تذكرة الفقهاء الجزء ٨

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-051-X
الصفحات: 460

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 964-319-051-X
الصفحات: 460
المشاهدات: 131608
تحميل: 3521


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 131608 / تحميل: 3521
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 8

مؤلف:
ISBN: 964-319-051-X
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

قليلاً ويدعو ، ثم يقوم عن يسار الطريق ويستقبل القبلة ويحمد الله ويُثني عليه ويُصلّي على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم يتقدّم قليلاً ويدعو ، ثم يرمي الجمرة الثانية الوسطى ، ويصنع عندها كما صنع عند الاُولى ، ويقف ويدعو بعد الحصاة السابعة ، ثم يمضي إلى الثالثة - وهي جمرة العقبة - يختم بها الرمي ، فيرميها كالأوّلتين ، إلّا أنّه لا يقف عندها ، ولا نعلم فيه خلافاً.

روى العامّة عن عائشة ، قالت : أفاض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من آخر يومه حين صلّى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشمس كلّ جمرة بسبع حصيات يكبّر مع كلّ حصاة ، ويقف عند الاُولى والثانية ، فيطيل القيام ويتضرّع ، ويرمي الثالثة ولا يقف عندها(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « ارم في كلّ يوم عند زوال الشمس وقُلْ كما قلت حين رميت جمرة العقبة ، وابدأ بالجمرة الاُولى ، وارمها عن يسارها في بطن المسيل وقُلْ كما قلت يوم النحر ثم قُمْ عن يسار الطريق ، فاستقبل القبلة واحمد الله وأثن عليه وصلّ على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم تقدّم قليلاً ، فتدعو وتسأله أن يتقبّل منك ، ثم تقدّم أيضاً وافعل ذلك عند الثانية واصنع كما صنعت بالاُولى وتقف وتدعو الله كما دعوت ، ثم تمضي إلى الثالثة وعليك السكينة والوقار ولا تقف عندها »(٢) .

مسألة ٦٧٩ : أوّل وقت الرمي في هذه الأيّام كلّها من طلوع الشمس إلى غروبها‌ ، قاله أكثر علمائنا(٣) - وبه قال طاوُس وعكرمة(٤) - لما رواه‌

____________________

(١) سنن أبي داوُد ٢ : ٢٠١ / ١٩٧٣ ، سنن البيهقي ٥ : ١٤٨.

(٢) الكافي ٤ : ٤٨٠ - ٤٨١ / ١ ، التهذيب ٥ : ٢٦١ / ٨٨٨.

(٣) منهم : الشيخ المفيد في المقنعة : ٦٦ ، والشيخ الطوسي في النهاية : ٢٦٦ ، والمبسوط ١ : ٣٧٨ ، والمحقّق في شرائع الإسلام ١ : ٢٧٥.

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ١٩٤.

٣٦١

العامّة : أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يرمي الجمار إذا زالت الشمس قدر ما إذا فرغ من رميه صلّى الظهر(١) ، ومعلومٌ أنّهعليه‌السلام كان يبادر إلى فعل الفريضة في أوّل وقتها ، فدلّ على أنّ الرمي قبل الزوال.

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « الرمي ما بين طلوع الشمس إلى غروبها »(٢) .

وللشيخ -رحمه‌الله - قول آخر في الخلاف : لا يجوز الرمي إلّا بعد الزوال(٣) ، وهو قول الفقهاء الأربعة(٤) ، إلّا أنّ أبا حنيفة جوّز الرمي يوم النفر قبل الزوال استحساناً(٥) .

إذا ثبت هذا ، فالرمي عند الزوال أفضل ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « ارم في كلّ يوم عند الزوال»(٦) وبعد الزوال في الأداء أفضل.

ورُخّص للعليل والخائف والرعاة والعبيد الرمي ليلاً لحاجتهم.

وقال الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « لا بأس أن يرمي الخائف بالليل ويضحّي ويفيض بالليل »(٧) .

وفي الموثّق عنهعليه‌السلام « رُخّص للعبد والخائف والراعي في الرمي ليلاً »(٨) .

____________________

(١) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠١٤ / ٣٠٥٤.

(٢) الاستبصار ٢ : ٢٩٦ / ١٠٥٤ ، والتهذيب ٥ : ٢٦٢ / ٨٩١ ، وفيه : « رمي الجمار » بدل « الرمي ...».

(٣) الخلاف ٢ : ٣٥١ ، المسألة ١٧٦.

(٤) المدوّنة الكبرى ١ : ٤٢٣ ، الوجيز ١ : ١٢٢ ، فتح العزيز ٧ : ٣٩٦ - ٣٩٧ ، المجموع ٨ : ٢٣٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٩٤.

(٥) الحاوي الكبير ٤ : ١٩٤.

(٦) الكافي ٤ : ٤٨٠ / ١ ، التهذيب ٥ : ٢٦١ / ٨٨٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٦ / ١٠٥٧.

(٧) التهذيب ٥ : ٢٦٣ / ٨٩٥.

(٨) التهذيب ٥ : ٢٦٣ / ٨٩٦.

٣٦٢

مسألة ٦٨٠ : يجب الترتيب بين الجمار الثلاث ، فلو نكس فبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم الاُولى ، أعاد على الوسطى وجمرة العقبة. وكذا لو بدأ بالوسطى ورمى الثلاث ، لم يجزئه إلّا الاُولى. ولو رمى جمرة العقبة ثم الاُولى ثم الوسطى ، أعاد على جمرة العقبة خاصّةً. وبالجملة يعيد على ما يحصل به الترتيب عند علمائنا - وبه قال مالك والشافعي وأحمد(١) - لأنّ النبيعليه‌السلام رتّبها في الرمي ، وقال : ( خُذوا عنّي مناسككم )(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - في رجل رمى الجمار منكوسة : « يعيد على الوسطى وجمرة العقبة »(٣) .

ولأنّه نسك متكرّر ، فيشترط فيه الترتيب ، كالسعي.

وقال الحسن البصري وعطاء وأبو حنيفة : لا يجب الترتيب ؛ لأنّها مناسك متكرّرة في أمكنة متفرّقة في وقت واحد ليس بعضها تابعاً لبعض ، فلا يشترط فيها الترتيب ، كالرمي والذبح(٤) .

ونمنع حكم الأصل ، ويبطل بالطواف والسعي.

مسألة ٦٨١ : يجب أن يرمي كلّ جمرة بسبع حصيات كملاً‌ ، فلا يجوز له الإخلال بواحدة منها - وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي وأحمد في إحدى الروايتين(٥) - لما رواه العامّة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله رمى بسبع حصيات(٦) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٤٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٨٧ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٩٤.

(٢) سنن البيهقي ٥ : ١٢٥ ، وانظر : المغني ٣ : ٤٨٥ ، والشرح الكبير ٣ : ٤٨٨.

(٣) الكافي ٤ : ٤٨٣ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٢٦٥ / ٩٠٣.

(٤) المغني ٣ : ٤٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٨٧ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٩٤.

(٥) الحاوي الكبير ٤ : ١٩٤ ، المجموع ٨ : ٢٣٩ ، المغني ٣ : ٤٨٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٨٨.

(٦) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٠٨ / ٣٠٣٠ ، سنن البيهقي ٥ : ١٢٩ ، المغني ٣ : ٤٨٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٨٨.

٣٦٣

ومن طريق الخاصّة : رواية عبد الأعلى عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : رجل رمى الجمرة بست حصيات ووقعت واحدة ، قال : « يعيدها إن شاء من ساعته وإن شاء من الغد إذا أراد الرمي ، ولا يأخذ من حصى الجمار »(١) .

وقال أحمد في الرواية الثانية : يجوز أن ينقص حصاة أو حصاتين لا أزيد(٢) - وبه قال مجاهد وإسحاق(٣) - لما رواه ابن أبي نجيح ، قال : سُئل طاوُس عن رجل ترك حصاة ، قال : يتصدّق بتمرة أو لقمة ، فذكرت ذلك لمجاهد ، فقال : إنّ أبا عبد الرحمن لم يسمع قول سعد ، قال سعد : رجعنا من الحجّة مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعضنا يقول : رميت بست ، وبعضنا يقول : رميت بسبع ، فلم يعب ذلك بعضنا على بعض(٤) .

ولا حجّة فيه ؛ لجواز أن يكون الترك لسهو ، وحكاية الحال لا عموم لها.

مسألة ٦٨٢ : قد بيّنّا وجوب الترتيب في رمي الجمار‌ ، فلو رمى الاُولى بأقلّ من أربع حصيات ثم رمي الثانية والثالثة ، لم يحصل الترتيب ، سواء كان عمدا أو سهواً.

وكذا لو رمى الاُولى بسبع ثم رمى الثانية بثلاث ثم أكمل الثالثة ، فيجب أن يكمل الناقصة ثم يعيد على الاُخرى.

ولو رمى السابقة بأربع فما زاد ثم رمى ما بعدها سهواً ، حصل له الترتيب ، ووجب عليه إكمال ما نسيه في السابقة.

____________________

(١) الكافي ٤ : ٤٨٣ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٢٦٦ / ٩٠٦.

(٢ و ٣ ) المغني ٣ : ٤٨٥ - ٤٨٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٨٨.

(٤) المغني ٣ : ٤٨٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٨٩ ، وانظر سنن النسائي ٥ : ٢٧٥.

٣٦٤

ولو كان النقص عمداً ، بطل الترتيب وإن كان قد رمى أربعاً فما زاد ؛ لأنّ الأكثر يقوم مقام الشي‌ء مع النسيان.

وقول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - في رجل رمى الجمرة الاُولى بثلاث والثانية بسبع والثالثة بسبع ، قال : « يعيد رميهنّ جميعاً بسبع سبع » [ قلت : ](١) فإن رمى الاُولى بأربع والثانية بثلاث والثالثة بسبع ، قال : « يرمي الجمرة الاُولى بثلاث والثانية بسبع ، ويرمي جمرة العقبة بسبع» قلت : فإنّه رمى الجمرة الاُولى بأربع والثانية بأربع والثالثة بسبع ، قال : « يعيد فيرمي الاُولى بثلاث والثانية بثلاث ، ولا يعيد على الثالثة »(٢) .

إذا ثبت هذا ، فلو رمى بستّ وضاعت واحدة ، فليُعدْها وإن كان من الغد ، ولا يسقط وجوبها ؛ للرواية(٣) .

ولو علم أنّه قد أخلّ بحصاة ولم يعلم من أيّ الجمار هي ، فليرم الثلاث بثلاث حصيات ؛ ليحصل يقين البراءة.

ولقول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - في رجل أخذ إحدى وعشرين حصاة فرمى بها فزاد واحدة فلم يدر من أيّهنّ نقص ، قال : « فليرجع فليرم كلّ واحدة بحصاة » وإن سقطت من رجل حصاة فلم يدر أيّتهنّ هي ، قال : « يأخذ من تحت قدميه حصاة يرمي بها » قال : « فإن رميت بحصاة فوقعت في محمل ، فأعد مكانها ، وإن هي أصابت إنساناً أو جملاً ثم وقعت في الجمار أجزأك »(٤) .

____________________

(١) أضفناها من المصدر.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٦٥ - ٢٦٦ / ٩٠٤.

(٣) الكافي ٤ : ٤٨٣ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٢٦٦ / ٩٠٦.

(٤) الكافي ٤ : ٤٨٣ - ٤٨٤ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٢٦٦ - ٢٦٧ / ٩٠٧.

٣٦٥

ويجب أن يرمي السبع في سبع مرّات ، فإن رماها دفعةً أو أقلّ من سبعة ، لم يجزئه ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله رمى بسبع حصيات في سبع مرّات وقال : ( خذوا عنّي مناسككم )(١) .

مسألة ٦٨٣ : يجوز الرمي راكباً والمشي أفضل‌ ؛ لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رمى الجمار راكباً(٢) ، وكذا أبو جعفر الثاني الجوادعليه‌السلام (٣) .

وقال الشافعي : يرمي في اليوم الأخير راكباً ، وفي الأوّلين ماشياً(٤) ؛ لأنّ النفر يتعقّب الرمي في الثالث ، فإذا كان راكباً ، مضى عقيب الرمي وفي الأوّلين يكون مقيماً.

ويستحب أن يأخذ الحصى في كفّه ويأخذ منها ويرمي ، ويكبّر عند رمي كلّ حصاة ، والمقام بمنى أيّام التشريق ، وأن يرمي الجمرة الاُولى عن يمينه ، ويقف ويدعو ، وكذا الثانية ، ويرمي الثالثة مستدبراً للقبلة مقابلاً لها ، ولا يقف عندها ، فلو أخلّ بشي‌ء من ذلك ، لم يكن عليه شي‌ء ، لا نعلم فيه خلافاً إلّا ما نقل عن الثوري : أنّه لو ترك الوقوف والدعاء ، أطعم شيئاً ، وإن أراق دماً، كان أحبّ(٥) .

مسألة ٦٨٤ : يجوز الرمي عن كلّ ذي عذر‌ ، كالعليل والمبطون والمغمى عليه والصبي ومَنْ أشبههم ؛ لقول الصادقعليه‌السلام - في الحسن - :

____________________

(١) سنن البيهقي ٥ : ١٢٥.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٦٧ / ٩٠٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٨ / ١٠٦٣ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٤٣ / ١٢٩٧ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٤٤ / ٨٩٩.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٦٧ / ٩٠٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٨ / ١٠٦٢.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٤٠٦ ، المجموع ٨ : ١٨٣ ، صحيح مسلم بشرح النووي هامش إرشاد الساري ٥ : ٤٢١.

(٥) المجموع ٨ : ٢٨٣ ، المغني ٣ : ٤٨٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٨٦.

٣٦٦

« الكسير والمبطون يُرمى عنهما » قال : « والصبيان يُرمى عنهم »(١) .

وفي الصحيح عن الصادقعليه‌السلام : في رجل اُغمي عليه ، فقال : « يُرمى عنه الجمار »(٢) .

وقال الكاظمعليه‌السلام في المريض لا يستطيع أن يرمي الجمار : « يرمى عنه »(٣) .

وسأل إسحاقُ بن عمّار الكاظمَعليه‌السلام : عن المريض يُرمى عنه الجمار؟ قال : « نعم يحمل إلى الجمرة ويُرمى عنه »(٤) .

مسألة ٦٨٥ : لو نسي رمي يوم بعض الجمرات أو جميعها ، أعاده من الغد ؛ لأنّ عبد الله بن سنان سأل الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - عن رجل أفاض من جمع حتى انتهى إلى منى فعرض له عارض فلم يرم حتى غابت الشمس ، قال : « يرمي إذا أصبح مرّتين مرّة لما فاته ، والاُخرى ليومه الذي يصبح فيه ، وليفرّق بينهما تكون إحداهما بكرة ، وهي للأمس ، والاُخرى عند زوال الشمس »(٥) .

وللشافعي قولان : أحدهما : أنّ رمي كلّ يوم محدود الأوّل والآخر ، ففي السقوط بفوات وقته وجهان : أحدهما : السقوط ؛ لأنّ فوات الوقت المحدود يسقط الفعل المتعلّق به.

والثاني : أنّ الجميع كاليوم الواحد ، فيعيد في اليوم الثاني والثالث ما‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٤٨٥ / ١ ، الفقيه ٢ : ٢٨٦ / ١٤٠٤ ، التهذيب ٥ : ٢٨٦ / ٩١٤.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٦٨ / ٩١٦.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٦٨ / ٩١٧.

(٤) الكافي ٤ : ٤٨٥ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٨٦ / ١٤٠٥ ، التهذيب ٥ : ٢٦٨ / ٩١٩.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٦٢ / ٨٩٣.

٣٦٧

فاته قبله(١) .

ونمنع التحديد أوّلاً ؛ لأنّهم رووا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه رخّص للرعاة أن يتركوا المبيت بمنى ، ويرموا يوم النحر جمرة العقبة ثم يرموا يوم النفر(٢) ، ولو كان محدوداً ، لما سوّغ التأخير حتى يصير قضاءً.

وأمّا إذا فاته رمي يوم كملاً ، فقد قلنا بوجوب قضائه في غده.

وللشافعي ثلاثة أقوال : أحدها : السقوط إلى الدم. والثاني : القضاء والدم ، كقضاء رمضان إذا أخّره إلى رمضان آخر. والثالث : القضاء ولا شي‌ء عليه ، كالوقوف إذا أخّره إلى الليل(٣) .

والأصل براءة الذمّة من الدم.

ويستحب أن يرمي ما فاته بالأمس بكرةً ؛ للمبادرة إلى القضاء ، والذي ليومه عند الزوال ؛ لأنّه وقت الفضيلة.

ويجب الترتيب يبدأ بقضاء الفائت ثم يعقب بالحاضر ، فلو بدأ برمي يومه ، لم يقع الذي لأمسه ؛ لعدم إرادته ، ولا الذي ليومه ؛ لوجوب الترتيب ، وهو أحد قولي الشافعي ، والثاني : سقوط الترتيب(٤) .

ولو رمى جمرة واحدة بأربع عشرة حصاة : سبعاً ليومه ، وسبعاً لأمسه ، بطلت الاُولى.

ولو فاته رمي يومين ، قضاه يوم الثالث مرتّباً. ولو فاته حصاة أو‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ١٩٦ ، فتح العزيز ٧ : ٤٠٢ - ٤٠٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٣٧ ، المجموع ٨ : ٢٤٠.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٣٩٣.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٤٠٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٣٧ ، المجموع ٨ : ٢٤١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤٩.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٤٠٣ ، المجموع ٨ : ٢٤٠.

٣٦٨

حصاتان أو ثلاث حتى خرجت أيّام التشريق ، لم يكن عليه شي‌ء ، وإن رماها في القابل ، كان أحوط.

وقال الشافعي : إن ترك واحدة ، فعليه مُدٌّ ، وإن ترك اثنتين ، فمُدّان ، وإن ترك ثلاثاً ، فدمٌ إن كان ذلك من الجمرة الأخيرة ، وإن كان من الأوّلتين ، بطل الرمي(١) .

والأصل براءة الذمّة.

مسألة ٦٨٦ : لو نسي الجمار كلّها في الأيّام بأجمعها حتى جاء مكّة ، وجب عليه الرجوع إلى منى وإعادة الرمي‌ إن كانت أيّام التشريق لم تخرج ، وإن خرجت ، قضاه من قابل في أيّام التشريق ، أو يأمر مَنْ يقضي عنه الرمي ، ولا دم عليه ، لأنّه مكلّف بالرمي ، فلا يخرج عن العهدة إلّا به ، ولا كفّارة ؛ لأصالة البراءة.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « مَنْ أغفل رمي الجمار أو بعضها حتى تمضي أيّام التشريق فعليه أن يرميها من قابل ، فإن لم يحجّ رمى عنه وليّه ، فإن لم يكن له وليّ ، استعان رجلاً من المسلمين يرمي عنه ، فإنّه لا يكون رمي الجمار إلّا أيّام التشريق »(٢) .

ولو أخّر رمي جمرة العقبة يوم النحر ، أعادها في ثاني أيّام النحر - وهو أحد قولي الشافعي(٣) - لأنّه رمي فات وقته ، فكان عليه قضاؤه ، كرمي أيّام التشريق.

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٠٨ ، حلية العلماء ٣ : ٣٤٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٣٨ ، المجموع ٨ : ٢٤١.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٦٤ / ٩٠٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٧ / ١٠٦٠.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٣٨ ، المجموع ٨ : ٢٤١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٠٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٩٧.

٣٦٩

ولأنّ عبد الله بن سنان سأل الصادقَعليه‌السلام - في الصحيح - عن رجل أفاض من جَمْع حتى انتهى إلى منى ، فعرض له [ عارض ](١) فلم يرم حتى غابت الشمس ، قال : « يرمي إذا أصبح مرّتين : مرّة لما فاته ، والاُخرى ليومه الذي يصبح فيه »(٢) .

والثاني : السقوط ، ولا تكون أيّام التشريق وقتاً له ؛ لأنّه يخالفها ، فلا يتعلّق رمي يوم النحر إلّا بجمرة العقبة ، فهو كجنس آخر ، بخلاف بعض الأيّام مع بعض(٣) .

ويستحب للنائب في الرمي عن المريض والصبي وشبهه أن يضع الحصى في كفّ المنوب.

والمغمى عليه إن كان قد أذن لغيره في الرمي قبل إغمائه ، لم يبطل إذنه ، ولو زال عقله قبل الإذن ، جاز له أن يرمي عنه أيضاً ؛ للعموم. فإن زال العذر والوقت باقٍ ، فالأقرب عدم وجوب الإعادة.

ووقت الرمي في الأداء والقضاء للمختار بعد طلوع الشمس إلى غروبها.

مسألة ٦٨٧ : يستحب التكبير بمنى أيّام التشريق عقيب خمس عشرة صلاة وفي غيرها عقيب عشر‌ أوّلها ظهر يوم النحر ؛ لاشتغاله قبل ذلك بالتلبية ، ويستوي هو والحلال في ابتداء المدّة ، إلّا أنّ الـمُحْرم يكبّر عقيب خمس عشرة صلاة ، والـمُحلّ عقيب عشر على ما قلناه.

قال الله تعالى :( وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ ) (٤) .

____________________

(١) أضفناها من المصدر.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٦٢ / ٨٩٣.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٣٨ ، المجموع ٨ : ٢٤١ ، فتح العزيز ٧ : ٤٠٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٩٧.

(٤) البقرة : ١٨٥.

٣٧٠

واختلف علماؤنا في وجوبه ، فقال به السيّد المرتضى(١) ؛ للأمر ( به ، والأمر للوجوب )(٢) .

ولقول الصادقعليه‌السلام : « التكبير واجب في دُبُر كلّ صلاة فريضة أو نافلة أيّام التشريق »(٣) .

وقال الشيخرحمه‌الله : إنّه مستحب(٤) ؛ للأصل.

ولقول الصادقعليه‌السلام في الرجل ينسى أن يكبّر أيّام التشريق ، قال : « إن نسي حتى قام من موضعه فليس عليه شي‌ء »(٥) .

إذا ثبت هذا ، فلا تكبير عقيب النوافل ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « التكبير في كلّ فريضة ، وليس في النافلة تكبير أيّام التشريق »(٦) .

والرواية الاُولى ضعيفة السند.

وصورة التكبير هنا أن يقول : « الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلّا الله والله أكبر على ما هدانا ، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام » رواه زرارة في الصحيح عن الباقر(٧) عليه‌السلام .

وفي الصحيح عن الصادقعليه‌السلام : « الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلّا الله والله أكبر ولله الحمد ، الله أكبر على ما هدانا ، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام ، والحمد لله على ما أبلانا »(٨) .

____________________

(١) جُمل العلم والعمل ( ضمن رسائل الشريف المرتضى ) ٣ : ٤٥.

(٢) ما بين القوسين من الطبعة الحجرية.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٧٠ / ٩٢٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٩ / ١٠٧٠.

(٤) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٨٠.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٧٠ / ٩٢٤ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٩ / ١٠٧١.

(٦) التهذيب ٥ : ٢٧٠ / ٩٢٥ ، الاستبصار ٢ : ٣٠٠ / ١٠٧٢.

(٧) التهذيب ٥ : ٢٦٩ / ٩٢١.

(٨) الكافي ٤ : ٥١٧ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٢٧٠ / ٩٢٢.

٣٧١

مسألة ٦٨٨ : يستحب للإمام أن يخطب بعد الظهر يوم الثالث من أيّام النحر ، وهو الثاني من أيّام التشريق ، وهو النفر الأوّل ، فيودّع الحاج ويُعلمهم أنّ مَنْ أراد التعجيل ممّن اتّقى فله ذلك - وبه قال الشافعي وأحمد وابن المنذر(١) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خطب وسط أيّام التشريق(٢) ، يعني يوم النفر الأوّل.

وقال أبو حنيفة : لا يستحب ذلك ؛ لأنّه من أيّام التشريق ، فلا يستحب فيه كغيره من اليومين(٣) .

والفرق : حاجة الناس إلى معرفة التعجيل ، وأنّ مَنْ تأخّر حتى تغيب الشمس يلزمه المبيت والوداع وكيفيّته ، بخلاف اليومين.

البحث الرابع : في النفر من منى.

مسألة ٦٨٩ : إذا رمى الحاجّ الجمار الثلاث في اليوم الأوّل من أيّام التشريق وفي الثاني ، جاز له النفر من منى ، ويسقط عنه رمي الثالث إن كان قد اتّقى النساء والصيد في إحرامه ، بإجماع العلماء.

ولا فرق في جواز النفر الأوّل بين أهل مكّة وغيرهم ممّن يريد المقام بمكّة أو لا يريد ، وهو قول عامّة العلماء(٤) ؛ لعموم الآية(٥) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ١٩٨ ، فتح العزيز ٧ : ٣٥٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٣٨ ، المجموع ٨ : ٢٤٩ ، روضة الطالبين ٢ : ٣٧٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥١ ، المغني ٣ : ٤٨٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٩٦.

(٢) سنن أبي داود ٢ : ١٩٧ / ١٩٥٢ ، سنن الدار قطني ٢ : ٢٢٧ / ٤٩ ، سنن البيهقي ٥ : ١٥١.

(٣) المغني ٣ : ٤٨٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٩٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥١ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٩٨.

(٤) المغني ٣ : ٤٨٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٩٧ ، المجموع ٨ : ٢٨٤ ، تفسير القرطبي ٣ : ١٣.

(٥) البقرة : ٢٠٣.

٣٧٢

ولما رواه العامّة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( أيّام منى ثلاثة ، فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه ، ومَنْ تأخّر فلا إثم عليه )(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إذا أردت أن تنفر في يومين فليس لك أن تنفر حتى تزول الشمس ، فإن تأخّرت إلى آخر أيّام التشريق وهو يوم النفر الأخير فلا عليك أيّ ساعة نفرت ورميت قبل الزوال أو بعده »(٢) .

ولأنّه دفع من مكان ، فاستوى فيه أهل مكّة وغيرهم ، كالدفع من عرفة ومزدلفة.

وقال أحمد : لا ينبغي لمن أراد المقام بمكة أن يتعجّل(٣) .

وقال مالك : مَنْ كان من أهل مكّة وله عذر ، فله أن يتعجّل في يومين ، فإذا أراد التخفيف عن نفسه من أمر الحجّ ، فلا ؛ لقول عمر : مَنْ شاء من الناس كلّهم أن ينفر في النفر الأوّل إلّا آل خزيمة فلا ينفروا إلّا في النفر الأخير(٤) .

وقول عمر ليس حجّةً ، ويُحمل على أنّهم لم يتّقوا ، لا على أنّهم من أهل مكّة.

مسألة ٦٩٠ : إنّما يجوز النفير في النفر الأوّل لمن اتّقى النساء والصيد في إحرامه‌ ، فلو جامع في إحرامه أو قتل صيداً فيه ، لم يجز له أن ينفر في الأوّل ، ووجب عليه المقام بمنى والنفر في الثالث من أيّام التشريق ؛ لأنّه تعالى شرط الاتّقاء(٥) .

____________________

(١) سنن أبي داود ٢ : ١٩٦ / ١٩٤٩ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٠٣ / ٣٠١٥ ، سنن البيهقي ٥ : ١٥٢ ، مسند أحمد ٤ : ٣٠٩ - ٣١٠ ، المغني ٣ : ٤٨٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٩٧.

(٢) الكافي ٤ : ٥٢٠ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٨٧ - ٢٨٨ / ١٤١٤ ، التهذيب ٥ : ٢٧١ / ٩٢٦ ، الاستبصار ٢ : ٣٠٠ / ١٠٧٣.

(٣) المغني ٣ : ٤٨٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٩٦ ، تفسير القرطبي ٣ : ١٣.

(٤) المغني ٣ : ٤٨٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٩٦ ، تفسير القرطبي ٣ : ١٣.

(٥) البقرة : ٢٠٣.

٣٧٣

ولقول الصادقعليه‌السلام : « مَنْ أتى النساء في إحرامه لم يكن له أن ينفر في النفر الأوّل »(١) .

وفي الصحيح عن الصادقعليه‌السلام ، في قوله تعالى :( فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى ) (٢) قال : « يتّقي الصيد حتى ينفر أهل منى في النفر الأخير»(٣) .

وفي رواية عن الباقرعليه‌السلام أنّه : « لمن اتّقى الرفث والفسوق والجدال وما حرّم الله عليه في إحرامه »(٤) .

إذا عرفت هذا ، فإذا نفر في الأوّل نفر بعد الزوال ، ولا ينفر قبله ، إلّا لضرورة أو حاجة ؛ لقول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « إذا أردت أن تنفر في يومين فليس لك أن تنفر حتى تزول الشمس ، وإن تأخّرت إلى آخر أيّام التشريق وهو يوم النفر الأخير فلا عليك أيّ ساعة نفرت ورميت قبل الزوال أو بعده »(٥) .

والأقرب أنّه على الاستحباب.

أمّا النفر الثاني : فيجوز قبل الزوال إجماعاً.

وإنّما يجوز النفر في الأوّل إذا لم تغرب الشمس وهو بمنى ، فإن غربت يوم النفر الأوّل وهو بمنى ، وجب عليه المبيت تلك الليلة بمنى ، عند علمائنا - وبه قال ابن عمر وجابر بن زيد وعطاء وطاوُس ومجاهد وأبان بن عثمان‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٥٢٣ / ١١ ، التهذيب ٥ : ٢٧٣ / ٩٣٢.

(٢) البقرة : ٢٠٣.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٨٨ / ١٤١٥.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٨٨ / ١٤١٦.

(٥) الكافي ٤ : ٥٢٠ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٨٧ - ٢٨٨ / ١٤١٤ ، التهذيب ٥ : ٢٧١ / ٩٢٦ ، الاستبصار ٢ : ٣٠٠ / ١٠٧٣.

٣٧٤

ومالك والشافعي والثوري وإسحاق وأحمد وابن المنذر(١) - لقوله تعالى :( فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ ) (٢) واليوم اسم النهار ، فمن أدركه الليل لم يتعجّل في يومين.

وما رواه العامّة عن عمر : من أدركه المساء في اليوم الثاني فليقم إلى الغد حتى ينفر الناس(٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « إذا جاء الليل بعد النفر الأوّل فبتّ [ بمنى ](٤) فليس لك أن تخرج منها حتى تصبح »(٥) .

وقال أبو حنيفة : له أن ينفر ما لم يطلع فجر اليوم الثالث ؛ لأنّه لم يدخل وقت رمي اليوم الأخير ، فجاز له النفر ، كما قبل الغروب(٦) .

والفرق أنّه قبل الغروب يتعجّل في اليومين ، وهاهنا بعد خروجهما.

ولو دخل عليه وقت العصر ، جاز له أن ينفر في الأوّل.

ومنع الحسن البصري منه(٧) . وليس بجيّد.

ولو رحل من منى فغربت الشمس وهو راحل قبل انفصاله منها ، فالأقرب : عدم وجوب المبيت ؛ لمشقّة الرفع والحطّ. ولو كان مشغولاً

____________________

(١) المغني ٣ : ٤٨٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٩٧ ، المجموع ٨ : ٢٤٩.

(٢) البقرة : ٢٠٣.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٣٩٦ ، المجموع ٨ : ٢٨٤ ، المغني ٣ : ٤٨٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٩٨ وفيها : حتى ينفر مع الناس.

(٤) أضفناها من المصدر.

(٥) الكافي ٤ : ٥٢١ / ٧ ، التهذيب ٥ : ٢٧٢ / ٩٣٠.

(٦) المغني ٣ : ٤٨٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٩٧.

(٧) المجموع ٨ : ٢٨٤.

٣٧٥

بالتأهّب فغربت الشمس ، فالأقرب : لزوم المقام.

ولو رحل قبل الغروب ثم عاد لأخذ متاع ، أو اجتياز ، أو زيارة ، لم يلزمه المقام ، فلو بات بمنى ، احتمل لزوم الرمي ؛ لدخوله عليه فيها.

ويجوز لمن نفر في الأوّل إتيان مكّة والإقامة بها ؛ لعموم الترخّص.

وقول الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « لا بأس أن ينفر الرجل في النفر الأوّل ثم يقيم بمكّة»(١) .

وينبغي للإمام أن ينفر قبل الزوال في النفر الأخير ، ويصلّي الظهر بمكّة ليُعلم الناس كيفية الوداع ، ولا بأس أن يقيم الإنسان بمنى بعد النفر ؛ لأنّه فرغ من أداء مناسكه ، ولا يلزمه إتيان مكّة ، لكن يستحب ليطوف للوداع. وإذا نفر في الأوّل ، سقط عنه رمي الثالث إجماعاً.

ويستحب له دفن الحصى المختصّ بذلك اليوم بمنى.

وأنكره الشافعي(٢) .

مسألة ٦٩١ : يستحب للحاج أن يصلّي في مسجد الخيف بمنى ، وسفح كلّ جبل يسمّى خيفاً ، وكان مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عند المنارة التي في وسط المسجد ، وفوقها إلى القبلة نحواً من ثلاثين ذراعاً ، وعن يمينها ويسارها كذلك ، فمن استطاع أن يكون مصلّاه فيه فليفعل.

ويستحب أن يصلّي فيه ست ركعات.

قال الصادقعليه‌السلام : « صلّ ستّ ركعات في مسجد منى في أصل الصومعة »(٣) .

____________________

(١) الكافي ٤ : ٥٢١ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٢٨٩ / ١٤٢٥ ، التهذيب ٥ : ٢٧٤ / ٩٣٨.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٣٩٦ ، المجموع ٨ : ٢٤٩.

(٣) الكافي ٤ : ٥١٩ / ٦ ، التهذيب ٥ : ٢٧٤ / ٩٤٠.

٣٧٦

ويستحب لمن ينفر في النفر الثاني أن يأتي المحصّب ، وينزل به ، ويصلّي في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيه ، ويستريح فيه قليلاً ، ويستلقي على قفاه ، وليس للمسجد اليوم أثر ، فيستحب نزول المحصّب والاستراحة فيه قليلاً ؛ لأنّ العامّة رووا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه نزل فيه وصلّى الظهر والعصر والمغرب والعشاء وهجع هجعة(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « كان أبي ينزلها ثم يرتحل »(٢) .

واختلفوا في أنّه نسك(٣) ، والنزاع لفظي ؛ للإجماع على أنّه يثاب عليه ، وأنّه لا يعاقب بتركه.

البحث الخامس : في الرجوع إلى مكّة.

مسألة ٦٩٢ : إذا قضى الحاجّ مناسكه بمنى ، استحبّ له العود إلى مكّة لطواف الوداع ، ويستحب له دخول الكعبة.

قال الباقرعليه‌السلام : « الدخول فيها دخول في رحمة الله ، والخروج منها خروج من الذنوب ، معصوم فيما بقي من عمره ، مغفور ما سلف من ذنوبه »(٤) .

ويستحب لمريد دخول الكعبة الاغتسال والدعاء والتحفّي.

قال الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « إذا أردت دخول الكعبة فاغتسل قبل أن تدخلها ولا تدخلها بحذاء ، وتقول » إلى آخر الدعاء(٥) .

____________________

(١) سنن أبي داود ٢ : ٢١٠ / ٢٠١٣.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٧٥ / ٩٤١.

(٣) اُنظر : المجموع ٨ : ٢٥٢ - ٢٥٣ ، والمغني ٣ : ٤٨٩ ، والشرح الكبير ٣ : ٤٩٨ - ٤٩٩.

(٤) الكافي ٤ : ٥٢٧ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٢٧٥ - ٢٧٦ / ٩٤٤.

(٥) الكافي ٤ : ٥٢٨ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٢٧٦ / ٩٤٥.

٣٧٧

ثم يصلّي بين الأسطوانتين على الرخامة الحمراء ركعتين يقرأ في الاُولى حم ، وفي الثانية عدد آياتها من القرآن ، ويصلّي في زوايا البيت ويدعو بالمنقول قائماً مستقبل الحائط بين الركن اليماني والغربي يرفع يديه ويلتصق به ، ثم يتحوّل إلى الركن اليماني فيفعل مثل ذلك ثم يفعل ذلك بباقي الأركان ثم ليخرج.

ويتأكّد استحباب دخولها للصرورة ، فلا ينبغي له تركه ، ويدخله بسكينة ووقار.

وتكره الفريضة جوف الكعبة.

روى معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام قال : « لا تصلّ المكتوبة في الكعبة ، فإنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يدخل الكعبة في حجّ ولا عمرة ولكنّه دخلها في الفتح فتح مكة ، وصلّى ركعتين بين العمودين ومعه اُسامة بن زيد »(١) .

ويستحب الدعاء عند الخروج من الكعبة بالمنقول.

مسألة ٦٩٣ : يستحب وداع البيت إجماعاً.

روى العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( لا ينفرنّ أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت )(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إذا أردت أن تخرج من مكّة وتأتي أهلك فودّع البيت »(٣) .

هذا إذا أراد الخروج من مكّة ، ولو نوى الإقامة ، فلا وداع عليه.

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٧٩ / ٩٥٣ ، الاستبصار ١ : ٢٩٨ / ١١٠١.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٩٦٣ / ١٣٢٧ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٠ / ٣٠٧٠ ، سنن أبي داود : ٢ : ٢٠٨ / ٢٠٠٢ ، سنن الدارمي ٢ : ٧٢ ، مسند أحمد ١ : ٢٢٢.

(٣) الكافي ٤ : ٥٣٠ / ١ ، التهذيب ٥ : ٢٨٠ / ٩٥٧.

٣٧٨

واختلفت العامّة ، فقال الشافعي وأحمد : لا وداع عليه ، سواء نوى الإقامة قبل النفر أو بعده ؛ لأنّه غير مفارق(١) .

وقال أبو حنيفة : إن نوى الإقامة بعد أن حلّ له النفر ، لم يسقط عنه طواف الوداع(٢) .

والوجه : الأوّل ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « إذا أردت أن تخرج من مكّة وتأتي أهلك فودّع البيت»(٣) .

مسألة ٦٩٤ : يستحب الوداع بطواف سبعة أشواط ، وليس هذا الطواف واجباً ، ولا يجب بتركه دم ، عند علمائنا - وهو أحد قولي الشافعي(٤) - لأصالة البراءة ، ولسقوطه عن الحائض ، فلا يكون واجباً.

ولأنّ هشام بن سالم سأل الصادقَعليه‌السلام - في الصحيح - عمّن نسي زيارة البيت حتى رجع إلى أهله ، فقال : « لا يضرّه إذا كان قد قضى مناسكه »(٥) .

والقول الثاني للشافعي : أنّه نسك واجب يجب بتركه الدم(٦) - وبه قال الحسن والحكم وحماد والثوري وإسحاق وأحمد وأبو ثور(٧) - لقول ابن عباس : اُمر الناس أن يكون آخر عهدهم البيت إلّا أنّه خُفّف عن المرأة الحائض(٨) .

____________________

(١) المجموع ٨ : ٢٥٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢١٢ ، المغني ٣ : ٤٨٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٠٠.

(٢) المغني ٣ : ٤٨٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٠٠.

(٣) الكافي ٤ : ٥٣٠ / ١ ، التهذيب ٥ : ٢٨٠ / ٩٥٧.

(٤) الحاوي الكبير ٤ : ٢١٢ ، المجموع ٨ : ٢٥٤ ، المغني ٣ : ٤٩٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٠١.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٨٢ / ٩٦١.

(٦) الحاوي الكبير ٤ : ٢١٢ - ٢١٣ ، المجموع ٨ : ٢٥٤ ، تفسير القرطبي ١٢ : ٥٢.

(٧) المغني ٣ : ٤٩٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٠١.

(٨) صحيح مسلم ٢ : ٩٦٣ / ١٣٢٨ ، المغني ٣ : ٤٩٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٠١.

٣٧٩

والأمر هنا للاستحباب ؛ جمعاً بين الأدلّة.

ولا خلاف في أنّه ليس بركن في الحجّ ، ولهذا سقط عن الحائض ، بخلاف طواف الزيارة.

ووقته بعد فراغ المرء من جميع إشغاله ليكون البيت آخر عهده.

وإذا طاف للوداع وصلّى ركعتيه ، فإن انصرف ، فلا بحث ، وإن أقام بعد ذلك على زيارة صديق أو شراء متاع أو شبه ذلك ، قال الشافعي : لا يجزئه الأوّل ، ويعيد طوافاً آخر ، وإن قضى حاجةً في طريقه من أخذ الزاد وشبهه ، لم يؤثّر ذلك في وداعه - وبه قال أحمد وعطاء ومالك والثوري وأبو ثور - لأنّه بالإقامة يخرج عن كون فعله وداعاً(١) .

وقال أبو حنيفة : لا يعيد الوداع وإن أقام شهرين وأكثر ؛ لأنّه طاف للوداع بعد ما حلّ له النفر ، فأجزأه ، كما لو نفر عقيبه(٢) .

وهذا البحث عندنا ساقط ؛ لأنّه مستحبّ عندنا.

ولو كان منزله في الحرم ، قال أبو ثور : عليه الوداع(٣) . وهو قياس قول مالك(٤) وظاهر مذهبنا ؛ لأنّهم ينفرون ويخرجون من مكة ، فاستحبّ لهم الوداع كغيرهم.

وقال أصحاب الرأي : لا وداع عليهم. وهو إحدى الروايتين عن أحمد(٥) .

ولو أخّر طواف الزيارة حتى يخرج ، لم يسقط استحباب طواف‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٤ : ٢١٢ ، فتح العزيز ٧ : ٤١٣ ، المجموع ٨ : ٢٥٥ ، المغني ٣ : ٤٩١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٠٢.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٣١٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢١٢ ، المغني ٣ : ٤٩١ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٠٢.

(٥-٣) المغني ٣ : ٤٩٠.

٣٨٠