نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٠

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار13%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 428

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 428 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 346382 / تحميل: 7089
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٠

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

مسألة ١٤ : إذا صارت الوديعة مضمونةً على المستودع‌ إمّا بنقل الوديعة أو إخراجها من الحرز أو باستعمالها كركوب الدابّة ولُبْس الثوب أو بغيرها من أسباب الضمان ثمّ إنّه ترك الخيانة وردّ الوديعة إلى مكانها وخلع الثوب ، لم يبرأ بذلك عند علمائنا أجمع ، ولم يزل عنه الضمان ، ولم تَعُدْ أمانته - وبه قال الشافعي(١) - لأنّه ضمن الوديعة بعدوان ، فوجب أن يبطل الاستئمان ، كما لو جحد الوديعة ثمّ أقرّ بها.

وقال أبو حنيفة : يزول عنه الضمان ؛ لأنّه إذا ردّها فهو ماسك لها بأمر صاحبها ، فلم يكن عليه ضمانها ، كما لو لم يخرجها(٢) .

والفرق ظاهر ؛ فإنّه إذا لم يخرجها لم يضمنها بعدوان ، بخلاف صورة النزاع.

ثمّ يُنقض على أبي حنيفة بما سلّمه من أنّه إذا جحد الوديعة وضمنها بالجحود ثمّ أقرّ بها ، فإنّه لا يبرأ ، وبالقياس على السارق ، فإنّه لو ردّ المسروق إلى موضعه ، لم يبرأ(٣) ، فكذا هنا.

فروع :

أ - لو ردّ الوديعة - بعد أن تعلّق ضمانها به إمّا بالإخراج من الحرز أو بالتصرّف أو بغيرهما من الأسباب‌ - إلى المالك وأعادها عليه ثمّ إنّ المالك‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٨ : ٣٦٣ ، التهذيب - للبغوي - ٥ : ١٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٥ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٨ ، المغني ٧ : ٢٩٦ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٠٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١٦.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١٦ ، الحاوي الكبير ٨ : ٣٦٣ ، التهذيب - للبغوي - ٥ : ١٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٥ ، المغني ٧ : ٢٩٦ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٠٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٥.

١٦١

أودعه إيّاها ثانياً ، فإنّه يعود أميناً إجماعاً ، ويبرأ من الضمان.

ب - لو لم يسلّمها إلى المالك ولكن أحدث المالك له استئماناً‌ ، فقال : أذنتُ لك في حفظها ، أو أودعتُكها ، أو استأمنتُك ، أو أبرأتُك عن الضمان ، فالأقرب : سقوط الضمان عنه ، وعوده أميناً ؛ لأنّ التضمين لحقّ المالك ، وقد رضي بسقوطه ، وهو أصحّ قولَي الشافعيّة.

والثاني : إنّه لا يزول الضمان ولا يعود أميناً - وهو قول ابن سريج - لظاهر قولهعليه‌السلام : « على اليد ما أخذت حتى تؤدّي »(١) (٢) .

وكذا الخلاف فيما لو حفر بئراً في ملك غيره عدواناً ثمّ أبرأه المالك عن ضمان الحفر(٣) .

ج - لو قال المالك : أودعتُك كذا - ابتداءً - فإن خُنتَ ثمّ تركتَ الخيانة عُدْتَ أميناً لي‌ ، فخان وضمن ثمّ ترك الخيانة ، لم تزل الخيانة ، ولم يَعُدْ أميناً - وبه قال الشافعي(٤) - لأنّه لا ضمان حينئذٍ حتى يسقط ، وهناك الضمان ثابت فيصحّ إسقاطه ، ولأنّ الاستئمان الثاني معلّق.

د : لو قال : خُذْ هذا وديعةً يوماً وغير وديعةٍ يوماً ، فهو وديعة أبداً. ولو قال : خُذْه وديعةً يوماً وعاريةً يوماً ، فهو وديعة في اليوم الأوّل ، وعارية في اليوم الثاني.

وهل يعود وديعةً؟ مَنَع الشافعيّة منه ، وقالوا : لا يعود وديعةً أبداً(٥) .

____________________

(١) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٩٦ / ٣٥٦١ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٦٦ / ١٢٦٦ ، مسند أحمد ٥ : ٦٣٨ / ١٩٦٢٠ ، المعجم الكبير - للطبراني - ٧ : ٢٥٢ / ٦٨٦٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٥ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٨.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٥ - ٣٠٦ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٨.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٦ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٨.

١٦٢

مسألة ١٥ : إذا مزج المستودع الوديعة بماله مزجاً لا يتميّز أحدهما عن صاحبه‌ ، كدراهم مزجها بمثلها ، أو دنانير مزجها بمثلها بحيث لا مائز بين الوديعة وبين مال المستودع ، أو مزج الحنطة بمثلها ، كان ضامناً ، سواء كان المخلوط بها دونها أو مثلها أو أزيد منها - وبه قال الشافعي(١) - لأنّه قد تصرّف في الوديعة تصرّفاً غير مشروعٍ ، وعيّبها بالمزج ، فإنّ الشركة عيب ، فكان عليه الضمان ، ولأنّه خلطها بماله خلطاً لا يتميّزا ، فوجب أن يضمنها ، كما لو خلطها بدونه.

وقال مالك : إن خلطها بمثلها أو الأجود منها لم يضمن ، وإن خلطها بدونها ضمن ؛ لأنّه لا يمكنه ردّها إلّا ناقصةً(٢) .

وهو آتٍ في المساوي والأزيد ؛ فإنّ الشركة عيب ، والوقوف على عين الوديعة غير ممكنٍ ، فاشتمل ذلك على المعاوضة ، وإنّما تصحّ برضا المالك.

ولو مزجها بمال مالكها بأن كان له عنده كيسان وديعةً ، فمزج أحدهما بالآخَر بحيث لا يتميّز ، ضمن أيضاً ؛ لأنّه تصرّف تصرّفاً غير مشروعٍ في الوديعة ، وربما ميّز بينهما لغرضٍ دعا إليه ، فالخلط خيانة.

وكذا لو أودعه كيساً وكان في يده له كيسٌ آخَر أمانة مجرّدة بأن وقع عليه اتّفاقاً فمزج أحدهما بالآخَر ، كان ضامناً أيضاً.

وكذا لو كان الكيس الآخَر في يده على سبيل الغصب من مالك‌

____________________

(١) البيان ٦ : ٤٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٦ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٨ ، المغني ٧ : ٢٨١ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٠٦ - ٣٠٧.

(٢) البيان ٦ : ٤٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٦ ، المغني ٧ : ٢٨١ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٠٧.

١٦٣

الوديعة ، وبالجملة على أيّ وجهٍ كان.

مسألة ١٦ : لو أودعه عشرة دراهم - مثلاً - في كيسٍ‌ ، فإن كان مشدوداً مختوماً فكسر الختم وحلّ الشدّ أو فَعَل واحداً منهما ، ضمن ؛ لأنّه هتك الحرز على ما تقدّم.

وإن لم يكن الكيس مشدوداً ولا مختوماً فأخرج منه درهماً لنفقته ، ضمنه خاصّةً ؛ لأنّه لم يتعدّ في غيره ، فإن ردّه لم يزل عنه الضمان ، فإن لم يختلط بالباقي لم يضمن الباقي ؛ لأنّه لم يتصرّف فيه.

وكذا إن اختلط وكان متميّزاً لم يلتبس بغيره.

وإن امتزج بالباقي مزجاً ارتفع معه الامتياز ، فالوجه : إنّه كذلك لا يضمن الباقي ، بل الدرهم خاصّةً ؛ لأنّ هذا الاختلاط كان حاصلاً قبل الأخذ ، وهو أصحّ قولَي الشافعيّة ، والثاني : إنّ عليه ضمان الباقي ؛ لخلطه المضمون بغير المضمون(١) .

فعلى ما اخترناه لو تلفت العشرة لم يلزمه إلّا درهم واحد ، ولو تلفت منها خمسة لم يلزمه إلّا نصف درهمٍ.

ولو أنفق الدرهم الذي أخذه ثمّ ردّ مثله إلى موضعه ، لم يبرأ من الضمان ، ولا يملكه صاحب الوديعة إلّا بالقبض والدفع إليه.

ثمّ إن كان المردود لا يتميّز عن الباقي ، صار الكلّ مضموناً عليه ؛ لخلطه الوديعةَ بمال نفسه ، وإن كان يتميّز فالباقي غير مضمونٍ عليه.

مسألة ١٧ : لو أتلف بعضَ الوديعة ، فإن كان ذلك البعض منفصلاً عن الباقي‌ - كالثوبين إذا أتلف أحدهما - لم يضمن إلّا الـمُتْلَف ؛ لأنّ العدوان‌

____________________

(١) البيان ٦ : ٤٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٦ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٨.

١٦٤

إنّما وقع فيه ، فلا يتعدّى الضمان إلى غيره وإن كان الإيداع واحداً.

وإن كان متّصلاً ، كالثوب الواحد يخرقه ، أو يقطع طرف العبد أو البهيمة ، فإن كان عامداً في الإتلاف فهو جانٍ على الجميع ، فيضمن الكلّ.

وإن كان مخطئاً ، ضمن ما أتلفه خاصّةً ، ولم يضمن الباقي - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(١) - لأنّه لم يتعدّ في الوديعة ، ولا خان فيها ، وإنّما ضمن الـمُتْلَف ؛ لفواته وصدور الهلاك منه فيه مخطئاً.

وفي الثاني لهم : إنّه يضمنه أيضاً ، ويستوي العمد والخطأ فيه ، كما استويا في القدر التالف(٢) .

البحث الثاني : في الإيداع.

مسألة ١٨ : إذا أودع المستودعُ الوديعةَ غيرَه ، فإن كان بإذن المالك فلا ضمان عليه إجماعاً ؛ لانتفاء العدوان.

وإن لم يكن بإذن المالك ، فلا يخلو إمّا أن يودع من غير عذرٍ أو لعذرٍ ، فإن أودع من غير عذرٍ ضمن إجماعاً ؛ لأنّ المالك لم يرض بيد غيره وأمانته.

ولا فرق بين أن يكون ذلك الغير عبدَه أو جاريتَه(٣) أو زوجتَه أو ولدَه أو أجنبيّاً عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي(٤) - وذلك لعموم الدليل‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٦ - ٣٠٧ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٧ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٩.

(٣) « أو جاريته » لم ترد في النسخ الخطّيّة المعتمدة لدينا.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٨ ، الوجيز ١ : ٢٨٤ ، الوسيط ٤ : ٥٠٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٧٣ و ١٧٦ ، التهذيب - للبغوي - ٥ : ١١٧ ، البيان ٦ : ٤٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٨٩ ، المغني ٧ : ٢٨٢ و ٢٨٣ ، الشرح =

١٦٥

في الجميع.

وقال مالك : إنّ له أن يودع زوجته(١) .

وقال أبو العباس ابن سريج من الشافعيّة : إذا استعان بزوجته أو خادمه في خباء الوديعة ولم تغب عن نظره جاز ، ولا ضمان عليه(٢) .

وقال أبو حنيفة وأحمد : له أن يودع مَنْ عليه نفقته من ولدٍ ووالدٍ وزوجةٍ وعبدٍ ، ولا ضمان عليه بكلّ حال ؛ لأنّه حفظ الوديعة بمن يحفظ به ماله ، فلم يلزمه الضمان ، كما لو حفظها بنفسه(٣) .

وهو غلط ؛ لأنّه سلّم الوديعةَ إلى مَنْ لم يرض به صاحبها مع قدرته على صاحبها ، فضمنها ، كما لو سلّمها إلى الأجنبيّ.

والقياس عليه باطل ؛ لأنّه إذا حفظ ماله بخادمه أو زوجته فقد رضي المالك بذلك ، بخلاف صورة النزاع.

مسألة ١٩ : إذا أودع من غير إذن المالك ولا عذر ، ضمن‌ ، وكان لصاحبها أن يرجع على مَنْ شاء منهما إذا تلفت ، فإن رجع على المستودع‌

____________________

= الكبير ٧ : ٢٩٩ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ١٩ ، روضة القُضاة ٢ : ٦١٨ / ٣٥٦٠٤.

(١) بداية المجتهد ٢ : ٣١٢ ، الذخيرة ٩ : ١٦٢ ، البيان ٦ : ٤٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٢ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ١٩.

(٢) البيان ٦ : ٤٣٥ - ٤٣٦ ، حلية العلماء ٥ : ١٧٦.

(٣) تحفة الفقهاء ٣ : ١٧١ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٠٧ - ٢٠٨ ، روضة القُضاة ٢ : ٦١٨ / ٣٥٦٠٣ ، المبسوط - للسرخسي - ١١ : ١٠٩ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١٨ ، الفقه النافع ٣ : ٩٣٩ / ٦٦١ ، المحيط البرهاني ٥ : ٥٢٨ ، المغني ٧ : ٢٨٣ ، الشرح الكبير ٧ : ٢٩٩ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٢٥ / ١٠٦٨ ، بداية المجتهد ٢ : ٣١٢ ، الذخيرة ٩ : ١٦٢ ، حلية العلماء ٥ : ١٧٦ ، التهذيب - للبغوي - ٥ : ١١٧ ، البيان ٦ : ٤٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٢ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ١٩.

١٦٦

الأوّل فلا رجوع له على الثاني ، وإن رجع على المستودع الثاني كان للمستودع الثاني أن يرجع على المستودع الأوّل ؛ لأنّه دخل معه على أن لا يضمن ، وبه قال الشافعي(١) .

وقال أبو حنيفة : ليس للمالك أن يضمن الثاني ؛ لأنّ قبض الثاني تعلّق به الضمان على الأوّل ، فلا يتعلّق به ضمان على الآخَر(٢) .

وهو ممنوع ؛ لأنّه قبض مال غيره ، ولم يكن له قبضه ، فإذا كان من أهل الضمان في حقّه ضمنه ، كما استودعه إيّاه الغاصب.

ودليله ضعيف ؛ لأنّ المستودع الأوّل ضمن بالتسليم ، والثاني بالتسلّم.

مسألة ٢٠ : ولا فرق عندنا بين أن يودع المستودع الوديعةَ عند القاضي أو عند غيره.

وللشافعيّة وجهان - حكاهما [ أبو ](٣) حامد فيما إذا وجد المالك وقدر على الردّ عليه ، وفيما إذا لم يجد - أحدهما : إنّه لا يضمن.

أمّا إذا كان المالك حاضراً : فلأنّ أمانة القاضي أظهر من أمانة المستودع ، فكأنّه جعل الوديعة في مكانٍ أحرز.

وأمّا إذا كان غائباً : فلأنّه لو كان حاضراً لألزمه المودع الردّ ، فإذا كان غائباً ناب عنه القاضي.

والأظهر عند أكثر الشافعيّة : إنّه يضمن.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٧٣ ، البيان ٦ : ٤٣٦ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٢١ ، المغني ٧ : ٢٨٢ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٠١.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ١٧١ - ١٧٢ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٠٨ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١٨ ، المغني ٧ : ٢٨٢ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٠١ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٢١.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ابن ». والصحيح ما أثبتناه.

١٦٧

أمّا إذا كان المالك حاضراً : فلأنّه لا ولاية للقاضي على الحاضر الرشيد ، فأشبه سائر الناس.

وأمّا إذا كان غائباً : فلأنّه لا ضرورة بالمودع إلى إخراجها من يده ، ولم يرض المالك بيد غيره ، فليحفظه إلى أن يجد المالك أو يتجدّد له عذر(١) .

وعلى تقدير تجويز الدفع إلى القاضي هل يجب على القاضي القبول إذا عرضها المستودع عليه؟

أمّا إذا كان المالك حاضراً والتسليم إليه متيسّراً ، فلا وجه لوجوبه عليه.

وأمّا إذا لم يكن كذلك ، ففي إيجاب القبول للشافعيّة وجهان :

أحدهما : المنع ؛ لأنّه التزم حفظه ، فيؤمر بالوفاء به.

وأظهرهما : الإيجاب ؛ لأنّه نائب عن الغائب ، ولو كان المالك حاضراً لألزم القبول(٢) .

ولو دفع الغاصبُ الغصبَ إلى القاضي ، ففي وجوب القبول عليه الوجهان(٣) .

لكن هذه الصورة أولى بعدم الوجوب ، ليبقى مضموناً للمالك.

والمديون إذا حمل الدَّيْن إلى القاضي ، فكلّ موضعٍ لا يجب على ربّ الدَّيْن القبول لو كان حاضراً ففي القاضي أولى ، وكلّ موضعٍ يجب على المالك قبوله ففي القاضي الوجهان(٤) .

وهذه الصورة أولى بعدم الوجوب - وهو الأظهر عندهم(٥) - لأنّ الدَّيْن‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٢ - ٢٩٣ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٨٩ - ٢٩٠.

(٢ - ٥) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٣ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٠.

١٦٨

ثابت في الذمّة لا يتعرّض للتلف ، وإذا تعيّن تعرّض له ، ولأنّ مَنْ في يده العين يثقل عليه حفظها.

وجميع ما ذكرناه فيما إذا استحفظ الغير وأزال يده ونظره على الوديعة ، أمّا إذا استعان به في حملها إلى الحرز فلا بأس ، كما لو استعان في سقي البهيمة وعلفها.

فروع :

أ - لو كانت له خزانة مشتركة بينه وبين أبيه فدفع الوديعة إلى أبيه ليضعها في الخزانة المشتركة ، فالأقرب : الضمان ، إلّا إذا علم المالك بالحال.

ب - لا يجوز أن يضع الوديعة في مكانٍ مشترك بينه وبين غيره‌ ، كدكّانٍ مشترك ودارٍ مشتركة ، فلو وضعها فيه ثمّ أراد الخروج لحاجاته فاستحفظ مَنْ يثق به من متّصليه وكان يلاحظ المحرز في عوداته ، فلا بأس ؛ لأنّه في الحقيقة إيداع مع الحاجة.

ولو فوّض الحفظ إلى بعضهم ولم يلاحظ الوديعة أصلاً ، فالأقرب : الضمان.

ج - لو كان المحرز خارجاً عن داره التي يأوي إليها وكان لا يلاحظه‌ ، فإن كان يشاركه غيره ضمن ، وإلّا فلا.

مسألة ٢١ : لو جعل الوديعة في دار جاره ، فإن كان الموضع محرزاً لا يدخله المالك وكان عاريةً أو مأذوناً فيه فلا ضمان‌ ، وإن لم يكن كذلك ضمن ؛ لأنّه فرّط حيث وضع الوديعة في غير حرزٍ أو في حرزٍ ممنوع منه شرعاً.

ولما رواه محمّد بن الحسن الصفّار قال : كتبت إلى أبي محمّد‌

١٦٩

العسكريعليه‌السلام : رجل دفع إلى رجلٍ وديعةً فوضعها في منزل جاره فضاعت هل تجب عليه إذا خالف أمره وأخرجها من ملكه؟ فوقّععليه‌السلام : « هو ضامن لها إن شاء الله »(١) .

مسألة ٢٢ : إذا أراد المستودع ردَّ الوديعة على صاحبها ، كان له ردّها عليه أو على وكيله في قبضها‌ ؛ لأنّ المستودع لا يلزمه إمساكها.

فإن دفعها إلى الحاكم أو إلى ثقةٍ مع وجود صاحبها أو وكيله ، ضمنها على ما قدّمناه ؛ لأنّ الحاكم والأمين لا ولاية له على الحاضر الرشيد.

وإن لم يقدر على صاحبها ولا وكيله فدفعها إلى الحاكم أو أمينٍ ، فإن كان لغير عذرٍ ضمن ؛ لأنّه لا حاجة به إلى ذلك ، ولا ينوب الحاكم في غير حال الحاجة.

وإن كان به حاجة إلى الإيداع - كأن يخاف حريقاً أو نهباً أو غير ذلك - فدفعها إلى الحاكم أو إلى ثقةٍ ليخلصها من ذلك جاز ، وإن تلفت لا ضمان عليه ؛ لأنّه موضع حاجةٍ ، وقد تقدّم.

مسألة ٢٣ : لو عزم المستودع على السفر ، كان له ذلك‌ ، ولم يلزمه المقام لحفظ الوديعة ؛ لأنّه متبرّع بإمساكها ، ويلزمه ردّها إلى صاحبها أو وكيله في استردادها أو في عامّة أشغاله ، فإن لم يظفر بالمالك ؛ لغيبته ، أو تواريه ، أو حبسه وتعذّر الوصول إليه ، ولا ظفر بوكيله ، فإنّه يدفعها إلى الحاكم ، ويجب عليه قبولها ؛ لأنّه موضوع للمصالح ، فإن لم يجد دَفَعها إلى أمينٍ ، ولا يُكلّف تأخير السفر ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كانت عنده ودائع ، فلـمّا أراد الهجرة سلّمها إلى أُمّ أيمن ، وأمر عليّاًعليه‌السلام بردّها(٢) .

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٨٠ / ٧٩١.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ١٤٢ ، الهامش (٣)

١٧٠

فإن ترك هذا الترتيب فدفعها إلى الحاكم أو إلى الأمين مع إمكان الدفع إلى المالك أو وكيله ، ضمن.

وللشافعيّة خلاف في الحاكم(١) سبق(٢) .

وإن دفع إلى أمينٍ وهو يجد الحاكم ، فللشافعي قولان :

أحدهما - وبه قال علماؤنا ، وأحمد بن حنبل وابن خيران من الشافعيّة والاصطخري منهم - : إنّه يضمنه ؛ لأنّ أمانة الحاكم ظاهرة متّفق عليها ، فلا يُعدل عنها ، كما لا يُعدل عن النصّ إلى الاجتهاد ، ولأنّ الحاكم نائب الغائبين ، فكان كالوكيل ، ولأنّ له ولايةً ، فهو يمسكها بالولاية والعدالة ، بخلاف غيره ، فإنّه ليس له الولاية.

والثاني : إنّه لا يضمن - وبه قال مالك - لأنّه أودع بالعذر أميناً ، فأشبه الحاكم ، ولأنّ مَنْ جاز له دفعها إليه مع عدم الحاكم جاز دفعها إليه مع وجوده ، كوكيل صاحبها(٣) .

وقد نقل أصحاب الشافعي عنه اضطراباً في القول ، فقالوا : هذان القولان للشافعي.

قال في باب الرهن فيما إذا أراد العَدْل ردّ الرهن أو الوديعة - يعني إلى عَدْلٍ - بغير أمر الحاكم : ضمن.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٤ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٠.

(٢) في ص ١٦٦ ، المسألة ٢٠.

(٣) الحاوي الكبير ٨ : ٣٥٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٧٣ ، التهذيب - للبغوي - ٥ : ١١٨ ، البيان ٦ : ٤٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٤ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٠ ، المغني ٧ : ٢٨٣ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٠٤ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٢٥ / ١٠٦٩ ، بداية المجتهد ٢ : ٣١٢ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ١٩ - ٢٠.

١٧١

وقال هنا في ردّ الوديعة : ولو لم يكن حاضراً - يعني ربّ الوديعة - فأودعها أميناً يودعه ماله، لم يضمن. فلم يفرّق بين أن يجد الحاكم أو لا يجد(١) .

ونقل عنه طريقة قاطعة بأنّه يضمن(٢) .

ونقل عنه أيضاً طريقة قاطعة أنّه لا يضمن(٣) .

وحكى بعض الشافعيّة وجهاً : إنّه يشترط أن يكون الأمين الذي يودعه بحيث يأتمنه ويودع ماله عنده(٤) .

لكنّ الظاهر عندهم خلافه ، وقول الشافعي : « يودعه ماله » على سبيل التأكيد والإيضاح(٥) .

مسألة ٢٤ : ولا يجوز للمستودع إذا عزم على السفر أن يسافر بالوديعة‌ ، بل يجب عليه دفعها إلى صاحبها أو وكيله الخاصّ في الاسترداد أو العامّ في الجميع ، فإن لم يوجد أحدهما دفعها إلى الحاكم ، فإن تعذّر الحاكم دفعها إلى أمينٍ ، ولا يسافر بها ، فإن سافر بها مع القدرة على صاحبها أو وكيله أو الحاكم أو الأمين ، ضمن عند علمائنا أجمع ، سواء كان السفر مخوفاً أو غير مخوفٍ - وبه قال الشافعي(٦) - لأنّه سافر بالوديعة من غير ضرورةٍ بغير إذن مالكها فضمن ، كما لو كان الطريق مخوفاً ، ولأنّ حرز‌

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٤ - ٢٩٥.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٥.

(٦) الحاوي الكبير ٨ : ٣٥٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٨ ، الوسيط ٤ : ٥٠١ ، حلية العلماء ٥ : ١٧١ ، التهذيب - للبغوي - ٥ : ١١٨ ، البيان ٦ : ٤٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٥ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩١ ، المغني ٧ : ٢٨٤ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٠٢ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٢٠.

١٧٢

السفر دون حرز الحضر ، وفي الحديث : « إنّ المسافر ومتاعه لعلى قَلَتٍ(١) إلّا ما وقى الله »(٢) .

وقال أبو حنيفة : إذا كان السفر آمناً ، لم يضمن ؛ لأنّه نقل الوديعة إلى موضعٍ مأمون فلم يضمن ، كما لو نقلها في البلد من موضعٍ إلى موضعٍ(٣) .

وهو وجهٌ للشافعيّة ، وكذا إذا كان السفر في البحر إذا كان الغالب فيه السلامة(٤) .

والفرق ظاهر ؛ فإنّ البلد يؤمن أن يطرأ عليه الخوف ، والسفر لا يؤمن فيه مثل ذلك ، ولأنّ البلد في حكم المنزل الواحد وقد رضي مالك الوديعة به ، بخلاف السفر.

مسألة ٢٥ : لو اضطرّ المستودع إلى السفر بالوديعة بأن يضطرّ إلى السفر وليس في البلد حاكم‌ ولا ثقة ولم يجد المالك ولا وكيله ، أو اتّفق جلاءٌ لأهل البلد ، أو وقع حريق أو غارة ونهب ولم يجد المالك ولا وكيله ولا الحاكم ولا العَدْل ، سافر بها ، ولا ضمان عليه إجماعاً ؛ لأنّ حفظها حينئذٍ في السفر بها ، والحفظ واجب ، وإذا لم يتمّ إلّا بالسفر بها كان السفر بها واجباً ، ولا نعلم فيه خلافاً.

____________________

(١) القلت : الهلاك. راجع الهامش التالي.

(٢) غريب الحديث - لابن قتيبة - ٢ : ٥٦٤.

(٣) المبسوط - للسرخسي - ١١ : ١٢٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١٧ ، المحيط البرهاني ٥ : ٥٣١ ، الحاوي الكبير ٨ : ٣٥٧ ، الوسيط ٤ : ٥٠٢ ، حلية العلماء ٥ : ١٧١ ، البيان ٦ : ٤٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٥ - ٢٩٦ ، المغني ٧ : ٢٨٤ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٠٢ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٢٠.

(٤) حلية العلماء ٥ : ١٧١ ، البيان ٦ : ٤٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٥ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩ (١)

١٧٣

أمّا لو عزم على السفر من غير ضرورةٍ في وقت السلامة وأمن البلد وعجز عن المالك ووكيله وعن الحاكم والأمين فسافر بها ، فالأقرب : الضمان ؛ لأنّه التزم الحفظ في الحضر ، فليؤخّر السفر ، أو ليلتزم خطر الضمان ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : إنّه لا ضمان عليه ، وإلّا لزم أن ينقطع عن السفر ، وتتعطّل مصالحه ، وفيه تنفير عن قبول الودائع(١) .

وشرطوا لجواز السفر بها أمن الطريق ، وإلّا فيضمن(٢) .

أمّا عند وقوع الحريق ونحوه فإنّا نقول : إذا كان احتمال الهلاك في الحضر أقرب منه في السفر ، فله أن يسافر بها ، ولو كان الطريق آمناً فحدث خوفٌ أقام.

ولو هجم القطّاع فألقى المال في مضيعة إخفاءً له فضاع ، فعليه الضمان.

مسألة ٢٦ : لو عزم المستودع على السفر فدفن الوديعة ثمّ سافر ، ضمنها إن كان قد دفن في غير حرزٍ.

وإن دفنها في منزله في حرزٍ ولم يُعلمْ بها أحداً ، ضمنها أيضاً ؛ لأنّه غرّر بها ، لأنّه ربما هلك في سفره فلا يصل صاحبها إليها ، ولأنّه ربما يخرب المكان أو يغرق فلا يعلم أحد بمكانها لينقلها فتتلف.

وإن أعلم بها غيره ، فإن كان غير أمينٍ ضمن ؛ لأنّه قد زادها تضييعاً ، لأنّه قد يخون فيها ويطمع.

وإن كان أميناً فإن لم يكن ساكناً في الموضع ، ضمنها ؛ لأنّه لم يودعها‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٦ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٢.

١٧٤

عنده.

وإن كان ساكناً في الموضع ، فإن كان ذلك مع عدم صاحبها والحاكم جاز ؛ لأنّ الموضع وما فيه في يد الأمين ، فالإعلام كالإيداع ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة ، والثاني : إنّه يضمن ؛ لأنّه إعلام لا إيداع(١) .

وإن كان مع القدرة على صاحبها أو وكيله ضمن.

وإن كان مع القدرة على الحاكم ، فعلى الوجهين السابقين.

ولو جعلها في بيت المال ، ضمن ، قاله الشافعي في الأُمّ(٢) .

واختلف أصحابه في معناه.

فمنهم مَنْ قال : أراد بذلك إذا تركها في بيت المال مع القدرة على صاحبها.

ومنهم مَنْ قال : أراد إذا جعلها في بيت المال بنفسه ولم يسلّمها إلى الحاكم(٣) .

ولو خاف المعاجلة عليها فدفنها فلا ضمان.

فروع :

أ - لو راقبها من الجوانب أو من فوق مراقبة الحارس‌ ، فهو كالسكنى في الموضع الذي دُفنت فيه.

ب - قال بعض الشافعيّة : الإعلام كالإيداع‌ من غير فرقٍ بين أن يسكن الموضع أو لا يسكنه(٤) .

____________________

(١) البيان ٦ : ٤٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٥ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩١.

(٢) الأُمّ ٤ : ١٣٥ ، وعنه في البيان ٦ : ٤٣٤.

(٣) البيان ٦ : ٤٣٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٥ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩١.

١٧٥

وإذا دفن الوديعة في غير حرزٍ عند إرادة السفر ، ضمن على ما تقدّم ، إلّا أن يخاف عليها المعاجلة.

وكذا يضمن لو دفنها في حرزٍ ولم يُعلِمْ بها أميناً ، أو أعلم أميناً حيث لا يجوز الإيداع عند الأمين.

ج - هل سبيل هذا الإعلام الإشهاد أو الائتمان؟ إشكال.

وللشافعيّة وجهان(١) .

فعلى الأوّل لا بدّ من إعلام رجلين أو رجل وامرأتين. والظاهر الثاني.

د - كما يجوز إيداع الغير لعذر السفر كذا يجوز لسائر الأعذار‌ ، كما لو وقع في البقعة حريق أو غارة أو خاف الغرق.

وفي معناها ما إذا أشرف الحرز على الخراب ولم يجد حرزاً ينقلها إليه.

ه- لو أودعه حالة السفر فسافر بها أو كان المستودع منتجعاً(٢) فانتجع بها ، فلا ضمان‌ ، لأنّ المالك رضي به حيث أودعه ، فكان له إدامة السفر والسير بالوديعة.

مسألة ٢٧ : إذا مرض المستودع مرضاً مخوفاً أو حُبس ليُقتل ، وجب عليه الإيصاء بالوديعة‌ ، وإن تمكّن من صاحبها أو وكيله ، وجب عليه ردّها إليه ، وإن لم يقدر على صاحبها ولا على وكيله ، ردّها إلى الحاكم.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٨ : ٣٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٥ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩١.

(٢) النجعة : طلب الكلأ في موضعه. الصحاح ٣ : ١٢٨٨ « نجع ».

١٧٦

ولو أودعها عند ثقةٍ مع عدم الحاكم جاز ، وإن كان مع القدرة عليه ضمن.

وللشافعيّة وجهان(١) .

ولو لم يوص بها لكن سكت عنها وتركها بحالها حتى مات ، ضمن ؛ لأنّه غرّر بها وعرّضها للفوات ، فإنّ الورثة يقتسمونها ويعتمدون على ظاهر اليد ولا يحسبونها وديعةً ، ويدّعونها لأنفسهم ، فكان ذلك تقصيراً منه يوجب التضمين.

فروع :

أ - التقصير هنا إنّما يتحقّق بترك الوصاية إلى الموت‌ ، فلا يحصل التقصير إلّا إذا مات ، لكن نتبيّن عند الموت أنّه كان مقصّراً من أوّل ما مرض ، فضمّناه ، أو يلحق التلف إذا حصل بعد الموت بالتردّي بعد الموت في بئرٍ حفرها متعدٍّ.

ب - قد توهّم بعض الناس أنّ المراد من الوصيّة بها تسليمها إلى الوصي‌ ليدفعها إلى المالك ، وهو الإيداع بعينه(٢) .

وليس كذلك ، بل المراد الأمر بالردّ من غير أن يخرجها من يده ، فإنّه والحالة هذه مخيّر بين أن يودع للحاجة ، وبين أن يقتصر على الإعلام والأمر بالردّ ؛ لأنّ وقت الموت غير معلومٍ ، ويده مستمرّة على الوديعة ما دام حيّاً.

ج - الأقرب : الاكتفاء بالوصيّة وإن أمكنه الردّ إلى المالك‌ ؛ لأنّه‌

____________________

(١) البيان ٦ : ٤٣٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٦.

١٧٧

مستودع لا يدري متى يموت ، فيستصحب الحكم.

ويحتمل أنّه يجب عليه الردّ إلى المالك أو وكيله عند المرض ، فإن تعذّر أودع عند الحاكم أو أوصى إليه ، كما إذا عزم على السفر ، وهو قول أكثر الشافعيّة(١) .

د - يجب الإيصاء إلى الأمين‌ ، فإن أوصى إلى غير ثقةٍ ، فهو كما لو لم يوص ، ويجب عليه الضمان ؛ لأنّه غرّر بالوديعة.

ولا يجب أن يكون أجنبيّاً ، بل يجوز أن يوصي بها إلى وارثه ، ويُشهد عليه ؛ صوناً لها عن الإنكار.

وكذا الإيداع حيث يجوز أن يودع أميناً.

مسألة ٢٨ : إذا أوصى بالوديعة ، وجب عليه أن يبيّنها ويميّزها عن غيرها‌ بالإشارة إلى عينها أو بيان جنسها ووصفها ، فلو لم يبيّن الجنس ولا أشار إليها بل قال : عندي وديعة ، فهو كما لو لم يوص.

ولو ذكر الجنس فقال : عندي ثوب لفلان ، ولم يصفه ، فإن لم يوجد في تركته جنس الثوب ، فأكثر علمائنا على أنّ المالك يضارب ، فيضارب ربّ الوديعة الغرماء بقيمة الوديعة ؛ لتقصيره بترك البيان ، وهو قول بعض الشافعيّة ، وهو ظاهر مذهبهم(٢) أيضاً.

وقال بعضهم : لا يضمن ؛ لأنّها ربما تلفت قبل الموت ، والوديعة أمانة ، فلا تُضمن بالشكّ(٣) .

وإن وُجد في تركته جنس الثوب ، فإمّا أن يوجد أثواب أو ثوب واحد ، فإن وُجد أثواب ضمن ؛ لأنّه إذا لم يميّز كان بمنزلة ما لو خلط الوديعة‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٧ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٢.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٧ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٣.

١٧٨

بغيرها ، وذلك سبب موجب للضمان ، فكذا ما ساواه ، وهو عدم تنصيصه على التخصيص.

وإن وُجد ثوبٌ واحد ، ففي تنزيل كلامه عليه إشكال.

قال بعض الشافعيّة : إنّه ينزّل عليه ، ويدفع إليه(١) .

ومنهم مَنْ أطلق القول بأنّه إذا وجد جنس الثوب ضمن ، ولا يدفع إليه عين الموجود.

أمّا الضمان : فللتقصير بترك البيان.

وأمّا أنّه لا يدفع إليه عين الموجود : فلاحتمال أن تكون الوديعة قد تلفت ، والموجود غيرها(٢) . وهو جيّد.

ولهم وجهٌ آخَر : إنّه إنّما يضمن إذا قال : عندي ثوب لفلان ، وذكر معه ما يقتضي الضمان ، أمّا إذا اقتصر عليه فلا ضمان(٣) .

مسألة ٢٩ : لو مات ولم يذكر عنده وديعة ولكن وُجد في تركته كيس‌ مختوم أو غير مختومٍ مكتوب عليه : إنّه وديعة فلان ، أو وُجد في جريدته : إنّ لفلان عندي كذا وكذا وديعة ، لم يجب على الوارث التسليم بهذا القدر ؛ لأنّه ربما كتبه عبثاً ولهواً أو تلقّناً(٤) أو ربما اشترى الكيس بعد تلك الكتابة فلم يمحها ، أو ردّ الوديعة بعد ما أثبت في الجريدة ولم يمحه.

وبالجملة ، إنّما يثبت كونها وديعةً بأن يُقرّ أنّ هذه وديعة ، ثمّ يموت ، ولا يكون متّهماً في إقراره عندنا ومطلقاً عند جماعةٍ من علمائنا ، أو يُقرّ الورثة بأنّها وديعة ، أو تقوم البيّنة بذلك ، فإذا ثبتت الوديعة بأحد‌

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٧ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٣.

(٤) كذا قوله : « تلقّناً » ، وبدله في العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٨ ، وروضة الطالبين ٥ : ٢٩٤ : « تلبيساً ».

١٧٩

هذه الوجوه وجب على الورثة دفعها إلى مالكها ، فإن أخّروا الدفع مع الإمكان ضمنوا.

ولو لم يعلم صاحبها بموت المستودع ، وجب على الورثة إعلامه ذلك ، ولم يكن لهم إمساك الوديعة إلى أن يطلبها المالك منهم ؛ لأنّ المالك لم يأمنهم عليها ، وذلك كما لو أطارت الريح ثوباً إلى دار إنسانٍ وعلم صاحبها فإنّ عليه إعلامه ، فإن أخّر ذلك مع إمكانه ضمن.

تذنيب : لو لم يوص المستودع بالوديعة فادّعى ربّ الوديعة أنّه قصّر‌ ، وقال الورثة : لعلّها تلفت قبل أن ينسب إلى التقصير ، فالظاهر براءة الذمّة.

ويحتمل الضمان.

تذنيبٌ آخَر : جميع ما قلناه ثابت فيما إذا وجد فرصةً للإيداع أو الوصيّة‌ ، أمّا إذا لم يجد بأن مات فجأةً أو قُتل غيلةً ، فلا ضمان ؛ لأنّه لم يقصّر.

مسألة ٣٠ : قد بيّنّا الخلاف فيما إذا كان عنده وديعة ثمّ مات ولم توجد في تركته ، وأنّ الذي يقتضيه النظر عدم الضمان.

والذي عليه فتوى أكثر العلماء منّا ومن الشافعيّة(١) وجوب الضمان.

وقد قال الشافعي : إذا لم توجد بعينها حاصّ المالك الغرماء(٢) .

واختلف أصحابه في هذه المسألة على ثلاث طُرق :

منهم مَنْ قال : إنّما يحاصّ الغرماء بها إذا كان الميّت قد أقرّ قبل موته ، فقال : عندي أو علَيَّ وديعة لفلان ، فإذا لم تُوجد ، كان الظاهر أنّه أقرّ‌

____________________

(١) راجع الهامش (٢) من ص ١٧٧.

(٢) الأُم ٤ : ١٣٨ ، الحاوي الكبير ٨ : ٣٨٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٧٦ - ١٧٧.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

اقتفيت اثره غير أني أوردت الآيات والأحاديث في خلال الحكايات »(١) .

(٨٨)

رواية جلال الدين السيوطي

لقد روى جلال الدين السيوطي حديث مدينة العلم وأثبته وحققه في جملة من مصنفاته:

قال في ( القول الجلى ) « الحديث السادس عشر - وعنه - أي علي كرم الله وجهه - إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أنا مدينة العلم وعلي بابها. أخرجه أبو نعيم في المعرفة.

الحديث السابع عشر عن جابر: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب. أخرجه الحاكم وتعقب.

الحديث الثامن عشر - عن ابن عباس: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأته من بابه. أخرجه الطبراني ».

القول الجلي

وقد قال السيوطي في أول كتابه ( القول الجلي ): « وبعد، فهذه نبذة من قطرة من قطرات بحار زاخرة، أوردت فيها يسيراً من المناقب الباهرة، لسيدنا علي كرم الله وجهه، ملقبة بالقول الجلي في فضائل علي، وضمنتها أربعين حديثاً مختصرة متبعة بالعزو لمخرجيها وبعض غريب ألفاظها ومشكل معانيها، والله أسأل أن يتحفني بالقبول، وأن يرزقني ببركة الاستمساك بحب آل البيت أشرف مأمول ».

وقد عدّه ( الدهلوي ) في ( رسالة أصول الحديث ) والمولوي صديق حسن

____________________

(١). كشف الظنون ١ / ٩٢٦.

٢٢١

خان القنوجي في ( الحطة في ذكر الصحاح الستة ) في كتب أحاديث المناقب التي صنّفها كبار المحدثين، حيث قالا - واللفظ للثاني -: « وأحاديث المناقب والمثالب تسمى علم المناقب، وفيها أيضاً تصانيف عديدة متنوعة، وقد أفرز بعض المحدثين مناقب بعضهم عن بعض سيما مناقب الآل والأصحاب لغرض تعلق به، كمناقب قريش، ومناقب الأنصار، ومناقب العشرة المبشرة المسماة بالرياض النضرة في مناقب العشرة المبشرة للمحب الطبري، وذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى، وحلبة الكميت في مناقب أهل البيت، والديباج في مناقب الأزواج. وصنفت كتب كثيرة في مناقب الخلفاء الراشدين كالقول الصواب في مناقب عمر ابن الخطاب، والقول الجلي في مناقب علي، وللنسائي رسالة طويلة الذيل في مناقبه كرم الله وجهه، وعليها نال الشهادة في دمشق من أيدي نواصب الشام، لفرط تعصبهم وعداوتهم معهرضي‌الله‌عنه ».

وقال السيوطي في ( جمع الجوامع ): « أنا مدينة العلم وعلي بابها ومن أراد العلم فليأت الباب: ك وتعقب عن جابر، ك‍ وتعقب، والخطيب عن ابن عباس.

أنا مدينة العلم وعلي بابها. أبو نعيم في المعرفة عن علي.

أنا مدينة العلم وعلي بابها ومن أراد العلم فليأته من بابه. طب عن ابن عباس »(١)

ورواه في ( الجامع الصغير ) بقوله: « أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب. عق عد طب ك »(٢)

وقال في ( الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة ): « حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها. الترمذي من حديث علي وقال منكر، وأنكره البخاري أيضاً، والحاكم في مستدركه من حديث ابن عباس وقال: صحيح، قال الذهبي: بل هو موضوع

____________________

(١). جمع الجوامع ١ / ٣٨٨.

(٢). الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير بشرح المناوي ٣ / ٤٧.

٢٢٢

وقال أبو زرعة: كم خلق افتضحوا فيه، وقال يحيى بن معين: لا أصل له، وكذا قال أبو حاتم ويحيى بن سعيد، قال الدارقطني: غير ثابت، وقال ابن دقيق العيد:لم يثبتوه، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات.

وقال الحافظ أبو سعيد العلائي: الصواب أنه حسن باعتبار طرقه لا صحيح ولا ضعيف، فضلاً عن أن يكون موضوعاً.

قلت: وكذا قال شيخ الاسلام ابن حجر في فتوى له، وقد بسطت كلام العلائي وابن حجر في التعقبات التي لي على الموضوعات »(١) .

وقال في ( تاريخ الخلفاء ): « وأخرج البزار والطبراني في الأوسط عن جابر بن عبد الله، وأخرج الترمذي والحاكم عن علي قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها هذا حديث حسن على الصواب لا صحيح كما قال الحاكم ولا موضوع كما قاله جماعة منهم ابن الجوزي والنووي، وقد بيّنت حاله في التعقبات على الموضوعات »(٢) .

وتعقّب في ( النكت البديعات على الموضوعات ) على ابن الجوزي في حكمه بوضعه قائلاً: « حديث ت ك: أنا مدينة العلم وعلي بابها، أورده من حديث علي وابن عباس. قلت: حديث علي أخرجه الترمذي والحاكم، وحديث ابن عباس أخرجه الحاكم والطبراني، وحديث جابر أخرجه الحاكم. وتعقّب الحافظ أبو سعيد العلائي على ابن الجوزي في هذا الحديث بفصل طويل سقته في الأصل وملخّصه أن قال:

هذا الحديث حكم ابن الجوزي وغيره بوضعه، وعندي في ذلك نظر، إلى أن قال: والحاصل أنه ينتهي بطرقه إلى درجة الحسن المحتج به، ولا يكون ضعيفاً فضلاً عن أن يكون موضوعاً. ورأيت فيه فتوى قدّمت للحافظ ابن حجر فكتب عليها: هذا الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك وقال إنه صحيح، وخالفه ابن

____________________

(١). الدرر المنتثرة في الاحاديث المشتهرة: ٢٣.

(٢). تاريخ الخلفاء: ١٧٠.

٢٢٣

الجوزي فذكره في الموضوعات وقال: إنه كذب، والصواب خلاف قوليهما معاً، وأن الحديث من قسم الحسن لا يرتقى إلى الصحة ولا ينحط إلى الكذب، وبيان ذلك يستدعي طولاً. ولكنّ هذا هو المعتمد، هذا لفظه بحروفه ».

وكذا فعل في ( اللئالي المصنوعة ) وانتقد حكم ابن الجوزي مستشهداً بكلمات الحاكم والخطيب والعلائي وابن حجر العسقلاني(١) .

وهكذا في ( قوت المغتذي على جامع الترمذي ) حيث شيّد أركانه وأثبته بكلام العلائي وابن حجر المتقدمين في محلّهما.

بل حكم بصحّته في كتاب ( جمع الجوامع ) حيث قال ما نصه: « قال الترمذي وابن جرير معاً: ثنا إسماعيل بن موسى السري أنا محمد بن عمر الرومي عن شريك عن سلمة بن كهيل عن سويد بن غفلة عن الصنابحي عن علي قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا دار الحكمة وعلي بابها. حل. قال الترمذي: هذا حديث غريب، وفي نسخة: منكر، وروى بعضهم هذا الحديث عن شريك ولم يذكروا فيه عن الصنابحي ولا نعرف هذا الحديث عن أحد من الثقات غير شريك، وفي الباب عن ابن عباس.

وقال ابن جرير: هذا خبر عندنا صحيح، وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيماً غير صحيح لعلّتين: إحداهما أنه خبر لا يعرف له مخرج عن علي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا من هذا الوجه. والأخرى: إن سلمة بن كهيل عندهم ممن لا يثبت بنقله حجة، وقد وافق علياً في رواية هذا الخبر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غيره: حدثني محمد بن إسماعيل الفزاري ثنا عبد السلام بن صالح الهروي ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأتها من بابها. حدثني إبراهيم بن موسى الرازي - وليس بالفراء - ثنا أبو معاوية بإسناده مثله، هذا الشيخ لا أعرفه ولا سمعت منه غير هذا الحديث انتهى كلام ابن جرير.

____________________

(١). اللئالي المصنوعة ١ / ٣٣٢.

٢٢٤

وقد أورد ابن الجوزي في الموضوعات حديث علي وابن عباس وأخرج ك حديث ابن عباس وقال: صحيح الاسناد. وروى خط في تاريخه عن يحيى بن معين أنه سئل عن حديث ابن عباس فقال: هو صحيح. وقال عد في حديث ابن عباس: انه موضوع.

وقال الحافظ صلاح الدين العلائي: قد قال ببطلانه أيضاً الذهبي في الميزان وغيره، ولم يأتوا في ذلك بعلة قادحة سوى دعوى الوضع دفعاً بالصدر. وقال الحافظ ابن حجر في لسانه: هذا الحديث له طرق كثيرة في مستدرك الحاكم أقل أحوالها أن يكون للحديث أصل، فلا ينبغي أن يطلق القول عليه بالوضع، وقال في فتوى له: هذا الحديث أخرجه ك‍ في المستدرك وقال: انه صحيح، وخالفه ابن الجوزي فذكره في الموضوعات وقال انه كذب، والصواب خلاف قوليهما معاً وإن الحديث من قسم الحسن، لا يرتقي إلى الصحة ولا ينحط إلى الكذب، وبيان ذلك يستدعي طولا ولكن هذا هو المعتمد في ذلك انتهى.

وقد كنت أجيب بهذا الجواب دهراً إلى أن وقفت على تصحيح ابن جرير لحديث علي في تهذيب الآثار، مع تصحيح ك لحديث ابن عباس، فاستخرت الله تعالى وجزمت بارتقاء الحديث عن رتبة الحسن إلى مرتبة الصحة. والله أعلم »(١)

وصنّف السيوطي جزء في طرق حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها، كما نص على ذلك في فهرست مصنفاته في الكتب التي صنّفها في فن الحديث وتعلقاته، وقد أورد الفهرست في ترجمته لنفسه في ( حسن المحاضرة ).

ترجمته:

١ - الشعراني ترجمة مطولة في ( لواقح الأنوار ) نلخصها فيما يلي: « ومنهم شيخنا وقدوتنا إلى الله الشيخ جلال الدين السيوطيرحمه‌الله تعالى، وقد ذكر الشيخ عبد القادر الشاذلي بعض مناقبه في جزء، وها أنا ملخص لك عيونه فأقول

____________________

(١). جمع الجوامع ١ / ٣٨٨.

٢٢٥

وبالله التوفيق: كان الشيخ جلال الدينرحمه ‌الله تعالى مجبولاً على الخصال الحميدة الجميلة من صفاء الباطن وسلامة السريرة وحسن الاعتقاد، زاهداً ورعاً مجتهداً في العلم والعمل، وله من المؤلفات أربعمائة وستون مؤلفاً مذكورة في فهرست كتبه من عشر مجلَّدات إلى ما دونها، وانتشرت مؤلفاته في البلاد، وكانرضي‌الله‌عنه يقول: قد رزقني الله تعالى التبحّر في سبعة علوم: التفسير والحديث والفقه والنحو والمعاني والبيان والبديع، وكانرضي‌الله‌عنه يقول: قد بلغت مقام الكمال في جميع آلات الاجتهاد المطلق المنتسب، وصرّحت بذلك تحدّثا بنعمة الله تعالى، قال: وأما أنا فأحفظ مائتي ألف حديث، ولو وجدت أكثر لحفظته، ولعلّه لا يوجد على وجه الأرض الآن أكثر من ذلك، وأما الاجتهاد في الفقه فقد ألّفنا فيه كتبا، وكان يقول: ما أجبت قط عن مسألة إلّا وأعددت لها جواباً بين يدي الله عز وجلّ إنْ سئلت عنه.

وكانرضي‌الله‌عنه أعلم أهل زمانه بالفقه والحديث وفنونه، حافظاً متفنناً، يعرف غريب ألفاظه واستنباط الأحكام، وكانرضي‌الله‌عنه يجتمع بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقظة، ومناقب الشيخ كثيرة مشهورة ».

٢ - العيدروس اليمني « وفي يوم الجمعة وقت العصر تاسع عشر جمادى الأولى، سنة إحدى عشرة توفي الشيخ العلّامة الحافظ أبو الفضل جلال الدين السيوطي المصري الشافعي ووصلت مصنفاته نحو ستمائة مصنف، سوى ما رجع عنه وغسله، وولي المشيخة في مواضع متعددة من القاهرة، ثم إنه زهد في جميع ذلك وانقطع إلى الله بالروضة، وكانت له كرامات وعلم غالبها بعد وفاته »(١) .

٣ - أبو مهدي الثعالبي في ( مقاليد الأسانيد ) بقوله: « هو الامام الحافظ أبو الفضل له التصانيف التي عمّ نفعها وعظم في نفوس ذوي الكمال وقعها، واغتبط بها الشادي والبادي، وانتجع إلى خصيب مرعاها الحاضر والبادي، وقد

____________________

(١). النور السافر عن أخبار القرن العاشر ٥٤ - ٥٨.

٢٢٦

أفرد أسماءها في جزء ».

٤ - ووصفه محمد بن يوسفالشامي في أوّل ( سبل الهدى والرشاد ) بـ « شيخنا حافظ الاسلام بقية المجتهدين الأعلام ».

٥ - والمناوي بـ « الحافظ الكبير الامام الجلال »(١) .

٦ - والمقرّي المالكي في ( فتح المتعال في مدح النعال ) بـ « مجدّد المائة التاسعة ومقرب الفوائد الشاسعة الجلال السيوطي ».

٧ - والقشاشي بـ « شيخ الاسلام الحافظ الزاهد الجامع بين العلم والدين السالك سبيل السادة الأقدمين »(٢) .

والجدير بالذّكر: إن السيوطي شيخ مشايخ والد ( الدهلوي ) كما في ( الإرشاد إلى مهمّات الاسناد ) حيث قال: « فصل: قد اتصل سندي والحمد لله بسبعة من المشايخ الجلة الكرام الأئمة القادة الأعلام من المشهورين بالحرمين المحترمين المجمع على فضلهم من بين الخافقين

فصل: سند هؤلاء المشايخ السبعة ينتهي إلى الامامين الحافظين القدوتين الشهيرين بشيخ الاسلام زين الدين زكريا والشيخ جلال الدين السيوطي ».

كما أنه من مشايخه في سلسلة التصوف والخرقة كما في ( الانتباه في سلاسل أولياء الله ) وقد ذكر ذلك ولده ( الدهلوي ) في ( رسالة أصول الحديث ) أيضاً.

(٨٩)

رواية نور الدين السمهودي

وقد رواه نور الدين علي بن عبد الله السمهودي وأثبته إذ قال: « وقد أخرج

____________________

(١). فيض القدير في شرح الجامع الصغير - مقدمة الكتاب.

(٢). السمط المجيد: ٨٦.

٢٢٧

ابن السمان عن أبي سعيد الخدريرضي‌الله‌عنه أنه سمع عمر يقول لعلي رضي الله عنهما - وقد سأله عن شيء فأجابه ففرّج عنه -: لا أبقاني الله بعدك يا علي. قال الزين العراقي في شرح التقريب في ترجمة عليرضي‌الله‌عنه قال عمررضي‌الله‌عنه : أقضانا علي، وكان يتعوّذ من معضلة ليس لها أبو حسن. انتهى، وهذا التعوّذ رواه الدارقطني وغيره ولفظه: أعوذ بالله من معضلةٍ ليس لها أبو حسن، وفي رواية له عن أبي سعيد الخدري قال: قدمنا مع عمر مكة ومعه علي بن أبي طالب فذكر له علي شيئاً فقال عمر: أعوذ بالله أن أعيش في قومٍ لست فيهم يا أبا الحسن قالوا: وإنما لم يولّه شيئاً من البعوث لأنه كان يمسكه عنده لأخذ رأيه ومشاورته. وأخرج الحافظ الذهبي عن عبد الملك بن أبي سليمان قال: ذكر لعطاء أكان أحد من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفقه من علي؟ قال: لا والله ما علمته.

قلت: وهذا وأشباهه مما جاء في فضيلة علي في هذا الباب شاهد لحديث أنا مدينة العلم وعلي بابها، رواه الامام أحمد في الفضائل عن عليرضي‌الله‌عنه والحاكم في المناقب من مستدركه، والطبراني في معجمه الكبير، وأبو الشيخ ابن حيان في السنة له، وغيرهم، كلّهم عن ابن عباس مرفوعاً بزيادة: فمن أراد العلم فليأت الباب.

ورواه الترمذي من حديث علي مرفوعاً: أنا مدينة العلم وعلي بابها، وقال الترمذي عقب هذا: إنه منكر، وكذا قال شيخه البخاري، وقال الحاكم عقب الأول: إنه صحيح الاسناد، وأورده ابن الجوزي مع الثاني في الموضوعات.

وقال الحافظ أبو سعيد العلائي: الصّواب أنه حسن باعتبار طرقه لا صحيح ولا ضعيف، فضلاً عن أن يكون موضوعاً، وكذا قال الحافظ ابن حجر في فتوىً له »(١) .

____________________

(١). جواهر العقدين - مخطوط.

٢٢٨

ترجمته:

ترجم له وأثنى عليه واعتمد على كلماته في الكتاب المذكور وغيره جل من تأخر عنه من العلماء الاعلام راجع:

١ - السخاوي في ( الضوء اللامع ).

٢ - جار الله بن فهد المكي في ( ذيل الضوء اللّامع ).

٣ - قطب الدين المكي في ( الإِعلام بأعلام بيت الله الحرام ).

٤ - العيدروس اليمني في ( النور السافر ).

٥ - العدثاني في ( عجالة الراكب وبلغة الطالب ).

٦ - محمد بن يوسف الشامي في ( سبل الهدى والرشاد ).

٧ - ابن باكثير المكي في ( وسيلة المآل ).

٨ - الشيخاني في ( الصراط السوى ).

٩ - عبد الحق الدهلوي في ( جذب القلوب ).

١٠ - الكردي الكوراني في ( بلغة المسير ).

١١ - تاج الدين الدهان في ( كفاية المتطلع ).

١٢ - رضي الدين الشامي في ( تنضيد العقود السنية ).

١٣ - البزرنجي في ( الإِشاعة ) و ( النواقض ).

١٤ - البدخشي في ( مفتاح النجا ).

١٥ - العجيلي في ( ذخيرة المآل ).

١٦ - الشوكاني في ( البدر الطالع ).

١٧ - رشيد الدين الدهلوي في ( إيضاح لطافة المقال ).

١٨ - حيدر علي في ( إزالة الغين ).

وقد أوردنا شطراً من عبارات هؤلاء القوم في مجلد ( حديث الغدير ). وانظر: الضوء اللامع ٥ / ٢٤٥، البدر الطالع ١ / ٤٧٠، النور السافر ٨٥ - ٦٠.

٢٢٩

جواهر العقدين:

قال في ( كشف الظنون ): « جواهر العقدين في فضل الشرفين شرف العلم الجلي والنسب العلي، للسيد نور الدين أبي الحسن علي بن عبد الله السمهودي المدني الشافعي المتوفى سنة إحدى عشرة وتسعمائة، وهو مجلد أوله: الحمد لله الذي أعز أوليائه الخ، رتب على قسمين الأول في فضل العلم والعلماء وفيه ثلاثة أبواب، والثاني في فضل أهل البيت النبوي وشرفهم وفيه خمسة عشر بابا، ذكر أنه فرغ من تأليفه سنة ٨٩٨ »(١) .

وقد ذكر رشيد الدين خان كتاب ( جواهر العقدين ) في الكتب التي ألّفها علماء أهل السنة في مناقب أهل البيت النبوي عليهم الصلاة والسلام.

كما يظهر اعتباره من كلام السمهودي نفسه في خطبة الكتاب.

(٩٠)

تصحيح ابن روزبهان

وقد اعترف فضل الله بن روزبهان الخنجي الشيرازي - مع ما هو عليه من التعصب والتعنت - بصحة حديث مدينة العلم، إذ قال في ( ابطال الباطل ) في جواب كلام العلامة الحليرحمه‌الله واستدلاله بأعلمية أمير المؤمنينعليه‌السلام لإِثبات الإِمامة، ثم استشهاده بحديث الترمذي في صحيحه: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أنا مدينة العلم وعلي بابها.

قال ابن روزبهان: « ما ذكره المصنف من علم أمير المؤمنين فلا شك في أنه من علماء الأمة، والناس محتاجون إليه فيه وكيف لا؟ وهو وصي النبي صلّى الله

____________________

(١). كشف الظنون ١ / ٦١٤.

٢٣٠

عليه وسلّم في إبلاغ العلم وبدائع حقائق المعارف، فلا نزاع لأحد فيهٍ. وأمّا ما ذكره من صحيح الترمذي فصحيح ».

وقال بجواب قوله « التاسع عشر: في مسند أحمد بن حنبل وصحيح مسلم قال: لم يكن أحد من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول سلوني إلّا علي بن أبي طالب. و قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها » قال:

« هذا يدل على وفور علمه واستحضاره أجوبة الوقائع واطلاعه على العلوم والمعارف، وكلّ هذه الأمور مسلّمة، ولا دليل على النص ».

فهذا منه اعتراف بصحة حديث مدينة العلم مع ما هو عليه من العناد واللجاج مع الحق وأهله، فالعجب من ( الدهلوي ) كيف تفوّه بالطعن في سند هذا الحديث؟

ترجمته:

ترجم له شمس الدين السخاوي(١) . وأثنى عليه رشيد الدين خان الدهلوي، واعتمد على أقواله في مختلف كتبه، كما نسج على منواله وتبعه في خرافاته حيدر علي صاحب ( منتهى الكلام ) في مواضع من كتابه.

وبالجملة، فهو من أكابر محدثي أهل السنة، ومن مشاهير متكلّميهم، وقد ذكرنا ترجمته في مجلد ( حديث الطير ).

(٩١)

إثبات العز ابن فهد المكي

وقال عز الدين عبد العزيز عمر المعروف بابن فهد الهاشمي المكّي، بترجمة

____________________

(١). الضوء اللّامع ٦ / ١٧١.

٢٣١

مولانا عليعليه‌السلام :

« مفرق الكتائب ومفرج النوائب، عضنفر الهيجاء بلا مرية وهزبر المعامع من غير ما فرية، معدن الفضائل وطيب الشمائل، ذي العدل العميم والفضل الجسيم المجمع على كمال سيادته، المتفق على شدة إبائه وفرط شجاعته، ذي السبق والأخوة والمنعة والفتوة، زوج البتول وابن عم الرسول، ليث بني غالب ذي الفضائل والمناقب، أمير المؤمنين علي الذي فضله بين الأنام جلى، عليه من ربّه الرحمة والرضوان ما اختلف الملوان:

ليث الحروب المدره الضرغام من

بحسامه جاب الدياجي والظلم

صهر الرسول أخوه باب علومه

أقضى الصحابة ذو الشمائل والشيم

الزهد والورع الشديد شعاره

ودثاره العدل العميم مع الكرم

في جوده ما البحر ما التيار ما

كل السيول وما الغوادي والديم

وله الشجاعة والشهامة والحيا

وكذا الفصاحة والبلاغة والحكم

ما عنتر ما غيره في البأس ما

أسد الشرى معه إذا الحرب اصطلم

ما نجل ساعدة البليغ لديه ما

سحبان إن نثر الكلام وإن نظم

حاز الفضائل كلها سبحان من

من فضله أعطاه ذاك من القدم

نصر الرسول وكم فداه فيا له

من نجل عم فضله للخلق عم

كل أقر بفضله حقا وذا

أمر جلي في علي ما انبهم

فعليه منّي ألف ألف تحية

وعلى الصحابة كلهم أهل الذمم »(١)

ترجمته:

١ - السخاوي بقوله: « عبد العزيز بن عمر بن محمد بن محمد بن أبي الخير محمد العز أبو فارس وأبو الخير، ابن صاحبنا النجم أبي القاسم الهاشمي المكي الشافعي ويعرف كسلفه « ابن فهد ». برع في الحديث طلباً وضبطاً وأذنت

____________________

(١) غاية المرام بأخبار سلطنة البلد الحرام - ترجمة أمير المؤمنينعليه‌السلام .

٢٣٢

له في التدريس والافادة والتحديث، وكذا أذن له الجوجري في تدريس الفقه والنحو والافادة، والمحيوي ضمن جماعة في إقراء الألفية، وليس بعد أبيه ببلاد الحجاز من يدانيه في الحديث، مع المشاركة في الفضائل، وجودة الخط والفهم، وجميل الهيئة وعلي الهمة، والمروة والتخلق بالأوصاف الجميلة، والتقنّع باليسير وإظهار التجمل وعدم التشكي، وهو حسنة من حسنات بلده »(١) .

٢ - ابنهجار الله ابن فهد وقال: « وبعد المؤلف انفرد بها وصار شيخ المحدثين فيها، وأخذ عنه غالب مروياته خلق من أهلها والقادمين عليها »(٢) .

٣ - وقالتاج الدين المكي في كتابه ( كفاية المتطلع ) الذي جمع فيه مرويّات شيخه حسن العجيمي ما نصّه: « الموطأ رواية أبي عبد الرحمن عبد الله بن سلمة القعنبيرحمه‌الله تعالى - أخبر به عن الامام صفي الدين أحمد بن محمد القشاشي عن الشيخ عبد الرحمن بن عبد القادر بن فهد الهاشمي عن عمه الرحلة محمد جار الله ابن الرحلة عز الدين عبد العزيز ابن الحافظ عمر ابن الحافظ تقي الدين بن فهد قال أخبرني والدي عمر بن فهد مع ابن عمه شيخنا الخطيب محب الدين النويري ».

ويستفاد من هذه العبارة أيضاً كون « عبد العزيز بن فهد » من مشايخ « الشيخ حسن العجيمي » المعلوم كونه أحد السبعة من مشايخ « شاه ولي الله الدهلوي »، فهو إذن من شيوخ مشايخ والد ( الدهلوي ).

____________________

(١). الضوء اللامع ٤ / ٢٢٤.

(٢). ذيل الضوء اللامع. وتوجد ترجمته في شذرات الذهب ٨ / ١٠٠.

٢٣٣

(٩٢)

إثبات القسطلاني

ولقد أثبته شهاب الدين أحمد بن محمد القسطلاني الشافعي حيث قال في ذكر أسماء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « والذي رأيته في كلام شيخنا في القول البديع، والقاضي عياض في الشفاء، وابن العربي في القبس والاحكام له، وابن سيد الناس، وغيرهم، يزيد على الأربعمائة، وقد سردتها مرتبة على حروف المعجم ».

ثم ذكر في حرف الميم أسماء لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منها « مدينة العلم »(١) .

ترجمته:

١ - السخاوي في ( الضوء اللامع ٢ / ١٠٣ ).

٢ - ابن فهد المكي في ( ذيل الضوء اللامع ).

٣ - الشعراني في ( لواقح الأنوار ).

٤ - العيدروس في ( النور السافر: ١١٣ ).

٥ - الثعالبي في ( مقاليد الأسانيد ).

٦ - القشاشي في ( السمط المجيد: ٩٧ ).

٧ - الدهان المكي في ( كفاية المتطلع ).

٨ - الشوكاني في ( البدر الطالع ١ / ١٠٢ ).

____________________

(١). المواهب اللدنية ١ / ١٨٣.

٢٣٤

٩ - ( الدهلوي ) في ( بستان المحدّثين ).

١٠ - صدّيق حسن خان في ( اتحاف النبلاء المتقين ).

قال ابن فهد: « كثرت مؤلفاته واشتهرت، منها المواهب اللدنية بالمنح المحمدية عظيم في بابه، وإرشاد الساري على صحيح البخاري مزجاً في أربع مجلّدات، وشرح صحيح مسلم مثله لم يكمله، واشتهر بالصلاح والتقشّف على طريق أهل الفلاح مات في ليلة الجمعة سابع المحرم سنة ٣٩٣ ولم يخلف بعده مثله. نفعنا الله ببركاته ».

(٩٣)

إثبات جلال الدين الدواني

ولقد أثبت جلال الدين محمد بن أسعد الدواني الصديقي حديث مدينة العلم إذ قال في ( شرح الزوراء ) ما نصه: « فأوّل ما أقول: إن لهذه الرسالة شأناً وهو: إني رأيت في منامي - في خارج بغداد ظاهر دار السلام على قرب من شاطئ الزوراء - أمير المؤمنين يعسوب الموحدين علياً كرّم الله وجهه في مبشرة طويلة محصلها: إنه كرم الله وجهه كان ملتفتاً إليّ بنظر العناية، ومعتنياً بشأني بطريق الكلائه، فصار ذلك باعثاً على أن أعلق رسالة معنوية باسمه العالي متبرّكاً به، وأتلوها على روضته المقدسة وقت التشرف بزيارته والاكتحال بنور تراب عتبته، وكنت متردداً في تعيين المقصد في تلك الرسالة، فتارة كنت أعزم أن اكتبها في تحقيق ماهية العلم لمناسبة قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها، وأخرى يخطر ببالي غير ذلك، ولم يتعين شيء من الخواطر، إلى أن وفّقني الله تعالى للاستسعاد بلثم العتبة القدسية الغروية والمقدسة الحائرية على النبي وعلى ساكنيهما الصلاة والسلام، ثم بعد المراجعة سألني واحد من أصحابي المستعدين

٢٣٥

لدرك الحقائق ممن كان له درك رائق وذهن فائق، كريم الشيم والسجايا، حسن الاسم والمسمى، وقد قرأ علي كتاب حكمة الاشراق للشيخ الأجل والحكيم الأكمل شهاب الدين السهروردي، وكنت أقرّر له أثناء مباحثة هذا الكتاب طرفاً من السوانح، وأملي عليه بعضا من اللوائح، أن أجمعها له في رسالة، فصار سؤاله سبباً للإِقدام على هذه الرسالة، فاجتمع مقاصدها في خاطري في أقرب من ساعة وكنت ذاهلاً عن المقصد الأول إلى أن أتممته، فلمـّا نظرت فيها بعد التمام، وجدتها بعينها هي التي كانت ترام، فتيقنت أن نفحات الامداد فيها كانت تهب من باب مدينة العلم، وسفينة الجود المستوي على جودي الحكم والحلم على النّبي وعليه الصلاة والسلام والتحية والإكرام، وسميتها بالزوراء، وهي اسم الدجلة، والمناسبة ظاهرة، مع ما فيه من التلويح إلى أن هذا الفيض من زيارة المشاهد المقدسة والمواقف المونسة، والله تعالى مناح الغيوب فتاح القلوب ».

وقال: « فاجعل ذلك هنا لك تكسر به صولة ما فر طبعك عنه في بدو النظر حتى يأتيك اليقين، وتتصعد إلى الأفق المبين، وترى بعين العيان ما يعجز عنه البيان، وتشرف على حقيقة قول سيدنا النبي المبعوثعليه‌السلام لتتميم سائر ما أتت به الأنبياء: النوم أخ الموت، و قول صاحب سرّه وباب مدينة علمهعليه‌السلام : الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا ».

ترجمته:

١ - السخاوي قائلاً: « محمد بن أسعد مولانا جلال الدين الصديقي الدّواني - بفتح المهملة وتخفيف النون نسبة لقرية من كازرون - الكازروني الشافعي القاضي بإقليم فارس، والمذكور بالعلم الكثير، ممن أخذ عن المحيوي اللاري وحسن ابن البقال، وتقدَّم في العلوم سيما العقليات، وأخذ عنه أهل تلك النواحي، وارتحلوا إليه من الروم وخراسان وما وراء النهر، وسمعت الثناء عليه من جماعة ممن أخذ عني، واستقر به السلطان يعقوب في القضاء، وصنّف الكثير، من

٢٣٦

ذلك شرح على شرح التجريد للطوسي عمّ الانتفاع به، وكذا كتب على العضد، مع فصاحة وبلاغة وصلاح وتواضع، هو الآن في سنة سبع وتسعين حي ابن بضع وسبعين »(١) .

٢ - العيدروس قال: « وفي سنة ثمان وعشرين: توفى العلّامة محمد بن أسعد جلال الدين الصديق الدواني »(٢) .

٣ - محمد بن يعقوب الاماسي في ( حاشية روض الأخيار ) وقال: « قد تفوّق في رأس المائة التاسعة في الفنون الحكمية، وتبحّر في العلوم الشرعية من الفقه والحديث والقراءة، وصنّف في التصوف وعلم الأخلاق، ومؤلفاته قريبة إلى مائة. روى العلوم الأدبية والعقلية والحديث والتفسير والفقه، عن والده مولانا أسعد الصديقي المحدّث بالجامع المرشدي بكازرون ».

٤ - الشوكاني وقال: « عالم العجم بأرض فارس، وإمام المعقولات وصاحب المصنفات، أخذ العلم عن المحيوي والبقال، وفاق في جميع العلوم لا سيما العقلية، وأخذ عنه أهل تلك النواحي، وارتحل إليه أهل الروم وخراسان وما وراء النهر، وله شهرة كبيرة وصيت عظيم، وتكاثر تلامذته ...»(٣) .

روايتهم لتصانيفه

وقد روى علماء أهل السنة تصانيف جلال الدين الدواني بأسانيدهم المتصلة، كما هو واضح لمن راجع كتب هذا الشأن مثل ( الأمم لإِيقاظ الهمم ) و ( كفاية المتطلع ) و ( الإِمداد بمعرفة الاسناد ) و ( الدرر السنية فيما علا من الأسانيد الشنوانية ) و ( إتحاف الأكابر بإسناد الدفاتر ) و ( حصر الشارد ).

____________________

(١). الضوء اللامع ٧ / ١٣٣.

(٢). النور السافر ١٣٣ - ١٣٤.

(٣). البدر الطالع ٢ / ١٣٠.

٢٣٧

(٩٤)

إثبات الميبدي

وقد أثبت القاضي كمال الدين حسين بن معين الدين اليزدي الميبدي وحقّق حديث مدينة العلم، حيث أورده عن صحيح الترمذي ولفظه: « أنا مدينة العلم وعلي بابها » ونقل بعده قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أنا ميزان الحكمة وعلي لسانه » عن الغزالي، إلى غيرهما من فضائلهعليه‌السلام الباهرة ومناقبه المشتهرة »(١) .

ترجمته:

ترجم له كبار العلماء الاعلام ووصفوه بالأوصاف الجميلة الحميدة، وقد ترجمنا له بالتفصيل في مجلد ( حديث التشبيه ).

(٩٥)

إثبات عبد الوهاب البخاري

وقد أثبته عبد الوهاب بن محمد بن رفيع الدين أحمد البخاري في تفسيره ( الأنوري ) بتفسير قوله تعالى( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) إذ قال: « إعلم يا هذا أن الآية لبيان فرضية حبّ أهل البيت على جميع المسلمين إلى

____________________

(١). الفواتح - شرح ديوان امير المؤمنين: ٣.

٢٣٨

يوم القيامة صلّى الله على محمد وأهل بيته، فقد روي: أنّها لـمّا نزلت قيل يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: علي وفاطمة وابناهما » ثم قال بعد ذكر نبذة من فضائلهم « عن جابررضي‌الله‌عنه قال: أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعضد علي وقال: هذا أمير البررة وقاتل الفجرة، مخذول من خذله منصور من نصره، ثمّ مدَّ صوته وقال: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب. رواه ابن المغازلي » ثم قال بعد أحاديث رواها ما نصه: « إعلم يا هذا أن هذه الأحاديث وردت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عليرضي‌الله‌عنه ».

ترجمته:

١ - الشيخ عبد الحق الدهلوي في ( أخبار الأخيار ٢٠٦ ).

٢ - السيد محمد ماه عالم في ( تذكرة الابرار - مخطوط ).

(٩٦)

إثبات خواند أمير

وقال غياث الدين بن همام الدين المدعو بخواند أمير في خطبة كتابه ( حبيب السير في أخبار أفراد البشر ): « صلوات الله عليه وسلامه وعلى عترته، سيما وصيه ووارث علمه وخليفته المكرم بتكريم: أنا مدينة العلم وعلي بابها ، المتشرف بتشريف: أنت مني بمنزلة هارون من موسى، مظهر العجائب ومظهر الغرائب، أمير المؤمنين وإمام المسلمين علي بن أبي طالب ».

٢٣٩

حبيب السير

جاء في ( كشف الظنون ): « حبيب السير في أخبار أفراد البشر - فارسي، لغياث الدين بن همام الدين المدعو بخواند أمير، وهو تاريخ كبير من الكتب الممتعة المعتبرة ».

وقد اعتمد عليه العلماء كحسام الدين السهارنفوري في ( المرافض ) و ( الدهلوي ) نفسه في مواضع من ( التحفة )

(٩٧)

إثبات محمد بن يوسف الصالحي الشامي

وقد حكم بحسنه وأثبته محمد بن يوسف الصالحي الشامي في ( سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد ) حيث قال في ذكر أسماء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « مدينة العلم. روى الترمذي وغيره مرفوعاً: أنا مدينة العلم وعلي بابها. والصواب أنه حديث حسن كما قال الحافظان العلائي وابن حجر، وقد بسط الشيخ الكلام عليه في كتابه تهذيب الموضوعات، وفي النكت ».

ترجمته:

١ - الشعراني في ( لواقح الأنوار ): « ومنهم: الأخ الصالح العالم الزاهد المتمسك بالسنّة المحمّدية: الشيخ محمد الشامي نزيل التربة البرقوتيةرضي‌الله‌عنه ، كان عالماً صالحاً متفنناً في العلوم، وألّف السيرة المشهورة التي جمعها من ألف كتاب، وأقبل الناس على كتابتها، ومشى فيها على أنموذج لم يسبق إليه ».

٢ - ووصفهابن حجر المكي في ( الخيرات الحسان ) بـ « الامام العلامة

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428