نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٠

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار13%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 428

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 428 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 346411 / تحميل: 7089
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٠

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

فعلمنا من كلام الائمة عليهم رضوان الله معنى التمسك بهم بما لا ريبة فيه الا لمن ارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون.

ومع هذا كله قلنا: وهل يدخل في أهل بيته نساؤه أو يتمحض ذلك بالصدق على ولدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ففتشنا عن ذلك فوجدنا في صحيح مسلم برواية يزيد بن حيان عن زيد بن أرقمرضي‌الله‌عنه فقلنا: من أهل بيته نساؤه؟ قال: لا وايم الله ان المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع الى أبيها وقومها، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده.

وهذه الرواية عن زيد بن أرقمرضي‌الله‌عنه تفسير رواية أخرى عنه في مسلم أيضا، فقيل لزيد: من أهل بيته، أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: بلى ان نساءه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم عليهم الصدقة بعده - الحديث.

وتبين أن معنى قوله: « بلى ان نساءه من أهل بيته » ان نساءه من أهل بيت سكناه الذين امتازوا بكرامات وخصوصيات كثيرة، لا من اهل بيت نسبه وانما اولئك من حرمت عليهم الصدقة، صرح بذلك الابي في شرح مسلم جمعاً بين الروايات، بل تصحيحاً للاستدراك في الرواية الواحدة بقوله: « ولكن أهل بيته » إلخ.

وهذا التحقيق في تفسير أهل البيت بالحديث الصحيح يعين المراد منهم في آية التطهير، مع نصوص كثيرة من الاحاديث الصحاح المنادية على أن المراد منهم الخمسة الطاهرة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين. ولنا وريقات في تحقيق ذلك مجلد في دفترنا يجب على طالب الحق الرجوع اليه.

ولما وجدنا هذا في صحيح مسلم علمنا أنهم أبناؤهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فاذا انضم الى ذلك ما ورد من الاخبار في الائمة الاثني عشر مما بسطنا أكثرها في المقامات الاربعة من كتابنا المسمى بـ « مواهب سيد البشر في حديث الائمة الاثني عشر » بالترتيب بسطناها.

٦١

وما اجتمع عليه السلف والخلف من غزارة علوم هذا العدد المبارك وخرقهم العوائد، وما اختصوا به من المزايا الباهرة من بين سائر الرجال الابطال من هذه الفئة الفائقة على معاصريها في كل عصر، تيقن بأنهم الاولى بصدق احاديث التمسك عليهم من غيرهم، وان كانت فيها الاشارة الى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به الى القيامة، كما أن الكتاب العزيز - وهو الثقل الاخر القرين بهم - كذلك قاله ابن حجر. وقال: و لهذا كانوا أماناً لاهل الارض كما جاء به الحديث، ويشهد لذلك قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : في كل خلف من امتي عدول من أهل بيتي. وقال: ثم أحق من يتمسك به منهم امامهم وعالمهم علي بن ابى طالب رضي الله تعالى عنه، ومن ثم قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه: علي عترة رسول الله أي الذي حث على التمسك بهم، فخصه لما قلناه - انتهى كلامه.

ثم لما فرغنا من تخريج الحديث وما دل عليه، وما تعين فيه ممن هو المراد من أهل البيت، نظرنا في تعدد طرقه فوجدنا له طرقاً كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابياً، وفحصنا أيضاً عن أنه أين ورد، فوجدنا في بعض طرقه قال ذلك بحجة الوداع وبعرفة، وفي آخر أنه قال بغدير خم، وفي آخر أنه قال بالمدينة في مرضهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد امتلأت الحجرة بأصحابه، وفي آخر أنه قال لما قام خطيباً بعد انصرافه من الطائف. فعلمنا أن لهذا الحديث شأناً عظيماً، فانه لم يذكر وروده أحد من الرواة الّا في مشهد معتنى به غاية الاعتناء.

ولكنا طلبنا لهذه الروايات المتضادة في الورد جمعاً، فوجدنا قد سبق اهل الخبر بالهام الجمع فقال: ولا تنافى في ذلك، اذ لا مانع من أنه كرر عليهم ذلك في تلك المواطن كلها، اهتماماً بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة، و في رواية عند الطبراني عن ابن عمررضي‌الله‌عنه ان آخر ما تكلّم به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اخلفوني في أهل بيتي » انتهى. فازداد بعد الجمع شأناً على شأن لترداده في هذه المشاهد بأجمعها - كما لا يخفى على من له

٦٢

حس.

واذ قد ثبت صحة هذا الحديث وما مرّ عليك ممّا ينوط به لفظاً ومعنى ودلالة، وانضمت اليه آية التطهير بتفسيرها التي يدل عليها الاحاديث الصحيحة فلا وجه لان يمتري من له أدنى انصاف في أن من صدق عليهم هذا الحديث والآية من غير شائبة، وهم الائمة الاثنا عشر من أهل البيت وسيدة نساء العالمين بضعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم الائمة الزهراء الطاهرة، على أبيها وعليها الصلاة والسلام، لا شائبة في كونهم معصومين، كالمهدي منهمعليه‌السلام بما يخصه من حديث قفاء الاثر وعدم الخطأ على ما تمسك به الشيخ الأكبررضي‌الله‌عنه »(١)

٢ - تحريف زيد بن أرقم الحديث

وبعد الاطلاع على هذا الكلام المتين، لا بد من التنبيه على أن ما جاء في صحيح مسلم من لفظ حديث الثقلين الذي اغتر به ابن تيمية، انما كان تصرفاً وتحريفاً من زيد بن أرقم عند القاء الحديث الى يزيد بن حيان والحصين بن سبرة وعمرو بن مسلم، وهذا غير مستبعد من مثل زيد بن أرقم الذي كتم حديث: « من كنت مولاه » عند ما استشهد به أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام، كما أسلفنا ذلك في مجلد حديث الغدير، حتى ابتلاه الله بما دعا (ع) عليه به في دار الدنيا، والاخرة أدهى وأمر. بل عدم وجود « من كنت مولاه » في حديث الثقلين برواية مسلم - رغم كون سياقه شارحاً لقضية الغدير - يؤيد ذلك، مع ان تفسيره لفظ « اهل البيت » في هذا الحديث بـ « كل من حرم عليه الصدقة » انما هو تفسير من عنده، ولذلك قال الحافظ الكنجي الشافعي بعد حديث زيد ابن أرقم ما نصه:

« قلت: ان تفسير زيد « أهل البيت » غير مرضى، لانه قال:

__________________

(١). دراسات اللبيب في الاسوة الحسنة بالحبيب ٢٣١ - ٢٢٧.

٦٣

أهل البيت من حرم الصدقة. وهم لا ينحصرون في المذكورين، فان بني المطلب يشاركونهم في الحرمان، ولان آل الرجل غيره على الصحيح، فعلى قول زيد يخرج امير المؤمنينرضي‌الله‌عنه عن أن يكون من أهل البيت، بل الصحيح أن أهل البيت علي وفاطمة والحسنان رضي الله عنهم، كما رواه مسلم بأسناده عن عائشة ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج ذات غدوة وعليه مرط مرحل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين بن علي فأدخله، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيراً.

وهذا دليل على أن أهل البيت هم الذين ناداهم الله تعالى بقوله: « أهل البيت » وأدخلهم الرسول في المرط.

وأيضاً روى مسلم بأسناده أنه لمـّا نزلت آية المباهلة دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً وقال: « اللهم هؤلاء أهل بيتي »(١) .

هذا الى غيره من شواهد تحريفه في هذه الرواية، كما لا يخفى على الناظر البصير.

ومع ذلك فان الحق لا بدّ أن يعلو ويظهر، ولذلك فان زيداً نفسه قد روى حديث الثقلين عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفيه الامر بالتمسك بأهل بيتهعليهم‌السلام واتباعهم، والنهي عن التقدم عليهم والتخلف عنهم، كما لا يخفى على ناظر ( صحيح الترمذي ) و ( كتاب المصاحف ) لابن الانباري و ( المعجم الكبير ) للطبراني و ( المستدرك ) للحاكم و ( المناقب ) لابن المغازلي وغيرها.

٣ - الحديث عن جابر عند مسلم محرف

وأما تمسكه بحديث جابر الذي جاء في ( صحيح مسلم ) مدعياً بأن

__________________

(١). كفاية الطالب ٥٤.

٦٤

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يأمر الّا بالتمسك بالكتاب، فهو أيضاً باطل واضح.

لان حديث جابر - وان جاء في مسلم محرفاً كما ذكر - جاء في رواية الترمذي، وفيه الامر الصريح بالتمسك بأهل البيتعليهم‌السلام . وهذا نصه:

« حدثنا نصر بن عبد الرحمن الكوفي، نا زيد بن الحسن، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله قال: رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب، فسمعته يقول: يا أيها الناس انّي تركت فيكم ما ان أخذتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي »(١) .

ولقد كان الاحرى به ألا يتطرق الى هذا الحديث بلفظه الذي جاء في مسلم فضلا عن الاحتجاج به، ولكن « إذا لم تستح فاصنع ما شئت ».

٤ - دعوى ضعف « وعترتي فانهما لن يفترقا »

وأما قوله: « وأما قوله وعترتي فانهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض فهذا رواه الترمذي، وقد سئل عنه أحمد، وضعفه غير واحد من أهل العلم وقالوا: انه لا يصح »، فيشتمل على غرائب وأباطيل:

الاول: يفيد كلامه أن أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باتباع عترته جاء في رواية الترمذي خاصة، ومفهومه أنه لم يروه غيره، وقد علمت سابقاً رواية جمهور علمائهم حديث الثقلين الامر بتمسك واتباع الكتاب وعترته.

الثاني: يفيد كلامه أن رواية قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فانهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض » خاصة بالترمذي، لكن قد علمت رواية أكثر علمائهم الكبار حديث الثقلين مشتملا على هذه العبارة، ومنهم: ركين الفزاري، وعبد الملك العزرمي، والاعمش، وابن اسحاق، واسرائيل بن يونس

__________________

(١). صحيح الترمذي ٢ / ٢١٩.

٦٥

السبيعي، وعبد الرحمن المسعودي، ومحمد بن طلحة اليامي، واليشكري، وشريك، والضبي جرير بن عبد الحميد، ومحمد بن الفضيل الضبي، وعبد الله ابن زهير الهمداني، وأبو أحمد الزبيري، وأبو عامر العقدي، وأسود بن عامر الشامي، ويحيى بن حماد الشيباني، وابن سعد، والمخرمي، وابن بقية الواسطي، وأحمد بن حنبل، وعبد بن حميد الكشي، وعباد بن يعقوب الاسدي، والجهضمي، والعنزي، والطريقي، والرقاشي، ومحمد بن أبي العوام الرياحي، والحكيم الترمذي، وعبد الله بن أحمد، والبزار، والقباني، والنسائي، وأبو يعلي، والطبري، والباغندي، والاسفراييني، والبغوي، وابن الانباري، وابن عقدة والجعابي، والطبراني، والقطيعي، والازهري، والذهبي، والحاكم والثعلبي، وأبو نعيم، وابن عساكر، والضياء المقدسي

الثالث: قوله « سئل عنه أحمد » لم نفهم معناه، وهل السؤال عن حديث يفيد القدح فيه؟ ألم يخرجه أحمد في مسنده كما تقدم؟ الم يخرجه في كتاب مناقب علي كما تقدم؟ ومن كان السائل؟ وما كان جواب أحمد عن هذا السؤال؟ وما المقتضى للاعراض عن إيراد جوابه؟

هذه أسئلة تتوجه الى كلامه.

وهنا نقول: ان جواب أحمد لا يخلو اما أنه كان تضعيفاً للحديث أو تصحيحاً له، وعلى كلا الحالين كان يجب عليه ذكر الجواب، لانه ان كان تضعيفاً فلم لم يذكره وهو يؤيد زعمه؟ وان كان تصحيحاً فلم أعرض عنه وأسقطه وهو خيانة؟

وعلي أي حال فان كلامه هذا عجيب جداً، ويكفي في الجواب عنه رواية الامام أحمد حديث الثقلين مصححاً اياه في ( المسند ) و ( المناقب ).

الرابع: وأما قوله « فضعفه غير واحد من أهل العلم وقالوا انه لا يصح » فكذب وزور، يأباه أقل الناس فضلا عن شيخ الإسلام!

وباختصار: انه لا يجد أحد - بعد الفحص والتتبع التام - أحداً ينكر هذا القسم من حديث الثقلين، وقد علمت سابقاً نسبة البخاري انكار أصل

٦٦

الحديث وتمامه الى أحمد، وكذلك طعن ابن الجوزي في الحديث من أصله الا أنه لم ينكر أحد منهم هذه الفقرة من الحديث، التي زعم ابن تيمية ان جماعة من أهل العلم قالوا انه لا يصح.

ولم لم يذكر ابن تيمية - رغم اطنابه في جميع المقامات وكثرة تكلمه في كل شيء - أهل العلم المضعفين لهذه الجملة من الحديث؟ وليته ذكر واحداً منهم - ان كان يطلب الاختصار ان هذا لعجيب.

ولقد علمت - والحمد لله - صحة هذا القسم من الحديث - ضمن حديث الثقلين - فيما تقدم من الكتاب، بل ثبت اجماعهم على صحته، بالاضافة الى تصريح جملة منهم بذلك، فراجع.

كلام آخر لابن تيمية

ومما هو جدير بالذكر هنا ان ابن تيمية قال في الجواب عن حديث الغدير بعد كلام له:

« ولما لم يذكر في حجة الوداع امامة علي ولا ما يتعلق بالامامة أصلا، ولم ينقل أحد لا بأسناد صحيح ولا ضعيف أنه في حجة الوداع ذكر امامة علي بل ولا ذكر علياً في شيء من خطبه، وهو المجمع العام الذي أمر فيه بالتبليغ العام، علم ان امامة علي لم تكن من الدين الذي أمر بتبليغه، بل ولا حديث الموالاة وحديث الثقلين ونحو ذلك مما يذكر في امامته، والذي رواه مسلم ( في صحيحه ) انه بغدير خم قال: اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله. فذكر كتاب الله وحض عليه ثم قال: وعترتي أهل بيتي. اذكركم الله في أهل بيتي - ثلاثاً - وهذا مما انفرد به مسلم ولم يروه البخاري، وقد رواه الترمذي وزاد فيه: وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.

وقد طعن غير واحد من الحفاظ في هذه الزيادة، وقالوا انها ليست من الحديث، والذين اعتقدوا صحتها قالوا انما تدل على ان مجموع العترة الذين هم بنو هاشم كلهم لا يتفقون على ضلالة، وهذا قد قاله طائفة من أهل

٦٧

السنة، وهو من أجوبة القاضي أبي يعلى وغيره.

والحديث الذي في صحيح مسلم اذا كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد قاله فليس فيه الا الوصية باتباع كتاب الله، وهذا أمر قد تقدمت الوصية به في حجة الوداع قبل ذلك، وهو لم يأمر باتباع العترة ولكن قال: « أذكركم الله في أهل بيتي »، فتذكير الامة بهم يقتضي أن يذكروا ما تقدم الامر به قبل ذلك من اعطائهم حقوقهم والامتناع من ظلمهم، وهذا أمر تقدم بيانه قبل غدير خم فعلم انه لم يكن في امامته [ فعلم أنه لم يكن في غدير خم أمر بشرع نزل اذ ذاك، لا في حق علي ولا في حق غيره لا امامته ولا غيرها ] »(١) .

الرد عليه من وجوه

والجواب عنه بوجوه:

الاول : قوله « لم يذكر في حجة الوداع امامة عليّ ولا ما يتعلق بالامامة أصلا، ولم ينقل أحد بأسناد صحيح ولا ضعيف أنه في حجة الوداع ذكر امامة عليّ » مردود، اذ لا يخفى على المتتبع ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كرر حديث الثقلين - بغض النظر عن غيره من النصوص - في حجة الوداع مراراً، وهذا يثبت امامة عليّ أمير المؤمنينعليه‌السلام

الثاني : قوله « ولا ذكر علياً في شيء من خطبه وهو المجمع العام الذي أمر فيه بالتبليغ العام » يكذبه ذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اياه في خطبه في هذه الحجة ضمن أهل البيت.

هذا بالاضافة الى أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطب في حجة الوداع خطبة خاصة ذكر فيها علياً وأثبت عصمته وأفضليته بها.

قال ابن الاثير ما نصه: « وبعث علي بن أبي طالب الى نجران ليجمع صدقاتهم وجزيتهم ويعود، ففعل وعاد ولقي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمكة في

__________________

(١). منهاج السنة ٤ / ٨٥.

٦٨

حجة الوداع، واستخلف على الجيش الذين معه رجلا من أصحابه وسبقهم الى النبي فلقيه بمكة، فعمد الرجل الى الجيش فكساهم كل رجل حلة من البز الذي مع علي، فلما دنا الجيش خرج علي ليتلقاهم فرأى عليهم الحلل فنزعها عنهم، فشكاه الجيش الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقام النبي خطيباً فقال: أيها الناس لا تشكوا علياً فهو لا خشن في ذات الله وفي سبيل الله »(١) .

ورواه أيضاً ابن هشام(٢) .

وأبو جرير الطبري(٣) .

الثالث : قوله « ان امامة علي لم تكن من الدين الذي أمر بتبليغه بل ولا حديث الموالاة وحديث الثقلين ونحو ذلك مما يذكر في امامته » مردود بما يأتي:

أولا - دعوى عدم ذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم امامة امير المؤمنينعليه‌السلام في حجة الوداع باطلة كما مر.

ثانياً - دعوى عدم ذكرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا في شيء من خطبه فيها باطلة أيضا كما مر.

ثالثاً - دعوى كونهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مأمورا بالتبليغ العام - بمعنى أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم امر بتبليغ كافة الاوامر الشرعية في حجة الوداع - ممنوعة، وذلك لعدم اشتمال خطبته على جميع الاحكام النازلة من اول بعثته الى حين حجته كما لا يخفى ذلك على من راجعها. سلمنا لكن لا دليل على ان ما بلغهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد ذلك بأمر الله لم يكن من الدين في شيء، اذ لا يتفوه بهذا الكلام ذو مسكة وشعور، لكن ابن تيمية لا يهمه إخراج حديث الغدير وحديث الثقلين من الدين المأمور بالتبليغ به، بل من الدين الاسلامي

__________________

(١). الكامل ٢ / ١٢٦.

(٢). السيرة النبوية ٢ / ٦٠٢ - ٦٠٣.

(٣). تاريخ الطبري ٢ / ٤٠١ - ٤٠٢.

٦٩

مطلقاً، وذلك لفرط بغضه وعداوته لاهل البيت وسيدهم امير المؤمنينعليه‌السلام .

رابعاً - دعوى عدم ذكر حديث الغدير في حجة الوداع من الاكاذيب الواضحة، يدل على ذلك مراجعة روايات ائمة مذهبه، وقد فصلنا ذلك في مجلد حديث الغدير.

خامساً - دعوى عدم ذكر حديث الثقلين في حجة الوداع جهل أو تجاهل، لما قد علمت سابقاً ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ذلك يوم عرفة من حجة الوداع، وكذا يوم غدير خم ضمن خطبته، وبرغم أنك سمعت ايرادهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له يوم عرفة نقلا عن ( صحيح ) الترمذي فان من المناسب نقل خطبته تلك بكاملها.

خطبة الغدير في العقد الفريد

قال ابن عبد ربه: « خطبة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع:

« ان الحمد لله، نحمده ونستغفره ونتوب اليه، ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، واشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله. أوصيكم عباد الله بتقوى الله، وأحثكم على طاعة الله، واستفتح بالذي هو خير.

أما بعد، يا أيها الناس! اسمعوا مني أبين لكم، فاني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقعى هذا.

أيها الناس! ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام الى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا. ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد، فمن كان عنده امانة فليؤدها الى الذي ائتمنه عليها. وان ربى الجاهلية موضوع، وان أول ربى أبدأ به ربى عمي العباس بن عبد المطلب. وان دماء الجاهلية موضوعة، وان أول دم أبدا به دم عامر بن ربيعة بن الحرث بن

٧٠

عبد المطلب. وان مآثر الجاهلية موضوعة، غير السدانة والسقاية، والعمد قود، وشبه العمد قود، ما قتل بالعصا والحجر ففيه مائة بعير، فمن زاد فهو من أهل الجاهلية.

أيها الناس! ان الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه، ولكنه رضى أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم.

أيها الناس! انما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاماً ليواطئوا عدة ما حرم الله، وانما الزمان قد استدار كهيئته في خلق الله السماوات والارض، وان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والارض، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات وواحد فرد ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب الذي بين جمادى وشعبان، الاهل بلغت؟ اللهم اشهد.

أيها الناس! ان لنسائكم عليكم حقاً وان لكم عليهن حقاً، لكم عليهن الا يوطئن فرشكم غيركم، ولا يدخلن أحداً تكرهونه بيوتكم الا باذنكم، ولا يأتين بفاحشة، فان فعلن فان الله قد أذن لكم أن تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضرباً غير مبرح، فان انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف. وان النساء عندكم عوار لا يملكن لأنفسهن شيئاً، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيراً.

أيها الناس! انما المؤمنون أخوة، فلا يحل لامرئ مال أخيه الا عن طيب نفسه. ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد. فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم أعناق بعض، فاني قد تركت فيكم ما ان أخذتم به لن تضلوا، كتاب الله وأهل بيتي. الاهل بلغت؟ اللهم اشهد.

أيها الناس! ان ربكم واحد، وان أباكم واحد، كلكم لادم وآدم من تراب، أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي على عجمي فضل الا بالتقوى. الاهل بلغت؟ قالوا: نعم. قال: فليبلغ الشاهد منكم الغائب.

٧١

أيها الناس؟ ان الله قسم لكل وارث نصيبه من الميراث، ولا يجوز لوارث وصية في أكثر من الثلث، والولد للفراش وللعاهر الحجر، من دعا الى غير أبيه أو تولى الى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته »(١) .

هذا بالاضافة الى ظهور ذلك من روايات عديدة، فقد قال السمهودي بعد ذكر طرق حديث الثقلين: « وأخرجه الحافظ ابو محمد عبد العزيز بن الاخضر في ( معالم العترة النبوية ) وفيه ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ذلك في حجة الوداع ».(٢)

وقال الحافظ الزرندي بعد أن روى الحديث: « روى زيد بن أرقمرضي‌الله‌عنه قال: أقبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم حجة الوداع »(٣) .

ولقد أورد السمهودي في ( جواهر العقدين ) والشيخاني القادري في [ الصراط السوى ] رواية الزرندي المشار إليها.

وذكر الائمة الاعلام من محققي أهل السنة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ذلك في حجة الوداع، وبذلك تنطق الروايات الماضية. فقد قال السمهودي(٤) في التنبيهات التي ذكرها بعد سياق حديث الثقلين: « خامسها - قد تضمنت الاحاديث المتقدمة الحث البليغ على التمسك بأهل البيت النبوي وحفظهم واحترامهم والوصية بهم، لقيامهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك خطيباً يوم غدير خم كما في اكثر الروايات المتقدمة، مع ذكره لذلك في خطبته يوم عرفة على ناقته كما في رواية الترمذي عن جابر، وفي خطبته لما قام خطيباً بعد انصرافه من حصار الطائف كما في رواية عبد الرحمن بن عوفرضي‌الله‌عنه ، وفي مرضه الذي قبض فيه وقد امتلأت الحجرة من أصحابه كما

__________________

(١). العقد الفريد ٢ / ١١٠ - ١١١.

(٢). جواهر العقدين - مخطوط.

(٣). نظم درر السمطين ٢٢٣.

(٤). جواهر العقدين - مخطوط.

٧٢

سبق في رواية أم سلمة ».

وقال ابن حجر في ( الصواعق ) بعد نقل حديث الثقلين والتمسك بهما بطرق كثيرة، ثم ذكر أنها وردت عن نيف وعشرين صحابيا، قال: « وفي بعض تلك الطرق أنه قال ذلك بحجة الوداع بعرفة ».

وقال فيه بعد أن نقله عن أحمد: « وفي رواية ان ذلك كان في حجة الوداع ».

وقال الشيخاني القادري في ( الصراط السوي ) بعد ذكر حديث الثقلين برواية أبي سعيد: « قالوا أنه قال ذلك في حجة الوداع ».

وقد أثبت السندي في ( دراسات اللبيب ) - كما عرفت - أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد ذكر حديث الثقلين في حجة الوداع.

الرابع : لقد ذكر ابن تيمية في كلامه هذا حديث الثقلين الذي جاء في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم، وقد علم أن زيدا قد حرف الحديث وتصرف فيه، لكن ابن تيمية لم تعط نفسه أن يكتفي بذلك فأكثر من تحريفه وبتره.

الخامس: يحسب ابن تيمية أن تفرد مسلم في اخراج حديث الثقلين واعراض البخاري عنه يحدث ضعفاً في الحديث، ولكنه لا يعلم أن عدم تخريج الحديث يعد من معائب البخاري وصحيحه، لا أنه يفيد ما تخيله.

على أنه لو أعراض البخاري ومسلم كلاهما عن حديث الثقلين ولم يخرجاه بل حتى لو طعناه فيه وضعفاه، فان ذلك لا يصغى اليه ولا يعتنى به، اذ لا قيمة له في مقابل رواية أولئك الاعلام الاعاظم هذا الحديث الشريف المتواتر.

ولقد علمت سابقاً - ولله الحمد - من ( المستدرك ) للحاكم أن لحديث الثقلين - بعض النظر عن سياق صحيح مسلم - ألفاظاً عديدة وطرقاً سديدة جاء كل منها صحيحاً على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

وبالجملة فان اعراض البخاري عن إخراج حديث الثقلين على

٧٣

العلوم وسياق مسلم على الخصوص جناية كبيرة، اللهم الا أن يوجه اعراضه عن سياق مسلم بالخصوص، لأنه جاء محرفاً من زيد بن أرقم، ويدل عليه قول زيد نفسه في أول الحديث: « والله لقد كبرت سني وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي » فلعل البخاري التزم جانب الاحتياط فلم يروه، لكن من المستبعد أن يستند أهل السنة - المعدلين لزيد بن أرقم وغيره من الصحابة - الى هذا التوجيه في مقابلة أهل الحق، ولو سلمنا ذلك فلا يبقى وجه يعتذر به لاعراضه عن الألفاظ والطرق التي رواها الحاكم في ( المستدرك ) وصححها على شرط الشيخين.

ومن هذا وأمثاله يعلم أن مسلماً قد يظهر طرفاً من الحق ولا يعرض عنه كالبخاري تماماً، وهذا هو السبب في تأخر رتبة كتابه عن رتبة كتاب البخاري عند أولئك المتعصبين المتعندين، الذين لا يروق لهم ذكر أى فضيلة لأهل البيتعليهم‌السلام ولأمير المؤمنينعليه‌السلام خاصة.

السادس: لقد نسب مرة أخرى رواية جملة: « وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض » الى الترمذي فقط، وقد علمت بطلانها قريباً، وأحرزت أنه قد رواها قبل الترمذي وبعده كثير من الحفاظ والمحدثين العظام، واصحاب الصحاح والآثار وشيوخ الحديث والرواية.

السابع : لقد طعن في جملة: « وانهما لن يفترقا » زاعماً طعن غير واحد فيها، رغم أنه لم يذكر أحد أولئك العلماء الذين طعنوا فيها، لكن قد أثبتنا سابقاً صحة هذه الفقرة من حديث الثقلين ايضاً، وبينا بطلان طعنه هذا وكذبه في دعواه هذه، عند رد كلام ابن الجوزي سابقاً، وكذا في دفع كلام ابن تيمية نفسه المتقدم قريباً.

ومع ذلك نقول: انه قد أخرج ابو عوانة هذه العبارة الكريمة ضمن حديث الثقلين برواية زيد بن أرقم في كتابه ( المسند الصحيح ) كما تقدم، وبالاضافة الى أن مجرد إخراج أبي عوانة دليل على صحتها - كما عرفت - لكون كتابه مستخرجاً على صحيح مسلم، فانه لا شك في صحتها، لاقتصار

٧٤

اصحاب المستخرجات على الروايات الصحيحة في زياداتهم على الصحيحين كما مر سابقاً عن كتاب ( تدريب الراوي ) للسيوطي.

وقال ابن الصلاح: « ثم ان الزيادة في الصحيح على ما في الكتابين يتلقاها طالبها مما اشتمل عليه أحد المصنفات المعتمدة المشتهرة لائمة الحديث، كأبي داود السجستاني وأبي عيسى الترمذي، وأبي عبد الرحمن النسائي، وأبي بكر ابن خزيمة، وأبي الحسن الدارقطني وغيرهم منصوصاً على صحته فيها، ولا يكفي في ذلك مجرد كونه موجوداً في كتاب أبي داود وكتاب الترمذي وكتاب النسائي، وسائر من جمع في كتابه بين الصحيح وغيره، ويكفي مجرد كونه موجوداً في كتب من اشترط منهم الصحيح فيما جمعه ككتاب ابن خزيمة، وكذلك ما يوجد في الكتب المخرجة على كتاب البخاري وكتاب مسلم ككتاب أبي عوانة الأسفراييني، وكتاب أبي بكر الاسماعيلي، وكتاب أبي بكر البرقاني، وغيرها، من تتمة لمحذوف أو زيادة شرح في كثير من أحاديث الصحيحين، وكثير من هذا موجود في الجمع بين الصحيحين لابي عبد الله الحميدي »(١) .

وقال: « ثم ان التخاريج المذكورة على الكتابين يستفاد منها فائدتان: إحداهما علو الاسناد، والثانية الزيادة في قدر الصحيح لما يقع منها من ألفاظ زائدة وتتمات في بعض الأحاديث تثبت صحتها بهذه التخاريج، لأنها واردة بالأسانيد الثابة في الصحيحين أو أحدهما، وخارجة من ذلك المخرج الثابت. والله أعلم »(٢) .

وقال الزين العراقي: « ويؤخذ الصحيح أيضاً من المصنفات المختصة بجمع الصحيح فقط، كصحيح أبي بكر محمد ابن إسحاق بن خزيمة، وصحيح أبي حاتم محمد بن حيان البستي المسمى بالتقاسيم والأنواع، وكتاب

__________________

(١). علوم الحديث بشرح العراقي ٢٧ - ٢٨.

(٢). علوم الحديث ٣١.

٧٥

المستدرك على الصحيحين لابي عبد الله الحاكم، وكذلك ما يوجد في المستخرجات على الصحيحين من زيادة أو تتمة، فهو محكوم بصحته كما سيأتي في بابه »(١) .

وتعطينا هذه الكلمات والنصوص: أن الزيادات في المستخرجات صحيحة، وعلى هذا فلما كان قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض » موجوداً في كتاب أبي عوانة الأسفراييني مع حديث الثقلين فهو صحيح بلا ريب، ومعدود من كتاب صحيح مسلم، فإذا سلم ابن تيمية صحة حديث الثقلين الموجود في صحيح مسلم كان عليه الاعتراف بصحة تلك الجملة المذكورة لا إنكارها.

وأخرج امام المحدثين ابو عبد الله الحاكم حديث الثقلين في ( المستدرك على الصحيحين ) بروايات اشتملت على قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض » وقال بعد كل واحدة منها: « صحيح الاسناد على شرط الشيخين ».

وقد بان لك من قول الزين العراقي المتقدم ان ( المستدرك ) من الكتب التي يؤخذ منها الزيادات الصحيحة على الصحيحين، فلا يبقى أي شك - عند أي منصف - في صحة قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المذكور، وظهر أنه صحيح كسائر الأحاديث التي اتفق الشيخان على صحتها، سواء أخرجاها أو لم يخرجاها. هذا بالاضافة الى حكم محمد بن طاهر المقدسي، كما في ( تدريب الراوي ) للسيوطي بقطعية صدور ما كان على شرط الشيخين وان لم يخرجاه.

فبالنظر الى ما تقدم وغيره لا مانع من دعوى التواتر في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض »، ويدل على ذلك ما مر في رواية استشهاد امير المؤمنينعليه‌السلام عن ابن عقدة والسخاوي والسمهودي

__________________

(١). شرح ألفية الحديث ١ / ٥٤.

٧٦

وغيرهم عن سبعة عشر رجلا من الصحابة في حديث الثقلين المشتمل على هذه الكلمة، ثم تصديق امير المؤمنينعليه‌السلام لهم وشهادته بصحة ما شهدوا عليه.

ومما لا ريب فيه أن هذا العدد كاف لدعوى تواتر الحديث، بل هذا العدد اكثر بكثير من عدد التواتر، لان ابن حجر المكي ادعى في ( الصواعق ) التواتر في صلاة أبي بكر في مرض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بزعم وروده عن ثمانية من الصحابة، بل ادعى ابن حزم في ( المحلى ) في حرمة بيع الماء تواتر حديث الحرمة، وقد رواه أربعة من الصحابة.

فرواية سبعة عشر رجلا من الصحابة حديث: « وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض » يفيد تواتره قطعاً، ولهذا صرح المقبلي في ( ملحقات الأبحاث المسددة ) بعد أن ذكر حديث الثقلين باللفظ المشتمل على هذه الجملة، صرح بتواتره عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

الثامن : قوله « والحديث الذي في صحيح مسلم إذا كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد قاله فليس فيه الا الوصية باتباع كتاب الله، وهذا أمر قد تقدمت الوصية به في حجة الوداع قبل ذلك »، يفيد عدم جزمه بصحة ما في صحيح مسلم من حديث الثقلين، لان قوله « إذا كان النبي قد قاله » ظاهر في التشكيك بثبوت هذا أيضاً.

ان ابن تيمية يحاول كتم الحق وانكار الحقائق، ولكن سعيه يذهب ادراج الرياح. قال الله تعالى:( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئوا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ) .

التاسع: قوله « فليس فيه الا الوصية باتباع كتاب الله » خطأ واضح، لان عبارات العلماء الاعلام ومحدثيهم العظام صريحة في وصيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باتباع الكتاب وأهل البيت معاً، راجع منها ما تقدم من تحقيق السندي في ( دراسات اللبيب ).

وأما قوله « وهذا أمر قد تقدمت الوصية به في حجة الوداع قبل ذلك »

٧٧

فلقد علمت من البيانات السابقة - والحمد لله - أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يوص باتباع كتاب الله فحسب، بل انه امر يوم عرفة وغيره باتباع أهل بيته الطاهرين مع كتاب الله، وكيف يأمرصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باتباع كتاب الله تعالى فحسب وقد تحقق عدم افتراق الثقلين بنصهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى يردا عليه الحوض، وذلك ظاهر لا يحتاج الى مزيد بيان.

العاشر: قوله بعد ذلك: « وهو لم يأمر باتباع العترة ولكن قال أذكركم الله في أهل بيتي ».

والجواب عنه بوجوه:

أولا - ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر باتباع عترته في مواضع وخطب و وصايا لا تحصى كثرة، وفي حديث الثقلين أمر باتباعهم على وجه الخصوص، كما تقدم ذلك مراراً عديدة، وهو ثابت أيضاً في حديث صحيح مسلم - وان لم يكن يسلم من التحريف والاسقاط كما تقدم - وهذا بوحده كاف لاستيصال أصل الشبهة.

بل نقول: انه لو لم يكن في صحيح مسلم سوى قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « انّي تارك فيكم الثقلين » لكفى دليلا على وجوب التمسك بأهل البيتعليهم‌السلام كوجوب التمسك بكتاب الله، ويؤيد ذلك ما ذكره محققوهم في بيان وجه تسميه الكتاب والعترة بالثقلين: قال الأزهري في ( تهذيب اللغة ) على ما نقل عنه ابن منظور في ( لسان العرب ): « قال ثعلب: سيما ثقلين لان الأخذ بهما ثقيل، والعمل بهما ثقيل ».

وقال ابن الأثير في ( النهاية ): « سماها ثقلين لان الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل ».

وقال السخاوي في ( استجلاب ارتقاء الغرف ): « انما سماهما بذلك إعظاماً لقدرهما وتفخيماً لشأنهما، فانه يقال لكل شيء خطير نفيس ثقل، وأيضاً فلان الاخذ بهما والعمل بهما ثقيل، ومنه قوله تعالى:( سَنُلْقِي عَلَيْكَ

٧٨

قَوْلاً ثَقِيلاً ) أى له وزن وقدر، أو لانه لا يؤدى الا بتكلف ما يثقل ».

وقال القاري في ( المرقاة في شرح المشكاة ٥ / ٥٩٣ ): « وفي ( شرح السنة ) سماهما ثقلين لان الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل ».

الى غيرها من كلمات العلماء العظام من أهل السنة، فيكون معنى قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « انّي تارك فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما » انّي تارك فيكم أمرين الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل. وذلك ظاهر، فالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر إذاً باتباع العترة كذلك.

ثانياً - لم يكن قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أذكركم الله في اهل بيتي » مجرد تذكير للامة، بل امر باتباع العترة مع التأكيد عليه، وقد كررصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا التأكيد لمزيد الاهتمام بوجوب اتباعهم، وقد اعترف بهذا المعنى علماء أهل السنة الأكابر:

قال الزرقاني في ( شرح المواهب اللدنية ) بشرح حديث مسلم في شرح هذه الجملة: « قال الحكيم الترمذي حض على التمسك بهم، لان الأمر لهم معاينة، فهم أبعد عن المحنة ».

وقال المولوي مبين في ( وسيلة النجاة ) في شرحها: « أي اخشوا الله واحفظوا حقوقهم، واتخذوا طاعتهم ومحبتهم شعاراً لكم، فكما ان امتثال أحكام كتاب الله فرض فكذلك إطاعة اهل البيت والانقياد لأوامرهم بالجوارح والاركان، ومحبتهم والاعتقاد بهم بالقلب والجنان فرض ».

وقال القنوجي في ( السراج الوهاج ): « والأخذ بكتاب الله أن يتلوه آناء الليل والنهار، ويعمل بما فيه من الحلال والحرام وغيرهما مما اشتمل عليه، ولا يتخذه مهجوراً، والذكرى في أهل البيت أن يعرف فضلهم ويحترمهم بما يصل اليه يده ويجتنب أذاهم وحطهم، ويقتدى بهم فيما يوافق الكتاب السنة ويؤقرهم ويعززهم، لا سيما العلماء الصلحاء منهم، فإنهم بضعة الرسول ومضغة البتول وأحباء الله وأبناء رسوله ».

وقال فيه أيضاً: « تحريم الزكاة على اهل البيت لها موضع غير هذا

٧٩

الموضوع، والمقصود هنا بيان فضيلتهم وانهم قسيم كتاب الله في التعظيم والإكرام، وفي التسمية بالثقل وانه لا بد من الأخذ بهما، فإنهما لا يفترقان حتى يردا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحوض ».

وقال محمد أمين السندي في ( دراسات اللبيب ): « فحملنا قوله « أذكركم الله » على مبالغة التثليث فيه على التذكير بالتمسك بهم والردع من عدم الاعتداد بأقوالهم وأعمالهم وأحوالهم وفتياهم وعدم الأخذ بمذهبهم ».

ثالثاً - لقد أمرصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الامة باتباع اهل بيته والتمسك بهم قبل يوم غدير خم وقبل حجة الوداع وبعدها، فزعم عدم تقدم ذلك - كما هو فحوى كلامه - من أبين الاباطيل.

رابعاً - قوله « وتذكير الامة بهم يقتضي أن يذكروا ما تقدم الأمر به قبل ذلك من اعطائهم حقوقهم والامتناع من ظلمهم » يفيد أن اتباع اهل البيتعليهم‌السلام ليس داخلا في حقوقهم التي أمرت الامة باعطائهم اياها. وان مخالفتهم ليست داخلة في ظلمهم الذي أمروا بالامتناع منها، وهذا جور عظيم وظلم كبير

خامساً - قوله « وهذا أمر قد تقدم بيانه قبل غدير خم فعلم انه لم يكن في إمامته » لا ربط له بكون التذكير المذكور في حديث مسلم او في مطلق حديث الثقلين لم يكن في امامة أمير المؤمنينعليه‌السلام كما تفوه به هذا الناصب، وبما انه قد ثبت أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المواقع الجليلة والمواقف العظيمة قبل يوم الغدير وبعده، فان ما في صحيح مسلم المشتمل على بيان واقعة يوم غدير خم بالنسبة لأهل البيتعليهم‌السلام يلزم أن يكون في إيجاب طاعة أمير المؤمنينعليه‌السلام ولزوم الانقياد له وفرض إمامته على الامة، وهذا واضح.

كلام للجاحظ في مدح أهل البيت

و اذ رأيت بطلان كلمات ابن تيمية ظهر لك انه لا ينبغي لمؤمن أن

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

جلال الدين الجشتي كبير الأولياء، وينتهى نسبه إلى عثمانرضي‌الله‌عنه ، كان متبحّراً في العلوم العقلية والنقلية، وقد بلغ مرتبة الاجتهاد في الفقه والأصول، له كتاب واسع في الفقه ذكر فيه أدلة الأقوال وفتاوى المجتهدين الأربعة في كلّ مسألة، وقد ذكر مختاره مع دليله في رسالة مستقلة أسماها بمأخذ الأقوى، كما حرّر مختاراته في الأصول، وله تفسير كبير جمع فيه أقوال المفسرين، وله رسائل في التصرف وتحقيق معارف مجدّد الألف الثاني الشيخ أحمد السرهندي، وكان شاه عبد العزيز الدهلوي يعبر عنه ببيهقي العصر، له تآليف كثيرة نافعة ومقبولة، وكان يروي عنه شاه ولي الله المحدّث الدهلوي.

وكمالاته وفضائله أكثر من أن تحصر في هذا المختصر، ولم يظهر له نظير في علماء الحنفية في بلاد الهند من حيث التحقيق والانصاف وعدم التعصب ومتابعة الدليل. توفي سنة ١٢٢٥ ».

(١٣٨)

إثبات الدّهلوي

ولقد أثبت ( الدهلوي ) حديث مدينة العلم في فتوى له موجودة بخط بعض أفاضل أهل السنة، وهذه صورة السؤال والجواب:

« السؤال: لقد ثبت لدى أهل الحق - أعني أهل السنّة والجماعة - بالبراهين العقلية والنقلية اختصاص العصمة بالانبياء والملائكة فقط، وأنه لا يصح وصف أحد سواهم بالعصمة، ولذا منع الفقهاء والمتكلّمون من ذلك، ولكن ذكر جناب فخر المحدثين جناب شاه ولي اللهقدس‌سره في التفهيمات وغيره تحقق الصفات الأربعة - وهي العصمة والحكمة والوجاهة والقطبية الباطنية - في الأئمة الاثني عشر، كما أنه أثبت ذلك لهم في رسالته التي ألّفها في اعتقاداته - فعلى أيّ وجهٍ صحيح يمكن حمل هذا الكلام؟ وما الدليل عليه من الكتاب والسنّة والاجماع؟

٣٠١

وكيف الجمع بينه وبين مذهب أهل السنة؟

وأيضاً: فإنّه ينافي تفضيل الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم خصوصاً حضرات الشيخين، والحال أن هذا التفصيل مما أجمع عليه أهل السنة الذين يعتدّ بهم، على أنهقدس‌سره قد قرر مسألة التفضيل هذه بكلّ جهده بالدلائل العقلية والنقلية والكشفية والوجدانية، فما يرفع هذا التخالف والتعارض؟

الجواب من مولانا شاه عبد العزيز المحدّث الدهلوي: - إن للعصمة والحكمة والوجاهة معان اصطلاحية لدى الصوفية، وقد ذكر ذلك في كتب هذا الشأن لا سيّما مصنفات حضرة الوالد الماجدقدس‌سره

والحكمة معناها العلم النافع، فإنْ كان مكتسباً لم يسم حكمة في اصطلاحهم بل يسمونه « فضيلة » وإنْ كان نازلاً على قلب شخص عن طريق الوهب سمّي عندهم « حكمة » نحو قوله تعالى:( وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ ) ( وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً ) سواء ذاك العلم في باب العقائد أو الاعمال أو الأخلاق، وهذا المعنى أيضاً يختص بالأنبياء كقوله تعالى:( وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ) الآية، فما كان حاصلاً بالوحي فهو خاص بالأنبياء، وفي الحديث: أنا دار الحكمة وعلي بابها ، و في الحديث المشهور: أنا مدينة العلم وعلي بابها ، والمراد من العلم هنا هو المعنى المذكور كذلك ».

كما أن ( الدهلوي ) أثبت حديث مدينة العلم في رسالته التي كتبها في اعتقادات والده شاه ولي الله الدهلوي، وقد تقدم كلامه في الوجه (١٢٨) فلا نعيد.

فهذا ( الدهلوي ) الماهر، قد ألجأه الحق القاهر، فأثبت بنفسه هذا الحديث السافر الزاهر، واعترف بشهرته في جواب مسألة له بالاعتراف الجلي الظاهر، وأثبته أيضاً في رسالته المعمولة لتبرئة والده الزائغ المجاهر عن شين عناد الأطيبين الأطاهر، فيا عجباً من صنع ( الدهلوي ) الشاهر للخلاف الفاضح الجاهر، كيف آثر طعن الحديث في ( تحفته ) المردودة بالحجج القواهر، ورام من غمط الحق ما هو

٣٠٢

فوق كل قنة وظاهر؟!

(١٣٩)

إثبات الساباطي الحنفي

وقال الشيخ جواد ساباط بن إبراهيم ساباط الحنفي(١) في ( البراهين الساباطية ) في البرهان السابع من براهين المقالة الثالثة من التبصرة الثالثة بعد نقل عبارة من رؤيا يوحنا - قال: « وترجمته العربية والأبواب الاثنا عشر اثنا عشر لؤلؤة كل واحد من الأبواب كان من لؤلؤة واحدة وساحة المدينة من الذهب الأبريز كالزجاج الشفاف.

أقول: هذا بيان لما قبله وصفة للأبواب وكون كل باب من لؤلؤة واحدة فيه البشارة إلى ما يدّعيه الاماميّون من عصمة أئمتهم، لأن اللؤلؤة كروية، ولا شكّ أن الشكل الكروي لا يمكن انثلامه، لأنه لا يباشر الأجسام إلّا على ملتقى نقطة واحدة كما صرح به اوقليدس، والأصل في عصمة الامام أمّا عند أهل السنة والجماعة فإن العصمة ليست بشرط بل العمدة فيه انعقاد الاجماع، وأما عند الامامية فهي واجبة فيه، لأنه لطف ولأن النفوس الزكية الفاضلة تأبى عن اتباع النفوس الدنية المفضولة، وعدم العصمة علّة عدم الفضيلة، ولهما فيها بحث طويل لا يناسب هذا المقام.

قوله: وساحة المدينة من الذهب الابريز كالزجاج الشفاف، يريد بذلك

____________________

(١). قال في هدية العارفين ١ / ٢٥٨: « جواد ساباط بن ابراهيم ساباط بن محمد ساباط باسيفين الحسيني الهجري الأصل البصري الحنفي. ولد في مارية ١١٨٨ وتوفي في حدود سنة ١٢٥٠. من تصانيفه: أنموذج الساباطي في العروض والقوافي. البراهين الساباطية فيما يستقيم به دعائم الملة المحمدية وتنهدم به أساطين الشريعة المنسوخة العيسوية فرغ منها سنة ١٢٢٨ ».

٣٠٣

أهل ملّتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنهم لا ينحرفون عن اعتقادهم ولا ينصرفون عن مذهبهم في حالة العسرة، وأما الذين أغواهم قسوس الانكتاريين فمن الجهال الذين لا معرفة لهم بأصول دينهم، وهذا هو مصداق قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها ».

(١٤٠)

رواية الخربوتي الحنفي

وقال عمر بن أحمد الخربوتي الحنفي(١) في ( عصيدة الشهدة في شرح قصيدة البردة ) بشرح: « فاق النبيين في خلق وفي خلق ولم يدانوه في علم ولا كرم » قال ما نصه: « ثم اعلم أن بيان علمه ثابت بقوله تعالى( وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ) وبقولهعليه‌السلام : أنا مدينة العلم. الحديث. وغير ذلك ».

ترجمته:

لقد أثنى عليه وقرّض كتابه المذكور أفاضل عصره وأماثل جهابذة وقته، وقد ذكرت نصوص تلك التقريظات في آخر الكتاب، فراجع.

(١٤١)

رواية الشوكاني

وقال القاضي محمد بن علي الشوكاني الصنعاني في ( الفوائد المجموعة في

____________________

(١). قال الزركلي: « عمر بن أحمد بن محمد سعيد الخربوتي الرومي المتخلص بنعيمي: ففيه حنفي أديب =

٣٠٤

الأحاديث الموضوعة ): « حديث: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب، رواه الخطيب عن ابن عباس مرفوعاً، ورواه الطبراني وابن عدي والعقيلي وابن حبان عن ابن عباس أيضاً مرفوعاً، وفي إسناده جعفر بن محمد البغدادي وهو متهم، وفي إسناد الطبراني أبو الصلت الهروي عبد السلام بن صالح، قيل هو الذي وضعه. وفي إسناد ابن عدي أحمد بن سلمة الجرجاني يحدّث عن الثقات بالأباطيل، وفي إسناد العقيلي عمر بن إسماعيل بن مجالد كذاب، وفي إسناد ابن حبان إسماعيل بن محمد بن يوسف ولا يحتج به، وقد رواه ابن مردويه عن علي مرفوعاً، وفي اسناد من لا يجوز الاحتجاج به، و رواه أيضاً ابن عدي عن جابر مرفوعاً بلفظ: هذا - يعني علياً - أمير البررة وقاتل الفجرة منصور من نصره مخذول من خذله أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب، قيل: لا يصح ولا أصل له، وقد ذكر هذا الحديث ابن الجوزي في الموضوعات من طرق عدة، وجزم ببطلان الكل، وتابعه الذهبي وغيره.

وأجيب عن ذلك بأن محمد بن جعفر البغدادي الفيدي قد وثّقه يحيى بن معين، وأن أبا الصلت الهروي قد وثّقه ابن معين والحاكم، وقد سئل يحيى عن هذا الحديث فقال: صحيح، وأخرجه الترمذي عن علي مرفوعاً، وأخرجه الحاكم في المستدرك عن ابن عباس مرفوعاً وقال: صحيح الإِسناد، قال الحافظ بن حجر: والصواب خلاف قولهما معاً - يعني ابن الجوزي والحاكم - وإن الحديث من قسم الحسن لا يرتقي إلى الصحة ولا ينحط إلى الكذب. انتهى. وهذا هو الصواب لأن يحيى بن معين والحاكم قد خولفا في توثيق أبي الصلت ومن تابعه، فلا يكون مع هذا الخلاف صحيحاً بل حسناً لغيره، لكثرة طرقه كما بيّناه، وله طرق أخرى ذكرها صاحب اللآلي وغيره ».

____________________

= مولده ووفاته في خربوت بتركيا. كان مفتياً لها، وصنف كتباً منها: عصيدة الشهدة في شرح قصيدة البردة. ط. وشروح وحواش ورسائل » الاعلام ٥ / ٤١. وأرخ وفاته بسنة ١٢٩٩.

٣٠٥

ترجمته:

وترجمة القاضي الشوكاني في كافة المصادر تجدها منقولة عنها في مجلّدات كتابنا، وقد ترجم له علماء الهند أيضاً في كتبهم: فالصديق حسن ترجم له في ( التاج المكلّل ) وفي ( أبجد العلوم ) وفي ( اتحاف النبلاء ) قال في الأول نقلاً عن كتاب ( الديباج الخسرواني ) لحسن البهلكي:

« السنة الخمسون بعد المائتين والالف، وفيها في شهر جمادى الآخرة كانت وفاة شيخنا محمد بن علي الشوكاني، وهو قاضي الجماعة، شيخ الاسلام، المحقق العلامة الامام، سلطان العلماء، إمام الدنيا، خاتمة الحفاظ بلا مراء، الحجة النقاد، عالي الاسناد، السابق في ميدان الاجتهاد، المطلع على حقائق الشريعة وغوامضها، العارف بمداركها ومقاصدها. وعلى الجملة فما مثل نفسه ولا رأى من رآه مثله، علماً وورعاً وقياماً بالحق بقوة جنان وسلاطة لسان، قد أفرد ترجمته تلميذه الأديب العلامة محمد بن حسن الشيخي الذماري بمؤلف سماه: ( التقصار في جيد زمن عالم الأقاليم والأمصار ) قصره على ذكر مشايخه وتلامذته وسيرته، وما انطوت عليه شمائله، وما قاله من شعر وما قيل فيه من مدح وثناء بالنظم والنثر، جاء في مجلَّد ضخم.

مولده يوم الاثنين الثامن والعشرين من ذي القعدة الحرام سنة اثنين وسبعين بعد المائة والألف ».

وقال صديق حسن خان: « محمد بن علي بن محمد الشوكاني، شيخنا الامام العلّامة الربّاني والسهيل الطالع من القطر اليماني، إمام الأئمة ومفتي الأمة، بحر العلوم وشمس الفهوم، سند المجتهدين الحفاظ، فارس المعاني والألفاظ، فريد العصر نادرة الدهر، شيخ الاسلام قدوة الأنام علامة الزمان ترجمان الحديث والقرآن، علم الزهاد أوحد العباد قامع المبتدعين آخر المجتهدين، رأس الموحّدين تاج المتّبعين، صاحب التصانيف التي لم يسبق إلى مثلها، قاضي الجماعة شيخ

٣٠٦

الرواية والسماعة، عالى الاسناد السابق في ميدان الاجتهاد على الأكابر الأمجاد، المطّلع على حقائق الشريعة ومواردها، العارف بغوامضها ومقاصدها.

قال القاضي العلامة عبد الرحمن بن أحمد البهكلي في كتابه نفح العود في أيام الشريف حمود صار مشاراً إليه في علوم الاجتهاد بالبنان، والمجلّي في معرفة غوامض الشريعة عند الرهان، له المؤلفات في أغلب العلوم وقد تفضل عليه بالاجتهاد وقد جمعت فتاواه ورسائله فجاءت في مجلدات

قال السيد الجليل العلامة عبد الرحمن بن سليمان بن يحيى بن عمر مقبول الأهدلرحمه‌الله في كتابه المسمى بالنفس اليماني والروح الريحاني في إجازة القضاة بني الشوكاني ما عبارته: وممن تخرّج بسيدي الامام عبد القادر بن أحمد الحسني: إمام عصرنا في سائر العلوم وخطيب دهرنا في إيضاح دقائق المنطوق والمفهوم، الحافظ المسند الحجة الهادي في إيضاح السنن النبوية إلى المحجة عز الاسلام، محمد بن علي الشوكاني بلغه الله في الدارين أقصى الأماني وقد ذكر لي بعض المعتمدين أن مؤلفاته الحاصلة الآن مائة وأربعة عشر مؤلّفاً عدد سور كتاب الله تعالى، قد شاعت في الأمصار الشاسعة فضلاً عن القريبة

وقد اعتنى بشرح مناقبه وفضائله عدّة من العلماء الأعلام والجهابذة الفخام »(١) .

(١٤٢)

إثبات رشيد الدين الدهلوي

وقد وصف محمد رشيد الدين خان تلميذ ( الدهلوي ) سيدنا أمير المؤمنينعليه‌السلام بـ « باب مدينة العلم » حيث قال في ( إيضاح لطافة المقال ): « إن الحق

____________________

(١). ابجد العلوم ٣٠٥ - ٣١٧.

٣٠٧

الذي كان مع باب مدينة العلم كان مؤهلاً له للخلافة، ولا ريب في استحقاق من خالف هذا الحق للطعن والملامة ».

ترجمته:

ورشيد الدين خان هذا من أكابر متكلمي ومحدّثي أهل السنة، وقد مدحه شيخه ( الدهلوي ) كما ذكر هو في كتابه ( غرة الراشدين ).

واستند إلى أقواله حيدر علي الفيض آبادي في كتابه ( إزالة الغين ).

وذكره الصديق حسن خان في ( ابجد العلوم ) في أصحاب ( الدهلوي ) بقوله:

« ومنهم الشيخ رشيد الدين خان الدهلوي. كان فاضلاً جامعاً بين كثير من العلوم الدرسية، وكان حسن العبارة وآية الذب عن حمى أهل السنة والجماعة والنكاية في الرافضة المشائيم، صنّف في الردّ عليهم كتابه الشوكة العمرية وغيرها، مما يعظم موقعه عند الجدليين من أهل النظر، ونجاره كشميري »

وترجم له في نزهة الخواطر ٧ / ١٧٧ وأثنى عليه الثناء الكبير، وذكر تتلمذه على صاحب التحفة وأخويه حتى صار علماً مفرداً في العلم معقولاً ومنقولاً ثم ذكر مصنّفاته وأرخ وفاته بسنة ١٢٤٣.

(١٤٣)

رواية ميرزا حسن المحدّث

وقال جمال الدين أبو عبد الله محمد بن عبد العلي القرشي المعروف بميرزا حسن علي المحدِّث، تلميذ ( الدهلوي ):

« وأخرج البزار والطبراني في الأوسط عن جابر وأبو نعيم في المعرفة عن علي قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها ، هذا حديث

٣٠٨

حسن على الصواب، لا صحيح كما قال الحاكم ولا موضوع كما قاله جماعة منهم ابن الجوزي والنووي »(١) .

ترجمته:

لقد أثنى عليه ونقل كلماته رشيد الدين في ( ايضاحه ) وسلامة الله البدايوني في ( إشباع الكلام )

(١٤٤)

رواية نور الدين السليماني

ورواه نور الدين بن إسماعيل السليماني في ( الدرر اليتيم ) نقلاً عن الاكتفاء حيث قال:

« وعنه - أي عن عليرضي‌الله‌عنه - إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أنا مدينة العلم وعلي بابها. أخرجه أبو نعيم في المعرفة ».

وفيه نقلاً عنه: « وعنه - أي عن ابن عباسرضي‌الله‌عنه - قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب. أخرجه الحاكم في المستدرك والخطيب في المفترق والمتفق ».

(١٤٥)

رواية ولي الله السهالوي

وقال ولي الله بن حبيب الله بن محب الله السهالوي اللكهنوي في بيان

____________________

(١). تفريح الاحباب: ٢٥٠.

٣٠٩

فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام : « ومنها قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حق عليرضي‌الله‌عنه : أنا مدينة العلم وعلي بابها. أخرج الحاكم عن علي وابن عمر وأبو نعيم في المعرفة عن عليرضي‌الله‌عنه قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها، والطبراني عن ابن عباس أنه قال: فمن أراد العلم فليأته من بابه، وصححه الحاكم، وأنكر ابن الجوزي، واختار الحافظ ابن حجر أنه حسن لا صحيح ولا موضوع، وأورد الترمذي لفظ الدار مكان المدينة »(١) .

ترجمته:

ترجم له في نزهة الخواطر ٧ / ٥٢٧ ووصفه بالشيخ الفاضل العلامة أحد الأساتذة المشهورين. ثم ذكر مصنفاته منها كتابه المذكور. ووفاته سنة ١٢٧٠.

(١٤٦)

إثبات شهاب الدين الآلوسي

وقال شهاب الدين محمود بن عبد الله الآلوسي البغدادي في تفسيره ( روح المعاني ) في بحثه حول رؤية اللوح المحفوظ ما نصه: « ثم إن الإِمكان ممّا لا نزاع فيه، وليس الكلام إلّا في الوقوع، وورد ذلك عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأجلة الصحابة، كالصّديق والفاروق وذي النورين وباب مدينة العلم والنقطة تحت الباء رضي الله عنهم أجمعين ».

ترجمته:

ترجم له الصديق حسن خان القنوجي حيث قال: « السيد شهاب الدين

____________________

(١). مرآة المؤمنين - مخطوط.

٣١٠

محمود ابن السيد عبد الله أفندي آلوسي زاده البغدادي، ينتهي نسبه الشريف من جهة الأب إلى الحسين، ومن جهة الأم إلى الحسن رضي الله عنهما، بواسطة الشيخ الرباني السيد عبد القادر الجيلانيقدس‌سره ، وكانرحمه‌الله خاتمة المفسرين ونخبة المحدّثين، أخذ العلم عن فحول العلماء، منهم والده العلامة ومنهم الشيخ السويدي ومنهم خالد النقشبندي والشيخ علي الموصلي، وكل ذلك مفصل في ( حديقة الورود في مدائح السيد شهاب الدين محمود ). وكان أحد أفراد الدنيا بقول الحق واتّباع الصدق وحب السنن وتجنب الفتن، حتى جاء مجدّداً وللدين الحنيفي مسدّداً.

دنيا بها انقرض الكرام فأذنبت

وكأنما بوجوده استغفارها

وكان جلّ ميله إلى خدمة كتاب الله وحديث جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنهما المشتملان على جميع العلوم وإليهما المرجع في المنطوق والمفهوم، وكان غاية في الحرص على تزايد علمه وتوفير نصيبه منه وسهمه، وكان كثيراً ما ينشد:

سهري لتنقيح العلوم ألذّلي

من وصل غانية وطيب عناق

واشتغل بالتدريس والتأليف وهو ابن ثلاثة عشر سنة، ودرّس ووعظ وأفتى للحنفية في بغداد المحمية، وأكثر من إملاء الخطب والرسائل والفتاوى والمسائل، وخطه كأنه اللؤلؤ والمرجان أو العقود في أجياد الحسان، قلد الإِفتاء سنة ١٢٤٨ وهو عام ولادة محرر هذه السطور، أرسل إليه السلطان بنيشان ذي قدر وشأن.

قال نجله السيد أحمد - كان الله له خير ناصر - في ترجمته المسماة بأرج الند والعود: كان عالماً باختلاف المذاهب، مطلعاً على الملل والنحل والغرائب، سلفي الاعتقاد شافعي المذهب كآبائه الأمجاد، إلّا أنه في كثير من المسائل يقتدي بالإِمام الأعظم، ثم في آخر أمره مال إلى الاجتهاد كأمثاله من العلماء النقاد، حسبما صرّح به الأئمة في كتب الأصول وتعرفه الجهابذة الفحول، قال: ومن مؤلفاته ما هو أعظمها قدراً وأجلها فخراً تفسيره المسمى بروح المعاني في تفسير القرآن والسبع

٣١١

المثاني

توفيرحمه‌الله في ٢١ ذي القعدة سنة ١٢٧٠ »(١) .

(١٤٧)

رواية البلخي القندوزي

ورواه سليمان بن إبراهيم البلخي القندوزي(٢) في كتابه ( ينابيع المودة ) بالأسانيد المتنوعة والطرق المختلفة

فقد قال: « الحمويني في فرائد السمطين بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي أنا مدينة العلم وأنت بابها، ولن تؤتى المدينة، إلّا من قبل الباب، وكذب من زعم أنه يحبّني ويبغضك، لأنك مني وأنا منك، لحمك لحمي ودمك من دمي، وروحك من روحي، وسريرتك من سريرتي وعلانيتك من علانيتي، سعد من أطاعك وشقي من عصاك، وربح من تولّاك وخسر من عاداك، فاز من لزمك وهلك من فارقك، ومثل الأئمة من ولدك بعدي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق، ومثلكم كمثل النجوم كلما غاب نجم طالع نجم إلى يوم القيامة ».

وقال: « الباب الرابع عشر في غزارة علمهعليه‌السلام (٣) : وفي الدر المنظم لابن طلحة الحلبي الشافعي قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها وقال الله تعالى:( وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) فمن أراد العلم

____________________

(١). التاج المكلل: ٣٦٠ وله ترجمة في الاعلام ٧ / ١٧٦ عن عدة من المصادر، وذكر أنه قد ألفت في ترجمته رسائل مفصلة.

(٢). هو الشيخ سليمان ابن الشيخ ابراهيم المعروف بـ ( خواجه كلان ) الحسيني البلخي القندوزي الحنفي، المتوفى في القسطنطينية بسنة ١٢٧٠، أو ١٢٩٣.

(٣). ينابيع المودة ٦٥ - ٧٨.

٣١٢

فليأت الباب.

وقال: « ابن المغازلي بسنده عن مجاهد عن ابن عباس، وأيضاً عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قالا: أخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعضد علي وقال: هذا أمير البررة وقاتل الكفرة منصور من نصره مخذول من خذله، فمدّ بها صوته ثم قال: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب. أيضاً: أخرج هذا الحديث موفق بن أحمد والحمويني والديلمي في الفردوس وصاحب كتاب المناقب عن مجاهد عن ابن عباس. أيضاً: ابن المغازلي أخرج عن حذيفة بن اليمان عن علي رضي الله عنهما قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها ولا تؤتى البيوت إلّا من أبوابها ابن المغازلي بسنده عن محمد بن عبد الله قال حدثنا علي بن موسى الرضا عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليرضي‌الله‌عنه قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي أنا مدينة العلم وأنت بابها، كذب من زعم أنه يصل إلى المدينة إلّا من قبل الباب. عن الأصبغ بن نباتة قال: لمـّا جلس عليعليه‌السلام في الخلافة خطب خطبة ذكرها أبو سعيد البحتري إلى آخرها ثم قال للحسنعليه‌السلام : يا بني فاصعد المنبر وتكلّم، فصعد وبعد الحمد والتصلية قال: أيها الناس سمعت جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: أنا مدينة العلم وعلي بابها وهل تدخل المدينة إلاّ من بابها فنزل. ثم قال للحسينعليه‌السلام فاصعد المنبر وتكلّم، فصعد فقال بعد الحمد والتصلية: أيها الناس سمعت جديصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: إن عليا مدينة هدى فمن دخلها نجى ومن تخلّف عنها هلك. فنزل ثم قال عليعليه‌السلام : أيها الناس إنهما والدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووديعته التي استودعها على أمته وسائل عنهما ».

وقال: « عن كنوز الحقائق: أنا مدينة العلم وعلي بابها. للطبراني والديلمي ».

وقال: عن الجامع الصغير: « أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب. للعقيلي وابن عدي والطبراني في الكبير والحاكم عن ابن عباس،

٣١٣

وأيضاً رواه ابن عدي والحاكم عن جابر ».

وقال: عن ذخائر العقبى: « في ذكر كثرة علم علي: وعن علي مرفوعاً: أنا دار العلم وعلي بابها. أخرجه البغوي في المصابيح، و أخرجه أبو عمر: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأته من بابه ».

وقال: نقلاً عن كتاب السبعين: « الحديث الثاني والعشرون قال جابر: أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عضد علي وقال: هذا إمام البررة وقاتل الفجرة مخذول من خذله منصور من نصره، ثم مدّ صوته وقال: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب. رواه ابن المغازلي.

وقال: عن مودة القربى: « جابر رفعه: أنا مدينة العلم وعلي بابها. ورواه ابن مسعود وأنس مثله».

وقال: نقلاً عن الصواعق: « أخرج البزار والطبراني في الأوسط عن جابر ابن عبد الله. وأيضاً الطبراني والحاكم والعقيلي وابن عدي عن ابن عمر، والترمذي وأيضاً الحاكم عن علي قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها. و في رواية: فمن أراد العلم فليأت الباب، و في أخرى عن الترمذي عن علي: أنا دار الحكمة وعلي بابها ».

وقال عن درّة المعارف: « ثم إن الامام علياً كرّم الله وجهه ورث علم أسرار الحروف من سيدنا ومولانا محمد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإليه الإِشارة بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها ، وهو أول من وضع وفق مائة من مائة في الاسلام ».

وقال نقلاً عن الدر المنظم: « والغرض من هذا السر الباهر والرمز الفاخر إظهار لوائح لأرباب الذوق، لأنه من العلوم الجسيمة الفاتحة لأبواب المدينة لا يسمّه ناسوتي ولا ينظر به إلّا لاهوتي، وهذا هو العلم الذي خصّ به آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والعلم الذي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مدينته وعلي بابها ».

وقال: عن الكتاب المذكور: « وهما كتابان جليلان أحدهما: ذكره الامام

٣١٤

علي كرم الله وجهه على المنبر وهو قائم يخطب بالكوفة على ما سيأتي بيانه وهو المسمى بخطبة البيان، والآخر: أسره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا العلم المكنون هو المشار إليه بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها، وأمره بتدوينه، فكتبه الامام عليرضي‌الله‌عنه حروفاً مفرّقة على طريقة سفر آدمعليه‌السلام في جفر، يعني في رق قد صنع من جلد البعير واشتهر بين الناس بالجفر الجامع والنور اللامع، وقيل الفجر والجامعة ».

وقال عن الدر المكنون والجوهر المصون: « والامام عليرضي‌الله‌عنه ورث علم الحروف من سيدنا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإليه الإِشارة بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فعليه بالباب».

(١٤٨)

إثبات البدايوني

وقد وصف سلامة الله البدايوني الامام أمير المؤمنينعليه‌السلام بـ « باب مدينة العلم » في ( معركة الآراء ) حيث قال بعد إيراد حديث « أصبت وأخطأت » الموضوع قال: « والحاصل أنه لما خطّأ السائل جواب باب مدينة العلم قال: لقد أصبت وأخطأت، وفوق كل ذي علم عليم ».

(١٤٩)

إثبات حسن الزمان

وقال المولوي حسن الزمان ما نصه: « تنبيه: من أحسن بينة على معنى ختم الأولياء الحديث المشهور الصحيح الذي صحّحه جماعات من الأئمة منهم: أشد

٣١٥

الناس مقالاً في الرجال سند المحدثين ابن معين كما أسنده عنه ووافقه الخطيب في تاريخه وقد كان قال أولاً لا أصل له، ومنهم: الامام الحافظ المنتقد المجتهد المستقل المجدّد الجامع من العلوم، كما ذكره السيوطي وابن حجر والتاج السبكي والذهبي والنووي عن الامام الحافظ الخطيب البغدادي ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، ويؤيّده قول إمام الأئمة ابن خزيمة ما أعلم على أديم الأرض أعلم من ابن جرير - في تهذيب الآثار، وقد قال الخطيب: لم أر مثله في معناه كما نقل كلامه السيوطي في مسند علي من جمع الجوامع، ومنهم: الحاكم ومن آخرهم الحافظ المجد الشيرازي شيخ ابن حجر في نقد الصحيح وأطنب في تحقيقه كما نقله الدهلوي في لمعات التنقيح، واقتصر على تحسينه العلائي والزركشي وابن حجر في أقوام أخر ردّا على ابن الجوزي من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

أنا مدينة العلم وعلي بابها ولا يؤتى المدينة إلّا من بابها. قال الله تعالى:( وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) وهو أقوى شاهد لصحة رواية صحّحها الحاكم: فمن أراد العلم فليأت الباب، وهذا مقام الختم من أنه لا وليّ بعده إلّا وهو راجع إليه آخذ من لديه، وإليه الإِشارة بما في الحديث الصحيح المستفيض المشهور بل المتواتر من الأمر بسدّ كلّ باب إلّا بابه مستندا إلى أمر الله تعالى بذلك »(١) .

وفيه: « وقد صحّ عن أئمة الصحابة كباب مدينة العلم وابن مسعود وابن عباس تأويل فواتح السور وهي من المتشابه ».

وفيه بعد كلام له: « والأخبار والآثار في ذلك عن باب مدينة العلم ودار الحكمة لا تكاد تحصى كثرة »(٢) .

____________________

(١). القول المستحسن في فخر الحسن: ٤٥٢.

(٢). القول المستحسن في فخر الحسن، انظر مثلاً: ٦٥.

٣١٦

(١٥٠)

إثبات علي بن سليمان الشاذلي

وقد أثبته علي بن سليمان الدمنتي المغربي المالكي الشاذلي(١) ، حيث تكلّم عليه بالتفصيل، وأجاب عن المناقشة في سنده بكلام الحافظين الصلاح العلائي وابن حجر(٢) .

(١٥١)

إثبات عبد الغني الغنيمي

ووصف عبد الغني أفندي الغنيمي أمير المؤمنينعليه‌السلام بـ « باب مدينة العلم » كما ذكر سليم فارس أفندي. مدير الجوائب - في ( قرة الأعيان ومسرّة الأذهان ) حيث قال: « وقال العالم المتفنن النحرير المتقن السيد عبد الغني أفندي الغنيمي: الحمد لله الذي جعل العلماء ورثة الأنبياء، واجتباهم لحفظ الشريعة الغرّاء شريعة نبيه المصطفى، وخصّهم بمزيد الهبات وأدام بدوامهم آثار من مضى وفات، وميّز بين مراتبهم تحقيقا لقوله تعالى:( وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ ) أحمده سبحانه من إله كريم جواد، جعل العلم مجازاً في الحقيقة لكل إسعاد، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد أشرف مرسل وأكرم مبعوث وأفضل

____________________

(١). ترجم له في الأعلام ٤ / ٢٩٢ قال: « فقيه من أعلام المغاربة » وذكر مؤلفاته. ولم يذكر شرحه على الترمذي - وأرخ وفاته بسنة ١٣٠٦.

(٢). نفع قوت المغتدي: ١٤٨.

٣١٧

وعلى آله وأصحابه وذريته الذين حازوا الشرف بتبعيته.

أما بعد: فقد وقفت على هذا التأليف الميمون، فوجدته وهو بغرر الدرر مشحون، حيث أخذ بأطراف الفنون وأظهر سرها المكنون، وكيف لا ومنشؤه ملك العلماء الأكرمين، وابن أمير المؤمنين خاتمة الخلفاء الأربعة الراشدين، باب مدينة العلم علي ابن عم سيد المرسلين، فهو الحائز للشرفين الحسب والنسب الأفخم والجامع بين الفضيلتين السيف والقلم »(١) .

____________________

(١). وترجم له في الاعلام بقوله: « عبد الغني بن طالب بن حمادة بن ابراهيم الغنيمي الدمشقي الميداني. فاضل من فقهاء الحنفية » ثم ذكر مؤلفاته. وقد أرخ وفاته بسنة ١٢٩٨.

٣١٨

شواهد حديث أنا مدينة العلم

٣١٩

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428