تذكرة الفقهاء الجزء ٨

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-051-X
الصفحات: 460

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 964-319-051-X
الصفحات: 460
المشاهدات: 131648
تحميل: 3521


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 131648 / تحميل: 3521
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 8

مؤلف:
ISBN: 964-319-051-X
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الوداع ؛ لأنّهما عبادتان ، فلا يتداخلان. ومَنْ أوجب الدم بترك طواف الوداع من العامّة اختلفوا ، فالأكثر أنّ القريب - وهو ما نقص عن مسافة التقصير - يرجع ويطوف للوداع ، والبعيد يبعث بالدم.

ولو رجع البعيد وطاف للوداع ، قال بعضهم : لا يسقط الدم ؛ لاستقراره ببلوغ مسافة القصر. وقال بعضهم : يسقط ؛ لأنّه واجب أُتي به ، فلا يجب بدله(١) .

ولو خرج من مكّة ولم يودّع ، يكون قد ترك الأفضل عندنا ، فلو رجع لطواف الوداع ، كان له ذلك إجماعاً ، فإن رجع وهو قريب لم يخرج من الحرم ، فلا بحث ، وإن خرج وقد بَعُد عن الحرم ، لم يجز له أن يتجاوز الميقات إلّا مُحْرماً ؛ لأنّه ليس من أهل الأعذار ، فحينئذٍ يطوف للعمرة لإحرامه ويسعى ، ولا يجب عليه طواف الوداع عندنا. ولو رجع من دون الميقات ، أحرم من موضعه.

مسألة ٦٩٥ : وطواف الوداع سبعة أشواط كغيره ، ويستلم الحجر الأسود واليماني في كلّ شوط ، فإن تعذّر ، افتتح به وختم به ، ويأتي المستجار ، ويصنع عنده كما صنع يوم قدوم مكّة ، ويدعو ويلصق بطنه بالبيت ، ويحمد الله ويثني عليه ، ويدعو بالمنقول ، ثم يصلّي ركعتي الطواف.

وقال الصادقعليه‌السلام : « ليكن آخر عهدك بالبيت أن تضع يدك على الباب وتقول : المسكين على بابك فتصدّق عليه بالجنّة »(٢) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٤٩١ - ٤٩٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٠٤ - ٥٠٥.

(٢) الكافي ٤ : ٥٣٣ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٢٨٢ / ٩٦٢.

٣٨١

ويستحب له أن يشرب من زمزم إجماعاً ؛ لما رواه العامّة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لـمّا أفاض نزع(١) هو لنفسه بدلو من بئر زمزم ولم ينزع معه أحد ، فشرب ثم أفرغ باقي الدلو في البئر(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « ثم ائت زمزم فاشرب منها ثم اخرج »(٣) .

مسألة ٦٩٦ : الحائض لا طواف عليها للوداع ولا فدية عليها‌ بإجماع فقهاء الأمصار. ويستحب لها أن تودّع من أدنى باب من أبواب المسجد ، ولا تدخله إجماعاً.

وروي عن عمر وابنه أنّهما قالا : تقيم الحائض لطواف الوداع(٤) .

وليس بمعتمد ؛ لما رواه العامّة : أنّ اُم سليم بنت ملحان استفتت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد حاضت أو ولدت بعد ما أفاضت يوم النحر ، فأذن لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فخرجت(٥) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إذا أرادت الحائض أن تودّع البيت فلتقف على أدنى باب من أبواب المسجد فلتودّع البيت »(٦) .

____________________

(١) نزعت الدلو : إذا أخرجتها. النهاية - لابن الأثير - ٥ : ٤١ « نزع ».

(٢) لم نعثر عليه في مظانّه ، والموجود في المصادر التالية في صفة حجّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هكذا : ثم

أفاض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى البيت فصلّى بمكّة الظهر ، ثم أتى بني عبد المطلب وهم يسقون على زمزم فقال : ( انزعوا بني عبد المطلب ، فلو لا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم ) فناولوه دلواً فشرب منه. صحيح مسلم ٢ : ٨٩٢ ذيل الحديث ١٢١٨ ، سنن أبي داود ٢ : ١٨٦ / ١٩٠٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٢٧ / ٤٠٧٤ ، سنن البيهقي ٥ : ١٤٦ - ١٤٧.

(٣) الكافي ٤ : ٥٣٠ - ٥٣١ / ١ ، التهذيب ٥ : ٢٨٠ - ٢٨١ / ٩٥٧.

(٤) المغني ٣ : ٤٩٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٠٥.

(٥) الموطّأ ١ : ٤١٣ / ٢٢٩.

(٦) الكافي ٤ : ٤٥٠ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٩٨ / ١٣٨٣.

٣٨٢

ولأنّ إلزامها بالمقام مشقّة عظيمة.

والمستحاضة تودّع بطواف ، ولو فقدت الماء تيمّمت وطافت.

ولو طهرت الحائض قبل مفارقة بنيان مكّة ، استحبّ لها العود والاغتسال والطواف. وأوجبه الموجبون ، وإن كان بعد مفارقة البنيان ، لم تعد إجماعاً ؛ للمشقّة ، بخلاف مَنْ خرج متعمّداً ، فإنّه يعود ما لم يبلغ مسافة القصر ؛ لأنه ترك واجباً ، فلا يسقط بمفارقة البنيان ، وها هنا لم يجب ، فلا يجب بعد الانفصال إذا أمكن ، كما يجب على المسافر إتمام الصلاة في البنيان ، ولا يجب بعد الانفصال.

مسألة ٦٩٧ : يستحبّ لمن أراد الخروج من مكّة أن يشتري بدرهم تمراً يتصدّق به‌ ليكون كفّارة لما دخل عليه حال الإحرام من فعل حرام أو مكروه.

قال الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « يستحبّ للرجل والمرأة أن لا يخرجا من مكّة حتى يشتريا بدرهم تمراً يتصدّقان به لما كان منهما في إحرامهما ، ولما كان في حرم الله عزّ وجلّ »(١) .

____________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٩٠ / ١٤٣٠.

٣٨٣

المقصد الرابع

في اللواحق‌

وفيه فصول:‌

٣٨٤

٣٨٥

الأول

في الحصر والصدّ‌

وفيه مباحث :

الأوّل : في الصدّ.

مسألة ٦٩٨ : الحصر عندنا هو المنع من تتمّة أفعال الحجّ بالمرض خاصّة ، والصدّ بالعدوّ ، وعند العامّة هما واحد من جهة العدوّ(١) . والأصل عدم الترادف.

قال الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « المحصور غير المصدود ، فإنّ المحصور هو المريض ، والمصدود هو الذي يردّه المشركون كما ردّوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ليس من مرض ، والمصدود تحلّ له النساء ، والمحصور لا تحلّ له »(٢) .

والقارن إذا اُحصر ، فليس له أن يتمتّع في القابل ، بل يفعل مثل ما دخل فيه.

مسألة ٦٩٩ : إذا أحرم الحاجّ ، وجب عليه إكمال ما أحرم له من حجّ أو عمرة‌ ، فإذا صدّه المشركون أو غيرهم عن الوصول إلى مكّة بعد إحرامه ، ولا طريق له سوى موضع الصدّ ، أو كان له طريق لا تفي نفقته بسلوكه ، تحلّل بالإجماع.

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٠ ، تفسير القرطبي ٢ : ٣٧١.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٢٣ / ١٤٦٧.

٣٨٦

قال الله تعالى :( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) (١) أي : إذا اُحصرتم فتحلّلتم أو أردتم التحلّل فما استيسر من الهدي ؛ لأنّ نفس الإحصار لا يوجب هدياً.

وروى العامّة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر أصحابه يوم حُصروا في الحديبية - وهي اسم بئر خارج الحرم - أن ينحروا ويحلقوا ويحلّوا(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « المصدود تحلّ له النساء »(٣) .

وسواء كان الإحرام للحجّ أو العمرة وبأيّ أنواع الحجّ أحرم جاز له التحلّل مع الصدّ ، عند علمائنا - وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد(٤) - لعموم الآية(٥) .

ولأنّها نزلت في صدّ الحديبيّة ، وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه مُحْرمين بعمرة فتحلّلوا جميعاً.

وقال مالك : المعتمر لا يتحلّل ؛ لأنّه لا يخاف الفوات(٦) .

ولو كان له طريق غير موضع الصدّ ، فإن كان معه نفقة تكفيه ، لم يكن له التحلّل ، واستمرّ على إحرامه ، ووجب عليه سلوكها وإن بعدت ، سواء خاف الفوات أو لا.

____________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ١٢ ، المغني ٣ : ٣٧٤.

(٣) الكافي ٤ : ٣٦٩ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٣٠٤ - ٣٠٥ / ١٥١٢ ، التهذيب ٥ : ٤٢٣ / ١٤٦٧.

(٤) المغني ٣ : ٣٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٠ ، الاُمّ ٢ : ١٦٢ ، مختصر المزني : ٧٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٤٥ - ٣٤٦ ، المجموع ٨ : ٢٩٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٧٧.

(٥) البقرة : ١٩٦.

(٦) المغني ٣ : ٣٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٠ ، فتح العزيز ٨ : ٤ ، المجموع ٨ : ٣٥٥.

٣٨٧

فإن كان مُحرماً بعمرة لم تفت ، فلا يجوز له التحلّل ، وإن كان بحجٍّ ، صبر حتى يتحقّق الفوات ثم يتحلّل بعمرة ، وليس له قبله التحلّل والإتيان بالعمرة بمجرّد خوف الفوات ، لأنّ التحلّل إنّما يجوز بالحصر لا بخوف الفوات ، وهذا غير مقصود هنا ، فإنّه يجب أن يمضي على إحرامه في ذلك الطريق ، فإذا أدرك الحجّ ، أتمّه ، وإن فاته ، تحلّل بعمرة وقضاه.

ولو قصرت نفقته ، جاز له التحلّل ؛ لأنّه ممنوع مصدود ولا طريق له سوى موضع المنع لعجزه عن الباقي ، فيتحلّل ويرجع إلى بلده.

قال الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حيث صدّه المشركون يوم الحديبيّة نحر بدنة ورجع إلى المدينة »(١) .

مسألة ٧٠٠ : المصدود يتحلّل بالهدي ونيّة التحلّل خاصّةً.

أمّا الهدي : فعليه فتوى أكثر العلماء(٢) ، للآية(٣) .

قال الشافعي : لا خلاف بين المفسّرين في أنّ قوله تعالى :( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ ) (٤) نزلت في حصر الحديبيّة(٥) .

ولأنّهعليه‌السلام حيث صدّه المشركون يوم الحديبيّة نحر بدنة ، ورجع إلى المدينة(٦) ، وفِعْلُه بيان للواجب.

ولأنّه اُبيح له التحلّل قبل أداء نسكه ، فكان عليه الهدي ، كالفوات.

وقال ابن إدريس من علمائنا : الهدي مختصّ بالمحصور لا بالصدّ(٧) ؛

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٢٤ / ١٤٧٢.

(٢) المغني ٣ : ٣٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٠.

(٣و٤) البقرة : ١٩٦.

(٥) المغني ٣ : ٣٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٠.

(٦) التهذيب ٥ : ٤٢٤ / ١٤٧٢.

(٧) كذا ، والظاهر : المصدود.

٣٨٨

لأصالة البراءة ، ولقوله تعالى :( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ ) (١) أراد : بالمرض ؛ لأنّه يقال : أحصره المرض وحصره العدوّ(٢) . وبه قال مالك ؛ لأنّه تحلّل اُبيح له من غير تفريط فأشبه مَنْ أتمّ حجّه(٣) .

والفرق : أنّ مَنْ أتمّ حجّه لم يبق عليه شي‌ء من النسك ، فتحلّله لأداء مناسكه ، بخلاف المصدود الذي لم يتم نسكه.

وأمّا النيّة : فلأنّه خروج من إحرام ، فيفتقر إليها ، كالداخل فيه. ولأنّ الذبح إنّما يختصّ بالتحلّل بالنيّة. ولأنّه عمل فيفتقر إلى النيّة ، وبه قال الشافعي(٤) .

ولو نوى التحلّل قبل الهدي ، لم يتحلّل ، وكان على إحرامه حتى ينحر الهدي ؛ لأنّه اُقيم مقام أفعال الحجّ ، فلا يحلّ له ، كما لا يتحلّل القادر على أفعال الحجّ قبل فعلها ، ولا فدية عليه في نيّة التحلّل ؛ لعدم تأثيرها في العبادة ، فإن فَعَل شيئاً من محظورات الإحرام قبل الهدي ، فعليه الفداء ؛ لأنّه مُحْرم فَعَل محظوراً في إحرام صحيح ، فكان عليه فديته ، كالقادر.

مسألة ٧٠١ : لا بدل لهدي التحلّل‌ ، فلو عجز عنه وعن ثمنه ، لم ينتقل إلى غيره ، ويبقى على إحرامه ، ولو تحلّل لم يحلّ - وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعي في أحد القولين(٥) - لقوله تعالى :( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا

____________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) السرائر : ١٥١.

(٣) بداية المجتهد ١ : ٣٥٥ و ٣٥٧ ، تفسير القرطبي ٢ : ٣٧٣ ، المغني ٣ : ٣٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٠ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٥٠.

(٤) فتح العزيز ٨ : ١٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤١ ، المجموع ٨ : ٣٠٤.

(٥) تفسير القرطبي ٢ : ٣٧٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٠ ، المغني ٣ : ٣٧٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٤ ، فتح العزيز ٨ : ٨٠ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٥٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤١ ، المجموع ٨ : ٣٠٣ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٥٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥٦ - ٣٥٧.

٣٨٩

اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) (١) ولو كان الصوم أو الإطعام بدلاً ، لجاز الحلق قبل الهدي.

ولأنّ الهدي اُقيم مقام الأعمال ولو قدر على الأعمال لم يتحلّل إلّا بها ، فإذا عجز لا يتحلّل إلّا ببدلها.

والقول الثاني للشافعي - وهو الصحيح عندهم - : إنّه يتحلّل في الحال ، فينتقل إلى صوم التعديل في قول ، وفي آخر : إلى الإطعام ، وفي ثالث : إلى الصوم ، ويحلّ به ، وهو أن يقوّم شاة وسط بالطعام ، فيصوم بإزاء كلّ مُدٌّ يوماً ، وفي رابع : يتخيّر بين الإطعام والصيام(٢) .

وعلى قوله الأوّل بعدم الانتقال يكون في ذمّته ، ففي جواز التحلّل حينئذٍ له قولان : أحدهما : أنّه يبقى مُحْرماً إلى أن يهدي ، والثاني - وهو الأشبه - أنّه يحلّ ثم يهدي إذا وجد(٣) .

وقال أحمد : إنّه ينتقل إلى صيام عشرة أيّام(٤) .

إذا عرفت هذا ، فإذا ذبح هل يجب عليه الحلق أو التقصير أم لا؟ قال أحمد في إحدى الروايتين : لا بدّ من أحدهما ؛ لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حلق يوم الحديبيّة(٥) (٦) .

____________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) فتح العزيز ٨ : ٨٠ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٥٤ - ٣٥٥ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤١ ، المجموع ٨ : ٣٠٣ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٥٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥٧.

(٣) الحاوي الكبير ٤ : ٣٥٤ - ٣٥٥ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤١ ، المجموع ٨ : ٣٠٤.

(٤) المغني ٣ : ٣٧٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٤ ، فتح العزيز ٨ : ٨٠.

(٥) صحيح البخاري ٣ : ١٢ ، سنن البيهقي ٥ : ٢١٤.

(٦) المغني ٣ : ٣٨٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٥.

٣٩٠

ويحتمل العدم ؛ لأنّه تعالى ذكر الهدي وحده ، ولم يشرط سواه.

إذا ثبت هذا ، فلو كان المصدود قد ساق هدياً في إحرامه قبل الصدّ ثم صُدّ ، ففي الاكتفاء بهدي السياق عن هدي التحلّل قولان : أحدهما : الاكتفاء ؛ لقوله تعالى :( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ ) (١) .

وقيل : لا بدّ من هدي آخر للسياق كما لو لم يسق.

مسألة ٧٠٢ : لا يختصّ مكان ولا زمان لنحر هدي التحلّل‌ وذبحه في المصدود ، بل يجوز نحره في موضع الصدّ ، سواء الحلّ والحرم ، ومتى صدّ جاز له الذبح في الحال ، والإحلال ؛ لقوله تعالى :( فَمَا اسْتَيْسَرَ ) (٢) ولم يعيّن زماناً خصوصاً مع الإتيان بالفاء - وبه قال مالك والشافعي(٣) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نحر بالحديبيّة(٤) ، وهي خارج الحرم.

ولأنّه يؤدّي إلى تعذّر الحلّ ؛ لتعذّر وصول الهدي محلّه مع مقاومة العدوّ.

وقال الصادقعليه‌السلام : « المحصور والمضطرّ ينحران بدنتهما في المكان الذي يضطرّان فيه »(٥) .

وقال الحسن وابن مسعود والشعبي والنخعي وعطاء وأبو حنيفة : لا ينحر إلّا بالحرم يبعث به ويواطئ مَنْ بعثه معه على نحره في وقت يتحلّل فيه ؛ لقوله تعالى :( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) (٦) ثمّ‌

____________________

(١ و ٢ ) البقرة : ١٩٦.

(٣) بداية المجتهد ١ : ٣٥٥ ، التمهيد ١٢ : ١٥٠ و ١٥ : ٢١٤ ، فتح العزيز ٨ : ١٧ ، المجموع ٨ : ٣٥٥ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٥٠.

(٤) صحيح البخاري ٣ : ١٢ ، سنن البيهقي ٥ : ٢١٤ و ٢١٧.

(٥) الفقيه ٢ : ٣٠٥ / ١٥١٣.

(٦) البقرة : ١٩٦.

٣٩١

قال :( ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) (١) (٢) .

والآية في حقّ غير المصدود ، ولا يمكن قياس المصدود عليه ؛ لأنّ تحلّله في الحِلّ ، وتحلّل غيره في الحرم.

مسألة ٧٠٣ : لو صُدّ عن مكّة قبل الموقفين ، فهو مصدود‌ إجماعاً ، يجوز له التحلّل. ولو صُدّ عن الموقفين ، فكذلك عندنا - وبه قال الشافعي(٣) - لعموم الآية(٤) .

وقال أبو حنيفة ومالك : ليس له أن يتحلّل ، وليس بمصدود ، بل إن قدر على الأداء ، أدّى، وإن دام العجز حتى مضى الوقت ، فحكمه حكم مَنْ فاته الحجّ يتحلّل بأفعال العمرة ؛ لأنّ العجز في الحرم ليس مثل العجز خارج الحرم(٥) .

ويبطل بقوله [ تعالى ] :( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ ) (٦) وهو عامّ.

ولو مُنع عن أحد الموقفين ، قال الشيخرحمه‌الله : إنّه مصدود(٧) أيضاً.

ولو مُنع بعد الوقوف بالموقفين عن العود إلى منى لرمي الجمار والمبيت بها فلا صدّ ، وقد تمّ حجّه فيتحلّل ويستنيب مَنْ يرمي عنه.

____________________

(١) الحج : ٣٣.

(٢) المغني ٣ : ٣٧٦ - ٣٧٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣٥٥ ، التمهيد ١٢ : ١٥٠ و ١٥ : ٢١٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٥٠ - ٣٥١ ، المجموع ٨ : ٣٥٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٧٩ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ١ : ٢٧٢.

(٣) فتح العزيز ٨ : ٦٠ ، المجموع ٨ : ٣٠١ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٤٩.

(٤) البقرة : ١٩٦.

(٥) فتح العزيز ٨ : ٦٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٤٩.

(٦) البقرة : ١٩٦.

(٧) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٣٣.

٣٩٢

ولو صُدّ بعد الوقوف بالموقفين قبل طواف الزيارة والسعي ، تحلّل أيضاً ؛ لأنّ الصدّ يفيد التحلّل من جميعه فمن بعضه أولى. وله أن يبقى على إحرامه ، فإن لحق أيّام منى ، رمى وحلق وذبح ، وإن لم يلحق ، أمر مَنْ ينوب عنه في ذلك ، فإذا تمكّن ، أتى مكة فطاف طواف الحجّ وسعى وتمّ حجّه أيضاً ، ولا قضاء عليه ، وإن لم يُقم على إحرامه حتى يطوف ويسعى وتحلّل ، كان عليه الحجّ من قابل ليأتي بأركان الحجّ من الطواف والسعي ، أمّا لو طاف وسعى ومُنع من المبيت بمنى والرمي ، فإنّ حجّه تامّ ؛ لما تقدّم.

ولو تمكّن من المبيت(١) وصُدّ عن الموقفين أو عن أحدهما ، جاز له التحلّل ؛ للعموم(٢) ، فإن لم يتحلّل وأقام على إحرامه حتى فاته الوقوف ، فقد فاته الحجّ ، وعليه التحلّل(٣) بعمرة ، ولا دم عليه لفوات الحجّ.

وهل يجوز له فسخ نيّة الحجّ إلى العمرة قبل الفوات؟ إشكال ، قال به بعض الجمهور(٤) ؛ لأنّا أبحنا له ذلك من غير صدّ ، فمعه أولى. ولا دم عليه.

ولو طاف وسعى للقدوم ثم صُدّ حتى فاته الحجّ ، طاف وسعى ثانياً لعمرة اُخرى ، ولا يجتزئ بالأوّل ؛ لأنّه لم يقصد به طواف العمرة ولا سعيها بل يجتزئ بالإحرام الأوّل ، ولا يجدّد إحراماً آخر ، وبه قال أحمد والشافعي وأبو ثور(٥) .

____________________

(١) أي : المبيت بمنى. والظاهر أنّها تصحيف البيت.

(٢) البقرة : ١٩٦.

(٣) في الطبعة الحجرية : وعليه أن يتحلّل.

(٤) المغني ٣ : ٣٧٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٦.

(٥) المغني ٣ : ٣٧٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٦.

٣٩٣

وقال مالك : يخرج إلى الحِلّ ، فيفعل ما يفعله المعتمر(١) .

وقال الزهري : لا بدّ أن يقف بعرفة(٢) .

وقال محمد بن الحسن : لا يكون محصراً بمكّة(٣) .

مسألة ٧٠٤ : إذا تحلّل وفاته الحجّ ، وجب عليه القضاء في القابل‌ إن كان الحجّ الفائت واجباً ، كحجّة الإسلام والنذر وغيره ، ولا يجب قضاء النفل عند علمائنا. وكذا العمرة يجب قضاء الواجب منها ، كعمرة الإسلام والنذر وغيره ، ولو كانت نفلاً ، لم يجب القضاء ؛ لأصالة براءة الذمّة.

وقال الشافعي : لا قضاء عليه بالتحلّل ، فإن كانت حجّة تطوّع أو عمرة تطوّع ، لم يلزمه قضاؤها بالتحلّل ، وإن كانت حجّة الإسلام أو عمرته وكانت قد استقرّت في ذمّته قبل هذه السنة ، فإذا خرج منها بالتحلّل ، فكأنّه لم يفعلها ، وكان باقياً في ذمّته على ما كان عليه ، وإن وجبت في هذه السنة ، سقط وجوبها ولم يستقرّ ؛ لفقدان بعض شرائط الحجّ ، فحينئذٍ التحلّل بالصدّ لا يوجب القضاء بحال(٤) . وبه قال مالك وأحمد في إحدى الروايتين(٥) .

وقال أبو حنيفة : إذا تحلّل ، لزمه القضاء ، ثم إن كان إحرامه بعمرة مندوبة ، قضاها واجباً ، وإن كان بحجّة مندوبة فاُحصر ، تحلّل ، وعليه أن يأتي بحجّة وعمرة ، وإن كان قرن بينهما فاُحصر وتحلّل ، لزمه حجّة‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٧٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٧.

(٢ و ٣ ) المغني ٣ : ٣٧٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٦.

(٤) فتح العزيز ٨ : ٥٦ - ٥٧ ، المجموع ٨ : ٣٠٦ ، روضة الطالبين ٢ : ٤٥٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥٨ ، المغني ٣ : ٣٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٦ ، وحكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٤٢٦ ، المسألة ٣١٩.

(٥) المغني ٣ : ٣٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٦ ، فتح العزيز ٨ : ٥٦ ، المجموع ٨ : ٣٥٥.

٣٩٤

وعمرتان : عمرة لأجل العمرة ، وحجّة وعمرة لأجل الحجّ(١) .

ويجي‌ء على مذهبه : إذا أحرم بحجّتين ، فإنّه ينعقد بهما ، وإنّما ينتقص عن أحدهما إذا أخذ في السير ، فإن اُحصر قبل أن يسير ، تحلّل منهما ، ولزمه حجّتان وعمرتان(٢) .

مسألة ٧٠٥ : لا فرق بين الصدّ العامّ - وهو الذي يصدّه المشركون وأصحابَه - وبين الصدّ الخاصّ ، كالمحبوس بغير حقّ ومأخوذ اللصوص وحده ؛ لعموم النّص(٣) ، ووجود المقتضي لجواز التحلّل ، وكذا يجب القضاء في كلّ موضع يجب فيه الصدّ العامّ ، وما لا يجب هناك لا يجب هنا - وهو أحد قولي الشافعي(٤) - لأصالة البراءة ، والعمومات. وفي الثاني : يجب القضاء(٥) .

والمحبوس بدَيْنٍ إن كان قادراً على أدائه ، فليس بمصدود ، وليس له التحلّل ، وإن كان عاجزاً ، تحلّل. وكذا يتحلّل لو حُبس ظلماً.

ولو كان عليه دَيْنٌ مؤجّل يحلّ قبل قدوم الحاجّ فمنعه صاحبه من الحجّ ، كان له التحلّل ؛ لأنّه معذور ؛ لعجزه.

ولو أحرم العبد مطلقاً أو الزوجة تطوّعاً بغير إذن السيّد والزوج ، كان لهما منعهما من الإتمام ، وتحلّلا من غير دم.

____________________

(١) بدائع الصنائع ٢ : ١٨٢ - ١٨٣ ، فتح العزيز ٨ : ٥٦ ، المجموع ٨ : ٣٥٥ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥٨ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٥٢ ، المغني ٣ : ٣٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٦ ، وحكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٤٢٦ ، المسألة ٣١٩.

(٢) كما في الخلاف ٢ : ٤٢٦ ، المسألة ٣١٩.

(٣) البقرة : ١٩٦.

(٤ و ٥ ) الوجيز ١ : ١٣٠ ، فتح العزيز ٨ : ٥٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٤١ ، المجموع ٨ : ٣٠٦ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥٨.

٣٩٥

وكلّ موضع جوّزنا فيه التحلّل من إحرام الحجّ يجوز التحلّل من إحرام العمرة ، وهو قول أكثر العلماء(١) ، خلافاً لمالك ؛ فإنّه قال : لا يحلّ من إحرام العمرة ؛ لأنّها لا تفوت(٢) .

مسألة ٧٠٦ : يستحب له تأخير الإحلال ؛ لجواز زوال العذر ، فإذا أخّر وزال العذر قبل تحلّله ، وجب عليه إتمام نسكه‌ إجماعاً ؛ لقوله تعالى :( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ) (٣) .

ولو خشي الفوات ، لم يتحلّل ، وصبر حتى يتحقّق ثم يتحلّل بعمرة.

فلو صابر ففات الحجّ ، لم يكن له التحلّل بالهدي بل بعمرة ، ويقضي واجباً إن كان واجباً ، وإلّا فلا.

ولو فات الحجّ ثم زال الصدّ بعده ، قال بعض العامّة : يتحلّل بالهدي ، وعليه هدي آخر للفوات(٤) .

وقال الشيخرحمه‌الله : يتحلّل بعمرة ، ولا يلزمه دم لفوات الحجّ(٥) .

ولو غلب على ظنّه انكشاف العدوّ قبل الفوات ، جاز له أن يتحلّل ؛ للعموم(٦) ، لكنّ الأفضل البقاء على إحرامه ، فإن فات الوقوف ، أحلّ بعمرة.

ولو أفسد حجّه فصُدّ ، كان عليه بدنة ، ودم التحلّل ، والحجّ من قابل.

ولو انكشف العدوّ في وقت يتّسع لاستئناف القضاء ، وجب ، وهو‌

____________________

(١) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٠٩ ، فتح العزيز ٨ : ٤ ، المجموع ٨ : ٣٥٥ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٤٥ ، المغني ٣ : ٣٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٠.

(٢) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٠٩ ، فتح العزيز ٨ : ٤ ، المجموع ٨ : ٣٥٥ ، حلية العلماء ٣ : ٣٥٦ ، المغني ٣ : ٣٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٠.

(٣) البقرة : ١٩٦.

(٤) المغني ٣ : ٣٧٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٤.

(٥) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٣٣.

(٦) البقرة : ١٩٦.

٣٩٦

حجّ يقضي لسنته ، ولو ضاق الوقت ، قضى من قابل.

وإن لم يتحلّل من الفاسد ، فإن زال الصدّ والحجّ لم يفت ، مضى في الفاسد ، وتحلّل ، كالصحيح ، وإن فاته ، تحلّل بعمرة ، وتلزمه بدنة للإفساد ، ولا شي‌ء عليه للفوات. والقضاء من قابل واجب ، سواء كان الحجّ واجباً أو ندباً.

ولو كان العدوّ باقياً ، فله التحلّل ، فإذا تحلّل ، لزمه دم التحلّل وبدنة الإفساد ، والقضاء من قابل ، وليس عليه أكثر من قضاء واحد.

ولو صُدّ فأفسد حجّه ، جاز له التحلّل ؛ للعموم(١) ، وعليه دم التحلّل ، وبدنة للإفساد ، والحجّ ، ويكفيه قضاء واحد.

مسألة ٧٠٧ : ينبغي للمُحْرم أن يشترط على ربّه حالة الإحرام‌ - خلافاً لمالك(٢) - فإذا شرط في ابتداء إحرامه أن يحلّ متى مرض ، أو ضاعت نفقته أو نفدت ، أو منعه ظالم ، أو غير ذلك من الموانع ، فإنّه يحلّ متى وجد ذلك المانع.

وفي سقوط هدي التحلّل قولان.

والشرط لا يؤثّر في سقوط القضاء إن كان الحجّ واجباً ، خلافاً لبعض العامّة(٣) .

وينبغي أن يشترط ما لَه فائدة. ولو قال : أن تحلّني حيث شئت ، فليس له ذلك.

ولو قال : أنا أرفض إحرامي واُحلّ ، فلبس وذبح الصيد [ وعمل‌

____________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) تفسير القرطبي ٢ : ٣٧٥ ، المغني ٣ : ٢٤٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٣٨.

(٣) المغني ٣ : ٣٨٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣٩.

٣٩٧

غيرهما ](١) من تروك الإحرام من غير صدّ أو حصر ، لم يحلّ ، ووجبت الكفّارة ؛ لأنّ الإحرام لا يفسد برفضه ؛ لأنّه عبادة لا يخرج منها بالفساد ، فلا يخرج منها برفضها ، بخلاف سائر العبادات التي يخرج منها بإفسادها ، كالصلاة.

وإن وطئ قبل الموقفين ، أفسد حجّه ، ووجب إتمامه ، وبدنة ، والحجّ من قابل ، سواء كان الوطء قبل ما فَعَله من الجنايات أو بعده ، فإنّ الجناية على الإحرام الفاسد توجب الجزاء ، كالجناية على الإحرام الصحيح ، وليس عليه لرفضه شي‌ء ، لأنّه مجرّد نيّة لم تؤثّر شيئاً.

مسألة ٧٠٨ : العدوّ الصادّ إن كان مسلماً ، فالأولى الانصراف عنه‌ ؛ لأنّ في قتاله مخاطرةً بالنفس والمال ، إلّا أن يدعوهم الإمام أو نائبه إلى قتالهم ، ويجوز قتالهم ؛ لأنّهم تعدّوا على المسلمين بمنعهم الطريق. وإن كانوا مشركين ، لم يجب على الحاجّ قتالهم.

قال الشيخرحمه‌الله : وإذا لم يجب قتالهم ، لم يجز ، سواء كانوا قليلين أو كثيرين(٢) .

وللشافعي قول بوجوب القتال(٣) إذا لم يزد عدد الكفّار على الضّعف(٤) .

والوجه : أنّه إذا(٥) غلب ظنّ المسلمين بالغلبة ، جاز قتالهم ، ويجوز‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك » والطبعة الحجرية : وغيره. وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٢) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٣٤.

(٣) في الطبعة الحجرية : قتالهم.

(٤) فتح العزيز ٨ : ٥ ، المجموع ٨ : ٢٩٥.

(٥) في « ق ، ك » : إن.

٣٩٨

تركه ، فيتحلّل الحاجّ.

ولو ظنّ المسلمون الانقهار ، لم يجز قتالهم ؛ لئلّا يغزوا بالمسلمين ، فلو احتاج الحاجّ إلى لُبْس السلاح وما تجب فيه الفدية لأجل الحرب ، جاز ، وعليهم الفدية ، كما لو لبسوا(١) لدفع الحرّ والبرد. ولو قتلوا أنفساً(٢) وأتلفوا مالاً ، لم يضمنوا.

ولو قتل المسلمون صيد الكفّار ، كان عليهم الجزاء لله ، ولا قيمة للكفّار ؛ إذ لا حرمة لهم.

ولو بذل العدوّ الطريق وكانوا معروفين بالغدر ، جاز التحلّل والرجوع ، وإلّا فلا. ولو طلب العدوّ مالاً لتخلية الطريق ، فإن لم يوثق بهم ، لم يجب بذله إجماعاً ، لبقاء الخوف ، وإن كانوا مأمونين ، فإن كثر ، لم يجب ، بل يكره إن كان العدوّ كافراً ؛ لما فيه من الصغار وتقوية الكفّار ، وإن قلّ ، قال الشيخ : لا يجب بذله(٣) ، كما لا يجب في ابتداء الحجّ بذل مال ، بل يتحلّل.

مسألة ٧٠٩ : إذا تحلّل المصدود بالهدي ، فإن كان الحجّ واجباً ، قضى ما تحلّل منه ، إن كان حجّاً ، وجب عليه حجّ لا غير - وبه قال الشافعي(٤) - لأنّه اُحصر عن الحجّ ، فلا يلزمه غيره ، كمن اُحصر عن العمرة لا يلزمه غيرها.

وقال أبو حنيفة : يجب عليه حجّ وعمرة معاً ؛ لأنّ المصدود فائت‌

____________________

(١) في الطبعة الحجرية : لبس.

(٢) كذا ، والظاهر : نفساً.

(٣) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٣٤.

(٤) مختصر المزني : ٧٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٥٢ ، فتح العزيز ٨ : ٥٧ ، المجموع ٨ : ٣٠٦.

٣٩٩

الحجّ ، وفائت الحجّ يتحلّل بأفعال العمرة ، فإذا لم يأت بأفعال العمرة في الحال ، يجب عليه قضاؤها(١) .

ونمنع مساواة الصدّ لفائت الحجّ.

والصدّ قد يتحقّق في العمرة - وبه قال أبو حنيفة(٢) - لقوله تعالى :( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ ) (٣) ذكر ذلك عقيبهما ، فينصرف إلى كلّ منهما.

وسُئل ابن مسعود عن معتمر لُدغ ، فقال : ابعثوا عنه هدياً ، فإذا ذُبح عنه فقد حلّ(٤) .

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لمـّا صُدّ كان معتمراً(٥) .

وقال مالك : لا يتحقّق ؛ لأنّه ليس للعمرة وقت معلوم ، فيمكنه اللبث إلى أن يزول الإحصار ثم يؤدّي(٦) .

وهو يستلزم الحرج ؛ لعدم العلم بالغاية.

مسألة ٧١٠ : إذا صُدّ عن المضيّ إلى مكّة أو الموقفين ، كان له التحلّل بالهدي‌ على ما تقدّم(٧) .

هذا إذا منع من المضيّ ، دون الرجوع والسير في صوب آخر ، وأمّا إذا أحاط العدوّ بهم من جميع الجهات كلّها ، فكذلك عندنا - وهو أصحّ‌

____________________

(١) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٠٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٨٢ ، الاختيار لتعليل المختار ١ : ٢٢٤ ، بداية المجتهد ١ : ٣٥٥ ، تفسير القرطبي ٢ : ٣٧٦.

(٢) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٠٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٧٧.

(٣) البقرة : ١٩٦.

(٤) شرح معاني الآثار ٢ : ٢٥١ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٢١.

(٥) فتح العزيز ٨ : ٤ ، وسنن البيهقي ٥ : ٢١٦.

(٦) اُنظر : فتح العزيز ٨ : ٤ ، والمغني ٣ : ٣٧٤ ، والشرح الكبير ٣ : ٥٣٠.

(٧) تقدّم في المسألة ٧٠٣.

٤٠٠