نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٠

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار13%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 428

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 428 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 346347 / تحميل: 7084
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٠

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

يدك أبايعك على ما أحببنا وكرهنا ». فكان أول العرب بايع عليها مالك ابن هبيرة.

وقال الزبرقان بن عبد الله السكوني :

معاوي أخدجت الخلافة بالتي

شرطت فقد بوالك الملك

مالك ببيعة فصل ليس فيها غميزة

ألا كل ملك ضمه الشرط هالك

وكان كبيت العنكبوت مذبذبا

فأصبح محجوبا عليه الأرائك

وأصبح لا يرجوه راج لعلة

ولا تنتحي فيه الرجال الصعالك

وما خير ملك يا معاوي مخدج

تجرع فيه الغيظ والوجه حالك

إذا شاء ردته السكون وحمير

وهمدان والحي الخفاف السكاسك

نصر : صالح بن صدقة ، عن ابن إسحاق ، عن خالد الخزاعي وغيره عمن لا يتهم(١) ، أن عثمان لما قتل وأتى معاوية كتاب علي بعزله عن الشام خرج حتى صعد المنبر ثم نادى في الناس أن يحضروا ، فحضروا المسجد فخطب الناس معاوية فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم ثم قال :

« يا أهل الشام ، قد علمتم أني خليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، وخليفة عثمان وقتل مظلوما ، وقد تعلمون أني وليه(٢) ، والله يقول في كتابه :( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا ) : وأنا أحب أن تعلموني ما في أنفسكم من قتل عثمان ».

قال : فقام كعب بن مرة السلمي ـ وفي المسجد يومئذ أربعمائة رجل

__________________

(١) ح ( ١ : ٢٥٣ ) : « ممن لا يتهم ».

(٢) ح : « وخليفة عثمان وقد قتل وأنا ابن عمه ووليه ».

٨١

أو نحو ذلك من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ فقال :

« والله لقد قمت مقامي هذا وإني لأعلم أن فيكم من هو أقدم صحبة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مني ، ولكني قد شهدت من رسول الله مشهدا لعل كثيرا منكم لم يشهده. وإنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نصف النهار في يوم شديد الحر فقال : « لتكونن فتنة حاضرة ». فمر رجل مقنع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا المقنع يومئذ على الهدى قال : فقمت فأخذت بمنكبيه(١) وحسرت عن رأسه فإذا عثمان ، فأقبلت بوجهه إلى رسول الله فقلت : هذا يارسول الله؟ قال : « نعم ».

فأصفق أهل الشام على معاوية ، وبايعوه على الطلب بدم عثمان أميرا لا يطمع في الخلافة ، ثم الأمر شورى.

وفي حديث محمد بن عبيد الله عن الجرجاني قال :

لما قدم عبيد الله بن عمر بن الخطاب على معاوية بالشام ، أرسل معاوية إلى عمرو بن العاص فقال :

« يا عمرو ، إن الله قد أحيا لك عمر بن الخطاب بالشام بقدوم عبيد الله ابن عمر ، وقد رأيت أن أقيمه خطيبا فيشهد على علي بقتل عثمان ، وينال منه ».

فقال : الرأي ما رأيت. فبعث إليه فأتى ، فقال له معاوية : يا ابن أخي ، إن لك اسم أبيك ، فانظر بملء عينيك ، وتكلم بكل فيك(٢) فأنت المأمون المصدق! فا [ صعد المنبر ، وا ] شتم عليا واشهد عليه أنه قتل عثمان. فقال : يا أمير المؤمنين(٣) أما شتميه فإنه علي بن أبي طالب ، وأمه فاطمة بنت أسد بن

__________________

(١) ح : « بمنكبه ».

(٢) ح ( ١ : ٢٥٦ ) : « وانطق بملء فيك ».

(٣) ح : « أيها الأمير ».

٨٢

هاشم ، فما عسى أن أقول في حسبه. وأما بأسه فهو الشجاع المطرق. وأما أيامه فما قدمت عرفت : ولكني ملزمه دم عثمان. فقال عمرو [ بن العاص ] : إذا والله قد نكأت القرحة(١) .

فلما خرج عبيد الله قال معاوية : أما والله لولا قتله الهرمزان ، ومخافة علي على نفسه(٢) ما أتانا أبدا. ألم تر إلى تقريظه عليا؟! فقال عمرو : « يا معاوية ، إن لم تغلب فاخلب ». فخرج حديث إلى عبيد الله ، فلما قام خطيبا تكلم بحاجته ، حتى إذا أتى إلى أمر علي أمسك [ ولم يقل شيئا ] ، فقال له معاوية(٣) : ابن أخي(٤) ، إنك بين عي أو خيانة! فبعث إليه : » كرهت أن أقطع الشهادة على رجل لم يقتل عثمان ، وعرفت أن الناس محتملوها عني [ فتركتها ] ». فهجره معاوية ، واستخف بحقه ، وفسقه فقال عبيد الله :

معاوي لم أخرص بخطبة خاطب

ولم أك عيا في لؤى بن غالب(٥)

ولكنني زاولت نفسا أبية

على قذف شيخ بالعراقين غائب

__________________

(١) ح : « قد وأبيك إذن نكأت القرحة ».

(٢) ح : « ومخافته عليا على نفسه ».

(٣) ح : « فلما نزل بعث إليه معاوية ».

(٤) في الأصل : « ابن أخ » تحريف ، والمنادي إذا كان مضافا إلى مضاف إلى الياء فالياء ثابتة لا غير كقولك : « يا ابن أخي » و « يا ابن خالي » إلى إن كان « ابن أم » أو « ابن عم » ففيهما مذاهب.

(٥) لم أخرص : لم أكذب. وفي الأصل وح : « لم أحرص » تحريف.

٨٣

وقذفي عليا بابن عفان جهرة

يجدع بالشحنا أنوف الأقارب(١)

فأما انتقافي أشهد اليوم وثبة

فلست لكم فيها ابن حرب بصاحب(٢)

ولكنه قد قرب القوم جهده

ودبوا حواليه دبيب العقارب(٣)

فما قال أحسنتم ولا قد أسأتم

وأطرق إطراق الشجاع المواثب

فأما ابن عفان فأشهد أنه

أصيب بريئا لابسا ثوب تائب

حرام على آهاله نتف شعره

فكيف وقد جازوه ضربة لازب(٤)

وقد كان فيها للزبير عجاجة

وطلحة فيها جاهد غير لاعب

وقد أظهرا من بعد ذلك توبة

فياليت شعري ما هما في العواقب

__________________

(١) الشحناء : البغض والعداوة ، وفي الأصل : « أجدع بالشحناء » : وفي ح : « كذاب وما طبعي سجايا المكاذب » ، وجه هذه « وما طبي ».

(٢) البيت لم يرو في ح ، وفي صدره تحريف.

(٣) ح : « ولكنه قد حزب القوم حوله ».

(٤) الآهال : جمع أهل ، وأنشد الجوهري : * وبلدة ما الجن من آهالها *

٨٤

فلما بلغ معاوية شعره بعث إليه فأرضاه وقربه وقال : « حسبي هذا منك ».

نصر ، عن عمر بن سعد عن أبي ورق ، أن ابن عمر بن مسلمة الأرحبي أعطاه كتابا في إمارة الحجاج بكتاب من معاوية إلى علي. قال : وإن أبا مسلم الخولاني(١) قدم إلى معاوية في أناس من قراء أهل الشام ، [ قبل مسير أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى صفين ، ] فقالوا [ له ] : يا معاوية علام تقاتل عليا ، وليس لك مثل صحبته ولا هجرته ولا قرابته ولا سابقته؟ قال لهم : ما أقاتل عليا وأنا أدعى أن لي في الإسلام مثل صحبته ولا هجرته ولا قرابته ولا سابقته ، ولكن خبروني عنكم ، ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوما؟ قالوا : بلى. قال : فليدع إلينا(٢) قتلته فنقتلهم به ، ولا قتال بيننا وبينه. قالوا : فاكتب [ إليه ] كتابا يأتيه [ به ] بعضنا. فكتب إلى علي هذا الكتاب مع أبي مسلم الخولاني ، فقدم به على علي ، ثم قام أبو مسلم خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

« أما بعد فإنك قد قمت بأمر وتوليته(٣) ، والله ما أحب أنه لغيرك إن أعطيت الحق من نفسك ، إن عثمان قتل مسلما محرما(٤) مظلوما ، فادفع

__________________

(١) أبو مسلم الخولاني الزاهد الشامي هو عبد الله بن ثوب ، بضم المثلثة وفتح الواو ، وقيل بإشباع الواو ، وقيل ابن أثوب بوزن أحمر ، ويقال ابن عوف وابن مشكم ، ويقال اسمه يعقوب بن عوف ، وكان ممن رحل إلى النبي فلم يدركه ، وعاش إلى زمن يزيد بن معاوية. انظر تقريب التهذيب ٦١٢ والمعارف ١٩٤. وفي الأصل : « الحولاني » بالمهملة ، صوابه بالخاء المعجمة ، كما في ح ( ٣ : ٤٠٧ ) نسبة إلى خولان ، بالفتح ، إحدى قبائل اليمن.

(٢) ح ( ٣ : ٤٠٧ ) : « فليدفع إلينا ».

(٣) ح : ( ٣ : ٤٠٨ ) : « وليته ».

(٤) محرما : أي له حرمة وذمة ، أو أراد أنهم قتلوه في آخر ذي الحجة ، وقال أبو عمرو :

٨٥

إلينا قتلته ، وأنت أميرنا ، فإن خالفك أحد من الناس كانت أيدينا لك ناصرة ، وألسنتنا لك شاهدة ، وكنت ذا عذر وحجة ».

فقال له على : اغد على غدا ، فخذ جواب كتابك. فانصرف ثم رجع من الغد ليأخذ جواب كتابه فوجد الناس قد بلغهم الذي جاء فيه ، فلبست الشيعة أسلحتها ثم غدوا فملؤوا المسجد وأخذوا ينادون : كلنا قتل ابن عفان [ وأكثروا من النداء بذلك ] ، وأذن لأبي مسلم فدخل على علي أمير المؤمنين فدفع إليه جواب كتابه معاوية ، فقال له أبو مسلم : قد رأيت قوما ما لك معهم أمر. قال : وما ذاك؟ قال : بلغ القوم أنك تريد أن تدفع إلينا قتلة عثمان فضجوا واجتمعوا ولبسوا السلاح وزعموا أنهم كلهم قتلة عثمان. فقال علي : « والله ما أردت أن أدفعهم إليك طرفة عين ، لقد ضربت هذا الأمر أنفه وعينيه ما رأيته ينبغي لي أن أدفعهم إليك ولا إلى غيرك ».

فخرج بالكتاب وهو يقول : الآن طاب الضراب.

وكان كتاب معاوية إلى عليعليه‌السلام (١) :

بسم الله الرحمن الرحيم

من معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب. سلام عليك ، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد فإن الله اصطفى محمدا بعلمه ، وجعله الأمين على وحيه ، والرسول إلى خلقه ، واجتبى له من المسلمين أعوانا أيده الله بهم ،

__________________

أي صائما ، ويقال أراد لم يحل بنفسه شيئا يوقع به ، فهو محرم. وبكل هذه التأويلات فسر بيت الراعي ، الذي أنشده صاحب اللسان ( ١٥ : ١٣ ) :

قتلوا ابن عفان الخليفة محرما

ودعا فلم أر مثله مقتولا

وانظر خزانة الأدب ( ١ : ٥٠٣ ـ ٥٠٤ ).

(١) انظر هذا الكتاب أيضا في العقد ( ٣ : ١٠٧ ).

٨٦

فكانوا في منار لهم عنده على قدر فضائلهم في الإسلام. فكان أفضلهم في إسلامه ، وأنصحهم لله ولرسوله الخليفة من بعده ، وخليفة خليفته ، والثالث الخليفة المظلوم عثمان ، فكلهم حسدت ، وعلى كلهم بغيت. عرفنا ذلك في نظرك الشزر ، وفي قولك الهجر ، وفي تنفسك الصعداء ، وفي إبطائك عن الخلفاء ، تقاد إلى كل منهم كما يقاد الفحل المخشوش(١) حتى تبايع وأنت كاره. ثم لم تكن لأحد منهم بأعظم حسدا منك لابن عمك عثمان ، وكان أحقهم ألا تفعل به ذلك في قرابته وصهره ، فقطعت رحمه ، وقبحت محاسنه ، وألبت الناس عليه ، وبطنت وظهرت ، حتى ضربت إليه آباط الإبل ، وقيدت إليه الخيل العراب ، وحمل عليه السلاح في حرم رسول الله ، فقتل معك في المحلة وأنت تسمع في داره الهائعة(٢) ، لا تردع الظن والتهمة عن نفسك فيه بقول ولا فعل. فأقسم صادقا أن لو قمت فيما كان من أمره مقاما واحدا تنهنه الناس عنه ما عدل بك من قبلنا من الناس أحدا ، ولمحا ذلك عندهم ما كانوا يعرفونك به من المجانبة لعثمان والبغي عليه. وأخرى أنت بها عند أنصار عثمان ظنين : إيواؤك قتلة عثمان ، فهم عضدك وأنصارك ويدك وبطانتك(٣) . وقد ذكر لي أنك تنصل من دمه ، فإن كنت صادقا فأمكنا من قتلته نقتلهم به ، ونحن أسرع [ الناس ] إليك. وإلا فإنه فليس لك ولا لأصحابك إلا السيف. والذي لا إله إلا هو لنطلبن قتلة عثمان في الجبال والرمال ، والبر والبحر ، حتى يقتلهم الله ، أو لتلحقن أرواحنا بالله. والسلام.

__________________

(١) المخشوش : الذي جعل في عظم أنفه الخشاش ، وهو بالكسر ، عويد يجعل في أنف البعير يشد به الزمام ليكون أسرع في انقياده.

(٢) الهائعة : الصوت الشديد.

(٣) بطانة الرجل : خاصته وصاحب سره. وفي الأصل : « بطاشك » صوابه في ح.

٨٧

فكتب إليه عليعليه‌السلام :

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان. أما بعد فإن أخا خولان قدم على بكتاب منك تذكر فيه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسلم ، وما أنعم الله عليه به من الهدى والوحي. والحمد لله الذي صدقه الوعد ، وتمم له النصر(١) ، ومكن له في البلاد ، وأظهره على أهل العداء(٢) والشنآن ، من قومه الذين وثبوا به ، وشنفوا له(٣) ، وأظهروا له التكذيب ، وبارزوه بالعداوة ، وظاهروا على إخراجه وعلى إخراج أصحابه [ وأهله ] ، وألبوا عليه العرب ، وجامعوهم على حربه ، وجهدوا في أمره كل الجهد ، وقلبوا له الأمور حتى ظهر أمر الله وهم كارهون. وكان أشد الناس عليه ألبة(٤) أسرته والأدنى فالأدنى من قومه إلا من عصمه الله(٥) يا ابن هند. فلقد خبأ لنا الدهر منك عجبا ، ولقد قدمت فأفحشت ، إذ طفقت تخبرنا عن بلاء الله تعالى في نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وفينا ، فكنت في ذلك كجالب التمر إلى هجر ، أو كداعي مسدده إلى النضال(٦) . وذكرت أن الله اجتبى له من المسلمين أعوانا أيده الله بهم ، فكانوا في منازلهم عنده عل قدر فضائلهم في الإسلام ،

__________________

(١) ح : « وأيده بالنصر ».

(٢) في الأصل : « العدى » تحريف. وفي ح : « العداوة ».

(٣) شنف له يشنف شنفا ، من باب تعب : أبغضه. وفي الحديث في إسلام أبي ذر : « فإنهم قد شنفوا له » ، أي أبغضوه.

(٤) الألبة : المرة من الألب ، وهو التحريض. والذي في ح : « تأليبا وتحريضا ».

(٥) الكلام بعد هذه إلى كلمة : « النضال » لم يرد في ح.

(٦) التسديد : التعليم. أي كمن يدعو من علمه النضال إلى النضال.

٨٨

فكان أفضلهم ـ زعمت ـ في الإسلام ، وأنصحهم لله ورسوله الخليفة ، وخليفة الخليفة. ولعمري إن مكانهما من الإسلام لعظيم ، وإن المصاب بهما لجرح في الإسلام شديد. رحمهما الله وجزاهما بأحسن الجزاء(١) . وذكرت أن عثمان كان في الفضل ثالثا(٢) ، فإن يكن عثمان محسنا فسيجزيه الله بإحسانه ، وإن يك مسيئا فسيلقي ربا غفورا لا يتعاظمه ذنب أن يغفره. ولعمر الله إني لأرجو إذا أعطى الله الناس على قدر فضائلهم في الإسلام ونصيحتهم لله ورسوله أن يكون نصيبنا في ذلك الأوفر. إن محمدا صلى الله عليه وسلم لما دعا إلى الإيمان بالله والتوحيد كنا ـ أهل البيت ـ أول من آمن به ، وصدق بما جاء به ، فلبثنا أحوالا مجرمة(٣) وما يعبد الله في ربع ساكن من العرب غيرنا ، فأراد قومنا قتل نبينا ، واجتياح أصلنا ، وهموا بنا الهموم ، وفعلوا بنا الأفاعيل ، فمنعونا الميرة ، وأمسكوا عنا العذب(٤) ، وأحلسونا الخوف(٥) ، وجعلوا علينا الأرصاد والعيون ، واضطرونا إلى جبل وعر ، وأوقدوا لنا نار الحرب ، وكتبوا علينا بينهم كتابا لا يواكلونا ولا يشاربونا ولا يناكحونا ولا يبايعونا ولا نأمن فيهم حتى ندفع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسلم فيقتلوه ويمثلوا به. فلم نكن نأمن فيهم إلا من موسم إلى موسم ، فعزم الله لنا على منعه ، والذب عن حوزته ، والرمي من وراء حرمته ، والقيام

__________________

(١) ح : « وجزاهما أحسن ما عملا ».

(٢) ح : « تاليا » :

(٣) أي سنين كاملة. والمجرمة ، بتشديد الراء المفتوحة.

(٤) الميرة ، بالكسر : ما يجلب من الطعام. والعذب ، عنى به الماء العذب.

(٥) أي ألزموناه. انظر ح ( ٣ : ٣٠٤ ). وفي الأصل : « وأحلسوا » صوابه في ح ( ٣ : ٣٠٣ ، ٤٠٨ ).

٨٩

بأسيافنا دونه في ساعات الخوف بالليل والنهار(١) ، فمؤمننا يرجو بذلك الثواب ، وكافرنا يحامي به عن الأصل. فأما من أسلم من قريش بعد فإنهم مما نحن فيه أخلياء ، فمنهم حليف ممنوع ، أو ذو عشيرة تدافع عنه فلا يبغيه أحد بمثل ما بغانا به قومنا من التلف ، فهم من القتل بمكان نجوة وأمن. فكان ذلك ما شاء الله أن يكون ، ثم أمر الله رسوله بالهجرة ، وأذن له بعد ذلك في قتال المشركين ، فكان إذا احمر البأس ودعيت نزال أقام أهل بيته فاستقدموا ، فوقى بهم أصحابه حر الأسنة والسيوف ، فقتل عبيدة(٢) يوم بدر ، وحمزة يوم أحد ، وجعفر وزيد يوم مؤتة ، وأراد لله من لو شئت ذكرت اسمه مثل الذي أرادوا من الشهادة مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسلم غير مرة ، إلا أن آجالهم عجلت ، ومنيته أخرت. والله مولى الإحسان إليهم ، والمنان عليهم ، بما قد أسلفوا من الصالحات. فما سمعت بأحد ولا رأيت فيهم من هو أنصح لله في طاعة رسوله ، ولا أطوع لرسوله في طاعة ربه ، ولا أصبر على اللأواء والضراء وحين البأس ومواطن المكروه مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من هؤلاء النفر الذين سميت لك. وفي المهاجرين خير كثير نعرفه(٣) ، جزاهم الله بأحسن أعمالهم. وذكرت(٤) حسدي الخلفاء ، وإبطائي عنهم ، وبغيي عليهم. فأما البغي فمعاذ الله أن يكون ، وأما الإبطاء عنهم والكراهة لأمرهم فلست أعتذر منه إلى الناس ، لأن الله جل ذكره لما قبض نبيه

__________________

(١) في الأصل : « والليل والنهار » ، وأثبت ما في ح.

(٢) هو عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف. وهو أول من عقدت له راية في الإسلام. انظر الإصابة ٥٣٦٧. وقد تزوج الرسول الكريم زوجته زينب بنت خزيمة بعده. انظر المعارف ٥٩.

(٣) ح ( ٣ : ٤٠٩ ) : « خير كثير يعرف ».

(٤) في الأصل : « فذكرت » صوابه بالواو ، كما في ح.

٩٠

صلى الله عليه وسلم قالت قريش : منا أمير ، وقالت الأنصار : منا أمير. فقالت قريش : منا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنحن أحق بذلك الأمر. فعرفت ذلك الأنصار فسلمت لهم الولاية والسلطان. فإذا استحقوها بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله دون الأنصار فإن أولى الناس بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله أحق بها منهم. وإلا فإن الأنصار أعظم العرب فيها نصيبا فلا أدري أصحابي سلموا من أن يكونوا حقي أخذوا ، أو الأنصار ظلموا. [ بل ] عرفت أن حقي هو المأخوذ ، وقد تركته لهم تجاوز الله عنهم. وأما ما ذكرت من أمر عثمان وقطيعتي رحمه ، وتأليبي عليه فإن عثمان عمل ما [ قد ] بلغك ، فصنع الناس [ به ] ما قد رأيت وقد علمت. إني كنت في عزلة عنه ، إلا أن تتجني ، فتجن ما بدا لك. وأما ما ذكرت من أمر قتله عثمان فإني نظرت في هذا الأمر وضربت أنفه وعينيه فلم أر دفعهم إليك ولا إلى غيرك. ولعمري لئن لم تنزع عن غيك وشقاقك لتعرفنهم عن قليل يطلبونك ، ولا يكلفونك أن تطلبهم في بر ولا بحر ، ولا جبل ولا سهل. وقد كان أبوك أتاني حين ولي الناس أبا بكر فقال : أنت أحق بعد محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله بهذا الأمر ، وأنا زعيم لك بذلك على من خالف عليك. ابسط يدك أبايعك. فلم أفعل. وأنت تعلم أن أباك قد كان قال ذلك وأراده حتى كنت أنا الذي أبيت ؛ لقرب عهد الناس بالكفر ، مخافة الفرقة بين أهل الإسلام. فأبوك كان أعرف بحقي منك. فإن تعرف من حقي ما كان يعرف أبوك تصب رشدك ، وإن لم تفعل فسيغني الله عنك والسلام.

آخر الجزء الثاني من أضل عبدالوهاب

٩١

نصر بن مزاحم ، عن عمر بن سعد ، عن إسماعيل بن يزيد ، والحارث بن حصيرة ، عن عبد الرحمن بن عبيد بن أبي الكنود قال :

لما أراد علي المسير إلى أهل الشام دعا إليه من كان معه من المهاجرين والأنصار ، فحمد الله وأثنى عليه وقال : « أما بعد فإنكم ميامين الرأي ، مراجيح الحلم ، مقاويل بالحق ، مباركو الفعل والأمر. وقد أردنا المسير إلى عدونا ، وعدوكم فأشيروا علينا برأيكم ».

فقام هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال : « أما بعد يا أمير المؤمنين فأنا بالقوم جد خبير ، هم لك ولأشياعك أعداء ، وهم لمن يطلب حرث الدنيا أولياء ، وهم مقاتلوك ومجاهدوك(١) لا يبقون(٢) جهدا ، مشاحة على الدنيا ، وضنا بما في أيديهم منها. وليس لهم إربة غيرها إلا ما يخدعون به الجهال من الطلب بدم عثمان بن عفان(٣) . كذبوا ليسوا بدمه يثأرون(٤) ولكن الدنيا يطلبون. فسر بنا إليهم(٥) ، فإن أجابوا إلى الحق فليس بعد الحق إلا الضلال. وإن أبو إلا الشقاق فذلك الظن بهم(٦) . والله ما أراهم يبايعون وفيهم أحد ممن يطاع إذا نهى ، و [ لا ] يسمع إذا أمر ».

نصر : عمر بن سعد ، عن الحارث بن حصيرة ، عن عبد الرحمن بن عبيد ابن أبي الكنود ، أن عمار بن ياسر قام فذكر الله بما هو أهله ، وحمده وقال : يا أمير المؤمنين ، إن استطعت ألا تقيم يوما واحدا فا [ فعل. ا ] شخص بنا

__________________

(١) ح ( ١ : ٢٧٨ ) : « ومجادلوك » لعل هذه : « ومجالدوك ».

(٢) ح : « لا يبغون » تحريف.

(٣) ح : « من طلب دم ابن عفان ».

(٤) ح : « ليسوا لدمه ينفرون ».

(٥) ح : « انهض بنا إليهم ».

(٦) ح : « فذاك ظني بهم ».

٩٢

قبل استعار نار الفجرة ، واجتماع رأيهم على الصدود والفرقة ، وادعهم إلى رشدهم وحظهم. فإن قبلوا سعدوا ، وإن أبوا إلا حربنا فوالله إن سفك دمائهم ، والجد في جهادهم ، لقربة عند الله ، وهو كرامة منه ».

وفي هذا الحديث : ثم قام قيس بن سعد بن عبادة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : « يا أمير المؤمنين ، انكمش بنا إلى عدونا ولا تعرد(١) ، فوالله لجهادهم أحب إلى من جهاد الترك والروم ؛ لإدهانهم في دين الله(٢) ، واستذلالهم أولياء الله من أصحاب محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان. إذا غضبوا على رجل حبسوه أو ضربوه أو حرموه أو سيروه(٣) . وفيئنا لهم في أنفسهم حلال ، ونحن لهم ـ فيما يزعمون ـ قطعين(٤) . قال : يعني رقيق.

فقال أشياخ الأنصار ، منهم خزيمة بن ثابت ، وأبو أيوب الأنصاري وغيرهما : لم تقدمت أشياخ قومك وبدأتهم يا قيس بالكلام؟ فقال : أما إني عارف بفضلكم ، معظم لشأنكم ، ولكني وجدت في نفسي الضغن الذي جاش في صدوركم حين ذكرت الأحزاب.

فقال بعضهم لبعض : ليقم رجل منكم فليجب أمير المؤمنين عن جماعتكم. فقالوا : قم يا سهل بن حنيف. فقام سهل فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : « يا أمير المؤمنين ، نحن سلم لمن سالمت ، وحرب لمن حاربت ، ورأينا رأيك ونحن كف يمينك. وقد رأينا أن تقوم بهذا الأمر في أهل الكوفة ، فتأمرهم بالشخوص ، وتخبرهم بما صنع الله لهم في ذلك من الفضل ؛ فإنهم هم أهل البلد

__________________

(١) الانكماش : الإسراع والجد. والتعريد : الفرار والإحجام والانهزام. ح : « ولا تعرج ».

(٢) الإدهان : الغش والمصانعة. وفي التنزيل العزيز :( ودوا لو تدهن فيدهنون ) .

(٣) في اللسان : « سيره من بلده : أخرجه وأجلاه ».

(٤) القطين : الخدم والأتباع والحشم والمماليك.

٩٣

وهم الناس. فإن استقاموا لك استقام لك الذي تريد وتطلب. وأما نحن فليس عليك منا خلاف ، متى دعوتنا أجبناك ، ومتى أمرتنا أطعناك ».

نصر : عمر بن سعد ، عن أبي مخنف ، عن زكريا بن الحارث ، عن أبي حشيش(١) ، عن معبد قال : قام علي خطيبا على منبره ، فكنت تحت المنبر حين حرض الناس وأمرهم بالمسير إلى صفين لقتال أهل الشام. فبدأ فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

« سيروا إلى أعداء [ الله. سيروا إلى أعداء ] السنن والقرآن ، سيروا إلى بقية الأحزاب ، قتلة المهاجرين والأنصار ».

فقام رجل من بني فزارة يقال له أربد فقال : أتريد أن تسيرنا إلى إخواننا من أهل الشام فنقتلهم لك ، كما سرت بنا إلى إخواننا من أهل البصرة فقتلناهم. كلا ، ها الله إذا لا نفعل ذلك(٢) . فقام الأشتر فقال : من لهذا إيها الناس(٣) ؟ وهرب الفزاري واشتد الناس على أثره ، فلحق بمكان من السوق تباع فيه البراذين ، فوطئوه بأرجلهم وضربوه بأيديهم ونعال سيوفهم(٤) حتى قتل ، فأتى علي فقيل : يا أمير المؤمنين ، قتل الرجل. قال : ومن قتله؟ قالوا : قتلته همدان وفيهم شوبة من الناس(٥) . فقال : قتيل عمية لا يدري

__________________

(١) ح ( ١ : ٢٧٩ ) : « أبي خشيش ».

(٢) ها التنبيه ، قد يقسم بها ، كما هنا. قال ابن منظور : « إن شئت حذفت الألف التي بعد الهاء ، وإن شئت أثبت ».

(٣) ح : « من هذا المأزق ».

(٤) نعل السيف : ما يكون في أسفل جفنه من حديدة أو فضة.

(٥) ح : « ومعهم شوب من الناس ».

٩٤

من قتله(١) ، ديته من بيت مال المسلمين. وقال علاقة التيمي(٢) :

أعوذ بربي أن تكون منيتي

كما مات في سوق البراذين أربد

تعاوره همدان خفق نعالهم

إذا رفعت عنه يد وضعت يد

قال : وقام الأشتر فحمد الله وأثنى عليه فقال : « يا أمير المؤمنين ، لا يهدنك ما رأيت ، ولا يؤيسنك من نصرنا ما سمعت من مقالة هذا الشقي الخائن. جميع من ترى من الناس شيعتك ، وليسوا يرغبون بأنفسهم عن نفسك ، ولا يحبون بقاء بعدك. فإن شئت فسر بنا إلى عدوك. والله ما ينجو من الموت من خافه ، ولا يعطى البقاء من أحبه ، وما يعيش بالآمال إلا شقى. وإنا لعلى بينة من ربنا أن نفسا لن تموت حتى يأتي أجلها ، فكيف لا نقاتل قوما هم كما وصف أمير المؤمنين ، وقد وثبت عصابة منهم على طائفة من المسلمين [ بالأمس ] فأسخطوا الله ، وأظلمت بأعمالهم الأرض ، وباعوا خلاقهم(٣) بعرض من الدنيا يسير ».

فقال عليعليه‌السلام : « الطريق مشترك ، والناس في الحق سواء ، ومن اجتهد رأيه في نصيحة العامة فله ما نوى وقد قضى ما عليه ». ثم نزل فدخل منزله.

نصر : عمر بن سعد قال : حدثني أبو زهير العبسي ، عن النضر بن صالح ، أن عبد الله بن المعتم العبسي ، وحنظلة بن الربيع التميمي ، لما أمر عليعليه‌السلام الناس بالمسير إلى الشام ، دخلا في رجال كثير من غطفان وبني تميم على

__________________

(١) العمية ، بكسر العين وتشديد الميم المكسورة والياء المفتوحة المشددة ، ويقال أيضا « عميا » بوزنه مع القصر ، أي ميتة فتنة وجهالة.

(٢) بدلها في ح : « فقال بعض بني تيم اللات بن ثعلبة ».

(٣) الخلاق ، بالفتح : الحظ والنصيب من الخير.

٩٥

أمير المؤمنين ، فقال له التميمي : « يا أمير المؤمنين ، إنا قد مشينا إليك بنصيحة فاقبلها منا ، ورأينا لك رأيا فلا ترده علينا ، فإنا نظرنا لك ولمن معك. أقم وكاتب هذا الرجل ، ولا تعجل إلى قتال أهل الشام ، فإني والله ما أدري ولا تدري لمن تكون إذا التقيتم الغلبة ، وعلى من تكون الدبرة ».

وقام ابن المعتم فتكلم ، وتكلم القوم الذين دخلوا معهما بمثل ما تكلم به ، فحمد على الله وأثنى عليه ، وقال :

« أما بعد فإن الله وارث العباد والبلاد ، ورب السموات السبع والأرضين السبع ، وإليه ترجعون. يؤتي الملك من يشاء وينزعه ممن يشاء ، ويعز من يشاء ويذل من يشاء. أما الدبرة فإنها على [ الضالين ] العاصين ، ظفروا أو ظفر بهم. وايم الله إني لأسمع كلام قوم ما أراهم يريدون أن يعرفوا معروفا ، ولا ينكروا منكرا ».

فقام إليه معقل بن قيس اليربوعي ثم الرياحي فقال :

« يا أمير المؤمنين ، إن هؤلاء والله ما أتوك بنصح ، ولا دخلوا عليك إلا بغش ، فاحذرهم فإنهم أدنى العدو ».

فقال له مالك بن حبيب : يا أمير المؤمنين ، إنه بلغني أن حنظلة هذا يكاتب معاوية ، فادفعه إلينا نحبسه حتى تنقضي غزاتك ثم تنصرف.

وقام إلى علي عياش بن ربيعة ، وقائد بن بكير العبسيان ، فقالا : يا أمير المؤمنين ، إن صاحبنا عبد الله بن المعتم قد بلغنا أنه يكاتب معاوية ، فأحبسه أو أمكنا منه نحبسه حتى تنقضي غزاتك وتنصرف. فأخذا يقولان : هذا جزاء من نظر لكم(١) وأشار عليكم بالرأي فيما بينكم وبين عدوكم. فقال

__________________

(١) في الأصل : « من نصركم » صوابه من ح ( ١ : ٢٨٠ ).

٩٦

لهما علي : « الله بيني وبينكم ، وإليه أكلكم ، وبه أستظهر عليكم. اذهبوا حيث شئتم ». ثم بعث علي إلى حنظلة بن الربيع ، المعروف بحنظلة الكاتب(١) ، وهو من الصحابة ، فقال : يا حنظلة ، أعلي أم لي؟ قال : لا عليك ولا لك. قال : فما تريد؟ قال : اشخص إلى الرها(٢) ، فإنه فرج من الفروج ، اصمد له حتى ينقضى هذا الأمر. فغضب من ذلك خيار بني عمرو بن تميم ـ وهم رهطه ـ فقال : إنكم والله لا تغروني من ديني. دعوني فأنا أعلم منكم. فقالوا : والله لئن لم تخرج مع هذا الرجل لا ندع فلانة تخرج معك ـ لأم ولده ـ ولا ولدها. ولئن أردت ذلك لنقتلنك. فأعانه ناس من قومه فاخترطوا سيوفهم ، فقال : أجلوني [ حتى ] أنظر. فدخل منزله وأغلق بابه حتى إذا أمسى هرب إلى معاوية ، وخرج من بعده إليه من قومه رجال كثير ، ولحق ابن المعتم أيضا حتى أتى معاوية ، وخرج معه أحد عشر رجلا من قومه. وأما حنظلة فخرج بثلاثة وعشرين رجلا من قومه ، ولكنهما لم يقاتلا مع معاوية واعتزلا الفريقين جميعا ، فقال حنظلة حين خرج إلى معاوية :

يسل غواة عند بابي سيوفها

ونادى مناد في الهجيم لأقبلا

سأترككم عودا لأصعب فرقة

إذا قلتم كلا يقول لكم بلى

قال : فلما هرب حنظلة أمر علي بداره فهدمت ، هدمها عريفهم بكر بن تميم ، وشبث بن ربعي ، فقال في ذلك :

__________________

(١) هو حنظلة بن الربيع ـ ويقال ابن ربيعة ـ بن صيفي ، ابن أخي أكثم بن صيفي حكيم العرب. وكتب للنبي صلى الله عليه وسلم مرة كتابا فسمى بذلك « الكاتب ». وكانت الكتابة قليلة في العرب. وكان ممن تخف عن عليعليه‌السلام يوم الجمل. وهو الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم : « لليهود يوم وللنصارى يوم ، فلو كان لنا يوم » فنزلت سورة الجمعة. انظر الإسابة ١٨٥٥ والمعارف ١٣٠.

(٢) الرها ، بضم أوله والمد والقصر : مدينة بالجزيرة بين الموصل والشام

٩٧

أيا راكبا إما عرضت فبلغن

مغلغلة عني سراة بني عمرو

فأوصيكم بالله والبر والتقي

ولا تنظروا في النائبات إلى بكر

ولا شبث ذي المنخرين كأنه

أزب جمال في ملاحية صفر(١)

وقال أيضا يحرض معاوية بن أبي سفيان :

أبلغ معاوية بن حرب خطة

ولكل سائلة تسيل قرار

انقبلن دنية تعطونها

في الأمر حتى تقتل الأنصار

وكما تبوء دماؤهم بدمائكم

وكما تهدم بالديار ديار(٢)

وترى نساؤهم يجلن حواسرا

ولهن من علق الدماء خوار(٣)

نصر : عمر بن سعد ، عن سعد بن طريف ، عن أبي المجاهد ، عن المحل ابن خليفة قال : قام عدي بن حاتم الطائي [ بين يدي عليعليه‌السلام ] فحمد الله بما هو أهله وأثنى عليه ثم قال : « يا أمير المؤمنين ، ما قلت إلا بعلم ، ولا دعوت إلا إلى حق ، ولا أمرت إلا برشد. فإن رأيت(٤) أن تستأني هؤلاء القوم وتستديمهم حتى تأتيهم كتبك ، ويقدم عليهم ررسلك ـ فعلت.

__________________

(١) الأزب من الإبل : الكثير شعر الوجه والعثنون. والملاحي ، بضم الميم وتخفيف اللام ، هو من الأراك ما فيه بياض وشهبة وحمرة. وفي ح : « قد غار ليلة النفر » ، وفي هامش الأصل : « قد دعا ليلة النفر » إشارة إلى أنه كذلك في نسخة أخرى. صواب هذين : « قد رغا ».

(٢) في الأصل :

وتجر قتلاهم بقتلى حروب

وكما يقدم بالديار ديار

وأثبت ما في ح ( ١ : ٢٨٠ ). وكتب في حاشية الأصل : « وكما تبوء دماؤهم بدمائكم » إشارة إلى أن صدره كذلك في نسخة أخر.

(٣) أصل الخوار صوت البقر والغنم والظباء. وفي ح : « من ثكل الرجال خوار ».

(٤) ح : ( ١ : ٢٨٠ ) : « ولكن إذا رأيت ».

٩٨

فإن يقبلوا يصيبوا ويرشدوا(١) ، والعافية أوسع لنا ولهم. وإن يتمادوا في الشقاق ولا ينزعوا عن الغي فسر إليهم. وقد قدمنا إليهم العذر(٢) ودعوناهم إلى ما في أيدينا من الحق ، فوالله لهم من الله أبعد ، وعلى الله أهون ، من قوم قاتلناهم بناحية البصرة أمس ، لما أجهد لهم الحق(٣) فتركوه ، ناوخناهم براكاء(٤) القتال حتى بلغنا منهم ما نحب ، وبلغ الله منهم رضاه فيما يرى ».

فقام زيد بن حصين الطائي ـ وكان من أصحاب البرانس(٥) المجتهدين فقال : الحمد لله حتى يرضى ، ولا إله إلا الله ربنا ، ومحمد رسول الله نبينا. إما بعد فوالله لئن كنا في شك من قتال من خالفنا ، لا يصلح لنا النية في قتالهم حتى نستديمهم ونستأنيهم. ما الأعمال إلا في تباب ، ولا السعي إلا في ضلال. والله يقول :( وأما بنعمة ربك فحدث ) . إنا والله ما ارتبنا طرفة عين فيمن يبتغون دمه(٦) ، فكيف بأتباعه القاسية قلوبهم ، القليل في الإسلام حظهم ، أعوان الظلم ومسددي أساس الجور والعدوان(٧) . ليسوا من المهاجرين ولا الأنصار ، ولا التابعين بإحسان.

__________________

(١) ح : « يصيبوا رشدهم ».

(٢) ح : « بالعذر ».

(٣) في اللسان : « أجهد لك الطريق وأجهد لك الحق : برز وظهر ووضح ». وفي الأصل « أجهدنا » والفعل لازم كما رأيت. كما رأيت. وفي ح : « لما دعوناهم إلى الحق ».

(٤) البراكاء ، بضم الراء وفتحها : الابتراك في الحرب ، وهو أن يجثو القوم على ركبهم. والمناوخة : مفاعله من النوخ ، وهو البروك. وفي الأصل : « ناوحناهم » بالمهملة ، صوابه في ح.

(٥) البرنس ، بالضم : قلنسوة طويلة ، أو كل ثوب رأسه منه.

(٦) ح : « فيمن يتبعونه ».

(٧) ح : « وأصحاب الجور والعدوان ».

٩٩

فقام رجل من طيئ فقال : يا زيد بن حصين ، أكلام سيدنا عدي بن حاتم تهجن؟ قال : فقال زيد : ما أنتم بأعرف بحق عدي مني ، ولكني لا أدع القول بالحق وإن سخط الناس. قال : فقال عدي بن حاتم : الطريق مشترك ، والناس في الحق سواء. فمن اجتهد رأيه في نصيحة العامة فقد قضى الذي عليه(١) .

نصر : عمر بن سعد ، عن الحارث بن حصيرة(٢) قال : دخل أبو زبيب(٣) بن عوف على علي فقال : « يا أمير المؤمنين ، لئن كنا على الحق لأنت أهدانا سبيلا ، وأعظمنا في الخير نصيبا ، ولئن كنا في ضلالة إنك لأثقلنا ظهرا وأعظمنا وزرا : أمرتنا بالمسير إلى هذا العدو وقد قطعنا ما بيننا وبينهم من الولاية ، وأظهرنا لهم العداوة ، نريد بذلك ما يعلم الله [ من طاعتك ] ، وفي أنفسنا من ذلك ما فيها. أليس الذي نحن عليه الحق المبين ، والذي عليه عدونا الغي والحوب الكبير؟ ».

فقال علي : « [ بلى ] ، شهدت أنك إن مضيت معنا ناصرا لدعوتنا ، صحيح النية في نصرتنا ، قد قطعت منهم الولاية ، وأظهرت لهم العداوة كما زعمت ، فإنك ولي الله تسيح(٤) في رضوانه ، وتركض في طاعته : فأبشر أبا زبيب ».

__________________

(١) ما بعد : « سخط الناس » ساقط من ح ، فهو إما دخيل على النسخة ، أو تمثل من عدي بقول عليعليه‌السلام ، الذي سبق في ص ٩٥.

(٢) سبقت ترجمته في ص ٣. وفي الأصل : « حضيرة » بالضاد المعجمة ، تحريف. وفي هامش الأصل « خ : حصين » إشارة إلى أنه « حصين » في نسخة أخرى. وهذه الأخيرة توافق ما ورد في ح ( ١ : ٢٨٠ ). وليس بشيء.

(٣) ح : « أبو زينب » في جميع المواضع.

(٤) ح : « تسبح » من السباحة.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

جلال الدين الجشتي كبير الأولياء، وينتهى نسبه إلى عثمانرضي‌الله‌عنه ، كان متبحّراً في العلوم العقلية والنقلية، وقد بلغ مرتبة الاجتهاد في الفقه والأصول، له كتاب واسع في الفقه ذكر فيه أدلة الأقوال وفتاوى المجتهدين الأربعة في كلّ مسألة، وقد ذكر مختاره مع دليله في رسالة مستقلة أسماها بمأخذ الأقوى، كما حرّر مختاراته في الأصول، وله تفسير كبير جمع فيه أقوال المفسرين، وله رسائل في التصرف وتحقيق معارف مجدّد الألف الثاني الشيخ أحمد السرهندي، وكان شاه عبد العزيز الدهلوي يعبر عنه ببيهقي العصر، له تآليف كثيرة نافعة ومقبولة، وكان يروي عنه شاه ولي الله المحدّث الدهلوي.

وكمالاته وفضائله أكثر من أن تحصر في هذا المختصر، ولم يظهر له نظير في علماء الحنفية في بلاد الهند من حيث التحقيق والانصاف وعدم التعصب ومتابعة الدليل. توفي سنة ١٢٢٥ ».

(١٣٨)

إثبات الدّهلوي

ولقد أثبت ( الدهلوي ) حديث مدينة العلم في فتوى له موجودة بخط بعض أفاضل أهل السنة، وهذه صورة السؤال والجواب:

« السؤال: لقد ثبت لدى أهل الحق - أعني أهل السنّة والجماعة - بالبراهين العقلية والنقلية اختصاص العصمة بالانبياء والملائكة فقط، وأنه لا يصح وصف أحد سواهم بالعصمة، ولذا منع الفقهاء والمتكلّمون من ذلك، ولكن ذكر جناب فخر المحدثين جناب شاه ولي اللهقدس‌سره في التفهيمات وغيره تحقق الصفات الأربعة - وهي العصمة والحكمة والوجاهة والقطبية الباطنية - في الأئمة الاثني عشر، كما أنه أثبت ذلك لهم في رسالته التي ألّفها في اعتقاداته - فعلى أيّ وجهٍ صحيح يمكن حمل هذا الكلام؟ وما الدليل عليه من الكتاب والسنّة والاجماع؟

٣٠١

وكيف الجمع بينه وبين مذهب أهل السنة؟

وأيضاً: فإنّه ينافي تفضيل الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم خصوصاً حضرات الشيخين، والحال أن هذا التفصيل مما أجمع عليه أهل السنة الذين يعتدّ بهم، على أنهقدس‌سره قد قرر مسألة التفضيل هذه بكلّ جهده بالدلائل العقلية والنقلية والكشفية والوجدانية، فما يرفع هذا التخالف والتعارض؟

الجواب من مولانا شاه عبد العزيز المحدّث الدهلوي: - إن للعصمة والحكمة والوجاهة معان اصطلاحية لدى الصوفية، وقد ذكر ذلك في كتب هذا الشأن لا سيّما مصنفات حضرة الوالد الماجدقدس‌سره

والحكمة معناها العلم النافع، فإنْ كان مكتسباً لم يسم حكمة في اصطلاحهم بل يسمونه « فضيلة » وإنْ كان نازلاً على قلب شخص عن طريق الوهب سمّي عندهم « حكمة » نحو قوله تعالى:( وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ ) ( وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً ) سواء ذاك العلم في باب العقائد أو الاعمال أو الأخلاق، وهذا المعنى أيضاً يختص بالأنبياء كقوله تعالى:( وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ) الآية، فما كان حاصلاً بالوحي فهو خاص بالأنبياء، وفي الحديث: أنا دار الحكمة وعلي بابها ، و في الحديث المشهور: أنا مدينة العلم وعلي بابها ، والمراد من العلم هنا هو المعنى المذكور كذلك ».

كما أن ( الدهلوي ) أثبت حديث مدينة العلم في رسالته التي كتبها في اعتقادات والده شاه ولي الله الدهلوي، وقد تقدم كلامه في الوجه (١٢٨) فلا نعيد.

فهذا ( الدهلوي ) الماهر، قد ألجأه الحق القاهر، فأثبت بنفسه هذا الحديث السافر الزاهر، واعترف بشهرته في جواب مسألة له بالاعتراف الجلي الظاهر، وأثبته أيضاً في رسالته المعمولة لتبرئة والده الزائغ المجاهر عن شين عناد الأطيبين الأطاهر، فيا عجباً من صنع ( الدهلوي ) الشاهر للخلاف الفاضح الجاهر، كيف آثر طعن الحديث في ( تحفته ) المردودة بالحجج القواهر، ورام من غمط الحق ما هو

٣٠٢

فوق كل قنة وظاهر؟!

(١٣٩)

إثبات الساباطي الحنفي

وقال الشيخ جواد ساباط بن إبراهيم ساباط الحنفي(١) في ( البراهين الساباطية ) في البرهان السابع من براهين المقالة الثالثة من التبصرة الثالثة بعد نقل عبارة من رؤيا يوحنا - قال: « وترجمته العربية والأبواب الاثنا عشر اثنا عشر لؤلؤة كل واحد من الأبواب كان من لؤلؤة واحدة وساحة المدينة من الذهب الأبريز كالزجاج الشفاف.

أقول: هذا بيان لما قبله وصفة للأبواب وكون كل باب من لؤلؤة واحدة فيه البشارة إلى ما يدّعيه الاماميّون من عصمة أئمتهم، لأن اللؤلؤة كروية، ولا شكّ أن الشكل الكروي لا يمكن انثلامه، لأنه لا يباشر الأجسام إلّا على ملتقى نقطة واحدة كما صرح به اوقليدس، والأصل في عصمة الامام أمّا عند أهل السنة والجماعة فإن العصمة ليست بشرط بل العمدة فيه انعقاد الاجماع، وأما عند الامامية فهي واجبة فيه، لأنه لطف ولأن النفوس الزكية الفاضلة تأبى عن اتباع النفوس الدنية المفضولة، وعدم العصمة علّة عدم الفضيلة، ولهما فيها بحث طويل لا يناسب هذا المقام.

قوله: وساحة المدينة من الذهب الابريز كالزجاج الشفاف، يريد بذلك

____________________

(١). قال في هدية العارفين ١ / ٢٥٨: « جواد ساباط بن ابراهيم ساباط بن محمد ساباط باسيفين الحسيني الهجري الأصل البصري الحنفي. ولد في مارية ١١٨٨ وتوفي في حدود سنة ١٢٥٠. من تصانيفه: أنموذج الساباطي في العروض والقوافي. البراهين الساباطية فيما يستقيم به دعائم الملة المحمدية وتنهدم به أساطين الشريعة المنسوخة العيسوية فرغ منها سنة ١٢٢٨ ».

٣٠٣

أهل ملّتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنهم لا ينحرفون عن اعتقادهم ولا ينصرفون عن مذهبهم في حالة العسرة، وأما الذين أغواهم قسوس الانكتاريين فمن الجهال الذين لا معرفة لهم بأصول دينهم، وهذا هو مصداق قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها ».

(١٤٠)

رواية الخربوتي الحنفي

وقال عمر بن أحمد الخربوتي الحنفي(١) في ( عصيدة الشهدة في شرح قصيدة البردة ) بشرح: « فاق النبيين في خلق وفي خلق ولم يدانوه في علم ولا كرم » قال ما نصه: « ثم اعلم أن بيان علمه ثابت بقوله تعالى( وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ) وبقولهعليه‌السلام : أنا مدينة العلم. الحديث. وغير ذلك ».

ترجمته:

لقد أثنى عليه وقرّض كتابه المذكور أفاضل عصره وأماثل جهابذة وقته، وقد ذكرت نصوص تلك التقريظات في آخر الكتاب، فراجع.

(١٤١)

رواية الشوكاني

وقال القاضي محمد بن علي الشوكاني الصنعاني في ( الفوائد المجموعة في

____________________

(١). قال الزركلي: « عمر بن أحمد بن محمد سعيد الخربوتي الرومي المتخلص بنعيمي: ففيه حنفي أديب =

٣٠٤

الأحاديث الموضوعة ): « حديث: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب، رواه الخطيب عن ابن عباس مرفوعاً، ورواه الطبراني وابن عدي والعقيلي وابن حبان عن ابن عباس أيضاً مرفوعاً، وفي إسناده جعفر بن محمد البغدادي وهو متهم، وفي إسناد الطبراني أبو الصلت الهروي عبد السلام بن صالح، قيل هو الذي وضعه. وفي إسناد ابن عدي أحمد بن سلمة الجرجاني يحدّث عن الثقات بالأباطيل، وفي إسناد العقيلي عمر بن إسماعيل بن مجالد كذاب، وفي إسناد ابن حبان إسماعيل بن محمد بن يوسف ولا يحتج به، وقد رواه ابن مردويه عن علي مرفوعاً، وفي اسناد من لا يجوز الاحتجاج به، و رواه أيضاً ابن عدي عن جابر مرفوعاً بلفظ: هذا - يعني علياً - أمير البررة وقاتل الفجرة منصور من نصره مخذول من خذله أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب، قيل: لا يصح ولا أصل له، وقد ذكر هذا الحديث ابن الجوزي في الموضوعات من طرق عدة، وجزم ببطلان الكل، وتابعه الذهبي وغيره.

وأجيب عن ذلك بأن محمد بن جعفر البغدادي الفيدي قد وثّقه يحيى بن معين، وأن أبا الصلت الهروي قد وثّقه ابن معين والحاكم، وقد سئل يحيى عن هذا الحديث فقال: صحيح، وأخرجه الترمذي عن علي مرفوعاً، وأخرجه الحاكم في المستدرك عن ابن عباس مرفوعاً وقال: صحيح الإِسناد، قال الحافظ بن حجر: والصواب خلاف قولهما معاً - يعني ابن الجوزي والحاكم - وإن الحديث من قسم الحسن لا يرتقي إلى الصحة ولا ينحط إلى الكذب. انتهى. وهذا هو الصواب لأن يحيى بن معين والحاكم قد خولفا في توثيق أبي الصلت ومن تابعه، فلا يكون مع هذا الخلاف صحيحاً بل حسناً لغيره، لكثرة طرقه كما بيّناه، وله طرق أخرى ذكرها صاحب اللآلي وغيره ».

____________________

= مولده ووفاته في خربوت بتركيا. كان مفتياً لها، وصنف كتباً منها: عصيدة الشهدة في شرح قصيدة البردة. ط. وشروح وحواش ورسائل » الاعلام ٥ / ٤١. وأرخ وفاته بسنة ١٢٩٩.

٣٠٥

ترجمته:

وترجمة القاضي الشوكاني في كافة المصادر تجدها منقولة عنها في مجلّدات كتابنا، وقد ترجم له علماء الهند أيضاً في كتبهم: فالصديق حسن ترجم له في ( التاج المكلّل ) وفي ( أبجد العلوم ) وفي ( اتحاف النبلاء ) قال في الأول نقلاً عن كتاب ( الديباج الخسرواني ) لحسن البهلكي:

« السنة الخمسون بعد المائتين والالف، وفيها في شهر جمادى الآخرة كانت وفاة شيخنا محمد بن علي الشوكاني، وهو قاضي الجماعة، شيخ الاسلام، المحقق العلامة الامام، سلطان العلماء، إمام الدنيا، خاتمة الحفاظ بلا مراء، الحجة النقاد، عالي الاسناد، السابق في ميدان الاجتهاد، المطلع على حقائق الشريعة وغوامضها، العارف بمداركها ومقاصدها. وعلى الجملة فما مثل نفسه ولا رأى من رآه مثله، علماً وورعاً وقياماً بالحق بقوة جنان وسلاطة لسان، قد أفرد ترجمته تلميذه الأديب العلامة محمد بن حسن الشيخي الذماري بمؤلف سماه: ( التقصار في جيد زمن عالم الأقاليم والأمصار ) قصره على ذكر مشايخه وتلامذته وسيرته، وما انطوت عليه شمائله، وما قاله من شعر وما قيل فيه من مدح وثناء بالنظم والنثر، جاء في مجلَّد ضخم.

مولده يوم الاثنين الثامن والعشرين من ذي القعدة الحرام سنة اثنين وسبعين بعد المائة والألف ».

وقال صديق حسن خان: « محمد بن علي بن محمد الشوكاني، شيخنا الامام العلّامة الربّاني والسهيل الطالع من القطر اليماني، إمام الأئمة ومفتي الأمة، بحر العلوم وشمس الفهوم، سند المجتهدين الحفاظ، فارس المعاني والألفاظ، فريد العصر نادرة الدهر، شيخ الاسلام قدوة الأنام علامة الزمان ترجمان الحديث والقرآن، علم الزهاد أوحد العباد قامع المبتدعين آخر المجتهدين، رأس الموحّدين تاج المتّبعين، صاحب التصانيف التي لم يسبق إلى مثلها، قاضي الجماعة شيخ

٣٠٦

الرواية والسماعة، عالى الاسناد السابق في ميدان الاجتهاد على الأكابر الأمجاد، المطّلع على حقائق الشريعة ومواردها، العارف بغوامضها ومقاصدها.

قال القاضي العلامة عبد الرحمن بن أحمد البهكلي في كتابه نفح العود في أيام الشريف حمود صار مشاراً إليه في علوم الاجتهاد بالبنان، والمجلّي في معرفة غوامض الشريعة عند الرهان، له المؤلفات في أغلب العلوم وقد تفضل عليه بالاجتهاد وقد جمعت فتاواه ورسائله فجاءت في مجلدات

قال السيد الجليل العلامة عبد الرحمن بن سليمان بن يحيى بن عمر مقبول الأهدلرحمه‌الله في كتابه المسمى بالنفس اليماني والروح الريحاني في إجازة القضاة بني الشوكاني ما عبارته: وممن تخرّج بسيدي الامام عبد القادر بن أحمد الحسني: إمام عصرنا في سائر العلوم وخطيب دهرنا في إيضاح دقائق المنطوق والمفهوم، الحافظ المسند الحجة الهادي في إيضاح السنن النبوية إلى المحجة عز الاسلام، محمد بن علي الشوكاني بلغه الله في الدارين أقصى الأماني وقد ذكر لي بعض المعتمدين أن مؤلفاته الحاصلة الآن مائة وأربعة عشر مؤلّفاً عدد سور كتاب الله تعالى، قد شاعت في الأمصار الشاسعة فضلاً عن القريبة

وقد اعتنى بشرح مناقبه وفضائله عدّة من العلماء الأعلام والجهابذة الفخام »(١) .

(١٤٢)

إثبات رشيد الدين الدهلوي

وقد وصف محمد رشيد الدين خان تلميذ ( الدهلوي ) سيدنا أمير المؤمنينعليه‌السلام بـ « باب مدينة العلم » حيث قال في ( إيضاح لطافة المقال ): « إن الحق

____________________

(١). ابجد العلوم ٣٠٥ - ٣١٧.

٣٠٧

الذي كان مع باب مدينة العلم كان مؤهلاً له للخلافة، ولا ريب في استحقاق من خالف هذا الحق للطعن والملامة ».

ترجمته:

ورشيد الدين خان هذا من أكابر متكلمي ومحدّثي أهل السنة، وقد مدحه شيخه ( الدهلوي ) كما ذكر هو في كتابه ( غرة الراشدين ).

واستند إلى أقواله حيدر علي الفيض آبادي في كتابه ( إزالة الغين ).

وذكره الصديق حسن خان في ( ابجد العلوم ) في أصحاب ( الدهلوي ) بقوله:

« ومنهم الشيخ رشيد الدين خان الدهلوي. كان فاضلاً جامعاً بين كثير من العلوم الدرسية، وكان حسن العبارة وآية الذب عن حمى أهل السنة والجماعة والنكاية في الرافضة المشائيم، صنّف في الردّ عليهم كتابه الشوكة العمرية وغيرها، مما يعظم موقعه عند الجدليين من أهل النظر، ونجاره كشميري »

وترجم له في نزهة الخواطر ٧ / ١٧٧ وأثنى عليه الثناء الكبير، وذكر تتلمذه على صاحب التحفة وأخويه حتى صار علماً مفرداً في العلم معقولاً ومنقولاً ثم ذكر مصنّفاته وأرخ وفاته بسنة ١٢٤٣.

(١٤٣)

رواية ميرزا حسن المحدّث

وقال جمال الدين أبو عبد الله محمد بن عبد العلي القرشي المعروف بميرزا حسن علي المحدِّث، تلميذ ( الدهلوي ):

« وأخرج البزار والطبراني في الأوسط عن جابر وأبو نعيم في المعرفة عن علي قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها ، هذا حديث

٣٠٨

حسن على الصواب، لا صحيح كما قال الحاكم ولا موضوع كما قاله جماعة منهم ابن الجوزي والنووي »(١) .

ترجمته:

لقد أثنى عليه ونقل كلماته رشيد الدين في ( ايضاحه ) وسلامة الله البدايوني في ( إشباع الكلام )

(١٤٤)

رواية نور الدين السليماني

ورواه نور الدين بن إسماعيل السليماني في ( الدرر اليتيم ) نقلاً عن الاكتفاء حيث قال:

« وعنه - أي عن عليرضي‌الله‌عنه - إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أنا مدينة العلم وعلي بابها. أخرجه أبو نعيم في المعرفة ».

وفيه نقلاً عنه: « وعنه - أي عن ابن عباسرضي‌الله‌عنه - قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب. أخرجه الحاكم في المستدرك والخطيب في المفترق والمتفق ».

(١٤٥)

رواية ولي الله السهالوي

وقال ولي الله بن حبيب الله بن محب الله السهالوي اللكهنوي في بيان

____________________

(١). تفريح الاحباب: ٢٥٠.

٣٠٩

فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام : « ومنها قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حق عليرضي‌الله‌عنه : أنا مدينة العلم وعلي بابها. أخرج الحاكم عن علي وابن عمر وأبو نعيم في المعرفة عن عليرضي‌الله‌عنه قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها، والطبراني عن ابن عباس أنه قال: فمن أراد العلم فليأته من بابه، وصححه الحاكم، وأنكر ابن الجوزي، واختار الحافظ ابن حجر أنه حسن لا صحيح ولا موضوع، وأورد الترمذي لفظ الدار مكان المدينة »(١) .

ترجمته:

ترجم له في نزهة الخواطر ٧ / ٥٢٧ ووصفه بالشيخ الفاضل العلامة أحد الأساتذة المشهورين. ثم ذكر مصنفاته منها كتابه المذكور. ووفاته سنة ١٢٧٠.

(١٤٦)

إثبات شهاب الدين الآلوسي

وقال شهاب الدين محمود بن عبد الله الآلوسي البغدادي في تفسيره ( روح المعاني ) في بحثه حول رؤية اللوح المحفوظ ما نصه: « ثم إن الإِمكان ممّا لا نزاع فيه، وليس الكلام إلّا في الوقوع، وورد ذلك عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأجلة الصحابة، كالصّديق والفاروق وذي النورين وباب مدينة العلم والنقطة تحت الباء رضي الله عنهم أجمعين ».

ترجمته:

ترجم له الصديق حسن خان القنوجي حيث قال: « السيد شهاب الدين

____________________

(١). مرآة المؤمنين - مخطوط.

٣١٠

محمود ابن السيد عبد الله أفندي آلوسي زاده البغدادي، ينتهي نسبه الشريف من جهة الأب إلى الحسين، ومن جهة الأم إلى الحسن رضي الله عنهما، بواسطة الشيخ الرباني السيد عبد القادر الجيلانيقدس‌سره ، وكانرحمه‌الله خاتمة المفسرين ونخبة المحدّثين، أخذ العلم عن فحول العلماء، منهم والده العلامة ومنهم الشيخ السويدي ومنهم خالد النقشبندي والشيخ علي الموصلي، وكل ذلك مفصل في ( حديقة الورود في مدائح السيد شهاب الدين محمود ). وكان أحد أفراد الدنيا بقول الحق واتّباع الصدق وحب السنن وتجنب الفتن، حتى جاء مجدّداً وللدين الحنيفي مسدّداً.

دنيا بها انقرض الكرام فأذنبت

وكأنما بوجوده استغفارها

وكان جلّ ميله إلى خدمة كتاب الله وحديث جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنهما المشتملان على جميع العلوم وإليهما المرجع في المنطوق والمفهوم، وكان غاية في الحرص على تزايد علمه وتوفير نصيبه منه وسهمه، وكان كثيراً ما ينشد:

سهري لتنقيح العلوم ألذّلي

من وصل غانية وطيب عناق

واشتغل بالتدريس والتأليف وهو ابن ثلاثة عشر سنة، ودرّس ووعظ وأفتى للحنفية في بغداد المحمية، وأكثر من إملاء الخطب والرسائل والفتاوى والمسائل، وخطه كأنه اللؤلؤ والمرجان أو العقود في أجياد الحسان، قلد الإِفتاء سنة ١٢٤٨ وهو عام ولادة محرر هذه السطور، أرسل إليه السلطان بنيشان ذي قدر وشأن.

قال نجله السيد أحمد - كان الله له خير ناصر - في ترجمته المسماة بأرج الند والعود: كان عالماً باختلاف المذاهب، مطلعاً على الملل والنحل والغرائب، سلفي الاعتقاد شافعي المذهب كآبائه الأمجاد، إلّا أنه في كثير من المسائل يقتدي بالإِمام الأعظم، ثم في آخر أمره مال إلى الاجتهاد كأمثاله من العلماء النقاد، حسبما صرّح به الأئمة في كتب الأصول وتعرفه الجهابذة الفحول، قال: ومن مؤلفاته ما هو أعظمها قدراً وأجلها فخراً تفسيره المسمى بروح المعاني في تفسير القرآن والسبع

٣١١

المثاني

توفيرحمه‌الله في ٢١ ذي القعدة سنة ١٢٧٠ »(١) .

(١٤٧)

رواية البلخي القندوزي

ورواه سليمان بن إبراهيم البلخي القندوزي(٢) في كتابه ( ينابيع المودة ) بالأسانيد المتنوعة والطرق المختلفة

فقد قال: « الحمويني في فرائد السمطين بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي أنا مدينة العلم وأنت بابها، ولن تؤتى المدينة، إلّا من قبل الباب، وكذب من زعم أنه يحبّني ويبغضك، لأنك مني وأنا منك، لحمك لحمي ودمك من دمي، وروحك من روحي، وسريرتك من سريرتي وعلانيتك من علانيتي، سعد من أطاعك وشقي من عصاك، وربح من تولّاك وخسر من عاداك، فاز من لزمك وهلك من فارقك، ومثل الأئمة من ولدك بعدي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق، ومثلكم كمثل النجوم كلما غاب نجم طالع نجم إلى يوم القيامة ».

وقال: « الباب الرابع عشر في غزارة علمهعليه‌السلام (٣) : وفي الدر المنظم لابن طلحة الحلبي الشافعي قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها وقال الله تعالى:( وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) فمن أراد العلم

____________________

(١). التاج المكلل: ٣٦٠ وله ترجمة في الاعلام ٧ / ١٧٦ عن عدة من المصادر، وذكر أنه قد ألفت في ترجمته رسائل مفصلة.

(٢). هو الشيخ سليمان ابن الشيخ ابراهيم المعروف بـ ( خواجه كلان ) الحسيني البلخي القندوزي الحنفي، المتوفى في القسطنطينية بسنة ١٢٧٠، أو ١٢٩٣.

(٣). ينابيع المودة ٦٥ - ٧٨.

٣١٢

فليأت الباب.

وقال: « ابن المغازلي بسنده عن مجاهد عن ابن عباس، وأيضاً عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قالا: أخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعضد علي وقال: هذا أمير البررة وقاتل الكفرة منصور من نصره مخذول من خذله، فمدّ بها صوته ثم قال: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب. أيضاً: أخرج هذا الحديث موفق بن أحمد والحمويني والديلمي في الفردوس وصاحب كتاب المناقب عن مجاهد عن ابن عباس. أيضاً: ابن المغازلي أخرج عن حذيفة بن اليمان عن علي رضي الله عنهما قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها ولا تؤتى البيوت إلّا من أبوابها ابن المغازلي بسنده عن محمد بن عبد الله قال حدثنا علي بن موسى الرضا عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليرضي‌الله‌عنه قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي أنا مدينة العلم وأنت بابها، كذب من زعم أنه يصل إلى المدينة إلّا من قبل الباب. عن الأصبغ بن نباتة قال: لمـّا جلس عليعليه‌السلام في الخلافة خطب خطبة ذكرها أبو سعيد البحتري إلى آخرها ثم قال للحسنعليه‌السلام : يا بني فاصعد المنبر وتكلّم، فصعد وبعد الحمد والتصلية قال: أيها الناس سمعت جدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: أنا مدينة العلم وعلي بابها وهل تدخل المدينة إلاّ من بابها فنزل. ثم قال للحسينعليه‌السلام فاصعد المنبر وتكلّم، فصعد فقال بعد الحمد والتصلية: أيها الناس سمعت جديصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: إن عليا مدينة هدى فمن دخلها نجى ومن تخلّف عنها هلك. فنزل ثم قال عليعليه‌السلام : أيها الناس إنهما والدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووديعته التي استودعها على أمته وسائل عنهما ».

وقال: « عن كنوز الحقائق: أنا مدينة العلم وعلي بابها. للطبراني والديلمي ».

وقال: عن الجامع الصغير: « أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب. للعقيلي وابن عدي والطبراني في الكبير والحاكم عن ابن عباس،

٣١٣

وأيضاً رواه ابن عدي والحاكم عن جابر ».

وقال: عن ذخائر العقبى: « في ذكر كثرة علم علي: وعن علي مرفوعاً: أنا دار العلم وعلي بابها. أخرجه البغوي في المصابيح، و أخرجه أبو عمر: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأته من بابه ».

وقال: نقلاً عن كتاب السبعين: « الحديث الثاني والعشرون قال جابر: أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عضد علي وقال: هذا إمام البررة وقاتل الفجرة مخذول من خذله منصور من نصره، ثم مدّ صوته وقال: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب. رواه ابن المغازلي.

وقال: عن مودة القربى: « جابر رفعه: أنا مدينة العلم وعلي بابها. ورواه ابن مسعود وأنس مثله».

وقال: نقلاً عن الصواعق: « أخرج البزار والطبراني في الأوسط عن جابر ابن عبد الله. وأيضاً الطبراني والحاكم والعقيلي وابن عدي عن ابن عمر، والترمذي وأيضاً الحاكم عن علي قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها. و في رواية: فمن أراد العلم فليأت الباب، و في أخرى عن الترمذي عن علي: أنا دار الحكمة وعلي بابها ».

وقال عن درّة المعارف: « ثم إن الامام علياً كرّم الله وجهه ورث علم أسرار الحروف من سيدنا ومولانا محمد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإليه الإِشارة بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها ، وهو أول من وضع وفق مائة من مائة في الاسلام ».

وقال نقلاً عن الدر المنظم: « والغرض من هذا السر الباهر والرمز الفاخر إظهار لوائح لأرباب الذوق، لأنه من العلوم الجسيمة الفاتحة لأبواب المدينة لا يسمّه ناسوتي ولا ينظر به إلّا لاهوتي، وهذا هو العلم الذي خصّ به آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والعلم الذي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مدينته وعلي بابها ».

وقال: عن الكتاب المذكور: « وهما كتابان جليلان أحدهما: ذكره الامام

٣١٤

علي كرم الله وجهه على المنبر وهو قائم يخطب بالكوفة على ما سيأتي بيانه وهو المسمى بخطبة البيان، والآخر: أسره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا العلم المكنون هو المشار إليه بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها، وأمره بتدوينه، فكتبه الامام عليرضي‌الله‌عنه حروفاً مفرّقة على طريقة سفر آدمعليه‌السلام في جفر، يعني في رق قد صنع من جلد البعير واشتهر بين الناس بالجفر الجامع والنور اللامع، وقيل الفجر والجامعة ».

وقال عن الدر المكنون والجوهر المصون: « والامام عليرضي‌الله‌عنه ورث علم الحروف من سيدنا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإليه الإِشارة بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فعليه بالباب».

(١٤٨)

إثبات البدايوني

وقد وصف سلامة الله البدايوني الامام أمير المؤمنينعليه‌السلام بـ « باب مدينة العلم » في ( معركة الآراء ) حيث قال بعد إيراد حديث « أصبت وأخطأت » الموضوع قال: « والحاصل أنه لما خطّأ السائل جواب باب مدينة العلم قال: لقد أصبت وأخطأت، وفوق كل ذي علم عليم ».

(١٤٩)

إثبات حسن الزمان

وقال المولوي حسن الزمان ما نصه: « تنبيه: من أحسن بينة على معنى ختم الأولياء الحديث المشهور الصحيح الذي صحّحه جماعات من الأئمة منهم: أشد

٣١٥

الناس مقالاً في الرجال سند المحدثين ابن معين كما أسنده عنه ووافقه الخطيب في تاريخه وقد كان قال أولاً لا أصل له، ومنهم: الامام الحافظ المنتقد المجتهد المستقل المجدّد الجامع من العلوم، كما ذكره السيوطي وابن حجر والتاج السبكي والذهبي والنووي عن الامام الحافظ الخطيب البغدادي ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، ويؤيّده قول إمام الأئمة ابن خزيمة ما أعلم على أديم الأرض أعلم من ابن جرير - في تهذيب الآثار، وقد قال الخطيب: لم أر مثله في معناه كما نقل كلامه السيوطي في مسند علي من جمع الجوامع، ومنهم: الحاكم ومن آخرهم الحافظ المجد الشيرازي شيخ ابن حجر في نقد الصحيح وأطنب في تحقيقه كما نقله الدهلوي في لمعات التنقيح، واقتصر على تحسينه العلائي والزركشي وابن حجر في أقوام أخر ردّا على ابن الجوزي من قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

أنا مدينة العلم وعلي بابها ولا يؤتى المدينة إلّا من بابها. قال الله تعالى:( وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) وهو أقوى شاهد لصحة رواية صحّحها الحاكم: فمن أراد العلم فليأت الباب، وهذا مقام الختم من أنه لا وليّ بعده إلّا وهو راجع إليه آخذ من لديه، وإليه الإِشارة بما في الحديث الصحيح المستفيض المشهور بل المتواتر من الأمر بسدّ كلّ باب إلّا بابه مستندا إلى أمر الله تعالى بذلك »(١) .

وفيه: « وقد صحّ عن أئمة الصحابة كباب مدينة العلم وابن مسعود وابن عباس تأويل فواتح السور وهي من المتشابه ».

وفيه بعد كلام له: « والأخبار والآثار في ذلك عن باب مدينة العلم ودار الحكمة لا تكاد تحصى كثرة »(٢) .

____________________

(١). القول المستحسن في فخر الحسن: ٤٥٢.

(٢). القول المستحسن في فخر الحسن، انظر مثلاً: ٦٥.

٣١٦

(١٥٠)

إثبات علي بن سليمان الشاذلي

وقد أثبته علي بن سليمان الدمنتي المغربي المالكي الشاذلي(١) ، حيث تكلّم عليه بالتفصيل، وأجاب عن المناقشة في سنده بكلام الحافظين الصلاح العلائي وابن حجر(٢) .

(١٥١)

إثبات عبد الغني الغنيمي

ووصف عبد الغني أفندي الغنيمي أمير المؤمنينعليه‌السلام بـ « باب مدينة العلم » كما ذكر سليم فارس أفندي. مدير الجوائب - في ( قرة الأعيان ومسرّة الأذهان ) حيث قال: « وقال العالم المتفنن النحرير المتقن السيد عبد الغني أفندي الغنيمي: الحمد لله الذي جعل العلماء ورثة الأنبياء، واجتباهم لحفظ الشريعة الغرّاء شريعة نبيه المصطفى، وخصّهم بمزيد الهبات وأدام بدوامهم آثار من مضى وفات، وميّز بين مراتبهم تحقيقا لقوله تعالى:( وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ ) أحمده سبحانه من إله كريم جواد، جعل العلم مجازاً في الحقيقة لكل إسعاد، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد أشرف مرسل وأكرم مبعوث وأفضل

____________________

(١). ترجم له في الأعلام ٤ / ٢٩٢ قال: « فقيه من أعلام المغاربة » وذكر مؤلفاته. ولم يذكر شرحه على الترمذي - وأرخ وفاته بسنة ١٣٠٦.

(٢). نفع قوت المغتدي: ١٤٨.

٣١٧

وعلى آله وأصحابه وذريته الذين حازوا الشرف بتبعيته.

أما بعد: فقد وقفت على هذا التأليف الميمون، فوجدته وهو بغرر الدرر مشحون، حيث أخذ بأطراف الفنون وأظهر سرها المكنون، وكيف لا ومنشؤه ملك العلماء الأكرمين، وابن أمير المؤمنين خاتمة الخلفاء الأربعة الراشدين، باب مدينة العلم علي ابن عم سيد المرسلين، فهو الحائز للشرفين الحسب والنسب الأفخم والجامع بين الفضيلتين السيف والقلم »(١) .

____________________

(١). وترجم له في الاعلام بقوله: « عبد الغني بن طالب بن حمادة بن ابراهيم الغنيمي الدمشقي الميداني. فاضل من فقهاء الحنفية » ثم ذكر مؤلفاته. وقد أرخ وفاته بسنة ١٢٩٨.

٣١٨

شواهد حديث أنا مدينة العلم

٣١٩

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428