تذكرة الفقهاء الجزء ١٠

تذكرة الفقهاء13%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-197-4
الصفحات: 458

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 458 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 189192 / تحميل: 5792
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٠

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-١٩٧-٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

30) كتاب طب النفوس.

31) كتاب حدائق الاذهان، في أخبار الرسول.

32) كتاب القضايا والتجارب.

33) كتاب الواجب في الفروض اللوازم.

34) كتاب الزلف.

يظهر أن كتبه هذه كلها قد ضاعت ولم يقف العلماء على شئ منها سوى:

(1) مروج الذهب، وهو أوسع ما طبع من مؤلفاته.

(2) هذا القسم من كتاب أخبار الزمان ومن أباده الحدثان.

(3) كتاب التنبيه والاشراف، وقد قمت بطبعه على النسخة المطبوعة في ليدن.

(4) الكتاب الاوسط، وفي مكتبة أكسفورد نسخة يظن انها هو.

٢١

للمسعودي

345 أو 346 ـ 957

من هو؟

هو أبو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي المعتزلي الشافعي، من ذرية عبد الله بن مسعود الصحابي الجليل.

فأما منشؤه فان الثقات من المؤرخين يروون انه نشأ في بغداد، على أن ابن النديم يروي أنه من أهل المغرب، فلعله شخص آخر، أو لعل بعض أجداده نزحوا إلى المغرب.

وعلى أية حال فقد قضى زهرة شبابه في بغداد، ولكنه غادر اقليم العراق وإرضاء لميوله واذواقه، ورغبة منه في التجول، فخرج عن بغداد سنة 301 ليقوم برحلة قيل انها استمرت أعواما ثلاثة، وقد قضاها متنقلا بين ربوع فارس وكرمان.

ثم بعد ذلك جاب بلاد الهند وصيمور، قطن أخيرا في مدينة بومباي حتى سنة 304، ومن المحتمل أن يكون قد أقام حينذاك في جزيرة سيلان.

ومن ثم وصل إلى مدينة عمان، ويمكن أن نستنتج أنه ذهب إلى قناطر ماليسية العجيبة العظيمة، وشارف الصين.

ومع أنه خاطر بتلك الرحلة وخصص لها نفسه ووقته، فانه تعمق في دراسات الحدود الاسلامية، واستعان على ذلك بالآيات العلمية، التي كانت معروفة في حياته.

٢٢

وهو يحدثنا انه كان في سنة 314 في فلسطين وفي انطاكية، وظل بعد ذلك متنقلا بين العراق وسوريا ومصر على أن جل ما ورد عن إقامته كان في مصر.

فهو يحدثنا بعد انه كان في سنة 336 قد أتم تأليف كتابه مروج الذهب في فسطاط مصر، وكان قد بدأ تأليفه سنة 332.

ويذكر كذلك انه في سنة 344 كان يشتغل بوضع النسخة الاولى من كتاب التنبيه والاشراف في الفسطاط نفسه، ثم في سنة 345 زاد فيها وأصلحها.

ويظهر مما ذكره من الكتب التاريخية في صدر كتابه، مروج الذهب، والتنبيه والاشراف، ان المكتبة العربية التاريخية في عصره كانت غنية جدا، عامر بالمؤلفات، فقد أورد فيهما عددا وفيرا من اسماء الكتب، وأسماء المؤلفين.

والمؤرخون، يذكرون انه توفي سنة 345 وبعض يقول في 346، والخطب يسير، لكنه يجل حين نذكر ان ذلك العالم المؤرخ الكبير الذي عاش معنيا بالعلم وبالعالم، والعلماء وبالتاريخ والمؤرخين أهمله التاريخ، ولم يذكر المؤرخون شيئا من نعوته، ولا من تاريخ طفولته أو حياته.

ولكن يكفينا عزاء بقاء اسمه حيا في بطون ما بقي من كتبه، تعمر به قلوب العلماء وصدور الاجلاء، فرحمه الله رحمة واسعة.

وقد اعتمدت في طبع هذا الكتاب على النسخة المأخوذة من الاصل الباريسي بالتصوير الشمسي والمحفوظة بدار الكتب الملكية تحت رقم 879 تاريخ وقد رمزت إليها باشارة (ب) اول كلمة باريس، وهي نسخة معتبرة وخطها يقرأ بعسر ويذهب القارئ فيه مذاهب شتى لتشابه حروفه، وقد حدث في اثناء التصوير ارتجاج احدث فسادا في طبع بعض الصفحات وقد لقينا مجهودا كبيرا في مراجعتها، والتهدي إلى صوابها.

٢٣

هناك اصل آخر في المكتبة التيمورية كثر فيه الحذف والبتر وكانت الورقة الاولى منه قد ضاعت فأكملها احد الناسخين فدل على سوء علمه ورأيه وعدم امانته وهذه النسخة محفوظة تحت رقم 614 تاريخ وهي كثيرة الخطأ ولم أعتمد عليها الا قليلا بل لقد تركت الاعتماد عليها عندما قاربت منتصف الكتاب لكثرة ما فيها من الخلل والتحريف والنقص وقد رمزت على ما انتفعت به منها بإشارة (ت) أول كلمة من تيمور.

وقد اعتمدت فيما جاء فيه من اخبار مصر وملوكها على تاريخ القرماني المسمى بأخبار الدول وآثار الاول لابي العباس احمد بن يوسف بن احمد الدمشقي الشهير بالقرماني وقد طبع في مدينة بغداد سنة 1282.

وقد لاحظت انه اطلع على نسخة من اخبار الزمان، لانه يذكر حوادث وأخبارا بنصوصها وعبارتها وألفاظها الا انه مختصر.

وقد أفاد هذا الكتاب كثيرا في تصحيح بعض الاسماء وكشف بعض ما عميت قراءته ولا سيما تلك الصفحات التي حدث بها الارتجاج اثناء التصوير الشمسي في باريس.

وقد رمزت إلى تاريخ القرماني بالاشارة (ق) اول حرف من كلمة قرماني، هذا وان ألفت نظر حضرات الادباء والعلماء إلى ان الفضل في اختيار هذا الكتاب، والانفاق على طبعه لحضرة الفاضل السيد عبد الحميد افندي حنفي عامله الله بلطفه الخفي، وشكر له مسعاه وأبلغه احسن ما يتمناه، وأنا ارجوا ان اكون قد قمت ببعض ما يجب علي من تصحيح هذا الكتاب، وأسأل الله ان يتداركني بلطفه، وان يوفقني إلى ما فيه الخير في الدنيا والاخرى، وأن يلهمني السداد، انه على ما يشاء قدير.

عبد الله الصاوي

٢٤

بسم الله الرحمن الرحيم

وهو حسبنا ونعم الوكيل

«قال الشيخ أبو الحسن، علي بن الحسين بن علي بن عبد الله الهذلي المسعودي رحمه الله ورضي عنه».

نبتدئ بحمد الله وذكره وشكره، والثناء عليه والشكر له، والصلاة على أنبيائه ورسله وملائكته، ونخص سيدنا ونبينا محمدا صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأزواجه وأصحابه، بأفضل صلواته، وأكمل تحياته، وأزكى بركاته.

ثم نذكر ما وقع الينا من أسرار الطبائع، وأصناف الخلق، مما يكون ذلك (1) مشاكلا لقصدنا، ونصل ذلك بذكر ما يجب ذكره من ملوك

__________________

(1) أول الكتاب في ت: مفقود، وقد انتحل الناسخ ديباجة أولها: الحمد لله الذي اختص نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم بكتاب أخرس الفصحاء، وأعجز البلغاء عن مثل أقصر سورة من سوره، بل آية آياته. وبجوامع الكلم، وبدائع الحكم. وأيد أقواله، وأشهر أفعاله، وقصرت الالسن عن مدح نعت كماله، وقد سطع بدر وجوده، وفاض على الثقلين سح جوده، وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلاة وسلاما دائمين ما دام النيرين (*) وسلم تسليما، وبعد، لما رأيت فن التاريخ شريف (**) ، ولهج به كل ظريف، قصدت تأليف هذا الكتاب جهدي، ليكون تذكرة من بعدي، فأقول كان ابتداؤنا به ابتداء الموجودات والمحسوسات مشاكلا الخ...

__________________

(*) الصواب النيرين.

(**) الصواب شريفا، وهذا يدل على فرط جهل الناسخ المنتحل.

٢٥

الارض، وما عملوه من عجائب الاعمال، وشيدوه من عجائب البلدان (1) ووصفوة من الآلات المستطرفة والطلاسمات (2) المستعملة، وما بنوا من هياكلهم، وأودعوه نواويسهم، وزبروه على أحجارهم. على حسب ما نقل الينا من ذلك.

ونبدأ بما جاء من الآثار الشرعية، والملة الحنيفية، ثم نذكر ما روي عن الحكماء الاول المتقدمين، وبالله أستعين، وهو حسبي ونعم الوكيل.

وقد سميت كتابي هذا بكتاب [تاريخ] (أخبار الزمان ومن (3) أباده الحدثان وعجائب البلدان والغامر (4) بالماء والعمران) فأنا أقول:

«أما بعد» فان الله جل جلاله، وتقدست أسماؤه، خلق خلقه من غير ضرورة كانت منه إلى خلقهم، وأنشأهم من غير حاجة كانت منه إلى إنشائهم. بل خلقهم ليعبدوه، فيجود عليهم بنعمه ويحمدوه، فيزيدهم من فضله فيشكروه ويمجدوه. كما قال عزوجل (وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون، ما أريد منهم من رزق وما أريد ان يطعمون، إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) فلم يزده خلقه إياهم وإيجادهم مثقال ذرة، ولم ينقصه إفناؤهم وإعدامهم وزن شعرة، لانه سبحانه لا تغيره الاحوال، ولا يدخله الملال، ولا تتقاضي سلطانه الايام والليال. بل خصهم بأسماع وأبصار، وعقول وافكار. يصلون بها إلى الحق والباطل، فيعرفون بذلك المنافع والمضار. وجعل لهم الارض بساطا، ليسلكوا منها سبلا فجاجا، والسماء سقفا محفوظا. أنزل منها الغيث المدرار، والارزاق بمقدار، وأجرى لهم فيها قمر الليل وشمس النهار. يتعاقبان لمصالحهم دائبين. وجعل لهم الليل سكنا،

__________________

(1) في ت: البنيان.

(2) ت: الطلسمات.

(3) في ب: وما أباده وهو خطأ عربية وغير موافق لما ينقله في كتبه، وفي ت: وما أباد.

(4) ت: والناس.

٢٦

والنهار معاشا. ومحا آية الليل، وجعل آية النهار مبصرة. ليصلوا (1) بذلك العلم بأوقات فروضهم التي فرضها عليهم. من الصلاة والزكاة والصيام والحج، وليعلموا عدد السنين والحساب، وحين تحل ديونهم، وتجب حقوقهم. قال الله عزوجل وعلا: (يسألونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس والحج) وقال (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب، ما خلق الله ذلك إلا بالحق) إنعاما منه وطولا، وإحسانا منه وفضلا.

روى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: «الدنيا جمعة من جمع الآخرة سبعة آلاف سنة فقد مضت ستة آلاف ومئون من السنين، وليأتين عليها مئون ليس عليها موحد لله تعالى».

وعن نافع عن ابن عمر، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما أجلكم في آجال من خلا من الامم، كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس».

وعن أبي هريرة قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم «بعثت أنا والساعة كهاتين» وأشار بالسبابة والوسطى.

وفي حديث سهل بن سعد الساعدي قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم «ما مثلي ومثل الساعة إلا كفرسي رهان».

وعن ابن عباس قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم «أول ما خلق الله القلم خلقه من نور طوله خمسمائة عام، وخلق اللوح المحفوظ من درة بيضاء، حافاته من ياقوت أحمر، عرضه مابين السماء والارض، خلقهما قبل أن يخلق الخلق والسموات والارض. فقال للقلم اكتب، قال وما أكتب؟ قال اكتب علمي

__________________

(1) ت وب: ليصلون.

٢٧

في خلقي إلى يوم القيامة، فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة، وما هو في علم الله، ينظر الله تعالى في ذلك اللوح كل يوم ثلاثمائة نظرة وستين نظرة، فيخلق ويرزق ويحيي ويميت، ويفعل ما يشاء ويحكم ما يريد».

وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين كان ربنا قبل أن يخلق الخلق والسموات والارض؟ قال «كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء، ثم خلق عرشه على الماء».

وسئل ابن عباس «على أي شئ كان الماء؟ قال: على متن الريح فلما أراد الباري جل جلاله أن يخلق الخلق سلط الريح العقيم على الماء فطفت أمواجه وارتفع زبده، وعلا دخانه، وصعد فوق الماء وسما عليه، فسماه الله سماء، وجمد الزبد فصار أرضا فجعل الارض على حوت، والحوت هو الذي ذكره الله تعالى في كتابه فقال (ن والقلم وما يسطرون) والحوت في الماء والماء على ظهر صفاة، والصفاة على متن الريح، فتزلزلت الارض فأمر الامواج فأرست عليها جبالا جامدة، فاستقرت وثبتت فذلك قوله عزوجل (وجعل فيها رواسي من فوقها)، (وجعلنا في الارض رواسي أن تميد بكم).

قال ابن عباس: أتت اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه عن ابتداء الخلق فقال (خلق الله الارض يوم الاحد ويوم الاثنين وخلق الجبال وما فيها من المنافع يوم الثلاثاء وخلق الماء والشجر والمدائن والعمران يوم الاربعاء فذلك قوله جلت قدرته (قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الارض في يومين إلى قوله سواء للسائلين) وخلق يوم الخميس السماء والكواكب والنجوم والملائكة)

وخلق يوم الجمعة الجنة والنار، وآدم عليه السلام، قالوا: ثم ماذا يا محمد؟ قال: ثم استوى على العرش، قالوا: قد أصبت، لو أتممت وقلت ثم استراح.

٢٨

فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا فأنزل الله عليه (ولقد خلقنا السموات والارض وما بينهما في ستة أيام، وما مسنا من لغوب، فاصبر على ما يقولون).

وفي رواية أسد بن موسى قال «أمر الله تبارك وتعالى السماء أن ترتفع وتسموا، وأمر الارض أن تنبسط وتنخفض فانبسطت، فدحاها من موضع بيت الله الحرام».

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الدنيا موج مكفوف، ولولا ذلك لاحرقت الشمس والقمر الارض ومن عليها» وبين كل سماء والتي تليها خمسمائة عام، وبين السماء السابعة والعرش مسيرة ألف عام. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «هو الاول فلا شئ قبله، والآخر فلا شئ بعده».

وعن زرارة بن أبي أوفى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «قلت لجبريل هل رأيت ربك قط؟ فانتفض، ثم قال يا محمد إن بيني وبينه سبعين (1) ألف حجاب من نور، لو دنوت إلى واحد منها لا حترقت» ولما أراد الله عزوجل أن يخلق آدم أمر جبريل أن ينزل إلى الارض ويقبض (2) القبضة التي خلقه منها، فقالت له الارض أعوذ بالله منك أن تأخذ مني شيئا، فرجع إلى ربه، وقال يا رب تعوذت بك مني.

فأرسل إسرافيل، فقال مثل ذلك، فارسل ملك الموت فتعوذت بالله منه، فقال ملك الموت إن ربي أمرني وأنا أعوذ به أن أرجع إليه بغير ما أمرني به.

وروي بعض أهل الاثر أن أول ما أجرى الله الروح في آدم أجراه في رأسه وعينيه قبل سائر جسده، فلما رأى ثمار الجنة أراد النهوض إليها قبل أن تبلغ الروح إلى رجليه فلم يستطع، فذلك قوله عزوجل (وكان الانسان

__________________

(1) في ب وت: سبعون، والصوا ب ما ذكرناه

(2) ت: فيقبض.

٢٩

عجولا) فلما خلق الله آدم عجبت الملائكة منه فأمرهم بالسجود له كلهم، فسجدوا طاعة لله تعالى إلا إبليس فانه تكبر وامتلا حسدا ومعصية، فغضب الله عليه ولعنه، وكان ذلك سبب هبوطه إلى الارض

وأما الحكماء المتقدمون (1) فانهم يقولون: إن الله تعالى جمع الدراري في الحمل فجعل الشمس ملكا، وصير عطارد كالكاتب، والمشتري كالقاضي، والمريخ كالشرطي وكمن يحمل السلاح، والقمر كالخازن، والزهرة كالصاحبة، وزحل كالشيخ المشاور، والجوزهر (2) كالمقوم لامر الفلك

وذكرت الاوائل أنه كان في الارض ثمان وعشرون أمة مخلوقه روحانية ذوات قوة وبطش، وصورمختلفات بحذاء الثمان (3) والعشرين منزلة لكل منزلة، أمة مفردة

ويزعمون أن الامم الماضية، تعالى الله عن قولهم، إنما كان تدبيرها للكواكب الثابتة وهي ألف كوكب وعشرون كواكبا، يقطع كل كوكب منها البرج في ثلاثة آلاف سنه، وهي التي تعمل الاعمال كلها، وبها يكون جميع الامور

وقال بعض أهل الاثر: إن الله خلق الافلاك من بخار وإنه لما صعد انعقد وهي سبعة أفلاك، وفوقها البيت المعمور، وله ثلاثمائة وستون بابا، جعلت درجا للفلك، وإن كل رحمة وبركة إنما تنزل من تلك الابواب، مقسومة على البروج والكواكب حتى تصير إلى الارض.

وقالوا إن الله خلق هو ملء (4) ملكه يسمي الروح، ومن فوقه الحجب وذلك كله داخل في الكرسي. وهو قوله عزوجل (وسع كرسيه السموات

__________________

(1) في الاصلين: المتقدمين، والصواب عربية ما ذكرناه.

(2) كذا في ب، ت: وهذه التسمية يذكرها المسعودي في كتبه كالتنبيه والا شراف.

(3) في الاصلين: الثمانية.

(4) في ب، ت: مليؤ وهو خطأ املائي.

٣٠

والارض) والكرسي وما حوى داخل في العرش، والعرش وما حوى داخل في علم الله، جلت عظمته.

وأعلا الدراري السبعة زحل ثم المشتري ثم المريخ ثم الشمس ثم الزهرة ثم عطارد ثم القمر.

وزعم قوم من الحكماء الاوائل ان الكواكب ملائكة، وانه جعل لها من تدبير العالم ما لم يجعل لغيرها، فلذلك عظموها وعبدوها.

وزعم قوم منهم ان الخلق العالية الذين هم الملائكة (1) اثنا عشر صنفا بحذاء البروج الاثني عشر، وأنهم يتوارثون، جعل الله فيمن شاء منهم حولا وقوة يقدر أحدهم أن يكون في صورة تملا الارض عظما، ويقدر احدهم ان يكون في صورة تدخل من خرق الابرة لطفا، ويغوص في تخوم الارض والبحار والجبال، لا يمنعه من ذلك مانع، ومنهم من له من الاجنحة مثنى وثلاث ورباع، كما قال الله عزوجل، يلتحقون اقطار الارض كلمحة البصر ومنهم مخلوق من النور، ومنهم زرق من نور النار، ومنهم شعاعيون، ومنهم ملائكة الرحمة، ومنهم الحفظة والخزنة.

وهؤلاء مخلوقون من رطوبة الماء وهم حسان الوجوه سمر الالوان، ومنهم مشغولون بعبادة الله لا يعرفون غيرها، وهم في صور لا تحصى.

وقال اصحاب الطبيعة: ان الافلاك لما تم خلقها كانت كالاجسام (2) لكواكبها وكانت الكواكب كالارواح لها.

وقال هرمس لما خلق الله عزوجل البروج قسم لها دوامها في سلطانه، فجعل للحمل اثني عشر ألف سنة، وللثور أحد عشر ألف سنة، وللجوزاء عشرة آلاف سنة، وللاسد ثمانية آلاف سنة، وللسنبلة سبعة آلاف سنة، وللميزان ستة آلاف سنة، وللعقرب خمسة آلاف سنة، وللقوس اربعة آلاف

__________________

(1) في هامش، ت: عنوان (ذكر الملائكة)

(2) في ب: الاجسام والتصحيح عن ت.

٣١

سنة، وللجدي ثلاثة آلاف سنة، وللدلو ألفي سنة، وللحوت ألف سنة، فصار للدور ثمانية وسبعون ألف سنة، والباقي لسائر الكواكب.

ولم يكن في عدد الحمل والثور والجوزاء حيوان، وذلك ثلاثة وثلاثون ألف سنة، ولا في الارض عالم روحاني (1) .

فلما كان عالم السرطان تكونت دواب الماء وهوام الارض، ولما استقام الاسد في سلطانه تكونت ذوات الاربع من الدواب والبهائم.

فلما دخل سلطان السنبلة تكون الانسانان أدمانوس وحيوانوس، وكانت الطيور في سلطان الميزان.

وأما مقادير الكواكب عندهم.

فقالوا ان الشمس اكبر من الارض بمائة مرة وثلاث وستين (2) مرة، وزحل اكبر من الارض باحدى وتسعين مرة ونصف مرة، والمشتري بإحدى وثمانين مرة، والمريخ بثلاث (3) وسبعين مرة والزهرة بنيف وستين مرة وعطارد (3) ثلاثين مرة وثلث مرة، والقمر بسبع عشرة مرة (4) وربع مرة وكانت الشمس كالملك والدراري كما ذكرنا

ومن الفلاسفة من يقول ان الكواكب حية ناطقة حساسة. ومنهم من قال ان لها حاسة السمع والبصر واللمس، وليس لها حاسة الذوق والشم. لانها (5) مشتغلة عن ذلك. ومنهم من زعم ان الفلك حي مميز لجميع ما فيه، ذو صورة فكذلك جميع ما فيه بهذه المنزلة.

__________________

1) في ب وت: روحانيا.

2) فيهما: ثلاثة وستون، والصحيح ما أثبتناه.

3) فيهما: بثلاثة. في الموضعين.

4) فيهما: بسبعة عشر.

5) ت: كأنها.

٣٢

وقالوا إن ضياء القمر مأخوذ من ضوء الشمس، لانهما إذا اجتمعا لم يكن للقمر نور.

وقال قوم منهم العالم محدث إلا أنه لا يبيد لانه حكمة وصنعة حكيم، والحكيم لا يفسد صنعته.

ذكر عمر الدنيا

فأما ما ذكروه من توقيت الزمان ومدته إلى انقضائه، فانهم قالوا فيه أقوالا لاتسلم لهم، إنما تسمع وتذكر على ما يتعجب منه لاعلى جهة التصديق به، نعوذ بالله. ففي كتاب السند هند الذي عمل منه المجسطي وغيره من الزيجات أن دوران الشمس من أول سيرها من الحمل انما سيرها ينقضي على ما حسبوه من الآلاف ألف ألف وأربعمائة ألف ألف وعشرون ألف دورة لكل دورة سنة، والسنة ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم.

وقالوا إن أصل الدور أربعة آلاف ألف ألف وثلاثمائة ألف ألف وعشرون ألف ألف عند كل بدء ألف سنة.

وأما أهل الاثر، فزعم قوم أن عمر الزمان إلى آدم عليه السلام سبعة آلاف منه، ورواية محمد بن جرير الطبري على ما قدمناه ذكره أن من آدم إلى انقضاء الخلق سبعة آلاف.

وذكر طلوع الشمس من مغربها قبل انقضاء العالم.

وقال قوم: إذا بلغ القلب خمس عشرة درجة (1) من الاسد كان طوفان نار يحرق العالم بأسره فلا يبقى على وجه الارض حيوان ولا في البحار،

__________________

(1) في ب وت: خمسة عشر.

٣٣

وتبقى الارض خرابا من العالم، ثم يستأنف الله عزوجل ما أراد في الخلق.

وكان أرسطا طاليس يرى أن الزمان لا يبيد، ولا ينفد. وأن الطبيعة قديمة، وأنه لا أول لها ولا آخر، تعالى الله جل جلاله.

ذكر الامم المخلوقات قبل آدم عليه السلام

يقال إنه كانت الجملة ثمانيا وعشرين أمة بأزاء المنازل العالية التي يحلها لقمر، لانه المستولي عندهم لتدبير العالم الارضي باذن الله تعالى جل ذكره خلقت من أمزجة مختلفة أصلها الماء والهواء والنار والارض، فهي متباينة الخلق.

ومنها أمة طوال خفاف زرق ذات أجنحة كلامهم فرقعة، ومنها أمة أبدانهم كأبدان الاسد ورؤسهم رؤس الطير لها شعور وأذناب طوال كلامهم دوي، ومنها أمة لها وجهان قدامها وخلفها وأرجل كثيرة وكلامهم كلام الطير. ومنها الجن. ومنها صفة الجن، وهي أمة في صور الكلاب لها أذناب وكلامها همهمة لا يفهم. ومنها أمة تشبه بني آدم أفواههم في صدورهم يصفرون تصفيرا. ومنها أمة في خلق الحيات الطوال لها أجنحة وأرجل وأذناب. ومنها أمة يشبهون نصف شق الانسان لهم عين واحدة ويد واحدة ورجل واحدة يقفزون تقفيزا، وكلامهم مثل كلام الغرانيق. ومنها أمة لها وجوه كوجوه الناس وأصلاب كأصلاب السلاحف، وفي ايديهم مخالب وفي رؤسهم قرون طوال، كلامهم كعوي الذئاب. ومنها أمة لكل واحد منهم رأسان ووجهان كوجوه الاسد طوال لا يفهم كلامهم، ومنها أمة مدورة الوجوه لها شعور بيض وأذناب كأذناب البقر يزرقون الناس من أفواههم. ومنها أمة في خلق النساء لهم شعور وثدي ليس فيهم ذكر،

٣٤

تلقح من الريح وتلد أمثالها، ولها أصوات مطربة يجتمع إليها كثير من هذه الامم لحسن أصواتها. ومنها أمة في خلق الهوام والحشرات إلا أنها عظيمة الاجسام تأكل وتشرب مثل الانعام. ومنها أمة تشبة دواب البحر لها انياب كالخنازير بارزة وآذان طوال.

وبقية الثمان والعشرين (1) امة على خلق لا يشبه بعضها بعضا الا إنها وحشية المنظر، ويقال ان هذه الامم تناتجت فصارت مائة وعشرين امة.

ذكر الجن وأجناسهم وقبائلهم

وسئل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، هل كان في الارض خلق من خلق الله تعالى قبل آدم يعبدون الله تعالى؟ فقال: نعم خلق الله تعالى الارض، وخلق فيها أمما من الجن يسبحونه ويقدسونه لا يفترون، وكانوا يطيرون إلى السماء، ويلقون الملائكة، ويسلمون عليهم ويتعلمون منهم الخير، ويعلمون منهم بخبر ما يجري في السماء، ثم إن طائفة من الجن تمردوا وعتوا عن أمر الله عزوجل، وبغوا في الارض بغير الحق، وعلا بعضهم على بعض، حتى سفكوا الدماء، وأظهروا الفساد، وجحدوا الربوبية. وأقام الآخرون المطيعون على دينهم وعبادتهم وباينوا الذين عتوا عن أمر الله، وكان يصعد إلى السموات عنها للطاعة، وخلق الملائكة كما قدمناه ذكره روحانيين ذوي (2) أجنحة يطيرون بها حيث صيرهم الله تعالى، وأسكنهم ما بين أطباق السموات يسبحونه ويقدسونه لا يفترون، حتى اصطفى الله تعالى منهم الملائكة فكان أقربهم منه اسرافيل، ثم ميكائيل ثم جبرائيل صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين.

__________________

(1) في ب، وت: الثمانية وعشرين.

(2) فيهما ذو.

أخبار الزمان ـ م (3)

٣٥

فصل

وأما الجن فذكرت الهند والفرس واليونان ولادات الجن وقبائلهم وأسماء ملوكهم، وزعموا أنهم مفترقون على احدى (1) وعشرين قبيلة، وبعد خمسة آلاف سنة ملكوا عليهم ملكا منهم، يقال له الملك شمائيل بن أرس جن، ثم افترقوا، فملكوا عليهم خمسة (2) ملوك فأقاموا بذلك دهرا طويلا، ثم أغار بعض الجن على بعض، وكانت بينهم وقائع كثيرة وحروب شديدة، وكان إبليس منهم، وله أسماء كثيرة باختلاف اللغات غير أن اسمه بالعربية الحارث. ويكنى أبا مرة. عظيم الخلق مطيقا (3) وكان يصعد إلى السماء ويقف في صفوف الملائكة، ويجتهد في العبادة، فلما بغي بعض على بعض، وكانت تلك الحروب بينهم اهبط إلى الارض في جند من الملائكة فهزمهم وقتلهم، وجعل ملكا على الارض فتجبر وطغا، وكان امتناعة من السجود لآدم عليه السلام. كما أنبأنا الله عزوجل في كتابه، فاهبط في أقبح صورة وأشدها (4) تشويها فأنكره جميع قبائل الجن واستوحشوا منه. فلما رأى ذلك سكن البحر، وجعل له عرشا على الماء. ثم جعل له ولادة كما جعلت لآدم عليه السلام. فألقيت عليه شهوة السفاد (5) وجعل لقاحة كلقاح الطير وبيضه كبيضه.

وذكر بعض العلماء صنوف الجن فزعم (*) أن الشياطين خمس (6) وثلاثون قبيلة وأن الذين يطيرون في الجو خمس عشرة قبيلة (7) وان الذين مع لهب النار عشر

__________________

(1) في الاصلين احد.

(2) فيهما: خمس ملوك.

(3) في ت: مطيعا.

(4) فيهما: وأشرها.

(5) ت: الفساد.

(*) ما بين هاتين العلامتين في هذه الصفحة والتي تليها

مبتور في ت.

(6) فيهما: خمسة وثلاثون.

(7) في ب: خمسة عشر، وهو خطأ عربية.

٣٦

قبائل وأن مسترقي السمع ثلاثون قبيلة، ولهذا القبائل كلها ملوك من كل قبيلة لدفع شرهم.

وحكي أن صنفا من السعالي يتصورون (1) في صور النساء الحسان ويتزوجن برجال الانس كما حكي عن رجل يقال سعد بن جبير، أنه تزوج امرأة منهن وهو لا يعلم ما هي: فأقامت عنده وولدت عنده أولادا وكانت معه ليلة على سطح يشرف على الجبانة، إذا بصوت في أقصى الجبانة نساء يتألمن فطربت وقالت لبعلها أما ترى نيران السعالي شأنك وببنيك استوص بهم خيرا فطارت فلم تعد إليه

ومنهم من تظفر (2) بالرجال الخالي في الصحراء أو الخراب، فتأخذه بيده فترقصه حتى يتحير ويسقط فتمص دمه

ومنهم صنف لا تفارق صور الحياة وربما قتلها الرجل فهلك يحكى ان فتى من الانصار قريب عهد بعرس استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تقدمه يوم الخندق وأن يلم بأهله فأذن له فلما انتهى إلى منزله وجد امرأته قائمة بالباب فأدركته غيرة وأهوى إليها برمحه، فقالت له لا تعجل وادخل حتى تنظر ما على فراشك فدخل فرأى على فراشه حية عظيمة، فطعنها برمحه فقتلها، فمات هو من ساعته.

وتذكر العرب عن عبيد بن (3) الابرص الاسدي أنه خرج في سفر له يريد الشام مع نفر، فلما صار ببعض الطريق إذ هو بشجاع يلهث عطشا وخلفه حية سوداء تطرده، فنزل (4) فقتل الحية السوداء وحل إدواته ونضح على

__________________

(1) ب: يتصورون

(2) ب: يظفر.

(3) ب، ت: عبيد الابرص.

(4) ت: ثم نزل.

٣٧

الشجاع من الماء فشرب وانساب حتى دخل جحره، ومضى عبيد حتى قضى حوائجه بالشام.

فلما انصرف أغفى وهو في مفازة فلما انتبه وجد قلوصه قد ضل، وهو على غير الطريق فأقام مكانه فلما جنه الليل إذا بهاتف يقول:

يا صاحب البكر البعيد مذهبه

ما عنده من ذي رشاد يصحبه

دونك هذا البكر منا تركبه

حتى إذا الليل تولى غيهبه

واقبل الصبح ولاح كوكبه

فبعد حط رحله تستلبه (1)

فلما سمع عبيد ذلك من الهاتف التفت، فإذا عنده بكر كأحسن ما يكون فركبه فسار به بقية ليلته فأصبح في منزله، وكان بينه وبين منزله إحدى وعشرون مرحلة فنزل عنها وأنشأ يقول:

يا صاحب البكر قد أنجيت من عطب

ومن حمام يضل المدلج الهادي

ارجع حميدا فقد اوليتنا مننا

جوزيت من رائح بالخير أو غادي

فأجابه البكر:

أنا الشجاع الذي ألفيتني رمضا (2)

في مهمه نازح عن أهله صادي (3)

فجدت بالماء لما ضن حامله (4)

رويت منه ولم تلمم بأنكاد (5)

الخير يبقى وإن طال الزمان به

والشر أخبث ما اوعيت من زاد

ثم قال إن الاسود الذي رأيته يطردني عبد من عبيدي أراد قتلي فكفيتني شره، وأرويتني من ظمئي ولن يضيع الخير واستخلف الله عليك.

وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: أكثر الحيوان الداجن صفة الجن، وان الكلاب من الجن، فإذا رأوكم تأكلون فألقوا إليهم من طعامكم، فان

__________________

(1) ت: فحط عنه رحله وسيبه

(2) ب: ومضا.

(3) ب: ماد.

(4) ب: ظن جاهله.

(5) ب: أرويت هامي ولم تهمم بانكاد. وفي ب أوتيت منه.

٣٨

لهم أنفسا ـ يعني يأخذون بالعين.

والعرب تذكر راكبا على جمل (1) في قدر الشاة وفد عليهم بسوق عكاظ [نادى] ألا من يهبني ثمانين بكرة هجانا وأدما، فلم يجبه أحد.

فلما رأى ذلك ضرب جمله (2) وطار به بين السماء والارض كالبرق، فعجبوا منه فحدثهم رجل قال: لقيت رجلا في بعض المفاوز راكبا على نعامة وعيناه مشقوقتان بطول وجهه، فأخذتني منه روعة ثم استوقفته فقلت له: اتروي شيئا من الشعر؟ قال: نعم وأقرضه، وأنشدني: أتاركة تحيتها (3) قطام وضنا (4) بالتحية والسلام حتى أتى على آخرها فقلت له: هيهات سبقك إليها أخو بني ذبيان، فقال: أنا والله يا أخي، نطقت بها على لسانه بسوق عكاظ، وكنت قلتها قبل ذلك بأربعمائة عام.

ويقال إن الله تعالى خلق ألفا وعشرين أمة حذاء الكواكب الثابته (5) منها في البحر ستمائة أمة، ومنها في البر أربعمائة أمة وعشرين أمة أحسنها الانسان وأتمها وأحبها إلى الباري سبحانه وتعالى وأفضلها، فانه خلق على صورة إسرافيل عليه السلام وهو أقرب الملائكة إلى الله تعالى.

وفي التوراة خلق الله تعالى آدم على صورته، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وفي الحديث «لا تضربوا الوجوه فإنها على صورة إسرافيل عليه السلام» وفي الحديث «تلجوا بالنظر إلى وجوه المرد فان فيها لمحات من الحور العين».

ويقال أن في الانسان من كل الخلق، فلذلك سخر له جميع الحيوان وسلط عليها فاقتنصها وذللها وسخر أكثرها، وجمع له المأكول من النبات

__________________

(1) ب: حمل

(2) في ب وت: جمله.

(3) في ت: تدللها.

(4) ت: وظنا

(5) ت: اليابانية.

٣٩

والحيوان [البهيمي والوحشي وغيره] (1) ، وله خلقت اللذات جميعا، وعمل بهذه جميع الاعمال.

وله المنطق والضحك، والفكر الفطنة، واختراعات الاشياء، وله خاطب الباري عزوجل، وعليه وقع الامر والنهي

والانسان هو الذي استنبط الاشياء وجمع العلوم، وعمل الآلات، وأثار المعادن، وأخرج ما في قعور البحار، وسخر له كل شئ.

ومن العجائب خلق النسناس وهو كمثل نصف الانسان بيد واحدة ورجل واحدة، ويثب وثبا ويعدو عدوا شديدا، وكان ببلاد اليمن، وربما كان ببلاد العجم، والعرب تصيده وتأكله. وفي بعض أخبارهم أن سيارة وقعوا في أرض كثيرة النسانس، فصادوا واحدا وذبحوه وطبخوه وكان سمينا، فلما جلسوا يأكلونه قال أحدهم: لقد كان هذا النسناس سمينا، فقال نسناس آخر، قد اختفى في شجرة بالقرب منهم: إنه كان يأكل السرو فلذلك سمن، فنبههم على نفسه فأخذوه وذبحوه. فقال آخر من شجرة أخرى، قد اختفى فيها عنهم: لو كان عاقلا صمت ولم ينطق، فاخذوه وذبحوه. فناداهم نسناس آخر تخبأ في بعض خروق الارض: اني قد احسنت فلم أتكلم فأخذوه وذبحوه، وكان لهم فيها قوت. وقيل إنه يغتذي بالثمار والنبات، ويصبر على العطش.

وقيل إن في شرقي القلزم مما يلي في البحر أمة متولدة من صنف من السباع وبني آدم، وجوهها عراض كثيرة الشعر مثل وجوه السباع، وعيونها مدورة بصاصة، وأنيابها بارزة طوال، وآذانها طوال، وأبدانها كأبدان الناس إلا

__________________

(1) عن ت.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

ولو انفصل الولد ميّتاً ، لم تجب قيمته ؛ لأنّا لا نعلم حياته قبل ذلك. ولأنّه لم يحل بينه وبينه ، وإنّما يجب التقويم لأجل الحيلولة.

إذا ثبت هذا ، فإنّ المشتري إن كان عالماً بالغصبيّة ، فالولد رقٌّ لمولاه ، ولا يرجع بالثمن على البائع ولا بما غرمه.

ويحتمل عندي رجوعه بالثمن إن(١) كان باقياً ، أمّا إذا تلف فلا.

وإن كان جاهلاً ، فإنّه يرجع بالثمن الذي دفعه وبما غرمه ممّا لا نفع في مقابلته ، كقيمة الولد.

وهل يرجع بما حصل له في مقابلته نفع ، كاُجرة الخدمة والسكنى والعقر؟ إشكال ينشأ من إباحة البائع له بغير عوض ، ومن استيفاء عوضه.

وتفصيل هذا أن يقال : إن علم المشتري بالغصب ، لم يرجع ؛ لأنّه قد أباح البائع إتلاف ماله بغير عوض ، وبه قال الشافعي(٢) .

والتحقيق ما قلناه من الرجوع مع قيام العين لا مع التلف.

وأمّا إذا لم يعلم المشتري بالغصب ، فعلى ثلاثة أضرب.

ضَرْبٌ : لا يرجع به عليه قولا واحدا ، وهو قيمتها إن تلفت في يده ، أو أرش البكارة إن تلفت في يده ، أو بدل جزء منها إن تلف في يده ، لأنّ المشتري دخل مع الغاصب على أن يكون ضامنا لذلك بالثمن ، فإذا ضمنه ، لم يرجع به ، وبه قال الشافعي(٣) .

و ضَرْبٌ : يرجع به قولاً واحداً ، وهو ما إذا ولدت في يده منه ورجع‌

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « إذا » بدل « إن ».

(٢) الوسيط ٣ : ٤١٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٨٠.

(٣) الوسيط ٣ : ٤١٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٨٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣١٦ - ٣١٧.

٣٤١

عليه بقيمة الولد ، فإنّه يرجع به على الغاصب ؛ لأنّه دخل معه على أن لا يكون الولد مضموناً عليه ، ولم يحصل من جهته إتلاف ، بل المتلف الشرع بحكم بيع الغاصب منه ، وبه قال الشافعي(١) .

الثالث : ما اختلف فيه ، وهو مهرها واُجرة منفعتها ، فهنا إشكال‌ تقدّم.

وللشافعي قولان :

ففي القديم : يرجع ؛ لأنّه دخل في العقد على أن يتلفه بغير عوض فقد غرّه.

وقال في الجديد : لا يرجع - وبه قال أبو حنيفة وأصحابه - لأنّه غرم ما استوفى به له ، فلم يرجع به(٢) .

ولو أمسكها ولم يستخدمها وتلفت المنفعة تحت يده ، ففي الرجوع للشافعي وجهان :

أحدهما : أنّه يرجع باُجرتها ؛ لأنّه لم يستوف بدل ما غرم ، ودخل في العقد على أن لا يضمنها.

والثاني : لا يرجع ؛ لأنّ تلفها تحت يده بمنزلة إتلافها(٣) .

مسألة ١٥٣ : يصحّ بيع الحامل بحُرٍّ ؛ لأنّها مملوكة‌ ، وحُرّيّة الحمل لا تُخرج الرقّيّة عن الملكيّة ، فيصحّ بيعها ؛ لوجود المقتضي السالم عن المعارض.

____________________

(١) الوسيط ٣ : ٤٢٠ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٨٠.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٨٠ ، حلية العلماء ٥ : ٢٤٣ - ٢٤٤ ، الحاوي الكبير ٧ : ١٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٧٧ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥١.

(٣) الوسيط ٣ : ٤٢٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٧٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥١.

٣٤٢

مسألة ١٥٤ : العبد المرتدّ إمّا أن يرتدّ عن فطرة أولا‌ ، فإن لم يكن عن فطرة ، صحّ بيعه ؛ لأنّه مملوك لا يجب قتله في الحال ، ويمكن بقاؤه بردّه إلى الإسلام ، فصحّ(١) بيعه ، كالقاتل.

وأمّا إن كانت عن فطرة ، ففي جواز بيعه إشكال ينشأ من تضادّ الأحكام ؛ إذ وجوب القتل ينافي جواز البيع ، ومن بقاء الملكيّة.

أمّا المرتدّة فإنّه يجوز بيعها مطلقاً ، سواء كانت عن غير فطرة أو عنها ؛ لعدم وجوب قتلها بالارتداد. ووجوب الحبس - إن أثبتناه في حقّها - لا ينافي الملكيّة والانتفاع.

وكذا يجوز بيع المريض المأيوس من بُرْئه لفائدة الإعتاق ، أمّا ما لا يستقرّ فيه الحياة فالأقوى بطلان بيعه وعتقه.

مسألة ١٥٥ : من اشترى جاريةً من وليّ اليتيم ، صحّ الشراء‌ ، وجاز له نكاحها واستيلادها عملاً بالمقتضي السالم عن المعارض ، وقول الكاظمعليه‌السلام وقد سُئل في رجل ترك أولاداً صغاراً ومماليك غلماناً وجواري ولم يُوص فما ترى فيمن يشتري منهم الجارية يتّخذها اُمّ ولد؟ وما ترى في بيعهم؟

فقال : « إن كان لهم وليّ يقوم بأمرهم باع عليهم وينظر لهم كان مأجوراً فيهم » قلت : فما ترى فيمن يشتري منهم الجارية فيتّخذها اُمّ ولد؟ قال : « لا بأس بذلك إذا باع عليهم القيّم لهم الناظر لهم فيما يصلحهم فليس لهم أن يرجعوا فيما صنع القيّم لهم الناظر فيما يصلحهم »(٢) .

مسألة ١٥٦ : إذا اشترى الإنسان ثلاث جوارٍ ثمّ دفعهنّ إلى البيّع‌ وقوّم‌

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : فيصحّ.

(٢) الكافي ٥ : ٢٠٨ / ١ ، الفقيه ٤ : ١٦١ - ١٦٢ / ٥٦٤ ، التهذيب ٧ : ٦٨ - ٦٩ / ٢٩٤ بتفاوت وزيادة فيها.

٣٤٣

عليه كلّ جارية بقيمة معيّنة ، وقال له : بع هؤلاء الجواري ولك نصف الربح ، فباع البيّع جاريتين وأحبل المالكُ الثالثةَ ، لم يكن عليه شي‌ء فيما أحبل ، وكان عليه للبيّع اُجرة مثل عمله فيما باع.

وقال الشيخ في النهاية : يكون عليه فيما باع نصف الربح(١) ؛ تعويلاً على رواية أبي علي بن راشد ، قال : قلت له : إنّ رجلاً اشترى ثلاث جوارٍ قوّم كلّ واحدة بقيمة فلمـّا صاروا إلى البيّع جعلهنّ بثمنٍ ، فقال للبيّع : لك عليَّ نصف الربح ، فباع جاريتين بفضل على القيمة وأحبل الثالثةَ ، قال : « يجب عليه أن يعطيه نصف الربح فيما باع ، وليس عليه فيما أحبل شي‌ء »(٢) .

وهذه الرواية غير مسندة إلى إمام.

وتُحمل هذه الرواية على ما إذا عيّن قدر الربح ، وكان القول على سبيل الجعالة.

____________________

(١) النهاية : ٤١٤.

(٢) التهذيب ٧ : ٨٢ / ٣٥٢.

٣٤٤

٣٤٥

الفصل الثاني

في الثمار‌

وفيه مطلبان :

الأوّل : في أنواعها. وهي ثلاثة :

الأوّل : في ثمرة النخل.

إذا باع ثمرة النخل ، فلا يخلو إمّا أن يكون قبل ظهورها أو بعده. فإن كان قبل ظهورها فلا يخلو إمّا أن يبيعها منفردةً أو منضمّةً إلى الغير إمّا الاُصول أو ثمرة سنة اُخرى ، أو غيرهما.

فإن باعها منفردةً ، لم يصحّ إجماعاً ؛ لأنّه غير موجود ولا معلوم الوجود ، ولا يمكن تسليمه ، ولا يُعلم حقيقته ولا وصفه ، فكان كبيع الملاقيح والمضامين ، بل هو هو في الحقيقة.

وروت العامّة أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن بيع الثمار حتى تزهي ، قيل : يا رسول الله وما تزهي؟ قال : « حتى تحمّر »(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام وقد سُئل عن رجل اشترى بستاناً فيه نخل ليس فيه غير بُسْر أخضر ، فقال : « لا ، حتى يزهو » قلت : وما الزهو؟ قال : « حتى يتلوّن »(٢) .

وإن باعها منضمّةً إلى الأصول ، فالوجه عندي : البطلان ، إلّا أن يجعل‌

____________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ١٠١ ، سنن النسائي ٧ : ٢٦٤ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٠٠ ، الموطّأ ٢ : ٦١٨ / ١١.

(٢) الكافي ٥ : ١٧٦ / ٨ ، التهذيب ٧ : ٨٤ / ٣٥٩ ، الاستبصار ٣ : ٨٦ / ٢٩٤.

٣٤٦

انضمامها على سبيل التبعيّة فلا يضرّ فيها الجهالة ، كأساسات الحيطان واُصول الأشجار ، أمّا إذا جُعلت جزءاً مقصوداً من المبيع ، ففيه الإشكال ، يقتضي النصّ الجواز.

وإن باعها منضمّةً إلى شي‌ء غير الثمرة ، فإنّه يجوز. وينبغي أن يكون ذلك على سبيل التبعيّة لا الأصالة ؛ لما تقدّم ، لكنّ إطلاق النصّ يقتضي إطلاق الجواز.

روى سماعة قال : سألته عن بيع الثمرة هل يصلح شراؤها قبل أن يخرج طلعها؟ فقال : « لا ، إلّا أن يشتري معها شيئاً غيرها رطبةً أو بقلاً ، فيقول : أشتري منك هذه الرطبة وهذا النخل وهذا الشجر بكذا وكذا ، فإن لم تخرج الثمرة كان رأس مال المشتري في الرطبة والبقل »(١) .

والوجه عندي : المنع. وهذه الرواية مع ضعف سندها لم تُسند إلى إمامٍ ، فلا تعويل عليها.

وإن باعها منضمّةً إلى ثمرة سنة اُخرى ، فلا يخلو إمّا أن تكون السنة الاُخرى سابقةً ثمرتها موجودة أو لا حقة ، فإن كانت سابقةً ، صحّ إجماعاً.

وإن كانت لا حقةً أو كانت سابقةً لم تخرج ، جاز أيضاً ؛ لما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سُئل عن شراء النخل والكرم والثمار ثلاث سنين أو أربع سنين ، قال : « لا بأس به يقول : إن لم يخرج في هذه السنة أخرج في قابل »(٢) .

وفي الصحيح عن يعقوب بن شعيب أنّه سأل الصادقَعليه‌السلام عن شراء‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٧٦ / ٧ ، الفقيه ٣ : ١٣٣ / ٥٧٨ ، التهذيب ٧ : ٨٤ / ٣٦٠ ، الإستبصار ٣ : ٨٦ - ٨٧ / ٢٩٥.

(٢) الكافي ٥ : ١٧٥ / ٢ ، الفقيه ٣ : ١٣٢ / ٥٧٦ ، التهذيب ٧ : ٨٥ / ٣٦٤ ، الاستبصار ٣ : ٨٧ / ٢٩٩.

٣٤٧

النخل ، فقال : « كان أبي يكره شراء النخل قبل أن تطلع ثمرة السنة ، ولكن السنتين والثلاث ، كان يقول : إن لم يحمل في هذه السنة حمل في السنة الاُخرى »(١) .

ويحتمل قويّاً : المنع ؛ لأنّه مبيع غير مشاهد ولا معلوم الوصف والقدر ، فيكون باطلاً ؛ للغرر. ولأنّه كبيع الملاقيح والمضامين. ويُحمل قولهعليه‌السلام : « إن لم يخرج في هذه السنة » أي إن لم تدرك ، أو أراد إن لم تخرج في بعض السنة المتأخّرة عن سنة البيع.

ويؤيّد هذا : ما رواه أبو الربيع الشامي عن الصادقعليه‌السلام قال : « كان الباقرعليه‌السلام يقول : إذا بِيع الحائط فيه النخل والشجر سنة واحدة فلا يباعنّ حتى تبلغ ثمرته ، وإذا بِيع سنتين أو ثلاثاً فلا بأس ببيعه بعد أن يكون فيه شي‌ء من الخضرة »(٢) وتعليق الحكم على وصفٍ يقتضي نفيه عند عدمه.

مسألة ١٥٧ : ولو باع الثمرة بعد ظهورها قبل بدوّ صلاحها‌ ، فإمّا أن يبيعها منفردةً أو منضمّةً ، فإن باعها منفردةً ، فإمّا أن يبيعها بشرط القطع أو بشرط التبقية أو مطلقاً.

فإن باعها بشرط القطع ، صحّ البيع إجماعاً ؛ لأنّ مع شرط القطع يظهر أنّ غرض المشتري هو الحِصْرم والبلْح وأنّه حاصل.

وإن باعها بشرط التبقية ، فالأقوى عندي : الجواز ؛ لعموم( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (٣) السالم عن صلاحيّة المعارض للمعارضة ؛ لأنّ المعارض ليس إلّا تجويز العاهة والتلف عليها ، لكن ذلك التجويز متطرّق إلى غير الثمار ،

____________________

(١) التهذيب ٧ : ٨٧ / ٣٧٣ ، الاستبصار ٣ : ٨٦ / ٢٩٢.

(٢) الفقيه ٣ : ١٥٧ - ١٥٨ / ٦٩٠ ، التهذيب ٧ : ٨٧ / ٣٧٢ ، الإستبصار ٣ : ٨٦ / ٢٩٣.

(٣) البقرة : ٢٧٥.

٣٤٨

كالحيوان وشبهه ، فلو كان مانعاً من بيع الثمرة ، لكان مانعاً من بيع الحيوان ؛ والتالي باطل بالإجماع ، فالمقدّم مثله. ولأنّه مال مملوك طاهر منتفع به فجاز بيعه. ولأنّه يجوز بيعه بشرط القطع إجماعاً ، فجاز بشرط التبقية ، كما لو باعه بعد بدوّ الصلاح بشرط التبقية.

ولما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سُئل عن الرجل يشتري الثمرة المسمّاة من أرض فتهلك تلك(١) الأرض كلّها ، فقال : « اختصموا في ذلك إلى رسول الله ٦ فكانوا يذكرون ذلك فلمـّا رآهم لا يدعون الخصومة نهاهم عن ذلك البيع حتى تبلغ الثمرة ولم يحرّمه ، ولكن فعل ذلك من أجل خصومتهم »(٢) .

وعن الباقرعليه‌السلام قال : « خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فسمع ضوضاء(٣) ، فقال : ما هذا؟ فقيل : تبايع الناس بالنخل فقعد(٤) النخل العام ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : أما إذا فعلوا فلا تشتروا النخل العام حتى يطلع فيه شي‌ء. ولم يحرّمه »(٥) .

ومَنَع جماعة(٦) من علمائنا هذا البيع - وهو مذهب الفقهاء الأربعة(٧) -

____________________

(١) في الكافي والفقيه : ثمرة تلك.

(٢) الكافي ٥ : ١٧٥ / ٢ ، الفقيه ٣ : ١٣٢ / ٥٧٦ ، التهذيب ٧ : ٨٥ / ٣٦٤ ، الاستبصار ٣ : ٨٧ / ٢٩٩.

(٣) الضوضاة : أصوات الناس وجلبتهم. الصحاح ٦ : ٢٤١٠ « ضوا ».

(٤) في « ق ، ك » : ففقد. وقعدت النخلة : حملت سنة ولم تحمل اُخرى. القاموس المحيط ١ : ٣٢٨ « قعد ».

(٥) الكافي ٥ : ١٧٤ - ١٧٥ / ١ ، التهذيب ٧ : ٨٦ / ٣٦٦ ، الاستبصار ٣ : ٨٨ / ٣٠١.

(٦) منهم : الشيخ الطوسي في النهاية : ٤١٤ - ٤١٥ ، والمبسوط ٢ : ١١٣ ، والخلاف ٣ : ٨٥ ، المسألة ١٤٠ ، والمحقّق الحلّي في شرائع الإسلام ٢ : ٥٢ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٢٥٠.

(٧) بداية المجتهد ٢ : ١٤٩ ، المعونة ٢ : ١٠٠٥ ، التلقين ٢ : ٣٧٣ ، الحاوي الكبير ٥ : =

٣٤٩

للحديث(١) الذي رواه العامّة أوّلاً ، وما رواه الخاصّة أيضاً ، وقد سبق(٢) .

وأيضاً ما رواه سليمان بن خالد عن الصادقعليه‌السلام قال : « لا يشترى(٣) النخل حولاً واحداً حتى يطعم إن كان يطعم ، وإن شئت أن تبتاعه سنتين فافعل »(٤) .

وسأل الحسنُ بن علي الوشّاء الرضاعليه‌السلام : هل يجوز بيع النخل إذا حمل؟ فقال : « لا يجوز بيعه حتى يزهو » قلت : وما الزهو جعلت فداك؟

قال : « يحمرّ ويصفرّ وشبه ذلك »(٥) .

والجواب : حمل النهي على الكراهة ؛ جمعاً بين الأدلّة خصوصاً وقد نصّ الإمامعليه‌السلام على ذلك.

وإن باعها مطلقاً ولم يشترط القطع ولا التبقية ، فالأقوى عندي : الجواز - وبه قال أبو حنيفة(٦) - لأنّه لو شرط القطع ، جاز إجماعاً ، ولو شرط التبقية ، جاز على الأقوى ، والإطلاق لا يخلو عنهما ، فكان الجواز أقوى. ولما تقدّم من الأدلّة. ولأنّ القطع تفريغ ملك البائع ونقل المبيع‌

____________________

= ١٩٠ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٩ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٦ و ٣٤٧ ، الوسيط ٣ : ١٨١ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٠ ، المغني ٤ : ٢١٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٣١.

(١) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٣٤٥ ، الهامش (١).

(٢) في ص ٣٤٥.

(٣) في المصدر : « لا تشتر ».

(٤) التهذيب ٧ : ٨٨ / ٣٧٤ ، الاستبصار ٣ : ٨٥ / ٢٩٠.

(٥) الكافي ٥ : ١٧٥ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٨٥ / ٣٦٣ ، الإستبصار ٣ : ٨٧ / ٢٩٨.

(٦) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٥ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٩١ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٨٢ ، حلية العلماء ٤ : ٢١٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٧ ، بداية المجتهد ٢ : ١٤٩ ، المعونة ٢ : ١٠٠٦ ، المغني ٤ : ٢١٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٣١.

٣٥٠

عنه ، وليس ذلك شرطاً في البيع.

ومَنَع جماعة(١) من أصحابنا إطلاقَ البيع هنا - وبه قال الشافعي ومالك وأحمد وإسحاق(٢) - لأنّ الإطلاق يقتضي التبقية ، وهو منهيّ عنها.

ولأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أطلق النهي عن بيع الثمرة قبل بدوّ صلاحها(٣) ، وهذا يقتضي النهي عن بيع مطلق. ولأنّ النقل في الثمار إنّما يكون عند بلوغ الثمرة في العرف والعادة ، فينصرف إليه مطلق البيع كإطلاق الثمن مع العرف في نقد(٤) البلد ، فإنّه ينصرف إليه.

والجواب : لا نسلّم النهي عن التبقية. وما ورد(٥) عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك فقد بيّنّا أنّه للكراهة. ونحن نسلّم عود الإطلاق إلى التبقية ، ونمنع التحريم فيها ؛ لما بيّنّا من جواز اشتراطها.

تذنيب : إذا باعها مطلقاً ، وجب على البائع الإبقاء مجّاناً إلى حين أخذها عرفاً‌ ، كما فيما بعد بدوّ الصلاح.

وقال أبو حنيفة : المطلق يقتضي القطع في الحال ، فهو بمنزلة ما لو شرط القطع عنده ، ولهذا جوّز المطلق ؛ لأنّ بيعه قبل بدوّ الصلاح بشرط‌

____________________

(١) منهم : الشيخ الطوسي في المبسوط ٢ : ١١٣ ، والخلاف ٣ : ٨٥ ، المسألة ١٤٠ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٢٥٠.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٠ ، الوسيط ٣ : ١٨١ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٩١ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٨٢ ، حلية العلماء ٤ : ٢١٢ - ٢١٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٦ و ٣٤٧ ، بداية المجتهد ٢ : ١٤٩ ، المعونة ٢ : ١٠٠٦ ، التلقين ٢ : ٣٧٣ ، المغني ٤ : ٢١٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٣١.

(٣) صحيح البخاري ٣ : ١٠١ ، صحيح مسلم ٣ : ١١٦٧ / ٥٤ ، سنن النسائي ٧ : ٢٦٢ - ٢٦٣ ، الموطّأ ٢ : ٦١٨ / ١٠ ، مسند أحمد ٢ : ٧٠ ، ٤٥١١ ، و ١٧٠ / ٥٢٧٠.

(٤) في الطبعة الحجريّة : « إطلاق » بدل « نقد ».

(٥) في الطبعة الحجريّة : وما روي.

٣٥١

التبقية عنده باطل(١) .

وإن باعها قبل بدوّ الصلاح منضمّةً إلى شي‌ء أو إلى ثمرة سنة اُخرى ، فإنّه يجوز إجماعاً منّا ؛ لرواية يعقوب بن شعيب - الصحيحة - عن الصادقعليه‌السلام قال : « إذا كان الحائط فيه ثمار مختلفة فأدرك بعضها فلا بأس ببيعه جميعاً »(٢) .

مسألة ١٥٨ : لو باع بستاناً بدا صلاح بعضه ولم يَبْدُ صلاح الباقي‌ ، فعلى ما اخترناه نحن يجوز ؛ لأنّا جوّزنا بيع ما لم يَبْدُ صلاحه منفرداً فمنضمّاً إلى ما بدا صلاحه أولى.

أمّا القائلون بالمنع من علمائنا فإنّه يجوز عندهم أيضاً ؛ لأنّ العاهة قد اُمنت فيما بدا صلاحه ، فجاز بيعه ، وما لم يَبْدُ صلاحه يجوز بيعه منضمّاً إليه تبعاً ، كما لو باعه مع الزرع.

ولما رواه يعقوب بن شعيب - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام : « إذا كان الحائط فيه ثمار مختلفة فأدرك بعضها فلا بأس ببيعه جميعاً »(٣) .

وهل يشترط اتّحاد البستان؟ قال الشيخ : نعم ، بمعنى أنّه لو كان بستان قد بدا صلاحه والبستان الآخر لم يَبْدُ صلاح شي‌ء منه ، لم يجز بيعهما صفقةً واحدة. ولو كان بعض نخل البستان الواحد قد بدا صلاحه والبعض الآخر لم يَبْدُ صلاحه ، جاز بيعه أجمع في عقدٍ واحد(٤) .

وهذا القول لا اعتبار به عندنا.

والشافعي فصّل هنا ، فقال : إن كانت النخلة واحدةً بأن بدا صلاح‌

____________________

(١) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٥ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٩ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٩١ ، حلية العلماء ٤ : ٢١٤ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٨٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٧ ، المغني ٤ : ٢١٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٣١ - ٢٣٢.

(٢و٣) الكافي ٥ : ١٧٥ / ٥ ، التهذيب ٣ : ٨٥ / ٣٦٢ ، الاستبصار ٣ : ٨٧ / ٢٩٧.

(٤) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١١٤.

٣٥٢

بعض طلعها وبعضه لم يَبْدُ صلاحه ، جاز بيع ثمرتها أجمع صفقةً واحدة ؛ لعسر التمييز والفرق بينهما. وإن تعدّد النخل وكان بعضه قد بدا صلاحه دون البعض ، فإن كان البستان واحدا وضمّ أحدهما إلى الآخر في الصفقة ، جاز ، كما في النخلة الواحدة وإن كان ما بدا صلاحه نخلة واحدة.

وإن أفرد ما بدا صلاحه بالبيع ، صحّ إجماعاً. وإن أفرد ما لم يَبْدُ صلاحه بالبيع ، ففي اشتراط شرط القطع وجهان ، سواء اتّحد نوع النخل أو اختلف :

أحدهما : أنّه يشترط ، إذ ليس في المبيع شي‌ء قد بدا صلاحه ، فيتبعه في عدم شرط القطع.

والثاني : أنّه لا يشترط ، ويكون ما لم يَبْدُ صلاحه تابعاً لما بدا ؛ لدخول وقت بدوّ الصلاح ، فكأنّه موجود بالفعل.

ولو اختلف نوع الثمرة - كالبرني والمعقلي - في البستان الواحد فأدرك نوع دون آخر وباعهما صفقةً واحدة ، ففي الجواز وجهان أحدهما : أنّه يجوز ؛ لأنّه إذا كان يضمّ بعضٍ النوع إلى بعض آخر ضمّ نوعٍ إلى نوع آخر من جنسه كالزكاة. والثاني : لا يضمّ ؛ لأنّه قد يتباعد إدراكهما ، فصارا كالجنسين.

ولو اختلف جنس الثمرة فكان أحدهما رطباً والآخر عنبا وبدا صلاح أحد الجنسين وضمّهما في البيع ، وجب شرط القطع فيما لم يَبْدُ صلاحه منهما ، ولا يتبع أحد الجنسين الآخرَ. وإن تعدّد البستان فبدا صلاح أحدهما دون الآخر ، فإنّه لا يتبع أحدهما الآخر(١) ، بل يجب شرط القطع فيما لم يَبْدُ صلاحه - وبه قال أحمد - لأنّه إنّما جعل ما لم يَبْدُ صلاحه تابعاً في‌

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : فإنّه لا يتبعه أحدهما.

٣٥٣

البستان الواحد ؛ لما فيه من اشتراك الأيدي والتضرّر به ، أمّا ما كان في قراح آخر فوجب أن يعتبر بنفسه(١) .

وقال مالك : يجوز ضمّ أحد البستاين إلى الآخر وإن أدرك أحدهما خاصّة دون البستان الآخر من غير شرط القطع إذا كان مجاوراً له وكان الصلاح معهوداً لا منكراً(٢) .

وربما نُقل(٣) عنه الضبط في المجاور ببساتين البلدة الواحدة ؛ لأنّ الغرض الأمن من العاهة ، وما جاوره بمنزلة ما في هذا القراح.

مسألة ١٥٩ : لو كان الذي بدا صلاحه من النخل لواحدٍ وما لم يَبْدُ صلاحه لآخر‌ ، فباع مالك ما لم يَبْدُ صلاحه ثمرة ملكه ، جاز عندنا مطلقاً وعند جماعة من علمائنا والجمهور بشرط القطع.

وللشافعي قول آخر ، وهو : أنّه فصّل فقال : لا يخلو إمّا أن يكونا معاً في بستانٍ واحد أو نخل كلّ واحد منهما في بستان منفرد.

فإن كانا في بستان واحد ، فوجهان مع اتّحاد المالك على ما تقدّم.

وأمّا مع تعدّده فقولان :

أحدهما : طرد الوجهين هنا.

والثاني : القطع بالمنع ؛ إذ لا يتعدّى حكم أحد المالكين إلى الآخر ، فيجب شرط القطع.

وإن كانا في بستانين ، فقولان :

____________________

(١) اُنظر العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٩ ، وروضة الطالبين ٣ : ٢١١ - ٢١٢.

(٢) بداية المجتهد ٢ : ١٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٩ ، حلية العلماء ٤ : ٢١٥ ، المغني ٤ : ٢٢٣.

(٣) كما في العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٩.

٣٥٤

أحدهما : القطع بأنّه لا عبرة به ، ولا نظر إلى بدوّ الصلاح في بستان غير البائع.

والثاني : أنّه إذا لم يفرق فيما إذا بدا فيه الصلاح من ذلك البستان ولم يدخل في البيع بين أن يكون ملك البائع أو ملك غيره ، فقياسه أن لا يفرق فيما بدا فيه الصلاح في بستانٍ آخر أيضاً إذا لم يشترط اتّحاد البستان(١) .

مسألة ١٦٠ : إذا باعه الثمرة قبل بدوّ الصلاح بشرط القطع ، جاز‌ إجماعاً على ما تقدّم ، ويجب الوفاء به على المشتري ( إذا لم يشترطه )(٢) على البائع.

ولو تراضيا على الترك جاز إجماعاً منّا ، وبه قال الشافعي(٣) ، وكان بدوّ الصلاح بمنزلة كبر العبد الصغير.

وقال أحمد : يبطل البيع وتعود الثمرة إلى البائع(٤) . وليس(٥)

ولو أبقاه المشتري ولم ينكر البائع أو أنكر ، فعلى المشتري اُجرة المثل عن مدّة الإبقاء.

تذنيب : لا فرق بين ما إذا اشترط القطع في مقطوع ينتفع به أو لا ينتفع به‌ ؛ عملاً بالأصل ، فلو شرط القطع فيما لا منفعة فيه - كالجوز والكُمَّثْرى - جاز.

وقال بعض الشافعيّة : لا يجوز البيع بشرط القطع إلّا إذا كان المقطوع‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٢.

(٢) بدل ما بين القوسين في « ق ، ك » : إلّا أن يشترطه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٠.

(٤) المغني ٤ : ٢٢١ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٢٣ - ٢٢٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٧.

(٥) كذا في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة. والظاهر : « ليس بجيّد ».

٣٥٥

ممّا ينتفع به ، كالحِصْرم واللوز(١) .

مسألة ١٦١ : لو كانت الأشجار للمشتري فباع الثمرة عليه بأن يبيع الشجرة من إنسان بعد ظهور الثمرة‌ ويُبقي الثمرة له ثمّ يبيع الثمرة من مشتري الشجرة ، أو يوصي بالثمرة لإنسان ثمّ يبيع الموصى له الثمرة من الوارث ، لم يشترط اشتراط القطع عندنا ؛ لما مرّ.

وأمّا المشترطون فقد اختلفوا هنا.

فقال أكثر الشافعيّة : إنّه يشترط شرط القطع في صحّة البيع ؛ لشمول الخبر ، وللمعنى أيضاً ؛ فإنّ المبيع هو الثمرة ، ولو تلفت لم يبق في مقابلة الثمن شي‌ء لكن يجوز له الإبقاء ، ولا يلزمه الوفاء بالشرط هنا ؛ إذ لا معنى لتكليفه قطع ثماره من أشجاره(٢) .

وقال بعضهم : لا حاجة إلى شرط القطع ؛ لأنّه يجمعهما ملك مالكٍ واحد ، فأشبه ما لو اشتراهما معاً(٣) .

ولو باع الشجرة وعليها ثمرة مؤبّرة ، بقيت للبائع ، فلا حاجة إلى شرط القطع ؛ لأنّ المبيع هو الشجرة وليست متعرّضةً للعاهات ، والثمرة مملوكة بحكم الدوام.

ولو كانت الثمرة غير مؤبّرة فاستثناها البائع لنفسه ، صحّ عندنا ، ولم يجب شرط القطع.

وللشافعيّة وجهان :

أحدهما : نعم ؛ لأنّ الثمار والحال هذه مندرجة لو لا الاستثناء ، فكان كملكٍ مبتدأ.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٠.

(٢و٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١٠.

٣٥٦

وأصحّهما عندهم : أنّه لا يجب ؛ لأنّه في الحقيقة استدامة ملك ، فعلى هذا له الإبقاء إلى وقت الجذاذ. ولو صرّح بشرط الإبقاء ، جاز ، وعلى الأوّل لا يجوز(١) .

مسألة ١٦٢ : لو باع الثمار مع الاُصول قبل بدوّ الصلاح من غير شرط القطع ، جاز إجماعاً ؛ لقولهعليه‌السلام : « مَنْ باع نخلاً بعد أن تؤبّر فثمرتها للبائع إلّا أن يشترط المبتاع »(٢) دلّ على أنّه لو اشترطها ، كانت للمشتري ، وذلك هو بيع الثمرة مع الاُصول. ولأنّ الثمرة هنا تتبع الأصل ، والأصل غير معرّض للعاهة. ويحتمل في التابع(٣) ما لا يحتمل في غيره إذا اُفرد بالتصرّف ، كالحمل في البطن ، واللبن في الضرع ، والسقف مع الدار وأساسات الحيطان.

ولو شرط بائع الأصل والثمرة قطع الثمرة قبل بدوّ الصلاح ، لم يجز ؛ لتضمّنه الحجر عليه في ملكه.

مسألة ١٦٣ : لو باع الثمرة بعد بدوّ صلاحها ، جاز مطلقاً وبشرط القطع إجماعاً‌ ؛ للأصل السالم عن معارضة تطرّق الآفة.

ولو باعها حينئذٍ بشرط التبقية ، جاز عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي ومالك وأحمد(٤) - لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن بيع الثمرة حتى‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢١١.

(٢) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٦٨ / ٣٤٣٣ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٤٦ / ١٢٤٤ ، سنن النسائي ٧ : ٢٩٧ ، مسند الحميدي ٢ : ٢٧٧ / ٦١٣.

(٣) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : البائع. والصحيح ما أثبتناه.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٨٨ ، حلية العلماء ٤ : ٢١٤ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٦ ، التلقين ٢ : ٣٧٢ ، المعونة ٢ : ١٠٠٦ ، المغني ٤ : ٢٢٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٦٣.

٣٥٧

تزهي(١) ، وقد ثبت أنّه إنّما نهى عنه قبل أن تزهي عن بيعٍ يتضمّن التبقية ؛ لأنّه يجوز شرط القطع عند أبي حنيفة مطلقاً(٢) ، فثبت أنّ الذي أجازه هو الذي نهى عنه(٣) .

ولأنّ النقل والتحويل يجوز في البيع بحكم العرف ، فإذا شُرط جاز ، كما لو شرط أن ينقل الطعام من ملك البائع حسب الإمكان ، فإنّه يجوز.

ولأنّ النهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها ، والحكم بعد الغاية يخالف الحكم قبلها.

ثمّ عند الإطلاق يجوز الإبقاء [ إلى ](٤) أوان الجذاذ ؛ للعرف. وشرط التبقية تصريح بما هو من مقتضيات العقد.

وقال أبو حنيفة وأصحابه : لا يجوز بشرط التبقية ، ويجب القطع في الحال في صورة الإطلاق ، إلّا أنّ محمّداً يقول : إذا تناهى عظم الثمرة ، جاز فيها شرط التبقية ؛ لأنّ هذا شرط الانتفاع بملك البائع على وجه لا يقتضيه العقد ، كما لو شرط تبقية الطعام في منزله(٥) .

والجواب : نسلّم الملازمة ، ونمنع بطلان التالي ، وما لا يقتضيه العقد يجوز اشتراطه إذا لم يُناف العقد ولا الشرع. وشَرْطُ تبقية الطعام في منزله جائز عندنا.

____________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ١٠١ ، سنن النسائي ٧ : ٢٦٤ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٠٠ ، الموطّأ ٢ : ٦١٨ / ١١.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٥ ، المغني ٤ : ٢٢٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٦٣ - ٢٦٤.

(٣) كذا ورد قوله : « وقد ثبت نهى عنه » في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة ، فلا حظ.

(٤) أضفناها لأجل السياق.

(٥) المغني ٤ : ٢٢٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٦٣ - ٢٦٤ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٩٣ ، حلية العلماء ٤ : ٢١٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٦.

٣٥٨

مسألة ١٦٤ : يجوز عندنا بيع الثمار بعد بدوّ صلاحها مع ما يحدث بعدها في تلك السنة أو سنة أخرى‌ - وبه قال مالك(١) - لما تقدّم(٢) من قول الصادقعليه‌السلام وقد سُئل عن شراء النخل والكرم والثمار ثلاث سنين أو أربع سنين : « لا بأس به » وإذا جاز(٣) ذلك قبل بدوّ الصلاح فبعده أولى.

ومَنَع الشافعي منه(٤) وليس بجيّد.

مسألة ١٦٥ : حدّ بدوّ الصلاح في ثمرة النخل تغيّر اللون من الخضرة‌ - التي هي لون البَلَح - إلى الحمرة أو الصفرة - وهو قول أكثر الجمهور(٥) - لما رواه العامّة من قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « حتى تزهي » قيل : يا رسول الله وما تزهي؟ قال : « حتى تحمرّ أو تصفرّ »(٦) .

وفي حديثٍ آخر : « حتى تحمارّ أو تصفارّ »(٧) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « حتى يزهو » قلت : وما الزهو؟ قال : « حتى يتلوّن »(٨) .

وعن الرضاعليه‌السلام : « حتى يزهو » قال الراوي : قلت : وما الزهو جُعلت فداك؟ قال : « يحمرّ ويصفرّ وشبه ذلك »(٩) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٦.

(٢) في ص : ٣٤٦.

(٣) في « ق ، ك » : أجاز.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٠٩.

(٥) المغني ٤ : ٢٢٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٠١ - ٣٠٧.

(٦) أورده الماوردي في الحاوي الكبير ٥ : ١٩٤ ، والرافعي في العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥٠.

(٧) صحيح البخاري ٣ : ١٠١ ، المغني ٤ : ٢٢٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٣١٠.

(٨) الكافي ٥ : ١٧٦ / ٨ ، التهذيب ٧ : ٨٤ / ٣٥٩ ، الاستبصار ٣ : ٨٦ / ٢٩٤.

(٩) الكافي ٥ : ١٧٥ / ٣ ، الفقيه ٣ : ١٣٣ / ٥٨٠ ، التهذيب ٧ : ٨٥ / ٣٦٣ ، الاستبصار ٣ : ٨٧ / ٢٩٨.

٣٥٩

وحكي عن بعض الفقهاء أنّه قال : بدوّ الصلاح في الثمار بطلوع الثريّا(١) ؛ لأنّ ابن عمر روى أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن بيع الثمار حتى تذهب العاهة ، فقال له عثمان بن عبد الله بن سراقة : متى ذلك؟ قال : إذا طلع الثريّا(٢) .

والجواب : هذه التتمّة من قول ابن عمر لا من قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا عبرة به ، وإنّما قال ذلك بناء على عادة أهل تلك البلاد أنّ طلوع الثريّا إنّما يكون عند بلوغ الثمرة ، وإلّا فهو مختلف في البلاد. والغرض ببلوغ الثمرة زوال الغرر الحاصل من تطرّق العاهة ، وذلك يحصل ببلوغها لا بطلوع الثريّا.

الثاني : في ثمرة الأشجار.

مسألة ١٦٦ : لا يجوز بيع ثمرة الشجرة(٣) قبل ظهورها عاماً واحداً‌ إجماعاً ، لأنّها معدومة ، فكانت كبيع الملاقيح والمضامين ، إذ لا فرق بينهما ، فإنّ كلّ واحد منهما نماء وثمرة مستكنّ في أصله لم يبرز إلى الخارج.

وهل يجوز بيعها قبل ظهورها عامين؟ الأقوى عندي : المنع ، وقد تقدّم البحث فيه في ثمرة النخل ، والخلاف هنا كما هو ثمّ.

وكذا لو باع الثمرة قبل ظهورها منضمّة إلى شي‌ء آخر.

مسألة ١٦٧ : ويجوز بيع ثمرة الشجرة(٤) بعد ظهورها وإن لم يَبْدُ صلاحها سنة‌ ، وبعده بشرط القطع ومطلقاً وبشرط التبقية ؛ لما مرّ.

____________________

(١) بداية المجتهد ٢ : ١٥١.

(٢) مسند أحمد ٢ : ١٤٦ / ٥٠٨٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٠٠.

(٣و٤) في « ق ، ك ‍» : الشجر.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458