تذكرة الفقهاء الجزء ١٠

تذكرة الفقهاء17%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-197-4
الصفحات: 458

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 458 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 189004 / تحميل: 5791
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٠

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-١٩٧-٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

ونحن نمنع ذلك كما قبل الذبح و(١) لو قصده حالة الشراء أو شرطه فيه.

ب - يجوز بيع الأكارع والرؤوس بعد الإبانة وقبلها من المذبوح نيئةً ومشويّةً ، ولا اعتبار بما عليها من الجلد ، فإنّه مأكول ، وبه قال بعض الشافعيّة(٢) .

ج - لو رأى بعض الثوب وبعضه الآخر في صندوق أو جِرابٍ لم يره ولا وُصف ، لم يصحّ ، وهو أحد قولي الشافعي ؛ للجهالة ، سواء قال ببطلان بيع الغائب أو لا.

أمّا على البطلان : فظاهر.

وأمّا على الصحّة : فلأنّه ناظرٌ إلى بعضه فيسهل النظر إلى باقية ، بخلاف الغائب فقد(٣) يعسر إحضاره وتدعو الحاجة إلى بيعه ، فجاز هناك ولم يجز هنا. ولأنّ الرؤية فيما رآه سبب اللزوم ، وعدمها فيما لم يُر سبب الجواز ، والعقد الواحد لا يتصوّر إثبات الجواز واللزوم فيه معاً ، ولا يمكن تبعيض المعقود عليه في الحكمين(٤) .

وهذان [ الفرقان ](٥) باطلان ؛ لأنّهم جوّزوا بيع ما في الكُمّ مع سهولة‌

____________________

(١) كلمة « و» لم ترد في « ق ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٠ ، المجموع ٩ : ٢٩٨ - ٢٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٤١ ، وفيها جواز بيع الأكارع والرؤوس بعد الإبانة فقط ، مع وجهٍ شاذّ لصحّة بيع الأكارع قبلها.

(٣) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : قد. وما أثبتناه - كما هو الأنسب بالعبارة - من العزيز شرح الوجيز.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦١ ، المجموع ٩ : ٢٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢.

(٥) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : القدران. وما أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.

٢٤١

إخراجه(١) . وسبب الردّ في البعض يكفي في ردّ الكلّ ، كما لو وجد البعض معيباً.

د - لو كان شيئين(١) فرأى أحدهما دون الآخر ، فإن وُصف له وصفاً يرفع الجهالة ، صحّ البيع ، وإلّا بطل ، عند علمائنا ؛ للجهالة.

أمّا الشافعي فإنّه جوّز بيع الغائب من غير وصفٍ في قولٍ ، وأبطله في آخر ، فعلى البطلان لا يصحّ البيع فيما لم يره ، وفيما يراه قولا تفريق الصفقة.

وعلى الصحّة ففي صحّة العقد فيهما قولان ، أحدهما : البطلان ؛ لأنّه جمع في صفقة واحدة بين مختلفي الحكم ؛ لأنّ ما رآه لا خيار فيه ، وما لم يره يثبت فيه الخيار ، فإن صحّحناه ، فله ردّ ما لم يره وإمساك ما رآه(٣) .

وعلى مذهبنا إذا خرج ما لم يره على غير الوصف ، كان بالخيار في الفسخ والإمضاء.

ه- لو خرج الموصوف على خلاف الوصف ، فللمشتري الخيار في طرف الرداءة ، وللبائع في طرف الزيادة على ما تقدّم.

ومَنْ جوّز بيع الغائب من غير وصفٍ - كالشافعي - أثبت له الخيار هنا عند الرؤية ، سواء شرطه أولا ؛ لأنّه شرط شيئاً ولم يحصل ، فثبت الخيار(٤) .

وقال بعض الشافعيّة : لو خرج على غير الوصف ، لم يثبت الخيار إلّا أن يشترطه(٥) .

وهل له الخيار قبل الرؤية؟ مقتضى مذهبنا أنّه ليس له ذلك ؛ إذ ثبوت‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦١.

(٢) أي : لو كان المبيع شيئين.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦١ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢ ، المجموع ٩ : ٢٩٦.

(٤ و ٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢ ، المجموع ٩ : ٢٩٣.

٢٤٢

الخيار منوط بخروجه على خلاف(١) الوصف.

أمّا الشافعي فظاهر مذهبه - على قوله بمنع بيع الغائب - أنّ الإجازة لا تنفذ ؛ لأنّ الإجازة رضا بالعقد والتزامٌ له ، وذلك يستدعي العلم بالمعقود عليه وهو جاهل بحاله. ولو كفى قوله : أجزت ، مع الجهل ، لأغنى قوله في الابتداء : اشتريت(٢) .

وله وجه آخر بالنفوذ تخريجاً من تصحيح الشرط إذا اشترى بشرط أنّه لا خيار(٣) .

وأمّا الفسخ فوجهان عنده بناءً على نفوذ الإجازة ، فإن قال بنفوذها ، فالفسخ أولى ، وإن منع من نفوذها ، ففي الفسخ وجهان : عدم النفوذ ؛ لأنّ الخيار في الخبر(٤) منوط بالرؤية. وأصحّهما عنده : النفوذ ؛ لأنّ حقّ الفسخ ثابت له عند الرؤية مغبوطاً كان أو مغبوناً ، فلا معنى لاشتراط الرؤية في نفوذه(٥) .

و - لو كان البائع قد رآه ، فإن زادت صفته وقت العقد ، تخيّر في الفسخ والإمضاء. ولو لم تزد ، فلا خيار.

والشافعي أطلق وذكر وجهين : ثبوت الخيار كما للمشتري ؛ لأنّه كخيار المجلس يشتركان فيه. وأصحّهما : لا ؛ لأنّه أحد المتبايعين ، فلا يثبت له الخيار مع تقدّم الرؤية كالمشتري(٦) .

ولو كان البائع لم يره ، فإن كان قد وصف له وصفاً يرفع الجهالة‌

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « غير » بدل « خلاف ».

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢ ، المجموع ٩ : ٢٩٣.

(٤) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : في الجزء. وذلك تصحيف.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٢ - ٦٣.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢ ، المجموع ٩ : ٢٩٣.

٢٤٣

ولم يزد ، فلا خيار ، وإن زاد فله الخيار. ولو لم يوصف له ، بطل البيع.

وقال الشافعي على تقدير جواز بيع الغائب : في ثبوت الخيار للبائع وجهان : المنع - وبه قال أبو حنيفة - لأنّ جانب البائع بعيد عن الخيار ، بخلاف جانب المشتري. والثبوت ؛ لأنّه جاهل بالمعقود عليه فأشبه المشتري(١) .

ز - الأقرب ثبوت خيار المجلس مع خيار الرؤية ؛ لتعدّد السبب ، فيتعدّد المسبّب ، وكما في شراء الأعيان الحاضرة.

وللشافعي قولان ، هذا أحدهما. والثاني : لا يثبت ؛ للاستغناء بخيار الرؤية عنه ، فعلى الأوّل يكون خيار الرؤية على الفور ، وإلّا لثبت خيار مجلسين ، وعلى الثاني يمتدّ بامتداد مجلس الرؤية(٢) .

ح - لو اشترى موصوفاً ثمّ تلف في يده قبل الرؤية ، لم يبطل البيع‌ إلّا أن يُثبت المشتري الخلاف ويختار الفسخ. وللشافعي قولان(٣) .

ولو باعه قبل الرؤية بوصف البائع ، صحّ عندنا - خلافاً للشافعي(٤) - كما لو باعه في زمن خيار الشرط ، فإنّه يجوز على أصحّ القولين عنده ؛ لأنّه يصير مُجيزاً للعقد(٥) .

ط - لا يشترط الرؤية مع الوصف الرافع للجهالة‌ - وهو أحد قولي‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٣ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٣٣ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢ - ٤٣ ، المجموع ٩ : ٢٩٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٣ - ٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣ ، المجموع ٩ : ٢٩٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣ ، المجموع ٩ : ٢٩٥.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣ ، المجموع ٩ : ٢٩٥ - ٢٩٦.

٢٤٤

الشافعي(١) - لانتفاء الغرر ، فلا يشترط ذوق الطعم في المطعوم ، ولا الشمّ في المشموم ، ولا اللمس في الملموس.

وعلى قول الشافعي باشتراط الرؤية يشترط في هذه الإدراكُ بهذه المشاعر ؛ لأنّ كيفيّاتها المقصودة إنّما تُعرف بهذه الطرق(٢) .

وله قول آخر على اشتراط الرؤية أيضاً : عدم الاشتراط(٣) .

ى - لو كان غائباً في غير بلد التبايع ، سلّمه في ذلك البلد. ولو شرط تسليمه في بلد التبايع ، جاز عندنا ، كالسّلم.

ومَنَع بعض الشافعيّة وإن جوّزه في السَّلَم ؛ لأنّ السَّلَم مضمون في الذمّة ، والعين الغائبة غير مضمونة في الذمّة ، فاشتراط نقلها يكون بيعاً وشرطاً(٤) .

ونمنع بطلان اللازم على ما يأتي.

يأ - لو رأى ثوبين ثمّ سُرق أحدهما وجُهل بعينه ثمّ اشترى الباقي ، فإن تساويا صفةً وقدراً وقيمةً ، احتُمل صحّة البيع ؛ لكونه معيّناً مرئيّاً معلوماً. والعدم ، كبيع أحدهما. والأوّل أقرب.

ولو اختلفا في شي‌ء من ذلك ، لم يصحّ عندنا قطعاً ؛ لأنّ الرؤية لم تُفد شيئاً ، فإنّ المشتري لا يدري الباقي هل هو الطويل أو القصير؟ فلم يستفد من الرؤية حال المبيع عند العقد ، وهو أحد قولي الشافعي. وفي الثاني : يجوز ؛ لأنّه لا يقصر عن بيع الغائب في العلم(٥) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٥ - ٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧ ، المجموع ٩ : ٢٩١.

(٢ و ٣ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣ ، المجموع ٩ : ٢٩٥.

(٤) الحاوي الكبير ٥ : ٢١ - ٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣ ، المجموع ٩ : ٢٩٣.

(٥) الوسيط ٣ : ٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣ ، المجموع ٩ : ٢٩٤.

٢٤٥

يب - لو اختلفا فقال المشتري : ما رأيت المبيع. وقال البائع : بل رأيته ، قدّم قول البائع ؛ عملاً بصحّة البيع. ولأنّ للمشتري أهليّة الشراء وقد أقدم عليه ، فكان ذلك اعترافاً منه بصحّة العقد. وهو أحد قولي الشافعي(١) بناءً على القول باشتراط الرؤية.

أمّا على القول بعدمه(٢) فوجهان ، هذا أحدهما ؛ لأنّه اختلاف في سبب الخيار ، فأشبه ما لو اختلفا في قدم العيب. وأظهرهما عندهم : تقديم قول المشتري ، كما لو اختلفا في اطّلاعه على العيب(٣) .

القسم الرابع : النهي عن بيع وشرط.

اعلم أنّ عقد البيع قابل للشروط التي لا تنافيه ، أمّا ما ينافيه فلا يقبلها.

روى الجمهور أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن بيع وشرط(٤) .

ومن طريق الخاصّة : ما رواه عمّار عن الصادقعليه‌السلام قال : « بعث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رجلاً من أصحابه والياً ، فقال له : إنّي بعثتك إلى أهل الله - يعني أهل مكة - فانْهَهم عن بيع ما لم يقبض ، وعن شرطين في بيع ، وعن ربح ما لم يضمن »(٥) .

____________________

(١) في « ق ، ك» : الشافعيّة.

(٢) أي : عدم اشتراط الرؤية. وفي « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : بعدمها. والصحيح ما أثبتناه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣ - ٤٤ ، المجموع ٩ : ٢٩٤.

(٤) معرفة علوم الحديث : ١٢٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٥ ، المغني ٤ : ٣٠٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦.

(٥) التهذيب ٧ : ٢٣١ / ١٠٠٦.

٢٤٦

وهذان النصّان ليسا على الإطلاق إجماعاً ؛ لما يأتي من جواز الشرط في العقد ، وقبول عقد البيع للشرط.

إذا تقرّر هذا ، فكلّ شرط يخالف الكتاب والسنّة فإنّه باطل إجماعاً.

وفي بطلان البيع ببطلانه بحث سيأتي ، وما لا يخالف الكتاب والسنّة فإنّه جائز ما لم يتضمّن ما ينافي العقد ، فأقسام الشرط أربعة :

أ - ما يوافق مقتضى العقد ويؤكّده ، مثل أن يشترط التسليم أو خيار المجلس أو التقابض أو ما أشبه ذلك ، فهذا لا يؤثّر في العقد نفعاً ولا ضرّاً.

ب - شرط لا يقتضيه العقد لكن يتعلّق به مصلحة المتعاقدين للعقد. وهو قد يتعلّق بالثمن ، كالأجل والرهن والضمان ، أو بالمثمن ، كاشتراط صفة مقصودة في السلعة ، كالصناعة والكتابة ، أو بهما معاً ، كالخيار. وهو جائز.

فهذه الشروط لا تُفسد العقد ، وتصحّ في أنفسها عندنا وعند الشافعي(١) .

ج - ما لا يتعلّق به مصلحة المتعاقدين لكنّه ممّا بُني على التغليب والسراية ، كشرط العتق. وهو جائز أيضاً.

د - ما لم يُبْنَ على التغليب والسراية ولا يتعلّق به مصلحة المتعاقدين ولا يقتضيه العقد ، فهذا عندنا جائز إن لم يخالف المشروع ولم يُنافِ مقتضى العقد ، وذلك مثل أن يبيعه داراً ويشترط سكناها سنة ، وبه قال الأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق(٢) .

وإن خالف المشروع ، مثل أن يبيع جاريةً بشرط أن لا ينتفع بها‌

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥١٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٥ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٧١ ، المجموع ٩ : ٣٦٤.

(٢) المغني ٤ : ٣٠٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٦ ، المجموع ٩ : ٣٧٨.

٢٤٧

المشتري ، فهذا باطل.

والشافعي أبطل هذين القسمين معاً(١) ، وسيأتي.

مسألة ١١٧ : قد بيّنّا أنّ كلّ شرط ينافي مقتضى العقد‌ فإنّه يكون باطلاً ، مثل أن يشتري جارية بشرط أن لا خسارة عليه ، ومعناه أنّه متى خسر فيها فضمانه على البائع. وكذا لو شرط عليه أن لا يبيعها على إشكال ، أو لا يعتقها على إشكال ، أو لا يطأها ، فإنّ هذه الشروط باطلة ؛ لمنافاتها مقتضى العقد ، فإنّ مقتضاه ملك المشتري والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « الناس مسلّطون على أموالهم »(٢) .

وسأل عبدُ الملك بن عتبة [ الكاظم ](٣) عليه‌السلام عن الرجل ابتاع منه طعاماً أو ابتاع متاعاً على أن ليس عليَّ منه وضيعة هل يستقيم هذا؟ وكيف يستقيم وحدّ ذلك(٤) ؟ قال : « لا ينبغي »(٥) .

وإذا بطلت الشروط ، بطل البيع - خلافاً لبعض(٦) علمائنا - لأنّ التراضي إنّما وقع على هذا الشرط ، فبدونه لا تراضي ، فتدخل تحت قوله تعالى :( لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) (٧) وبه قال الشافعي والنخعي والحسن البصري وأبو حنيفة وأحمد‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٥ ، المجموع ٩ : ٣٦٨ و ٣٦٩ و ٣٧٦ و ٣٧٨.

(٢) أورده الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ١٧٦ - ١٧٧ ، المسألة ٢٩٠.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : الرضا. وما أثبتناه موافق لما في المصدر.

(٤) في التهذيب : وكيف يستقيم وجه ذلك؟

(٥) التهذيب ٧ : ٥٩ / ٢٥٣ ، الاستبصار ٣ : ٨٤ / ٢٨٤.

(٦) الشيخ الطوسي في المبسوط ٢ : ١٤٩.

(٧) النساء : ٢٩.

٢٤٨

ابن حنبل(١) .

وقال ابن شُبْرُمة : البيع جائز والشرط جائز أيضاً(٢) ؛ لأنّ جابراً قال : ابتاع منّي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعيراً بمكة ، فلمـّا نقدني الثمن شرطت عليه أن يحملني على ظهره إلى المدينة(٣) .

وقال ابن أبي ليلى : البيع صحيح والشرط باطل - وهو رواية أبي ثور عن قولٍ للشافعي(٤) - لأنّ عائشة اشترت بَرِيرَة بشرط أن تُعتقها ويكون ولاؤها لمواليها ، فأجاز النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله البيع وأبطل الشرط(٥) (٦) .

والجواب عن الأوّل : أنّا نقول بموجبه ، وإنّما يرد على الشافعي حيث أبطل مثل هذا الشرط على ما تقدّم في التقسيم.

وعن الثاني : جاز أن يكون شرط الولاء في العتق ، فلا يبطل ببطلانه ، بخلاف البيع.

____________________

(١) مختصر المزني : ٨٧ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣١٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٥ ، المجموع ٩ : ٣٦٨ و ٣٧٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٢ ، حلية العلماء ٤ : ١٢٩ ، الوسيط ٣ : ٧٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٥ - ١١٦ و ١٢٠ ، المحلّى ٨ : ٤١٥ ، المغني ٤ : ٣٠٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٦١.

(٢) معرفة علوم الحديث : ١٢٨ ، المحلّى ٨ : ٤١٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٣١ ، المجموع ٩ : ٣٧٦.

(٣) صحيح البخاري ٣ : ٢٤٨ ، صحيح مسلم ٣ : ١٢٢٣ / ١١٣ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٣٧ بتفاوت.

(٤) حلية العلماء ٤ : ١٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢١ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٥ ، المجموع ٩ : ٣٦٩.

(٥) صحيح البخاري ٣ : ٢٥١ ، صحيح مسلم ٢ : ١١٤١ / ١٥٠٤ ، وراجع أيضاً المصادر في الهامش (٢) من ص ٢٥٠.

(٦) معرفة علوم الحديث : ١٢٨ ، المحلّى ٨ : ٤١٥ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣١٢ ، حلية العلماء ٤ : ١٣١ ، المجموع ٩ : ٣٧٦ ، المغني ٤ : ٣٠٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٦١.

٢٤٩

وقسَّم بعضُ الشافعيّة الشرطَ إلى صحيحٍ وفاسدٍ ، ففي الأوّل العقدُ صحيح قطعاً ، وفي الثاني إن لم يكن شيئاً يفرد بعقدٍ ولا يتعلّق به غرض يورث تنازعاً ، لم يؤثّر في البيع ، كما لو عيّن الشهود وقلنا : لا يتعيّنون ، لم يفسد به العقد ؛ لأنّا(١) إذا ألغينا تعيين(٢) الشهود ، أخرجناه عن أن يكون من مقاصد العقد. وإن تعلّق به غرض ، فسد العقد بفساده ؛ للنهي عن بيع وشرط(٣) . ولأنّه يوجب الجهل بالعوض.

وإن كان ممّا يفرد بعقدٍ ، كالرهن والكفيل ، ففي فساد البيع بشرطهما على نعت الفساد قولان : الفساد - وبه قال أبو حنيفة - كسائر الشروط(٤) الفاسدة. والصحّة - وبه قال المزني - لأنّه يجوز إفراده عن البيع ، فلا يوجب فسادهُ فسادَ البيع ، كالصداق لا يوجب فسادهُ فسادَ النكاح(٥) .

قال عبد الوارث بن سعيد : دخلت مكة فوجدت بها ثلاثة فقهاء كوفيّين : أبو حنيفة وابن أبي ليلى ، وابن شُبْرُمة ، فصرتُ إلى أبي حنيفة فسألته عمّن باع بيعاً وشرط شرطاً ، فقال : البيع والشرط فاسدان ، فأتيت ابن أبي ليلى فسألته ، فقال : البيع جائز والشرط باطل ، فأتيت ابن شُبْرُمة فسألته ، فقال : البيع والشرط جائزان ، فرجعت إلى أبي حنيفة فقلت : إنّ صاحبيك خالفاك ، فقال : لست أدري ما قالا ، حدّثني عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جدّه أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن بيع وشرط. ثمّ أتيت ابن أبي ليلى ، فقلت : إنّ صاحبيك خالفاك ، فقال : ما أدري ما قالا ، حدّثني هشام بن‌

____________________

(١) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : ولأنّا. وما أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.

(٢) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : تعيّن. وما أثبتناه من العزيز شرح الوجيز.

(٣) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٢٤٥ ، الهامش (٤).

(٤) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : « العقود » بدل « الشروط ». وما أثبتناه من المصدر.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٢٠ - ١٢١ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٥ - ٧٦.

٢٥٠

عروة عن أبيه عن عائشة أنّها قالت : لمـّا اشتريت بَرِيرَة جاريتي شرطَتْ عليَّ مواليها أن أجعل ولاءها لهم إذا أعتقتها ، فجاء النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : « الولاء لمن أعتق » فأجاز البيع وأفسد الشرط، فأتيت ابن شبرمة فقلت : إنّ صاحبيك خالفاك ، فقال : ما أدري ما قالا ، حدّثني مسعر عن محارب عن جابر قال : ابتاع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله [ منّي ](١) بعيراً بمكة ، فلمـّا نقدني الثمن شرطتُ عليه أن يحملني على ظهره إلى المدينة ، فأجاز النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله الشرط والبيع(٢) .

مسألة ١١٨ : ومن الشروط الجائزة عندنا أن يبيعه شيئاً ويشترط في متن العقد أن يشتري منه شيئاً أو يبيعه شيئاً آخر أو يقرضه شيئا أو يستقرض منه ، لقولهعليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم»(٣) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « المسلمون عند شروطهم إلّا كلّ شرط خالف كتاب الله عزّ وجلّ فلا يجوز »(٤) .

وقالعليه‌السلام : « من اشترط شرطاً مخالفاً لكتاب الله عزّ وجلّ فلا يجوز له ولا يجوز على الذي اشترطه عليه ، والمسلمون عند شروطهم ممّا وافق كتاب الله عزّ وجلّ »(٥) .

وهذه الشروط كلّها سائغة لا تخالف كتاب الله تعالى ، فوجب جوازها ولزومها وصحّة العقد معها.

وقال الشافعي : لا يجوز ذلك ؛ لأنّه جَعَل الثمن والرفق بالعقد الثاني‌

____________________

(١) أضفناها من كتاب الخلاف للشيخ الطوسي ، وكما ورد سابقاً في ص ٢٤٨.

(٢) الخلاف ٣ : ٢٩ - ٣٠ ، المسألة ٤٠ ، معرفة علوم الحديث : ١٢٨ ، المبسوط - للسرخسي - ١٣ : ١٣ - ١٤ ، المحلّى ٨ : ٤١٥ - ٤١٦.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٤) الفقيه ٣ : ١٢٧ / ٥٥٣ ، التهذيب ٧ : ٢٢ / ٩٣.

(٥) الكافي ٥ : ١٦٩ / ١ ، التهذيب ٧ : ٢٢ / ٩٤ ، وفيهما : « فيما وافق ».

٢٥١

ثمناً ، واشتراط العقد الثاني فاسد ، فبطل(١) بعض الثمن ، وليس له قيمة يتعلّق به حتى يفرض التوزيع عليه وعلى الباقي(٢) .

والجواب : المنع من جَعْل الرفق بالعقد الثاني جزءاً من الثمن.

ولا نسلّم بطلان اشتراط العقد الثاني ، فإنّه المتنازع. ثمّ ينتقض بشرط العتق وما حكم بجوازه من الشروط.

فروع :

أ - لو تبايعا بشرط أن يبيعه شيئاً آخر ، فقد قلنا : إنّه يصحّ عندنا ، خلافاً للشافعي(٣) . وينصرف الثاني إلى البيع الصحيح ، فإذا باعه الثاني صحيحاً ، صحّ ، ووفى بالشرط. وإن باعه باطلاً ، لم يعتدّ به ، ووجب عليه استئناف عقد صحيح ، عملاً بمقتضى الشرط وتحصيلاً له.

ب - لو باعه شيئاً بشرط أن يبيعه إيّاه ، لم يصحّ ، سواء(٤) اتّحد الثمن قدراً ووصفاً وعيناً أو لا ، وإلّا جاء الدور ؛ لأنّ بيعه له يتوقّف على ملكيّته له ، المتوقّفة على بيعه ، فيدور.

أمّا لو شرط أن يبيعه على غيره ، فإنّه يصحّ عندنا حيث لا منافاة فيه للكتاب والسنّة.

لا يقال : ما ألزمتموه من الدور آتٍ هنا.

لأنّا نقول : الفرق ظاهر ؛ لجواز أن يكون جارياً على حدّ التوكيل أو‌

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : فيبطل.

(٢ و ٣) الوجيز ١ : ١٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٦ و ٧٢ ، المجموع ٩ : ٣٦٨ و ٣٧٣ ، المغني ٤ : ٣١٤.

(٤) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : وسواء. والصحيح ما أثبتناه.

٢٥٢

عقد الفضولي ، بخلاف ما لو شرط البيع على البائع.

ج - لو باعه شيئاً بشرط أن يبيعه آخَرَ(١) أو يُقرضه بعد شهر أو في الحال ، لزمه الوفاء بالشرط ، فإن أخلّ به ، لم يبطل البيع ، لكن يتخيّر [ البائع ](٢) بين فسخه للبيع وبين إلزامه بما شرطه ، فإن فسخ البيع ، فالنماء المتجدّد بين العقد والفسخ للمشتري ، أمّا المتّصل فللبائع ؛ لأنّه تابع للعين.

د - لو باعه شيئاً بشرط أن يُقرضه أو يبيعه أو يؤجره ، صحّ عندنا على ما قلناه ، خلافاً للشافعي ، فعلى قوله لو تبايعا البيع الثاني ، فإن كانا يعلمان بطلان الأوّل ، صحّ ، وإلّا فلا ؛ لإتيانهما به على حكم الشرط الفاسد(٣) .

وقال بعض أصحابه : يصحّ أيضاً(٤) .

وهذا التفريع لا يتأتّى على قولنا إلّا فيما لو كان البيع الأوّل فاسداً ، كما لو قال : بعتك هذا بما شئت بشرط أن تبيعني كذا بكذا ، فحينئذٍ نقول : إن كانا يعلمان بطلان الأوّل وتبايعا الثاني صحيحاً ، كان لازماً ؛ لأنّه كابتداء العقد ؛ إذ لا عبرة بالشرط الفاسد مع علم فساده. وإن لم يعلما بطلانه ، صحّ أيضاً إن اُثبت لهما الخيار إن قصدا معاً بالذات البيعَ الأوّل ، وإلّا اختصّ بالخيار مَنْ قصده بالذات دون مَنْ قصده بالعرض.

ه- لو باعه شيئاً بشرط أن يبيعه على زيد بكذا ، فباعه بأزيد ، فإن قصد إرفاقَ زيد أو غرضاً معتبراً عند العقلاء ، تخيّر بين الفسخ والإمضاء ؛

____________________

(١) أي : شيئاً آخر.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : المشتري. وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٦ ، المجموع ٩ : ٣٧٣.

٢٥٣

لمخالفة الشرط ، فإن فسخ ، رجع بالعين ، وليس لزيد خيار. وإن لم يقصد ، فلا خيار.

ولو باعه بأقلّ ، تخيّر ، إلّا مع تعلّق الغرض.

ولو أطلق الثمن ، باع بما شاء ولا خيار.

ولو باعه على عمرو ، تخيّر ، سواء باعه بثمن عيّنه أو بأزيد أو بأنقص أو بأقلّ من ثمن المثل أو أطلق.

ولو عيّن الثمن وأطلق المشتري فباع بأقلّ أو أزيد ، تخيّر مع تعلّق الغرض ، وإلّا فلا.

و - لو شرط أن يبيعه على زيد فامتنع زيد من شرائه ، احتُمل ثبوت الخيار‌ بين الفسخ والإمضاء. والعدم ، إذ تقديره : بِعْه على زيد إن اشتراه.

مسألة ١١٩ : من الشروط الفاسدة شرْطُ ما لا يدخل تحت قدرة البائع عليه‌ ، فلو اشترى الزرع بشرط أن يجعله سنبلاً ، أو البُسْر بشرط أن يجعله تمراً ، بطل ويبطل البيع على ما اخترناه ، خلافاً لبعض(١) علمائنا.

نعم ، يجوز اشتراط تبقيته في الأرض أو على رؤوس النخل إلى أوان ذلك.

وكذا يصحّ اشتراط ما يدخل تحت قدرة البائع من منافعه ، مثل أن يشتري ثوباً ويشترط خياطته عليه ، أو غزلاً ويشترط نساجته ، أو فضّةً ويشترط عليه صياغتها ، أو طعاماً ويشترط عليه طحنه(٢) أو خبزه ، أو قزّاً ويشترط سلّه(٣) ، وكذا كلّ منفعة مقصودة ، عملاً بالعمومات السالمة عن‌

____________________

(١) لم نتحقّقه.

(٢) في الطبعة الحجريّة : طبخه.

(٣) السَّلُّ : انتزاع الشي‌ء وإخراجه في رفق. لسان العرب ١١ : ٣٣٨ « سلل ».

٢٥٤

معارضة مخالفة فعل هذه الشروط للكتاب والسنّة.

وكذا لو اشترى زرعاً وشرط على بائعه أن يحصده ، أو اشترى ثوباً وشرط صبغه ، أو لبناً وشرط عليه طبخه ، أو نعلاً على أن ينعل به دابّته ، أو عبداً رضيعاً على أن يتمّ إرضاعه ، أو متاعاً على أن يحمله إلى بيته والبائع يعرف البيت ، فهذا كلّه سائغ لازم عندنا ؛ لما تقدّم.

وللشافعيّة أقوال :

أحدها : أنّه يفسد قطعاً ؛ لأنّه شراء للعين واستئجار للبائع على العمل ، فقد شرط العمل في العين كالزرع قبل أن يملكه ، فأشبه ما لو استأجره لخياطة ثوب لم يملكه. ولأنّ الحصاد - مثلاً - يجب على المشتري ، فإذا شرطه على البائع ، فقد شرط ما لا يقتضيه العقد. ولأنّه شرط تأخير التسليم ، لأنّ معنى ذلك أن يسلّمه إليه مقطوعاً.

والثاني : أنّ الاستئجار يبطل ، وفي البيع قولا تفريق الصفقة.

والثالث : أنّهما باطلان ، أمّا شرط العمل : فلما تقدّم. وأمّا البيع : فلأنّ الشرط إذا فسد فسد البيع(١) .

والجواب : لا نسلّم أنّه استئجار وإن أفاد فائدته ، بل هو شرط لزم البائع بعقد البيع ، ثمّ إنّه يبطل بشرط الرهن مع الثمن في المبيع.

والثاني باطل ؛ لأنّ هذا يصحّ إفراده بالعقد ، فخالف سائر الشروط.

وكذا الثالث إنّه ليس بتأخير ؛ لأنّه يمكن تسليمه خالياً عن العمل ويسلّم الزرع قائماً. ولأنّ الشرط من التسليم ، فلم يكن ذلك تأخيراً للتسليم.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٥ : ٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٢٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٥ - ١٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٦ ، المجموع ٩ : ٣٧٣ - ٣٧٤.

٢٥٥

فروع :

أ - يشترط في العمل المشروط في العقد على البائع أن يكون محلَّلاً ، فلو اشترى العنب على شرط أن يعصره البائع خمراً ، لم يصحّ الشرط والبيع على إشكال ينشأ من جواز إسقاط المشتري الشرطَ عن البائع والرضا به خالياً عنه ، وهو المانع من صحّة البيع ، ومن اقتران البيع بالمبطل.

وبالجملة ، فهل يثمر اقتران مثل هذا الشرط بطلانَ البيع من أصله بحيث لو رضي صاحبه بإسقاطه لا يرجع البيع صحيحاً ، أو إيقاف البيع إن لم يرض بدونه بطل ، وإلّا صحّ؟ نظر.

ب - لو اشترط شرطاً مجهولاً ، كما لو باعه بشرط أن يعمل فيه ما يأمره به بعد العقد ، أو يصبغ له ثوباً ويطلقهما أو أحدهما ، فالوجهان.

ج - لا فرق في الحكم بين اقتران البيع والعمل في الثمن وتعدّده‌ بأن يقول : بعتك هذا الثوب بعشرة و [ استأجرني ](١) على خياطته بدرهم ، أو يقول : بعتك هذا الثوب وآجرتك نفسي على خياطته بعشرة ، فيقول : قبلت.

وللشافعيّة الأقوال(٢) السابقة.

د - لو اشترى حطباً على ظهر بهيمة مطلقاً ، صحّ ، ويسلّمه إليه في موضعه.

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : استأجرتك. والصحيح ما أثبتناه.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٦ ، المجموع ٩ : ٣٧٣ و ٣٧٤.

٢٥٦

وللشافعيّة قولان ، هذا أحدهما. والثاني : لا يصحّ البيع حتى يشترط تسليمه إليه في موضعه ؛ لأنّ العادة قد تقتضي حمله إلى داره(١) .

والمعتمد : الأوّل ، فعلى هذا لو شرط حمله إلى داره ، صحّ عندنا وعندهم بمقتضى الثاني.

ه- لو شرط على البائع عملاً سائغاً ، تخيّر المشتري‌ بين الفسخ والمطالبة به أو بعوضه إن فات وقته وكان ممّا يتقوّم ، كما لو شرط تسليم الثوب مصبوغاً فأتاه به غير مصبوغ وتلف في يد المشتري. ولو لم يكن ممّا يتقوّم ، تخيّر بين الفسخ والإمضاء مجّاناً.

و - لو كان الشرط على المشتري ، مثل أن باعه داره بشرط أن يصبغ المشتري له ثوبه ، فتلف الثوب ، تخيّر البائع بين الفسخ والإمضاء بقيمة الفائت إن كان ممّا له قيمة ، وإلّا مجّاناً.

مسألة ١٢٠ : لو اشترى بشرط تأجيل الثمن عليه إلى مدّة معيّنة ، صحّ ، وهو بيع النسيئة ، عند علمائنا - وهو قول الشافعي(٢) أيضاً وإن منع من شرط غير الأجل(٣) - لورود النصّ فيه.

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « مَنْ ساوم بثمنين أحدهما عاجلاً والآخر نظرةً فليسمّ أحدهما قبل الصفقة »(٤) .

إذا ثبت هذا ، فشرط الأجل المشروط في البيع أن يكون مضبوطاً محروساً من الزيادة والنقصان ، فلو شرط قدوم الحاجّ أو نزول المطر أو‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٧ ، المجموع ٩ : ٣٧٤.

(٢) الوجيز ١ : ١٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٧ ، المجموع ٩ : ٣٣٩.

(٣) الوجيز ١ : ١٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٦.

(٤) الكافي ٥ : ٢٠٦ ( باب الشرطين في البيع ) الحديث ١ ، التهذيب ٧ : ٤٧ / ٢٠١.

٢٥٧

إقباض المبيع ، بطل العقد والشرط ؛ لاشتماله على الغرر وقد نهى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عنه(١) .

ولو شرط تأجيل الثمن إلى ألف سنة مثلاً ، فالأقوى الجواز ، عملاً بالعموم الدالّ على تسويغ مثله. والقطعُ بالموت قبله باطل ؛ لمنعه أوّلاً ، ولمنع صلاحيّته للتأثير - كشكّ حياته - في المدّة القليلة ، فكما لا يمنع الشكّ كذا اليقين.

وقال بعض الشافعيّة : لو أجّل الثمن إلى ألف سنة ، بطل العقد ؛ للعلم بأنّه لا يبقى إلى هذه المدّة(٢) .

ولو سُلّم ، لم يقتض المنع ؛ لجواز انتقاله عنه إلى وارثه.

فروع :

أ - إذا أجّل الثمن إلى مدّة معلومة ، سقط الأجل بموت مَنْ عليه‌ على ما يأتي.

وهل يثبت للورثة الخيارُ؟ إشكال ينشأ من زيادة الثمن في مقابلة الأجل ولم يسلم لهم الارتفاق به ، ومن لزوم البيع وانعقاده وانتقال السلعة إلى المشتري ، فلا يبطل بالتعجيل المستند إلى حكم الشرع مطلقاً.

ب - لو آجر ثوباً ألف سنة ، لم يصحّ ، لا باعتبار زيادة الأجل ، بل للعلم بفساد العين وعدم الانتفاع به طول المدّة.

ج - لا فرق بين أن يشترط الأجل في الثمن المعيّن المشخّص‌ أو‌

____________________

(١) صحيح مسلم ٣ : ١١٥٣ / ١٥١٣ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٣٩ / ٢١٩٤ و ٢١٩٥ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٥٤ / ٣٣٧٦ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٣٢ / ١٢٣٠ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٦٦ ، مسند أحمد ٢ : ٣١٢ / ٦٢٧١ ، و ٣ : ٧١ / ٨٦٦٧ ، و ٢٨٤ / ١٠٠٦٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٧ ، المجموع ٩ : ٣٣٩.

٢٥٨

الثابت في الذمّة ، فلو شرط ثمناً معيّناً ، كهذه الدنانير ، وتأديتها في أجل معلوم ، صحّ. وكذا لو شرط تسليم المبيع المعيّن في مدّة معيّنة كأن يشتري منه هذا الثوب بعشرة بشرط أن يسلّم الثوب بعد شهر ، صحّ عند علمائنا أجمع ، خلافاً للشافعي فيهما ؛ فإنّه قال : يفسد لو كان الأجل في المبيع أو الثمن المعيّن ؛ لأنّ الأجل رفق اُثبت ليحصل الحقّ في الذمّة والمعيّن حاصل(١) . وليس بجيّد.

د - لو حلّ الأجل فأجّل البائع المشتري مدّة أو زاد في الأجل قبل حلول الأجل المضروب أوّلاً ، فهو وعد غير لازم ؛ لعدم وجود المقتضي له ، إذ الوعد غير موجب ، وبه قال الشافعي(٢) .

وقال أبو حنيفة : يلزم(٣) . ويبطل على قوله ببدل الإتلاف ، فإنّه لا يتأجّل وإن أجّله(٤) .

وقال مالك : يتأجّل(٥) .

ه- لو أوصى مَنْ له دَيْنٌ حالٌّ على إنسان بإمهاله مدّة ، فعلى ورثته إمهاله تلك المدّة ؛ للزوم التبرّعات بعد الموت ، والوصيّة هنا لم تتناول العين ، فلا تخرج من الثلث على إشكال.

و - لو كان عليه دين مؤجّل فأسقط المديون الأجل ، لم يسقط ، وليس للمستحقّ مطالبته في الحال ؛ لأنّ الأجل صفة تابعة والصفة لا تفرد بالإسقاط ، ولهذا لو أسقط مستحقّ الحنطة الجيّدةَ أو الدنانير الصحاح الجودةَ أو الصحّةَ ، لم تسقط.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٧ ، المجموع ٩ : ٣٣٩.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٧ ، المجموع ٩ : ٣٣٩.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٧.

٢٥٩

وللشافعي وجهان(١) .

مسألة ١٢١ : يصحّ اشتراط الخيار على ما يأتي‌ ، وشرطُ وثيقةٍ بالرهن والكفيل والشهادة ، وبه قال الشافعي(٢) أيضاً ، فيصحّ البيع بشرط أن يرهن المشتري بالثمن أو يتكفّل به كفيل أو يشهد عليه ، سواء كان الثمن حالّاً أو مؤجّلاً.

وكذا يجوز أن يشترط المشتري على البائع كفيلاً بالعهدة ، عملاً بعموم قولهعليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم »(٣) السالم عن معارضة مخالفته للكتاب والسنّة ، بل هي موافقة لهما ؛ لقوله تعالى :( فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ ) (٤) ( وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ ) (٥) .

وهل يجوز أن يشترط المشتري على البائع رهناً على عهدة الثمن المقبوض لو خرج المبيع مستحقّاً؟ الأقرب ذلك.

ولا بُدّ من تعيين الرهن بالمشاهدة أو الوصف ، كما يوصف المـُسْلَم فيه - وبه قال الشافعي(٦) - دفعاً للغرر ، وحسماً لمادّة التنازع.

وقال مالك : لا يشترط التعيين ، بل ينزّل المطلق على ما يصلح أن يكون رهناً لمثل ذلك في العادة(٧) .

وقال أبو حنيفة : لو قال : رهنتك أحد هذين العبدين ، جاز ، كالبيع(٨) .

وقد تقدّم بطلانه.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٧ ، المجموع ٩ : ٣٣٩ - ٣٤٠.

(٢) الوسيط ٣ : ٧٤ ، الوجيز ١ : ١٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٨.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٤) البقرة : ٢٨٣.

(٥) البقرة : ٢٨٢.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٨ ، المجموع ٩ : ٣٧٥.

(٧ و ٨) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٠.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

فإذا جعفر يطير مع الملائكة ، وإذا حمزة مع أصحابه»(١) . وحين قدم جعفر من الحبشة قال النّبيّ : «ما أدري بأيّهما أنا أشدّ فرحا بقدوم جعفر أو بفتح خيبر ، وقبّل ما بين عينيه»(٢) .

الهجرة إلى الحبشة :

قال صاحب السّيرة النّبويّة :

«قال لمّا رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما يصيب أصحابه من البلاء وما هو فيه من العافية بمكانه من الله ، ومن عمّه أبي طالب ، وأنّه لا يقدر على أن يمنعهم ممّا هم فيه من البلاء ، قال لهم : لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإنّ بها ملكا لا يظلم أحد عنده وهي أرض صدق حتّى يجعل الله لكم فرجا ممّا أنتم فيه ، فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أرض الحبشة مخافة الفتنة ، وفرارا إلى اللهعزوجل بدينهم فكانت أوّل هجرة في الإسلام»(٣) .

امتثلوا أمر الرّسول ، وذهبوا إلى الحبشة ، وكان فيمن هاجر إليها جعفر الطّيّار ،

__________________

(١) انظر ، ذخائر العقبى : ٢١٦ ، الإستيعاب : ١ / ٢١١ ـ ٢١٣ ، ربيع الأبرار : ٣ / ٣٦٤ ، فتح الباري : ٧ / ٦٢ ، تحفة الأحوذي : ١٠ / ١٨٣ ، الكامل في التّأريخ : ٣ / ٢٣٠.

(٢) انظر ، المصنّف لابن أبي شيبة : ٦ / ٢٨١ ح ٣٢٢٦ ، الآحاد والمثاني : ١ / ٢٧٦ ح ٣٦٣ ، المعجم الكبير : ٢ / ١٠٨ ح ١٤٦٩ ، شعب الإيمان : ٦ / ٤٧٧ ح ٦٩٦٨ ، فتح الباري : ١١ / ٥٢ ، تفسير القرطبي : ١٥ / ٢١٥ ، تفسير ابن كثير : ٣ / ٤٦٨ ، الطّبقات الكبرى : ٣ / ١٠٨ و : ٤ / ٣٥.

(٣) انظر ، السّيرة النّبويّة : ١ / ٣٢١ طبعة (١٩٥٥ م). (منهقدس‌سره ) ، و : ٢ / ١٦٤ ، تأريخ الطّبري : ٢ / ٧٠ ، البداية والنّهاية : ٣ / ٨٥ ، الثّقات : ١ / ٥٧ ، الطّبقات الكبرى : ٤ / ٣٤ ، الإستيعاب : ١ / ٢٤٢ ، أسد الغابة ١ : ٣٤١ ، مختصر تأريخ دمشق : ٦ / ٢٢.

٣٠١

وزوّجته أسماء بنت عميس ، وولدت له هناك عبد الله ، وعونا ، ومحمّدا(١) . ولقي المسلمون من النّجاشي ملك الحبشة حسن الجوار والضّيافة(٢) .

ولمّا رأت قريش أنّهم قد آمنوا بأرض الحبشة ، وأصابوا أمانا واطمئنانا ، جمعوا للنّجاشي وبطارقته هدايا ، وبعثوا بها مع عمرو بن العاص(٣) ، وعمارة بن الوليد أخ خالد بن الوليد ، ليردّ النّجاشي المسلمين إلى المشركين.

«وصحب عمرو بن العاص في رحلته زوّجة دخل عليها مذ قليل وهي امرأة جميلة فاتنة للألباب لعوب ، لم يكن عمرو يطيق أن يبتعد عنها وفي

__________________

(١) تقدّمت تخريجاته.

(٢) انظر ، المستدرك على الصّحيحين : ٢ / ٦٢٣ ، سيرة ابن إسحق : ٦٩ ، دلائل النّبوّة : ٢ / ٢٢ ، تأريخ اليعقوبيّ : ٢ / ١٣ ، أنساب العرب لابن حزم : ١٥٤ ، طبقات ابن سعد : ٧ / ق ٢ / ١٨٨ ، المعارف لابن قتيبة : ٢٨٥ ، اسد الغابة : ٤ / ٤٢٠ ، الكامل في التّأريخ : ٢ / ٢٣٢ ، البداية والنّهاية : ٤ / ٢٧٥ ، شرح النّج لابن أبي الحديد : ١ / ٢٠ و ٨ / ٥٣ ، مقاتل الطّالبيين : ٤٤.

(٣) أبو عبد الله أو أبرو محمّد عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم القرشيّ السّهمي وأمّه النّابغة بنت حرملة ، سبيت من بني جيلان بن عتيك ، وبيعت بعكاظ واشتراها الفاكه بن المغيرة ، ثمّ انتقلت إلى عبد الله بن جدعان ومنه إلى العاص بن وائل ، فولدت له عمرا. أرسلته قريش إلى النّجاشي ليغيّر رأيه على جعفر بن أبي طالب ، ومن معه من المهاجرين إلى الحبشة ، ويسترجعهم إلى مكّة فردّه النّجاشي. أسلم سنة ثمان ، وقبل الفتح بستّة أشهر. وافتتح مصر لعمر ، ووليها إلى السّنة الرّابعة من خلافة عثمان ، فعزله عنها ، فأخذ يؤلّب عليه حتّى قتل. ثمّ اشترك مع معاوية بصفّين مطالبا بثأر عثمان ، وأشار برفع المصاحف للصّلح فانخدع جيش عليّ وقبلوا الصّلح ، وعيّنوا أبا موسى من قبلهم ، وعيّن معاوية عمرا فغدر بأبي موسى وخلعا عليّا ونصب عمرو معاوية وأخذ مصر طعمة من معاوية ووليها بعد قتل محمّد بن أبي بكر حتّى توفّي سنة (٤٣ ه‍) أو بعدها ، ودفن هناك.

انظر ، جمهرة أنساب العرب لابن حزم : ١٥٤ ، وطبقات ابن سعد : ٧ / ق ٢ / ١٨٨ ، المعارف لابن قتيبة : ٢٨٥ ، اسد الغابة : ٤ / ٤٢٠ ، الكامل في التّأريخ : ٢ / ٢٣٢ ، البداية والنّهاية : ٤ / ٢٧٥ ، شرح النّهج لابن أبي الحديد : ١ / ٢٠ و ٨ / ٥٣ ، مقاتل الطّالبيّين : ٤٤.

٣٠٢

الطّريق إلى النّجاشي رأت امرأة عمرو عمارة ، وتحدّثت إليه فشغفها حبّا وذات ليلة هجرت زوّجها عمرو بن العاص ، وارتمت في فراش ابن الوليد ولم تعد إلى عمرو إلّا بشرط أن تتردّد بينه وبين ابن الوليد(١) .

وسبقت أنباء هذه الفضيحة إلى النّجاشي ، وإلى المهاجرين ، فلم تنفع حيلة لعمرو بن العاص ، وردّ النّجاشي الرّسل إلى قريش خائبين ، وظل على كرمه مع المهاجرين إليه أمّا المسلمون في قريش فقد تلقوا عمرو بالسّخرية ، وعلموه أنّ الإسلام وحده هو الّذي كان يمكن أن يعصم امرأته ويعصمه من مثل هذا الهوان»(٢) .

ورجع جعفر الطّيّار ومن معه من المسلمين إلى المدينة سنة (٧ ه‍) فصادف رجوع النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من خيبر ، فقال : «ما أدري بأيّهما أنا أشدّ فرحا بقدوم جعفر أو بفتح خيبر»(٣) . وقبّل ما بين عينيه وقال له : أنت أشبه النّاس بخلقي ،

__________________

(١) انظر ، السّيرة النّبويّة لابن كثير : ٢ / ٢٦.

(٢) ذكر أصحاب السّير ، والتّواريخ قصّة عمارة وزوّجة عمرو ، وأنّ النّجاشي جمع بين الرّسولين ، وبين المسلمين ، وتكلّم جعفر عن دعوة الرّسول ، ومحاسن الإسلام ، وكانت النّتيجة أن طرد النّجاشي الرّسول ، وزاد في إكرام المسلمين ، وقد آثرت نقل هذه العبارة من كتاب «محمّد رسول الحرّيّة» لعبد الرّحمن الشّرقاوي ، لجمعها واختصارها. (منهقدس‌سره ).

(٣) تقدّمت تخريجاته. وانظر ، المستدرك على الصّحيحين : ٢ / ٦٨١ ح ٤٢٤٩ ، و : ٣ / ٢٣٠ ح ٤٩٣١ وص : ٢٣٣ ح ٤٩٤١ ، مجمع الزّوائد : ٦ / ٣٠ و : ٩ / ٢٧١ ـ ٢٧٢ و ٤١٩ ، مسند البزار : ٦ / ٢٠٩ ح ٢٢٤٩ ، المعجم الكبير : ٢ / ٢٠٨ ح ١٤٦٩ و ١٤٧٠ و : ٢ / ١١٠ ح ١٤٧٨ و : ٢٢ / ١٠٠ ح ٢٤٤ ، فتح الباري : ١١ / ٥٢ ، تهذيب التّهذيب : ٢ / ٨٣ ح ١٤٦ ، تهذيب الكمال : ٥ / ٥٣ ، الطّبقات الكبرى : ٢ / ١٠٨ و : ٤ / ٣٥ ، السّيرة النّبويّة : ٥ / ٥.

٣٠٣

وخلقي ، وخلقت من الطّينة الّتي خلقت منها»(١) .

استشهاده :

في سنة (٨ ه‍) ، بعث رسول الله أحد أصحابه ، وهو الحارث بن عمير(٢) بكتاب إلى ملك بصرى بأرض الشّام ، فلمّا نزل مؤتة عرض له شرحبيل الغسّاني أحد ولاة الرّوم ، فأوثقه ثمّ ضرب عنقه ، ولم يقتل غيره من بعوث رسول الله ، فاشتدّ ذلك على رسول الله ، وجهّز جيشا من ثلاثة آلاف ، وأمّر عليهم جعفر الطّيّار ، فإن قتل فزيد بن حارثة ، فإن قتل فعبد الله بن رواحة ، وانطلق الجيش إلى مشارف الشّام ، فجمع له الرّوم مئة ألف مقاتل ، وقيل : مئتا ألف ، وأخذ الرّاية جعفر ، وأقبل على الرّوم يجالدهم بعنف ، فقطعت يمينه ، فأخذ اللّواء بشماله فقطعت ، فاحتضن الرّاية بعضدية ، حتّى قتل(٣) .

__________________

(١) انظر ، ذخائر العقبى للمحبّ الطّبري : ٢١٤ و ٢١٥ طبعة سنة (١٩٥٦ م) (منهقدس‌سره ). ومجمع الزّوائد:٥ / ٢٠٨ و : ٩ / ٢٧٢ ، المعجم الأوسط : ٦ / ٣٣٥ ، كنز العمّال : ١٣ / ٣٢٢.

(٢) صحابي ، بعثه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ملك بصرى بكتابه ، فلمّا نزل مؤتة (قرب الكرك ـ بشرقي الأردن) عرض له شرحبيل بن عمرو الغسّاني فأوثقه رباطا ، وضرب عنقه صبرا. ولم يقتل لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رسول غيره. وعلى أثر مقتله كانت غزوّة مؤتة.

انظر ، الإصابة : ١ / ٦٨١ رقم «١٤٦١» ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١٥ / ٦١ ، الطّبقات الكبرى : ٢ / ١٢٨ و : ٤ / ٣٤٣ ، اسد الغابة : ٢ / ٦٩ ، المصباح المضيء : ١ / ٣٥٩ ، الإستيعاب : ١ / ٣٠٤ ، تأريخ دمشق : ٢ / ٧ و : ١١ / ٤٦٤.

(٣) انظر ، تهذيب التّهذيب : ٥ / ٢١٢ ، إمتاع الأسماع : ١ / ٢٧ ، الإصابة رقم «٤٦٦٧» ، صفوة الصّفوة : ١ / ١٩١ ، حلية الأولياء : ١ / ١١٨ ، تأريخ ابن عساكر : ٧ / ٣٨٧ ، الطّبقات لابن سعد : ٣ / ٧٩ ، الكامل لابن الأثير ٢ / ٨٦ ، المحبّر : ١١٩ و ١٢١ و ١٢٣.

٣٠٤

وروي أنّه حين اشتدّ القتل ، نزل عن فرسه ، وعقرها فكان أوّل رجل عقر فرسه في الإسلام ، وقاتل وهو يقول(١) :

يا حبّذا الجنّة واقترابها

طيبة وبارد شرابها

والرّوم روم قد دنا عذابها

كافرة بعيدة أنسابها

عليّ إذ لاقيتها ضرابها

وبعد أن استشهد وجدوا في مقدّم جسده الشّريف أكثر من تسعين ضربة وطعنة(٢) .

هذا هو بيت أبي طالب ، وهذه أبناؤه ، فمنذ اليوم الّذي نبتت فيه بذرة الإسلام إلى آخر يوم من أيّام العبّاسيّين عانى التّجويع ، والسّجن ، والحصر في شعب مكّة المكّرمة ، والتّشريد في أرض الحبشة ، ومجابهة الموت بالمبيت إلى فراش الرّسول ، والجهاد في بدر ، وأحد ، والأحزاب ، وفي جميع غزوات الرّسول وحروبه ، والقتل في أرض الشّام والعراق ، وفي كلّ مكان كلّ ذلك من أجل الإسلام ، وكلمة «لا إله إلّا الله محمّد رسول الله» ورغم ذلك فأبو طالب غير مسلم. ولماذا؟ لأنّه أبو عليّ

__________________

(١) انظر ، الكامل في التّأريخ : ٢ / ٢٣٤ و ٢٣٦ ، تأريخ الطّبري : ٣ / ٣٧ ، تأريخ الخميس : ٢ / ٧١ ، السّيرة لابن هشام : ٢ / ٣٧٢ و ٣٧٨ ، السّيرة الحلبية : ٣ / ٧٧ ، السّنن الكبرى : ٩ / ١٥٤ ، تأريخ دمشق : ٢٨ / ١٢٣ ، حلية الأولياء : ١ / ١١٨ ، تهذيب الكمال : ٥ / ٥٨ ، فتح الباري : ٧ / ٥١١ ، البداية والنّهاية : ٣ / ٤٦٦ و : ٤ / ٢٧٨ ، سير أعلام النّبلاء : ١ / ٢١٠.

(٢) انظر ، جوامع السّيرة : ٢٨٢ ، المعارف : ٢٠٥ ، اسد الغابة : ١ / ٣٤١ طبعة مصر ، السّيرة لابن إسحاق : ٢٢٦ ، صحيح البخاري : ٥ / ٢٤. بالإضافة إلى المصادر السّابقة.

٣٠٥

وتحدّث الرّسول عن شهداء مؤتة(١) ، وبخاصّة جعفر الطّيّار ، وقال : أنّ الجوار الّذي صاروا إليه أحبّ إلى نفوسهم ، وأقرّ لعيونهم من الدّنيا وما فيها ، ومن فيها ، أمّا أبناؤهم وعيالهم ففي كفالة الله ، وهو نعم المولى ، ونعم المصير.

قال عبد الله بن جعفر : «جاءنا النّبيّ بعد موت أبي ، وقال : لا تبكوا على أخيّ بعد اليوم ، ودعا بالحلّاق فحلّق رؤوسنا ، وقال : أمّا محمّد فشبيه عمّنا أبي طالب ، وأمّا عبد الله فشبيه خلقي وخلقي ، ثمّ أخذ بيدي ، وقال : أللهمّ أخلف جعفرا في أهله ، وبارك لعبد الله في صفقة يمينه ؛ ولمّا ذكرت أمّي يتمنا قال لها : لا تخافي عليهم أنا ولّيهم في الدّنيا والآخرة»(٢) .

وكفى بالرّسول الأعظم وليّا ، وهل يبغي أبو طالب وآل أبي طالب سوى ولاية الله ورسوله؟.

واختلف المؤرّخون في عمر جعفر الطّيّار ، فمن قائل : أنّه استشهد ابن (٣٨) ، وقائل (٤١)(٣) .

__________________

(١) مؤتة قرية (موضع من بلد الشّزام) والآن في الأردن ، وفيها مقام لجعفر الطّيّار مزار ومشهور. انظر ، النّهاية في غريب الحديث : ٣ / ٣٧١.

(٢) انظر ، فقه السّيرة للشّيخ محمّد الغزّالي : ٢٨١ بعنوان غزوة مؤتة. (منهقدس‌سره ).

مسند أحمد : ١ / ٢٠٤ ح ١٧٥٠ ، الأحاديث المختارة : ٩ / ١٦٢ و ١٦٤ ح ١٣٩ و ١٤٤ ، المصنّف لابن أبي شيبة : ٦ / ٣٨١ ح ٣٢٢٠٥ ، سنن البيهقي الكبرى : ٤ / ٦٠ ح ٦٨٨٥ ، السّنن الكبرى : ٥ / ٤٨ ح ٨١٦٠ و ٨٦٠٤ ، مجمع الزّوائد : ٦ / ١٥٧ و : ٩ / ٢٧٣ و ٢٨٦ ، الإصابة : ٤ / ٧٤٤ رقم «٢٦١١١» ، فضائل الصّحابة للنّسائي : ١ / ١٨ ح ٥٧ ، معتصر المختصر : ١ / ٢١٠ ، المعجم الكبير : ٢ / ١٠٥ ح ١٤٦٠ ، المستدرك على الصّحيحين : ١ / ٥٢٨ ح ١٣٧٨.

(٣) انظر ، الإستيعاب لابن عبد البرّ : ٢ / ٤٥٨ و ٥١١ ، الإصابة : ٤ / ٧٤٤ رقم «٢٦١١١» ، حلية ـ

٣٠٦

عبد الله بن جعفر :

كان لجعفر الطّيّار ثلاثة ذكور : عبد الله ، وبه يكنى ، ومحمّد ، وعون ، ولدوا كلّهم في أرض الحبشة ، وأمّهم أسماء بنت عميس ، ومحمّد بن أبي بكر أخوهم لأمّهم(١) .

وصحب عبد الله النّبيّ ، وحفظ الحديث عنه ، ولازم عمّه أمير المؤمنين والحسنين ، وأخذ عنهم العلم.

وكان أغنى بني هاشم وأيسرهم ، وكانت له ضياع كثيرة ، ومتاجر واسعة.

وكان أسخى رجل في الإسلام ، وله حكايات في الجود كثيرة وعجيبة ، منها أنّ أحد الخلفاء أرسل له ثلاثة ملايّين درهما ، ففرقها جميعا على الفقراء ، وزاد عليها من ماله(٢) . وله مواقف مع معاوية عرّفه فيها مكانه وحقيقته ، نقلنا بعضها

__________________

ـ الأولياء : ١ / ١١٨ ، تأريخ ابن عساكر : ٧ / ٣٨٧ ، الطّبقات لابن سعد : ٣ / ٧٩ ، الكامل لابن الأثير ٢ / ٨٦ ، المحبّر : ١١٩ و ١٢١ و ١٢٣ ، تأريخ الخميس : ٢ / ٧١ ، السّيرة لابن هشام : ٢ / ٣٧٢ و ٣٧٨ ، السّيرة الحلبية : ٣ / ٧٧ ، السّنن الكبرى : ٩ / ١٥٤.

(١) انظر ، تأريخ الطّبري : ٤ / ٣٤١ و : ٦ / ٢٥٦ ، مقاتل الطّالبيّين : ٦٠ ، مروج الذّهب : ٣ / ٩٢ و ٣٣٣ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ٢ / ٢٧ ، المعارف لابن قتيبة : ٢٠٦ ، مقتل الحسين لأبى مخنف : ٧٣ ، الفصول المهمّة لابن الصّباغ المالكي : ٢ / ١٧٠ ، بتحقّيقنا ، الفتوح لابن أعثم : ٣ / ١٢٧ ، جمهرة أنساب العرب : ٦١ ، الإمامة والسّياسة لابن قتيبة : ٢ / ١٢ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ٢ / ٢٧ ، ينابيع المودّة : ٣ / ٧٣ طبعة اسوة.

(٢) انظر ، المدائني (حياة الإمام الحسنعليه‌السلام ) ، كشف الغمّة : ١ / ٥٥٨ ، المناقب لابن شهر آشوب : ٣ / ١٨٢ ، الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة لابن الصّباغ المالكي : ٢ / ٣٢ ، بتحقيقنا ، تأريخ الطّبري : ٥ / ١٥٣ ، و : ٤ / ١١٨ طبعة أخرى ، الكامل في التّأريخ : ٣ / ٣٩٧ ، و : ٤ / ٢٧٢ ، الإصابة : ٣ / ٤٧١ ، لسان الميزان : ١ / ٢٦٨ ، ميزان الإعتدال : ١ / ١٣٩ ، مقاتل الطّالبيّين : ٨٦ و ٢٥.

٣٠٧

في كتاب «الشّيعة والحاكمون»(١) .

وعن الشّعبي أنّ عبد الله دخل على معاوية ، وعنده يزيد ، فجعل يزيد يعرّض بعبد الله في كلامه ، وينسبه إلى الإسراف

فقال عبد الله ليزيد : إنّي لأرفع نفسي عن جوابك ، ولو قالها صاحب السّرير لأجبته

فقال معاوية : كأنّك تظن أنّك أشرف منه؟.

قال عبد الله : أي والله ، ومنك ومن أبيك ، وجدّك.

فقال معاوية : ما كنت أحسب أنّ أحدا في عصر حرب بن اميّة أشرف منه.

فقال عبد الله : بلى والله. إنّ أشرف منه من أكفأ عليه إناءه ، وأجاره بردائه.

قال صدقت ، يا أبا جعفر(٢) .

__________________

(١) انظر ، الشّيعة والحاكمون : ١٢٨ ، بتحقّيقنا ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٦ / ٢٩٦.

(٢) انظر ، زينب الكبرى لجعفر النّقدي : ٨٩ طبع النّجف. (منهقدس‌سره ). انظر ، تأريخ دمشق : ٢٧ / ٢٦٥ ، شزرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١٥ / ٢٢٩.

٣٠٨

الزّواج

قالوا : «أنّ الفرس العتيق هو الّذي ينحدر من آباء لا هجنة فيها»(١) . وكذلك الأسر الطّيبة الطّاهرة العريقة في التّقى والقداسة تخشى الهجنة إذا زوّجت أبناءها وبناتها بمن دونها فضلا وصلاحا.

حين بلغت الزّهراء مبلغ الزّواج كثر طلابها ، فرفضهم النّبيّ جميعا ، لعدم الكفاءة ، وزوّجها عليّا ، لأنّها منه ، وهو منها ، وهما من النّبيّ في الصّميم. ونفس الشّيء حصل لابنتها الحوراء ، طلبها كثيرون ، فردّهم الإمام ، وزوّجها ابن أخيه عبد الله ، ومن أولى بها منه ، وهو ابن عمّها للأب والأمّ ، وسبق أبوه جعفر الطّيّار إلى الإسلام ، وهاجر وجاهد واستشهد في سبيله.

شرف المصاهرة :

وإذا كان الإقتران بنسل الرّسول شرفا وكرامة ، فآله أولى النّاس بهذا الحقّ ، لأنّه لهم ومنهم وفيهم ، وقد روي أنّ النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نظر إلى أولاد عليّ ، وجعفر ، وقال : «بناتنا لبنينا ، وبنونا لبناتنا»(٢) . وإذا لم يكن النّبيّ جدّا لأولاد جعفر فإنّه لهم

__________________

(١) انظر ، لسان العرب : ١ / ٥٩٠.

(٢) انظر ، من لا يحضرة الفقيه : ٣ / ٣٩٣ ح ٤٣٨٤ ، وسائل الشّيعة : ٢٠ / ٧٤ ح ٢٥٠٦٨ ، مناقب آل أبي ـ

٣٠٩

بمنزلة الأب والجدّ ، وهو ولّيهم في الدّنيا والآخرة ، ولا شيء أحبّ إلى الجدّ من اقتران أحفاده بعضهم ببعض ، لأنّ في ذلك تأكيدا لنسله وامتدادا لنوع من وجوده.

حياتها الزّوجيّة :

لم يتحدّث المؤرّخون وأصحاب السّير عن حياة السّيّدة زينب مع زوّجها عبد الله ، وكل ما ذكروه أنّه رزق منها أربعة ذكور وأنثى

وعن أي شيء يتحدّث المؤرّخون في هذا الباب؟ هل يتحدّثون عن نزاعها وشقاقها مع زوّجها ، أو مع الجيران ، أو عن وضعها الأحاديث على لسان جدّها في فضلها وفضل أبيها ، أو عن تحزّبها الأحزاب ، وركوب الجمال ، والبغال ، أو يتحدّثون عن مظاهر الأبّهة ، وعدد الجواري والعبيد ، أو عن رحلات النّزهة وشم النّسيم ، أو مجالس الأنس والطّرب؟.

لقد اكتفت الحوراء بذكر الله عن ذكر النّاس ، والقيل والقال ، وصرفها القيام بين يدي الله ، والإنقطاع إليه عن كلّ شيء فكان بيتها بيت العبادة ، والتّهجد ، وتلاوة القرآن(١) :

منازل كانت للرّشاد وللتّقى

وللصّوم والتّطهير والحسنات

قالت بنت الشّاطئ :

«لم يفرق الزّواج بين زينب وأبيها واخوتها ، فقد بلغ من تعلق الإمام عليّ

__________________

ـ طالب : ٣ / ٩٠ ، مكارم الأخلاق للطّبرسي : ٢٠٤.

(١) انظر ، ديوان دعبل : ١٢٤ ، الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة لابن الصّباغ المالكي : ٢ / ٣١٠ ، بتحقيقنا ، سير أعلام النّبلاء : ٩ / ٣٩١ ، فرائد السّمطين : ٢ / ٣٣٧ ح ٥٩١ ، تذكرة الخواصّ : ٢٣٨ ، مقاتل الطّالبيّين : ٥٦٥.

٣١٠

بابنته ، وابن أخيه أن أبقاهما معه ، حتّى إذا ولّى أمر المسلمين ، وانتقل إلى الكوفة انتقلا معه ، فعاشا في مقرّ الخلافة موضع رعاية أمير المؤمنين واعزازه ، ووقف عبد الله بجانب عمّه في نضاله الحربي ، فكان أميرا بين أمراء جيشه في صفّين»(١) .

وكيف يصبر الإمام عن جوهرته الكريمة ، وقد رأى فيها مثاله ، وطبائعه ، وجميع شمائله؟ فلقد روى الرّواة أنّها كانت تنطق بلسان أبيها إذا تكلّمت. ونقل الشّيخ النّقدي عن النّيسابوري : «أنّها كانت في فصاحتها ، وبلاغتها ، وزهدها ، وعبادتها كأبيها المرتضى ، وأمّها الزّهراء»(٢) .

وليست الفصاحة ، والبلاغة ، والزّهد ، والعبادة كلّ ما لعليّ من أوصاف كلّا ثمّ كلّا ، إنّ صفات أبيها عليّ لا تدركها عقولنا نحن ، وما كان لأحد أن يدركها أو يحيط بها إلّا الأنبياء ، والأوصياء ، ولست أدري : هل يتطور العقل البشري في المستقبل ، ويبلغ مرتبة تؤهله لتفهم هذه الشّخصيّة على حقيقتها ومن جميع جهاتها؟

أولادها :

ولد لعبد الله بن جعفر من السّيّدة زينب أربعة ذكور ، وأنثى ، وهم عليّ المعروف بالزّينبي ، ومحمّد ، وعبّاس ، وعون ، وأمّ كلثوم ، وهي الّتي خطبها معاوية لولده يزيد ، فزوّجها خالها الحسينعليه‌السلام من ابن عمّها القاسم ابن محمّد بن

__________________

(١) انظر ، بطلة كربلاء ، الدّكتورة عائشة عبد الرّحمن بنت الشّاطيء. موسوعة آل النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، النّاشر دار الكتاب العربي ، بيروت لبنان ، الطّبعة الأولى ١٩٦٧ م.

(٢) انظر ، زينب الكبرى ، جعفر النّقدي ، منشورات الرّضي ، قم المقدسة ، الطّبعة الثّانية ، والطّبعة الثّالثة ، منشورات الطّبعة الحيدرية ، النّجف الأشرف.

٣١١

جعفر بن أبي طالب(١) .

ومحمّد وعون قتلا مع خالهما الحسين بكربلاء ، برز عون للقتال ، وهو يقول(٢) :

إن تنكروني فأنا ابن جعفر

شهيد صدق في الجنان أزهر

يطير فيها بجناح أخضر

كفى بهذا شرفا في المحشر

هؤلاء آل أبي طالب كبارا ، وصغارا ، إذا عملوا عملوا ليوم المحشر والخلود ، وإذا افتخروا افتخروا بالشّهداء والصّدّيقين ، وإذا انتقموا انتقموا لله لا لأنفسهم ، ولذا كان لهم عند المسلمين حقّ المودّة والولاء ، وعند الله سبحانه الكرامة والرّضوان

وقتل عون من الأعداء ثلاثة فوارس ، وثمانية عشر رجلا ، ثمّ ضربه عبد الله ابن قطنة الطّائي فقتله ، ولمّا خرج المختار قبض على ابن قطنة ، وقتله(٣) .

__________________

(١) انظر ، أعيان الشّيعة : ٣٣ / ١٩١ طبعة (١٩٥٠ م). (منه قدس‌سره). انظر ، السّيرة لابن إسحاق : ٢٢٦ ، صحيح البخاري : ٣ / ١٣٦٠ ح ٣٥٠٦ و : ٤ / ١٥٥٥ ح ٤٠١٦ و : ٥ / ٢٤ ، تهذيب الكمال : ١٤ / ٣٦٩ ، الإستيعاب : ١ / ٢٤٢ ، الطّبقات الكبرى : ٤ / ٣٩ ، الإصابة : ١ / ٤٨٧ ، تهذيب الأسماء : ١ / ١٥٥ ، التّرغيب والتّرهيب : ٢ / ٢٠٦ ح ٢١١٧ ، مجمع الزّوائد : ٩ / ٢٧٣ ، المعجم الكبير : ٢ / ١٠٧ ح ١٤٦٧ و : ١١ / ٣٦٢ ح ١٢٠٢٠ ، أنساب الأشراف : ٢ / ١٨٩ ، تأريخ اليعقوبي : ٢ / ٢١٣ ، تأريخ الطّبري : ٥ / ١٥٣.

(٢) انظر ، ناسخ التّواريخ : ٢ / ٣٢١ ، شرح الأخبار : ٣ / ٢٠٢ ، مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٢٥٤.

(٣) انظر ، المعارف لابن قتيبة : ٢٠٦ ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ٧٣ ، تأريخ الطّبري : ٦ / ٢٥٦ ، الفصول المهمّة لابن الصّباغ المالكي : ٢ / ١٧٠ ، بتحقّيقنا ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ١٦٥ ـ ١٦٦ و ٢٣٨ ، الفتوح لابن أعثم : ٣ / ١٢٧ ، جمهرة أنساب العرب : ٦١ ، الإمامة والسّياسة لابن قتيبة : ٢ / ١٢ ، تأريخ الطّبري : ٦ / ٢٥٦ ، و : ٤ / ٣٤١ طبعة آخر ، المناقب لابن شهر آشوب : ٤ / ١٠٦ ، و : ـ

٣١٢

وبرز محمّد وهو يقول(١) :

أشكو إلى الله من العدوان

فعال قوم في الرّدى عميان

قد بدّلوا معالم القرآن

ومحكم التّنزيل والتّبيان

وقتل من الأعداء عشرة أنفس ، وحمل عليه ابن نهشل التّميمي فقتله(٢) .

ولمّا ورد نعي الحسين ونعي محمّد وعون إلى المدينة كان عبد الله بن جعفر جالسا في بيته ، فدخل عليه النّاس يعزونه ، وكان له غلام اسمه أبو السّلاس ، فقال ماذا لقينا من الحسين؟ فحذفه عبد الله بنعله ، وقال له : يا ابن اللّخناء أللحسين تقول هذا والله لو شهدته لما فارقته ، حتّى اقتل معه ، وقد هوّن عليّ مصابهما أنّهم قتلا مع أخي وابن عمّي مواسيين له صابرين معه ، ثمّ قال : الحمد لله ، لقد عزّ عليّ مصرع الحسين ، وإذا لم أكن قد واسيته بيدي ، فقد واسيته بولدي(٣) .

__________________

ـ ٢ / ٢٢٠ طبعة آخر ، مقاتل الطّالبيّين : ٦٠ ، و : ١٢٢ طبعة آخر ، و : ٩٥ طبعة آخر ، مقتل الحسين للخوارزمي : ٢ / ٢٧ ، ينابيع المودّة : ٣ / ٧٣ طبعة اسوة ، مروج الذّهب : ٣ / ٩٢ و ٣٣٣ ، مقاتل الطّالبيّين ، الإصبهاني : ٦٠ ، و : ١٢٢ طبعة آخر ، إبصار العين في أنصار الحسين : ٣٩ طبعة النّجف.

(١) انظر ، ناسخ التّواريخ : ٢ / ٣٢٢ ، شرح الأخبار : ٣ / ٢٠٣ ، مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٢٥٤.

(٢) انظر ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ١٦٧ و ٢٣٩ ، إبصار العين في أنصار الحسين : ٤٠ طبعة النّجف ، المناقب لابن شهر آشوب : ٢ / ٢٢٠ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ٢ / ٢٧ ، تأريخ الطّبري : ٦ / ٢٥٦ و ٢٦٩ ، و : ٤ / ٣٤١ طبعة آخر ، مقاتل الطّالبيّين : ٦١ ، الإرشاد للشّيخ المفيد : ٢ / ٦٨ و ١٠٧ و ١٢٥ ، المعارف لابن قتيبة : ٢٠٧ الفصول المهمّة لابن الصّباغ المالكي : ٢ / ١٧٠ ، بتحقّيقنا.

(٣) انظر ، الغارات : ٢ / ٦٩٥ ، الكامل في التّأريخ : ٤ / ٨٩ ، مقتل الحسين لأبي مخنف : ١٦٦ و ٢٢٦ ، جواهر المطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب لابن الدّمشقي : ٢ / ٢٩٦ ، تأريخ الطّبري : ٤ / ٣٥٧ ، كشف الغمّة : ٢ / ٢٨٠ ، شرح الأخبار : ٢ / ٢٠٢.

٣١٣

وقد تساءل البعض عن عدم خروج عبد الله بن جعفر مع الحسين؟.

واعتذر عنه جماعة بأعذار لا تعدو الحدس ، والتّخمين. وقال بعضهم : أنّ بصره كان مكفوفا يومئذ.

والّذي نعتقده أنّ عبد الله بن جعفر كان مطيعا للإمامين الحسن والحسين بعد عمّه ، وأنّه لم يخالف لهما أمرا ، لا في السّر ولا في العلانية ، وقد رأيناه يترك أمر زوّاج ابنته أمّ كلثوم لخالها الحسين ، حين طلبها معاوية لولده يزيد ، كما ترك أمر خروج زوّجته زينب إليه وإليها ، وهو الّذي أمر ولديه عونا ومحمّدا بالخروج مع خالهما ، ولكنّ الحسينعليه‌السلام لم يلزمه بالخروج ولم يوجب عليه ذلك ، بل ترك له الخيار ، وقد رأى أنّ بقاءه في المدينة أصلح ، لإعتبارات نجهلها نحن ، ويعذر هو فيها ، ولو أنّ الحسين أوجب عليه الخروج لأسرع إلى الإجابة ، وليس من شكّ أنّه مأجور ومشكور عند الله والنّاس على رضاه واغتباطه باستشهاد ولديه بين يدي الإمام.

وأنّ سيرته ومواقفه بعد الحسين لأصدق دليل على إيمانه وإخلاصه وصدقه في المتابعة والولاء لعمّه وأبنائه ، وعن كتاب المحاسن والمساويء للبيهقي أنّ عبد الله بن عبّاس ، وعمرو بن العاص كانا في مجلس معاوية ، فعرّض عمرو بعبد الله بن جعفر ، ونال منه ، فقال ابن عبّاس :

«وليس كما ذكرت ، ولكنّه لله ذكور ولنعمائه شكور ، وعن الخنازجور ، جواد كريم ، سيّد حليم لا يدّعي لدعي ـ يعرض بابن العاص ـ ولا يدنو لدني ، كمن اختصم فيه من قريش شرّارها فغلب عليه جزّارها ـ كما حدث لابن العاص ـ فأصبح ألأمها حسبا ، وأدناها منصبا وليت شعري بأي قدم تتعرض

٣١٤

للرّجال؟. وبأي حسب تبارز عند النّضال؟! أبنفسك وأنت الوغد الرّنيم؟! أمّ بمن تنتمي إليه ، فأهل السّفه ، والطّيش ، والدّناءة في قريش ، لا بشرف في الجاهليّة اشتهروا ، ولا بقديم في الإسلام ذكروا ...»(١) .

وضع الأحاديث والأخبار :

أمّا ما جاء في بعض الكتب من ولع عبد الله بن جعفر بالقيان والغناء فهو ، إمّا افتراء لا أصل له ولا أساس ، وإمّا مبالغ فيه بقصد النّيل من مقام أمير المؤمنين ، لأنّه ابن أخيه ، وزوّج ابنته على طريقة السّلف الطّالح من أمثال الأمويّين وأذنابهم الّذين يضعون لهم الأحاديث والأخبار في عليّ وأولاده وأحفاده بعد أن يقبضوا الثّمن.

من ذلك ، وعلى سبيل المثال ، حديث : «إنّ ابني هذا سيّد ، ولعل الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ...»(٢) . وضعه معاوية ليثبت به إسلامه ،

__________________

(١) انظر ، المحاسن والمساويء للبيهقي : ١ / ١٤٣ ، الإصابة : ٢ / ٣٢٠ ، تأريخ دمشق : ٢٩ / ٧٤.

(٢) لا نريد التّعليق على هذا الحديث من باب وضعه سندا ومتنا ، بل نقول : هذا الحديث من وضع الأمويين وأنصارهم ، الّذين استأجرهم معاوية للكذب والإفتراء على الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله هذا أوّلا.

انظر ، الإصابة : ١ / ٦٤ ، فقال فيها ابن حجر : «وهكذا أصبحت الخلافة ملكا عضوضا على يد معاوية الّذي ورّثها لابنه يزيد ، وأجبر النّاس على بيعته في حياته ، لا ينازعه في ملكه منازع من بعده. بل قال في جواهر المطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب لابن الدّمشقي : ٢ / ٢٠١ ، الرّواة من حفّاظ بني أميّة. انظر ، الإصابة : ١ / ٣٣٠ ، مسند أحمد : ٥ / ٥١ ، العقد الفريد : ١ / ١٦٤ ، تهذيب تأريخ دمشق لابن عساكر : ٤ / ٢٠٢ ، صحيح البخاري : ٢ / ١١٨ ، و : ٤ / ١٤١ ، سنن النّسائي : ٣ / ١٠٧ سنن أبي داود : ٢ / ٢٨٥ ، و : ٣ / ١١٨ ، محاسن البيهقي : ٥٥ ، مستدرك الحاكم : ٣ / ١٦٩ ، الإستيعاب : ١ / ٣٨٤ ، ـ

٣١٥

وإسلام من كان معه في صفّين ، وينفي عنه وعنهم البغي الّذي دمغهم به حديث «ويح عمّار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنّة ، ويدعونه إلى النّار»(١) .

__________________

ـ وثانيا : إنّ هذا اللّفظ «بين فئتين من المسلمين عظيمتين» كيف يوجّهها أصحاب الرّأي والسّداد في حالة المقارنة بين قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله حول ريحانة الإمام الحسنعليه‌السلام : إنّ ابني هذا سيّد ، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وإنّ الحسنين خير النّاس جدّا وجدّة وأبا وأمّا ، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الحسن والحسين سبطا هذه الأمّة ، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الله زيّن الجنّة بالحسن والحسين ، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الحسنين عضوان من أعضائه ، وغير ذلك كثير وبين قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه كما ذكر ذلك صاحب ميزان الإعتدال : ٢ / ٧ و : ١٢٩ ، طبعة مصر سنة ١٣٢٥ ه‍ ، وابن حجر في تهذيب التّهذيب : ٥ / ١١٠ ، و : ٧ / ٣٢٤ ، و : ٨ / ٧٤ ، طبعة حيدر آباد سنة ١٣٢٥ ه‍.

وفي لفظ ابن عيّينة «فارجموه» ، وكنوز الحقائق : ٩ ، طبعة استانبول سنة ١٢٨٥ ه‍ ، وابن سعد في الطّبقات : ٤ / ١٣٦ ق ١. وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ويّح عمّار ، وكذلك تأسّف عبد الله بن عمر بن الخطّاب ، وتأسّف عبد الله بن عمرو بن العاص على أنّه كان مع الفئة الباغية؟؟! ومع هذا كلّه يطلقون لفظة «المسلمين» على معاوية وأصحابه ، وبالتالي فإنّ لفظ «المسلم» كما يطلق على المؤمن فكذلك يطلق على المنافق والباغي وغير ذلك من الفرق المنتحلة للإسلام.

(١) ذكرت ذلك في بعض مؤلّفاتي السّابقة ، وأعدته هنا ، لتّعم الفائدة. (منهقدس‌سره ).

وعمّار : هو أبو اليقظان عمّار بن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين بن الوذيم من بني ثعلبة ، وأمّه سميّة. وكان حليفا لبني مخزوم. وكان هو ووالده من السّابقين إلى الإسلام وهو سابع سبعة أجهروا بإسلامهم ، وقد استشهد والداه أثر تعذيب قريش إيّاهما على إسلامهما. وقد ورد عن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أحاديث صحيحة في مدحه منها قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ عمّارا ملئ إيمانا إلى مشاشه».

انظر ، صحيح البخاريّ : كتاب الصّلاة ، باب التّعاون في بناء المساجد ، و : ١ / ١٢٢ ، صحيح مسلم : ٤ / ٢٢٣٥ ، صحيح التّرمذي : ٥ / ٦٦٩ ، مسند أحمد : ٢ / ١٦١ و ١٦٤ ، و : ٤ / ١٩٧ ، و : ٦ / ٢٨٩ ، مسند أبي داود الطّيّالسي : ٣ / ٩٠ ، حلية الأولياء : ٤ / ١١٢ ، تأريخ بغداد : ١٣ / ١٨٦ ، و : ٥ / ٣١٥ ، و : ٧ / ٤١٤ ، طبقات ابن سعد : ٣ / ١٧٧ ، الطّبقات لابن سعد : ٣ / ٣٥٩ ، أنساب الأشراف : ١ / ١٧٠ ، الاسيعاب : ١ / ١٥٧ ، مسند أحمد : ٥ / ٢١٤ ، تأريخ الطّبريّ : ٣ / ٣١٦ ، الموضّح للخطيب : ١ / ٢٧٧. وانظر أيضا الرّوايات الّتي خلقها الطّبريّ : ١ / ٣٠٩٥ ـ ٣٠٩٦ ، والخطيب في الموضّح : ـ

٣١٦

__________________

ـ ١ / ٢٧٥ ، وابن عساكر بترجمة خزيمة بسنده عن سيف من مخطوطات المكتبة الظّاهرية بدمشق : ٥ رقم ٣٣٧ ورقة ٣٠٢ و ٣٠٣. وقارن أيضا مع ما رواه اليعقوبي في تأريخه : ٢ / ١٧٨ ، ومروج الذّهب : ٢ / ٣٦٦ ، والفتوح لابن أعثم : ٢ / ٢٨٩. وفي تأريخ الإسلام للذّهبي : ٢ / ١٧١.

وهنالك أحاديث أخرى ، وهو الّذي نزلت فيه آية ١٠٦ من سورة النّحل ( مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ) انظر ، تفسير الآية في تفسير الطّبريّ ، والقرطبي ، وابن كثير ، والسّيوطي. وانظر طبقات ابن سعد : ٣ / ١٧٨ ، والمستدرك : ٣ / ١٧٨.

وانظر ترجمة عمّار بن ياسر في مروج الذّهب : ٢ / ٢١ و ٢٢ ، أنساب الأشراف : ٥ / ٤٨ ـ ٨٨ ، و : ٢ / ٣١٤ وما بعدها تحقيق المحمودي طبعة الأعلمي بيروت ، مسند أحمد : ١ / ٩٩ و ١٢٣ و ١٢٥ و ١٣٠ و ١٣٧ و ٤٠٤ ، و : ٢ / ١٦١ و ١٦٤ و ٢٠٦ ، و : ٣ / ٥ ، و : ٢٢ و ٢٨ و ٩٠ ، و : ٤ / ٧٦ و ٨٩ و ٩٠ و ١٩٧ و ١٩٨ و ٣١٩ ، و : ٥ / ٢١٤ ، و ٣٠٦ ، و : ٦ / ٢٨٩ ، و ٣٠٠ ، و ٣١١ و ٣١٥ و ٤٥٠ ، وصحيح البخاريّ : الجهاد ب ١٧ ، سنن ابن ماجه ب ١١ من المقدّمة ، وسنن التّرمذي : ب ٣٣ من كتاب المناقب ، ومسند الطّيّالسي : ١١٧ و ٦٠٣ و ٦٤٣ و ٦٤٩ و ١١٥٦ و ١٥٩٨ و ٢١٦٨ و ٢٢٠٢ ، والإسيعاب : ٢ / ٤٦٩ حرف العين ، الإصابة : ٢ / ٥ ، خصائص أمير المؤمنين للنّسائي : ١٣٢ ط الحيدرية ، حلية الأولياء : ٤ / ١٧٢ و ٣٦١ ، و : ٧ / ١٩٧ و ١٩٨ ، ومجمع الزّوائد : ٧ / ٢٤٠ و ٢٤٢ ، و ٢٤٤ و : ٩ / ٢٩٥ ، تأريخ الطّبريّ : ٥ / ٣٩ و ٤١ ، و : ١٠ / ٥٩.

وانظر ترجمته أيضا في اسد الغابة : ٢ / ١١٤ و ١٤٣ و ٢١٧ ، و : ٤ / ٤٦ ، الإمامة والسّيّاسة لابن قتيبة : ١ / ١١٧ ، تأريخ اليعقوبي : ٢ / ١٦٤ طبعة الغري ، وقعة صفّين : ٣٤١ و ٣٤٣ ، العقد الفريد : ٤ / ٣٤١ و ٣٤٣ ، المناقب للخوارزمي : ٥٧ و ١٢٣ و ١٢٤ و ١٥٩ و ١٦٠ ، الكامل في التّأريخ : ٣ / ٣١٠ و ٣١١ ، الإستيعاب بهامش الإصابة : ٢ / ٤٣٦ طبعة السّعادة ، فرائد السّمطين : ١ / ١١٤ و ١٢٠ و ٢٨٧ ، المعجم الصّغير للطبراني : ١ / ١٨٧.

وراجع أيضا شرح النّهج لابن أبي الحديد : ٨ / ١٠ و ١٧ و ١٩ و ٢٤ ، و : ١٥ / ١٧٧ طبعة مصر تحقيق محمّد أبو الفضل ، و : ٢ / ٢٧٤ الطّبعة الأولى مصر ، سيرة ابن هشام : ٢ / ١٠٢ ، نور الأبصار : ١٧ و ٨٩ طبعة السّعيدية بمصر ، كفاية الطّالب : ١٧٢ ـ ١٧٥ طبعة الحيدرية ، و ٧١ و ٧٣ طبعة الغري ، تذكرة الخواصّ : ٩٣ و ٩٤ ، ينابيع المودّة : ١٢٨ و ١٢٩ طبعة إسلامبول ، و : ١٥١ و ١٥٢ طبعة الحيدرية ، و : ١ / ١٢٨ و ١٢٩ طبعة العرفان ، وأحكام القرآن لابن عربي : ٤ / ١٧٠٥ الطّبعة الثّانية تحقيق ـ

٣١٧

ومنه الخبر المفترى على الإمام الحسنعليه‌السلام أنّه كان إذا رأى جمعا من النّسوة يقول لهنّ: «من منكنّ تأخذ ابن بنت رسول الله؟ فيجبنّه بصوت واحد : كلّنا مطلقات ابن بنت رسول الله»(١) .

وأي عاقل يصدق مثل هذا على الإمام الزّكي الّذي له عقل جدّه محمّد المصطفى ، وأبيه عليّ المرتضى؟! أي عاقل يصدق أنّ الإمام الحسن كان يقف على قارعة الطّريق ، وينادي معلنا عن نفسه ورغبته في الزّواج ، والنّكاح؟ وأغرب من كلّ ذلك جواب النّسوة كلّنا مطلقات ابن بنت رسول الله. متى تزوّج بهذه الكثرة الكثيرة؟! ومتى طلقهنّ؟! وكيف إجتمع مطلقاته كلهنّ في مجلس واحد؟! وكيف خفينّ عليه ، ولم يعرف حتّى ولا واحدة منهنّ ، وبالأمس كنّ في بيته وعلى فراشه؟!

ومن ذلك أخبار السّيّدة سكينة مع أشعب الطّمّاع وغيره من المغنّين والمخنثين(٢) ...إلى كثير من الأكاذيب والإفتراءات الّتي حاكتها الفئة الباغية

__________________

ـ البجاوي. وكان عمّار مع عليّ في حرب الجمل وصفّين ، وقتل بصفّين مساء الخميس ٩ صفر سنة (٣٧ ه‍) وله من العمر ٩٣ سنة.

انظر ، صحيح البخاريّ : ١ / ١٢٢ و ٢ / ٣٠٥ ، صحيح مسلم : ٤ / ٢٢٣٥ ، صحيح التّرمذي : ٥ / ٦٦٩ ، مسند أحمد : ٢ / ١٦١ و ١٦٤ ، و : ٤ / ١٩٧ ، و : ٦ / ٢٨٩ ، حلية الأولياء : ٤ / ١١٢.

(١) إنّ هذه الأباطيل قد افتعلها المنصور الدّوانيقي وأخذها عنه المؤرّخون كما ذكر صاحب المروج : ٣ / ٢٢٦ ، وصبح الأعشى : ١ / ٢٣٣ ، وجمهرة رسائل العرب : ٣ / ٩٢. ثمّ جاءت لجان التّبشير كلامنس وغيره في دائرة معارفه : ٧ / ٤٠٠ من تروّيج الأكاذيب عليهعليه‌السلام ، والمسلّم ، والمقطوع به هو تزوّجهعليه‌السلام بباكرة واحدة وتسع زوّجات ثيّبات.

(٢) لسنّا بصدد ردّ أكاذيب ابن خلّكان والإصبهاني بصدد سكينة وزوّاجها من فلان وفلان. ولا نريد أن ـ

٣١٨

بشهادة رسول الله(١) ، والشّجرة الملعونة في كتاب الله(٢) .

__________________

ـ نقف مع هذه الأساطير ، والأكاذيب الإصبهانيّة ، والدّمشقيّة ، والكثيريّة ، والأثيريّة على بنت الطّهارة ، ومعدن الوحي والرّسالة ، بل نقول : ألا لعنة الله على الكاذبين ، ألا لعنة الله على الظّالمين.

انظر ، مصادر هذه الأسطورة ، والأبيات الشّعريّة في تأريخ دمشق : ١١ / ٢٦١ و : ٦٩ / ٢٠٩ ، الأغاني : ١٦ / ١٦١ ، البداية والنّهاية : ٩ / ٢٩١ ، ديوان جميل : ٢٩ و ٤٠ طبعة بيروت ، ديوان الفرزدق : ١ / ٢٥٩ و : ٢ / ١٥٥ طبعة بيروت صادر ، مصارع العشاق : ٢ / ٨٠ ـ ٨٢ ، ديوان جرير : ٣٥٥ و ٤١٦ طبعة بيروت ، ديوان كثيّر : ٥٥ و ١١٦ طبعة بيروت.

انظر ، سير أعلام النّبلاء : ٥ / ٢٦٣ ، الطّبقات الكبرى : ٨ / ٤٧٥ ، تأريخ دمشق : ٦٩ / ٢٠٥ ، درّر الأصداف في فضل السّادة الأشراف ، لعبد الجواد بن خضر الشّربيني.

(١) انظر ، صحيح البخاري : ١ / ١٢٢ ، صحيح مسلم : ٤ / ٢٢٣٥ ، صحيح التّرمذي : ٥ / ٦٦٩ ، مسند أحمد : ٢ / ١٦١ و ١٦٤ ، و : ٤ / ١٩٧ ، و : ٦ / ٢٨٩ ، مسند أبي داود الطّيّالسي : ٣ / ٩٠ ، حلية الأولياء : ٤ / ١١٢ ، تأريخ بغداد : ١٣ / ١٨٦ ، و : ٥ / ٣١٥ ، و : ٧ / ٤١٤ ، طبقات ابن سعد : ٣ / ١٧٧ ، الطّبقات لابن سعد : ٣ / ٣٥٩ ، أنساب الأشراف : ١ / ١٧٠ ، الإستيعاب : ١ / ١٥٧ ، مسند أحمد : ٥ / ٢١٤ ، تأريخ الطّبريّ : ٣ / ٣١٦ ، الموضّح للخطيب : ١ / ٢٧٧ ، مروج الذّهب : ٢ / ٢١ و ٢٢ ، أنساب الأشراف : ٥ / ٤٨ ـ ٨٨ ، و : ٢ / ٣١٤ وما بعدها تحقيق المحمودي طبعة الأعلمي بيروت ، مسند أحمد : ١ / ٩٩ و ١٢٣ و ١٢٥ و ١٣٠ و ١٣٧ و ٤٠٤ ، و : ٢ / ١٦١ و ١٦٤ و ٢٠٦ ، و : ٣ / ٥ ، و : ٢٢ و ٢٨ و ٩٠ ، و : ٤ / ٧٦ و ٨٩ و ٩٠ و ١٩٧ و ١٩٨ و ٣١٩ ، و : ٥ / ٢١٤ ، و ٣٠٦ ، و : ٦ / ٢٨٩ ، و ٣٠٠ ، و ٣١١ و ٣١٥ و ٤٥٠ ، وصحيح البخاريّ : الجهاد ب ١٧ ، سنن ابن ماجه ب ١١ من المقدّمة ، وسنن التّرمذي : ب ٣٣ من كتاب المناقب ، ومسند الطّيّالسي : ١١٧ و ٦٠٣ و ٦٤٣ و ٦٤٩ و ١١٥٦ و ١٥٩٨ و ٢١٦٨ و ٢٢٠٢ ، والاسيعاب : ٢ / ٤٦٩ حرف العين ، الإصابة : ٢ / ٥ ، خصائص أمير المؤمنين للنّسائي : ١٣٢ ط الحيدرية ، حلية الأولياء : ٤ / ١٧٢ و ٣٦١ ، و : ٧ / ١٩٧ و ١٩٨ ، ومجمع الزّوائد : ٧ / ٢٤٠ و ٢٤٢ ، و ٢٤٤ و : ٩ / ٢٩٥ ، تأريخ الطّبريّ : ٥ / ٣٩ و ٤١ ، و : ١٠ / ٥٩.

(٢) انظر ، دلائل النّبوّة للبيهقي : ٦ / ٥١١ ، تفسير الطّبري : ١٥ / ٧٧ ، الدّر المنثور : ٤ / ١٩١ ، فتح القدير : ٣ / ٢٣٩ ، تأريخ دمشق : ٥٧ / ٢٧٣ ، النّزاع والتّخاصم : ٢٣ ، الهداية الكبرى : ٧٦ ح ٢٥ ، فتح الباري : ٨ / ٣٠٢ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٩ / ٢٢٠.

٣١٩
٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458