تذكرة الفقهاء الجزء ١٠

تذكرة الفقهاء13%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-197-4
الصفحات: 458

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 458 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 189261 / تحميل: 5796
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٠

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-١٩٧-٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

فعلمنا من كلام الائمة عليهم رضوان الله معنى التمسك بهم بما لا ريبة فيه الا لمن ارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون.

ومع هذا كله قلنا: وهل يدخل في أهل بيته نساؤه أو يتمحض ذلك بالصدق على ولدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ففتشنا عن ذلك فوجدنا في صحيح مسلم برواية يزيد بن حيان عن زيد بن أرقمرضي‌الله‌عنه فقلنا: من أهل بيته نساؤه؟ قال: لا وايم الله ان المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع الى أبيها وقومها، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده.

وهذه الرواية عن زيد بن أرقمرضي‌الله‌عنه تفسير رواية أخرى عنه في مسلم أيضا، فقيل لزيد: من أهل بيته، أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: بلى ان نساءه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم عليهم الصدقة بعده - الحديث.

وتبين أن معنى قوله: « بلى ان نساءه من أهل بيته » ان نساءه من أهل بيت سكناه الذين امتازوا بكرامات وخصوصيات كثيرة، لا من اهل بيت نسبه وانما اولئك من حرمت عليهم الصدقة، صرح بذلك الابي في شرح مسلم جمعاً بين الروايات، بل تصحيحاً للاستدراك في الرواية الواحدة بقوله: « ولكن أهل بيته » إلخ.

وهذا التحقيق في تفسير أهل البيت بالحديث الصحيح يعين المراد منهم في آية التطهير، مع نصوص كثيرة من الاحاديث الصحاح المنادية على أن المراد منهم الخمسة الطاهرة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين. ولنا وريقات في تحقيق ذلك مجلد في دفترنا يجب على طالب الحق الرجوع اليه.

ولما وجدنا هذا في صحيح مسلم علمنا أنهم أبناؤهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فاذا انضم الى ذلك ما ورد من الاخبار في الائمة الاثني عشر مما بسطنا أكثرها في المقامات الاربعة من كتابنا المسمى بـ « مواهب سيد البشر في حديث الائمة الاثني عشر » بالترتيب بسطناها.

٦١

وما اجتمع عليه السلف والخلف من غزارة علوم هذا العدد المبارك وخرقهم العوائد، وما اختصوا به من المزايا الباهرة من بين سائر الرجال الابطال من هذه الفئة الفائقة على معاصريها في كل عصر، تيقن بأنهم الاولى بصدق احاديث التمسك عليهم من غيرهم، وان كانت فيها الاشارة الى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به الى القيامة، كما أن الكتاب العزيز - وهو الثقل الاخر القرين بهم - كذلك قاله ابن حجر. وقال: و لهذا كانوا أماناً لاهل الارض كما جاء به الحديث، ويشهد لذلك قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : في كل خلف من امتي عدول من أهل بيتي. وقال: ثم أحق من يتمسك به منهم امامهم وعالمهم علي بن ابى طالب رضي الله تعالى عنه، ومن ثم قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه: علي عترة رسول الله أي الذي حث على التمسك بهم، فخصه لما قلناه - انتهى كلامه.

ثم لما فرغنا من تخريج الحديث وما دل عليه، وما تعين فيه ممن هو المراد من أهل البيت، نظرنا في تعدد طرقه فوجدنا له طرقاً كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابياً، وفحصنا أيضاً عن أنه أين ورد، فوجدنا في بعض طرقه قال ذلك بحجة الوداع وبعرفة، وفي آخر أنه قال بغدير خم، وفي آخر أنه قال بالمدينة في مرضهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد امتلأت الحجرة بأصحابه، وفي آخر أنه قال لما قام خطيباً بعد انصرافه من الطائف. فعلمنا أن لهذا الحديث شأناً عظيماً، فانه لم يذكر وروده أحد من الرواة الّا في مشهد معتنى به غاية الاعتناء.

ولكنا طلبنا لهذه الروايات المتضادة في الورد جمعاً، فوجدنا قد سبق اهل الخبر بالهام الجمع فقال: ولا تنافى في ذلك، اذ لا مانع من أنه كرر عليهم ذلك في تلك المواطن كلها، اهتماماً بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة، و في رواية عند الطبراني عن ابن عمررضي‌الله‌عنه ان آخر ما تكلّم به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اخلفوني في أهل بيتي » انتهى. فازداد بعد الجمع شأناً على شأن لترداده في هذه المشاهد بأجمعها - كما لا يخفى على من له

٦٢

حس.

واذ قد ثبت صحة هذا الحديث وما مرّ عليك ممّا ينوط به لفظاً ومعنى ودلالة، وانضمت اليه آية التطهير بتفسيرها التي يدل عليها الاحاديث الصحيحة فلا وجه لان يمتري من له أدنى انصاف في أن من صدق عليهم هذا الحديث والآية من غير شائبة، وهم الائمة الاثنا عشر من أهل البيت وسيدة نساء العالمين بضعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم الائمة الزهراء الطاهرة، على أبيها وعليها الصلاة والسلام، لا شائبة في كونهم معصومين، كالمهدي منهمعليه‌السلام بما يخصه من حديث قفاء الاثر وعدم الخطأ على ما تمسك به الشيخ الأكبررضي‌الله‌عنه »(١)

٢ - تحريف زيد بن أرقم الحديث

وبعد الاطلاع على هذا الكلام المتين، لا بد من التنبيه على أن ما جاء في صحيح مسلم من لفظ حديث الثقلين الذي اغتر به ابن تيمية، انما كان تصرفاً وتحريفاً من زيد بن أرقم عند القاء الحديث الى يزيد بن حيان والحصين بن سبرة وعمرو بن مسلم، وهذا غير مستبعد من مثل زيد بن أرقم الذي كتم حديث: « من كنت مولاه » عند ما استشهد به أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام، كما أسلفنا ذلك في مجلد حديث الغدير، حتى ابتلاه الله بما دعا (ع) عليه به في دار الدنيا، والاخرة أدهى وأمر. بل عدم وجود « من كنت مولاه » في حديث الثقلين برواية مسلم - رغم كون سياقه شارحاً لقضية الغدير - يؤيد ذلك، مع ان تفسيره لفظ « اهل البيت » في هذا الحديث بـ « كل من حرم عليه الصدقة » انما هو تفسير من عنده، ولذلك قال الحافظ الكنجي الشافعي بعد حديث زيد ابن أرقم ما نصه:

« قلت: ان تفسير زيد « أهل البيت » غير مرضى، لانه قال:

__________________

(١). دراسات اللبيب في الاسوة الحسنة بالحبيب ٢٣١ - ٢٢٧.

٦٣

أهل البيت من حرم الصدقة. وهم لا ينحصرون في المذكورين، فان بني المطلب يشاركونهم في الحرمان، ولان آل الرجل غيره على الصحيح، فعلى قول زيد يخرج امير المؤمنينرضي‌الله‌عنه عن أن يكون من أهل البيت، بل الصحيح أن أهل البيت علي وفاطمة والحسنان رضي الله عنهم، كما رواه مسلم بأسناده عن عائشة ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج ذات غدوة وعليه مرط مرحل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين بن علي فأدخله، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيراً.

وهذا دليل على أن أهل البيت هم الذين ناداهم الله تعالى بقوله: « أهل البيت » وأدخلهم الرسول في المرط.

وأيضاً روى مسلم بأسناده أنه لمـّا نزلت آية المباهلة دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً وقال: « اللهم هؤلاء أهل بيتي »(١) .

هذا الى غيره من شواهد تحريفه في هذه الرواية، كما لا يخفى على الناظر البصير.

ومع ذلك فان الحق لا بدّ أن يعلو ويظهر، ولذلك فان زيداً نفسه قد روى حديث الثقلين عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفيه الامر بالتمسك بأهل بيتهعليهم‌السلام واتباعهم، والنهي عن التقدم عليهم والتخلف عنهم، كما لا يخفى على ناظر ( صحيح الترمذي ) و ( كتاب المصاحف ) لابن الانباري و ( المعجم الكبير ) للطبراني و ( المستدرك ) للحاكم و ( المناقب ) لابن المغازلي وغيرها.

٣ - الحديث عن جابر عند مسلم محرف

وأما تمسكه بحديث جابر الذي جاء في ( صحيح مسلم ) مدعياً بأن

__________________

(١). كفاية الطالب ٥٤.

٦٤

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يأمر الّا بالتمسك بالكتاب، فهو أيضاً باطل واضح.

لان حديث جابر - وان جاء في مسلم محرفاً كما ذكر - جاء في رواية الترمذي، وفيه الامر الصريح بالتمسك بأهل البيتعليهم‌السلام . وهذا نصه:

« حدثنا نصر بن عبد الرحمن الكوفي، نا زيد بن الحسن، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله قال: رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب، فسمعته يقول: يا أيها الناس انّي تركت فيكم ما ان أخذتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي »(١) .

ولقد كان الاحرى به ألا يتطرق الى هذا الحديث بلفظه الذي جاء في مسلم فضلا عن الاحتجاج به، ولكن « إذا لم تستح فاصنع ما شئت ».

٤ - دعوى ضعف « وعترتي فانهما لن يفترقا »

وأما قوله: « وأما قوله وعترتي فانهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض فهذا رواه الترمذي، وقد سئل عنه أحمد، وضعفه غير واحد من أهل العلم وقالوا: انه لا يصح »، فيشتمل على غرائب وأباطيل:

الاول: يفيد كلامه أن أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باتباع عترته جاء في رواية الترمذي خاصة، ومفهومه أنه لم يروه غيره، وقد علمت سابقاً رواية جمهور علمائهم حديث الثقلين الامر بتمسك واتباع الكتاب وعترته.

الثاني: يفيد كلامه أن رواية قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فانهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض » خاصة بالترمذي، لكن قد علمت رواية أكثر علمائهم الكبار حديث الثقلين مشتملا على هذه العبارة، ومنهم: ركين الفزاري، وعبد الملك العزرمي، والاعمش، وابن اسحاق، واسرائيل بن يونس

__________________

(١). صحيح الترمذي ٢ / ٢١٩.

٦٥

السبيعي، وعبد الرحمن المسعودي، ومحمد بن طلحة اليامي، واليشكري، وشريك، والضبي جرير بن عبد الحميد، ومحمد بن الفضيل الضبي، وعبد الله ابن زهير الهمداني، وأبو أحمد الزبيري، وأبو عامر العقدي، وأسود بن عامر الشامي، ويحيى بن حماد الشيباني، وابن سعد، والمخرمي، وابن بقية الواسطي، وأحمد بن حنبل، وعبد بن حميد الكشي، وعباد بن يعقوب الاسدي، والجهضمي، والعنزي، والطريقي، والرقاشي، ومحمد بن أبي العوام الرياحي، والحكيم الترمذي، وعبد الله بن أحمد، والبزار، والقباني، والنسائي، وأبو يعلي، والطبري، والباغندي، والاسفراييني، والبغوي، وابن الانباري، وابن عقدة والجعابي، والطبراني، والقطيعي، والازهري، والذهبي، والحاكم والثعلبي، وأبو نعيم، وابن عساكر، والضياء المقدسي

الثالث: قوله « سئل عنه أحمد » لم نفهم معناه، وهل السؤال عن حديث يفيد القدح فيه؟ ألم يخرجه أحمد في مسنده كما تقدم؟ الم يخرجه في كتاب مناقب علي كما تقدم؟ ومن كان السائل؟ وما كان جواب أحمد عن هذا السؤال؟ وما المقتضى للاعراض عن إيراد جوابه؟

هذه أسئلة تتوجه الى كلامه.

وهنا نقول: ان جواب أحمد لا يخلو اما أنه كان تضعيفاً للحديث أو تصحيحاً له، وعلى كلا الحالين كان يجب عليه ذكر الجواب، لانه ان كان تضعيفاً فلم لم يذكره وهو يؤيد زعمه؟ وان كان تصحيحاً فلم أعرض عنه وأسقطه وهو خيانة؟

وعلي أي حال فان كلامه هذا عجيب جداً، ويكفي في الجواب عنه رواية الامام أحمد حديث الثقلين مصححاً اياه في ( المسند ) و ( المناقب ).

الرابع: وأما قوله « فضعفه غير واحد من أهل العلم وقالوا انه لا يصح » فكذب وزور، يأباه أقل الناس فضلا عن شيخ الإسلام!

وباختصار: انه لا يجد أحد - بعد الفحص والتتبع التام - أحداً ينكر هذا القسم من حديث الثقلين، وقد علمت سابقاً نسبة البخاري انكار أصل

٦٦

الحديث وتمامه الى أحمد، وكذلك طعن ابن الجوزي في الحديث من أصله الا أنه لم ينكر أحد منهم هذه الفقرة من الحديث، التي زعم ابن تيمية ان جماعة من أهل العلم قالوا انه لا يصح.

ولم لم يذكر ابن تيمية - رغم اطنابه في جميع المقامات وكثرة تكلمه في كل شيء - أهل العلم المضعفين لهذه الجملة من الحديث؟ وليته ذكر واحداً منهم - ان كان يطلب الاختصار ان هذا لعجيب.

ولقد علمت - والحمد لله - صحة هذا القسم من الحديث - ضمن حديث الثقلين - فيما تقدم من الكتاب، بل ثبت اجماعهم على صحته، بالاضافة الى تصريح جملة منهم بذلك، فراجع.

كلام آخر لابن تيمية

ومما هو جدير بالذكر هنا ان ابن تيمية قال في الجواب عن حديث الغدير بعد كلام له:

« ولما لم يذكر في حجة الوداع امامة علي ولا ما يتعلق بالامامة أصلا، ولم ينقل أحد لا بأسناد صحيح ولا ضعيف أنه في حجة الوداع ذكر امامة علي بل ولا ذكر علياً في شيء من خطبه، وهو المجمع العام الذي أمر فيه بالتبليغ العام، علم ان امامة علي لم تكن من الدين الذي أمر بتبليغه، بل ولا حديث الموالاة وحديث الثقلين ونحو ذلك مما يذكر في امامته، والذي رواه مسلم ( في صحيحه ) انه بغدير خم قال: اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله. فذكر كتاب الله وحض عليه ثم قال: وعترتي أهل بيتي. اذكركم الله في أهل بيتي - ثلاثاً - وهذا مما انفرد به مسلم ولم يروه البخاري، وقد رواه الترمذي وزاد فيه: وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.

وقد طعن غير واحد من الحفاظ في هذه الزيادة، وقالوا انها ليست من الحديث، والذين اعتقدوا صحتها قالوا انما تدل على ان مجموع العترة الذين هم بنو هاشم كلهم لا يتفقون على ضلالة، وهذا قد قاله طائفة من أهل

٦٧

السنة، وهو من أجوبة القاضي أبي يعلى وغيره.

والحديث الذي في صحيح مسلم اذا كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد قاله فليس فيه الا الوصية باتباع كتاب الله، وهذا أمر قد تقدمت الوصية به في حجة الوداع قبل ذلك، وهو لم يأمر باتباع العترة ولكن قال: « أذكركم الله في أهل بيتي »، فتذكير الامة بهم يقتضي أن يذكروا ما تقدم الامر به قبل ذلك من اعطائهم حقوقهم والامتناع من ظلمهم، وهذا أمر تقدم بيانه قبل غدير خم فعلم انه لم يكن في امامته [ فعلم أنه لم يكن في غدير خم أمر بشرع نزل اذ ذاك، لا في حق علي ولا في حق غيره لا امامته ولا غيرها ] »(١) .

الرد عليه من وجوه

والجواب عنه بوجوه:

الاول : قوله « لم يذكر في حجة الوداع امامة عليّ ولا ما يتعلق بالامامة أصلا، ولم ينقل أحد بأسناد صحيح ولا ضعيف أنه في حجة الوداع ذكر امامة عليّ » مردود، اذ لا يخفى على المتتبع ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كرر حديث الثقلين - بغض النظر عن غيره من النصوص - في حجة الوداع مراراً، وهذا يثبت امامة عليّ أمير المؤمنينعليه‌السلام

الثاني : قوله « ولا ذكر علياً في شيء من خطبه وهو المجمع العام الذي أمر فيه بالتبليغ العام » يكذبه ذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اياه في خطبه في هذه الحجة ضمن أهل البيت.

هذا بالاضافة الى أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطب في حجة الوداع خطبة خاصة ذكر فيها علياً وأثبت عصمته وأفضليته بها.

قال ابن الاثير ما نصه: « وبعث علي بن أبي طالب الى نجران ليجمع صدقاتهم وجزيتهم ويعود، ففعل وعاد ولقي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمكة في

__________________

(١). منهاج السنة ٤ / ٨٥.

٦٨

حجة الوداع، واستخلف على الجيش الذين معه رجلا من أصحابه وسبقهم الى النبي فلقيه بمكة، فعمد الرجل الى الجيش فكساهم كل رجل حلة من البز الذي مع علي، فلما دنا الجيش خرج علي ليتلقاهم فرأى عليهم الحلل فنزعها عنهم، فشكاه الجيش الى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقام النبي خطيباً فقال: أيها الناس لا تشكوا علياً فهو لا خشن في ذات الله وفي سبيل الله »(١) .

ورواه أيضاً ابن هشام(٢) .

وأبو جرير الطبري(٣) .

الثالث : قوله « ان امامة علي لم تكن من الدين الذي أمر بتبليغه بل ولا حديث الموالاة وحديث الثقلين ونحو ذلك مما يذكر في امامته » مردود بما يأتي:

أولا - دعوى عدم ذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم امامة امير المؤمنينعليه‌السلام في حجة الوداع باطلة كما مر.

ثانياً - دعوى عدم ذكرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا في شيء من خطبه فيها باطلة أيضا كما مر.

ثالثاً - دعوى كونهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مأمورا بالتبليغ العام - بمعنى أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم امر بتبليغ كافة الاوامر الشرعية في حجة الوداع - ممنوعة، وذلك لعدم اشتمال خطبته على جميع الاحكام النازلة من اول بعثته الى حين حجته كما لا يخفى ذلك على من راجعها. سلمنا لكن لا دليل على ان ما بلغهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد ذلك بأمر الله لم يكن من الدين في شيء، اذ لا يتفوه بهذا الكلام ذو مسكة وشعور، لكن ابن تيمية لا يهمه إخراج حديث الغدير وحديث الثقلين من الدين المأمور بالتبليغ به، بل من الدين الاسلامي

__________________

(١). الكامل ٢ / ١٢٦.

(٢). السيرة النبوية ٢ / ٦٠٢ - ٦٠٣.

(٣). تاريخ الطبري ٢ / ٤٠١ - ٤٠٢.

٦٩

مطلقاً، وذلك لفرط بغضه وعداوته لاهل البيت وسيدهم امير المؤمنينعليه‌السلام .

رابعاً - دعوى عدم ذكر حديث الغدير في حجة الوداع من الاكاذيب الواضحة، يدل على ذلك مراجعة روايات ائمة مذهبه، وقد فصلنا ذلك في مجلد حديث الغدير.

خامساً - دعوى عدم ذكر حديث الثقلين في حجة الوداع جهل أو تجاهل، لما قد علمت سابقاً ان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ذلك يوم عرفة من حجة الوداع، وكذا يوم غدير خم ضمن خطبته، وبرغم أنك سمعت ايرادهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له يوم عرفة نقلا عن ( صحيح ) الترمذي فان من المناسب نقل خطبته تلك بكاملها.

خطبة الغدير في العقد الفريد

قال ابن عبد ربه: « خطبة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع:

« ان الحمد لله، نحمده ونستغفره ونتوب اليه، ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، واشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله. أوصيكم عباد الله بتقوى الله، وأحثكم على طاعة الله، واستفتح بالذي هو خير.

أما بعد، يا أيها الناس! اسمعوا مني أبين لكم، فاني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقعى هذا.

أيها الناس! ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام الى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا. ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد، فمن كان عنده امانة فليؤدها الى الذي ائتمنه عليها. وان ربى الجاهلية موضوع، وان أول ربى أبدأ به ربى عمي العباس بن عبد المطلب. وان دماء الجاهلية موضوعة، وان أول دم أبدا به دم عامر بن ربيعة بن الحرث بن

٧٠

عبد المطلب. وان مآثر الجاهلية موضوعة، غير السدانة والسقاية، والعمد قود، وشبه العمد قود، ما قتل بالعصا والحجر ففيه مائة بعير، فمن زاد فهو من أهل الجاهلية.

أيها الناس! ان الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه، ولكنه رضى أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم.

أيها الناس! انما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاماً ليواطئوا عدة ما حرم الله، وانما الزمان قد استدار كهيئته في خلق الله السماوات والارض، وان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والارض، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات وواحد فرد ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب الذي بين جمادى وشعبان، الاهل بلغت؟ اللهم اشهد.

أيها الناس! ان لنسائكم عليكم حقاً وان لكم عليهن حقاً، لكم عليهن الا يوطئن فرشكم غيركم، ولا يدخلن أحداً تكرهونه بيوتكم الا باذنكم، ولا يأتين بفاحشة، فان فعلن فان الله قد أذن لكم أن تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضرباً غير مبرح، فان انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف. وان النساء عندكم عوار لا يملكن لأنفسهن شيئاً، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيراً.

أيها الناس! انما المؤمنون أخوة، فلا يحل لامرئ مال أخيه الا عن طيب نفسه. ألا هل بلغت؟ اللهم اشهد. فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم أعناق بعض، فاني قد تركت فيكم ما ان أخذتم به لن تضلوا، كتاب الله وأهل بيتي. الاهل بلغت؟ اللهم اشهد.

أيها الناس! ان ربكم واحد، وان أباكم واحد، كلكم لادم وآدم من تراب، أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي على عجمي فضل الا بالتقوى. الاهل بلغت؟ قالوا: نعم. قال: فليبلغ الشاهد منكم الغائب.

٧١

أيها الناس؟ ان الله قسم لكل وارث نصيبه من الميراث، ولا يجوز لوارث وصية في أكثر من الثلث، والولد للفراش وللعاهر الحجر، من دعا الى غير أبيه أو تولى الى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته »(١) .

هذا بالاضافة الى ظهور ذلك من روايات عديدة، فقد قال السمهودي بعد ذكر طرق حديث الثقلين: « وأخرجه الحافظ ابو محمد عبد العزيز بن الاخضر في ( معالم العترة النبوية ) وفيه ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ذلك في حجة الوداع ».(٢)

وقال الحافظ الزرندي بعد أن روى الحديث: « روى زيد بن أرقمرضي‌الله‌عنه قال: أقبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم حجة الوداع »(٣) .

ولقد أورد السمهودي في ( جواهر العقدين ) والشيخاني القادري في [ الصراط السوى ] رواية الزرندي المشار إليها.

وذكر الائمة الاعلام من محققي أهل السنة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ذلك في حجة الوداع، وبذلك تنطق الروايات الماضية. فقد قال السمهودي(٤) في التنبيهات التي ذكرها بعد سياق حديث الثقلين: « خامسها - قد تضمنت الاحاديث المتقدمة الحث البليغ على التمسك بأهل البيت النبوي وحفظهم واحترامهم والوصية بهم، لقيامهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك خطيباً يوم غدير خم كما في اكثر الروايات المتقدمة، مع ذكره لذلك في خطبته يوم عرفة على ناقته كما في رواية الترمذي عن جابر، وفي خطبته لما قام خطيباً بعد انصرافه من حصار الطائف كما في رواية عبد الرحمن بن عوفرضي‌الله‌عنه ، وفي مرضه الذي قبض فيه وقد امتلأت الحجرة من أصحابه كما

__________________

(١). العقد الفريد ٢ / ١١٠ - ١١١.

(٢). جواهر العقدين - مخطوط.

(٣). نظم درر السمطين ٢٢٣.

(٤). جواهر العقدين - مخطوط.

٧٢

سبق في رواية أم سلمة ».

وقال ابن حجر في ( الصواعق ) بعد نقل حديث الثقلين والتمسك بهما بطرق كثيرة، ثم ذكر أنها وردت عن نيف وعشرين صحابيا، قال: « وفي بعض تلك الطرق أنه قال ذلك بحجة الوداع بعرفة ».

وقال فيه بعد أن نقله عن أحمد: « وفي رواية ان ذلك كان في حجة الوداع ».

وقال الشيخاني القادري في ( الصراط السوي ) بعد ذكر حديث الثقلين برواية أبي سعيد: « قالوا أنه قال ذلك في حجة الوداع ».

وقد أثبت السندي في ( دراسات اللبيب ) - كما عرفت - أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد ذكر حديث الثقلين في حجة الوداع.

الرابع : لقد ذكر ابن تيمية في كلامه هذا حديث الثقلين الذي جاء في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم، وقد علم أن زيدا قد حرف الحديث وتصرف فيه، لكن ابن تيمية لم تعط نفسه أن يكتفي بذلك فأكثر من تحريفه وبتره.

الخامس: يحسب ابن تيمية أن تفرد مسلم في اخراج حديث الثقلين واعراض البخاري عنه يحدث ضعفاً في الحديث، ولكنه لا يعلم أن عدم تخريج الحديث يعد من معائب البخاري وصحيحه، لا أنه يفيد ما تخيله.

على أنه لو أعراض البخاري ومسلم كلاهما عن حديث الثقلين ولم يخرجاه بل حتى لو طعناه فيه وضعفاه، فان ذلك لا يصغى اليه ولا يعتنى به، اذ لا قيمة له في مقابل رواية أولئك الاعلام الاعاظم هذا الحديث الشريف المتواتر.

ولقد علمت سابقاً - ولله الحمد - من ( المستدرك ) للحاكم أن لحديث الثقلين - بعض النظر عن سياق صحيح مسلم - ألفاظاً عديدة وطرقاً سديدة جاء كل منها صحيحاً على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

وبالجملة فان اعراض البخاري عن إخراج حديث الثقلين على

٧٣

العلوم وسياق مسلم على الخصوص جناية كبيرة، اللهم الا أن يوجه اعراضه عن سياق مسلم بالخصوص، لأنه جاء محرفاً من زيد بن أرقم، ويدل عليه قول زيد نفسه في أول الحديث: « والله لقد كبرت سني وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي » فلعل البخاري التزم جانب الاحتياط فلم يروه، لكن من المستبعد أن يستند أهل السنة - المعدلين لزيد بن أرقم وغيره من الصحابة - الى هذا التوجيه في مقابلة أهل الحق، ولو سلمنا ذلك فلا يبقى وجه يعتذر به لاعراضه عن الألفاظ والطرق التي رواها الحاكم في ( المستدرك ) وصححها على شرط الشيخين.

ومن هذا وأمثاله يعلم أن مسلماً قد يظهر طرفاً من الحق ولا يعرض عنه كالبخاري تماماً، وهذا هو السبب في تأخر رتبة كتابه عن رتبة كتاب البخاري عند أولئك المتعصبين المتعندين، الذين لا يروق لهم ذكر أى فضيلة لأهل البيتعليهم‌السلام ولأمير المؤمنينعليه‌السلام خاصة.

السادس: لقد نسب مرة أخرى رواية جملة: « وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض » الى الترمذي فقط، وقد علمت بطلانها قريباً، وأحرزت أنه قد رواها قبل الترمذي وبعده كثير من الحفاظ والمحدثين العظام، واصحاب الصحاح والآثار وشيوخ الحديث والرواية.

السابع : لقد طعن في جملة: « وانهما لن يفترقا » زاعماً طعن غير واحد فيها، رغم أنه لم يذكر أحد أولئك العلماء الذين طعنوا فيها، لكن قد أثبتنا سابقاً صحة هذه الفقرة من حديث الثقلين ايضاً، وبينا بطلان طعنه هذا وكذبه في دعواه هذه، عند رد كلام ابن الجوزي سابقاً، وكذا في دفع كلام ابن تيمية نفسه المتقدم قريباً.

ومع ذلك نقول: انه قد أخرج ابو عوانة هذه العبارة الكريمة ضمن حديث الثقلين برواية زيد بن أرقم في كتابه ( المسند الصحيح ) كما تقدم، وبالاضافة الى أن مجرد إخراج أبي عوانة دليل على صحتها - كما عرفت - لكون كتابه مستخرجاً على صحيح مسلم، فانه لا شك في صحتها، لاقتصار

٧٤

اصحاب المستخرجات على الروايات الصحيحة في زياداتهم على الصحيحين كما مر سابقاً عن كتاب ( تدريب الراوي ) للسيوطي.

وقال ابن الصلاح: « ثم ان الزيادة في الصحيح على ما في الكتابين يتلقاها طالبها مما اشتمل عليه أحد المصنفات المعتمدة المشتهرة لائمة الحديث، كأبي داود السجستاني وأبي عيسى الترمذي، وأبي عبد الرحمن النسائي، وأبي بكر ابن خزيمة، وأبي الحسن الدارقطني وغيرهم منصوصاً على صحته فيها، ولا يكفي في ذلك مجرد كونه موجوداً في كتاب أبي داود وكتاب الترمذي وكتاب النسائي، وسائر من جمع في كتابه بين الصحيح وغيره، ويكفي مجرد كونه موجوداً في كتب من اشترط منهم الصحيح فيما جمعه ككتاب ابن خزيمة، وكذلك ما يوجد في الكتب المخرجة على كتاب البخاري وكتاب مسلم ككتاب أبي عوانة الأسفراييني، وكتاب أبي بكر الاسماعيلي، وكتاب أبي بكر البرقاني، وغيرها، من تتمة لمحذوف أو زيادة شرح في كثير من أحاديث الصحيحين، وكثير من هذا موجود في الجمع بين الصحيحين لابي عبد الله الحميدي »(١) .

وقال: « ثم ان التخاريج المذكورة على الكتابين يستفاد منها فائدتان: إحداهما علو الاسناد، والثانية الزيادة في قدر الصحيح لما يقع منها من ألفاظ زائدة وتتمات في بعض الأحاديث تثبت صحتها بهذه التخاريج، لأنها واردة بالأسانيد الثابة في الصحيحين أو أحدهما، وخارجة من ذلك المخرج الثابت. والله أعلم »(٢) .

وقال الزين العراقي: « ويؤخذ الصحيح أيضاً من المصنفات المختصة بجمع الصحيح فقط، كصحيح أبي بكر محمد ابن إسحاق بن خزيمة، وصحيح أبي حاتم محمد بن حيان البستي المسمى بالتقاسيم والأنواع، وكتاب

__________________

(١). علوم الحديث بشرح العراقي ٢٧ - ٢٨.

(٢). علوم الحديث ٣١.

٧٥

المستدرك على الصحيحين لابي عبد الله الحاكم، وكذلك ما يوجد في المستخرجات على الصحيحين من زيادة أو تتمة، فهو محكوم بصحته كما سيأتي في بابه »(١) .

وتعطينا هذه الكلمات والنصوص: أن الزيادات في المستخرجات صحيحة، وعلى هذا فلما كان قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض » موجوداً في كتاب أبي عوانة الأسفراييني مع حديث الثقلين فهو صحيح بلا ريب، ومعدود من كتاب صحيح مسلم، فإذا سلم ابن تيمية صحة حديث الثقلين الموجود في صحيح مسلم كان عليه الاعتراف بصحة تلك الجملة المذكورة لا إنكارها.

وأخرج امام المحدثين ابو عبد الله الحاكم حديث الثقلين في ( المستدرك على الصحيحين ) بروايات اشتملت على قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض » وقال بعد كل واحدة منها: « صحيح الاسناد على شرط الشيخين ».

وقد بان لك من قول الزين العراقي المتقدم ان ( المستدرك ) من الكتب التي يؤخذ منها الزيادات الصحيحة على الصحيحين، فلا يبقى أي شك - عند أي منصف - في صحة قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المذكور، وظهر أنه صحيح كسائر الأحاديث التي اتفق الشيخان على صحتها، سواء أخرجاها أو لم يخرجاها. هذا بالاضافة الى حكم محمد بن طاهر المقدسي، كما في ( تدريب الراوي ) للسيوطي بقطعية صدور ما كان على شرط الشيخين وان لم يخرجاه.

فبالنظر الى ما تقدم وغيره لا مانع من دعوى التواتر في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض »، ويدل على ذلك ما مر في رواية استشهاد امير المؤمنينعليه‌السلام عن ابن عقدة والسخاوي والسمهودي

__________________

(١). شرح ألفية الحديث ١ / ٥٤.

٧٦

وغيرهم عن سبعة عشر رجلا من الصحابة في حديث الثقلين المشتمل على هذه الكلمة، ثم تصديق امير المؤمنينعليه‌السلام لهم وشهادته بصحة ما شهدوا عليه.

ومما لا ريب فيه أن هذا العدد كاف لدعوى تواتر الحديث، بل هذا العدد اكثر بكثير من عدد التواتر، لان ابن حجر المكي ادعى في ( الصواعق ) التواتر في صلاة أبي بكر في مرض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بزعم وروده عن ثمانية من الصحابة، بل ادعى ابن حزم في ( المحلى ) في حرمة بيع الماء تواتر حديث الحرمة، وقد رواه أربعة من الصحابة.

فرواية سبعة عشر رجلا من الصحابة حديث: « وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض » يفيد تواتره قطعاً، ولهذا صرح المقبلي في ( ملحقات الأبحاث المسددة ) بعد أن ذكر حديث الثقلين باللفظ المشتمل على هذه الجملة، صرح بتواتره عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

الثامن : قوله « والحديث الذي في صحيح مسلم إذا كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد قاله فليس فيه الا الوصية باتباع كتاب الله، وهذا أمر قد تقدمت الوصية به في حجة الوداع قبل ذلك »، يفيد عدم جزمه بصحة ما في صحيح مسلم من حديث الثقلين، لان قوله « إذا كان النبي قد قاله » ظاهر في التشكيك بثبوت هذا أيضاً.

ان ابن تيمية يحاول كتم الحق وانكار الحقائق، ولكن سعيه يذهب ادراج الرياح. قال الله تعالى:( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئوا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ) .

التاسع: قوله « فليس فيه الا الوصية باتباع كتاب الله » خطأ واضح، لان عبارات العلماء الاعلام ومحدثيهم العظام صريحة في وصيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باتباع الكتاب وأهل البيت معاً، راجع منها ما تقدم من تحقيق السندي في ( دراسات اللبيب ).

وأما قوله « وهذا أمر قد تقدمت الوصية به في حجة الوداع قبل ذلك »

٧٧

فلقد علمت من البيانات السابقة - والحمد لله - أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يوص باتباع كتاب الله فحسب، بل انه امر يوم عرفة وغيره باتباع أهل بيته الطاهرين مع كتاب الله، وكيف يأمرصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باتباع كتاب الله تعالى فحسب وقد تحقق عدم افتراق الثقلين بنصهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى يردا عليه الحوض، وذلك ظاهر لا يحتاج الى مزيد بيان.

العاشر: قوله بعد ذلك: « وهو لم يأمر باتباع العترة ولكن قال أذكركم الله في أهل بيتي ».

والجواب عنه بوجوه:

أولا - ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر باتباع عترته في مواضع وخطب و وصايا لا تحصى كثرة، وفي حديث الثقلين أمر باتباعهم على وجه الخصوص، كما تقدم ذلك مراراً عديدة، وهو ثابت أيضاً في حديث صحيح مسلم - وان لم يكن يسلم من التحريف والاسقاط كما تقدم - وهذا بوحده كاف لاستيصال أصل الشبهة.

بل نقول: انه لو لم يكن في صحيح مسلم سوى قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « انّي تارك فيكم الثقلين » لكفى دليلا على وجوب التمسك بأهل البيتعليهم‌السلام كوجوب التمسك بكتاب الله، ويؤيد ذلك ما ذكره محققوهم في بيان وجه تسميه الكتاب والعترة بالثقلين: قال الأزهري في ( تهذيب اللغة ) على ما نقل عنه ابن منظور في ( لسان العرب ): « قال ثعلب: سيما ثقلين لان الأخذ بهما ثقيل، والعمل بهما ثقيل ».

وقال ابن الأثير في ( النهاية ): « سماها ثقلين لان الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل ».

وقال السخاوي في ( استجلاب ارتقاء الغرف ): « انما سماهما بذلك إعظاماً لقدرهما وتفخيماً لشأنهما، فانه يقال لكل شيء خطير نفيس ثقل، وأيضاً فلان الاخذ بهما والعمل بهما ثقيل، ومنه قوله تعالى:( سَنُلْقِي عَلَيْكَ

٧٨

قَوْلاً ثَقِيلاً ) أى له وزن وقدر، أو لانه لا يؤدى الا بتكلف ما يثقل ».

وقال القاري في ( المرقاة في شرح المشكاة ٥ / ٥٩٣ ): « وفي ( شرح السنة ) سماهما ثقلين لان الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل ».

الى غيرها من كلمات العلماء العظام من أهل السنة، فيكون معنى قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « انّي تارك فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما » انّي تارك فيكم أمرين الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل. وذلك ظاهر، فالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر إذاً باتباع العترة كذلك.

ثانياً - لم يكن قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أذكركم الله في اهل بيتي » مجرد تذكير للامة، بل امر باتباع العترة مع التأكيد عليه، وقد كررصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا التأكيد لمزيد الاهتمام بوجوب اتباعهم، وقد اعترف بهذا المعنى علماء أهل السنة الأكابر:

قال الزرقاني في ( شرح المواهب اللدنية ) بشرح حديث مسلم في شرح هذه الجملة: « قال الحكيم الترمذي حض على التمسك بهم، لان الأمر لهم معاينة، فهم أبعد عن المحنة ».

وقال المولوي مبين في ( وسيلة النجاة ) في شرحها: « أي اخشوا الله واحفظوا حقوقهم، واتخذوا طاعتهم ومحبتهم شعاراً لكم، فكما ان امتثال أحكام كتاب الله فرض فكذلك إطاعة اهل البيت والانقياد لأوامرهم بالجوارح والاركان، ومحبتهم والاعتقاد بهم بالقلب والجنان فرض ».

وقال القنوجي في ( السراج الوهاج ): « والأخذ بكتاب الله أن يتلوه آناء الليل والنهار، ويعمل بما فيه من الحلال والحرام وغيرهما مما اشتمل عليه، ولا يتخذه مهجوراً، والذكرى في أهل البيت أن يعرف فضلهم ويحترمهم بما يصل اليه يده ويجتنب أذاهم وحطهم، ويقتدى بهم فيما يوافق الكتاب السنة ويؤقرهم ويعززهم، لا سيما العلماء الصلحاء منهم، فإنهم بضعة الرسول ومضغة البتول وأحباء الله وأبناء رسوله ».

وقال فيه أيضاً: « تحريم الزكاة على اهل البيت لها موضع غير هذا

٧٩

الموضوع، والمقصود هنا بيان فضيلتهم وانهم قسيم كتاب الله في التعظيم والإكرام، وفي التسمية بالثقل وانه لا بد من الأخذ بهما، فإنهما لا يفترقان حتى يردا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحوض ».

وقال محمد أمين السندي في ( دراسات اللبيب ): « فحملنا قوله « أذكركم الله » على مبالغة التثليث فيه على التذكير بالتمسك بهم والردع من عدم الاعتداد بأقوالهم وأعمالهم وأحوالهم وفتياهم وعدم الأخذ بمذهبهم ».

ثالثاً - لقد أمرصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الامة باتباع اهل بيته والتمسك بهم قبل يوم غدير خم وقبل حجة الوداع وبعدها، فزعم عدم تقدم ذلك - كما هو فحوى كلامه - من أبين الاباطيل.

رابعاً - قوله « وتذكير الامة بهم يقتضي أن يذكروا ما تقدم الأمر به قبل ذلك من اعطائهم حقوقهم والامتناع من ظلمهم » يفيد أن اتباع اهل البيتعليهم‌السلام ليس داخلا في حقوقهم التي أمرت الامة باعطائهم اياها. وان مخالفتهم ليست داخلة في ظلمهم الذي أمروا بالامتناع منها، وهذا جور عظيم وظلم كبير

خامساً - قوله « وهذا أمر قد تقدم بيانه قبل غدير خم فعلم انه لم يكن في إمامته » لا ربط له بكون التذكير المذكور في حديث مسلم او في مطلق حديث الثقلين لم يكن في امامة أمير المؤمنينعليه‌السلام كما تفوه به هذا الناصب، وبما انه قد ثبت أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المواقع الجليلة والمواقف العظيمة قبل يوم الغدير وبعده، فان ما في صحيح مسلم المشتمل على بيان واقعة يوم غدير خم بالنسبة لأهل البيتعليهم‌السلام يلزم أن يكون في إيجاب طاعة أمير المؤمنينعليه‌السلام ولزوم الانقياد له وفرض إمامته على الامة، وهذا واضح.

كلام للجاحظ في مدح أهل البيت

و اذ رأيت بطلان كلمات ابن تيمية ظهر لك انه لا ينبغي لمؤمن أن

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

قولي الشافعي ، والأصحّ عنده : البطلان(١) .

وكذا الخلاف لو ربح الغاصب في المغصوب ، يكون الربح له أو للمالك؟(٢) .

والحقّ عندنا أنّه إن اشترى بعين المال ، كان للمالك الربحُ مع الإجازة. وإن لم يجز ، بطل البيع من أصله. وإن اشترى في الذمّة ، فللغاصب الربحُ ؛ لأنّه نقد المال ديناً عليه.

و - لو باع مال أبيه على ظنّ أنّه حيٌّ وأنّه فضوليٌّ فظهر بعد العقد أنّه كان ميّتاً وأنّ الملك كان للبائع ، فإنّه يصحّ البيع ؛ لصدوره من المالك في محلّه ، وهو أصحّ قولي الشافعي(٣) . وهذا بخلاف ما لو أخرج مالاً وقال : إن مات مورّثي فهذا زكاة ما ورثته منه ، وكان قد ورث ، فإنّه لا يجزئه ؛ لأنّ النيّة شرط في الزكاة ، ولم يبن نيّته على أصل ، أمّا البيع فلا حاجة له إلى النيّة.

والثاني للشافعي : البطلان ، فإنّه وإن كان منجّزاً في الصورة إلّا أنّه معلّق في المعنى. والتقدير : إن مات مورّثي فقد بعتك. ولأنّه كالعابث حيث باشر العقد مع اعتقاده(٤) أنّه لغيره ، والعبث لا عبرة به في نظر الشرع(٥) .

____________________

(١) الوسيط ٣ : ٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢ ، المجموع ٩ : ٢٦٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣.

(٣) الوسيط ٣ : ٢٣ ، الوجيز ١ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢ ، المجموع ٩ : ٢٦١.

(٤) في « ق ، ك» : اعتقاد.

(٥) الوسيط ٣ : ٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٢ - ٢٣ ، المجموع ٩ : ٢٦١.

٢٢١

وأمّا الهازل فلا ينعقد بيعه عندنا. وفي انعقاده عنده وجهان(١) .

وكذا بيع التلجئة باطل عندنا. وصورته أن يخاف غصب ماله والإكراه(٢) على بيعه فيبيعه من إنسان بيعاً مطلقاً ولكن توافقا قبله على أنّه لدفع الظلم.

وظاهر مذهب الشافعي انعقاده(٣) .

وهو خطأ ؛ لقوله تعالى :( لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) (٤) .

وكذا الخلاف عنده لو باع العبد على [ ظنّ ](٥) أنّه آبق أو مكاتب فظهر أنّه قد رجع أو فسخ الكتابة ، وفيما إذا زوّج أمة أبيه على ظنّ أنّه حيّ ثمّ بان موته هل يصحّ النكاح؟(٦)

والوجه عندنا : صحّة ذلك.

أمّا لو قال : إن مات أبي فقد زوّجتك هذه الجارية ، فإنّ العقد هنا باطل ، لتعلّقه على شرط. وله قولان(٧) .

وهذه المسألة مع أكثر فروعها قد سبقت(٨) .

مسألة ١١١ : يجوز بيع الأعمى وشراؤه‌ ، سواء كان أكمه وهو الذي‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣ ، المجموع ٩ : ٢٦١.

(٢) كذا ، والظاهر : أو الإكراه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣ ، المجموع ٩ : ٢٦١ ، المغني ٤ : ٣٠٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٩.

(٤) النساء : ٢٩.

(٥) أضفناها من المصدر.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٣ - ٣٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣ ، المجموع ٩ : ٢٦١.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣ ، المجموع ٩ : ٢٦١.

(٨) في ص ١٤ وما بعدها ، المسألة ٥ وفروعها.

٢٢٢

خُلق أعمى ، أو يكون قد عمي بعد أن أبصر لكن بشرط علمه بالمبيع أو المشتري إمّا باللمس إن عرفه به أو بالذوق إن علمه به أو يوصف له وصفاً يرفع الجهالة - وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد(١) - لعموم الجواز. ولأنّه بيع صدر من أهله في محلّه ، فكان سائغاً. ولأنّ المقتضي موجود ، والأصل ، والمعارض لا يصلح للمانعيّة ؛ لأنّا فرضنا معرفته ، فكان كما لو باع شيئاً غائباً عنه يعلم بالمشاهدة. ولأنّ في الصحابة مَنْ كان أعمى ولم ينقل أنّهم منعوا من البيع مع كثرتهم ، ولو كانوا منعوا ، لنقل. ولأنّ الأخرس تقوم إشارته مقام عبارته فالأعمى ينبغي أن يقوم مسّه وذوقه وشمّه مقام رؤيته.

وقال الشافعي : إن كان أكمه ، لم يجز بيعه. وإن كان عمي بعد أن كان بصيراً ، فإن اشترى ما لم يره ، لم يجز البيع. وإن اشترى ما قد كان رآه ، فإن كان الزمان يسيراً لا يتغيّر في مثله أو كان المبيع ممّا لا يتغيّر وإن مرّ عليه الزمان الطويل ، فإنّ هذا يجوز له بيعه. فإنّ وجده متغيّراً ، ثبت له الخيار. وإن كان قد مضى زمان يتغيّر فيه كأن رآه صغيراً(٢) وقد صار رجلاً ، فإنّه لا يصحّ بيعه.

هذا على القول بعدم جواز بيع خيار الرؤية ، وأمّا على الجواز فهل يصحّ بيعه؟ فيه وجهان :

أحدهما : لا يجوز أيضاً ؛ لأنّ بيع خيار الرؤية يثبت فيه الخيار متعلّقاً

____________________

(١) التلقين - في الفقه المالكي - ١ - ٢ : ٣٨٤ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٣٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٣٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٧٩ ، ١١٥٧ ، المغني ٤ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٢ ، المجموع ٩ : ٣٠٢ - ٣٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢.

(٢) أي : كأن رأى العبد المبيع صغيراً.

٢٢٣

بالرؤية ، وهذا منفي في حقّ الأعمى.

والثاني : يجوز ؛ لأنّ رؤيته إذا لم تكن شرطاً في صحّة البيع فلم يفقد في حقّ الأعمى إلّا الرؤية. ويمكن أن يقوم صفة غيره له مقام رؤيته في إثبات الخيار.

ووجه المنع : أنّه مبيع مجهول الصفة عند العاقد ، فلا يصحّ بيعه ، كما لو قال : بعتك عبداً(١) .

والجواب : المنع من جهل الصفة ، إذ التقدير العلمُ بها.

إذا ثبت هذا ، فقد أثبت علماؤنا وأبو حنيفة(٢) له الخيار إلى معرفته بالمبيع إمّا بمسّه أو بذوقه أو أن يوصف له إذا لم يدركه بذلك.

واعلم أنّ السَّلَم كالحالّ يجوز بيع الأعمى فيه وشراؤه كالبصير ، وبه قال الشافعي(٣) .

قال المزنيّ : أراد بذلك الأعمى الذي عرف الألوان قبل أن يعمى ، فأمّا مَنْ خُلق أعمى فلا معرفة له بالأعيان.

وصوَّب المزنيَّ أبو العباس وأبو علي ابن أبي هريرة. وخطّأه أبو إسحاق المروزي ؛ فإنّ الأعمى يجوز أن يتعرّف الصفات في نفسه‌

____________________

(١) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ١٧٠ - ١٧١ ، المسألة ٢٧٩. وانظر : المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧١ ، والمجموع ٩ : ٣٠٢ - ٣٠٣ ، وروضة الطالبين ٣ : ٣٥ ، والتهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٣٥ ، والعزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢ ، ومختصر اختلاف العلماء ٣ : ٧٩ ، ١١٥٧ ، والمغني ٤ : ٢٩٩ ، والشرح الكبير ٤ : ٣٢.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٣٤ ، المغني ٤ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٢.

(٣) الوسيط ٣ : ٣٨ ، الوجيز ١ : ١٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣ و ٥٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٠٣ ، المجموع ٩ : ٣٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٦ ، حلية العلماء ٤ : ٣٥٥ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٣٥.

٢٢٤

بالسماع ، فإذا أسلم في ثوب موصوف ، جاز ، ويكون بمنزلة بصير يُسلم في شي‌ء لم يره ويذكر أوصافه ، فإنّه يجوز ، كذا هنا(١) .

وهذه المسألة أيضاً قد سلفت(٢) .

مسألة ١١٢ : من الغرر جهالة الثمن على ما تقدّم‌ ، ومن صُور الجهالة أن يبيع الشي‌ء بثمنين مختلفين أحدهما حالٌّ والآخر مؤجّل ، أو أحدهما إلى أجل والآخر إلى أزيد ، فيقول مثلاً : بعتك هذا الثوب إما بعشرة دراهم نقدا أو باثني عشر نسيئة ، وإمّا بعشرة مؤجّلة إلى شهر أو باثني عشر إلى شهرين - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن بيعتين(٤) في بيعة(٥) .

وفسّره الشافعي بأمرين ، أحدهما هذا ، قال : ويحتمل أن يكون المراد أن يقول : بعتك عبدي هذا بألف على أن تبيعني دارك هذه بألف(٦) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « نهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن‌

____________________

(١) مختصر المزني : ٨٨ ، حلية العلماء ٤ : ٣٥٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٣٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٠٣ - ٣٠٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٣ و ٥٤.

(٢) في ص ٢٤ ، المسألة ٧.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٣ ، المجموع ٩ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٤ ، الوجيز ١ : ١٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٤ ، الوسيط ٣ : ٧١ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٣٦.

(٤) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : بيعين. وما أثبتناه من المصادر.

(٥) سنن الترمذي ٣ : ٥٣٣ / ١٢٣١ ، سنن النسائي ٧ : ٢٩٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٤٣ ، مسند أحمد ٢ : ٣٦٦ / ٦٥٩١ ، و ٣ : ٢٤٦ / ٩٧٩٥ ، و ٢٩٧ / ١٠١٥٧ ، الموطّأ ٢ : ٦٦٣ / ٧٢.

(٦) مختصر المزني : ٨٨ ، الوسيط ٣ : ٧٢ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٤١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٤ ، المجموع ٩ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٤ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٣٦ - ٥٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٤.

٢٢٥

بيع ما ليس عندك ، وعن بيعين في بيع »(١) .

ولأنّ الثمن هنا مجهول ، فكان بمنزلة ما لو قال : بعتك هذا العبد أو هذه الجارية بألف.

أمّا لو قال : بعتك بعشرة نقداً وباثني عشر إلى شهر ، فإنّه كذلك عندنا ؛ لعدم التعيين.

وقال بعض(٢) علمائنا : يكون للبائع أقلّ الثمنين في أبعد الأجلين ؛ لأنّه رضي بنقل العين في مقابلة الثمن القليل بالأجل الكثير ، فلا تجوز الزيادة عليه لأجل الزيادة في الأجل.

ولما رواه السكوني عن الصادق عن الباقر عن آبائهعليهم‌السلام : « أنّ عليّاًعليه‌السلام قضى في رجل باع بيعاً واشترط شرطين : بالنقد كذا ، وبالنسيئة كذا ، فأخذ المبتاع على ذلك الشرط فقال : هو بأقلّ الثمنين وأبعد الأجلين ، يقول : ليس له إلاّ أقلّ النقدين إلى الأجل الذي أجّله نسيئةً »(٣) .

والجواب : يُمنع رضاه بالأقلّ ثمناً والأزيد أجلاً ، بل رضي بالأقلّ ثمناً مع قلّة الأجل ، وبالأكثر مع زيادته.

والرواية ضعيفة جدّاً ؛ لأنّ السكوني ضعيف ، والراوي عنه النوفلي ضعيف أيضاً.

وجوّز بعض الشافعيّة هذا البيع(٤) ، ويكون له بعشرة معجّلاً ، وباثني عشر مؤجّلاً.

____________________

(١) التهذيب ٧ : ٢٣٠ / ١٠٠٥.

(٢) الشيخ الطوسي في النهاية : ٣٨٧ - ٣٨٨.

(٣) التهذيب ٧ : ٥٣ / ٢٣٠.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٤.

٢٢٦

إذا ثبت هذا ، فالتفسير الذي ذكره الشافعي ثانياً ليس بشي‌ء عندنا ؛ لأنّه يجوز البيع بشرط على ما يأتي إن شاء الله.

تذنيب : لو قال : بعتك نصف هذا العبد بألف ونصفه بألفين ، صحّ. ولو قال : بعتك هذا العبد بألف نصفه بستمائة ، لم يصحّ ؛ لأنّ ابتداء كلامه يقتضي توزيع الثمن على المثمن بالسويّة ، وآخره يناقضه ، هكذا قال بعض الشافعيّة(١) .

والأقوى عندي : الجواز ؛ لأنّ الأوّل كالمطلق أو العامّ ، والثاني كالمبيِّن له.

مسألة ١١٣ : من صُور جهالة الثمن ما لو استثنى بعضاً منه غير معلوم‌ كأن يقول : بعتك بعشرة إلّا شيئاً ، أو جزءاً ، أو نصيباً ، ولم يُعيّن. ولا يحمل على الوصيّة اقتصاراً بما يخالف العرف على مورد النصّ خصوصاً مع عدم التنصيص في غيره.

ولو قال : بعتك هذا القفيز من الطعام بأربعة دراهم إلّا ما يخصّ واحداً منه ، فإن أراد ما يساوي واحداً في الحال ، فإن عرفا المقدار ، صحّ ، وإلّا فلا.

وإن أراد ما يساوي واحداً عند التقويم ، بطل ؛ لأنّه مجهول.

وإن أراد ما يخصّه إذا وُزّع القفيز على المبلغ المذكور قبل الاستثناء ، صحّ ، وكان الاستثناء(٢) للربع ، فيصحّ البيع في ثلاثة أرباع القفيز بأربعة.

وإن أراد ما يخصّه إذا وُزّع الباقي بعد الاستثناء على المبلغ المذكور على معنى أن يكون قد استثنى من القفيز ما يخصّ واحداً ممّا يستقرّ عليه‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٤.

(٢) في « ق ، ك» : استثناء.

٢٢٧

البيع بعد الاستثناء ، دخلها الدور ، لأنّا لا نعلم قدر المبيع إلاّ بعد معرفة المستثنى وبالعكس ، فنقول : إنّه يبطل البيع ، للجهالة حالة العقد ، إلاّ أن يعرفا ذلك وقت العقد بطريق الجبر والمقابلة أو غيره.

وطريقه أن نقول : المستثنى شي‌ء(١) ، فالمبيع قفيز [ إلّا شيئاً ، فربع قفيز ](٢) إلّا ربع شي‌ء هو الذي يخصّ الدرهم ، وقد تقدّم أنّ الذي يخصّ الدرهم شي‌ء ، فربع قفيز كامل يعدل شيئاً وربع شي‌ء ، فالقفيز الكامل يعدل خمسة أشياء ، فالمستثنى خُمْسه ؛ لأنّ المستثنى شي‌ء وقد ظهر أنّه خُمْسة.

أو نقول : صحّ البيع في الجميع إلّا في شي‌ء - وذلك الشي‌ هو ما يقابل الواحد - بجميع الثمن ، فإذا جبرنا القفيز بشي‌ء وزِدْنا على الأربعة ما يقابله - وهو واحد - صار القفيز بأجمعه يعدل خمسة ، فالمقابل للواحد الخُمْس.

فروع :

أ - لو قال : بعتك بعشرة إلّا ثلث الثمن ، فالثمن سبعة ونصف ؛ لأنّا نفرض الثمن شيئاً فنقول : إنّه قد باعه بعشرة إلّا ثلث شي‌ء يعدل شيئاً كاملاً ، وهو جملة الثمن ، فإذا جبرنا وقابلنا، كانت العشرة الكاملة تعدل شيئاً وثلثاً ، فالشي‌ء الذي هو الثمن ثلاثة أرباع العشرة.

ولو قال : إلّا ربع الثمن ، فالثمن ثمانية. ولو قال : إلّا خُمْس الثمن ، فهو ثمانية وثلث ، وعلى هذا.

ب - لو قال : بعتك بعشرة وثلث الثمن ، فهو خمسة عشر ؛ لأنّا‌

____________________

(١) « الشي‌ء » عند المحاسبين هو العدد المجهول المضروب في نفسه ، في باب الجبر والمقابلة. كشّاف اصطلاحات الفنون والعلوم : ١٠٤٨.

(٢) ما بين المعقوفين من تصحيحنا.

٢٢٨

نفرض الثمن شيئاً مجهولاً ، والثمن يعدل عشرة وثلث شي‌ء ، فعشرة وثلث شي‌ء تعدل شيئاً هو جملة الثمن ، يسقط ثلث شي‌ء بثلث شي‌ء ، تبقى عشرة تعدل ثلثي شي‌ء ، فالشي‌ء الكامل يعدل خمسة عشر.

ولو باعه بعشرة وربع الثمن ، فهو ثلاثة عشر وثلث ؛ لأنّا نفرض الثمن شيئاً ، فعشرة وربع شي‌ء تعدل الثمن وهو شي‌ء ، فإذا أسقطنا ربع شي‌ء بربع شي‌ء ، بقي عشرة تعدل ثلاثة أرباع شي‌ء ، فكلّ ربع ثلاثة وثلث ، فالثمن ثلاثة عشر وثلث ، وعلى هذا.

ج - لو قال : بعتك نصيبي - وهو السدس مثلاً - من الدار من حساب مائتين ، صحّ البيع‌ وإن جهل في الحال قدر الثمن ، ويكون له سدس المائتين ؛ لأنّ المراد جَعْل المائتين في مقابلة الجميع ، ويكون له ما يقتضيه الحساب.

ولو قال : بعتك نصيبي من ميراث أبي من الدار ، فإن عرف القدر حالة العقد ، صحّ. وإن جهل ، بطل. ولو عرف عدد الورثة وقدر الاستحقاق إجمالاً ، فالأقوى الصحّة ، ويكون له ما يقتضيه الحساب.

وكذا لو قال : بعتك جزءاً من مائة وأحد عشر جزءاً ، فإنّه يصحّ وإن جهل النسبة. وكذا يصحّ لو عكس ، فقال : بعتك نصف تُسْعِ عُشْرِ هذا الموضع وجهل القدر من السهام.

وكذا لو باع من اثنين صفقةً قطعةَ أرضٍ على الاختلاف بأن ورث من أبيه حصّةً ومن اُمّه أقلّ أو أكثر ، وجعل لواحدٍ منهما أحدَ النصيبين وللآخر الباقي ، فإنّه يصحّ وإن جهلا قدر نسبة النصيب إلى الجميع في الحال ونسبة النصيب في الثمن ، ويرجعان إلى ما يقتضيه الحساب ؛ إذ الثمن في مقابلة الجملة ، فلا تضرّ جهالة الأجزاء.

٢٢٩

د - لو باعه خمسة أرطالٍ على سعر المائة باثني عشر درهماً ، صحّ‌ وإن جهل في الحال قدر الثمن ؛ لأنّه ممّا يُعلم بالحساب ، ولا يمكن تطرّق الزيادة إليه ولا النقصان ، فينتفي الغرر ، ويثبت الثمن ثلاثة أخماس درهمٍ ؛ لأنّ نسبة المائة إلى ثمنها - وهو اثنا عشر - كنسبة خمسة إلى ثمنها ، فالمجهول الرابعُ ، فيضرب الثاني - وهو اثنا عشر - في الثالث - وهو خمسة - يبلغ ستّين يقسمها على الأوّل - وهو مائة - يخرج ثلاثة أخماس درهمٍ ، وهو ثمن المبيع. أو نقول : الاثنا عشر عُشْرٌ وخُمْس عُشْر المائة ، فنأخذه بهذه النسبة من الخمسة ، وهو ثلاثة أخماس واحد.

ولو قال : بعتك بخمسة دراهم على سعر المائة باثني عشر ، أخذت ربع وسدس المائة ؛ لأنّ الخمسة ربع وسدس من الاثني عشر(١) .

ه- لو كان له ثلاث قطائع من الغنم ثانيها ثلاثة أمثال أوّلها ، وثالثها ثلاثة أمثال ثانيها ، فاشترى آخر منه ثلثي الأوّل وثلاثة أرباع الثاني وخمسة أسداس الثالث ، اجتمع له مائة وخمسة وعشرون رأساً ، فطريق معرفة قدر كلّ قطيع أن نقول : نفرض القطيع الأوّل شيئاً فالثاني ثلاثة أشياء والثالث تسعة أشياء ، فنأخذ ثلثي شي‌ء وثلاثة أرباع ثلاثة أشياء وخمسة أسداس تسعة أشياء ، ونجمعها ، فتكون عشرة أشياء وربع وسدس شي‌ء ، وهو يعدل مائة وخمسة وعشرين ، فالشي‌ء يعدل اثني عشر.

و - لو تطرّقت الجهالة بعد البيع ، لم تثمر فساده ، بل وقع صحيحاً. ثمّ إن لم يمكن تدارك العلم ، اصطلحا ، ويجبرهما الحاكم عليه قطعاً للتنازع. وإن أمكن ، وجب المصير إليه ، فلو كان له قطعة أرض بين‌

____________________

(١) في « ق ، ك» : وسدس الاثني عشر.

٢٣٠

شجرتين وقدرها ، أربعة عشر ذراعاً وطول إحدى الشجرتين ستّة وطول الاُخرى ثمانية ، فاجتاز ظبيٌ بينهما فطار إليه طائران من الرأسين بالسويّة حتى تلاقيا على رأس الظبي ، فباع القطعة من اثنين بثمنٍ واحد صفقةً واحدة لأحدهما من أصل شجرته إلى موضع الظبي وللآخر من موضع الظبي إلى أصل الاُخرى ، ثمّ خفي موضع الالتقاء ، فطريق معرفة حقّ كلٍّ منهما أن يجعل ما بين أصل الشجرة القصيرة إلى موضع الظبي شيئاً ونضربه في نفسه ، فيكون الحاصل مالاً(١) ، ونضرب طولها - وهو ستّة - في نفسه ، فيكون المجموع مالاً وستّة وثلاثين ، وجَذْرُه مقدار ما طار الطائر؛ لأنّه وَتَر القائمة ، فيكون مُربَّعه مساوياً لمجموع مُربَّعي صاحبتها بشكل العروس(٢) ، ويبقى من موضع الظبي إلى أصل الاُخرى أربعة عشر إلّا شيئاً مُربّعه مائة وستّة وتسعون ومالٌ إلّا ثمانية وعشرين شيئاً ، ومربّع الطويلة أربعة وستّون مجموعهما مائتان وستّون ومال إلّا ثمانية وعشرين شيئاً ، وهو يعدل مالاً وستّةً وثلاثين ، لتساوي الوَتَرين حيث طارا بالسويّة ، فإذا جبرت وقابلت ، بقي مائتان وأربعة وعشرون تعدل ثمانية وعشرين شيئاً ، فالشي‌ء يعدل ثمانية ، وهو ما بين أصل القصيرة والظبي ، فيبقى ما بينه وبين أصل الاُخرى يعدل ستّةً ، فكلّ وَتَر عشرةٌ.

ز - لو باع اثنين صفقةً قطعة على شكل مثلّث قاعدته أربعة عشر‌

____________________

(١) المال عند المحاسبين هو الحاصل من ضرب الشي‌ء في نفسه ، في الجبر والمقابلة. كشّاف اصطلاحات الفنون والعلوم : ١٤٢٢.

(٢) شكل العروس عند المهندسين هو : أنّ كلّ مثلّث قائم الزاوية فإنّ مربّع وتر زاويته القائمة يساوي مربّعي ضلعيها. وإنّما سُمّي به ؛ لحسنه وجماله. كشّاف اصطلاحات الفنون والعلوم : ١٠٤١.

٢٣١

ذراعاً وأحد ضلعيه الباقيين ثلاثة عشر والآخر خمسة عشر على أن يكون لأحدهما من مسقط العمود في القاعدة إلى أحد الضلعين ، وللآخر منه إلى الضلع الآخر وبسط الثمن على الأذرع ، فطريق معرفة نصيب كلٍّ منهما أن نقول : نفرض ما بين الضلع الأقصر ومسقط العمود شيئاً ، فيكون مربّعه مالاً ومربّع الضلع مائة وتسعة وستون ، وإذا نقص المال منه ، بقي مربّع العمود مائة وتسعة وستّون إلّا مالاً ، ويبقى من مسقط العمود إلى الطرف الآخر أربعة عشر إلّا شيئاً ، ومربّعها مائة وستّة وتسعون ومال إلّا ثمانية وعشرين شيئاً ، ويسقط(١) من مربّع الأوّل ، وهو مائتان وخمسة وعشرون ، تبقى تسعة وعشرون وثمانية وعشرون شيئاً إلّا مالاً ، وهو مربّع العمود ، ويكون معادلاً لمائة وتسعة وستّين إلّا مالاً ، فإذا قابلت ، بقي مائة وأربعون تعدل ثمانيةً وعشرين شيئاً ، فالشي‌ء خمسة ، وهو ما بين طرف القاعدة التي تلي الأقصر ومسقط العمود ، ومربّعه خمسة وعشرون ، وإذا(٢) أسقطناه من مائة وتسعة وستّين ، بقي مائة وأربعة وأربعون ، وهو مربّع العمود. ومن الجانب الآخر يكون ما بين مسقط العمود وطرف القاعدة تسعة مربّعة أحد وثمانون ، وإذا أسقطناه من مائتين وخمسة وعشرين ، تبقى مائة وأربعة وأربعون ، وهو مربّع العمود ، والعمود يكون اثني عشر.

ح - لو قال زيد لعمرو : بعتك داري بثمن [ ما معي و ](٣) ثلث ما معك تمام ثمن المبيع ، فقال عمرو : قبلت(٤) بثمن [ ما معي ](٥) وربع ما معك‌

____________________

(١) في « ق ، ك» : « وينقص » بدل « ويسقط ».

(٢) في « ك» : فإذا.

(٣ و ٥) ما بين المعقوفين من تصحيحنا.

(٤) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة زيادة : وبعتك داري. وهي غلط.

٢٣٢

تمامه ، فطريق معرفة قدر الثمن وقدر ما مع كلٍّ منهما أن نفرض ما مع زيد شيئاً وما مع عمرو ثلثه تصحيحاً للثلث ، فإذا أخذ زيد واحداً ، صار معه شي‌ء وواحد ، وهو ثمن المبيع ، وإذا أخذ عمرو ربع ما مع زيد ، صار معه ثلثه وربع شي‌ء ، وهو ثمن المبيع ، فشي‌ء واحد يعدل ثلثه وربع شي‌ء ، فإذا قابلت ، صار ثلاثة أرباع شي‌ء يعدل اثنين ، والشي‌ء يعدل اثنين وثلثي واحد ، فالثمن ثلاثة وثلثا واحدٍ ، فإذا صحّحت الكسر ، كان مع زيد ثمانية ومع عمرو تسعة وثمن المبيع أحد عشر.

ط - لو باعه حوض ماء ركز فيه رمح ظهر حال انتصابه ستّة أذرع ثمّ مال حتى غاب رأسه في الماء ، وكان بين موضعه وقت الانتصاب وموضع رأسه عند المغيب عشرة أذرع من الجانبين ، فطريق معرفة قدر عمقه أن نفرض القدر(١) الغائب من الرمح وقت الانتصاب شيئاً ، فيكون مُربّعه مع مُربّع العشرة مساوياً لمـُربّع الرمح بشكل العروس ، ومُربّع الشي‌ء مالٌ ، ومُربّع العشرة مائة، فمُربّع طول الرمح مالٌ ومائة ، فكان طول الرمح وقت الانتصاب شيئاً وستّة ، ومُربّعه مالٌ واثنا عشر شيئاً وستّة وثلاثون ؛ لأنّ الخطّ إذا انقسم بقسمين ، فإنّ مُربّعه مساوٍ لمـُربّع كلّ قسم ولضرب أحد القسمين في الآخر مرّتين ، فالمال ضرب الشي‌ء في نفسه ، وستّة وثلاثون ضرب ستّة في نفسها ، واثنا عشر شيئاً ضرب ستّة في الشي‌ء مرّتين ، وهو معادل المال ومائة ، وبعد المقابلة تبقى أربعة وستّون تعدل اثني عشر شيئاً ، ويكون الشي‌ء خمسةُ وثلثا ، وطول الرمح أحد عشر وثلث ذراع ، فالفاضل عن ستّة عمق الماء.

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : قدر.

٢٣٣

مسألة ١١٤ : يجوز ابتياع الجزء المشاع المعلوم النسبة من كلّ جملة يصحّ بيعها ، سواء كان عقاراً أو حيواناً أو نباتاً أو ثمرةً معلومة القدر أو طعاماً معلوم القدر ؛ للأصل ، وانتفاء المانع وهو الجهالة.

ولو باع جزءاً شائعاً من شي‌ء بمثله من ذلك الشي‌ء - كما لو كانت العين بينهما نصفين فباع أحدهما الآخر نصفه بنصف صاحبه - جاز عندنا ؛ للأصل. ولأنّه بيع صدر من أهله في محلّه فكان صحيحاً.

وللشافعيّة وجهان ، هذا أحدهما. والثاني : لا يصحّ ؛ لانتفاء فائدته(١) .

ونمنع انتفاء الفائدة ، بل له فوائد :

منها : ما لو ملكا أو أحدهما نصيبه بالهبة ، انقطعت ولاية الرجوع بالتصرّف.

ومنها : لو ملكه بالشراء ثمّ اطّلع بعد هذا التصرّف على عيب ، لم يملك الردّ على بائعه.

ومنها : لو ملّكتْه صداقاً وطلّقها الزوج قبل الدخول ، لم يكن له الرجوع فيه.

وكذا يجوز ابتياع الجملة واستثناء الجزء الشائع ، كربع الثمرة وقدر الزكاة.

مسألة ١١٥ : قد بيّنّا أنّ بيع الغائب لا يصحّ إلّا مع تقدّم الرؤية‌ أو الوصف الرافع للجهالة؛ لما فيه من الغرر.

وللشافعي في بيع الأعيان الغائبة والحاضرة التي لم تُر مع عدم‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢ ، المجموع ٩ : ٢٥٦ - ٢٥٧ و ٢٨٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨.

٢٣٤

الوصف قولان :

قال في القديم والإملاء والصرف [ من ](١) الجديد : إنّه صحيح - وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد - لقولهعليه‌السلام : « من اشترى شيئاً لم يره فله الخيار إذا رآه »(٢) ومعلومٌ أنّ الخيار إنّما يثبت في العقود الصحيحة.

ولأنّه عقد معاوضة ، فلم يكن [ من ](٣) شرطه رؤية المعقود عليه ، كالنكاح.

وقال في الاُم والبويطي : لا يصحّ - وهو ما اخترناه ، وبه قال المزني - لأنّه غرر وقد نهى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الغرر(٤) .

ولأنّه مبيع مجهول الصفة عند العاقد حال العقد فلم يصحّ بيعه ، كما لو أسلم في شي‌ء ولم يصفه(٥) .

والجواب عن الحديث : أنّا نقول بموجبه ؛ فإنّ الخيار إنّما يثبت فيما إذا لم يخرج على الوصف ؛ إذ لا وجه له على تقدير الصحّة مطلقاً سواء وصف أو لا ؛ لوجود الرضا من المتبايعين على التبادل في الثمن والمثمن‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : « في ». والمثبت أنسب بالعبارة.

(٢) أورد نصّه الرافعي في العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١ ، وبتفاوت يسير في سنن الدار قطني ٣ : ٤ ، ١٠ وسنن البيهقي ٥ : ٢٦٨.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : « في ». والمثبت أنسب بالعبارة.

(٤) صحيح مسلم ٣ : ١١٥٣ / ١٥١٣ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٥٤ / ٣٣٧٦ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٣٢ / ١٢٣٠ ، سنن الدار قطني ٣ : ١٥ ، ٤٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٦٦ وفيها : نهى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن بيع الغرر.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٢٨٢ - ٢٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١ ، المجموع ٩ : ٢٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥ ، بداية المجتهد ٢ : ١٥٥ ، المغني ٤ : ٧٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٨.

٢٣٥

مهما كانا ، فيكون بمنزلة المرئي ، ومعلومٌ أنّ المرئي لا خيار فيه ، فلمـّا أثبت الخيار علمنا اقترانه باشتراط وَصْفٍ رافعٍ للجهالة.

والقياس عندنا باطل مع قيام الفرق والقلب بأن يقال : فلا يثبت فيه خيار الرؤية ، كالنكاح.

إذا تقرّر هذا ، فنقول : اختلف أصحابه في محلّ القولين على طريقين ، أصحّهما عند أكثرهم : أنّ القولين مطّردان في المبيع الذي لم يره واحد منهما أو رآه أحدهما خاصّة.

والثاني : أنّ القولين فيما إذا شاهده البائع دون المشتري ، وأمّا إذا لم يشاهده البائع ، فإنّه يبطل البيع قولاً واحداً ؛ لسهولة الاجتناب عن هذا الغرر على البائع ، لأنّه المالك والمتصرّف في المبيع. ومنهم مَنْ عكس ؛ لأنّ البائع مُعرضٌ عن الملك والمشتري محصّل له ، فهو [ أجدر ](١) بالاحتياط.

وحينئذٍ يخرج لهم طريقة ثالثة ، وهي القطع بالصحّة إذا رآه المشتري(٢) .

فروع :

أ - لو آجر غير المرئيّ له(٢) ، فإن كان المباشر للعقد قد رآه ، صحّت الإجارة عندنا ، وإن لم يكن قد رآه ، لم تصحّ.

وعند الشافعيّة القولان السابقان في بيع الغائب مع عدم الرؤية(٤) .

____________________

(١) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : آخذ. وما أثبتناه من العزيز شرح الوجيز وكما هو مستفاد من عبارة النووي في المجموع فإنّه عبّر بـ « أولى » بدل « أجدر ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١ ، المجموع ٩ : ٢٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥.

(٣) ورد في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : لو أجاز بيع غير المرئي له. وصحّحناها بما في المتن لأجل السياق وطبقاً لما في المصادر الآتية في الهامش التالي.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٢٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥ ، المجموع ٩ : ٢٩٠.

٢٣٦

ب - لو آجر شيئاً بعينٍ غائبة أو صالح عليها أو جعلها رأس مال السَّلَم‌ ثمّ سلّم في مجلس عقد السلم ، بطل عندنا ذلك كلّه ، خلافاً للشافعي ، فإنّ فيه قولي(١) بيع الغائب عنده(٢) .

ج - لو أصدقها عيناً غائبة أو خالعها عليها أو عفا عن القصاص عليها ، صحّ النكاح عنده‌ وحصلت البينونة وسقط القصاص. وفي صحّة المسمّى القولان ، فإن لم يصحّ ، وجب مهر المثل على الرجل في النكاح وعلى المرأة في الخلع ووجبت الدية على المعفوّ عنه(٣) .

وعندي في ذلك إشكال.

د - الأقرب جواز هبة الغائب غير المرئي ولا الموصوف ورهنِه ؛ لأنّهما ليسا من عقود المغابنات ، بل الراهن والواهب مغبونان ، والمتّهب والمرتهن مرتفقان ، ولا خيار لهما عند الرؤية ؛ لانتفاء الحاجة إليه.

ه- لو رآه قبل الشراء ثمّ وجده كما رآه بعد الشراء ، فلا خيار له ، وهو قول الشافعي تفريعاً على صحّة البيع عنده(٤) .

وإن وجده متغيّراً ، لم يبطل البيع من أصله - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٥) - لبقاء(٦) العقد في الأصل على ظنٍّ غالب ، لكن له الخيار.

____________________

(١) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : قول. والصحيح ما أثبتناه.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٢٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥ ، المجموع ٩ : ٢٩٠.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٢٨٤ - ٢٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥ ، المجموع ٩ : ٢٩٠ - ٢٩١.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٢٨٨ و ٢٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧ ، المجموع ٩ : ٢٩٦.

(٥) الوسيط ٣ : ٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٥ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٢٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧ ، المجموع ٩ : ٢٩٦.

(٦) كذا في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة. والظاهر : لبناء.

٢٣٧

وأضعف الوجهين : البطلان ، لتبيّن انتفاء المعرفة(١) .

ولا نعني بالتغيّر هنا التعيّب خاصّة.

و - استقصاء الأوصاف على الحدّ المعتبر في السَّلَم لا يقوم مقام الرؤية وكذا سماع وصفه بالتواتر ؛ لأنّ الرؤية تطلع على اُمور لا يمكن التعبير عنها ، وهو أصحّ وجهي الشافعي(٢) .

وفي الآخر : أنّه يقوم الاستقصاء والسماع بالتواتر مقام الرؤية ؛ لأنّ ثمرة الرؤية المعرفة وهما يفيدانها ، فيصحّ البيع ، ولا خيار(٣) .

وهو ممنوع ؛ لأنّ بعض الأوصاف لا يحصل علمه إلّا بالرؤية.

مسألة ١١٦ : الرؤية المشترطة في كلّ شي‌ء على حسب ما يليق به‌ ، ففي شراء الدار لا بُدّ من رؤية البيوت والسقوف والسطوح والجدران داخلاً وخارجاً ورؤيةِ المستحمّ والبالوعة. وفي شراء البستان لا بُدّ من رؤية الأشجار واحدة واحدة والجدران ومسيل الماء ، ولا يحتاج إلى رؤية أساس البنيان ولا عروق الأشجار.

وفي اشتراط رؤية طريق الدار إشكال.

ولا يجوز رؤية العورة في الأمة والعبد ، ولا بُدّ من رؤية باقي بدن العبد ، وهو أظهر وجهي الشافعي(٤) .

وكذا في بدن الجارية ؛ لاختلاف الصفات.

وللشافعي وجوه : اعتبار رؤية ما يُرى في العبد ، ورؤية ما يبدو عند‌

____________________

(١) اُنظر : المصادر في الهامش (٥) من ص ٢٣٦.

(٢ و ٣ ) الوسيط ٣ : ٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٥ - ٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧ ، المجموع ٩ : ٢٩١.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٢٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩ ، المجموع ٩ : ٢٩١.

٢٣٨

المهنة ، والاكتفاء برؤية الوجه والكفّين(١) .

ويشترط رؤية الشعر ، وهو أصحّ وجهي الشافعي(٢) .

والأقرب اشتراط رؤية الأسنان واللسان ، وهو أحد وجهي الشافعي(٣) .

ولا بُدّ في الدوابّ من رؤية مقدّمها ومؤخّرها وقوائمها وظهرها.

ولا يشترط جري الفرس بين يديه - خلافاً لبعض الشافعيّة(٤) - للأصل.

ولو كان الثوب رقيقاً لا يختلف وجهاه ، كفى رؤية أحدهما ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٥) .

ولا بُدّ من تقليب الأوراق في شراء الكتب ورؤية جميعها.

ولا يصحّ بيع اللبن في الضرع على ما تقدّم(٦) .

ولو قال : بعتك من اللبن الذي في ضرع هذه البقرة كذا رطلاً ، لم يجز ؛ لعدم العلم بوجود القدر في الضرع ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة. وفي الآخر : يجوز ، كما لو باع قدراً من اللبن في الظرف ، فيجي‌ء‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٨ ، الوسيط ٣ : ٤٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩ ، المجموع ٩ : ٢٩١.

(٢) الوسيط ٣ : ٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٨ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٢٨٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩ ، المجموع ٩ : ٢٩١.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٢٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩ ، المجموع ٩ : ٢٩١.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩ ، المجموع ٩ : ٢٩٢.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٢٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠ ، المجموع ٩ : ٢٩٢.

(٦) في ص ٦٣ ، المسألة ٣٦.

٢٣٩

فيه حينئذٍ قولا بيع الغائب(١) .

ولو سكب شيئاً من اللبن فأراه إيّاه ثمّ باعه مُدّاً ممّا في الضرع ، لم يجز.

وفي روايةٍ لنا : الجواز ، وقد سلفت(٢) .

وللشافعي القولان(٣) .

ويحتمل عندي الجواز لو كان المبيع قدراً يسيراً يتيقّن وجوده حالة الحلب.

ولو قبض على قدر من الضرع وأحكم شدّه ثمّ باعه ما فيه ، لم يصحّ عندنا. وللشافعي وجهان(٤) .

فروع :

أ - يجوز بيع الشاة المذبوحة قبل السلخ وبعده ، سواء بِيع اللحم وحده أو الجلد وحده أو بِيعا معاً ، لكن بعد السلخ لا يجوز إلّا بالوزن ، أمّا قبله فالأقرب جوازه من دونه.

ومَنَع الشافعي من بيعها قبل السلخ وبعده ، سواء بِيع اللحم وحده أو الجلد وحده أو بِيعا معاً؛ لأنّ المقصود اللحم ، وهو مجهول(٥) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠ ، المجموع ٩ : ٣٢٦.

(٢) في ص ٦٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠ ، المجموع ٩ : ٣٢٦.

(٤) الوسيط ٣ : ٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠ ، المجموع ٩ : ٣٢٦.

(٥) الوسيط ٣ : ٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٠ ، المجموع ٩ : ٢٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٤١ ، وفيها عدم صحّة بيعها قبل السلخ فقط.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458