تذكرة الفقهاء الجزء ١٠

تذكرة الفقهاء13%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-197-4
الصفحات: 458

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 458 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 189253 / تحميل: 5795
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٠

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-١٩٧-٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

عليه ».

فأمّا ما رواه محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن العبّاس بن معروف ، ( عن ابن سنان )(١) ، عن طلحة بن زيد ، عن جعفر ، عن أبيهعليهما‌السلام قال : « سألته عن رجلٍ أمّ قوماً وأصابه رعاف بعد ما صلّى ركعة أو ركعتين فقدّم ( من صلّى )(٢) من قد فاته ركعة أو ركعتان؟ قال : يتمّ بهم الصلاة ثم يقدّم رجلا فيسلّم بهم ويقوم هو فيتمّ بقية صلاته ».

فالوجه في هذا الخبر أن نحمله على ضرب من الاستحباب وإن كان الإيماء يكفيه(٣) حسب ما تضمّنه الخبر الأوّل.

فأمّا ما رواه محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن أحمد بن الحسن بن علي ، عن الحكم بن مسكين ، عن معاوية بن شريح قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : « إذا أحدث الإمام وهو في الصلاة لا ينبغي أن يقدّم(٤) إلاّ من شهد الإقامة ».

فالوجه في هذا الخبر ضرب من الاستحباب ، ولأجل ذلك قال : « لا ينبغي » ولم يقل : لا يجوز ، وذلك صريح بالكراهية.

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن النضر ، عن هشام بن سالم ، عن سليمان بن خالد قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الرجل يؤمّ القوم فيحدث فيقدّم رجلاً قد سبق بركعة ، كيف يصنع؟ قال : « لا يقدّم من سبق بركعة ، ولكن يأخذ بيد غيره فيقدّمه ».

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « م ».

(٢) ما بين القوسين ليس في « رض ».

(٣) في الاستبصار ١ : ٤٣٤ : يكفي.

(٤) في الاستبصار ١ : ٤٣٤ / ١٦٧٤ : يتقدّم.

١٨١

فهذا الخبر وإن كان ظاهره النهي فنحن نحمله على ضرب من الكراهية ، بدلالة ما تقدّم من الأخبار.

السند :‌

في الأوّل : قد تكرّر القول فيه بما يغني عن الإعادة من جهة محمّد ابن إسماعيل(١) ، وأمّا غيره فلا ارتياب فيه على ما مضى أيضاً(٢) .

والثاني : فيه ابن سنان وطلحة بن زيد ، والأوّل هو محمّد ؛ لروايته عن طلحة في النجاشي ، وقد مضى القول فيه مفصّلاً(٣) ، والحاصل أنّه ضعيف. وطلحة بن زيد قيل : عامي(٤) ، وقيل : بتري(٥) .

والثالث : فيه الحكم بن مسكين ، وهو مجهول الحال ، لذكره في الرجال بما لا يزيد عن الإهمال(٦) . وأحمد بن الحسن هو ابن فضّال ، وهو فطحي ثقة ، ومعاوية بن شريح مضى فيه القول(٧) ، وهو مهمل في الرجال ، سواء كان ابن ميسرة أو غيره.

والرابع : واضح الحال بعد ما قدّمناه في سليمان بن خالد(٨) . والنضر هو ابن سويد الثقة.

__________________

(١) راجع ج ١ ص ٤٦ ، ٥٢ ، ج ٢ ص ٧٥.

(٢) راجع ج ١ ص ٩٩ ، ج ٤ ص ١٨١ ، ج ٦ ص ٢٨.

(٣) راجع ج ١ ص ١١٧ ١١٨.

(٤) رجال النجاشي : ٢٠٧ / ٥٥٠.

(٥) رجال الطوسي : ١٢٦ / ٣.

(٦) رجال النجاشي : ١٣٦ / ٣٥٠.

(٧) راجع ج ٣ ص ٢٩.

(٨) راجع ج ١ ص ٣٥١ ، ج ٢ ص ٢١٧.

١٨٢

المتن :

في الأوّل : واضح الدلالة على جواز إمامة المسبوق ، وفيه دلالة على جلوسه لأجل تشهّد المأمومين ، لكن إن كان في الثلاثية فجلوسه لتشهّده الأوّل إن أدرك الثانية من المغرب ، وإن أدرك الثالثة فالجلوس لتشهّد المأمومين إن كان تقديمه في الركعة(١) ، وإن كان في أثناء تشهّد الإمام [ فالجلوس(٢) ] بقدر إتمام تشهدهم. وإن كان في الرباعية وأدرك الثانية [ فالجلوس(٣) ] لأجل تشهّدهم ، وإن كان في الثالثة فلأجل تشهّده الأوّل وتشهدهم الثاني ، ولا يبعد أن يكون الظاهر من الجلوس الزائد عن تشهده ، فيخصّ بما يقتضي ذلك.

فإن قلت : ربما يستفاد من ظاهر الخبر وجوب الإتمام ووجوب الجلوس المذكور ؛ لأنّ الجملة الخبرية في مثل هذا بمعنى الأمر.

قلت : قد قدّمنا في هذا الكتاب في إفادة الجمل الخبرية الوجوب بما حاصله : أنّ ما ذكره علماء المعاني من أنّ العدول عن الأمر لإفادة الحثّ على الفعل غير منحصر في هذا ، بل له فوائد اخرى ، ونقول هنا : إنّ إفادة الوجوب تتوقف على ثبوت وجوب إتمام الإمام صلاة الجماعة ، على معنى عدم جواز الانفراد اختياراً ، والذي وقفت عليه في كلام متأخري الأصحاب تصريح المحقّق في [ الشرائع(٤) ] بجواز مفارقته إذا نوى الانفراد(٥) ، وحكى‌

__________________

(١) في « رض » زيادة : الاولى.

(٢) في النسخ : والجلوس ، والصحيح ما أثبتناه.

(٣) في النسخ : والجلوس ، والصحيح ما أثبتناه.

(٤) في النسخ : الرابع ، والصحيح ما أثبتناه.

(٥) الشرائع ١ : ١٢٥ و ١٢٦.

١٨٣

شيخناقدس‌سره عن العلاّمة في النهاية نقل الإجماع على الجواز ، وعن الشيخ في المبسوط القول بأنّ من فارق الإمام لغير عذر بطلت صلاته(١) . وقد أشبعت القول في المسألة في حواشي الروضة ، وسيأتي هنا إن شاء الله بعض القول في ذلك في باب من رفع رأسه قبل الإمام.

وأمّا حكم نيّة الانفراد للإمام جوازاً أو منعاً فلم أقف على مصرّح بالحكم الآن ، سوى أنّ المحقّق في الشرائع قال : وكذا لو عرض للإمام ضرورة جاز أن يستنيب ، ولو فعل ذلك اختياراً جاز أيضاً(٢) .

وذكر شيخناقدس‌سره أنّ المحقق ردّ بقوله : ولو فعل ذلك اختياراً يعني المبطل اختياراً جاز أيضاً ، على أبي حنيفة ، حيث منع من استخلاف الإمام إذا تعمّد فعل المبطل ، وأوجب على المأمومين الإتمام فرادى(٣) . وكأنّهقدس‌سره وقف على ما يقتضي مراد المحقق ، ولولاه أمكن أن يقال : إنّ مراده لو استناب من غير ضرورة جاز ، على معنى جواز الاستنابة اختياراً ، بأن ينوي انفراده ويستنيب غيره ، إلاّ أنّ هذا يقتضي عدم الفائدة ظاهراً في استنابة غيره ، بل إذا جاز نيّة الانفراد جاز استنابة غيره وعدمها ، بأن ينفرد المأمومون أو يستنيبوا أحداً.

إلاّ أن يقال : إنّ كلام المحقّق لمّا كان بصدد استنابة الإمام ذكر ما قاله ؛ وممّا يدفع هذا : أنّ الإمام لو فعل المبطل اختياراً فقد يحصل به الفسق ، وقد ذكر المحقّق مسألة ما لو علم المأموم في الأثناء فسق الإمام ، ونقل القول بالاستئناف واختار الانفراد(٤) ، وحينئذٍ لا مجال لاحتمال ما ذكرناه إلاّ‌

__________________

(١) المدارك ٤ : ٣٧٧.

(٢) الشرائع ١ : ١٢٥.

(٣) المدارك ٤ : ٣٦٤.

(٤) الشرائع ١ : ١٢٥.

١٨٤

بتكلّفٍ مستغنى عنه ، وقد ذكرت ذلك مفصّلاً في حواشي المدارك.

وإذا عرفت هذا فاعلم أنّ جواز مفارقة الإمام بنيّة الانفراد حيث لم أقف على القائل بها لا يمكن الحكم بالجواز ، وإن أمكن أن يقال نحو ما ذكروه في مفارقة المأموم بنيّة الانفراد من أنّ الجماعة ليست واجبة ابتداءً فكذا استدامةً ، وبأنّ الائتمام يفيد الفضيلة فتبطل بفواته دون الصحّة ، فإنّ هذين الدليلين يجريان في الإمام.

وما أجاب به شيخناقدس‌سره عن الأوّل : بأنّه لا يلزم من عدم الوجوب ابتداءً عدمه استدامةً ، وعن الثاني : بأنّ نيّة الائتمام كما تفيد الفضيلة تفيد الصحّة على هذا الوجه ، فيجب فواتها بنيّة الانفراد إلى أن يأتي بوجه آخر معلوم الصحّة(١) ؛ قد أجبنا عنه في حواشي الروضة ، والذي يقال هنا في الجواب : إنّ قوله : لا يلزم من عدم الوجوب ابتداءً عدمه استدامةً ، إنّما يتمّ إذا كان الغرض مجرد الجواب ، لأنّه مانع ، لكن لمّا كان مختاره عدم الجواز فلا يتمّ الجواب ، إلاّ أن يقال : إنّ دليله على العدم غير ما ذكره كما يعلم من مراجعة الكتاب.

والحقّ أنّ المستدل لو أراد أنّ الأصل استمرار عدم الوجوب أمكن توجيه كلامه ، غير أنّ لنا كلاماً في هذا ، والحاصل منه أنّ الصلاة هيئة مركبة من جنس وفصل هو الجماعة ، وبانعدام الفصل تنعدم حصّته ، والفصل الآخر وهو الانفراد معه حصّة أُخرى ، إلاّ أنّ هذا مبني على تحقيق الأمر في الجنس والفصل كما يعلم من موضعه.

وما قالهقدس‌سره في جواب الثاني يرجع القول فيه كالأوّل من حيث‌

__________________

(١) المدارك : ٣٧٨.

١٨٥

الجنس والفصل.

وإذا تمهّد هذا فالحكم في الإمام إنّما يتمشى على نحو المأموم فيما إذا قصد الإمامة وجوباً في صورة وجوب الصلاة جماعة كالجمعة على قولٍ(١) ، واستحباباً على قول آخر ، فإنّه يقال : إنّ الصلاة هيئة مركبة من المجموع كما تقدّم(٢) ، إلاّ أنّه لا يخفى لزوم بطلان الصلاة لو قارنت بعض القصود ثم تركت ، كما لو قصد الإمام الانفراد ثم قصد الجماعة في الأثناء ، ولا قائل به.

نعم في الظنّ نوع احتمال لبعض الأصحاب في صلاة الإمام جماعةً مع علمه بفسق نفسه ، ولا أعلم الآن أنّه على وجه الجزم أو مجرّد الاحتمال كما سبق نقله إجمالاً(٣) ، وعلى كل حال فانفراد الإمام اختياراً لا أعلم المصرّح بمنعه ولا بجوازه ، فالخبر المبحوث عنه يحتمل الجملة الخبرية فيه أن تكون بمعنى الأمر وجوباً فيفيد لزوم الإتمام بالقوم إلاّ مع الضرورة ، والجلوس يحتمل نحوه.

وقد سمعت القول في أنّي لم أقف الآن على المصرّح به ، غير أنّ في الفقيه ما هذه صورته : فإن قدّم مسبوقاً بركعة فإنّ عبد الله بن سنان روى عنه ، قال : « إذا أتمّ صلاته بهم فليومئ إليهم يميناً وشمالاً فلينصرفوا ثم ليكمل هو ما فاته من صلاته »(٤) .

وهذه الرواية صحيحة ، والضمير في « عنه » للصادقعليه‌السلام لتقدّم‌

__________________

(١) الروضة ١ : ٣٨٢.

(٢) في ص ١٨٤.

(٣) في ص ١٧٥.

(٤) الفقيه ١ : ٢٦٢ / ١١٩٣ ، الوسائل ٨ : ٣٧٧ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٠ ح ١.

١٨٦

ذكره ، وليس فيها ذكر الجلوس ، فربما أيّد حمل الأمر بالجلوس في الخبر المبحوث عنه على الاستحباب.

ويمكن أن يقال : إنّ خبر ابن سنان مجمل والخبر المبحوث عنه مفصّل ، أو يقال : إنّ قوله : « إذا أتمّ صلاته بهم » يدلّ على الجلوس ويكون الإيماء بعده ، كما ينبّه عليه قوله : « فلينصرفوا » لأنّ الانصراف عقيب الإيماء يدلّ على سبق التشهّد ، والحال أنّ الانصراف بعد الإيماء فيكون الجلوس حاصلاً ، ويمكن أن يقال : إنّ الانصراف يراد به إكمال صلاتهم بالتشهد ، وفيه بُعد ، والحقّ أنّ خبر ابن سنان مجمل كالخبر المبحوث عنه ؛ لما ذكرناه من تفاوت حال المسبوق.

ثم إنّ الخبر المبحوث عنه مجمل من جهة الجلوس على تقدير إرادة الزائد ، فإن كان المراد به مجرّد الجلوس من دون تشهّد ، كما هو الظاهر من قوله : « حتى إذا فرغوا من تشهدهم » دلّ على أنّ الواجب أو المستحب مجرّد الجلوس من دون الذكر ، وإن كان المراد به مع الذكر ، بأن يحمل تشهّدهم على المجموع منه ومنهم أمكن لزوم الذكر أو استحبابه.

والعجب من عدم تعرّض شيخناقدس‌سره للخبر مع ذكره في الاستدلال على جواز استنابة المسبوق(١) ، وكذلك بعض محقّقي المتأخرينرحمه‌الله في شرح الإرشاد(٢) .

وربما يستفاد من الخبر المبحوث عنه أنّ الإمام يسلّم على اليمين والشمال ؛ لأنّ الإيماء منه مقام التسليم كما هو ظاهر الخبر ، ويحتمل أن يكون الإيماء من الإمام إشارةً إلى أنّهم يسلّمون على اليمين والشمال ،

__________________

(١) المدارك ٤ : ٣٦٧.

(٢) مجمع الفائدة ٣ : ٣٢٤.

١٨٧

فيفيد تسليم المأمومين كذلك(١) .

وقولهعليه‌السلام : « فكأنّ الذي أومأ إليهم » إلى آخره ، محتمل لأن يراد أنّ الإيماء منه تسليم ، أي إيذان بالانصراف ، ويحتمل أن يراد أنّ الإيماء يراد به التسليم ، بمعنى أنّ الإشارة باليد لأجل وقوع تسليم منهم ، وربما يرجّح هذا قوله : « وانقضاء صلاتهم » إلاّ أن يقال : إنّ الإيماء منه تسليم فتنقضي صلاتهم به ، وحينئذٍ يدلّ على عدم وجوب التسليم ، كما ذكره بعض محقّقي المتأخرينرحمه‌الله (٢) وفيه : أنّ احتمال غيره ممّا ذكرناه موجود.

وأما ما تضمّنه من قوله : « أو بقي عليه » ترديد من الراوي في أي اللّفظين وقع من الإمامعليه‌السلام ، هذا.

وأمّا الثاني : فدلالته(٣) لا تخلو من إجمال ؛ لأنّ التسليم بهم إمّا أن يراد به مع جلوسه المستفاد من الأوّل ، أو مع عدمه بأن يتمّ من غير جلوس ويشير إلى من تشهّد معهم بأن يسلّم أو لا. وقول الشيخ : إنّه محمول على الاستحباب ، كالخبر في الإجمال ، لما ذكرناه. واحتمال الفرق بين الرعاف وغيره يدفعه : أنّ الأوّل فيه العلّة وهي أعم من الرعاف ، إلاّ أن يقال بانصراف العلّة إلى المرض ، كما سيأتي في اللغة.

والثالث : ما قاله الشيخ متوجّه فيه ، إلاّ أنّ لفظ « لا ينبغي » يستعمل في غير الكراهة في الأخبار ، والصراحة محلّ كلام ، نعم الظهور ربما يدّعى.

والرابع : محمل(٤) الكراهة فيه واضح.

__________________

(١) في « فض » زيادة : يدل عليه بعض الاخبار في التشهد حيث قال.

(٢) مجمع الفائدة ٣ : ٢٦٠.

(٣) في « رض » و « م » زيادة :عليه‌السلام .

(٤) في « رض » : محلّ.

١٨٨

اللغة :

قال في القاموس : العِلّة بالكسر المرض علّ يعلّ واعتلّ وأعلّه الله فهو مُعَلّ وعليل ولا تقل معلول(١) .

قوله :

باب من لم يلحق تكبيرة الركوع‌

الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل ، عن محمّد ابن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال : قال : لي : « إذا(٢) لم تدرك القوم قبل أنْ يكبّر الإمام للركعة فلا تدخل(٣) معهم في تلك الركعة ».

عنه ، عن صفوان ، عن العلاء ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : « لا تعتدّ بالركعة التي لم تشهد تكبيرها مع الإمام ».

عنه ، عن النضر ، عن عاصم ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : « إذا أدركت التكبيرة قبل أنْ يركع الإمام فقد أدركت الصلاة ».

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن هشام ، عن سليمان بن خالد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال : « في الرجل إذا أدرك الإمام وهو راكع فكبّر الرجل وهو مقيم صلبه ثم ركع قبل أنْ يرفع الإمام رأسه‌

__________________

(١) القاموس المحيط ٤ : ٢١.

(٢) في التهذيب ٣ : ٤٣ / ١٤٩ ، والاستبصار ١ : ٤٣٤ / ١٦٧٦ : إن.

(٣) في الاستبصار ١ : ٤٣٤ / ١٦٧٦ : فلا تدخلنّ.

١٨٩

فقد أدرك الركعة ».

وما رواه محمّد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد ، عن الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : « إذا أدركت الإمام وقد ركع فكبّرت وركعت قبل أنْ يرفع رأسه فقد أدركت الركعة ، فإنْ رفع الإمام رأسه قبل أنْ تركع فقد فاتتك ».

فالوجه في هذين الخبرين أنْ نحمل قوله : « إذا أدركت الإمام وهو راكع » وفي الخبر الأخير(١) : « وقد ركع » على اللحوق به في الصفّ الذي لا ينبغي التأخير عنه مع الإمكان وإنْ كان قد أدرك تكبيرة الركوع قبل ذلك المكان ، لأنّ من سمع الإمام يكبّر للركوع وبينه وبينه مسافة يجوز له أنْ يكبّر ويركع حيث انتهى به المكان ثم يمشي في ركوعه إنْ شاء حتى يلحق به ، أو يسجد في مكانه ، فإذا فرغ من سجدتيه ( لحق به )(٢) أيّ ذلك شاء فعل ، ومتى حملنا هذين الخبرين على هذا الوجه لم تتناقض الأخبار ، والذي يدلّ على جواز ما ذكرناه :

ما رواه الحسين بن سعيد ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز ، عن محمّد بن مسلم ، عن أحدهماعليهما‌السلام ، أنّه سُئل عن الرجل يدخل المسجد فيخاف أن تفوته الركعة؟ فقال : « يركع قبل أنْ يبلغ القوم ويمشي وهو راكع حتى يبلغهم ».

محمّد بن يعقوب ، عن محمّد بن يحيى ، عن عبد الله بن محمّد ابن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن أبان ، عن عبد الرحمن بن‌

__________________

(١) ساقط عن « م » و « رض » وفي « فض » : الآخر ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ٤٣٥.

(٢) ما بين القوسين ليس في « رض ».

١٩٠

أبي عبد الله (١) ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا دخلت المسجد والإمام راكع وظننت أنّك إنْ مشيت إليه رفع رأسه قبل أنْ تدركه فكبِّر واركع ، فإذا ( رفع رأسه فاسجد مكانك ، فإنْ قام فالحق بالصف ، وإن جلس فاجلس مكانك ، فإذا ) (٢) قام فالحق بالصف ».

السند :‌

في الثلاثة الأُول : واضح بما كرّرنا القول فيه(٣) . وجميل هو ابن درّاج في التهذيب(٤) . والنضر في الثالث ابن سويد. وعاصم فيه اشتراك(٥) ، وربما يظن أنّه ابن حميد عند الإطلاق.

والرابع : كالأوّلين ، وهشام هو ابن سالم في التهذيب(٦) .

والخامس : حسن.

والسادس : صحيح على ما تقدّم(٧) .

والسابع : فيه عبد الله بن محمّد ، وحاله في الرجال لا يزيد عن الإهمال(٨) . وأبان في الظنّ أنّه ابن عثمان لتكرّر روايته عن عبد الرحمن ،

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٤٣٦ / ١٦٨٢ زيادة : البصري.

(٢) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٣) راجع ج ١ ص ٦٩ ، ٩٩ ، ٤١٤ ، ج ٢ ص ٢٥٧ ، ج ٣ ص ٢٦٦ ، ج ٦ ص ٦ ، ٧٤ من هذا الجزء.

(٤) التهذيب ٣ : ٤٣ / ١٤٩.

(٥) هداية المحدثين : ٨٧.

(٦) التهذيب ٣ : ٤٣ / ١٥٢.

(٧) تقدم في ص ١٧٥.

(٨) هو عبد الله بن محمد بن عيسى الملقّب ببنان أخو أحمد بن محمد بن عيسى. رجال الكشي ٢ : ٧٩٦ ، ٧٩٩ ، رجال النجاشي : ٣٢٨ / ٨٨٨.

١٩١

حتى في الكافي في هذه الأبواب ورد مفسّراً بابن عثمان في غير هذا الخبر(١) ، وفي الفقيه مرويّاً صحيحاً(٢) .

المتن :

في الأوّل : ظاهر في النهي عن الدخول في الركعة إذا لم يدرك التكبير.

والثاني : ظاهر في عدم الاعتداد بالركعة ، وربما يستفاد منه عدم الدخول ، ويحتمل الدخول مع عدم الاعتداد ، إلاّ أنّ إجماله يمكن تفصيله من الأوّل ، أو يقال : إنّ جواز الدخول من دون الاعتداد موقوف على الدليل ، والأخبار من حيث الإجمال لا تصلح للاستدلال ، هذا على تقدير العمل بظاهر النهي ، لكن ستسمع القول بعد المعارض(٣) .

والثالث : يدلّ بمنطوقه على أنّ إدراك التكبيرة يقتضي إدراك الصلاة ، وبمفهومه عدم الإدراك ، إلاّ أنّ المفهوم مع المعارض لا يعمل به ، إمّا مطلقاً ، أو في الجملة. واحتمال أنْ يراد بالتكبيرة تكبيرة الإحرام من المأموم ، على معنى أنّك إذا لم تكبّر تكبيرة الإحرام قبل ركوعه لم تدرك الصلاة ؛ خلاف الظاهر من اللفظ ، وبتقديره فالأوّلان ظاهران في اعتبار تكبيرة الركوع ، فلو حمل هذا على ما ذكر لزم أنّه لو لم يدرك تكبيرة الركوع لكن كبّر للإحرام قبل أنْ يركع الإمام أجزأه ما في الأوّلين ، إلاّ أنْ يقال : إنّ هذا على تقدير القول بالمنع مسلّم ، أمّا على القول بالكراهة فلا ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٨١ / ٤.

(٢) الفقيه ١ : ٢٥٤ / ٥٨ ، وانظر مشيخة الفقيه ( الفقيه ٤ ) : ١١.

(٣) في ص ١٩٥.

١٩٢

وفيه ما فيه.

والرابع : كما ترى ظاهر في إدراك الركعة بالتكبير حال الانتصاب والركوع قبل رفع الإمام رأسه ، والمفهوم منه أنّه لو اختلّ أحد المذكورات لا تدرك الصلاة ، لكن التكبير يحتمل أنْ يراد به تكبيرة الإحرام ، ويحتمل تكبير الركوع ، وربما يؤيّد الثاني ظاهر قوله : « ثم ركع » إمّا إقامة الصلب فلا تصلح مؤيّداً ، وعلى هذا فالتكبير على المشهور من استحبابه. ربما يقال : إنّ عدمه لا يؤثّر ، إلاّ أنْ يدّعى اختصاص الجماعة بما ذكر وإنْ كان التكبير مستحباً ، لكن لا أعلم القائل بذلك.

وأمّا على القول بالوجوب فإشكال(١) ، يتوقف القول فيه على العلم بمراد القائل بالوجوب.

وأمّا إقامة الصلب لو انتفت أمكن القول فيها كالتكبير ، ونفي القول مثله.

والحقّ أنّ الخبر الخامس يدلّ بظاهره على أنّ الرفع مع عدم الركوع معه موجب لفوت الصلاة فيقيِّد الأوّل ، وإنْ كان فيه إطلاق من جهة عدم ذكر التكبير والانتصاب فيقيّده الأوّل ، غير أنّه يبقى نوع إجمالٍ في الخامس ، ولعلّ الأمر سهل.

ثم إنّ الرفع من الإمام كأنّ المراد به الأخذ في الرفع على المعروف ، لكن الأخذ في الرفع إنْ كان في محلّ الركوع بحيث لا يزيد عنه فالأمر واضح ، أمّا لو زاد في الانخفاض طلباً لنوعٍ من الكمال المستفاد من بعض الأخبار احتمل اغتفار الارتفاع إذا لم يرتفع عن حدّ الركوع ، نظراً إلى تحقّق‌

__________________

(١) في « رض » و « م » : فالإشكال.

١٩٣

الركوع معه ، ويحتمل عدمه ، نظراً إلى إطلاق النص ، والاحتياط مطلوب.

أمّا تناول الخبر لِما إذا شاركه في الذكر وعدم المشاركة أصلاً أو في الواجب [ فظاهر(١) ] من الإطلاق.

وقد ذكر جدّيقدس‌سره أنّه لو شكّ في الإدراك لم يعتدّ بالركعة(٢) . وقد يقال : إنّ الشرط في الخبر كما ذكر للإدراك ذكر أيضاً بالمفهوم لعدم الإدراك ، فالترجيح يحتاج إلى مرجّح.

فإنْ قلت : المرجّح هو كون الرواية صريحة في الإدراك المعلوم منه أنّه الشرط ، فلا بُدّ من العلم به ، ومع عدم العلم لا يحصل الشرط ، وعدم الاعتداد ليس مشروطاً بعدم الإدراك ، بل بعدم العلم ، والفرق واضح.

قلت : لِما ذكرت وجه ، إلاّ أنّ العلم غير مأخوذ في اللفظ ، وقد يمكن اعتباره من خارج ، والحق التكلّف في الجواب.

أمّا ما عساه يقال : إنّ الفائدة منتفية ؛ لأنّ الأمرين إذا تساويا بالنسبة إلى الشرطين تساقطا ، ويبقى التكليف بالعبادة ( موجوداً ، فيأتي بما يزيله.

فيمكن الجواب عنه : بأنّ النهي عن إبطال العمل )(٣) موجود ، إلاّ أنّه يمكن أنْ يقال : إنّ العمل غير متحقق ليدخل في النهي ، وفيه : أنّ الدخول في الصلاة متحقق ، غاية الأمر أنّ الإتمام وعدمه موقوفان على الشروط ، إلاّ أنْ يقال : إنّ الجماعة لا يتحقق الدخول فيها إلاّ بتحقق الشرط ، وهو إدراك الإمام ، ومع عدم العلم لا تتحقق الجماعة فتبطل ، وهذا ليس من قسم المنهي عنه ، إذ لا إبطال ، بل هي في نفسها باطلة ، على أنّ في آية(٤) النهي‌

__________________

(١) في النسخ : وظاهر ، والصحيح ما أثبتناه.

(٢) الروضة ١ : ٣٧٨ ، المسالك ١ : ٤٣.

(٣) ما بين القوسين ساقط عن « رض ».

(٤) محمّد : ٣٣.

١٩٤

عن إبطال العمل كلاماً ، من حيث إنّ ظاهرها إبطال جميع الأعمال ، وهذا لا يتحقّق إلاّ بالكفر نعوذ بالله منه وحينئذٍ ترجع إلى النهي عنه ؛ هكذا قيل ، وقد تقّدم في الآية كلام منّا غير بعيد.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ العلاّمة في المختلف نقل عن الشيخ في النهاية أنّه قال : من لحق تكبيرة الركوع فقد أدرك تلك الركعة ، فإنْ لم يلحقها فقد فاتته ، وبه قال ابن البرّاج ، وقال السيّد المرتضى : لو أدركه راكعاً فقد أدرك تلك الركعة واختاره ابن إدريس وإنْ لم يدرك تكبيرة الركوع ، وبه قال ابن الجنيد ، وهو الأقوى. ثمّ استدلّ بأنّ تكبيرة الركوع مستحبة ، فلا تكون شرطاً للإدراك ، وبرواية سليمان بن خالد واصفاً لها بالصحّة ، ( وبحسنة الحلبي.

ثم نقل احتجاج الشيخ بالأخبار الثلاثة الأُول واصفاً لها بالصحّة )(١) ، وهو يقتضي تعيّن عاصم ، وأنّه تأوّل الخبرين الدالين على الإدراك بنحو ما ذكره الشيخ هنا مع تأييده بخبر محمّد بن مسلم السادس ، وزاد على ذلك أعني الشيخ أنّه بفوات أوّل الركوع يكون قد فاته الواجب من الركوع ، وإدراكه بعد قضاء الواجب وهو في(٢) حالة الندب ، فيكون كإدراكه بعد الانتصاب. وأجاب العلاّمة : بأنّ المراد بإدراك تكبيرة الركوع إدراك الركوع ، لأنّه الظاهر ، ويمنع فوت الركوع بفوات أوّله(٣) . انتهى ملخّصاً.

ولقائلٍ أنْ يقول : إنّ ظاهر الأخبار خلاف ما قاله ، والأولى الحمل على كراهة الدخول إذا لم يدرك التكبير ، لكن يمكن أنْ يقال : إنّ هذا في‌

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٢) ليست في النسخ ، أثبتناها من المصدر.

(٣) المختلف ٢ : ٥٠٤.

١٩٥

الركعة الأخيرة يتعارض الفرار من الكراهة وفوات الجماعة ، ( وربما ترجّح الجماعة )(١) ، أو تحمل الأخبار على غير الأخيرة ، وحينئذٍ ما قاله شيخناقدس‌سره في فوائد الكتاب : من أنّ الأجود حمل النهي الوارد في خبر محمّد بن مسلم يعني الخبر الأوّل على الكراهة ؛ محلّ تأمّل على الإطلاق ، إلاّ أنْ يقال : إنّ كراهة الجماعة يراد بها الأقلّ ثواباً ، فلا يكون الترك أولى ، إلاّ إذا أمكن الفعل بدون الكراهة ، فإذا انتفى انتفت الكراهة ، وفي البين كلام.

فإنْ قلت : مقتضى الخبر الثاني عدم الاعتداد بالركعة ، ولا يلزم منه عدم الاعتداد بالصلاة ، فيجوز أنْ تتحقق الجماعة من دون الاعتداد بالركعة ، كما في إدراك الإمام بعد رفعه من السجود ، أو بعد رفعه من الركوع.

(قلت : قد نقل عن العلاّمة شيخناقدس‌سره التوقف في هذا الحكم أعني الدخول بعد الرفع من الركوع )(٢) لرواية محمّد بن مسلم أعني الاولى من الباب ثم قال : وهو في محلّه ، لا لما ذكره من النهي في الرواية عن الدخول فإنّه محمول على الكراهة ، بل لعدم ثبوت التعبّد بذلك(٣) ، انتهى.

وقد يقال : إنّ قولهعليه‌السلام في الخبر الثاني « لا تعتدّ بالركعة » دون الصلاة يشعر بأنّ الدخول مشروع ، وكذلك الأخبار الدالّ مفهومها على عدم إدراك الركعة إذا لم يدرك التكبير ، وقد روى الشيخ في التهذيب ، عن محمّد ابن أحمد بن يحيى ، عن ابن أبي نصر ، عن عاصم ، عن محمّد بن مسلم قال : قلت له : متى يكون يدرك الصلاة مع الإمام؟ قال : « إذا أدرك الإمام وهو في السجدة الأخيرة من صلاته فهو مدرك لفضل الصلاة مع الإمام »(٤) .

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « م ».

(٢) ما بين القوسين ساقط عن « رض ».

(٣) المدارك ٤ : ٣٨٥.

(٤) التهذيب ٣ : ٥٧ / ١٩٧ ، الوسائل ٨ : ٣٩٢ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٩ ح ١.

١٩٦

وهذه الرواية موصوفة بالصحّة من شيخناقدس‌سره (١) إلاّ أنّ في الطريق عاصماً ، ولا يبعد كونه ابن حميد.

وربما كانت دالّة على إدراك الركعة بعد الرفع من الركوع فتؤيد ما يشعر به الخبر السابق ، إلاّ أنْ يقال : إنّ ظاهر الرواية في السجدة الأخيرة.

وروى الشيخ في زيادات الصلاة من التهذيب ، عن أحمد بن الحسن ابن علي ، عن عمرو بن سعيد ، عن مصدّق بن صدقة ، عن عمّار قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجلٍ أدرك الإمام وهو جالس بعد الركعتين؟ قال : « يفتتح الصلاة ولا يقعد مع الإمام حتى يقوم »(٢) وفيه دلالة غير خفيّة ، ولعلّ ضعفه بسبب عدم الطريق(٣) إلى أحمد ، ولا يضرّ في إثبات السنّة ، وإنْ كان في البين كلام.

وروى الصدوق في الفقيه ، عن عبد الله بن المغيرة قال : كان منصور ابن حازم يقول : إذا أتيت الإمام وهو جالس قد صلّى ركعتين فكبّر ثم اجلس(٤) . وهذا الحديث من المؤيدات ، إلاّ أنّ في الظاهر منه أنّه ليس عن الإمامعليه‌السلام ، ( وفيه من البعد ما لا يخفى ، بل الظاهر أنّها رواية من غير ذكر الإمامعليه‌السلام )(٥) ، والطريق إلى عبد الله بن المغيرة فيه حسن ، وآخر فيه كلام ، لكن رواية الصدوق لا يخفى حالها.

إذا تمهّد هذا كلّه فاعلم أنّ ما ذكره الشيخ في تأويل الخبرين في غاية البعد عن ظاهرهما ، وقوله : إذا حملناهما على هذا الوجه لم تتناقض الأخبار.

__________________

(١) المدارك ٤ : ٣٨٦.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٧٤ / ٧٩٣ ، الوسائل ٨ : ٣٩٣ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٩ ح ٤.

(٣) في « فض » : السابق.

(٤) الفقيه ١ : ٢٦٠ / ١١٨٤ ، وفيه زيادة : فإذا قمت فكبّر.

(٥) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

١٩٧

يدلّ على انحصار الجمع فيما قاله ، والحال أنّ الكراهة أقرب المسالك.

وما قاله : من اللحوق في الصفّ الذي لا ينبغي ، إلى آخره. كأنّ المراد به اشتراط تكبيرة في موضعٍ لا يبعد عن الإمام أو المأمومين بما يزيد عن القدر المعتبر على الخلاف فيه.

وعبارة الشيخ لا تخلو من إجمال ؛ لأنّ قوله : وإنْ كان أدرك تكبيرة الركوع قبل ، إلى آخره. يدلّ على أنّ محلّ الركوع غير محلّ السماع ، والتسديد ممكن لو ثبت(١) الدليل على اعتبار المقدار في هذه الصورة ، والخبران المذكوران لا يدلاّن على ذلك إلاّ(٢) من حيث ذكر المسجد ، واحتمال اغتفار(٣) البعد بما يزيد عن مقدار التخطّي عند الشيخ ، وإلاّ ففي بعض الأخبار المعتبرة اعتبار مقدار التخطّي ومسقط الجسد(٤) ، إلاّ أنّ ظاهر الخبر في الصفوف ، فيجوز خروج ما تضمّنه الخبران عن ذلك ، فيجوز التكبير وإنْ بعُد ، لكن في المسجد ، وفي ما وقفت عليه من كلام الأصحاب نوع إجمال.

ثم إنّ الرواية الأخيرة رواها الصدوق بلفظ : وروى عن عبد الرحمن ابن أبي عبد الله(٥) ، والطريق إليه صحيح ، وقد قدّمنا(٦) ما يقال في مثل هذا ، وروى عن الحلبي(٧) الرواية الحسنة هنا(٨) ، وطريقه صحيح.

__________________

(١) في « فض » ما يمكن أن يقرأ : بيّنا.

(٢) في « رض » : الأمر.

(٣) في « فض » : اعتبار.

(٤) الوسائل ٨ : ٤١٠ أبواب صلاة الجماعة ب ٦٢.

(٥) الفقيه ١ : ٢٥٤ / ١١٤٨.

(٦) في ص : ١٤٤.

(٧) في النسخ : زيادة : و، حذفناها لاستقامة العبارة.

(٨) الفقيه ١ : ٢٥٤ / ١١٤٩.

١٩٨

ثم إنّ دلالة الخبرين الأخيرين واضحة ، ويتفرع منهما أحكام غير خفيّة.

نعم ينبغي أنْ يعلم أنّ الشيخ روى في التهذيب ، عن الحسين بن سعيد ، عن حمّاد بن عيسى ، عن معاوية بن وهب قال : رأيت أبا عبد اللهعليه‌السلام يوماً وقد دخل المسجد الحرام لصلاة العصر ، فلمّا كان دون الصفوف ركعوا فركع ثم سجد السجدتين ثم قام يمضي(١) حتى لحق بالصفوف(٢) . وهذا الحديث غير خفي أنّه ينادي بالتقية ، لأنّهعليه‌السلام لم يكن يصلّي مأموماً مع من يوثق ( به في المسجد الحرام ، وحينئذٍ يمكن حمل الأخبار الدالّة على ذلك على التقية ، إلاّ أنّي لا أعلم من توقّف )(٣) من الأصحاب في الحكم ، والله تعالى أعلم بحقائق الأُمور.

قوله :

باب من فاتته مع الإمام ركعة أو ركعتان.

الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أُذينة (٤) ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « إذا أدرك الرجل بعض الصلاة وفاته بعض خلف إمام يحتسب بالصلاة خلفه جعل (٥) ما أدرك أوّل صلاته ، إنْ أدرك من الظهر أو العصر أو العشاء ركعتين (٦) وفاتته ركعتان قرأ في‌

__________________

(١) في التهذيب : فمضى.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٨١ / ٨٢٩.

(٣) ما بين القوسين ساقط عن « م ».

(٤) في « فض » و « م » : عن ابن أذينة.

(٥) في التهذيب ٣ : ٤٥ / ١٥٨ ، والاستبصار ١ : ٤٣٦ / ١٦٨٣ زيادة : أوّل.

(٦) في الاستبصار ١ : ٤٣٦ / ١٦٨٣ : الركعتين.

١٩٩

كلّ ركعةٍ ممّا أدرك خلف الإمام في نفسه بأُمّ الكتاب وسورة ، فإنْ لم يدرك السورة تامّةً أجزأته أُمّ الكتاب ، فإذا سلّم الإمام قام فصلّى ركعتين لا يقرأ فيهما ، لأنّ الصلاة إنما يقرأ فيها في الأوّلتين في كلّ ركعةٍ بأُمّ الكتاب وسورة ، وفي الأخيرتين لا يقرأ فيهما إنّما هو تسبيح وتكبير وتهليل ودعاء وليس فيهما قراءة ، فإنْ أدرك ركعةً قرأ فيها خلف الإمام ، فإذا سلّم الإمام(١) قام فقرأ بأُمّ الكتاب وسورة ثم قعد فتشهّد ثم قام فصلّى ركعتين ليس فيهما قراءة ».

محمّد بن يعقوب ، عن محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن صفوان ، عن عبد الرحمن بن الحجّاج قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الرجل يدرك الركعة الثانية من الصلاة مع الإمام وهي له الاولى ، كيف يصنع إذا جلس الإمام(٢) ؟ قال : « يتجافى ولا يتمكّن من القعود ، فإذا كانت الثالثة للإمام وهي له الثانية فليلبث(٣) قليلاً إذا قام الإمام بقدر ما يتشهد ثم يلحق الإمام » قال : وسألته عن الرجل(٤) الذي يدرك الركعتين الأخيرتين من الصلاة كيف يصنع بالقراءة؟ فقال : « اقرأ فيهما فإنّهما لك الأوّلتان(٥) ، ولا تجعل أوّل صلاتك آخرها ».

أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن يحيى ، عن طلحة بن‌

__________________

(١) ليست في النسخ ، أثبتناها من الاستبصار ١ : ٤٣٦ / ١٦٨٣ ، والتهذيب ٣ : ٤٥ / ١٥٨ ، والوسائل ٥ : ٤٤٥ أبواب صلاة الجماعة ب ٤٧ ح ٤.

(٢) في الاستبصار ١ : ٤٣٧ / ١٦٨٤ يوجد : للتشهد.

(٣) في الاستبصار ١ : ٤٣٧ / ١٦٨٤ : فيلبث.

(٤) ليس في الاستبصار ١ : ٤٣٧ / ١٦٨٤.

(٥) في الاستبصار ١ : ٤٣٧ / ١٦٨٤ : فإنها لك الأوليان.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

ولا يشترط أن يكون مشخّصاً ، فلو شرط ارتهان عبد حبشي موصوف بصفات السَّلَم ، جاز وإن لم يكن له عبد في الحال.

ويشترط في الكفيل التعيينُ إمّا بالمشاهدة أو المعرفة بالاسم والنسب.

وهل يكفي الوصف مثل أن يقول : رجل موسر ثقة؟ الأقرب ذلك ؛ فإنّ الاكتفاء بالصفة أولى من الاكتفاء بمشاهدة مَنْ لا يعرف حاله ، خلافاً للشافعي حيث شرط تعيين شخصه(١) ، وبعضٍ الشافعيّة حيث لم يشترط التعيين مطلقاً ، بل إذا أطلق أقام مَنْ شاء(٢) .

فروع :

أ - الأقرب أنّه لا يشترط تعيين الشهود لو شرط الإشهاد ؛ لأنّ المطلوب في الشهود العدالةُ لإثبات الحقّ عند الحاجة ، بخلاف الرهن والكفيل ؛ لتفاوت الأغراض فيهما.

وقال بعض الشافعيّة : يشترط أيضاً كالرهن والكفيل ، وتفاوت الأغراض هنا متحقّق ، فإنّ بعض العدول أوجه ، وقوله أسرع قبولاً ، وعدالته أشهر وأوضح ، فتتفاوت الأغراض في أعيانهم(٣) .

وليس بجيّد ؛ إذ لا اعتبار بهذه الجزئيّات ؛ لعدم انضباطها.

ب - لو عيّن الشهود في الشرط ، تعيّنوا ، عملاً بالشرط ؛ إذ لا منافاة فيه للكتاب والسنّة. وللشافعي قولان(٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٨ ، المجموع ٩ : ٣٧٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٨ ، المجموع ٩ : ٣٧٥.

(٣) الوسيط ٣ : ٧٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٨ ، المجموع ٩ : ٣٧٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٨.

٢٦١

ج - لا يشترط في الرهن التعرّضُ لكون المرهون عند المرتهن أو غيره ، عملاً بأصالة عدم الاشتراط.

وللشافعيّة وجهان(١) .

فإنّ اتّفقا مع الإطلاق على وضعه عند المرتهن أو غيره ، فذاك. وإن تنازعا ، احتُمل انتزاع الحاكم له ووضْعه عند ثقة تحقيقاً للاستيثاق. وجَعْله في يد الراهن ؛ إذ لو لم يرض به المرتهن ، لشرط نزعه عنه مع أصالة استمرار الحال.

ولو شرطا في عقد الرهن وضعه عند المرتهن أو غيره ، لزم ، فإن امتنع الغير ، وضعه الحاكم مع التنازع عند الثقة.

مسألة ١٢٢ : الأقرب جواز اشتراط رهن المبيع نفسه على ثمنه.

ومَنَع أكثر الشافعيّة منه ؛ لأنّ الثمن إن كان مؤجّلاً ، لم يجز حبس المبيع لاستيفائه ، أو حالّاً ، فله حبسه لاستيفائه ، فلا معنى للحبس بحكم الرهن. ولأنّ قضيّة الرهن كون المال أمانةً وأن يسلّم الدَّيْن أوّلاً ، وقضيّة البيع بخلافه ، فيلزم تناقض الأحكام. ولأنّ فيه استثناءَ منفعةٍ ، فلا يجوز أن يستثني البائع بعض منافع المبيع لنفسه. ولأنّ المشتري لا يملك رهن المبيع إلّا بعد صحّة البيع ، فلا تتوقّف عليه صحّة البيع ، وإلّا دارَ(٢) .

والجواب : أنّ المؤجّل لا يجوز حبس المبيع عليه إذا لم يَجْر رهنٌ أو إذا جرى؟ [ الأوّل مسلّم ، والثاني ممنوع ](٣) لكنّ التقدير جريان الرهن فيه ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٨ ، المجموع ٩ : ٣٧٦.

(٢) الوسيط ٣ : ٧٥ - ٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٨ - ١٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٨.

(٣) ما أثبتناه بين المعقوفين اُشير إليه في « ق ، ك» برمز « م ع » وفي الطبعة الحجريّة برمز « مم ». والمثبت توضيح لما في « ق ، ك».

٢٦٢

فهو موضوع النزاع. والحالّ قد يتقوّى أحد الجنسين بالآخر فيه. ولا امتناع في بقاء المال مضموناً بحكم البيع استيفاءً لما كان. ويسلّم الدَّيْن أوّلاً ؛ لإقدامه على الرهن. واستناء بعض المنافع جائز ؛ لما تقدّم. والدور ممنوع ؛ لأنّا نسلّم أنّه لا تتوقّف صحّة البيع على الرهن ، لكن ، لا كلام فيه ، بل في أنّه هل يمنع صحّة البيع؟

وقال بعض الشافعيّة : إن قلنا بوجوب بداءة البائع بالتسليم أو أنّهما يُجبران معاً ، أو لا إجبار ما لم يبتدئ أحدهما ، بطل البيع ؛ لأنّه شرط يُبطل مقتضى البيع ؛ لتضمّنه حبس المبيع إلى استيفاء الثمن ، فإن قلنا : البداءة بالمشتري ، فوجهان : صحّة الشرط ؛ لموافقته مقتضى العقد. والعدم ، فيفسد البيع ؛ لتناقض الأحكام(١) .

والجواب : أنّ مقتضى البيع عند الإطلاق وجوب بداءة تسليم البائع ، أمّا عند الشرط فلا.

والحاصل : أنّ الشرط يقتضي شيئاً لا يقتضيه العقد ، فإن اقتضى ما ينافيه ، بطل ، وإلّا فلا. ونحن نمنع اقتضاء إطلاق العقد ما ينافي هذا الشرط ، بل إطلاقه صالح لاقتران قيد الشرط به وعدمه.

فروع :

أ - لو شرط أن يرهنه المبيع بالثمن بعد القبض ويردّه إليه ، صحّ البيع والشرط عندنا ، خلافاً للشافعي(٢) .

لنا : أنّه شرط سائغ لا ينافي مقتضى العقد ولا يخالف الكتاب‌

____________________

(١ و ٢ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٨.

٢٦٣

والسنّة ، فيكون لازماً.

ب - لو رهنه بالثمن من غير شرط ، صحّ عندنا مطلقاً وعند الشافعي إن كان بعد القبض. وإن كان قبله ، فلا إن كان الثمن حالّاً ؛ لأنّ الحبس ثابت له. وإن كان مؤجّلاً ، فهو كما لو رهن المبيع قبل القبض بدَيْنٍ آخر(١) .

ج - لو شرط رهن غير المبيع على الثمن أو شرط رهن المبيع على غيره ، صحّ عندنا ، وقد تقدّم.

مسألة ١٢٣ : لو لم يرهن المشتري ما شرطه أو لم يتكفّل الذي عيّنه‌ ، فلا خيار له ، بل للبائع الخيار. ولا يقوم رهن ولا كفيل آخر مقام المعيّن ؛ لتفاوت الأغراض في خصوصيّات الأعيان هنا ، فإن فسخ البائع ، فلا بحث ، وإن أجاز ، فلا خيار للمشتري ، لأنّه إسقاط حقٍّ عنه ، فإذا لم يثبت له الخيار مع ثبوته فمع إسقاطه أولى.

ولو عيّن شاهدين فامتنعا من تحمّل الشهادة ، فإن قلنا : لا بُدّ من تعيين الشاهدين ، فللبائع الخيار ، وإن أسقطنا التعيين ، فلا.

ولو شرط المشتري على البائع إقامة كفيلٍ على العهدة فلم يوجد أو امتنع المعيّن ، ثبت للمشتري الخيار. ولو أسقطه المشتري ، فلا خيار له.

فروع :

أ - لو باع بشرط الرهن فهلك الرهن قبل القبض أو تعيّب أو وجد به عيباً قديماً ، فله الخيار في البيع ، وإن تعيّب بعد القبض ، فلا خيار.

ب - لو اختلفا في تعيّب الرهن ، فادّعى الراهن حدوثه بعد القبض‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٩.

٢٦٤

والمشتري سَبْقَه ، قدّم قول الراهن استدامةً للبيع.

ج - لو هلك الرهن بعد القبض أو تعيّب ثمّ اطّلع على عيبٍ قديم به ، فلا أرش له ؛ لأصالة البراءة.

وهل له فسخ البيع؟ الأقرب : العدم ؛ لأنّ الفسخ إنّما يثبت إذا أمكنه ردّ الرهن كما أخذه.

ويحتمل الثبوت ؛ لأنّه لم يسلم إليه ما شرطه عليه ووجب له ، والردّ إنّما يجب مع بقاء العين ؛ إذ مع تلفها لا يمكن.

ثمّ إن كان التلف بغير تفريطٍ ، لم يثبت وجوب الردّ ، وإن كان بتفريطٍ ، قام ردّ العوض مقام ردّه.

مسألة ١٢٤ : من الشروط الجائزة شرط العتق‌ ، فلو اشترى عبداً أو أمةً بشرط أن يُعتقها المشتري ، صحّ البيع ولزم الشرط ، عند علمائنا أجمع - وبه قال مالك وأحمد في أصحّ الروايتين عنه ، وهو أصحّ قولي الشافعي(١) أيضاً - لعموم قوله تعالى :( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (٢) .

وما روي من أنّ عائشة اشترت بريرة وشرط عليها مواليها أن تُعتقها ويكون ولاؤها لهم ، فأنكر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله شرط الولاء دون العتق ، وقال : « شرط الله أوثق ، وقضاء الله أحقّ ، والولاء لمن أعتق»(٣) .

____________________

(١) بداية المجتهد ٢ : ١٦١ ، المغني ٤ : ٣٠٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٦٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٥ ، المجموع ٩ : ٣٦٤ و ٣٦٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٩ ، حلية العلماء ٤ : ١٦٢ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥١٦ ، الوسيط ٣ : ٧٨ - ٧٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٠ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ١٣١ / ١٢٠٩.

(٢) البقرة : ٢٧٥.

(٣) صحيح البخاري ٣ : ٩٣ و ١٩٨ - ١٩٩ ، صحيح مسلم ٢ : ١١٤١ - ١١٤٢ / ٦ ، =

٢٦٥

وروى أبو ثور عن الشافعي أنّه لو باع عبداً بشرط العتق ، صحّ البيع ، وبطل الشرط(١) .

والمشهور عن أبي حنيفة وأصحابه : أنّ البيع فاسد ؛ لأنّه شرط على المشتري إزالة ملكه عنه ، فكان فاسداً ، كما لو شرط عليه أن يبيعه(٢) .

والحكم في الأصل ممنوع عندنا ، وإنّما هو لازم للشافعي.

ثمّ قال أبو حنيفة : إنّه مضمون بالثمن المسمّى في العقد(٣) .

وقال أبو يوسف ومحمّد : يضمنه بالقيمة(٤) .

وأجاب(٥) الشافعي عن قياسه : بأنّ العتق يخالف البيع ، فإنّه يقصد بالعوض في الكتابة ، وإذا قال : أعتق عبدك وعليَّ كذا ، صحّ. ولأنّه يضمن فيما ذكروه بالقيمة وهنا بالثمن عند أبي حنيفة ، فافترقا.

وروي عن أبي حنيفة أنّ البيع جائز(٦) ، كما قلناه نحن.

____________________

= و ١١٤٣ / ٨ ، سنن البيهقي ١ : ٣٣٨ ، شرح معاني الآثار ٤ : ٤٤ وفيها نحوه. وفي العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٠ مثله.

(١) حلية العلماء ٤ : ١٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٠ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ١٣٢ / ١٠٢٩.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٤٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ١٣٠ / ١٠٢٩ ، حلية العلماء ٤ : ١٢٧ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥١٦ ، الوسيط ٣ : ٧٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٠ ، المجموع ٩ : ٣٦٦ ، المغني ٤ : ٣٠٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٦٢.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٤٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ١٣٠ / ١٢٠٩ ، حلية العلماء ٤ : ١٢٧ ، المجموع ٩ : ٣٦٦ - ٣٦٧.

(٤) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٤٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ١٣٠ / ١٢٠٩ ، حلية العلماء ٤ : ١٢٧ ، المجموع ٩ : ٣٦٧.

(٥) لم نعثر على الجواب فيما بين أيدينا من المصادر.

(٦) حلية العلماء ٤ : ١٢٧.

٢٦٦

فروع :

أ - يجوز اشتراط العتق مطلقاً وبشرط أن يعتقه عن المشتري نفسه ، وبه قال الشافعي على أصحّ القولين من جواز شرط العتق(١) . أمّا لو شرط العتق عن البائع ، فإنّه يجوز عندنا - خلافاً له(٢) - لأنّه شرط لا ينافي الكتاب والسنّة.

ب - الأقوى عندي : أنّ العتق المشروط اجتمع فيه حقوق : حقٌّ لله تعالى ، وحقٌّ للبائع ، وحقّ آخر للعبد أيضاً.

وللشافعي وجهان : أنّه حقّ الله تعالى ، كالملتزم بالنذر. وأنّه حقّ البائع ؛ لأنّ اشتراطه يدلّ على تعلّق غرضه به(٣) . والظاهر أنّه بواسطة هذا الشرط تسامح في الثمن.

فإن قلنا : إنّه حقّ البائع ، فله المطالبة به قطعاً. وإن قلنا : إنّه حقّ الله تعالى ، فكذلك عندنا - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٤) - لأنّه ثبت بشرطه ، وله غرض في تحصيله.

وله آخر : أنّه ليس للبائع المطالبة به ؛ إذ لا ولاية له في حقوق الله تعالى(٥) .

وعلى ما اخترناه نحن للعبد المطالبةُ بالعتق على إشكال ينشأ من ثبوت حقٍّ له للانتفاع به ، فكان له المطالبة به. ومن أنّه منوط باختيار‌

____________________

(١ و ٢ ) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١١ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٩ ، المجموع ٩ : ٣٦٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١١ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٩ - ٧٠ ، المجموع ٩ : ٣٦٤.

(٤ و ٥ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١١ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٠ ، المجموع ٩ : ٣٦٥.

٢٦٧

المشتري ؛ إذ له الامتناع ، فيتخيّر البائع حينئذٍ بين الفسخ والإمضاء ، لكنّ الأوّل أقرب.

ج - الولاء عند علمائنا إنّما يثبت مع العتق المتبرّع به‌ لا مع العتق الواجب بنذرٍ وكفّارة وشبهه على ما يأتي.

أمّا العتق المشترط في البيع فيحتمل إلحاقه بالواجب ؛ لوجوبه عليه بعقد البيع ، وإجباره على فعله. وبالمتبرّع به ؛ إذ له الإخلال بالشروط المشترطة في البيع من عتقٍ وغيره ، ويثبت الخيار للبائع ، فكأنّ العتق في الحقيقة هنا مستند إلى اختياره ، فيكون متبرّعاً به.

فعلى الأوّل لا ولاء هنا ، أمّا للبائع : فلانتقال الملك عنه ، وصدور العتق من غيره ، ولا يصحّ شرط الولاء. وأمّا للمشتري : فلوجوب العتق عليه.

وأمّا على الثاني فيثبت الولاء للمشتري.

د - إذا أعتقه المشتري ، فقد وفى بما وجب عليه والتزم به ، والولاء له إن أثبتناه وإن قلنا : إنّ العتق حقّ البائع ؛ لأنّه صدر عن ملك المشتري.

وإن امتنع ، اُجبر عليه إن قلنا : إنّه حقٌّ لله تعالى. وإن قلنا : إنّه حقٌّ للبائع ، لم يُجبر ، كما في شرط الرهن والكفيل ، لكن يتخيّر البائع في الفسخ ؛ لعدم سلامة ما شرطه له.

وللشافعي قولان : الإجبار وعدمه(١) .

فإن قلنا بالإجبار ، حبس عليه حتى يعتق ، وهو أحد قولي الشافعيّة.

والثاني : أنّ القاضي يعتق عليه(٢) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١١ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٠ ، المجموع ٩ : ٣٦٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٠ ، المجموع ٩ : ٣٦٥.

٢٦٨

والأولى عندي الإجبار في شرط الرهن والكفيل لو امتنع ، كما لو شرط تسليم الثمن معجّلاً فأهمل.

ه- إن قلنا : إنّ العتق حقٌّ للبائع ، فلو أسقطه ، سقط ، كما لو شرط رهناً أو كفيلاً ثمّ عفا عنه.

وقال بعض الشافعيّة : إنّ شرط الرهن والكفيل أيضاً لا يفرد بالإسقاط ، كالأجل(١) .

و - هل يجوز إعتاق هذا العبد عن الكفّارة؟ الوجه أن نقول : إن شرط البائع عتقه عن كفّارة المشتري ، أجزأه ، وتكون فائدة الشرط التخصيصَ لهذا العبد بالإعتاق.

وإن لم يشرط ، فإن قلنا : إنّ العتق هنا حقٌّ لله تعالى ، لم يجزئ ، كإعتاق المنذور عتقُه عن الكفّارة. وإن قلنا : إنّه حقٌّ للبائع ، فكذلك إن لم يسقط حقّه ، وإن أسقطه ، جاز ؛ لسقوط وجوب العتق حينئذٍ.

وللشافعيّة على هذا التقدير وجهان ، هذا أحدهما. والثاني : المنع ؛ لأنّ البيع بشرط العتق لا يخلو عن محاباة ، فكأنّه أخذ عن العتق عوضاً(٢) .

ز - يجوز للمشتري الاستخدام ؛ لعدم خروجه عن ملكه إلّا بالعتق ولم يحصل بَعْدُ.

ويجوز أيضاً الوطؤ ، فإن حملت ، صارت اُمَّ ولد ، فإن أعتقها ، صحّ عندنا ؛ لعدم خروجها بالاستيلاد عن ملكه ، وهو أصحّ قولي الشافعيّة(٣) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٠ ، المجموع ٩ : ٣٦٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٢.

(٣) اُنظر : العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٢ ، وروضة الطالبين ٣ : ٧٠ ، والمجموع ٩ : ٣٦٥.

٢٦٩

وقال بعضهم : ليس له عتقها ؛ لأنّ عتقها قد استحقّ بالإحبال فقد تعذّر عليه عتقها(١) .

ح - لو استخدم أو أحبل ولم يعتق ، فإن أجبرناه على العتق ، لم يضمن شيئاً. وإن خيّرنا البائع بين الفسخ والإمضاء ، فكذلك ؛ لأنّ النماء المتجدّد في زمان خيار البائع للمشتري ، سواء فسخ البائع بعد ذلك أو لا.

والأقرب : أنّ الإحبال كالإتلاف.

ولو اكتسب العبد قبل عتقه ، فهو للمشتري أيضاً.

ط - لو قُتل هذا العبد قبل عتقه ، كانت القيمة للمشتري ، ويُقوَّم عبداً مشروط العتق ، ولا يكلّف صرف القيمة إلى عبدٍ آخر ليعتقه ؛ لتعلّق الشرط بالعين وقد تلفت.

ي - لو قتله المشتري أو مات أو تلف سواء كان بتفريطه أو لا ، لم يجب شراء غيره ، لكن يرجع البائع بما يقتضيه شرط العتق ، فيقال : كم قيمته لو بِيع مطلقاً وبشرط العتق؟ فيرجع البائع بالنسبة من الثمن ، فإذا قيل : إنّه يساوي مائة بغير شرط وتسعين بشرط العتق ، زِيد على الثمن تسعه. وله الفسخ ، لعدم الوفاء بالشرط ، فيدفع ما أخذه من الثمن ويرجع بقيمة العبد. وفي اعتبارها إشكال.

وللشافعيّة أقوال :

أحدها : أنّه لا يلزم المشتري إلّا الثمن المسمّى ؛ لأنّه لم يلتزم غيره.

الثاني : أنّ عليه مع ذلك قدر التفاوت ، كما قلناه.

الثالث : أنّ البائع بالخيار إن شاء أجاز العقد ولا شي‌ء له ، وإن شاء‌

____________________

(١) اُنظر : العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٢ ، وروضة الطالبين ٣ : ٧٠ ، والمجموع ٩ : ٣٦٥.

٢٧٠

فسخ وردّ ما أخذه من الثمن ورجع بقيمة العبد.

الرابع : أنّ العقد ينفسخ ؛ لتعذّر إمضائه ؛ إذ لا سبيل إلى إيجاب شي‌ء على المشتري من غير تفويت ولا التزام ، ولا إلى الاكتفاء بالمسمّى ؛ فإنّ البائع لم يرض به إلّا بشرط العتق.

وهل هذه الوجوه متفرّعة على أنّ العتق للبائع أو مطّردة سواء قلنا : إنّه للبائع أو لله تعالى؟ فيه رأيان ، أظهرهما : الثاني(١) .

ونحن قد قلنا : إنّه بالخيار بين الفسخ والإمضاء مع المطالبة بالنقص ، وهو جارٍ فيما إذا قلنا : إنّه حقٌّ لله تعالى أو للبائع.

يأ - شرط العتق إنّما يتناول السبب المباح ، فلو نكل به فانعتق ، لم يأت بالشرط ، وكان للبائع الخيار بين الفسخ والإمضاء ، ويكون بمنزلة التالف ، وقد تقدّم.

يب - شرط العتق إنّما يتناول العتق مجّاناً ، فلو أعتقه المشتري وشرط عليه الخدمة أو شيئاً ، تخيّر البائع بين فسخ البيع والإمضاء ، فإن فسخ ، فالأقرب نفوذ العتق ، ويرجع البائع بالقيمة ، كالتالف.

ويحتمل فساده ؛ لوقوعه على خلاف ما وجب عليه ، وسقوط الشرط خاصّة ، فينفذ العتق ، ولا خيار للبائع ولا شي‌ء له.

يج - لو باعه المشتري أو وقفه أو كاتبه ، تخيّر البائع بين فسخ البيع والإمضاء ، فإن فسخ البيع ، بطلت هذه العقود ؛ لوقوعها في غير ملكٍ تامّ.

ويخالف هنا العتق بشرط ؛ لأنّ العتق مبنيّ على التغليب والسراية ، فلا سبيل إلى فسخه مع القول بصحّته.

وهل له إمضاء البيع مع طلب فسخ ما فَعَله المشتري؟ فيه احتمال.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٢ - ١١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٠ ، المجموع ٩ : ٣٦٥ - ٣٦٦.

٢٧١

يد - لو باعه من غيره وشرط عليه العتق ، احتُمل الصحّة ؛ لوقوع غرض البائع به ، وكما لو أعتقه بوكيله. والبطلان ؛ لأنّ شرط العتق مستحقّ عليه ، فليس له نقله إلى غيره.

وللشافعيّة(١) كالوجهين.

يه - لو قلنا بثبوت الولاء للمشتري ، لم يصح اشتراطه للبائع ؛ لمنافاته النصّ.

وفي صحّة البيع مع بطلانه خلاف كما تقدّم من صحّة البيع مع بطلان الشرط.

وللشافعي قولان فيما لو شرط مع العتق كون الولاء للبائع : بطلان العقد ؛ لأنّ شرط الولاء مغيّر لمقتضى العقد ؛ لتضمّنه نقل الملك إلى البائع وارتفاع العقد. والصحّة ؛ لحديث بَرِيرَة ، فإنّ عائشة أخبرت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ مواليها لا يبيعونها إلّا بشرط أن يكون الولاء لهم ، فقالعليه‌السلام : « اشتري واشترطي لهم الولاء »(٢) أذن في الشراء بهذا الشرط ، وهو لا يأذن في باطل(٣) .

ونحن نمنع الرواية ، ولهذا لم يثبت القائلون بالفساد الإذن في شرط الولاء ؛ لأنّ هشاماً تفرّد به ، ولم يتابعه سائر الرواة عليه(٤) .

وعلى تقدير صحّة البيع ففي صحّة الشرط للشافعيّة وجهان :

العدم ؛ لأنّهعليه‌السلام خطب بعد ذلك وقال : « ما بال أقوام يشترطون‌

____________________

(١) حلية العلماء ٤ : ١٢٨ - ١٢٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٧١ ، المجموع ٩ : ٣٦٥.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ١٩٩ ، صحيح مسلم ٢ : ١١٤٢ - ١١٤٣ / ٨ نحوه.

(٣) حلية العلماء ٤ : ١٢٨ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥١٦ - ٥١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٧١ ، المجموع ٩ : ٣٦٦.

(٤) كما في التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥١٧ ، والعزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٤.

٢٧٢

شروطاً ليست في كتاب الله تعالى ، كلّ شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل ، شرط الله أوثق ، وقضاء الله أحقّ ، والولاء لمن أعتق »(١) .

والصحّة ؛ لأنّه أذن في اشتراط الولاء ولا يأذن في باطل. لكنّ المشهور بينهم فساد العقد(٢) .

يو - لو جرى البيع بشرط الولاء دون شرط العتق‌ بأن قال : بعتكه بشرط أن يكون الولاء لي إن أعتقته يوماً من الدهر ، بطل العقد - وبه قال الشافعي(٣) - لأنّه لم يشترط العتق حتى يحصل الولاء تبعاً له.

يز - لو اشترى مَنْ يعتق عليه بشرط الإعتاق ، لم يصحّ العقد ؛ لتعذّر الوفاء بهذا الشرط ؛ فإنّه يعتق عليه قبل أن يعتقه.

يح - لو باعه عبداً بشرط أن يعتقه بعد شهر أو سنة ، صحّ عند علمائنا ، ولزمه الشرط.

وللشافعيّة وجهان ، هذا أحدهما. والثاني : أنّ العقد باطل ، وهو أصحّهما عندهم(٤) .

وعلى قولنا لو مضى الشهر ولم يعتقه ، تخيّر البائع بين الفسخ والإمضاء ، فيلزمه بالإعتاق كلّ وقت ، وله الترك مطلقاً ، فيرجع بالنقصان الحاصل بسبب عدم المشروط.

يط - لو لم يختر البائع شيئاً فبادر المشتري قبل تخيّره إلى العتق ،

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ١١٤٢ - ١١٤٣ / ٨.

(٢) حلية العلماء ٤ : ١٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٣ - ١١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٧١ ، المجموع ٩ : ٣٦٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٧١ ، المجموع ٩ : ٣٦٦.

(٤) حلية العلماء ٤ : ١٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٠ ، المجموع ٩ : ٣٦٦.

٢٧٣

فإن قصد في الشرط الإعتاق حين خروج الأجل ، احتمل تخيّره بين الفسخ فيطالب بالعوض ، كالتالف. والإمضاء إمّا مع الأرش أو بدونه على ما تقدّم.

وإن قصد تحصيل العتق بعد الأجل مطلقاً ، فلا خيار له ؛ لحصول مقصوده.

ك - لو باعه عبداً بشرط أن يدبّره ، صحّ عندنا ؛ لقبول البيع الشرائطَ السائغة ، خلافاً للشافعي(١) ، وقد سبق.

فإن فعل المشتري ما شرط عليه ، فقد برئ وإلّا تخيّر البائع بين الفسخ والإمضاء بالتفاوت على ما تقدّم في العتق.

إذا تقرّر هذا ، فإذا دبّره ، لم يكن له الرجوع في تدبيره على إشكال ينشأ من الوفاء بما عليه ، وقضيّة التدبير جواز الرجوع فيه ، ومن عدم تحصيل الغرض ؛ إذ الرجوع فيه إبطالٌ له ، فينافي صحّة الشرط. وله أن يدبّره مطلقاً ومشروطاً بأن يقول : إذا متّ في سنتي هذه فأنت حُرٌّ ، فإن لم يقع الشرط ، وجب عليه استئناف تدبيرٍ آخر إن قلنا بعدم الرجوع.

كأ - لو باعه بشرط أن يكاتبه ، صحّ عندنا‌ - خلافاً للشافعي(٢) على ما تقدّم - لأنّه شرط مرغّب فيه مندوب إليه يؤول إلى العتق ، وعقد البيع قابل للشروط ، فكان لازماً.

ثمّ إن أطلق ، تخيّر المشتري في الكتابة بأيّ قدر شاء ، ويتخيّر في الكتابة المشروطة والمطلقة ، فإن طلب السيّد أزيد من قيمته وامتنع العبد ، تخيّر البائع في الفسخ والإمضاء وإلزام المشتري بالكتابة بقيمة العبد ، فإن امتنع العبد ، تخيّر البائع ، ولا يجب على المشتري الكتابة بدون القيمة.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٠ ، المجموع ٩ : ٣٦٦.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٠ ، المجموع ٩ : ٣٦٦.

٢٧٤

كب - لو باعه داراً بشرط أن يجعلها وقفاً ، صحّ عندنا ، وهو أحد قولي الشافعي ، وفي الآخر : لا يصحّ(١) .

وبأيّ وجه حصل الوقف حصل الشرط مع إطلاق البائع ، فلو جعلها مسجداً أو وقفها على مَنْ يصحّ الوقف عليه ولو على ولده ومَنْ يلزمه مؤونته ، صحّ. ولا يكفي الحبس.

كج - لو باعه شيئاً بشرط أن يتصدّق به ، صحّ عند علمائنا ؛ لأنّه شرط سائغ بل مستحبّ ، وعقد البيع قابل له ، فيكون لازماً ؛ لعموم قولهعليه‌السلام : « المسلمون عند شروطهم »(٢) خلافاً للشافعي(٣) .

ومع الإطلاق تجزئ الصدقة على مَنْ شاء المشتري.

كد - لو باعه شيئاً بشرطٍ لا يقتضيه العقد ولا ينافيه ولا يتعلّق به غرض يورث تنافساً وتنازعاً، مثل : أن يشرط لا يأكل إلّا الهريسة ، ولا يلبس إلّا الخزّ ، وشبه ذلك ، فهذا الشرط لا يقتضي فساد العقد عندنا.

وهل يلغو أو يفيد تخيّر البائع لو أخلّ به بين الفسخ والإمضاء؟

الأقرب ذلك.

وللشافعيّة قولان ، أحدهما : صحّة البيع وبطلان الشرط. والثاني : الفساد في العقد أيضاً حيث إنّه أوجب ما ليس بواجب ، وكذا لو باع بشرط أن يصلّي النوافل أو يصوم غير شهر رمضان أو يصلّي الفرائض في أوّل أوقاتها(٤) .

____________________

(١) حلية العلماء ٤ : ١٢٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٠ ، المجموع ٩ : ٣٦٦.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ١٢٠ ، سنن الدار قطني ٣ : ٢٧ ، ٩٩ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٤٩ ، المصنّف - لابن أبي شيبة - ٦ : ٥٦٨ / ٢٠٦٤.

(٣) لم نعثر عليه في مظانّه من المصادر المتوفّرة لدينا.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٢ ، المجموع ٩ : ٣٦٤.

٢٧٥

مسألة ١٢٥ : قد تقدّم(١) أنّ بيع الحمل لا يصحّ‌ ؛ للنهي عن بيع الملاقيح(٢) . ولأنّه غير معلوم ولا مقدور ، وكما لا يصحّ بيعه منفرداً لم يصح منضمّاً إلى غيره بأن يقول : بعتك هذه الجارية وحملها ؛ لأنّ جزء المبيع إذا كان مجهولاً كان المبيع مجهولاً.

نعم ، يجوز انضمامه تبعاً لا مستقلّاً ، كأساسات الحيطان.

فلو باع الأمة الحامل وأطلق ، لم يدخل الحمل عندنا ؛ لأنّه ليس جزءاً من المسمّى ولا تابعاً له عادة.

وقال الشافعي : يدخل الحمل في البيع تبعاً لو أطلق(٣) . وهل يقابله قسط من الثمن؟ فيه له قولان(٤) .

ولو باع الحامل واستثنى حملها ، كان تأكيداً للإخراج.

وللشافعي قولان في صحّة البيع :

أحدهما : أنّه يصحّ ، كما لو باع الشجرة واستثنى الثمرة قبل بدوّ الصلاح.

وأصحّهما عنده : أنّه لا يصحّ ؛ لأنّ الحمل لا يصحّ إفراده بالعقد فلا يجوز استثناؤه ، كأعضاء الحيوان(٥) .

والملازمة ممنوعة ، وليس العلّة في امتناع الاستثناء انتفاء صحّة إفراده بالبيع.

____________________

(١) في ص ٦٦ المسألة ٣٨.

(٢) المعجم الكبير - للطبراني - ١١ : ٢٣٠ / ١١٥٨١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٢ ، المجموع ٩ : ٣٢٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٦.

(٥) الوسيط ٣ : ٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٢ ، المجموع ٩ : ٣٢٤.

٢٧٦

ولو باع الحامل وشرط المشتري الحمل ، صحّ ؛ لأنّه تابع كأساسات الحيطان وإن لم يصحّ ضمّه في البيع مع الاُمّ ؛ للفرق بين الجزء والتابع.

ولو كانت الجارية حاملاً وكانت لواحدٍ والحمل لآخر ، لم يكن لمالك الحمل بيعه على مالك الاُمّ ، ولمالك الاُمّ بيعها من مالك الحمل وغيره ، عندنا ؛ لما بيّنّا من جواز الاستثناء للحمل. وللشافعيّة وجهان(١) .

ولو كانت الجارية حاملاً بحُرّ فباعها مالكها ، صحّ.

وللشافعيّة وجهان ، هذا أحدهما ، ويكون الحمل مستثنىً شرعاً.

والثاني : البطلان ؛ لأنّ الحمل لا يدخل في البيع حيث هو حُرٌّ ، فكأنّه استثناء(٢) . وقد بيّنّا جواز الاستثناء.

فروع :

أ - لو باع الجارية بشرط أنّها حامل ، صحّ عندنا ؛ لأنّه شرط يرغب لا يخالف الكتاب والسنّة ، فكان لازماً.

وللشافعي قولان مبنيّان على أنّ الحمل هل يعلم أم لا؟ إن قال : لا ، لم يصحّ شرطه. وإن قال : نعم ، صحّ ، وهو الأصحّ عنده(٣) .

وقال بعض الشافعيّة : الخلاف في غير الآدمي ، كالدابّة ، أمّا الأمة فيصحّ قطعاً ؛ لأنّ الحمل فيها عيب ، فاشتراط الحمل إعلامٌ بالعيب ، فيصير كما لو باعها على أنّها آبقة أو سارقة(٤) .

ب - لو قال : بعتك هذه الدابّة وحملها ، لم يصحّ عندنا ؛ لما تقدّم(٥)

____________________

(١ و ٢ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٢ - ٧٣ ، المجموع ٩ : ٣٢٤ - ٣٢٥.

(٣ و ٤ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٣ ، المجموع ٩ : ٣٢٣.

(٥) في ص ٢٧٥.

٢٧٧

من أنّ الحمل لا يصحّ جَعْله مستقلّاً بالشراء ولا جزءاً من المبيع(١) .

وللشافعيّة وجهان :

الصحّة ؛ لأنّه داخل في العقد عند الإطلاق ، فلا يضرّ التنصيص عليه ، كما لو قال : بعتك هذا الجدار وأساسه(٢) .

ونمنع الصغرى والمقيس عليه أيضاً.

وأصحّهما : العدم ؛ لأنّه جعل المجهول مبيعاً مع المعلوم ، ومالا يجوز بيعه منفرداً لا يجوز بيعه مقصوداً مع غيره ، بخلاف ما لو باع بشرط أنّها حامل ، فإنّه جعل الحامليّة وصفاً تابعاً(٣) .

ج - لو قال : بعتك هذه الشاة وما في ضرعها من اللبن ، لم يجز عندنا. وللشافعيّة وجهان(٤) سبقا في الحمل.

ولو قال : بعتك هذه الجُبّة وحَشْوها ، صحّ ؛ لأنّه جزء منها وداخل في مسمّاها ، فذِكْرُه ذِكْرُ ما دخل في اللفظ ، فلا يضرّ التنصيص عليه ، بخلاف الحمل ؛ فإنّه ليس داخلاً في مسمّى الشاة والأمة ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. وفي الآخر : أنّ الخلاف في الشاة مع حملها يجري هنا(٥) .

وعلى قولهم بالبطلان ففي بيع الظهارة والبطانة في الجُبّة قولا تفريق الصفقة ، وفي صورة الدابّة يبطل البيع في الجميع.

____________________

(١) في « ق ، ك» والطبعة الحجريّة : البيع. والصحيح ما أثبتناه.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٣ ، المجموع ٩ : ٣٢٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٣ ، المجموع ٩ : ٣٢٣ ، ولم نعثر على الوجهين فيما سبق.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥٢٦ ، الوسيط ٣ : ٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٣ ، المجموع ٩ : ٣٢٣.

٢٧٨

والفرق : إمكان معرفة قيمة الحَشْو عند العقد ، بخلاف الحمل واللبن ؛ لأنّه(١) لا يمكن معرفة قيمتهما عند العقد ، فيتعذّر تقسيط الثمن(٢) .

واعتُرض بجريان قولي تفريق الصفقة حيث يتعذّر التوزيع ، كما لو باع شاةً وخنزيراً(٣) .

د - لو باع حاملاً وشرط وضعها في يوم معيّن ، لم يصحّ البيع ؛ لأنّه غير مقدور عليه ، وهو قول الشافعي(٤) .

ه- لو باعه دجاجةً ذات بيضة وشرطها ، صحّ. وإن جعلها جزءاً من المبيع ، لم يصح. وكذا لو جعلها مستقلّةً بالبيع.

وبالجملة ، فالبحث والخلاف هنا كما في حمل الجارية والدابّة.

و - لو باعه شاةً بشرط أنّها لبون ، فقد سبق(٥) جوازه.

وللشافعيّة طريقان :

أحدهما : أنّ الخلاف فيه كالخلاف في البيع بشرط الحمل.

والثاني : القطع بصحّة البيع.

والفرق : أنّ شرط الحمل يقتضي وجوده عند العقد وليس معلوماً ، وشرط كونها لبوناً لا يقتضي وجود اللبن حينئذٍ ، وإنّما يجوز اشتراط صفة فيها ، فكان بمثابة شرط معرفة صنعه في العبد حتى لو شرط كون اللبن في الضرع ، كان بمثابة شرط الحمل(٦) .

____________________

(١) في « ق ، ك» : « فإنّه » بدل « لأنّه ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٣ ، المجموع ٩ : ٣٢٤.

(٣) المعترض هو إمام الحرمين الجويني كما في العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٣ ، المجموع ٩ : ٣٢٤.

(٥) في ص ٢١٢ ، المسألة ١٠٧.

(٦) الوسيط ٣ : ٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٣ ، المجموع ٩ : ٣٢٤.

٢٧٩

وقال أبو حنيفة : لا يصحّ هذا الشرط. وكذا قال في شرط الحمل(١) ، وقد سبق(٢) .

ز - لو باع شاةً لبوناً واستثنى لبنها ، صحّ عندنا ؛ لوجود المقتضي ، وهو ورود البيع على محلٍّ معلوم.

وللشافعيّة وجهان ، أصحّهما عندهم : عدم الصحّة ، كما لو استثنى الحمل في بيع الجارية(٣) .

مسألة ١٢٦ : هنا شروط وافقنا الشافعي(٤) على صحّتها في البيع‌ ، مثل أن يبيع بشرط البراءة من العيوب ، وبيع الثمرة بشرط القطع. وسيأتي البحث عنهما. وكذا لو شرط ما يقتضيه العقد ، وقد سلف(٥) .

وهنا شروط اُخرى له فيها خلاف :

أ - لو باع مكيلاً أو موزوناً أو مذروعاً بشرط أن يكال بمكيالٍ معيّن‌ أو يوزن بميزانٍ معيّن أو يذرع بذراعٍ معيّن.

فإن كان البيع حالّاً يؤمن معه بقاء المكيال والميزان والذراع ، صحّ البيع لكن يلغو الشرط ؛ لأنّه إن كان معروفاً ، رجع إلى المتعارف منه ، وإلّا كان البيع باطلا ؛ للجهالة ، وذلك كما لو قال : بعتك عشر طاسات طعام بهذه الطاسة وهي غير معلومة النسبة إلى المكيال المعتاد ، أو : بعتك مل‌ء هذا الجُوالق ، أو : مل‌ء هذه الآنية.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٨ ، وفيه : لا يصحّ البيع بهذا الشرط.

(٢) في ص ٢١٣ ، المسألة ١٠٧.

(٣) حلية العلماء ٤ : ١٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٣ ، المجموع ٩ : ٣٢٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٧٣ - ٧٤.

(٥) في ص ٢٤٦.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458