا شي‌ء على الناسي ولا الجاهل عند علمائنا - وبه قال إسحاق وابن المنذر وأحمد(٢) - لما تقدّم.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « وليس عليك فداء شي‌ء أتيته وأنت مُحْرمٌ جاهلاً به إذا كنت مُحْرماً في حجّك ولا عمرتك إلّا الصيد عليك الفداء بجهل كان أو عمد »(٣) الحديث.

ب - لو قصّ بعض الظفر ، وجب عليه ما يجب في جميعه.

ج - لو قصّ أظفار يديه ورجليه معاً ، فإن اتّحد المجلس ، وجب دم واحد ، وإن كان في مجلسين ، وجب دمان.

روى أبو بصير - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قلت له : فإن قلّم أظافير رجليه ويديه جميعاً ، قال : « إن كان فَعَل ذلك في مجلس واحد ، فعليه دم ، وإن كان فَعَله متفرّقاً في مجلسين ، فعليه دمان »(٤) .

____________________

(١) بدائع الصنائع ٢ : ١٩٤ ، المجموع ٧ : ٣٧٦.

(٢) الشرح الكبير ٣ : ٣٥٢.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٧٠ / ١٢٨٨.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٣٢ / ١١٤١ ، الاستبصار ٢ : ١٩٤ / ٦٥١.

٢٤

د - مَنْ أفتى غيره بتقليم ظفره ، فقلّمه فأدماه ، وجب على المفتي دم شاة‌ ، لأنّه الأصل في إراقة الدم.

ولأنّ إسحاق الصيرفي سأل الكاظمَعليه‌السلام : أنّ رجلاً أحرم فقلّم أظفاره ، وكانت إصبع له عليلة فترك ظفرها لم يقصّه ، فأفتاه رجل بعد ما أحرم ، فقصّه فأدماه ، قال : « على الذي أفتاه شاة »(١) .

البحث الرابع : في جزاء قتل هوامّ الجسد وقطع الشجر.

مسألة ٣٩٨ : يجب برمي القملة عن جسد المـُحْرم أو قتلها كفٌّ من طعام‌ - وبه قال عطاء(٢) - لأنّه حصل به الترفّه والتنظّف ، فوجب عليه الفداء ، كحلق الرأس.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « المـُحْرم لا ينزع القملة من جسده ولا من ثوبه متعمّداً ، وإن فعل(٣) شيئاً من ذلك خطأً فليطعم مكانها طعاماً قبضةً بيده »(٤) .

وقال أصحاب الرأي : يتصدّق بمهما كان(٥) .

وقال إسحاق : يتصدّق بتمرة(٦) .

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٣٣ / ١١٤٦.

(٢) المغني ٣ : ٢٧٤ ، المجموع ٧ : ٣٣٤.

(٣) في المصدر : « وإن قتل ».

(٤) التهذيب ٥ : ٣٣٦ / ١١٦٠ ، الإستبصار ٢ : ١٩٦ - ١٩٧ / ٦٦١.

(٥) بدائع الصنائع ٢ : ١٩٦ ، المغني ٣ : ٢٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٢ ، المجموع ٧ : ٣٣٤.

(٦) المغني ٣ : ٢٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٢ ، المجموع ٧ : ٣٣٤.

٢٥

وقال مالك : حفنة من طعام(١) .

وقال طاوُس وسعيد بن جبير وأبو ثور وابن المنذر وأحمد في إحدى الروايتين : لا شي‌ء عليه ؛ لأنّ ابن عباس سُئل : عن مُحْرم ألقى قملة ثم طلبها فلم يجدها ، فقال : تلك ضالّة لا تبتغى(٢) .

ولا دلالة فيه على عدم الفدية.

إذا عرفت هذا ، فإنّ الكفّارة تجب في العمد والسهو والخطأ ، كالصيد. وللرواية(٣) .

مسألة ٣٩٩ : يحرم قطع شجرة الحرم في قول العلماء كافّة ، وتجب في الكبيرة بقرة ، وفي الصغيرة شاة ، وفي أبعاضها قيمة ، قاله الشيخ(٤) .

وأوجب الشافعي وأحمد وأصحاب الرأي الضمان ، وهو مروي عن ابن عباس وعطاء(٥) .

لقولهعليه‌السلام : ( ولا يعضد شجرها )(٦) .

ولقول ابن عباس : في الدوحة بقرة ، وفي الجزلة شاة(٧) .

ومن طريق الخاصّة : قول أحدهماعليهما‌السلام : « إذا كان في دار الرجل‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٧٣ - ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٢ ، المجموع ٧ : ٣٣٤.

(٢) المغني ٣ : ٢٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٢ ، المجموع ٧ : ٣٣٤.

(٣) تقدّمت في صدر المسألة.

(٤) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٥٤.

(٥) الاُم ٢ : ٢٠٨ ، مختصر المزني : ٧١ ، المجموع ٧ : ٤٩٤ و ٤٩٦ ، فتح العزيز ٧ : ٥١١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٢ ، فتح الباري ٤ : ٣٥ ، المغني ٣ : ٣٦٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١٠ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٥.

(٦) صحيح البخاري ٣ : ١٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٨٩ / ٤٤٨ ، سنن أبي داود ٢ : ٢١٢ / ٢٠١٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢١١ ، سنن البيهقي ٥ : ١٩٥.

(٧) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٦ ، المغني ٣ : ٣٦٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٠.

٢٦

شجرة من شجر الحرم ولم تنزع ، فإن أراد نَزْعها ، نَزَعها ، وكفّر بذبح بقرة يتصدّق بلحمها على المساكين »(١) .

والرواية مرسلة.

وقال مالك : لا ضمان فيه ؛ لأنّ قطع شجر الحلّ لا يوجب الجزاء على المـُحْرم ، فكذا قطع شجر الحرم ؛ لأنّ ما حرم بالإِحرام لا يتفاوت ، كالصيد(٢) .

والجواب : أنّ هتك حرمة الحرم يحصل في الفرع(٣) دون الأصل ، فافترقا.

إذا عرفت هذا ، فالضمان ما قلناه عندنا وعند مَنْ أوجبه من العامّة ، إلّا أصحاب الرأي ؛ فإنّهم أوجبوا القيمة في الجميع ؛ لأنّه لا مقدّر فيه ، فأشبه الحشيش(٤) .

ونمنع الصغرى.

البحث الخامس : فيما يجب بالفسوق والجدال.

مسألة ٤٠٠ : المـُحْرم إذا جادل صادقاً مرّةً أو مرّتين ، لم يكن عليه شي‌ء من الكفّارة‌ ؛ للأصل ، ويتوب ، فإن جادل ثلاثاً صادقاً ، وجب عليه دم شاة ؛ لارتكابه المحظور والمنهي عنه في قوله تعالى :( وَلا جِدالَ ) (٥) وهو يتناول الصادق والكاذب ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « إذا جادل فوق مرّتين‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٨١ / ١٣٣١.

(٢) بداية المجتهد ١ : ٣٦٥ ، المغني ٣ : ٣٦٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٠ ، فتح العزيز ٧ : ٥١١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٢ ، فتح الباري ٤ : ٣٥.

(٣) الفرع هنا شجر الحرم باعتبار أنّه جُعل مقيساً على الأصل وهو شجر الحِلّ.

(٤) بدائع الصنائع ٢ : ٢١٠ ، المغني ٣ : ٣٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٠ ، المجموع ٧ : ٤٩٦.

(٥) البقرة : ١٩٧.

٢٧

فعلى المصيب دم يهريقه وعلى المخطئ بقرة »(١) .

ولو جادل مرّةً كاذباً ، وجب عليه دم شاة ، فإن جادل مرّتين ، كان عليه بقرة ، فإن جادل ثلاثاً كاذباً ، كان عليه جزور ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « إذا جادل الرجل وهو مُحْرم وكذب متعمّداً فعليه جزور »(٢) .

هذا كلّه إذا فَعَله متعمّداً ، فإن فَعَله ساهياً ، لم يكن عليه شي‌ء.

مسألة ٤٠١ : الجدال : قول الرجل : لا والله وبلى والله ؛ لأنّ معاوية بن عمّار روى - في الصحيح - أنّه سأل الصادقَعليه‌السلام : عن الرجل يقول : لا لعمري ، وهو مُحْرم ، قال : « ليس بالجدال ، إنّما الجدال قول الرجل : لا والله وبلى والله ، وأمّا قوله : لاها ، فإنّما طلب الاسم ، وقوله : يا هناه ، فلا بأس به ، وأمّا قوله : لا بل شانيك ، فإنّه من قول الجاهلية »(٣) .

إذا عرفت هذا ، فهل الجدال مجموع اللفظتين ، أعني « لا والله » و « بلى والله » أو إحداهما؟ الأقرب : الثاني.

وأمّا الفسوق : فهو الكذب ، ولا شي‌ء فيه ؛ للأصل.

ولأنّ محمّد بن مسلم والحلبي قالا للصادقعليه‌السلام : أرأيت من ابتلى بالفسوق ما عليه؟ قال : « لم يجعل الله له حدّاً ، يستغفر الله ويلبّي »(٤) .

البحث السادس : فيما يجب بالاستمتاع.

مسألة ٤٠٢ : مَنْ وطئ امرأته وهو مُحْرم عالماً بالتحريم‌ عامداً قبل‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٣٣٧ / ١ ، الفقيه ٢ : ٢١٢ / ٩٦٨.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٣٥ / ١١٥٥.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٣٦ / ١١٥٧.

(٤) الفقيه ٢ : ٢١٢ / ٩٦٨.

٢٨

الوقوف بالموقفين فسد حجّه بإجماع العلماء كافّة ؛ لما رواه العامّة عن ابن عباس : أنّ رجلاً سأله ، فقال : إنّي واقعت بامرأتي ونحن مُحْرمان ، فقال : أفسدت حجّك ، انطلق أنت وأهلك مع الناس فاقضوا ما يقضون ، وحلِّ إذا أحلّوا ، فإذا كان العام المقبل فاحجج أنت وامرأتك ، واهديا هدياً ، فإن لم تجدا ، فصُوما ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجعتم(١) .

[ وفي حديث ابن عباس ](٢) : ويتفرّقان من حيث يُحْرمان حتى يقضيا حجّهما(٣) .

قال ابن المنذر : قول ابن عباس أعلى شي‌ء روي فيمن وطئ في حجّه(٤) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه زرارة ، قال : سألته عن مُحْرم غشي امرأته وهي مُحْرمة ، فقال : « جاهلين أو عالمين؟ » قلت : أجبني عن الوجهين جميعاً ، فقال : « إن كانا جاهلين ، استغفرا ربّهما ، ومضيا على حجّهما ، وليس عليهما شي‌ء ، وإن كانا عالمين ، فُرّق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه ، وعليهما بدنة ، وعليهما الحجّ من قابل ، فإذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه ، فُرّق بينهما حتى يقضيا مناسكهما ويرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا » قلت : فأيّ الحجّتين لهما؟ قال : « الاُولى التي أحدثا فيها ما أحدثا ، والاُخرى عليهما عقوبة »(٥) .

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجب عليه إتمام الحجّ الفاسد ، والحجّ من قابل ،

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٢٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢١.

(٢) أضفناها من المصدر.

(٣) المغني ٣ : ٣٢٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢١.

(٤) المغني ٣ : ٣٢٣ - ٣٢٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢١.

(٥) الكافي ٤ : ٣٧٣ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣١٧ / ١٠٩٢.

٢٩

ويكفّر ببدنة ، وإذا انتهيا إلى المكان الذي أحدثا فيه ما أحدثا ، فُرّق بينهما بأن لا يخلوا بأنفسهما إلّا ومعهما ثالث محترم حتى يقضيا مناسك القضاء إن حجّا على ذلك الطريق - وممّن قال بوجوب الفدية : ابن عباس وطاوُس وعطاء ومجاهد ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأبو ثور(١) لأنّه وطئ في إحرامٍ تامّ عامداً ، فوجب به عليه بدنة ، كما لو وطئ بعد الوقوف بالموقفين.

ولرواية معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل محرم وقع على أهله ، فقال : « إن كان جاهلاً فليس عليه شي‌ء ، وإن لم يكن جاهلاً فإنّ عليه أن يسوق بدنة ، ويُفرّق بينهما حتى يقضيا المناسك ويرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا ، وعليهما الحجّ من قابل »(٢) .

وقال أبو حنيفة : تجب عليه شاة - وقال الثوري وإسحاق : تجب عليه بدنة ، فإن لم يجد ، فشاة(٣) - لأنّه معنى يتعلّق به وجوب القضاء ، فلا يتعلّق به وجوب البدنة ، كالفوات(٤) .

وهو باطل ؛ للفرق ، فإنّ الفوات لا تجب فيه الشاة بالإجماع ، بخلاف الإفساد ، وإذا ثبت الفرق ، بطل الإلحاق.

مسألة ٤٠٣ : يجب عليه إتمام الحجّ الفاسد‌ عند علمائنا - وهو قول‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٢٤ - ٣٢٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٢ ، المجموع ٧ : ٣٨٧ و ٤١٤ و ٤١٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢١٥ - ٢١٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١٧.

(٢) التهذيب ٥ : ٣١٨ / ١٠٩٥.

(٣) المغني ٣ : ٣٢٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٢ ، المجموع ٧ : ٤١٦.

(٤) المغني ٣ : ٣٢٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١٧ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٠ ، المجموع ٧ : ٤١٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢١٥ - ٢١٦.

٣٠

عامّة العلماء(١) - لقوله تعالى :( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) (٢) وهو يتناول الفاسد.

ولما رواه العامّة عن عليعليه‌السلام ، وعمر وابن عباس وأبي هريرة أنّهم قالوا : مَنْ أفسد حجّه يمضي في فاسدة ، ويقضي من قابل(٣) . ولم يعرف لهم مخالف ، فكان إجماعاً.

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « ويفرّق بينهما حتى يقضيا المناسك »(٤) .

وقالت الظاهرية : يخرج من إحرامه ، ولا يجب عليه الإتمام ؛ لقولهعليه‌السلام : ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو مردود )(٥) (٦) .

والجواب : المضيّ في الفاسد مأمور به.

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجب عليه القضاء في السنة المـُقْبلة على الفور وجوباً عند علمائنا - وبه قال الشافعي(٧) - لما رواه العامّة : أنّ رجلاً أفسد حجّه ، فسأل عمر ، فقال : يقضي من قابل ، وسأل ابن عباس ، فقال كذلك ،

____________________

(١) الشرح الكبير ٣ : ٣٢٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢١٥ - ٢١٦ ، المجموع ٧ : ٣٨٨ و ٤١٤.

(٢) البقرة : ١٩٦.

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ٢١٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٢ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٢ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٣٢٣ ، المحلّى ٧ : ١٩٠ ، سنن البيهقي ٥ : ١٦٧.

(٤) التهذيب ٥ : ٣١٨ / ١٠٩٥.

(٥) كتاب السّنة - لابن أبي عاصم - ١ : ٢٨ / ٥٢ ، وبتفاوت في صحيح البخاري ٣ : ٩١ ، وصحيح مسلم ٣ : ١٣٤٣ - ١٣٤٤ / ١٨ ، ومسند أحمد ٦ : ١٤٦ و ١٨٠ و ٢٥٦.

(٦) المحلّى ٧ : ١٨٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢١٦ ، المجموع ٧ : ٣٨٨ و ٤١٤.

(٧) الحاوي الكبير ٤ : ٢٢١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٣ - ٤٧٤ ، المجموع ٧ : ٣٨٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٠.

٣١

وسأل ابن عمر ، فقال كذلك(١) ، ولم يوجد لهم مخالف ، فكان إجماعاً.

ومن طريق الخاصّة : ما تقدّم في المسألة السابقة(٢) .

ولأنّه لمـّا دخل في الإحرام تعيّن عليه ، فيجب أن يكون قضاؤه متعيّناً.

ولأنّ الحجّ واجب على الفور ، والتقدير أنّه لم يقع ؛ إذ الفاسد لا يُخرج المكلّف عن عهدة التكليف.

واختلف أصحاب الشافعي على قولين : أحدهما كما قلناه.

والثاني أنّه على التراخي ؛ لأنّ الأداء واجب على التراخي ، فالقضاء أولى ، فإنّ الصوم يجب على الفور ، وقضاؤه على التراخي(٣) .

ونمنع التراخي في الأداء ، وقد سبق(٤) .

مسألة ٤٠٤ : المرأة الموطوءة إذا كانت مُحْرمةً ، فإن طاوعت الزوج ، فسد حجّها ، ووجب إتمامه وبدنة والحجّ من قابل ، وإن أكرهها ، لم يكن عليها شي‌ء ، وتحمّل عنها البدنة خاصّةً - وبه قال ابن عباس وسعيد بن المسيّب والنخعي والضحّاك ومالك والحكم وأحمد(٥) - لوجود المقتضي - وهو الإِفساد - في حقّها ، كوجوده في حقّه ، فتساويه في العقوبة.

ولما رواه علي بن أبي حمزة ، قال : سألت أبا الحسنعليه‌السلام : عن‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ٢١٦ ، المغني ٣ : ٣٢٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢١.

(٢) من رواية زرارة.

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ٢٢١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٢ ، المجموع ٧ : ٣٨٩.

(٤) سبق في ج ٧ ص ١٧ ، المسألة ٨.

(٥) المغني ٣ : ٣٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٧ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧١.

٣٢

رجل مُحْرم واقع أهله ، فقال : « قد أتى عظيماً » قلت : أفتني ، قال : « استكرهها أو لم يستكرهها؟ » قلت : أفتني فيهما جميعاً ، فقال : « إن كان استكرهها ، فعليه بدنتان ، وإن لم يكن استكرهها ، فعليه بدنة ، وعليها بدنة ، ويفترقا من المكان الذي كان فيه ما كان حتّى ينتهيا إلى مكّة ، وعليهما الحجّ من قابل لا بُدّ منه »(١) .

وقال الشافعي : يجزئهما هدي واحد - وبه قال عطاء وأحمد في إحدى الروايتين - لأنّه جماع واحد ، فلم يوجب أكثر من بدنة ، كرمضان(٢) .

ونمنع الحكم في الأصل ؛ لقول ابن عباس : أهد ناقةً ، ولْتُهْدِ ناقةً(٣) .

ولأنّها أحد المجامعين من غير إكراه ، فلزمها بدنة ، كالرجل.

فروع :

أ - لو كانت المرأة مُحلّةً ، لم يتعلّق بها شي‌ء ، ولا يجب عليها كفّارة ولا حجّ ، ولا على الرجل بسببها ؛ لأنّه لم تحصل منها جناية في إحرام ، فلا عقوبة عليها.

ب - لو أكرهها - وهي مُحْرمة - على الجماع ، وجب عليه بدنتان : إحداهما عن نفسه ، والاُخرى عنها ؛ لأنّ البدنتين عقوبة هذا الذنب ، وقد صدر بالحقيقة عنه ، فكانت العقوبة عليه ، وبه قال عطاء ومالك وأحمد في إحدى الروايتين(٤) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٣٧٤ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٣١٧ - ٣١٨ / ١٠٩٣.

(٢) الحاوي الكبير ٤ : ٢٢١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٥ ، المجموع ٧ : ٣٩٥ ، المغني ٣ : ٣٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٧.

(٣) المغني ٣ : ٣٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٧.

(٤) المغني ٣ : ٣٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٧ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧١.

٣٣

وقال في الاُخرى : لا شي‌ء عليه عنها. وبه قال إسحاق وأبو ثور وابن المنذر(١) .

وعنه ثالثة : أنّ البدنة عليها(٢) .

وهو خطأ ؛ لما مرّ.

ولا يجب عليها حجّ ثانٍ ولا عليه عنها ، بل يحجّ عن نفسه في القابل ، لبقاء حجّتها على الصحّة.

ج - إذا كانت مطاوعةً ، وجب عليها قضاء الحجّ ؛ لما قلناه.

ونفقة الحجّ عليها لا على الزوج.

وللشافعية وجهان : هذا أحدهما ، والثاني : أنّ عليه غرامة الحجّ لها(٣) .

وهو غلط ؛ فإنّ نفقة الأداء لم تكن عليه ، فكذا القضاء.

احتجّوا : بأنها غرامة تعلّقت بالوطء ، فكانت على الزوج كالمهر(٤) .

والجواب : أنّ المهر عوض بُضْعها ، أمّا الكفّارة فإنّها عقوبة.

وعلى هذا فثمن ماء غسلها عليها خاصّة ، خلافاً لهم(٥) .

مسألة ٤٠٥ : يجب عليهما أن يفترقا في القضاء إذا بلغا المكان الذي وطئها فيه إلى أن يقضيا المناسك‌ إن حجّا على ذلك الطريق - وبه قال الشافعي في القديم ، وأحمد(٦) - لما رواه العامّة عن عليعليه‌السلام ، وعمر‌

____________________

(١ و ٢ ) المغني ٣ : ٣٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٧.

(٣ و ٤ ) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٢١.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٢ ، المجموع ٧ : ٣٩٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣١١.

(٦) الحاوي الكبير ٤ : ٢٢٢ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٦ ، المجموع ٧ : ٣٩٩ ، المغني ٣ : ٣٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٤ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧١ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١٨.

٣٤

وعثمان وابن عباس(١) ، ولا مخالف لهم ، فكان إجماعاً.

ومن طريق الخاصّة : ما تقدّم(٢) في حديث زرارة : « وإن كانا عالمين فُرّق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه حتى يقضيا مناسكهما ويرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا ».

واختلف أصحاب الشافعي على وجهين : أحدهما كما قلنا ، والثاني : أنّه مستحب(٣) .

وقال مالك : يفترقان من حيث يُحْرمان - ونقله في الموطّأ(٤) عن عليعليه‌السلام - لأنّ التفريق إنّما يكون لخوف مواقعة الوطء ، وذلك يوجد بإحرامهما(٥) .

والجواب : أنّ التفريق في جميع المسافة مشقّة عظيمة ، فاقتصر على موضع مواقعة المحظور ؛ لأنّه الذي به يحصل الداعي إلى الوطء.

وقال أبو حنيفة : لا أعرف هذه التفرقة ؛ لأنّه لو وطئها في رمضان ، لم يجب التفريق بينهما في قضائه ، فكذا هنا(٦) .

والجواب : التفريق في الصوم مشقّة ؛ لأنّ السكنى يجمعهما.

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٢٢ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٦ ، سنن البيهقي ٥ : ١٦٧.

(٢) تقدّم في المسألة ٤٠٢.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٧٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٢٣ ، المجموع ٧ : ٣٩٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣١١.

(٤) الموطّأ ١ : ٣٨١ - ٣٨٢ / ١٥١.

(٥) المدوّنة الكبرى ١ : ٤٥٤ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣١١ ، المغني ٣ : ٣٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٤.

(٦) بدائع الصنائع ٢ : ٢١٨ ، الاختيار لتعليل المختار ١ : ٢١٧ ، حلية العلماء ٣ : ٣١١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٢٢.

٣٥

ولأنّ القضاء في رمضان لا يتعيّن ، وهنا متعيّن.

ولأنّ مشقّة إفساد قضاء رمضان أقلّ كثيراً من المشقّة هنا ، فكان الاحتراز هنا عمّا يفسده أشدّ من الاحتراز هناك.

إذا عرفت هذا ، فإنّ التفريق ينبغي أن يكون في القضاء من المكان الذي أحدثا فيه ما أحدثا حتى يقضيا المناسك.

والروايات تعطي التفريق أيضاً في الحجّة الاُولى من ذلك المكان حتى يأتيها بها فاسدة أيضاً.

وهو جيّد ؛ لأنّ التحريم في الفاسد ثابت كالصحيح ، فوجبت التفرقة.

وحدّ الافتراق أن لا يخلوا بأنفسهما ، بل متى اجتمعا كان معهما ثالث مُحترم ؛ لأنّ وجود الثالث يمنع من الإقدام على المواقعة ، كمنع التفريق.

ولقول الصادقعليه‌السلام : في المـُحْرم يقع على أهله ، قال : « يفرّق بينهما ، ولا يجتمعان في خباء إلّا أن يكون معهما غيرهما حتى يبلغ الهدي محلّه »(١) .

مسألة ٤٠٦ : لو وطئ ناسياً أو جاهلاً بالتحريم ، لم يفسد حجّه ، ولا شي‌ء عليه - وبه قال الشافعي في الجديد(٢) - لقولهعليه‌السلام : ( رُفع عن أمّتي الخطأ والنسيان )(٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إن كانا جاهلين استغفرا ربّهما ، ومضيا على حجّهما ، وليس عليهما شي‌ء »(٤) .

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣١٩ / ١١٠٠.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٧٨ ، المجموع ٧ : ٣٤١ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢١٩ ، المغني ٣ : ٣٣٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١٧ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢١.

(٣) كنز العمّال ٤ : ٢٣٣ / ١٠٣٠٧ نقلاً عن الطبراني في المعجم الكبير.

(٤) الكافي ٤ : ٣٧٣ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣١٧ / ١٠٩٢.

٣٦

ولأنّها عبادة تجب بإفسادها الكفّارة ، فافترق وطء العامد والناسي فيها ، كالصوم.

وقال الشافعي في القديم : يفسد حجّه ، وتجب الفدية كالعامد - وبه قال مالك وأحمد وأصحاب الرأي - لأنّه سبب يتعلّق به وجوب القضاء ، فاستوى عمده وسهوه كالفوات.

ولأنّه من محظورات الإحرام ، فاستوى عمده وسهوه ، كقتل الصيد(١) .

والفرق : أنّ الفوات ترك ركن ، فاستوى عمده وسهوه ، كغيره من الاُصول.

وجزاء الصيد ضمان الإتلاف ، وذلك يستوي في الاُصول عمده وسهوه.

تذنيب : لو اُكره على الجماع ، لم يفسد حجّه ، ولا كفّارة عليه عندنا - وللشافعي قولان كالناسي(٢) - لقولهعليه‌السلام : ( وما استكرهوا عليه )(٣) .

ولأنّ الإكراه يرفع الفساد في حقّ المرأة ، فكذا في حقّ الرجل ، لعدم الفرق بينهما.

مسألة ٤٠٧ : لا فرق بين الوطء في القُبُل والدُّبُر من المرأة والغلام في وجوب الكفّارة وإفساد الحجّ‌ - وبه قال الشافعي ومالك وأحمد وأبو يوسف‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ٢١٩ ، المجموع ٧ : ٣٤١ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧١ ، المغني ٣ : ٣٣٨ - ٣٣٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٢ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١٧ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢١.

(٢) المجموع ٧ : ٣٤١ - ٣٤٢ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧٨.

(٣) كنز العمّال ٤ : ٢٣٣ / ١٠٣٠٧ نقلاً عن الطبراني في المعجم الكبير.

٣٧

ومحمّد(١) - لأنّه وطء في فرج يوجب الغسل ، فيوجب الإفساد ، كالقُبُل.

وللروايات الدّالة على إيجاب ما ذكرنا على مَنْ واقع أو غشي امرأته ، وهو صادق في المتنازع.

وقال أبو حنيفة : لا يفسد بالوطء في الدُّبُر - رواه عنه أبو ثور - لأنّه وطء لا يتعلّق به الإحصان والإحلال ، فأشبه الوطء فيما دون الفرج(٢) .

والفرق : أنّ وطء ما دون الفرج لا يوجب الغسل ، وليس كبيرةً في حقّ الأجنبية ، ولا يوجب مهراً ولا حدّاً ولا عدّة ، بخلاف المتنازع.

قال الشيخرحمه‌الله : من أصحابنا مَنْ قال : إتيان البهيمة واللواط بالرجال والنساء بإتيانها في دُبُرها كلّ ذلك يتعلّق به فساد الحجّ. وبه قال الشافعي(٣) .

ومنهم مَنْ قال : لا يتعلّق الفساد إلّا بالوطء في قُبُل المرأة.

وقال أبو حنيفة : إتيان البهيمة لا يفسده ، والوطء في الدُّبُر على روايتين : المعروف : أنّه يفسده.

واستدلّ على الأوّل : بطريقة الاحتياط ، وعلى الثاني : ببراءة الذمّة(٤) .

وهو يدلّ على تردّد الشيخ في تعلّق الإفساد بوطء دُبُر المرأة والغلام.

وجزم في المبسوط بتعلّق الفساد بوطء دُبُر المرأة(٥) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ٢٢٤ ، المجموع ٧ : ٤٠٩ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٤ ، المغني ٣ : ٣٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٢.

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ٢١٧ ، المغني ٣ : ٣٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٤.

(٣) في الطبعة الحجرية زيادة : ومنهم من قال : لا يتعلّق به فساد الحجّ. وفي النسخ « ف ، ط ، ن » مضافا إلى ذلك زيادة : وبه قال الشافعي. ولم ترد في المصدر.

(٤) الخلاف ٢ : ٣٧٠ - ٣٧١ ، المسألة ٢١٠.

(٥) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٣٦.

٣٨

وأمّا إتيان البهائم : فقال مالك وأبو حنيفة : لا يفسد به الحجّ ؛ لأنّه انعقد صحيحاً ، فلا يفسده إلّا دليل شرعي ، ولم يثبت(١) .

وقال الشافعي : يفسد الحجّ(٢) .

مسألة ٤٠٨ : لو استمنى بيده ، قال الشيخرحمه‌الله : حكمه حكم المجامع ، إن كان قبل الوقوف بالموقفين ، فسد حجّه ، ووجب عليه بدنة(٣) ؛ لأنّ إسحاق بن عمّار سأل أبا الحسنعليه‌السلام : ما تقول في مُحْرم عبث بذكره فأمنى ، قال : « أرى عليه مثل ما على من أتى أهله وهو مُحْرم : بدنة والحجّ من قابل »(٤) .

ولأنّه هتك حرمة الإحرام بالإنزال على وجه أبلغ من الوطء ؛ لاقترانه(٥) في القبح ، فكان مساوياً له في العقوبة.

وقال ابن إدريس : لا يفسد الحجّ ، وتجب البدنة ؛ للأصل الدالّ على براءة الذمّة ، خرج وجوب الكفّارة ، للإجماع ، فيبقى الباقي على أصله(٦) .

مسألة ٤٠٩ : لو وطئ فيما دون الفرج وأنزل ، وجب عليه بدنة ، ولا يفسد حجّه وإن كان قبل الموقفين - وبه قال أحمد في إحدى الروايتين(٧) - لأنّه جماع ، فوجبت الفدية ، كالفرج.

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٢ ، فتح العزيز ٧ : ٤٧١ ، المجموع ٧ : ٤٢١ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٢٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١٦.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٧١ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٢٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٣ ، المجموع ٧ : ٤٠٩ و ٤٢١ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٤ ، المغني ٣ : ٣٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٢.

(٣) النهاية : ٢٣١ ، التهذيب ٥ : ٣٢٤ ذيل الحديث ١١١٢.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٢٤ / ١١١٣.

(٥) الظاهر - كما في هامش الطبعة الحجرية - : لمشابهته إيّاه.

(٦) السرائر : ١٢٩.

(٧) المغني ٣ : ٣٣١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٨.

٣٩

ولأنّ معاوية بن عمّار سأل الصادقَعليه‌السلام - في الصحيح - عن رجل وقع على أهله فيما دون الفرج ، قال : « عليه بدنة ، وليس عليه الحجّ من قابل »(١) .

وفي الصحيح عن معاوية بن عمّار عن الصادقعليه‌السلام : في المـُحْرم يقع على أهله ، قال : « إن كان أفضى إليها ، فعليه بدنة ، والحجّ من قابل ، وإن لم يكن أفضى إليها ، فعليه بدنة ، وليس عليه الحجّ من قابل »(٢) .

ولأنّه استمتاع لا يجب بنوعه الحجّ ، فلم يفسد الحج ، كالتقبيل.

وقال أحمد في الرواية الاُخرى : تجب عليه بدنة ، ويفسد حجّه - وبه قال الحسن وعطاء ومالك وإسحاق - لأنّها عبادة يفسدها الوطء ، فأفسدها الإنزال عن مباشرة ، كالصيام(٣) .

والفرق : أنّ الصوم يخالف الحجّ في المفسدات.

وقال الشافعي وأصحاب الرأي : عليه شاة ؛ لأنّه مباشرة فيما دون الفرج ، فأشبه القُبْلة(٤) .

والفرق : أنّه أفحش ذنباً من القبلة ، فالعقوبة فيه أشدّ.

ولو لم ينزل ، قال العامّة : تجب الشاة(٥) .

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣١٨ - ٣١٩ / ١٠٩٧ ، الاستبصار ٢ : ١٩٢ / ٦٤٤.

(٢) الكافي ٤ : ٣٧٣ - ٣٧٤ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٣١٩ / ١٠٩٨ ، الاستبصار ٢ : ١٩٢ / ٦٤٥.

(٣) المغني ٣ : ٣٣٠ - ٣٣١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٨ ، بداية المجتهد ١ : ٣٧١ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٠.

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ٢٢٣ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٥ ، المجموع ٧ : ٢٩١ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٢٠ ، المغني ٣ : ٣٣١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٨.

(٥) المغني ٣ : ٣٣٠.

٤٠