تذكرة الفقهاء الجزء ١٠

تذكرة الفقهاء13%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-197-4
الصفحات: 458

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 458 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 189260 / تحميل: 5796
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٠

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-١٩٧-٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

فعلمنا من كلام الائمة عليهم رضوان الله معنى التمسك بهم بما لا ريبة فيه الا لمن ارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون.

ومع هذا كله قلنا: وهل يدخل في أهل بيته نساؤه أو يتمحض ذلك بالصدق على ولدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ففتشنا عن ذلك فوجدنا في صحيح مسلم برواية يزيد بن حيان عن زيد بن أرقمرضي‌الله‌عنه فقلنا: من أهل بيته نساؤه؟ قال: لا وايم الله ان المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع الى أبيها وقومها، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده.

وهذه الرواية عن زيد بن أرقمرضي‌الله‌عنه تفسير رواية أخرى عنه في مسلم أيضا، فقيل لزيد: من أهل بيته، أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: بلى ان نساءه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم عليهم الصدقة بعده - الحديث.

وتبين أن معنى قوله: « بلى ان نساءه من أهل بيته » ان نساءه من أهل بيت سكناه الذين امتازوا بكرامات وخصوصيات كثيرة، لا من اهل بيت نسبه وانما اولئك من حرمت عليهم الصدقة، صرح بذلك الابي في شرح مسلم جمعاً بين الروايات، بل تصحيحاً للاستدراك في الرواية الواحدة بقوله: « ولكن أهل بيته » إلخ.

وهذا التحقيق في تفسير أهل البيت بالحديث الصحيح يعين المراد منهم في آية التطهير، مع نصوص كثيرة من الاحاديث الصحاح المنادية على أن المراد منهم الخمسة الطاهرة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين. ولنا وريقات في تحقيق ذلك مجلد في دفترنا يجب على طالب الحق الرجوع اليه.

ولما وجدنا هذا في صحيح مسلم علمنا أنهم أبناؤهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فاذا انضم الى ذلك ما ورد من الاخبار في الائمة الاثني عشر مما بسطنا أكثرها في المقامات الاربعة من كتابنا المسمى بـ « مواهب سيد البشر في حديث الائمة الاثني عشر » بالترتيب بسطناها.

٦١

وما اجتمع عليه السلف والخلف من غزارة علوم هذا العدد المبارك وخرقهم العوائد، وما اختصوا به من المزايا الباهرة من بين سائر الرجال الابطال من هذه الفئة الفائقة على معاصريها في كل عصر، تيقن بأنهم الاولى بصدق احاديث التمسك عليهم من غيرهم، وان كانت فيها الاشارة الى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به الى القيامة، كما أن الكتاب العزيز - وهو الثقل الاخر القرين بهم - كذلك قاله ابن حجر. وقال: و لهذا كانوا أماناً لاهل الارض كما جاء به الحديث، ويشهد لذلك قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : في كل خلف من امتي عدول من أهل بيتي. وقال: ثم أحق من يتمسك به منهم امامهم وعالمهم علي بن ابى طالب رضي الله تعالى عنه، ومن ثم قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه: علي عترة رسول الله أي الذي حث على التمسك بهم، فخصه لما قلناه - انتهى كلامه.

ثم لما فرغنا من تخريج الحديث وما دل عليه، وما تعين فيه ممن هو المراد من أهل البيت، نظرنا في تعدد طرقه فوجدنا له طرقاً كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابياً، وفحصنا أيضاً عن أنه أين ورد، فوجدنا في بعض طرقه قال ذلك بحجة الوداع وبعرفة، وفي آخر أنه قال بغدير خم، وفي آخر أنه قال بالمدينة في مرضهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد امتلأت الحجرة بأصحابه، وفي آخر أنه قال لما قام خطيباً بعد انصرافه من الطائف. فعلمنا أن لهذا الحديث شأناً عظيماً، فانه لم يذكر وروده أحد من الرواة الّا في مشهد معتنى به غاية الاعتناء.

ولكنا طلبنا لهذه الروايات المتضادة في الورد جمعاً، فوجدنا قد سبق اهل الخبر بالهام الجمع فقال: ولا تنافى في ذلك، اذ لا مانع من أنه كرر عليهم ذلك في تلك المواطن كلها، اهتماماً بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة، و في رواية عند الطبراني عن ابن عمررضي‌الله‌عنه ان آخر ما تكلّم به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اخلفوني في أهل بيتي » انتهى. فازداد بعد الجمع شأناً على شأن لترداده في هذه المشاهد بأجمعها - كما لا يخفى على من له

٦٢

حس.

واذ قد ثبت صحة هذا الحديث وما مرّ عليك ممّا ينوط به لفظاً ومعنى ودلالة، وانضمت اليه آية التطهير بتفسيرها التي يدل عليها الاحاديث الصحيحة فلا وجه لان يمتري من له أدنى انصاف في أن من صدق عليهم هذا الحديث والآية من غير شائبة، وهم الائمة الاثنا عشر من أهل البيت وسيدة نساء العالمين بضعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم الائمة الزهراء الطاهرة، على أبيها وعليها الصلاة والسلام، لا شائبة في كونهم معصومين، كالمهدي منهمعليه‌السلام بما يخصه من حديث قفاء الاثر وعدم الخطأ على ما تمسك به الشيخ الأكبررضي‌الله‌عنه »(١)

٢ - تحريف زيد بن أرقم الحديث

وبعد الاطلاع على هذا الكلام المتين، لا بد من التنبيه على أن ما جاء في صحيح مسلم من لفظ حديث الثقلين الذي اغتر به ابن تيمية، انما كان تصرفاً وتحريفاً من زيد بن أرقم عند القاء الحديث الى يزيد بن حيان والحصين بن سبرة وعمرو بن مسلم، وهذا غير مستبعد من مثل زيد بن أرقم الذي كتم حديث: « من كنت مولاه » عند ما استشهد به أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام، كما أسلفنا ذلك في مجلد حديث الغدير، حتى ابتلاه الله بما دعا (ع) عليه به في دار الدنيا، والاخرة أدهى وأمر. بل عدم وجود « من كنت مولاه » في حديث الثقلين برواية مسلم - رغم كون سياقه شارحاً لقضية الغدير - يؤيد ذلك، مع ان تفسيره لفظ « اهل البيت » في هذا الحديث بـ « كل من حرم عليه الصدقة » انما هو تفسير من عنده، ولذلك قال الحافظ الكنجي الشافعي بعد حديث زيد ابن أرقم ما نصه:

« قلت: ان تفسير زيد « أهل البيت » غير مرضى، لانه قال:

__________________

(١). دراسات اللبيب في الاسوة الحسنة بالحبيب ٢٣١ - ٢٢٧.

٦٣

أهل البيت من حرم الصدقة. وهم لا ينحصرون في المذكورين، فان بني المطلب يشاركونهم في الحرمان، ولان آل الرجل غيره على الصحيح، فعلى قول زيد يخرج امير المؤمنينرضي‌الله‌عنه عن أن يكون من أهل البيت، بل الصحيح أن أهل البيت علي وفاطمة والحسنان رضي الله عنهم، كما رواه مسلم بأسناده عن عائشة ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج ذات غدوة وعليه مرط مرحل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين بن علي فأدخله، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيراً.

وهذا دليل على أن أهل البيت هم الذين ناداهم الله تعالى بقوله: « أهل البيت » وأدخلهم الرسول في المرط.

وأيضاً روى مسلم بأسناده أنه لمـّا نزلت آية المباهلة دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً وقال: « اللهم هؤلاء أهل بيتي »(١) .

هذا الى غيره من شواهد تحريفه في هذه الرواية، كما لا يخفى على الناظر البصير.

ومع ذلك فان الحق لا بدّ أن يعلو ويظهر، ولذلك فان زيداً نفسه قد روى حديث الثقلين عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفيه الامر بالتمسك بأهل بيتهعليهم‌السلام واتباعهم، والنهي عن التقدم عليهم والتخلف عنهم، كما لا يخفى على ناظر ( صحيح الترمذي ) و ( كتاب المصاحف ) لابن الانباري و ( المعجم الكبير ) للطبراني و ( المستدرك ) للحاكم و ( المناقب ) لابن المغازلي وغيرها.

٣ - الحديث عن جابر عند مسلم محرف

وأما تمسكه بحديث جابر الذي جاء في ( صحيح مسلم ) مدعياً بأن

__________________

(١). كفاية الطالب ٥٤.

٦٤

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يأمر الّا بالتمسك بالكتاب، فهو أيضاً باطل واضح.

لان حديث جابر - وان جاء في مسلم محرفاً كما ذكر - جاء في رواية الترمذي، وفيه الامر الصريح بالتمسك بأهل البيتعليهم‌السلام . وهذا نصه:

« حدثنا نصر بن عبد الرحمن الكوفي، نا زيد بن الحسن، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله قال: رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب، فسمعته يقول: يا أيها الناس انّي تركت فيكم ما ان أخذتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي »(١) .

ولقد كان الاحرى به ألا يتطرق الى هذا الحديث بلفظه الذي جاء في مسلم فضلا عن الاحتجاج به، ولكن « إذا لم تستح فاصنع ما شئت ».

٤ - دعوى ضعف « وعترتي فانهما لن يفترقا »

وأما قوله: « وأما قوله وعترتي فانهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض فهذا رواه الترمذي، وقد سئل عنه أحمد، وضعفه غير واحد من أهل العلم وقالوا: انه لا يصح »، فيشتمل على غرائب وأباطيل:

الاول: يفيد كلامه أن أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باتباع عترته جاء في رواية الترمذي خاصة، ومفهومه أنه لم يروه غيره، وقد علمت سابقاً رواية جمهور علمائهم حديث الثقلين الامر بتمسك واتباع الكتاب وعترته.

الثاني: يفيد كلامه أن رواية قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فانهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض » خاصة بالترمذي، لكن قد علمت رواية أكثر علمائهم الكبار حديث الثقلين مشتملا على هذه العبارة، ومنهم: ركين الفزاري، وعبد الملك العزرمي، والاعمش، وابن اسحاق، واسرائيل بن يونس

__________________

(١). صحيح الترمذي ٢ / ٢١٩.

٦٥

السبيعي، وعبد الرحمن المسعودي، ومحمد بن طلحة اليامي، واليشكري، وشريك، والضبي جرير بن عبد الحميد، ومحمد بن الفضيل الضبي، وعبد الله ابن زهير الهمداني، وأبو أحمد الزبيري، وأبو عامر العقدي، وأسود بن عامر الشامي، ويحيى بن حماد الشيباني، وابن سعد، والمخرمي، وابن بقية الواسطي، وأحمد بن حنبل، وعبد بن حميد الكشي، وعباد بن يعقوب الاسدي، والجهضمي، والعنزي، والطريقي، والرقاشي، ومحمد بن أبي العوام الرياحي، والحكيم الترمذي، وعبد الله بن أحمد، والبزار، والقباني، والنسائي، وأبو يعلي، والطبري، والباغندي، والاسفراييني، والبغوي، وابن الانباري، وابن عقدة والجعابي، والطبراني، والقطيعي، والازهري، والذهبي، والحاكم والثعلبي، وأبو نعيم، وابن عساكر، والضياء المقدسي

الثالث: قوله « سئل عنه أحمد » لم نفهم معناه، وهل السؤال عن حديث يفيد القدح فيه؟ ألم يخرجه أحمد في مسنده كما تقدم؟ الم يخرجه في كتاب مناقب علي كما تقدم؟ ومن كان السائل؟ وما كان جواب أحمد عن هذا السؤال؟ وما المقتضى للاعراض عن إيراد جوابه؟

هذه أسئلة تتوجه الى كلامه.

وهنا نقول: ان جواب أحمد لا يخلو اما أنه كان تضعيفاً للحديث أو تصحيحاً له، وعلى كلا الحالين كان يجب عليه ذكر الجواب، لانه ان كان تضعيفاً فلم لم يذكره وهو يؤيد زعمه؟ وان كان تصحيحاً فلم أعرض عنه وأسقطه وهو خيانة؟

وعلي أي حال فان كلامه هذا عجيب جداً، ويكفي في الجواب عنه رواية الامام أحمد حديث الثقلين مصححاً اياه في ( المسند ) و ( المناقب ).

الرابع: وأما قوله « فضعفه غير واحد من أهل العلم وقالوا انه لا يصح » فكذب وزور، يأباه أقل الناس فضلا عن شيخ الإسلام!

وباختصار: انه لا يجد أحد - بعد الفحص والتتبع التام - أحداً ينكر هذا القسم من حديث الثقلين، وقد علمت سابقاً نسبة البخاري انكار أصل

٦٦

الحديث وتمامه الى أحمد، وكذلك طعن ابن الجوزي في الحديث من أصله الا أنه لم ينكر أحد منهم هذه الفقرة من الحديث، التي زعم ابن تيمية ان جماعة من أهل العلم قالوا انه لا يصح.

ولم لم يذكر ابن تيمية - رغم اطنابه في جميع المقامات وكثرة تكلمه في كل شيء - أهل العلم المضعفين لهذه الجملة من الحديث؟ وليته ذكر واحداً منهم - ان كان يطلب الاختصار ان هذا لعجيب.

ولقد علمت - والحمد لله - صحة هذا القسم من الحديث - ضمن حديث الثقلين - فيما تقدم من الكتاب، بل ثبت اجماعهم على صحته، بالاضافة الى تصريح جملة منهم بذلك، فراجع.

كلام آخر لابن تيمية

ومما هو جدير بالذكر هنا ان ابن تيمية قال في الجواب عن حديث الغدير بعد كلام له:

« ولما لم يذكر في حجة الوداع امامة علي ولا ما يتعلق بالامامة أصلا، ولم ينقل أحد لا بأسناد صحيح ولا ضعيف أنه في حجة الوداع ذكر امامة علي بل ولا ذكر علياً في شيء من خطبه، وهو المجمع العام الذي أمر فيه بالتبليغ العام، علم ان امامة علي لم تكن من الدين الذي أمر بتبليغه، بل ولا حديث الموالاة وحديث الثقلين ونحو ذلك مما يذكر في امامته، والذي رواه مسلم ( في صحيحه ) انه بغدير خم قال: اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله. فذكر كتاب الله وحض عليه ثم قال: وعترتي أهل بيتي. اذكركم الله في أهل بيتي - ثلاثاً - وهذا مما انفرد به مسلم ولم يروه البخاري، وقد رواه الترمذي وزاد فيه: وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.

وقد طعن غير واحد من الحفاظ في هذه الزيادة، وقالوا انها ليست من الحديث، والذين اعتقدوا صحتها قالوا انما تدل على ان مجموع العترة الذين هم بنو هاشم كلهم لا يتفقون على ضلالة، وهذا قد قاله طائفة من أهل

٦٧

السنة، وهو من أجوبة القاضي أبي يعلى وغيره.

والحديث الذي في صحيح مسلم اذا كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد قاله فليس فيه الا الوصية باتباع كتاب الله، وهذا أمر قد تقدمت الوصية به في حجة الوداع قبل ذلك، وهو لم يأمر باتباع العترة ولكن قال: « أذكركم الله في أهل بيتي »، فتذكير الامة بهم يقتضي أن يذكروا ما تقدم الامر به قبل ذلك من اعطائهم حقوقهم والامتناع من ظلمهم، وهذا أمر تقدم بيانه قبل غدير خم فعلم انه لم يكن في امامته [ فعلم أنه لم يكن في غدير خم أمر بشرع نزل اذ ذاك، لا في حق علي ولا في حق غيره لا امامته ولا غيرها ] »(١) .

الرد عليه من وجوه

والجواب عنه بوجوه:

الاول : قوله « لم يذكر في حجة الوداع امامة عليّ ولا ما يتعلق بالامامة أصلا، ولم ينقل أحد بأسناد صحيح ولا ضعيف أنه في حجة الوداع ذكر امامة عليّ » مردود، اذ لا يخفى على المتتبع ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كرر حديث الثقلين - بغض النظر عن غيره من النصوص - في حجة الوداع مراراً، وهذا يثبت امامة عليّ أمير المؤمنينعليه‌السلام

الثاني : قوله « ولا ذكر علياً في شيء من خطبه وهو المجمع العام الذي أمر فيه بالتبليغ العام » يكذبه ذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اياه في خطبه في هذه الحجة ضمن أهل البيت.

هذا بالاضافة الى أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطب في حجة الوداع خطبة خاصة ذكر فيها علياً وأثبت عصمته وأفضليته بها.

قال ابن الاثير ما نصه: « وبعث علي بن أبي طالب الى نجران ليجمع صدقاتهم وجزيتهم ويعود، ففعل وعاد ولقي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمكة في

__________________

(١). منهاج السنة ٤ / ٨٥.

٦٨

حجة الوداع، واستخلف على الجيش الذين معه رجلا من أصحابه وسبقهم الى النبي فلقيه بمكة، فعمد الرجل الى الجيش فكساهم كل رجل حلة من البز الذي مع علي، فلما دنا الجيش خرج علي ليتلقاهم فرأى عليهم الحلل فنزعها عنهم، فشكاه الجيش الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقام النبي خطيباً فقال: أيها الناس لا تشكوا علياً فهو لا خشن في ذات الله وفي سبيل الله »(١) .

ورواه أيضاً ابن هشام(٢) .

وأبو جرير الطبري(٣) .

الثالث : قوله « ان امامة علي لم تكن من الدين الذي أمر بتبليغه بل ولا حديث الموالاة وحديث الثقلين ونحو ذلك مما يذكر في امامته » مردود بما يأتي:

أولا - دعوى عدم ذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم امامة امير المؤمنينعليه‌السلام في حجة الوداع باطلة كما مر.

ثانياً - دعوى عدم ذكرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا في شيء من خطبه فيها باطلة أيضا كما مر.

ثالثاً - دعوى كونهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مأمورا بالتبليغ العام - بمعنى أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم امر بتبليغ كافة الاوامر الشرعية في حجة الوداع - ممنوعة، وذلك لعدم اشتمال خطبته على جميع الاحكام النازلة من اول بعثته الى حين حجته كما لا يخفى ذلك على من راجعها. سلمنا لكن لا دليل على ان ما بلغهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد ذلك بأمر الله لم يكن من الدين في شيء، اذ لا يتفوه بهذا الكلام ذو مسكة وشعور، لكن ابن تيمية لا يهمه إخراج حديث الغدير وحديث الثقلين من الدين المأمور بالتبليغ به، بل من الدين الاسلامي

__________________

(١). الكامل ٢ / ١٢٦.

(٢). السيرة النبوية ٢ / ٦٠٢ - ٦٠٣.

(٣). تاريخ الطبري ٢ / ٤٠١ - ٤٠٢.

٦٩

مطلقاً، وذلك لفرط بغضه وعداوته لاهل البيت وسيدهم امير المؤمنينعليه‌السلام .

رابعاً - دعوى عدم ذكر حديث الغدير في حجة الوداع من الاكاذيب الواضحة، يدل على ذلك مراجعة روايات ائمة مذهبه، وقد فصلنا ذلك في مجلد حديث الغدير.

خامساً - دعوى عدم ذكر حديث الثقلين في حجة الوداع جهل أو تجاهل، لما قد علمت سابقاً ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ذلك يوم عرفة من حجة الوداع، وكذا يوم غدير خم ضمن خطبته، وبرغم أنك سمعت ايرادهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له يوم عرفة نقلا عن ( صحيح ) الترمذي فان من المناسب نقل خطبته تلك بكاملها.

خطبة الغدير في العقد الفريد

قال ابن عبد ربه: « خطبة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع:

« ان الحمد لله، نحمده ونستغفره ونتوب اليه، ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، واشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله. أوصيكم عباد الله بتقوى الله، وأحثكم على طاعة الله، واستفتح بالذي هو خير.

أما بعد، يا أيها الناس! اسمعوا مني أبين لكم، فاني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقعى هذا.

أيها الناس! ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام الى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا. ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد، فمن كان عنده امانة فليؤدها الى الذي ائتمنه عليها. وان ربى الجاهلية موضوع، وان أول ربى أبدأ به ربى عمي العباس بن عبد المطلب. وان دماء الجاهلية موضوعة، وان أول دم أبدا به دم عامر بن ربيعة بن الحرث بن

٧٠

عبد المطلب. وان مآثر الجاهلية موضوعة، غير السدانة والسقاية، والعمد قود، وشبه العمد قود، ما قتل بالعصا والحجر ففيه مائة بعير، فمن زاد فهو من أهل الجاهلية.

أيها الناس! ان الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه، ولكنه رضى أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم.

أيها الناس! انما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاماً ليواطئوا عدة ما حرم الله، وانما الزمان قد استدار كهيئته في خلق الله السماوات والارض، وان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والارض، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات وواحد فرد ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب الذي بين جمادى وشعبان، الاهل بلغت؟ اللهم اشهد.

أيها الناس! ان لنسائكم عليكم حقاً وان لكم عليهن حقاً، لكم عليهن الا يوطئن فرشكم غيركم، ولا يدخلن أحداً تكرهونه بيوتكم الا باذنكم، ولا يأتين بفاحشة، فان فعلن فان الله قد أذن لكم أن تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضرباً غير مبرح، فان انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف. وان النساء عندكم عوار لا يملكن لأنفسهن شيئاً، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيراً.

أيها الناس! انما المؤمنون أخوة، فلا يحل لامرئ مال أخيه الا عن طيب نفسه. ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد. فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم أعناق بعض، فاني قد تركت فيكم ما ان أخذتم به لن تضلوا، كتاب الله وأهل بيتي. الاهل بلغت؟ اللهم اشهد.

أيها الناس! ان ربكم واحد، وان أباكم واحد، كلكم لادم وآدم من تراب، أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي على عجمي فضل الا بالتقوى. الاهل بلغت؟ قالوا: نعم. قال: فليبلغ الشاهد منكم الغائب.

٧١

أيها الناس؟ ان الله قسم لكل وارث نصيبه من الميراث، ولا يجوز لوارث وصية في أكثر من الثلث، والولد للفراش وللعاهر الحجر، من دعا الى غير أبيه أو تولى الى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته »(١) .

هذا بالاضافة الى ظهور ذلك من روايات عديدة، فقد قال السمهودي بعد ذكر طرق حديث الثقلين: « وأخرجه الحافظ ابو محمد عبد العزيز بن الاخضر في ( معالم العترة النبوية ) وفيه ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ذلك في حجة الوداع ».(٢)

وقال الحافظ الزرندي بعد أن روى الحديث: « روى زيد بن أرقمرضي‌الله‌عنه قال: أقبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم حجة الوداع »(٣) .

ولقد أورد السمهودي في ( جواهر العقدين ) والشيخاني القادري في [ الصراط السوى ] رواية الزرندي المشار إليها.

وذكر الائمة الاعلام من محققي أهل السنة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ذلك في حجة الوداع، وبذلك تنطق الروايات الماضية. فقد قال السمهودي(٤) في التنبيهات التي ذكرها بعد سياق حديث الثقلين: « خامسها - قد تضمنت الاحاديث المتقدمة الحث البليغ على التمسك بأهل البيت النبوي وحفظهم واحترامهم والوصية بهم، لقيامهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك خطيباً يوم غدير خم كما في اكثر الروايات المتقدمة، مع ذكره لذلك في خطبته يوم عرفة على ناقته كما في رواية الترمذي عن جابر، وفي خطبته لما قام خطيباً بعد انصرافه من حصار الطائف كما في رواية عبد الرحمن بن عوفرضي‌الله‌عنه ، وفي مرضه الذي قبض فيه وقد امتلأت الحجرة من أصحابه كما

__________________

(١). العقد الفريد ٢ / ١١٠ - ١١١.

(٢). جواهر العقدين - مخطوط.

(٣). نظم درر السمطين ٢٢٣.

(٤). جواهر العقدين - مخطوط.

٧٢

سبق في رواية أم سلمة ».

وقال ابن حجر في ( الصواعق ) بعد نقل حديث الثقلين والتمسك بهما بطرق كثيرة، ثم ذكر أنها وردت عن نيف وعشرين صحابيا، قال: « وفي بعض تلك الطرق أنه قال ذلك بحجة الوداع بعرفة ».

وقال فيه بعد أن نقله عن أحمد: « وفي رواية ان ذلك كان في حجة الوداع ».

وقال الشيخاني القادري في ( الصراط السوي ) بعد ذكر حديث الثقلين برواية أبي سعيد: « قالوا أنه قال ذلك في حجة الوداع ».

وقد أثبت السندي في ( دراسات اللبيب ) - كما عرفت - أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد ذكر حديث الثقلين في حجة الوداع.

الرابع : لقد ذكر ابن تيمية في كلامه هذا حديث الثقلين الذي جاء في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم، وقد علم أن زيدا قد حرف الحديث وتصرف فيه، لكن ابن تيمية لم تعط نفسه أن يكتفي بذلك فأكثر من تحريفه وبتره.

الخامس: يحسب ابن تيمية أن تفرد مسلم في اخراج حديث الثقلين واعراض البخاري عنه يحدث ضعفاً في الحديث، ولكنه لا يعلم أن عدم تخريج الحديث يعد من معائب البخاري وصحيحه، لا أنه يفيد ما تخيله.

على أنه لو أعراض البخاري ومسلم كلاهما عن حديث الثقلين ولم يخرجاه بل حتى لو طعناه فيه وضعفاه، فان ذلك لا يصغى اليه ولا يعتنى به، اذ لا قيمة له في مقابل رواية أولئك الاعلام الاعاظم هذا الحديث الشريف المتواتر.

ولقد علمت سابقاً - ولله الحمد - من ( المستدرك ) للحاكم أن لحديث الثقلين - بعض النظر عن سياق صحيح مسلم - ألفاظاً عديدة وطرقاً سديدة جاء كل منها صحيحاً على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

وبالجملة فان اعراض البخاري عن إخراج حديث الثقلين على

٧٣

العلوم وسياق مسلم على الخصوص جناية كبيرة، اللهم الا أن يوجه اعراضه عن سياق مسلم بالخصوص، لأنه جاء محرفاً من زيد بن أرقم، ويدل عليه قول زيد نفسه في أول الحديث: « والله لقد كبرت سني وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي » فلعل البخاري التزم جانب الاحتياط فلم يروه، لكن من المستبعد أن يستند أهل السنة - المعدلين لزيد بن أرقم وغيره من الصحابة - الى هذا التوجيه في مقابلة أهل الحق، ولو سلمنا ذلك فلا يبقى وجه يعتذر به لاعراضه عن الألفاظ والطرق التي رواها الحاكم في ( المستدرك ) وصححها على شرط الشيخين.

ومن هذا وأمثاله يعلم أن مسلماً قد يظهر طرفاً من الحق ولا يعرض عنه كالبخاري تماماً، وهذا هو السبب في تأخر رتبة كتابه عن رتبة كتاب البخاري عند أولئك المتعصبين المتعندين، الذين لا يروق لهم ذكر أى فضيلة لأهل البيتعليهم‌السلام ولأمير المؤمنينعليه‌السلام خاصة.

السادس: لقد نسب مرة أخرى رواية جملة: « وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض » الى الترمذي فقط، وقد علمت بطلانها قريباً، وأحرزت أنه قد رواها قبل الترمذي وبعده كثير من الحفاظ والمحدثين العظام، واصحاب الصحاح والآثار وشيوخ الحديث والرواية.

السابع : لقد طعن في جملة: « وانهما لن يفترقا » زاعماً طعن غير واحد فيها، رغم أنه لم يذكر أحد أولئك العلماء الذين طعنوا فيها، لكن قد أثبتنا سابقاً صحة هذه الفقرة من حديث الثقلين ايضاً، وبينا بطلان طعنه هذا وكذبه في دعواه هذه، عند رد كلام ابن الجوزي سابقاً، وكذا في دفع كلام ابن تيمية نفسه المتقدم قريباً.

ومع ذلك نقول: انه قد أخرج ابو عوانة هذه العبارة الكريمة ضمن حديث الثقلين برواية زيد بن أرقم في كتابه ( المسند الصحيح ) كما تقدم، وبالاضافة الى أن مجرد إخراج أبي عوانة دليل على صحتها - كما عرفت - لكون كتابه مستخرجاً على صحيح مسلم، فانه لا شك في صحتها، لاقتصار

٧٤

اصحاب المستخرجات على الروايات الصحيحة في زياداتهم على الصحيحين كما مر سابقاً عن كتاب ( تدريب الراوي ) للسيوطي.

وقال ابن الصلاح: « ثم ان الزيادة في الصحيح على ما في الكتابين يتلقاها طالبها مما اشتمل عليه أحد المصنفات المعتمدة المشتهرة لائمة الحديث، كأبي داود السجستاني وأبي عيسى الترمذي، وأبي عبد الرحمن النسائي، وأبي بكر ابن خزيمة، وأبي الحسن الدارقطني وغيرهم منصوصاً على صحته فيها، ولا يكفي في ذلك مجرد كونه موجوداً في كتاب أبي داود وكتاب الترمذي وكتاب النسائي، وسائر من جمع في كتابه بين الصحيح وغيره، ويكفي مجرد كونه موجوداً في كتب من اشترط منهم الصحيح فيما جمعه ككتاب ابن خزيمة، وكذلك ما يوجد في الكتب المخرجة على كتاب البخاري وكتاب مسلم ككتاب أبي عوانة الأسفراييني، وكتاب أبي بكر الاسماعيلي، وكتاب أبي بكر البرقاني، وغيرها، من تتمة لمحذوف أو زيادة شرح في كثير من أحاديث الصحيحين، وكثير من هذا موجود في الجمع بين الصحيحين لابي عبد الله الحميدي »(١) .

وقال: « ثم ان التخاريج المذكورة على الكتابين يستفاد منها فائدتان: إحداهما علو الاسناد، والثانية الزيادة في قدر الصحيح لما يقع منها من ألفاظ زائدة وتتمات في بعض الأحاديث تثبت صحتها بهذه التخاريج، لأنها واردة بالأسانيد الثابة في الصحيحين أو أحدهما، وخارجة من ذلك المخرج الثابت. والله أعلم »(٢) .

وقال الزين العراقي: « ويؤخذ الصحيح أيضاً من المصنفات المختصة بجمع الصحيح فقط، كصحيح أبي بكر محمد ابن إسحاق بن خزيمة، وصحيح أبي حاتم محمد بن حيان البستي المسمى بالتقاسيم والأنواع، وكتاب

__________________

(١). علوم الحديث بشرح العراقي ٢٧ - ٢٨.

(٢). علوم الحديث ٣١.

٧٥

المستدرك على الصحيحين لابي عبد الله الحاكم، وكذلك ما يوجد في المستخرجات على الصحيحين من زيادة أو تتمة، فهو محكوم بصحته كما سيأتي في بابه »(١) .

وتعطينا هذه الكلمات والنصوص: أن الزيادات في المستخرجات صحيحة، وعلى هذا فلما كان قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض » موجوداً في كتاب أبي عوانة الأسفراييني مع حديث الثقلين فهو صحيح بلا ريب، ومعدود من كتاب صحيح مسلم، فإذا سلم ابن تيمية صحة حديث الثقلين الموجود في صحيح مسلم كان عليه الاعتراف بصحة تلك الجملة المذكورة لا إنكارها.

وأخرج امام المحدثين ابو عبد الله الحاكم حديث الثقلين في ( المستدرك على الصحيحين ) بروايات اشتملت على قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض » وقال بعد كل واحدة منها: « صحيح الاسناد على شرط الشيخين ».

وقد بان لك من قول الزين العراقي المتقدم ان ( المستدرك ) من الكتب التي يؤخذ منها الزيادات الصحيحة على الصحيحين، فلا يبقى أي شك - عند أي منصف - في صحة قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المذكور، وظهر أنه صحيح كسائر الأحاديث التي اتفق الشيخان على صحتها، سواء أخرجاها أو لم يخرجاها. هذا بالاضافة الى حكم محمد بن طاهر المقدسي، كما في ( تدريب الراوي ) للسيوطي بقطعية صدور ما كان على شرط الشيخين وان لم يخرجاه.

فبالنظر الى ما تقدم وغيره لا مانع من دعوى التواتر في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض »، ويدل على ذلك ما مر في رواية استشهاد امير المؤمنينعليه‌السلام عن ابن عقدة والسخاوي والسمهودي

__________________

(١). شرح ألفية الحديث ١ / ٥٤.

٧٦

وغيرهم عن سبعة عشر رجلا من الصحابة في حديث الثقلين المشتمل على هذه الكلمة، ثم تصديق امير المؤمنينعليه‌السلام لهم وشهادته بصحة ما شهدوا عليه.

ومما لا ريب فيه أن هذا العدد كاف لدعوى تواتر الحديث، بل هذا العدد اكثر بكثير من عدد التواتر، لان ابن حجر المكي ادعى في ( الصواعق ) التواتر في صلاة أبي بكر في مرض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بزعم وروده عن ثمانية من الصحابة، بل ادعى ابن حزم في ( المحلى ) في حرمة بيع الماء تواتر حديث الحرمة، وقد رواه أربعة من الصحابة.

فرواية سبعة عشر رجلا من الصحابة حديث: « وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض » يفيد تواتره قطعاً، ولهذا صرح المقبلي في ( ملحقات الأبحاث المسددة ) بعد أن ذكر حديث الثقلين باللفظ المشتمل على هذه الجملة، صرح بتواتره عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

الثامن : قوله « والحديث الذي في صحيح مسلم إذا كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد قاله فليس فيه الا الوصية باتباع كتاب الله، وهذا أمر قد تقدمت الوصية به في حجة الوداع قبل ذلك »، يفيد عدم جزمه بصحة ما في صحيح مسلم من حديث الثقلين، لان قوله « إذا كان النبي قد قاله » ظاهر في التشكيك بثبوت هذا أيضاً.

ان ابن تيمية يحاول كتم الحق وانكار الحقائق، ولكن سعيه يذهب ادراج الرياح. قال الله تعالى:( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئوا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ) .

التاسع: قوله « فليس فيه الا الوصية باتباع كتاب الله » خطأ واضح، لان عبارات العلماء الاعلام ومحدثيهم العظام صريحة في وصيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باتباع الكتاب وأهل البيت معاً، راجع منها ما تقدم من تحقيق السندي في ( دراسات اللبيب ).

وأما قوله « وهذا أمر قد تقدمت الوصية به في حجة الوداع قبل ذلك »

٧٧

فلقد علمت من البيانات السابقة - والحمد لله - أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يوص باتباع كتاب الله فحسب، بل انه امر يوم عرفة وغيره باتباع أهل بيته الطاهرين مع كتاب الله، وكيف يأمرصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باتباع كتاب الله تعالى فحسب وقد تحقق عدم افتراق الثقلين بنصهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى يردا عليه الحوض، وذلك ظاهر لا يحتاج الى مزيد بيان.

العاشر: قوله بعد ذلك: « وهو لم يأمر باتباع العترة ولكن قال أذكركم الله في أهل بيتي ».

والجواب عنه بوجوه:

أولا - ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر باتباع عترته في مواضع وخطب و وصايا لا تحصى كثرة، وفي حديث الثقلين أمر باتباعهم على وجه الخصوص، كما تقدم ذلك مراراً عديدة، وهو ثابت أيضاً في حديث صحيح مسلم - وان لم يكن يسلم من التحريف والاسقاط كما تقدم - وهذا بوحده كاف لاستيصال أصل الشبهة.

بل نقول: انه لو لم يكن في صحيح مسلم سوى قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « انّي تارك فيكم الثقلين » لكفى دليلا على وجوب التمسك بأهل البيتعليهم‌السلام كوجوب التمسك بكتاب الله، ويؤيد ذلك ما ذكره محققوهم في بيان وجه تسميه الكتاب والعترة بالثقلين: قال الأزهري في ( تهذيب اللغة ) على ما نقل عنه ابن منظور في ( لسان العرب ): « قال ثعلب: سيما ثقلين لان الأخذ بهما ثقيل، والعمل بهما ثقيل ».

وقال ابن الأثير في ( النهاية ): « سماها ثقلين لان الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل ».

وقال السخاوي في ( استجلاب ارتقاء الغرف ): « انما سماهما بذلك إعظاماً لقدرهما وتفخيماً لشأنهما، فانه يقال لكل شيء خطير نفيس ثقل، وأيضاً فلان الاخذ بهما والعمل بهما ثقيل، ومنه قوله تعالى:( سَنُلْقِي عَلَيْكَ

٧٨

قَوْلاً ثَقِيلاً ) أى له وزن وقدر، أو لانه لا يؤدى الا بتكلف ما يثقل ».

وقال القاري في ( المرقاة في شرح المشكاة ٥ / ٥٩٣ ): « وفي ( شرح السنة ) سماهما ثقلين لان الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل ».

الى غيرها من كلمات العلماء العظام من أهل السنة، فيكون معنى قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « انّي تارك فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما » انّي تارك فيكم أمرين الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل. وذلك ظاهر، فالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر إذاً باتباع العترة كذلك.

ثانياً - لم يكن قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أذكركم الله في اهل بيتي » مجرد تذكير للامة، بل امر باتباع العترة مع التأكيد عليه، وقد كررصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا التأكيد لمزيد الاهتمام بوجوب اتباعهم، وقد اعترف بهذا المعنى علماء أهل السنة الأكابر:

قال الزرقاني في ( شرح المواهب اللدنية ) بشرح حديث مسلم في شرح هذه الجملة: « قال الحكيم الترمذي حض على التمسك بهم، لان الأمر لهم معاينة، فهم أبعد عن المحنة ».

وقال المولوي مبين في ( وسيلة النجاة ) في شرحها: « أي اخشوا الله واحفظوا حقوقهم، واتخذوا طاعتهم ومحبتهم شعاراً لكم، فكما ان امتثال أحكام كتاب الله فرض فكذلك إطاعة اهل البيت والانقياد لأوامرهم بالجوارح والاركان، ومحبتهم والاعتقاد بهم بالقلب والجنان فرض ».

وقال القنوجي في ( السراج الوهاج ): « والأخذ بكتاب الله أن يتلوه آناء الليل والنهار، ويعمل بما فيه من الحلال والحرام وغيرهما مما اشتمل عليه، ولا يتخذه مهجوراً، والذكرى في أهل البيت أن يعرف فضلهم ويحترمهم بما يصل اليه يده ويجتنب أذاهم وحطهم، ويقتدى بهم فيما يوافق الكتاب السنة ويؤقرهم ويعززهم، لا سيما العلماء الصلحاء منهم، فإنهم بضعة الرسول ومضغة البتول وأحباء الله وأبناء رسوله ».

وقال فيه أيضاً: « تحريم الزكاة على اهل البيت لها موضع غير هذا

٧٩

الموضوع، والمقصود هنا بيان فضيلتهم وانهم قسيم كتاب الله في التعظيم والإكرام، وفي التسمية بالثقل وانه لا بد من الأخذ بهما، فإنهما لا يفترقان حتى يردا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحوض ».

وقال محمد أمين السندي في ( دراسات اللبيب ): « فحملنا قوله « أذكركم الله » على مبالغة التثليث فيه على التذكير بالتمسك بهم والردع من عدم الاعتداد بأقوالهم وأعمالهم وأحوالهم وفتياهم وعدم الأخذ بمذهبهم ».

ثالثاً - لقد أمرصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الامة باتباع اهل بيته والتمسك بهم قبل يوم غدير خم وقبل حجة الوداع وبعدها، فزعم عدم تقدم ذلك - كما هو فحوى كلامه - من أبين الاباطيل.

رابعاً - قوله « وتذكير الامة بهم يقتضي أن يذكروا ما تقدم الأمر به قبل ذلك من اعطائهم حقوقهم والامتناع من ظلمهم » يفيد أن اتباع اهل البيتعليهم‌السلام ليس داخلا في حقوقهم التي أمرت الامة باعطائهم اياها. وان مخالفتهم ليست داخلة في ظلمهم الذي أمروا بالامتناع منها، وهذا جور عظيم وظلم كبير

خامساً - قوله « وهذا أمر قد تقدم بيانه قبل غدير خم فعلم انه لم يكن في إمامته » لا ربط له بكون التذكير المذكور في حديث مسلم او في مطلق حديث الثقلين لم يكن في امامة أمير المؤمنينعليه‌السلام كما تفوه به هذا الناصب، وبما انه قد ثبت أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المواقع الجليلة والمواقف العظيمة قبل يوم الغدير وبعده، فان ما في صحيح مسلم المشتمل على بيان واقعة يوم غدير خم بالنسبة لأهل البيتعليهم‌السلام يلزم أن يكون في إيجاب طاعة أمير المؤمنينعليه‌السلام ولزوم الانقياد له وفرض إمامته على الامة، وهذا واضح.

كلام للجاحظ في مدح أهل البيت

و اذ رأيت بطلان كلمات ابن تيمية ظهر لك انه لا ينبغي لمؤمن أن

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

انعقد باطلاً.

وقال أبو حنيفة : ينقلب جائزاً ؛ لأنّه أسقط المفسد قبل تقرّره ، فجعل كأن لم يكن ، ولهذا لو أسقط في الأجل الصحيح قبل مضيّ المدّة ، جعل كأن لم يكن إلّا إلى هذا الوقت ويتمّ البيع(١) .

وليس بشي‌ء ، لأنّه مع الصحيح إسقاط لحقّ ثبت في عقد صحيح ، وهنا لم يثبت ، لفساد العقد ، فلا يتحقّق الإسقاط.

تذنيب : لو باعه بحكم المشتري ولم يعيّن ، بطل البيع إجماعاً‌ ، فإن هلك في يد المشتري ، فعليه قيمته.

قال الشيخ : يوم ابتاعه إلّا أن يحكم على نفسه بأكثر من ذلك ، فيلزمه ما حكم به دون القيمة. ولو كان بحكم البائع فحَكَم بأقلّ من قيمته ، لم يكن له أكثر(٢) .

والمعتمد : بطلان البيع ؛ للجهالة ، ووجوب القيمة يوم التلف إن كان من ذوات القِيَم ، وإلّا المثل.

ويحتمل في ذي القيمة اعتبارها يوم القبض والأعلى. وكذا لو باعه بحكم ثالثٍ من غير تعيين الثمن أو وصفه أو شرط فيه.

وكما يجب القيمة على المشتري أو المثل كذا يجب عليه أرش النقص لو حصل والأجرة إن كان ذا اُجرة إن استوفى المنافع ، وإلّا فإشكال.

ولا يضمن تفاوت السعر ، وله الزيادة التي فَعَلها في العين ، عيناً كانت أو صفةً ، وإلّا فللبائع وإن كانت منفصلةً.

____________________

(١) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٥٠ ، المبسوط - للسرخسي - ١٣ : ٢٧.

(٢) النهاية ونكتها ٢ : ١٤٦.

١٠١

الشرط السادس : عدم النهي.

اعلم أنّ النهي قد يقتضي الفساد وقد لا يقتضيه ، والثاني قد يكون للتحريم وقد يكون للكراهة ، وقد مضى بعض ذلك ، وقد وقع الخلاف في كثيرٍ من الباقي ، ونحن نبيّن بعون الله تعالى جميع ذلك على التفصيل. ويحصره أقسام :

الأوّل : بيع ما لم يقبض. والنظر فيه يتعلّق بأمور ثلاثة :

الأوّل : ماهيّة القبض.

قال الشيخ : القبض فيما لا يُنقل ويُحوّل هو التخلية ، وإن كان ممّا يُنقل ويُحوّل ، فإن كان مثل الدراهم والدنانير والجواهر وما يتناول باليد ، فالقبض هو التناول ، وإن كان مثل الحيوان ، فالقبض نقل البهيمة وغيرها إلى مكان آخر. وإن كان ممّا يُكال أو يُوزن ، فالقبض فيه الكيل أو الوزن(١) .

وبه قال الشافعي في أظهر القولين ، وأحمد في أظهر الروايتين(٢) ؛ لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من اشترى طعاماً فلا يبعه حتى يكتاله »(٣) .

وسُئل الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - عن الرجل يبيع البيع قبل أن يقبضه ، فقال : « ما لم يكن كيل أو وزن فلا يبعه حتى يكيله أو يزنه إلّا أن‌

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٢٠.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٠ ، المجموع ٩ : ٢٧٥ - ٢٧٦ و ٢٨٣ ، الوسيط ٣ : ١٥٢ ، الوجيز ١ : ١٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٥ - ٣٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٧ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٢٦ - ٢٢٧ ، المغني ٤ : ٢٣٨ ، الشرح الكبير ٤ : ١٣١ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٨ - ١٩.

(٣) صحيح مسلم ٣ : ١١٦٢ ، ١٥٢٨.

١٠٢

يوليه الذي قام عليه »(١) فجَعَلعليه‌السلام الكيلَ والوزنَ هو القبض ؛ لأنّا أجمعنا على بيع الطعام بعد قبضه.

وسُئلعليه‌السلام عن رجل اشترى متاعاً من آخر وأوجبه غير أنّه ترك المتاع عنده ولم يقبضه وقال : آتيك غداً إن شاء الله ، فسُرق المتاع ، من مال مَنْ يكون؟ فقالعليه‌السلام : « من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى يقبض المتاع ويخرجه من بيته ، فإذا أخرجه من بيته ، فالمبتاع ضامن لحقّه حتى يردّ ماله إليه »(٢) فجَعَل القبض هو النقل.

ولقضاء العرف بذلك ، وعادة الشرع ردّ الناس إلى العرف فيما لم يضع له الشارع لفظاً.

وقال أبو حنيفة : « القبض التخلية مطلقاً في المنقول وغيره - وهو قولٌ(٣) لنا وللشافعي ، وقول مالك ، ورواية عن أحمد - مع التمييز ؛ لأنّه خلّى بينه وبين المبيع ، فكان قبضاً له ، كالعقار(٤) .

ونمنع المساواة ؛ للعرف.

وفي روايةٍ عن الشافعي : تكفي التخلية لنقل الضمان إلى المشتري ؛ لأنّ البائع أتى بما عليه ، فيخرج عن ضمانه ، والتقصير من المشتري ؛ حيث لم ينقل ، فيثبت ما هو حقّ البائع. ولا تكفي لجواز التصرّف(٥) .

____________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٥ / ١٤٦.

(٢) الكافي ٥ : ١٧١ - ١٧٢ / ١٢ ، التهذيب ٧ : ٢١ / ٨٩ ، و ٢٣٠ / ١٠٠٣.

(٣) من القائلين به : المحقّق في شرائع الإسلام ٢ : ٢٩.

(٤) بدائع الصنائع ٥ : ٢٤٤ ، المجموع ٩ : ٢٨٣ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٥ و ١٧٦ ، الوسيط ٣ : ١٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٦ ، المغني ٤ : ٢٣٨ ، الشرح الكبير ٤ : ١٣١.

(٥) المجموع ٩ : ٢٧٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٦ ، الوسيط ٣ : ١٥٢.

١٠٣

مسألة ٥٩ : هل يشترط في القبض كونه فارغا عن أمتعة البائع؟ قال الشافعي : نعم(١) .

والأقرب عندي : المنع مع التخلية وتمكينه من اليد والتصرّف بتسليم المفتاح إليه ، فلو باع داراً أو سفينةً مشحونةً بأقمشة ومكّنه منها بحيث جعل له تحويله من مكانٍ إلى غيره ، كان قبضاً.

ولا يشترط في التخلية حضور المتبايعين عند المبيع ، وهو أظهر وجوه الشافعي(٢) .

وآخر : اشتراطه ، فإذا حضرا وقال البائع للمشتري : دونك هذا ، ولا مانع ، حصل القبض(٣) .

وآخر : اشتراط حضور المشتري دون البائع ليتمكّن من إثبات اليد عليه ، وإذا حصلت التخلية ، فإثبات اليد والتصرّف إليه(٤) .

وهل يشترط زمان إمكان المضيّ إليه؟ أصحّ الوجهين للشافعيّة : نعم(٥) .

مسألة ٦٠ : إذا كان المبيع في موضع لا يختصّ بالبائع‌ ، كفى في المنقول النقلُ من حيّز إلى آخر. وإن كان في موضع يختصّ به ، فالنقل من زاوية إلى اُخرى بغير إذن البائع لا يكفي لجواز التصرّف ، ويكفي لدخوله في ضمانه. وإن نقل بإذنه ، حصل القبض ، وكأنّه استعار البقعة المنقول إليها.

ولو اشترى الدار مع الأمتعة فيها صفقة وخلّى بينهما ، حصل القبض في الدار. وفي الأمتعة إشكالٌ ، أصحّ وجهي الشافعي : عدم القبض بدون‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٥ ، المجموع ٩ : ٢٧٦ ، منهاج الطالبين : ١٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٥.

(٢ - ٥) المجموع ٩ : ٢٧٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٥.

١٠٤

نقلها ، كما لو بِيعت وحدها. والثاني : أنّ القبض يحصل فيها تبعاً(١) .

ولو أحضر البائع السلعة فقال المشتري : ضَعْه ، ففَعَل ، تمّ القبض - وبه قال الشافعي(٢) - لأنّه كالوكيل في الوضع.

ولو لم يقل المشتري شيئاً ، أو قال : لا اُريد ، حصل القبض ؛ لوجود التسليم ، كما إذا وضع الغاصب المغصوبَ بين يدي المالك ، يبرأ عن الضمان ، وهو أصحّ وجهي الشافعي. والضعيف : لا يحصل ، كما في الإيداع(٣) .

وللمشتري الاستقلال بنقل المبيع إن كان الثمن مؤجّلاً أو [ وفّاه ](٤) - كما أنّ للمرأة قبض الصداق من دون إذن الزوج إذا سلّمت نفسها - وإلّا فلا ، وعليه الردّ ؛ لأنّ البائع يستحقّ الحبس لاستيفاء الثمن ، ولا ينفذ تصرّفه فيه لكن يدخل في ضمانه.

وإذا كان المبيع معتبراً تقديره ، كما لو اشترى ثوباً مذارعة ، أو أرضاً كذلك ، أو متاعاً موازنة ، أو حنطة مكايلة ، أو معدوداً بالعدد ، لم يكف النقل والتحويل ، بل لا بُدّ من التقدير على إشكالٍ. وهذا كلّه كقول الشافعي(٥) .

فروع :

أ - لو قبض جزافاً ما اشتراه مكايلة ، دخل المقبوض في ضمانه. فإن باعه كلّه ، لم يصحّ ؛ لأنّه ربما يزيد على قدر ما يستحقّه.

ولو باع ما يستحقّه ، فالوجه عندي : الجواز - وهو أضعف وجهي‌

____________________

(١) المجموع ٩ : ٢٧٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٥.

(٢) المجموع ٩ : ٢٧٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٦.

(٣) المجموع ٩ : ٢٧٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٧.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك » وظاهر الطبعة الحجريّة : وزنه. وما أثبتناه يقتضيه السياق وكما هو مفاد المصادر للفقه الشافعي.

(٥) المجموع ٩ : ٢٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٧.

١٠٥

الشافعي(١) - لحصول القبض. وأصحّهما عنده : المنع ؛ لأنّه لم يجر قبض مستحقّ بالعقد(٢) . وهو ممنوع.

ب - لا اعتبار بالقبض الفاسد ، بل الصحيح ؛ لسقوط الأوّل عن نظر الشرع ، فلا يكون شرطاً في صحّة شرعيّ(١) .

والصحيحُ : أن يسلّم المبيع باختياره أو يوفّي المشتري الثمن ، فله القبض بغير اختيار البائع. والفاسدُ : أن يكون الثمن حالّاً وقبض المبيع بغير اختيار البائع من غير دفع الثمن ، فللبائع المطالبة بالردّ إلى يده ؛ لأنّ له حقّ الحبس إلى أن يستوفي.

ج - لو كان لزيد طعامٌ على عمرو سلماً ، ولخالد مثله على زيد ، فقال زيد : اذهب إلى عمرو واقبض لنفسك ما لي عليه ، فقبضه ، لم يصحّ لخالد ، عند أكثر علمائنا(٤) - وبه قال الشافعي وأحمد(٥) - لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن بيع الطعام بالطعام حتى يجري فيه الصاعان ، يعني صاع البائع وصاع المشتري(٦) ، وسيأتي ، بل ينبغي أن يكتال لنفسه ويقبضه ثمّ يكيله على مشتريه.

وهل يصحّ لزيْدٍ؟ الوجه : المنع - وبه قال الشافعي وأحمد في رواية(٧) - لأنّه لم يجعله نائباً في القبض ، فلم يقع له ، بخلاف الوكيل.

____________________

(١و٢) المجموع ٩ : ٢٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٧.

(٣) كذا في « ق ، ك » والطبعة الحجرية.

(٤) منهم : الشيخ الطوسي في المبسوط ٢ : ١٢٢ ، والقاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٣٨٧ - ٣٨٨.

(٥) المجموع ٩ : ٢٧٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٨.

(٦) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٥٠ ، ٢٢٢٨ ، سنن الدار قطني ٣ : ٨ ، ٢٤ ، سنن البيهقي ٥ : ٣١٦ ، ولم ترد فيها كلمة « بالطعام ».

(٧) المغني ٤ : ٢٤٠ ، وانظر : المجموع ٩ : ٢٧٩ ، وروضة الطالبين ٣ : ١٧٨ ، والعزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٨.

١٠٦

وفي رواية : يصحّ ، لأنّه أذن له في القبض ، فأشبه الوكيل(١) .

وليس بجيّد ؛ لأنّه قبضه لنفسه باطلاً ، فحينئذٍ يكون باقياً على ملك عمرو.

وكذا لو دفع إليه مالاً وقال : اشتر لي به طعاماً ، فإن قال : اقبضه لي ثمّ اقبضه لنفسك ، صحّ الشراء والقبض للموكّل.

وهل يصحّ لنفسه؟ مَنَعه الشيخ ؛ لاتّحاد المقبوض والقابض(٢) . وهو وجه للشافعي(٣) .

وفي آخر : الجواز ؛ لأنّ الباطل أن يقبض من نفسه لغيره(٤) .

ولو قال : اقبضه لنفسك ، منع الشافعيّة منه ، لأنّه لا يتمكّن من قبض مال الغير لنفسه ، فإنّ فعله فهو مضمون عليه(٥) .

وإن قال : اشتر لنفسك ، لم يصحّ الشراء ؛ لأنّه لا يصحّ أن يملك الإنسان بثمنٍ لغيره. ولا يتعيّن له بالقبض ، وبه قال الشافعي(٦) .

وقال أحمد : يصحّ الشراء ، كالفضولي(٧) .

وتكون الدراهم أمانةً في يده ؛ لأنّه لم يقبضها ليتملّكها.

فإن اشترى ، نُظر إن اشترى في الذمّة ، وقع عنه ، وأدّى الثمن من ماله. وإن اشترى بعينها ، للشافعيّة وجهان : الصحّة والبطلان(٨) .

ولو كان المالان أو المحال به قرضاً أو إتلافاً ، جاز عندنا ، خلافاً‌

____________________

(١) المغني ٤ : ٢٤٠.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٢١.

(٣ و ٤) المجموع ٩ : ٢٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٩ - ١٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٠.

(٥ و ٦) المجموع ٩ : ٢٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٠.

(٧) المغني ٤ : ٢٤١.

(٨) المجموع ٩ : ٢٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٠.

١٠٧

للشافعي(١) .

د - لو أبقى زيدٌ الطعامَ في المكيال لمـّا اكتاله لنفسه وسلّمه إلى مشتريه ، جاز ، وينزّل استدامته في المكيال منزلة ابتداء الكيل ، وهو أظهر وجهي الشافعي ، وبه قال أحمد(٢) .

ولو اكتاله زيد ثمّ كاله على مشتريه فوقع في المكيال زيادة أو نقصان بما يعتاد في المكيال ، فالزيادة لزيدٍ والنقصان عليه ، وإن كان كثيراً ، رُدّت الزيادة إلى الأوّل ورجع عليه بالنقصان.

ه- يجوز التوكيل في القبض من المشتري وفي الإقباض من البائع. وهل يجوز أن يتولّاهما الواحد؟ مَنَعه الشيخ(٣) - وبه قال الشافعي في وجهٍ(٤) - لأنّه لا يجوز أن يكون قابضاً مُقبضاً.

والوجه : الجواز - وبه قال أحمد والشافعي في وجهٍ(٥) - كما لو باع الأب من ولده الصغير.

وكذا يجوز أن يوكّل المشتري من يده يد البائع ، كعبده.

و - لو أذن لمستحقّ الطعام أن يكتال من الصبرة حقّه ، فالوجه عندي : الجواز‌ - وهو أضعف وجهي الشافعيّة(٦) - لأنّ القصد معرفة القدر.

وأصحّهما : المنع ؛ لأنّ الكيل أحد ركني القبض ، فلا يجوز أن يكون‌

____________________

(١) المجموع ٩ : ٢٧٣ - ٢٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠١ - ٣٠٢.

(٢) المجموع ٩ : ٢٧٩ - ٢٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٩ ، المغني ٤ : ٢٤١.

(٣) اُنظر : المبسوط - للطوسي - ٢ : ٣٨١.

(٤) المجموع ٩ : ٢٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٠.

(٥) المغني ٥ : ٢٣٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١١.

(٦) المجموع ٩ : ٢٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٠.

١٠٨

نائباً فيه عن البائع متأصّلاً لنفسه(١) .

ز - لو قال مَنْ عليه طعام من سَلَم وله مثله لمستحقّه : احضر اكتيالي وأقبضه لك ، ففَعَل ، فالوجه : الجواز.

ومَنَع منه الشافعي وأحمد ؛ للنهي(٢) (٣) .

وهل يكون قابضاً لنفسه؟ لأحمد وجهان :

أقواهما : نعم ؛ لأنّ قبض المسلم فيه قد وجد في مستحقّه ، فصحّ القبض له ، كما لو نوى القبض لنفسه ، فإذا قبضه غريمه ، صحّ. وإن قال : خُذْه بهذا الكيل فأخذه ، صحّ ؛ لأنّه قد شاهد كيله وعلمه ، فلا معنى لاعتبار كيله مرّة ثانية.

والمنع - وبه قال الشافعي - للنهي(٤) (٥) .

النظر الثاني : في وجوبه(١)

يجب على كلّ واحد من المتبايعين تسليم ما استحقّه الآخر بالبيع ، فإن قال كلٌّ منهما : لا أدفع حتى أقبض ، قال الشيخ : يُجبر البائع أوّلاً(٧) .

وأطلق ، وهو أحد أقوال الشافعي ، الأربعة ، وأحمد في رواية ؛ لأنّ تسليم‌

____________________

(١) المجموع ٩ : ٢٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٠.

(٢) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٥٠ / ٢٢٢٨ ، سنن الدار قطني ٣ : ٨ / ٢٤ ، سنن البيهقي ٥ : ٣١٦.

(٣) المجموع ٩ : ٢٧٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٨ ، المغني ٤ : ٢٤٠.

(٤) راجع المصادر في الهامش (٢).

(٥) المغني ٤ : ٢٤٠ - ٢٤١.

(٧) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٤٧ - ١٤٨.

١٠٩

المبيع يتعلّق به استقرار البيع وتمامه ، فإنّ ملك المشتري في المبيع إنّما يستقرّ بتسليمه إلى البائع ؛ لأنّه لو تلف قبل القبض ، بطل.

وثانيها - وبه قال أبو حنيفة ومالك - : أنّه يُجبر المشتري على تسليم الثمن أوّلاً ؛ لأنّ حقّه متعيّن في المبيع ، فيؤمر بدفع الثمن ليتعيّن حق البائع أيضاً.

وثالثها : لا يُجبران لكن يُمنعان من التخاصم ، فإن سلّم أحدهما ما عليه ، اُجبر الآخر.

ورابعها : أنّ الحاكم يُجبرهما معاً على التسليم(١) .

هذا إذا كان الثمن في الذمّة ، وإن كان معيّناً أو تبايعا عَرْضاً بعَرْض ، فقولان للشافعيّة خاصّة : عدم الإجبار لهما(٣) (٤) ، والإجبار لهما معاً ، وبه قال الثوري وأحمد(٤) .

والأخير عندي على التقديرين أجود ؛ لأنّ كلّ واحد منهما قد وجب له حقٌّ على صاحبه.

مسألة ٦١ : إذا ابتدأ البائع بالتسليم إمّا تبرّعاً أو بالإجبار على القول به ، اُجبر المشتري‌ على التسليم في الحال إن كان الثمن حاضراً في‌

____________________

(١) الوسيط ٣ : ١٥٦ ، الوجيز ١ : ١٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢ و ٣١٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨١ ، المغني ٤ : ٢٩٢ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٢.

(٢) كلمة « لهما » لم ترد في « ق ، ك ».

(٣) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة زيادة : وبه قال أحمد. وحذفناها لأجل السياق ، مضافاً إلى عدم وجود قول له بعدم الإجبار في المغني والشرح الكبير.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨١ - ١٨٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٢ - ٣١٣ ، المغني ٤ : ٢٩٢ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٢.

١١٠

المجلس ، وإن كان في البلد ، فكذلك.

وأظهر وجهي الشافعي : الحجر عليه في المبيع(١) عند بعض الشافعيّة(٢) ، ومطلقاً عند آخرين ؛ لئلّا يتصرّف في أملاكه بما يفوت حقّ البائع(٣) .

والأقرب : عدم الحجر ، وهو أضعفهما(٤) .

وإن كان غائباً قدر مسافة القصر ، قال الشافعي : لا يكلّف البائع الصبر إلى إحضاره ، بل في وجهٍ يباع المبيع ويوفى حقّه من ثمنه.

والأظهر عنده : أنّ له الفسخ ، كما لو أفلس المشتري(٥) .

وعند علمائنا : له الفسخ بعد ثلاثة أيّام مع انتفاء الإقباض ثمناً ومثمناً ، وسيأتي.

وإن قصر عنها ، فهل هو كالبلد أو مسافة القصر؟ للشافعي وجهان(٦) .

وإن كان معسراً ، فهو مفلس ، فإن حجر عليه الحاكم ، فالبائع أحقّ بمتاعه إن شاء فسخ وإن شاء ضرب مع الغرماء.

وقال الشافعي : إن كان معسراً ، فالبائع أحقّ بمتاعه في أحد الوجهين.

____________________

(١) في « ق ، ك » : « البيع » بدل ما أثبتناه ، والمثبت - كما في المصدر أيضاً - هو الصحيح.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٢.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٠٢ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٢ ، منهاج الطالبين : ١٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٣ ، المغني ٤ : ٢٩٢ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٢.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٢ ، منهاج الطالبين : ١٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٤ ، المغني ٤ : ٢٩٢ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٣.

(٦) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٤ ، المغني ٤ : ٢٩٢ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٣.

١١١

وفي الآخر : يباع ويوفى حقّ البائع من ثمنه(١) ، فإن فضل ، فللمشتري(٢) .

فروع :

أ - كلّ موضع قلنا : له الفسخ ، فله ذلك بغير حكم حاكم‌ - وبه قال أحمد(٣) - لأنّه فسخ المبيع(٤) للإعسار بثمنه ، فملكه البائع ، كالفسخ في عين ماله إذا أفلس. وكلّ موضع قلنا : يحجر عليه ، فذلك إلى الحاكم ؛ لأنّ ولاية الحجر إليه.

ب - إنّما يثبت للبائع حقّ الحبس إذا كان الثمن حالّاً ، وليس له الحبس إلى أن يستوفي الثمن المؤجّل. وكذلك ليس له الحبس إذا لم يتّفق التسليم إلى أن حلّ الأجل ، وبه قال الشافعي(٥) .

ج - لو ابتدأ المشتري بالتسليم إمّا تبرّعاً أو إجباراً على تقدير وجوبه ، فالحكم في البائع كالحكم في المشتري في المسألة.

د - لو هرب المشتري قبل وزن الثمن وهو معسر مع عدم الإقباض ، احتمل أن يملك البائع الفسخ في الحال ؛ لتعذّر استيفاء الثمن. والصبر ثلاثة أيّام ؛ للرواية(٦) . والأوّل أقوى ؛ لورودها في الباذل.

____________________

(١) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : ثمنها. وتأنيث الضمير باعتبار السلعة. وما أثبتناه لأجل السياق.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٤ ، المغني ٤ : ٢٩٢ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٣.

(٣) المغني ٤ : ٢٩٣ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٣.

(٤) كذا ، والظاهر : البيع.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٣.

(٦) الكافي ٥ : ١٧١ / ١١ ، الفقيه ٣ : ١٢٧ / ٥٥٤ ، التهذيب ٧ : ٢١ / ٨٨.

١١٢

وإن كان موسراً ، أثبت البائع ذلك عند الحاكم ، ثمّ إن وجد الحاكم له مالاً ، قضاه ، وإلّا باع المبيع وقضى منه ، والفاضل للمشتري ، والمعوز عليه.

مسألة ٦٢ : ليس للبائع الامتناع من تسليم المبيع بعد قبض الثمن لأجل الاستبراء‌ ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد(١) .

وحُكي عن مالك ذلك في القبيحة ، أمّا الجميلة فتوضع على يدي عَدْلٍ حتى تستبرأ ؛ لأنّ التهمة تلحقه فيها فمنع منها(٢) .

وليس بجيّد ؛ فإنّه مبيع لا خيار فيه ، قبض ثمنه فوجب دفعه إليه كغيره. والتهمة لا تمنعه من التسلّط ، كالقبيحة.

ولو طالب المشتري البائعَ بكفيلٍ لئلّا تظهر حاملاً ، لم يكن له ذلك ؛ لأنّه ترك التحفّظ لنفسه حال العقد.

النظر الثالث : في حكمه.

وله حكمان : انتقال الضمان إلى المشتري ، وتسويغ التصرّفات. فهنا مطلبان :

الأوّل : الضمان. ولا خلاف عندنا في أنّ الضمان على البائع قبل القبض مطلقاً ، فلو تلف حينئذٍ ، انفسخ العقد ، وسقط الثمن - وبه قال الشافعي وأحمد في روايةٍ(٣) ، وهو محكي عن الشعبي وربيعة(٤) - لأنّه‌

____________________

(١) المغني ٤ : ٢٩٣ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٣ - ١٢٤.

(٢) المغني ٤ : ٢٩٣ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٤.

(٣) الوسيط ٣ : ١٤٣ ، الوجيز ١ : ١٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٦ - ٢٨٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٩ ، منهاج الطالبين : ١٠٢ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٩ ، المغني ٤ : ٢٣٧ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٨.

(٤) لم نعثر على قولهما فيما بين أيدينا من المصادر.

١١٣

قبض مستحقّ بالعقد ، فإذا تعذّر ، انفسخ البيع ، كما لو تفرّقا قبل القبض في الصرف.

وقال أبو حنيفة : كلّ مبيعٍ تلف قبل قبضه فهو من ضمان البائع إلّا العقار(١) .

وقال مالك : إذا هلك المبيع قبل القبض ، لا يبطل البيع ، ويكون من ضمان المشتري ، إلّا أن يطالبه به فلا يسلّمه ، فيجب عليه قيمته للمشتري - وبه قال أحمد وإسحاق - لقوله ٧ : « الخراج بالضمان »(٢) ونماؤه للمشتري ، فضمانه عليه. ولأنّه من ضمانه بعد القبض فكذا قبله ، كالميراث(٣) .

ولا حجّة في الخبر ، لأنّه لم يقل : « الضمان بالخراج » والخراج : الغلّة ، والميراث لا يراعى فيه القبض وهنا يراعى ، فإنّه يراعى في الدراهم والدنانير ، بخلاف الميراث فيهما ، وهذا مذهب مالك ، وهو اختيار أحمد(٤) .

ونقل عنهما معا أنّ المبيع إذا لم يكن مكيلا ولا موزونا ولا معدودا ، فهو من ضمان المشتري ، ومنهم من أطلق(٥) ، كما تقدّم.

تذنيب : لو أبرأ المشتري البائع عن ضمان المبيع ، لم يبرأ ، وحكم العقد لا يتغيّر‌ - وبه قال الشافعي(٦) - فلو تلف المبيع قبل القبض ، انفسخ‌

____________________

(١) المغني ٤ : ٢٣٧ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٨.

(٢) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٥٤ ، ٢٢٤٣ ، سنن أبي داود ٣ : ٢٨٤ ، ٣٥٠٨ - ٣٥١٠ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٢١ و ٣٢٢ ، مسند أحمد ٧ : ٧٤ ، ٢٣٧٠٤.

(٣) الوسيط ٣ : ١٤٣ ، المحلّى ٨ : ٣٧٩ ، المغني ٤ : ٢٣٧ و ٢٣٨ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٧ و ١٢٩.

(٤) انظر : المغني ٤ : ١٩٢ ، والشرح الكبير ٤ : ١٧٩ ، والعزيز شرح الوجيز ٤ : ٧٦.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٧.

(٦) منهاج الطالبين : ١٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٧.

١١٤

العقد ، وسقط الثمن عن المشتري إن لم يكن دفعه ، وإن كان قد دفعه ، استعاده.

وللشافعي قول آخر : إنّه لا ينفسخ العقد ، ولا يسقط الثمن عن المشتري(١) .

مسألة ٦٣ : إذا انفسخ العقد ، كان المبيع تالفاً على ملك البائع‌ ، فلو كان عبداً ، كان مؤونة تجهيزه عليه ، وبه قال الشافعي(٢) .

وهل يقدّر أنّه ينتقل الملك إليه قُبَيْل التلف ، أو يبطل العقد من أصله؟ فيه احتمال. وأصحّ وجهي الشافعيّة : الأوّل(٣) ، فالزوائد الحادثة في يد البائع - كالولد والثمرة والكسب(٤) - للمشتري ، وللبائع على الثاني.

مسألة ٦٤ : إذا تلف المبيع قبل القبض ، فإن تلف بآفة سماويّة ، فهو من مال البائع‌ على ما تقدّم.

فإن أتلفه المشتري ، فهو قبضّ منه ؛ لأنّه أتلف ملكه ، فكان كالمغصوب إذا أتلفه المالك في يد الغاصب ، يبرأ من الضمان ، وبه قال الشافعي(٥) .

وله وجه : أنّه ليس بقبض ولكن عليه القيمة للبائع ، ويستردّ الثمن ، ويكون التلف من ضمان البائع(٦) .

وإن أتلفه البائع ، قال الشيخ : ينفسخ البيع ، وحكمه حكم ما لو تلف‌

____________________

(١ و ٢) روضة الطالبين ٣ : ١٦٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٧.

(٣) روضة الطالبين ٣ : ١٦٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٨.

(٤) أي : كسب العبد المبيع مثلاً.

(٥) الوسيط ٣ : ١٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦١.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦١.

١١٥

بأمرٍ سماويّ ؛ لامتناع التسليم(١) . وهو أصحّ وجهي الشافعي - وبه قال أبو حنيفة - لأنّ المبيع مضمون عليه بالثمن ، فإذا أتلفه ، سقط الثمن(٢) .

والآخر له - وبه قال أحمد - : لا ينفسخ البيع ، ويكون كالأجنبي يضمنه بالمثل في المثلي ، وبالقيمة في غيره ، لانتقال الملك عنه إلى المشتري وقد جنى على ملك غيره ، فأشبه إتلاف الأجنبي(٣) .

وإن أتلفه أجنبيّ ، قال الشيخ : لا يبطل البيع ، بل يتخيّر المشتري بين الفسخ فيسترجع الثمن من البائع ؛ لأنّ التلف حصل في يد البائع ، وبين الإمضاء فيرجع على الأجنبي بالقيمة إن لم يكن مثليّاً ، ويكون القبض في القيمة قائم مقام القبض في المبيع ؛ لأنّها بدله(٤) . وبه قال أبو حنيفة وأحمد والشافعي في أحد القولين(٥) .

وهل للبائع حبس القيمة لأخذ الثمن؟ يحتمل ذلك ، كما يحبس المرتهن قيمة الرهن. والعدم ، لأنّ الحبس غير مقصود بالعقد حتى ينتقل إلى البدل ، بخلاف الرهن.

وللشافعي(٦) كالوجهين.

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١١٧.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٩.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٩ ، المغني ٤ : ٢٣٧ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٦.

(٤) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١١٧.

(٥) المغني ٤ : ٢٣٦ - ٢٣٧ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٥ - ١٢٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦١ - ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٨ - ٢٨٩ ، حلية العلماء ٤ : ٣٤٣.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٢.

١١٦

فروع :

أ - لو استغلّ البائعُ المبيعَ قبل القبض ثمّ تلف ، فلا اُجرة عليه‌ إن جعلنا إتلافه كالسماويّة ، وإلّا فعليه الاُجرة.

وللشافعي(١) كالوجهين.

ب - لو أكلت الشاة ثمنها المعيّن قبل القبض ، فإن كانت في يد المشتري ، فهو كما لو أتلفه. وإن كانت في يد البائع ، فهو كإتلافه. وكذا إن كانت في يد أجنبيّ ، فكإتلافه. وإن لم تكن في يد أحدٍ ، انفسخ البيع ؛ لأنّه هلك(٢) قبل القبض بأمرٍ لا ينسب إلى آدميّ ، فصار كالسماويّة.

ج - إتلاف الثمن المعيّن كالمثمن في الأحكام المذكورة هناك ، أمّا غير المعيّن فلا يبطل البيع بإتلافه. وكذا الثمن المضمون.

د - لو باع عيناً باُخرى وقبض إحداهما فباعها أو أعتقها أو استحقّت بالشفعة ثمّ تلفت الأخرى قبله ، بطل العقد الأوّل دون الثاني ، ويرجع مشتري التالفة بقيمة عينه ؛ لتعذّر ردّه ، وعلى الشفيع مثل الثمن ؛ لأنّه عوض الشقص. ولو تلفت العين الاُخرى قبل قبض المشتري الثاني ، بطل البيعان.

مسألة ٦٥ : لو تلف بعض المبيع قبل القبض بآفة سماويّة ، فإن كان للتالف قسطٌ من الثمن‌ ، كعبدٍ من عبدَيْن مات(٣) ، بطل العقد فيه عند كلّ مَن يُبطل البيعَ بالإتلاف.

وفي الآخر خلاف.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٢.

(٢) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : لأنّ المبيع هلك والصحيح ما أثبتناه ؛ لأنّ الفرض أنّ الهالك هو الثمن لا المبيع.

(٣) في « ك » زيادة : أحدهما.

١١٧

أمّا عندنا فلا يبطل ، بل يتخيّر المشتري في الفسخ ؛ لتبعّض الصفقة عليه ، والإمضاء.

وللشافعيّة قولان :

أحدهما : الفسخ بناءً على الإبطال بتفريق الصفقة.

والآخر : الصحّة على ذلك التقدير فرقاً بين الفساد المقترن بالعقد ، والطارئ(١) .

وإن لم يكن للتالف قسطٌ من الثمن ، كما لو سقطت يد العبد ، لعلمائنا قولان :

أحدهما : تخيير المشتري بين الفسخ والإمضاء مجّاناً مع القدرة على الفسخ ؛ لأنّه ارتضاه معيباً ، فكأنّه اشتراه معيباً عالماً بعيبه ، وبه قال الشافعي وأحمد(٢) .

والثاني : أنّ للمشتري مع اختيار الإمضاء الأرشَ ؛ لأنّه عوض الجزء الفائت قبل قبضه ، وكما لو تلف الجميع كان مضموناً على البائع فكذا البعض إمّا الجزء أو الوصف. وهو أقواهما عندي.

ولو تعيّب بفعل المشتري ، كما لو قطع يد العبد قبل قبضه ، فلا خيار له ؛ لأنّه أتلف ملكه ، فلا يرجع به على غيره ، ويجعل قابضاً لبعض المبيع حتى يستقرّ عليه ضمانه.

وإن مات العبد في يد البائع بعد الاندمال ، فلا يضمن اليد المقطوعة بأرشها المقدّر ولا بما نقص القطع من القيمة ، وإنّما يضمنها بجزء من‌

____________________

(١) الوسيط ٣ : ٩٢ ، الوجيز ١ : ١٤٠ و ١٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤١ و ٢٩٣ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٦.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٢ ، المغني ٤ : ٢٣٧ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٦.

١١٨

الثمن كما يضمن الكلّ بكلّ الثمن ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

وأصحّ وجهي الشافعيّة في كيفيّته - وبه قال ابن سُريج - : أنّه يقوّم صحيحاً ومقطوعاً ويؤخذ من الثمن بمثل نسبة التفاوت(١) ، فلو كان صحيحاً بعشرين ومقطوعاً بخمسة عشر ، فعليه ربع الثمن.

وأضعفهما : أنّه يستقرّ من الثمن بنسبة أرش اليد من القيمة ، وهو النصف ، فلو قطع يديه وانْدملتا ثمّ مات العبد في يد البائع ، وجب على المشتري تمام الثمن(٢) .

والثاني : أنّ إتلافه ليس بقبض ، فلا يكون قابضاً بشي‌ء من العبد ، ويضمن بأرشها المقدّر ، وهو نصف القيمة ، كالأجنبي(٣) .

ولو تعيّب بفعل أجنبيّ ، تخيّر المشتري بين الفسخ ، ويتبع البائع الجاني ، والإمضاء بجميع الثمن ، ويغرم الجاني.

قال بعض الشافعيّة : إنّما يغرم إذا قبض العبد لا قبله ؛ لجواز انفساخ البيع بموت العبد في يد البائع(٤) .

ثمّ الغرامة الواجبة على الأجنبي نصف القيمة أو ما نقص من القيمة بالقطع؟ قولان للشافعيّة ، أصحّهما : الأوّل(٥) .

ولو تعيّب بفعل البائع ، احتمل جَعْل جنايته كالأجنبي ، فيتخيّر المشتري بين الفسخ والرجوع عليه بالأرش. وكالسماويّة - وهو الأشهر من وجهي الشافعيّة(٦) - فيتخيّر بين الفسخ والإمضاء مجّاناً.

____________________

(١) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : بمثل تلك نسبة التفاوت. والصحيح ما أثبتناه.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٤ - ١٦٥.

(٤) القائل هو الماوردي في الحاوي الكبير ٥ : ٢٢٥ ، وكما في العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٢ ، وروضة الطالبين ٣ : ١٦٥.

(٥ و ٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٢ - ٢٩٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٥.

١١٩

فروع :

أ - احتراق سقف الدار أو تلف بعض الأبنية كتلف عبدٍ من عبدين ؛ لأنّه يمكن إفراده بالبيع بتقدير الاتّصال والانفصال ، بخلاف يد العبد ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة. والآخر : أنّه كسقوط يد العبد(١) .

ب - النقص ينقسم إلى فوات صفة ، وهو العيب ، وإلى فوات جزء ، وينقسم إلى ما لا ينفرد بالقيمة والماليّة ، كيد العبد ، وهو في معنى الوصف ، وإلى ما ينفرد ، كأحد العبدين.

ج - المبيع بصفة أو رؤية متقدّمة من ضمان البائع حتى يقبضه المبتاع‌ - وبه قال أصحاب أحمد(٢) - وإن لم يكن مكيلاً أو موزوناً ؛ لتعلّق حقّ التوفية به ، فجرى مجرى الكيل.

وقال أحمد : لو اشترى من رجل عبداً بعينه فمات في يد البائع ، فهو من مال المشتري ، إلّا أن يطلبه فيمنعه البائع. ولو حبسه عليه ببقيّة الثمن ، فهو غاصب ، ولا يكون رهناً إلّا أن يكون قد اشترط في نفس البيع الرهن(٣) .

المطلب الثاني : في التصرّفات.

مسألة ٦٦ : لعلمائنا في بيع ما لم يقبض أقوال أربعة :

الجواز على كراهيّة مطلقاً‌ - وبه قال البتّي(٤) خاصّة - للأصل الدالّ‌

____________________

(١) الوجيز ١ : ١٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٦.

(٢) المغني ٤ : ٢٣٨ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٥.

(٣) المغني ٤ : ٢٣٨.

(٤) المغني ٤ : ٢٣٩ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٥ ، وانظر : بداية المجتهد ٢ : ١٤٤.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458