تذكرة الفقهاء الجزء ١٠

تذكرة الفقهاء17%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-197-4
الصفحات: 458

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 458 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 189229 / تحميل: 5793
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٠

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-١٩٧-٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

ولأنّها فُتحت عنوةً ؛ لقولهعليه‌السلام : « إنّ الله حبس عن مكة الفيل وسلّط عليها رسوله والمؤمنين ، وأنّها لم تحلّ لأحد قبلي ولا تحلّ لأحد بعدي ، وإنّما اُحلّت لي ساعة من نهار »(١) .

وفي قولٍ لنا : الجواز - وبه قال طاوُس وعمرو بن دينار والشافعي وابن المنذر ، وعن أحمد روايتان(٢) - لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لمـّا قيل له : أين تنزل غداً؟ قال : « وهل ترك لنا عقيل من رِباع(٣) ؟»(٤) يعني أنّ عقيلاً باع رِباع أبي طالب ؛ لأنّه ورثه دون إخوته ، ولو كانت غير مملوكة لما أثّر بيع عقيل شيئا. وباع جماعةٌ من الصحابة منازلَهم ولم يُنكَر عليهم. ونزل سفيان بعض رِباع مكة فهرب ولم يُعطهم اُجرةً ، فأدركوه فأخذوها منه(٥) .

فروع :

أ - الخلاف في غير مواضع النسك ، أمّا بقاع المناسك - كبقاع السعي‌

____________________

(١) صحيح البخاري ١ : ٣٩ ، و ٩ : ٦ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٨٨ و ٩٨٩ / ٤٤٧ و ٤٤٨ ، سنن أبي داوُد ٢ : ٢١٢ / ٢٠١٧ ، سنن البيهقي ٨ : ٥٢ ، مسند أحمد ٢ : ٤٧٢ / ٧٢٠١ بتفاوت ، ونصّه في المغني ٤ : ٣٣٠ ، والشرح الكبير ٤ : ٢٣.

(٢) المغني ٤ : ٣٣٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٢ - ٢٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٦٩ ، المجموع ٩ : ٢٤٨ ، الوسيط ٧ : ٤٢ ، الوجيز ٢ : ١٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥٥ - ٤٥٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٩ ، حلية العلماء ٤ : ٦٩ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٨٥ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٤٦ ، التفسير الكبير ٢٣ : ٢٤ ، الجامع لأحكام القرآن ١٢ : ٣٣.

(٣) الرَّبْعُ : الدار بعينها حيث كانت. وجمعها : رِباع ورُبوع وأرباع وأربُع. الصحاح ٣ : ١٢١١ « ربع ».

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٨١ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٨٤ ، ١٣٥١ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩١٢ / ٢٧٣٠ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٦٠٢.

(٥) المغني ٤ : ٣٣١ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٣.

٤١

والرمي وغيرهما - فحكمها حكم المساجد.

ب - الوجه : أنّه يجوز إجارة بيوت مكة.

وقال الشيخ : لا يجوز لأحدٍ منع الحاجّ عن دُوْرها ؛ لقوله تعالى :( سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ ) (١) (٢) .

وفيه نظر.

ج - إذا بنى بمكة بآلة مجتلبة من غير أرض مكة ، جاز بيعها ، كما يجوز بيع أبنية الوقوف إجماعاً. وإن كانت من تراب الحرم وحجارته ، فعلى الخلاف.

مسألة ٢١ : ولا يجوز بيع الحُرّ بالإجماع ؛ لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة : رجل أعطى ثمّ غدر ، ورجل باع حرّا فأكل ثمنه ، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره»(٣) .

ولو سرقه فباعه ، قطع ( لإفساده ، لا حدّا )(٤) .

مسألة ٢٢ : يشترط في الملك التماميّة ، فلا يصحّ بيع الوقف ؛ لنقص الملك فيه ، إذ القصد منه التأبيد. نعم ، لو كان بيعه أعود عليهم ؛ لوقوع خُلْف بين أربابه ، وخشي تلفه أو ظهور فتنة بسببه ، جوّز أكثر علمائنا بيعه ، خلافاً للجمهور ، وسيأتي.

ولا يصحّ بيع اُمّ الولد بالإجماع وعندنا إلّا في ثمن رقبتها إذا كان دَيْناً على مولاها ، ولا وجه له سواها. وفي اشتراط موته حينئذٍ خلاف ؛ لما رواه‌

____________________

(١) الحجّ : ٢٥.

(٢) النهاية : ٢٨٤ ، المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٨٤.

(٣) صحيح البخاري ٣ : ١١٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨١٦ / ٢٤٤٢.

(٤) ما بين القوسين لم يرد في « ق ، ك »

٤٢

أبو بصير عن الصادقعليه‌السلام في رجل اشترى جاريةً فوطئها(١) فولدت له فمات ، قال : « إن شاؤا أن يبيعوها باعوها في الدَّيْن الذي يكون على مولاها من ثمنها ، فإن كان لها ولد قُوّمت على ولدها من نصيبه ، وإن كان ولدها صغيراً انتظر(٢) به حتى يكبر ثمّ يجبر على قيمتها ، فإن مات ولدها بِيعت في الميراث إن شاء الورثة »(٣) .

ولو مات ولدها ، جاز بيعها مطلقاً ؛ لهذه الرواية. وكذا لو كانت مرهونةً ، وسيأتي.

ولا يصحّ بيع الرهن ؛ لتعلّق حقّ المرتهن به ، ونقصان ملك الراهن ما لم يجز المرتهن ؛ لأنّ الحقّ لا يَعْدُوهما بلا خلاف.

ولو باع ولم يعلم المرتهن ففكّ ، لزم البيع ؛ لانتفاء المعارض ، ومَنْ أبطل بيع الفضولي لزمه الإبطال هنا.

مسألة ٢٣ : الأقوى بين علمائنا صحّة بيع الجاني‌ ، سواء كانت جنايته عمداً أو خطأً ، أوجبت القصاص أولا ، على النفس أو ما دونها - وبه قال أبو حنيفة وأحمد والشافعي في أحد قوليه(٤) - لأنّه حقّ غير مستقرّ في [ الجاني ](٥) يملك أداءه من غيره ، فلم يمنع البيع ، كالزكاة ، ولو أوجبت‌

____________________

(١) « ق ، ك » و الطبعة الحجريّة بدل « فوطئها » : « يطؤها » و ما أثبتناه من المصدر

(٢) في المصدر : ينتظر

(٣) التهذيب ٧ : ٨٠ / ٣٤٤.

(٤) بدائع الصنائع ٥ : ١٥٦ ، المغني ٤ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢ ، مختصر المزني : ٨٣ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٦٣ - ٢٦٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٩٤ ، الوجيز ١ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨ - ٣٩ ، حلية العلماء ٤ : ٢٧٨.

(٥) ورد في « ق ، ك » و الطبعة الحجرية بدل « الجاني » : « الحال » و ذاك تصحيف ، وما أثبتناه هو الصحيح

٤٣

قصاصاً ، فهو يرجى سلامته ويخشى تلفه ، فأشبه المريض.

وقال بعض علمائنا : لا يصحّ بيعه(١) . وهو القول الآخر للشافعي ؛ لأنّه تعلّق برقبته حقّ آدميّ فمنع صحّة بيعه ، كالرهن ، بل حقّ الجناية آكد ؛ لتقدّمها عليه(٢) .

والفرق : أنّ الحقّ منحصر في الرهن لا يملك سيّده إبداله ، ثبت فيه برضاه وثيقة الدّين ، فلو أبطله بالبيع ، بطل حقّ الوثيقة ، الذي التزمه برضاه.

وللشافعي قول ثالث : وقوعه موقوفاً إن فدى لزم ، وإلّا فلا(٣) .

إذا عرفت هذا ، فإن باعه وأوجبت الأرش أو القود فعفي إلى مال ، فداه السيّد بأقلّ الأمرين عند أكثر علمائنا ، وعند الباقين بالأرش ، ويزول الحقّ عن رقبة العبد ببيعه ؛ لأنّ الخيار للسيّد ، فإذا باعه فقد اختار الفداء ، فيتعيّن عليه ، ولا خيار للمشتري ؛ لعدم الضرر ؛ فإنّ الرجوع على غيره.

هذا مع يسار المولى ، وبه قال أحمد وأبو حنيفة وبعض الشافعيّة(٤) .

وقال بعضهم : لا يلزم السيّد فداؤه ؛ إذ أكثر ما فيه أنّه التزم الفداء ، فلا يلزمه ، كما لو قال الراهن : أنا أقضي الدَّيْن من غير(٥) الرهن(٦) .

والفرق : أنّه أزال ملكه عن الجاني ، فلزمه الفداء ، كما لو قتله ، بخلاف الرهن.

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٣٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٩٤ ، حلية العلماء ٤ : ٢٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦ ، المغني ٤ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦.

(٤) المغني ٤ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٠٩.

(٦) المغني ٤ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٠٩.

٤٤

وإن كان معسراً ، لم يسقط حقّ المجنيّ عليه من الرقبة ما لم يجز البيع أوّلاً ، فإنّ البائع إنّما يملك نقل حقّه عن رقبته بفدائه ولا يحصل من ذمّة المعسر ، فيبقى الحقّ مقدّماً على حقّ المشتري ، ويتخيّر المشتري الجاهل في الفسخ ، فيرجع بالثمن معه أو مع الاستيعاب ؛ لأنّ أرش مثل هذا جميع ثمنه. وإن لم تستوعب ، رجع بقدر أرشه. ولو علم تعلّق الحقّ به ، فلا رجوع.

ولو اختار المشتري الفداء ، فله ، والبيع بحاله ؛ لقيامه مقام البائع في التخيّر ، وحكمه في الرجوع فيما فداه به على البائع حكم قضاء الدَّيْن عنه.

وللشافعي في المعسر قولان : البطلان ؛ صيانةً لحقّ المجنيّ عليه ، وإثبات الخيار للمجنيّ عليه ، فينفسخ البيع ويُباع في الجناية(١) .

وإن أوجبت قصاصاً ، تخيّر المشتري الجاهل بين الردّ والأرش ، فإن اقتصّ منه ، احتمل تعيّن الأرش ، وهو قسط قيمة ما بينه جانياً وغير جانٍ ، ولا يبطل البيع من أصله - وبه قال أحمد وبعض الشافعيّة(٢) - لأنّه تلف عند المشتري بالعيب الذي كان فيه ، فلم يوجب الرجوع بجميع الثمن ، كالمريض والمرتدّ.

وقال أبو حنيفة والشافعي : يرجع بجميع الثمن ؛ لأنّ تلفه لمعنىً استحقّ عليه عند البائع ، فجرى مجرى إتلافه(٣) .

وينتقض بالردّة والمرض ، والتلف غير الإتلاف.

ولو أوجبت قطع عضو فقُطع عند المشتري ، فقد تعيّب في يده ؛ فإنّ‌

____________________

(١) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

(٢) المغني ٤ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٠٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٨.

(٣) المغني ٤ : ٢٧٤ - ٢٧٥ ، الشرح الكبير ٤ : ١٠٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٨.

٤٥

استحقاق القطع دون حقيقته.

وفي منع ردّه بعيبه إشكال.

وعن أحمد روايتان(١) .

ولو اشتراه عالماً بعيبه ، فلا ردّ ولا أرش ، وبه قال الشافعي وأحمد(٢) .

مسألة ٢٤ : المرتدّ إن كان عن فطرة ، ففي صحّة بيعه نظر‌ ينشأ من تضادّ الحكمين ، ومن بقاء الملك ، فإنّ كسبه لمولاه. أمّا عن غير فطرة ، فالوجه : صحّة بيعه ؛ لعدم تحتّم قتله ، لاحتمال رجوعه إلى الإسلام.

وكذا القاتل في المحاربة إذا تاب قبل القدرة عليه ، فإن لم يتب إلّا بعدها ، فالأقرب : صحّة بيعه ؛ لأنّه قِنٌّ يصحّ إعتاقه ويملك استخدامه ، فصحّ بيعه ، كغير القاتل. ولإمكان الانتفاع به إلى حين القتل ويعتق فينجرّ ولاء أولاده ، فصحّ بيعه ، كالمريض المأيوس من برئه.

ويحتمل العدم ؛ لتحتّم قتله وإتلاف ماليّته وتحريم إبقائه ، فصار بمنزلة ما لا نفع فيه ، والمنفعة [ المفضية ](٣) إلى قتله لا يتمهّد بها محلّاً للبيع ، كمنفعة الميتة في سدّ بَثْقٍ(٤) وإطعام كلبٍ.

والأقوى الأوّل ؛ لثبوت أحكام الحياة ، ووجوب القتل غير مانع ، كمرض المأيوس من بُرئه ، والميتة لم يكن لها نفعٌ سابقٌ ولا لاحقٌ.

____________________

(١ و ٢) المغني ٤ : ٢٧٥ ، الشرح الكبير ٤ : ١٠٩.

(٣) ورد بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : التامة. ولم نتحصّل لها معنىً هنا. وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٤) كذا ، والظاهر : « رمق » بدل « بثق ». والبثق : موضع كسر شطّ النهر لينشقّ الماء. لسان العرب ١٠ : ١٣ «بثق ».

٤٦

وللحنابلة قولان(١) كالوجهين.

مسألة ٢٥ : لا يجوز بيع المكاتب‌ ؛ لانتفاء السلطنة عليه إلّا بالاستيفاء ، سواء كان مطلقاً أو مشروطاً ما لم يعجز المشروط ، فإن عجز ، ففي اشتراط تقديم الفسخ إشكال.

ويصحّ بيع المدبَّر ؛ لبقاء الملك فيه ، ويبطل تدبيره حينئذٍ ، خلافاً للشيخ(٢) ، وسيأتي.

وكذا يصحّ بيع الموصى به.

أمّا الموهوب مع جواز الرجوع وذو الخيار : فإنّه يوجب فسخ السابق.

وهل يصحّ؟ قال بعض علمائنا : نعم(٣) . وهو الأقوى ، وإلّا لم يكن مبطلاً ؛ إذ لا أثر للفاسد ، فيتضمّن الحكمين.

وقال بعضهم بالنفي ؛ لعدم مصادفة الملك(٤) .

مسألة ٢٦ : العبد إن لم يكن مأذوناً له في التجارة ، لم يمض بيعه ولا شراؤه بعين المال‌ ؛ لأنّه تصرّف في ملك الغير بغير إذنه.

وهل يقع باطلاً أو موقوفاً على رضا السيّد؟ الأقرب عندي : الثاني - وهو أحد وجهي الحنابلة(٥) - كالفضولي.

والآخر : البطلان ؛ لأنّه تصرّف من المحجور عليه(٦) .

وأمّا الشراء بثمن في الذمّة : فالأقوى المنع ، لأنّه لو صحّ ، فإمّا أن‌

____________________

(١) المغني ٤ : ٢٧٥ ، الشرح الكبير ٤ : ١٣.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٦ : ١٧١.

(٣) كما في شرائع الإسلام ٢ : ٢٣١.

(٤) انظر : شرائع الإسلام ٢ : ٢٣١.

(٥ و ٦) المغني ٤ : ٣٢٢.

٤٧

يثبت الملك له ، وهو ليس أهلاً له ، أو لسيّده فإمّا بعوضٍ على السيّد وهو لم يرض به ، أو على العبد فكيف يحصل أحد العوضين لغير مَنْ يلزمه الثاني!؟

ويحتمل الصحّة ؛ لتعلّقه بالذمّة ولا حجر على ذمّته.

وللشافعي قولان(١) .

فإن قلنا بها ، احتمل أن يكون للسيّد ؛ لأنّه أحقّ بما في يد عبده منه ، كالصيد. والبائع إن علم رقّه ، انتظر العتق ، وليس له الرجوع في العين فيكون كهلاكه في يد العبد. وإن جهل فإن شاء صبر ، وإن شاء فسخ ، ورجع في العين ؛ لإعساره. وأن يكون للعبد ، فللسيّد إقراره عليه وانتزاعه ، وللبائع الرجوع في عين المبيع ما دام في يد العبد. وإن تلف في يد العبد ، صبر إلى العتق. وإن انتزعه السيّد ، ملكه ؛ لما مرّ.

وهل يرجع البائع؟ وجهان للشافعي(٢) .

والأقرب عندي : الرجوع مع الجهل برقّه لا مع العلم.

وإن تلف ، استقرّ الثمن في ذمّته دون السيّد مع العلم بالرقّ. وفي الجهل إشكال.

وإن قلنا بالبطلان ، فللبائع أخذه من يد السيّد أو العبد. وإن كان تالفاً ، فله القيمة أو المثل ، فإن تلف في يد السيّد ، رجع عليه ؛ لتلف ماله في يده ، وإن شاء انتظر العتق ؛ لأنّه الآخذ.

وإن تلف في يد العبد ، فالرجوع عليه يتبع به بعد العتق ، وبه قال الشافعي(٣) ، وهو إحدى روايتي أحمد. وفي الاُخرى : يتعلّق برقبته(٤) .

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٣.

(٤) المغني ٤ : ٣٢٣.

٤٨

واقتراض العبد كشرائه.

وأمّا المأذون له فيصحّ تصرّفه فيما أذن له فيه ، وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى.

الشرط الرابع : القدرة على التسليم.

وهو إجماع في صحّة البيع ليخرج البيع عن أن يكون بيعَ غررٍ.

والقدرة قد تنتفي حسّاً كالآبق ، وشرعاً كالرهن.

والمشهور عند علمائنا أنّه لا يصحّ بيع الآبق منفرداً وإن عرفا مكانه - وبه قال مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي(١) - لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن بيع الغرر(٢) ، وهذا غرر.

وفي الصحيح عن رفاعة عن الكاظمعليه‌السلام ، قلت له : يصلح لي أن أشتري من القوم الجارية الآبقة فاُعطيهم الثمن وأطلبها أنا؟ فقال : « لا يصلح شراؤها إلّا أن تشتري معها منهم شيئاً ثوباً أو متاعاً فتقول لهم : أشتري منكم جاريتكم فلانة وهذا المتاع بكذا وكذا درهماً ، فإنّ ذلك جائز»(٣) .

____________________

(١) المدوّنة الكبرى ٤ : ١٥٥ ، المنتقى - للباجي - ٥ : ٤١ ، مختصر المزني : ٨٧ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٢٦ ، الوجيز ١ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٠ ، المجموع ٩ : ٢٨٤ ، حلية العلماء ٤ : ٨٢ - ٨٣ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣ ، منهاج الطالبين : ٩٤ ، المغني ٤ : ٢٩٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٧.

(٢) صحيح مسلم ٣ : ١١٥٣ / ١٥١٣ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٣٩ / ٢١٩٥ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٣٢ / ١٢٣٠ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٥٤ / ٣٣٧٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٣٨ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٥١ ، الموطّأ ٢ : ٦٦٤ / ٧٥ ، المصنّف - لابن أبي شيبة - ٦ : ١٣٢ / ٥٥٠ و ٥٥٣ ، مسند أحمد ١ : ٤٩٧ / ٢٧٤٧ ، و ٢ : ٣١٢ / ٦٢٧١ و ٣٣٢ / ٦٤٠١.

(٣) الكافي ٥ : ١٩٤ / ٩ ، التهذيب ٧ : ١٢٤ / ٥٤١.

٤٩

ولأنّه غير مقدور على تسليمه ، فأشبه الطير في الهواء.

وقال بعض علمائنا بالجواز(١) ، وبه قال شريح وابن سيرين(٢) - واشترى ابن عمر من بعض ولده بعيراً شارداً(٣) - لأنّه مملوك ، فصحّ.

فروع :

أ - لو باع الآبقَ على مَنْ هو في يده أو على مَنْ يتمكّن من أخذه ، صحّ ؛ لانتفاء المانع.

ب - لو باع الآبقَ منضمّاً إلى غيره ، صحّ ، فإن لم يظفر به ، لم يكن له رجوع على البائع بشي‌ء ، وكان الثمن في مقابلة الضميمة ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى منه »(٤) .

ج - الضالّ يمكن حمله على الآبق ؛ لثبوت المقتضي ، وهو : تعذّر التسليم. والعدم ؛ لوجود المقتضي لصحّة البيع ، وهو العقد. فعلى الأوّل يفتقر إلى الضميمة ، ولو تعذّر تسليمه ، كان الثمن في مقابلة الضميمة.

وعلى الثاني لا يفتقر ، ويكون في ضمان البائع إلى أن يسلّمه أو يسقط عنه.

ومَنَع الشافعي من بيع الضالّ كالآبق ؛ لتعذّر التسليم(٥) (٦) .

____________________

(١) السيّد المرتضى في الانتصار : ٢٠٩.

(٢) المحلّى ٨ : ٣٩١ ، المغني ٤ : ٢٩٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٧ ، حلية العلماء ٤ : ٨٤ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٢٦.

(٣) المحلّى ٨ : ٣٩١ ، المغني ٤ : ٢٩٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٧.

(٤) الفقيه ٣ : ١٤٢ / ٦٢٢ ، التهذيب ٧ : ١٢٤ / ٥٤٠.

(٥) في « ك » زيادة : حسّاً.

(٦) الوجيز ١ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٢٦ ، المجموع ٩ : ٢٨٤ ، منهاج الطالبين : ٩٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣.

٥٠

مسألة ٢٧ : لا يصحّ بيع السمك في الماء‌ ، وهو قول أكثر العلماء ، كالإماميّة والشافعي وأبي حنيفة ومالك وأحمد والحسن والنخعي وأبي يوسف وأبي ثور(١) ، ولا نعلم لهم مخالفاً.

وإنّما يصحّ بشروط ثلاثة : كونه مملوكاً ، وكون الماء رقيقاً لا يمنع المشاهدة ، وإمكان صيده.

فإن كان في بِرْكَة لا يمكنه الخروج منها وهي صغيرة ، صحّ البيع - وبه قال الشافعي(٢) - لإمكان التسليم فيه.

ولو كانت البِرْكَة كبيرةً واحتيج في أخذه إلى تعبٍ شديد ، فالأقوى صحّة البيع ، وهو أضعف وجهي الشافعي(٣) .

والأظهر عنده : المنع كالآبق(٤) .

والفرق : علم القدرة مع المشقّة هنا.

ولو كان في أجَمَة ، لم يجز بيعه ، عند أكثر العلماء(٥) .

وقال ابن أبي ليلى وعمر بن عبد العزيز فيمن له أجَمَة يحبس السمك فيها : يجوز بيعه ؛ لأنّه يقدر على تسليمه ظاهراً ، فأشبه ما يحتاج إلى مؤونة في كيله ونقله(٦) .

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٠ ، المجموع ٩ : ٢٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦ ، حلية العلماء ٤ : ٨٢ - ٨٣ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤ ، الجامع الصغير - للشيباني - : ٣٢٨ ، المغني ٤ : ٢٩٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٧ - ٢٨ ، الخراج - لأبي يوسف - : ٨٧.

(٢) الحاوي الكبير ٥ : ٣٢٧ ، المجموع ٩ : ٢٨٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦.

(٣ و ٤ ) المجموع ٩ : ٢٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤.

(٥) المغني ٤ : ٢٩٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٧.

(٦) المغني ٤ : ٢٩٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٨.

٥١

وهو خطأ ؛ لأنّه مجهول ، فأشبه بيع اللبن في الضرع.

ولو ضمّه مع القصب ، فأقوى الوجهين لنا : البطلان ، إلّا مع العلم بهما وإمكان التسليم.

وروي لنا : الجواز(١) .

مسألة ٢٨ : لا يصحّ بيع الطير في الهواء ، سواء كان مملوكاً أو غيره‌ إجماعاً ؛ لأنّه في المملوك وغيره غرر وقد نهى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الغرر(٢) ، وفُسِّر بأنّه بيع السمك في الماء والطير في الهواء(٣) .

ولو باع الحمام المملوك وهو طائر ، فإن كان يألف الرجوع ، فالأقوى : الجواز - وهو أضعف وجهي الشافعي(٤) - للقدرة على التسليم ، كالعبد المنفذ في شغلٍ.

والأقوى عنده : المنع - وبه قال أحمد - إذ لا قدرة في الحال ، وليس له وازع يوثق به(٥) .

وينتقض بالغائب ؛ فإنّه غير مقدور عليه في الحال.

وإن كان في البُرْج ، قال الشيخ : إن كان مفتوحاً ، لم يصحّ بيعه ؛ لأنّه إذا قدر على الطيران لم يمكن تسليمه - وبه قال الشافعي وأحمد(٦) - وإن كان مغلقاً ، جاز(٧) إجماعاً.

____________________

(١) كما في المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٥٧ ، والسرائر : ٢٣٣.

(٢) اُنظر : المصادر في الهامش (٢) من ص ٤٨.

(٣) كما في المغني ٤ : ٢٩٤ ، والشرح الكبير ٤ : ٢٧.

(٤ و ٥) الحاوي الكبير ٥ : ٣٢٦ ، المجموع ٩ : ٢٨٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦ ، المغني ٤ : ٢٩٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٧.

(٦) المجموع ٩ : ٢٨٤ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٨ ، المغني ٤ : ٢٩٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٧.

(٧) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٥٧.

٥٢

مسألة ٢٩ : لو باع ماله المغصوب ، فإن كان يقدر على استرداده وتسليمه ، صحّ البيع‌ - كالوديعة - إجماعاً. وإن لم يقدر ، لم يصحّ بيعه ممّن لا يقدر على انتزاعه من يد الغاصب - وبه قال الشافعي(١) - لعدم القدرة على التسليم.

ولو باعه ممّن يقدر على انتزاعه من يده ، فالأقوى عندي : الصحّة - وهو أصحّ وجهي الشافعي(٢) - لأنّ القصد الحصول للمشتري.

والأضعف : البطلان ؛ لعجز البائع(٣) .

وعلى قولنا إن علم المشتري حال البيع ، فلا خيار له. وبه قال الشافعي(٤) .

ولو عرض له عجز ، فكذلك - وهو أحد وجهي الشافعي(٥) - لسقوطه حال البيع ، فلا يتجدّد بعده ؛ لعدم موجبه.

والآخر : الثبوت(٦) .

وإن جهل ، فله الخيار ؛ إذ ليس عليه تحمّل كلفة الانتزاع.

ولو علم بالغصب وعجز البائع فاشتراه كذلك ، فالوجه عندي : الصحّة ، ولا خيار له ، سواء قدر على انتزاعه أو لا.

مسألة ٣٠ : لو باع عضواً من عبد أو شاة ، لم يصحّ ؛ لتعذّر التسليم حسّاً ؛ إذ لا يمكن إلّا بفصله ، وهو يفسد ماليّته أو ينقصها. وكذا لو باع‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٠ ، المجموع ٩ : ٢٨٥ ، الوجيز ١ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤ ، منهاج الطالبين : ٩٤.

(٢) الوسيط ٣ : ٢٤ ، الوجيز ١ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥ ، المجموع ٩ : ٢٨٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤ ، منهاج الطالبين : ٩٤ - ٩٥.

(٣) الوجيز ١ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥ ، المجموع ٩ : ٢٨٥.

(٤ - ٦) المجموع ٩ : ٢٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤.

٥٣

نصفاً معيّناً من سيفٍ أو إناءٍ ؛ لأنّ التسليم لا يمكن إلّا بالقطع والكسر ، وفيه نقص وتضييع للمال ، وهو ممنوع منه. وكذا قال الشافعي(١) .

والوجه : اعتبار المصلحة ، فإن اقتضت فعله بأن يحتاج البائع إلى الثمن ، فيجوز أن ينقص ماليّة نفسه لمصلحته.

ولو باع نصفاً معيّناً من ثوبٍ ينقص قيمته بالقطع ، فالأقوى عندي : الجواز - وهو أضعف وجهي الشافعيّة(٢) - كما لو باع ذراعاً معيّناً من أرض.

وأظهرهما : المنع ؛ لحصول الضرر في التسليم(٣) .

ولو كان لا ينقص بالقطع ، جاز - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٤) - لزوال المانع.

الشرط الخامس : العلم بالعوضين.

مسألة ٣١ : أجمع علماؤنا على أنّ العلم شرط فيهما ليعرف ما الذي ملك بإزاء ما بذل‌ فينتفي الغرر ، فلا يصحّ بيع الغائب ما لم تتقدّم رؤيته مع عدم تغيّره أو وصفه وصفاً يرفع الجهالة - وبه قال الشعبي والنخعي والأوزاعي والحسن البصري وعبيد الله بن الحسن العنبري ومالك وإسحاق والشافعي في أصحّ القولين ، وأحمد في إحدى الروايتين(٥) - لنهيهعليه‌السلام عن‌

____________________

(١) المجموع ٩ : ٣١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥ ، منهاج الطالبين : ٩٥ ، الوجيز ١ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥.

(٤) الوجيز ١ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥ ، منهاج الطالبين : ٩٥.

(٥) المغني ٤ : ٧٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٨ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٩ ، =

٥٤

الغرر(١) .

ولأنّه باع ما لم يره ولم يُوصف فلم يصحّ ، كبيع النوى في التمر.

ولأنّه نوع بيع فلم يصحّ مع الجهل بصفة المبيع ، كالسلم.

وقال أبو حنيفة والشافعي في القول الثاني ، وأحمد في الرواية الثانية بالصحّة ، لقوله تعالى :( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (٢) .

ولأنّه عقد معاوضة ، فلا تفتقر صحّته إلى رؤية المعقود عليه ، كالنكاح(٣) .

والآية ليست للعموم ؛ إذ ليست من صِيَغهِ. سلّمنا ، لكنّه مخصوص بما تقدّم.

والنكاح لا يقصد فيه المعاوضة ، ولا يفسد بفساد العوض ولا بترك ذكره ، ولا يدخله شي‌ء من الخيارات ، وفي اشتراط لزومه مشقّة على المخدّرات وإضرارٌ بهنّ.

فروع :

أ - القائلون بالجواز اختلفوا ، فأثبت أبو حنيفة للمشتري خيار‌

____________________

= المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٠ ، المجموع ٩ : ٢٩٠ و ٣٠١ ، الوجيز ١ : ١٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ٨٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥ ، منهاج الطالبين : ٩٥.

(١) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٤٨ الهامش (٢).

(٢) البقرة : ٢٧٥.

(٣) المحلّى ٨ : ٣٤٢ ، المغني ٤ : ٧٧ - ٧٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٨ ، الوجيز ١ : ١٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ٨٨ ، المجموع ٩ : ٣٠١ ، منهاج الطالبين : ٩٥ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٤ ، بداية المجتهد ٢ : ١٥٥.

٥٥

الرؤية ، وهو رواية عن أحمد(١) . وفي الاُخرى : لا يثبت(٢) ، أمّا البائع فلا يثبت له عند أبي حنيفة خيار(٣) .

ب - من الشافعيّة مَنْ طرّد القولين فيما إذا لم يره البائع ، لأنّه المالك للتصرّف ، واجتناب هذا الغرر يسهل عليه(٤) .

والقولان في البيع والشراء يجريان في إجازة الغائب ، والصلح عليه ، وجَعْله رأسَ مال السَّلَم ، وفي صحّة إصداقه والخلع عليه ، وفي هبة الغائب ورهنه ، وهما أولى عندهم بالصحّة ؛ إذ ليسا من عقود المغابَنات(٥) .

وفي بيع الأعمى وشرائه طريقان ، أحدهما : أنّه على قولين. والثاني : القطع بالمنع(٦) . وقد تقدّم(٧) .

ج - يشترط رؤية ما هو مقصود بالبيع ، كداخل الثوب ، فلو باع ثوباً مطويّاً أو عيناً حاضرة لا يشاهد منها ما يختلف الثمن لأجله ، كان كبيع الغائب يبطل إن لم يوصف وصفاً يرفع الجهالة ، وهو قول المشترطين(٨) .

____________________

(١) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٣٢ ، المغني ٤ : ٧٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٩ ، بداية المجتهد ٢ : ١٥٥ ، حلية العلماء ٤ : ٨٨ ، المجموع ٩ : ٣٠١.

(٢) المغني ٤ : ٧٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٩.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٣٣ ، المغني ٤ : ٨٢ - ٨٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩.

(٤) المجموع ٩ : ٢٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢ ، المجموع ٩ : ٢٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧١ ، المجموع ٩ : ٣٠٢ - ٣٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥ ، حلية العلماء ٤ : ٩٧.

(٧) تقدّم في ص ٢٤ ، المسألة ٧.

(٨) المغني ٤ : ٨٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩.

٥٦

ولو كان ممّا يستدلّ برؤية بعضه على الباقي ، كظاهر صُبْرة الحنطة والشعير ، صحّ البيع ؛ لأنّ الغالب عدم تفاوت أجزائها.

ثمّ إن خالف الظاهرُ الباطنَ ، فله الخيار ، وهو قول الشافعي(١) تفريعاً على اشتراط الرؤية.

وعنه قول آخر : إنّه لا تكفي رؤية ظاهر الصُّبْرة ، بل يجب تقليبها ليعلم حال باطنها(٢) .

وكذا صُبْرة الجوز واللوز والدقيق والمانعات في الظروف.

ولا تكفي رؤية ظاهر صُبْرة البطّيخ والرمّان وأعلى سلّة العنب والخوخ ؛ للتفاوت غالباً.

د (٣) - لو أراه أنموذجا وقال : بعتك من هذا النوع كذا ، فهو باطل ، إذ لم يعيّن مالا ولا وصف ، ولا يقوم ذلك مقام الوصف في السّلم ، وهو أصحّ وجهي الشافعي(٤) .

ه- لو أراه أنموذجاً وبنى أمر البيع عليه ، نُظر‌ إن قال : بعتك من هذا النوع كذا ، فهو باطل؛ لأنّه لم يعيّن مالاً و [ لا ](٥) راعى شروط السَّلم ، ولا يقوم ذلك مقام الوصف في السَّلم - وهو أصحّ وجهي الشافعي(٦) - لأنّ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٦ ، المجموع ٩ : ٢٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧ - ٣٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٦ ، حلية العلماء ٤ : ٩٩ ، المجموع ٩ : ٢٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨.

(٣) لاحظ فرعي « د » و « ه » فإنّ الظاهر إنّهما متّحدان.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٧ ، المجموع ٩ : ٢٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨.

(٥) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : « لو ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٦) اُنظر المصادر في الهامش (٤).

٥٧

اللفظ والوصف يمكن الرجوع إليه عند الإشكال.

ولو قال : بعتك الحنطة التي في هذا البيت وهذا الاُنموذج منها ، فإن لم يدخل الاُنموذج في البيع ، لم يصحّ - وهو أصحّ وجهي الشافعي(١) - لأنّ المبيع غير مرئيّ ، ولا يمكن الرجوع إليه عند الإشكال ، بخلاف استقصاء الأوصاف.

والثاني : الصحّة ؛ تنزيلاً له منزلة استقصاء الوصف(٢) .

وإن أدخله ، صحّ على أصحّ وجهي الشافعي ، كما لو رأى بعض الصُّبْرة(٣) .

وعندي في الفرق إشكال.

و - لو كان البعض المرئي لا يدلّ على الباقي‌ لكن كان صُواناً(٤) له خلقةً ، كقشر الرمّان والعَفْص ، كفَتْ رؤيته وإن كان المقصود مستوراً ؛ لأنّ صلاحه في بقائه فيه.

وكذا الجوز واللوز في قشرهما الأعلى - وهو قول الشافعي(٥) - ويباع بشرط الصحّة ، فإن ظهر معيباً بعد كسره ، فإن كان له حينئذٍ قيمة ، فللمشتري الأرش خاصّة ، وإلّا فله الثمن أجمع.

وهل يصحّ بيع اللبّ وحده؟ الأقرب عندي : جوازه ؛ للأصل السالم عن معارضة الغرر ؛ لأنّا إنّما نُجوّزه على تقدير ظهور الصحّة.

____________________

(١ - ٣ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٧ ، المجموع ٩ : ٢٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨.

(٤) الصوان - بالضمّ والكسر - الوعاء الذي يُصان فيه الشيء لسان العرب ١٣ : ٢٥٠ « صون »

(٥) الوجيز ١ : ١٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٧ ، المجموع ٩ : ٢٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨ - ٣٩ ، منهاج الطالبين : ٩٥.

٥٨

وقال الشافعي : لا يجوز ؛ إذ لم يمكن تسليمه إلّا بكسر القشر ، وفيه تغيير عين المبيع(١) . وليس بجيّد.

ز - لا تكفي رؤية المبيع من وراء زجاجة مع قصور الرؤية ؛ إذ لا يتعلّق صلاحه بكونه فيها. ويجوز بيع الأرض المغشيّة بالماء إذا لم يمنع مشاهدتها.

مسألة ٣٢ : يشترط رؤية البائع والمشتري جميعاً أو وصفه لهما أو لأحدهما ورؤية الآخر‌ ، فلو لم يرياه أو أحدهما ولا وصف له ، بطل.

والقائلون بصحّة البيع مع عدم الرؤية والوصف اختلفوا.

فذهب الشافعي إلى ثبوت الخيار للبائع ؛ لأنّه جاهل بصفة العقد ، فأشبه المشتري ، وبه قال أحمد(٢) .

وقال أبو حنيفة : لا خيار له ؛ لأنّا لو جعلنا له الخيار لثبت لتوهّم الزيادة ، والزيادة في المبيع لا تُثبت الخيار(٣) .

فروع :

أ - كلّ موضع يثبت الخيار‌ إمّا مع الوصف عندنا أو مطلقاً عند المجوّزين فإنّما يثبت عند رؤية المبيع على الفور ؛ لأنّه خيار الرؤية ، فيثبت عندها ، وبه قال أحمد(٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٧ ، المجموع ٩ : ٢٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩.

(٢) حلية العلماء ٤ : ٨٨ ، المغني ٤ : ٨٢ - ٨٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٣٣ ، حلية العلماء ٤ : ٨٩ ، المغني ٤ : ٨٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩.

(٤) المغني ٤ : ٨٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٩.

٥٩

وله آخر : أنّه يتقيّد بالمجلس الذي وُجدت الرؤية فيه ؛ لأنّه خيار ثبت بمقتضى العقد من غير شرط ، فيقيّد بالمجلس ، كخيار المجلس(١) .

والوجهان للشافعيّة ، وأصحّهما عندهم : الثاني(٢) .

ب - لو اختار الفسخ قبل الرؤية مع الوصف عندنا ، لم يكن له ذلك ؛ إذ الفسخ منوط بالمخالفة بين الموجود والموصوف.

ومَنْ جوّز بيعه من غير وصف قال أحمد منهم : انفسخ ؛ لأنّ العقد غير لازم في حقّه ، فملك الفسخ ، كحالة الرؤية. وهو أصحّ وجهي الشافعي. وفي الآخر : لا ينفسخ(٣) .

ج - إذا اختار إمضاء العقد قبل الرؤية ، لم يلزم ؛ لتعلّق الخيار بالرؤية ، وبه قال أحمد والشافعي في أظهر الوجهين(٤) .

د - لو تبايعا بشرط عدم الخيار للمشتري ، لم يصحّ الشرط ، وبه قال أحمد والشافعي في أظهر الوجهين(٥) .

وهل يفسد البيع؟ الأقوى عندي : ذلك ، وسيأتي.

مسألة ٣٣ : يشترط في بيع خيار الرؤية وصف المبيع‌ وصفاً يكفي‌

____________________

(١) المغني ٤ : ٨١ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٩.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧١ ، المجموع ٩ : ٢٩٤ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢.

(٣) المغني ٤ : ٨١ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٩ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٢.

(٤) المغني ٤ : ٨١ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٩ ، وانظر : المجموع ٩ : ٢٩٣.

(٥) المغني ٤ : ٨١ - ٨٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩ ، ولم نعثر على قول الشافعي فيما بين أيدينا من المصادر.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

مسألة ١٤ : إذا صارت الوديعة مضمونةً على المستودع‌ إمّا بنقل الوديعة أو إخراجها من الحرز أو باستعمالها كركوب الدابّة ولُبْس الثوب أو بغيرها من أسباب الضمان ثمّ إنّه ترك الخيانة وردّ الوديعة إلى مكانها وخلع الثوب ، لم يبرأ بذلك عند علمائنا أجمع ، ولم يزل عنه الضمان ، ولم تَعُدْ أمانته - وبه قال الشافعي(١) - لأنّه ضمن الوديعة بعدوان ، فوجب أن يبطل الاستئمان ، كما لو جحد الوديعة ثمّ أقرّ بها.

وقال أبو حنيفة : يزول عنه الضمان ؛ لأنّه إذا ردّها فهو ماسك لها بأمر صاحبها ، فلم يكن عليه ضمانها ، كما لو لم يخرجها(٢) .

والفرق ظاهر ؛ فإنّه إذا لم يخرجها لم يضمنها بعدوان ، بخلاف صورة النزاع.

ثمّ يُنقض على أبي حنيفة بما سلّمه من أنّه إذا جحد الوديعة وضمنها بالجحود ثمّ أقرّ بها ، فإنّه لا يبرأ ، وبالقياس على السارق ، فإنّه لو ردّ المسروق إلى موضعه ، لم يبرأ(٣) ، فكذا هنا.

فروع :

أ - لو ردّ الوديعة - بعد أن تعلّق ضمانها به إمّا بالإخراج من الحرز أو بالتصرّف أو بغيرهما من الأسباب‌ - إلى المالك وأعادها عليه ثمّ إنّ المالك‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٨ : ٣٦٣ ، التهذيب - للبغوي - ٥ : ١٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٥ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٨ ، المغني ٧ : ٢٩٦ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٠٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١٦.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١٦ ، الحاوي الكبير ٨ : ٣٦٣ ، التهذيب - للبغوي - ٥ : ١٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٥ ، المغني ٧ : ٢٩٦ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٠٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٥.

١٦١

أودعه إيّاها ثانياً ، فإنّه يعود أميناً إجماعاً ، ويبرأ من الضمان.

ب - لو لم يسلّمها إلى المالك ولكن أحدث المالك له استئماناً‌ ، فقال : أذنتُ لك في حفظها ، أو أودعتُكها ، أو استأمنتُك ، أو أبرأتُك عن الضمان ، فالأقرب : سقوط الضمان عنه ، وعوده أميناً ؛ لأنّ التضمين لحقّ المالك ، وقد رضي بسقوطه ، وهو أصحّ قولَي الشافعيّة.

والثاني : إنّه لا يزول الضمان ولا يعود أميناً - وهو قول ابن سريج - لظاهر قولهعليه‌السلام : « على اليد ما أخذت حتى تؤدّي »(١) (٢) .

وكذا الخلاف فيما لو حفر بئراً في ملك غيره عدواناً ثمّ أبرأه المالك عن ضمان الحفر(٣) .

ج - لو قال المالك : أودعتُك كذا - ابتداءً - فإن خُنتَ ثمّ تركتَ الخيانة عُدْتَ أميناً لي‌ ، فخان وضمن ثمّ ترك الخيانة ، لم تزل الخيانة ، ولم يَعُدْ أميناً - وبه قال الشافعي(٤) - لأنّه لا ضمان حينئذٍ حتى يسقط ، وهناك الضمان ثابت فيصحّ إسقاطه ، ولأنّ الاستئمان الثاني معلّق.

د : لو قال : خُذْ هذا وديعةً يوماً وغير وديعةٍ يوماً ، فهو وديعة أبداً. ولو قال : خُذْه وديعةً يوماً وعاريةً يوماً ، فهو وديعة في اليوم الأوّل ، وعارية في اليوم الثاني.

وهل يعود وديعةً؟ مَنَع الشافعيّة منه ، وقالوا : لا يعود وديعةً أبداً(٥) .

____________________

(١) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٩٦ / ٣٥٦١ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٦٦ / ١٢٦٦ ، مسند أحمد ٥ : ٦٣٨ / ١٩٦٢٠ ، المعجم الكبير - للطبراني - ٧ : ٢٥٢ / ٦٨٦٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٥ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٨.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٥ - ٣٠٦ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٨.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٦ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٨.

١٦٢

مسألة ١٥ : إذا مزج المستودع الوديعة بماله مزجاً لا يتميّز أحدهما عن صاحبه‌ ، كدراهم مزجها بمثلها ، أو دنانير مزجها بمثلها بحيث لا مائز بين الوديعة وبين مال المستودع ، أو مزج الحنطة بمثلها ، كان ضامناً ، سواء كان المخلوط بها دونها أو مثلها أو أزيد منها - وبه قال الشافعي(١) - لأنّه قد تصرّف في الوديعة تصرّفاً غير مشروعٍ ، وعيّبها بالمزج ، فإنّ الشركة عيب ، فكان عليه الضمان ، ولأنّه خلطها بماله خلطاً لا يتميّزا ، فوجب أن يضمنها ، كما لو خلطها بدونه.

وقال مالك : إن خلطها بمثلها أو الأجود منها لم يضمن ، وإن خلطها بدونها ضمن ؛ لأنّه لا يمكنه ردّها إلّا ناقصةً(٢) .

وهو آتٍ في المساوي والأزيد ؛ فإنّ الشركة عيب ، والوقوف على عين الوديعة غير ممكنٍ ، فاشتمل ذلك على المعاوضة ، وإنّما تصحّ برضا المالك.

ولو مزجها بمال مالكها بأن كان له عنده كيسان وديعةً ، فمزج أحدهما بالآخَر بحيث لا يتميّز ، ضمن أيضاً ؛ لأنّه تصرّف تصرّفاً غير مشروعٍ في الوديعة ، وربما ميّز بينهما لغرضٍ دعا إليه ، فالخلط خيانة.

وكذا لو أودعه كيساً وكان في يده له كيسٌ آخَر أمانة مجرّدة بأن وقع عليه اتّفاقاً فمزج أحدهما بالآخَر ، كان ضامناً أيضاً.

وكذا لو كان الكيس الآخَر في يده على سبيل الغصب من مالك‌

____________________

(١) البيان ٦ : ٤٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٦ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٨ ، المغني ٧ : ٢٨١ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٠٦ - ٣٠٧.

(٢) البيان ٦ : ٤٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٦ ، المغني ٧ : ٢٨١ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٠٧.

١٦٣

الوديعة ، وبالجملة على أيّ وجهٍ كان.

مسألة ١٦ : لو أودعه عشرة دراهم - مثلاً - في كيسٍ‌ ، فإن كان مشدوداً مختوماً فكسر الختم وحلّ الشدّ أو فَعَل واحداً منهما ، ضمن ؛ لأنّه هتك الحرز على ما تقدّم.

وإن لم يكن الكيس مشدوداً ولا مختوماً فأخرج منه درهماً لنفقته ، ضمنه خاصّةً ؛ لأنّه لم يتعدّ في غيره ، فإن ردّه لم يزل عنه الضمان ، فإن لم يختلط بالباقي لم يضمن الباقي ؛ لأنّه لم يتصرّف فيه.

وكذا إن اختلط وكان متميّزاً لم يلتبس بغيره.

وإن امتزج بالباقي مزجاً ارتفع معه الامتياز ، فالوجه : إنّه كذلك لا يضمن الباقي ، بل الدرهم خاصّةً ؛ لأنّ هذا الاختلاط كان حاصلاً قبل الأخذ ، وهو أصحّ قولَي الشافعيّة ، والثاني : إنّ عليه ضمان الباقي ؛ لخلطه المضمون بغير المضمون(١) .

فعلى ما اخترناه لو تلفت العشرة لم يلزمه إلّا درهم واحد ، ولو تلفت منها خمسة لم يلزمه إلّا نصف درهمٍ.

ولو أنفق الدرهم الذي أخذه ثمّ ردّ مثله إلى موضعه ، لم يبرأ من الضمان ، ولا يملكه صاحب الوديعة إلّا بالقبض والدفع إليه.

ثمّ إن كان المردود لا يتميّز عن الباقي ، صار الكلّ مضموناً عليه ؛ لخلطه الوديعةَ بمال نفسه ، وإن كان يتميّز فالباقي غير مضمونٍ عليه.

مسألة ١٧ : لو أتلف بعضَ الوديعة ، فإن كان ذلك البعض منفصلاً عن الباقي‌ - كالثوبين إذا أتلف أحدهما - لم يضمن إلّا الـمُتْلَف ؛ لأنّ العدوان‌

____________________

(١) البيان ٦ : ٤٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٦ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٨.

١٦٤

إنّما وقع فيه ، فلا يتعدّى الضمان إلى غيره وإن كان الإيداع واحداً.

وإن كان متّصلاً ، كالثوب الواحد يخرقه ، أو يقطع طرف العبد أو البهيمة ، فإن كان عامداً في الإتلاف فهو جانٍ على الجميع ، فيضمن الكلّ.

وإن كان مخطئاً ، ضمن ما أتلفه خاصّةً ، ولم يضمن الباقي - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(١) - لأنّه لم يتعدّ في الوديعة ، ولا خان فيها ، وإنّما ضمن الـمُتْلَف ؛ لفواته وصدور الهلاك منه فيه مخطئاً.

وفي الثاني لهم : إنّه يضمنه أيضاً ، ويستوي العمد والخطأ فيه ، كما استويا في القدر التالف(٢) .

البحث الثاني : في الإيداع.

مسألة ١٨ : إذا أودع المستودعُ الوديعةَ غيرَه ، فإن كان بإذن المالك فلا ضمان عليه إجماعاً ؛ لانتفاء العدوان.

وإن لم يكن بإذن المالك ، فلا يخلو إمّا أن يودع من غير عذرٍ أو لعذرٍ ، فإن أودع من غير عذرٍ ضمن إجماعاً ؛ لأنّ المالك لم يرض بيد غيره وأمانته.

ولا فرق بين أن يكون ذلك الغير عبدَه أو جاريتَه(٣) أو زوجتَه أو ولدَه أو أجنبيّاً عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي(٤) - وذلك لعموم الدليل‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٦ - ٣٠٧ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٧ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٩.

(٣) « أو جاريته » لم ترد في النسخ الخطّيّة المعتمدة لدينا.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٨ ، الوجيز ١ : ٢٨٤ ، الوسيط ٤ : ٥٠٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٧٣ و ١٧٦ ، التهذيب - للبغوي - ٥ : ١١٧ ، البيان ٦ : ٤٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٨٩ ، المغني ٧ : ٢٨٢ و ٢٨٣ ، الشرح =

١٦٥

في الجميع.

وقال مالك : إنّ له أن يودع زوجته(١) .

وقال أبو العباس ابن سريج من الشافعيّة : إذا استعان بزوجته أو خادمه في خباء الوديعة ولم تغب عن نظره جاز ، ولا ضمان عليه(٢) .

وقال أبو حنيفة وأحمد : له أن يودع مَنْ عليه نفقته من ولدٍ ووالدٍ وزوجةٍ وعبدٍ ، ولا ضمان عليه بكلّ حال ؛ لأنّه حفظ الوديعة بمن يحفظ به ماله ، فلم يلزمه الضمان ، كما لو حفظها بنفسه(٣) .

وهو غلط ؛ لأنّه سلّم الوديعةَ إلى مَنْ لم يرض به صاحبها مع قدرته على صاحبها ، فضمنها ، كما لو سلّمها إلى الأجنبيّ.

والقياس عليه باطل ؛ لأنّه إذا حفظ ماله بخادمه أو زوجته فقد رضي المالك بذلك ، بخلاف صورة النزاع.

مسألة ١٩ : إذا أودع من غير إذن المالك ولا عذر ، ضمن‌ ، وكان لصاحبها أن يرجع على مَنْ شاء منهما إذا تلفت ، فإن رجع على المستودع‌

____________________

= الكبير ٧ : ٢٩٩ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ١٩ ، روضة القُضاة ٢ : ٦١٨ / ٣٥٦٠٤.

(١) بداية المجتهد ٢ : ٣١٢ ، الذخيرة ٩ : ١٦٢ ، البيان ٦ : ٤٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٢ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ١٩.

(٢) البيان ٦ : ٤٣٥ - ٤٣٦ ، حلية العلماء ٥ : ١٧٦.

(٣) تحفة الفقهاء ٣ : ١٧١ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٠٧ - ٢٠٨ ، روضة القُضاة ٢ : ٦١٨ / ٣٥٦٠٣ ، المبسوط - للسرخسي - ١١ : ١٠٩ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١٨ ، الفقه النافع ٣ : ٩٣٩ / ٦٦١ ، المحيط البرهاني ٥ : ٥٢٨ ، المغني ٧ : ٢٨٣ ، الشرح الكبير ٧ : ٢٩٩ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٢٥ / ١٠٦٨ ، بداية المجتهد ٢ : ٣١٢ ، الذخيرة ٩ : ١٦٢ ، حلية العلماء ٥ : ١٧٦ ، التهذيب - للبغوي - ٥ : ١١٧ ، البيان ٦ : ٤٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٢ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ١٩.

١٦٦

الأوّل فلا رجوع له على الثاني ، وإن رجع على المستودع الثاني كان للمستودع الثاني أن يرجع على المستودع الأوّل ؛ لأنّه دخل معه على أن لا يضمن ، وبه قال الشافعي(١) .

وقال أبو حنيفة : ليس للمالك أن يضمن الثاني ؛ لأنّ قبض الثاني تعلّق به الضمان على الأوّل ، فلا يتعلّق به ضمان على الآخَر(٢) .

وهو ممنوع ؛ لأنّه قبض مال غيره ، ولم يكن له قبضه ، فإذا كان من أهل الضمان في حقّه ضمنه ، كما استودعه إيّاه الغاصب.

ودليله ضعيف ؛ لأنّ المستودع الأوّل ضمن بالتسليم ، والثاني بالتسلّم.

مسألة ٢٠ : ولا فرق عندنا بين أن يودع المستودع الوديعةَ عند القاضي أو عند غيره.

وللشافعيّة وجهان - حكاهما [ أبو ](٣) حامد فيما إذا وجد المالك وقدر على الردّ عليه ، وفيما إذا لم يجد - أحدهما : إنّه لا يضمن.

أمّا إذا كان المالك حاضراً : فلأنّ أمانة القاضي أظهر من أمانة المستودع ، فكأنّه جعل الوديعة في مكانٍ أحرز.

وأمّا إذا كان غائباً : فلأنّه لو كان حاضراً لألزمه المودع الردّ ، فإذا كان غائباً ناب عنه القاضي.

والأظهر عند أكثر الشافعيّة : إنّه يضمن.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٧٣ ، البيان ٦ : ٤٣٦ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٢١ ، المغني ٧ : ٢٨٢ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٠١.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ١٧١ - ١٧٢ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٠٨ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١٨ ، المغني ٧ : ٢٨٢ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٠١ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٢١.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ابن ». والصحيح ما أثبتناه.

١٦٧

أمّا إذا كان المالك حاضراً : فلأنّه لا ولاية للقاضي على الحاضر الرشيد ، فأشبه سائر الناس.

وأمّا إذا كان غائباً : فلأنّه لا ضرورة بالمودع إلى إخراجها من يده ، ولم يرض المالك بيد غيره ، فليحفظه إلى أن يجد المالك أو يتجدّد له عذر(١) .

وعلى تقدير تجويز الدفع إلى القاضي هل يجب على القاضي القبول إذا عرضها المستودع عليه؟

أمّا إذا كان المالك حاضراً والتسليم إليه متيسّراً ، فلا وجه لوجوبه عليه.

وأمّا إذا لم يكن كذلك ، ففي إيجاب القبول للشافعيّة وجهان :

أحدهما : المنع ؛ لأنّه التزم حفظه ، فيؤمر بالوفاء به.

وأظهرهما : الإيجاب ؛ لأنّه نائب عن الغائب ، ولو كان المالك حاضراً لألزم القبول(٢) .

ولو دفع الغاصبُ الغصبَ إلى القاضي ، ففي وجوب القبول عليه الوجهان(٣) .

لكن هذه الصورة أولى بعدم الوجوب ، ليبقى مضموناً للمالك.

والمديون إذا حمل الدَّيْن إلى القاضي ، فكلّ موضعٍ لا يجب على ربّ الدَّيْن القبول لو كان حاضراً ففي القاضي أولى ، وكلّ موضعٍ يجب على المالك قبوله ففي القاضي الوجهان(٤) .

وهذه الصورة أولى بعدم الوجوب - وهو الأظهر عندهم(٥) - لأنّ الدَّيْن‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٢ - ٢٩٣ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٨٩ - ٢٩٠.

(٢ - ٥) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٣ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٠.

١٦٨

ثابت في الذمّة لا يتعرّض للتلف ، وإذا تعيّن تعرّض له ، ولأنّ مَنْ في يده العين يثقل عليه حفظها.

وجميع ما ذكرناه فيما إذا استحفظ الغير وأزال يده ونظره على الوديعة ، أمّا إذا استعان به في حملها إلى الحرز فلا بأس ، كما لو استعان في سقي البهيمة وعلفها.

فروع :

أ - لو كانت له خزانة مشتركة بينه وبين أبيه فدفع الوديعة إلى أبيه ليضعها في الخزانة المشتركة ، فالأقرب : الضمان ، إلّا إذا علم المالك بالحال.

ب - لا يجوز أن يضع الوديعة في مكانٍ مشترك بينه وبين غيره‌ ، كدكّانٍ مشترك ودارٍ مشتركة ، فلو وضعها فيه ثمّ أراد الخروج لحاجاته فاستحفظ مَنْ يثق به من متّصليه وكان يلاحظ المحرز في عوداته ، فلا بأس ؛ لأنّه في الحقيقة إيداع مع الحاجة.

ولو فوّض الحفظ إلى بعضهم ولم يلاحظ الوديعة أصلاً ، فالأقرب : الضمان.

ج - لو كان المحرز خارجاً عن داره التي يأوي إليها وكان لا يلاحظه‌ ، فإن كان يشاركه غيره ضمن ، وإلّا فلا.

مسألة ٢١ : لو جعل الوديعة في دار جاره ، فإن كان الموضع محرزاً لا يدخله المالك وكان عاريةً أو مأذوناً فيه فلا ضمان‌ ، وإن لم يكن كذلك ضمن ؛ لأنّه فرّط حيث وضع الوديعة في غير حرزٍ أو في حرزٍ ممنوع منه شرعاً.

ولما رواه محمّد بن الحسن الصفّار قال : كتبت إلى أبي محمّد‌

١٦٩

العسكريعليه‌السلام : رجل دفع إلى رجلٍ وديعةً فوضعها في منزل جاره فضاعت هل تجب عليه إذا خالف أمره وأخرجها من ملكه؟ فوقّععليه‌السلام : « هو ضامن لها إن شاء الله »(١) .

مسألة ٢٢ : إذا أراد المستودع ردَّ الوديعة على صاحبها ، كان له ردّها عليه أو على وكيله في قبضها‌ ؛ لأنّ المستودع لا يلزمه إمساكها.

فإن دفعها إلى الحاكم أو إلى ثقةٍ مع وجود صاحبها أو وكيله ، ضمنها على ما قدّمناه ؛ لأنّ الحاكم والأمين لا ولاية له على الحاضر الرشيد.

وإن لم يقدر على صاحبها ولا وكيله فدفعها إلى الحاكم أو أمينٍ ، فإن كان لغير عذرٍ ضمن ؛ لأنّه لا حاجة به إلى ذلك ، ولا ينوب الحاكم في غير حال الحاجة.

وإن كان به حاجة إلى الإيداع - كأن يخاف حريقاً أو نهباً أو غير ذلك - فدفعها إلى الحاكم أو إلى ثقةٍ ليخلصها من ذلك جاز ، وإن تلفت لا ضمان عليه ؛ لأنّه موضع حاجةٍ ، وقد تقدّم.

مسألة ٢٣ : لو عزم المستودع على السفر ، كان له ذلك‌ ، ولم يلزمه المقام لحفظ الوديعة ؛ لأنّه متبرّع بإمساكها ، ويلزمه ردّها إلى صاحبها أو وكيله في استردادها أو في عامّة أشغاله ، فإن لم يظفر بالمالك ؛ لغيبته ، أو تواريه ، أو حبسه وتعذّر الوصول إليه ، ولا ظفر بوكيله ، فإنّه يدفعها إلى الحاكم ، ويجب عليه قبولها ؛ لأنّه موضوع للمصالح ، فإن لم يجد دَفَعها إلى أمينٍ ، ولا يُكلّف تأخير السفر ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كانت عنده ودائع ، فلـمّا أراد الهجرة سلّمها إلى أُمّ أيمن ، وأمر عليّاًعليه‌السلام بردّها(٢) .

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٨٠ / ٧٩١.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ١٤٢ ، الهامش (٣)

١٧٠

فإن ترك هذا الترتيب فدفعها إلى الحاكم أو إلى الأمين مع إمكان الدفع إلى المالك أو وكيله ، ضمن.

وللشافعيّة خلاف في الحاكم(١) سبق(٢) .

وإن دفع إلى أمينٍ وهو يجد الحاكم ، فللشافعي قولان :

أحدهما - وبه قال علماؤنا ، وأحمد بن حنبل وابن خيران من الشافعيّة والاصطخري منهم - : إنّه يضمنه ؛ لأنّ أمانة الحاكم ظاهرة متّفق عليها ، فلا يُعدل عنها ، كما لا يُعدل عن النصّ إلى الاجتهاد ، ولأنّ الحاكم نائب الغائبين ، فكان كالوكيل ، ولأنّ له ولايةً ، فهو يمسكها بالولاية والعدالة ، بخلاف غيره ، فإنّه ليس له الولاية.

والثاني : إنّه لا يضمن - وبه قال مالك - لأنّه أودع بالعذر أميناً ، فأشبه الحاكم ، ولأنّ مَنْ جاز له دفعها إليه مع عدم الحاكم جاز دفعها إليه مع وجوده ، كوكيل صاحبها(٣) .

وقد نقل أصحاب الشافعي عنه اضطراباً في القول ، فقالوا : هذان القولان للشافعي.

قال في باب الرهن فيما إذا أراد العَدْل ردّ الرهن أو الوديعة - يعني إلى عَدْلٍ - بغير أمر الحاكم : ضمن.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٤ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٠.

(٢) في ص ١٦٦ ، المسألة ٢٠.

(٣) الحاوي الكبير ٨ : ٣٥٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٧٣ ، التهذيب - للبغوي - ٥ : ١١٨ ، البيان ٦ : ٤٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٤ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٠ ، المغني ٧ : ٢٨٣ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٠٤ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٢٥ / ١٠٦٩ ، بداية المجتهد ٢ : ٣١٢ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ١٩ - ٢٠.

١٧١

وقال هنا في ردّ الوديعة : ولو لم يكن حاضراً - يعني ربّ الوديعة - فأودعها أميناً يودعه ماله، لم يضمن. فلم يفرّق بين أن يجد الحاكم أو لا يجد(١) .

ونقل عنه طريقة قاطعة بأنّه يضمن(٢) .

ونقل عنه أيضاً طريقة قاطعة أنّه لا يضمن(٣) .

وحكى بعض الشافعيّة وجهاً : إنّه يشترط أن يكون الأمين الذي يودعه بحيث يأتمنه ويودع ماله عنده(٤) .

لكنّ الظاهر عندهم خلافه ، وقول الشافعي : « يودعه ماله » على سبيل التأكيد والإيضاح(٥) .

مسألة ٢٤ : ولا يجوز للمستودع إذا عزم على السفر أن يسافر بالوديعة‌ ، بل يجب عليه دفعها إلى صاحبها أو وكيله الخاصّ في الاسترداد أو العامّ في الجميع ، فإن لم يوجد أحدهما دفعها إلى الحاكم ، فإن تعذّر الحاكم دفعها إلى أمينٍ ، ولا يسافر بها ، فإن سافر بها مع القدرة على صاحبها أو وكيله أو الحاكم أو الأمين ، ضمن عند علمائنا أجمع ، سواء كان السفر مخوفاً أو غير مخوفٍ - وبه قال الشافعي(٦) - لأنّه سافر بالوديعة من غير ضرورةٍ بغير إذن مالكها فضمن ، كما لو كان الطريق مخوفاً ، ولأنّ حرز‌

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٤ - ٢٩٥.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٥.

(٦) الحاوي الكبير ٨ : ٣٥٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٨ ، الوسيط ٤ : ٥٠١ ، حلية العلماء ٥ : ١٧١ ، التهذيب - للبغوي - ٥ : ١١٨ ، البيان ٦ : ٤٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٥ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩١ ، المغني ٧ : ٢٨٤ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٠٢ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٢٠.

١٧٢

السفر دون حرز الحضر ، وفي الحديث : « إنّ المسافر ومتاعه لعلى قَلَتٍ(١) إلّا ما وقى الله »(٢) .

وقال أبو حنيفة : إذا كان السفر آمناً ، لم يضمن ؛ لأنّه نقل الوديعة إلى موضعٍ مأمون فلم يضمن ، كما لو نقلها في البلد من موضعٍ إلى موضعٍ(٣) .

وهو وجهٌ للشافعيّة ، وكذا إذا كان السفر في البحر إذا كان الغالب فيه السلامة(٤) .

والفرق ظاهر ؛ فإنّ البلد يؤمن أن يطرأ عليه الخوف ، والسفر لا يؤمن فيه مثل ذلك ، ولأنّ البلد في حكم المنزل الواحد وقد رضي مالك الوديعة به ، بخلاف السفر.

مسألة ٢٥ : لو اضطرّ المستودع إلى السفر بالوديعة بأن يضطرّ إلى السفر وليس في البلد حاكم‌ ولا ثقة ولم يجد المالك ولا وكيله ، أو اتّفق جلاءٌ لأهل البلد ، أو وقع حريق أو غارة ونهب ولم يجد المالك ولا وكيله ولا الحاكم ولا العَدْل ، سافر بها ، ولا ضمان عليه إجماعاً ؛ لأنّ حفظها حينئذٍ في السفر بها ، والحفظ واجب ، وإذا لم يتمّ إلّا بالسفر بها كان السفر بها واجباً ، ولا نعلم فيه خلافاً.

____________________

(١) القلت : الهلاك. راجع الهامش التالي.

(٢) غريب الحديث - لابن قتيبة - ٢ : ٥٦٤.

(٣) المبسوط - للسرخسي - ١١ : ١٢٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١٧ ، المحيط البرهاني ٥ : ٥٣١ ، الحاوي الكبير ٨ : ٣٥٧ ، الوسيط ٤ : ٥٠٢ ، حلية العلماء ٥ : ١٧١ ، البيان ٦ : ٤٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٥ - ٢٩٦ ، المغني ٧ : ٢٨٤ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٠٢ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٢٠.

(٤) حلية العلماء ٥ : ١٧١ ، البيان ٦ : ٤٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٥ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩ (١)

١٧٣

أمّا لو عزم على السفر من غير ضرورةٍ في وقت السلامة وأمن البلد وعجز عن المالك ووكيله وعن الحاكم والأمين فسافر بها ، فالأقرب : الضمان ؛ لأنّه التزم الحفظ في الحضر ، فليؤخّر السفر ، أو ليلتزم خطر الضمان ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : إنّه لا ضمان عليه ، وإلّا لزم أن ينقطع عن السفر ، وتتعطّل مصالحه ، وفيه تنفير عن قبول الودائع(١) .

وشرطوا لجواز السفر بها أمن الطريق ، وإلّا فيضمن(٢) .

أمّا عند وقوع الحريق ونحوه فإنّا نقول : إذا كان احتمال الهلاك في الحضر أقرب منه في السفر ، فله أن يسافر بها ، ولو كان الطريق آمناً فحدث خوفٌ أقام.

ولو هجم القطّاع فألقى المال في مضيعة إخفاءً له فضاع ، فعليه الضمان.

مسألة ٢٦ : لو عزم المستودع على السفر فدفن الوديعة ثمّ سافر ، ضمنها إن كان قد دفن في غير حرزٍ.

وإن دفنها في منزله في حرزٍ ولم يُعلمْ بها أحداً ، ضمنها أيضاً ؛ لأنّه غرّر بها ، لأنّه ربما هلك في سفره فلا يصل صاحبها إليها ، ولأنّه ربما يخرب المكان أو يغرق فلا يعلم أحد بمكانها لينقلها فتتلف.

وإن أعلم بها غيره ، فإن كان غير أمينٍ ضمن ؛ لأنّه قد زادها تضييعاً ، لأنّه قد يخون فيها ويطمع.

وإن كان أميناً فإن لم يكن ساكناً في الموضع ، ضمنها ؛ لأنّه لم يودعها‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٦ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٢.

١٧٤

عنده.

وإن كان ساكناً في الموضع ، فإن كان ذلك مع عدم صاحبها والحاكم جاز ؛ لأنّ الموضع وما فيه في يد الأمين ، فالإعلام كالإيداع ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة ، والثاني : إنّه يضمن ؛ لأنّه إعلام لا إيداع(١) .

وإن كان مع القدرة على صاحبها أو وكيله ضمن.

وإن كان مع القدرة على الحاكم ، فعلى الوجهين السابقين.

ولو جعلها في بيت المال ، ضمن ، قاله الشافعي في الأُمّ(٢) .

واختلف أصحابه في معناه.

فمنهم مَنْ قال : أراد بذلك إذا تركها في بيت المال مع القدرة على صاحبها.

ومنهم مَنْ قال : أراد إذا جعلها في بيت المال بنفسه ولم يسلّمها إلى الحاكم(٣) .

ولو خاف المعاجلة عليها فدفنها فلا ضمان.

فروع :

أ - لو راقبها من الجوانب أو من فوق مراقبة الحارس‌ ، فهو كالسكنى في الموضع الذي دُفنت فيه.

ب - قال بعض الشافعيّة : الإعلام كالإيداع‌ من غير فرقٍ بين أن يسكن الموضع أو لا يسكنه(٤) .

____________________

(١) البيان ٦ : ٤٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٥ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩١.

(٢) الأُمّ ٤ : ١٣٥ ، وعنه في البيان ٦ : ٤٣٤.

(٣) البيان ٦ : ٤٣٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٥ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩١.

١٧٥

وإذا دفن الوديعة في غير حرزٍ عند إرادة السفر ، ضمن على ما تقدّم ، إلّا أن يخاف عليها المعاجلة.

وكذا يضمن لو دفنها في حرزٍ ولم يُعلِمْ بها أميناً ، أو أعلم أميناً حيث لا يجوز الإيداع عند الأمين.

ج - هل سبيل هذا الإعلام الإشهاد أو الائتمان؟ إشكال.

وللشافعيّة وجهان(١) .

فعلى الأوّل لا بدّ من إعلام رجلين أو رجل وامرأتين. والظاهر الثاني.

د - كما يجوز إيداع الغير لعذر السفر كذا يجوز لسائر الأعذار‌ ، كما لو وقع في البقعة حريق أو غارة أو خاف الغرق.

وفي معناها ما إذا أشرف الحرز على الخراب ولم يجد حرزاً ينقلها إليه.

ه- لو أودعه حالة السفر فسافر بها أو كان المستودع منتجعاً(٢) فانتجع بها ، فلا ضمان‌ ، لأنّ المالك رضي به حيث أودعه ، فكان له إدامة السفر والسير بالوديعة.

مسألة ٢٧ : إذا مرض المستودع مرضاً مخوفاً أو حُبس ليُقتل ، وجب عليه الإيصاء بالوديعة‌ ، وإن تمكّن من صاحبها أو وكيله ، وجب عليه ردّها إليه ، وإن لم يقدر على صاحبها ولا على وكيله ، ردّها إلى الحاكم.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٨ : ٣٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٥ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩١.

(٢) النجعة : طلب الكلأ في موضعه. الصحاح ٣ : ١٢٨٨ « نجع ».

١٧٦

ولو أودعها عند ثقةٍ مع عدم الحاكم جاز ، وإن كان مع القدرة عليه ضمن.

وللشافعيّة وجهان(١) .

ولو لم يوص بها لكن سكت عنها وتركها بحالها حتى مات ، ضمن ؛ لأنّه غرّر بها وعرّضها للفوات ، فإنّ الورثة يقتسمونها ويعتمدون على ظاهر اليد ولا يحسبونها وديعةً ، ويدّعونها لأنفسهم ، فكان ذلك تقصيراً منه يوجب التضمين.

فروع :

أ - التقصير هنا إنّما يتحقّق بترك الوصاية إلى الموت‌ ، فلا يحصل التقصير إلّا إذا مات ، لكن نتبيّن عند الموت أنّه كان مقصّراً من أوّل ما مرض ، فضمّناه ، أو يلحق التلف إذا حصل بعد الموت بالتردّي بعد الموت في بئرٍ حفرها متعدٍّ.

ب - قد توهّم بعض الناس أنّ المراد من الوصيّة بها تسليمها إلى الوصي‌ ليدفعها إلى المالك ، وهو الإيداع بعينه(٢) .

وليس كذلك ، بل المراد الأمر بالردّ من غير أن يخرجها من يده ، فإنّه والحالة هذه مخيّر بين أن يودع للحاجة ، وبين أن يقتصر على الإعلام والأمر بالردّ ؛ لأنّ وقت الموت غير معلومٍ ، ويده مستمرّة على الوديعة ما دام حيّاً.

ج - الأقرب : الاكتفاء بالوصيّة وإن أمكنه الردّ إلى المالك‌ ؛ لأنّه‌

____________________

(١) البيان ٦ : ٤٣٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٦.

١٧٧

مستودع لا يدري متى يموت ، فيستصحب الحكم.

ويحتمل أنّه يجب عليه الردّ إلى المالك أو وكيله عند المرض ، فإن تعذّر أودع عند الحاكم أو أوصى إليه ، كما إذا عزم على السفر ، وهو قول أكثر الشافعيّة(١) .

د - يجب الإيصاء إلى الأمين‌ ، فإن أوصى إلى غير ثقةٍ ، فهو كما لو لم يوص ، ويجب عليه الضمان ؛ لأنّه غرّر بالوديعة.

ولا يجب أن يكون أجنبيّاً ، بل يجوز أن يوصي بها إلى وارثه ، ويُشهد عليه ؛ صوناً لها عن الإنكار.

وكذا الإيداع حيث يجوز أن يودع أميناً.

مسألة ٢٨ : إذا أوصى بالوديعة ، وجب عليه أن يبيّنها ويميّزها عن غيرها‌ بالإشارة إلى عينها أو بيان جنسها ووصفها ، فلو لم يبيّن الجنس ولا أشار إليها بل قال : عندي وديعة ، فهو كما لو لم يوص.

ولو ذكر الجنس فقال : عندي ثوب لفلان ، ولم يصفه ، فإن لم يوجد في تركته جنس الثوب ، فأكثر علمائنا على أنّ المالك يضارب ، فيضارب ربّ الوديعة الغرماء بقيمة الوديعة ؛ لتقصيره بترك البيان ، وهو قول بعض الشافعيّة ، وهو ظاهر مذهبهم(٢) أيضاً.

وقال بعضهم : لا يضمن ؛ لأنّها ربما تلفت قبل الموت ، والوديعة أمانة ، فلا تُضمن بالشكّ(٣) .

وإن وُجد في تركته جنس الثوب ، فإمّا أن يوجد أثواب أو ثوب واحد ، فإن وُجد أثواب ضمن ؛ لأنّه إذا لم يميّز كان بمنزلة ما لو خلط الوديعة‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٧ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٢.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٧ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٣.

١٧٨

بغيرها ، وذلك سبب موجب للضمان ، فكذا ما ساواه ، وهو عدم تنصيصه على التخصيص.

وإن وُجد ثوبٌ واحد ، ففي تنزيل كلامه عليه إشكال.

قال بعض الشافعيّة : إنّه ينزّل عليه ، ويدفع إليه(١) .

ومنهم مَنْ أطلق القول بأنّه إذا وجد جنس الثوب ضمن ، ولا يدفع إليه عين الموجود.

أمّا الضمان : فللتقصير بترك البيان.

وأمّا أنّه لا يدفع إليه عين الموجود : فلاحتمال أن تكون الوديعة قد تلفت ، والموجود غيرها(٢) . وهو جيّد.

ولهم وجهٌ آخَر : إنّه إنّما يضمن إذا قال : عندي ثوب لفلان ، وذكر معه ما يقتضي الضمان ، أمّا إذا اقتصر عليه فلا ضمان(٣) .

مسألة ٢٩ : لو مات ولم يذكر عنده وديعة ولكن وُجد في تركته كيس‌ مختوم أو غير مختومٍ مكتوب عليه : إنّه وديعة فلان ، أو وُجد في جريدته : إنّ لفلان عندي كذا وكذا وديعة ، لم يجب على الوارث التسليم بهذا القدر ؛ لأنّه ربما كتبه عبثاً ولهواً أو تلقّناً(٤) أو ربما اشترى الكيس بعد تلك الكتابة فلم يمحها ، أو ردّ الوديعة بعد ما أثبت في الجريدة ولم يمحه.

وبالجملة ، إنّما يثبت كونها وديعةً بأن يُقرّ أنّ هذه وديعة ، ثمّ يموت ، ولا يكون متّهماً في إقراره عندنا ومطلقاً عند جماعةٍ من علمائنا ، أو يُقرّ الورثة بأنّها وديعة ، أو تقوم البيّنة بذلك ، فإذا ثبتت الوديعة بأحد‌

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٧ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٣.

(٤) كذا قوله : « تلقّناً » ، وبدله في العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٨ ، وروضة الطالبين ٥ : ٢٩٤ : « تلبيساً ».

١٧٩

هذه الوجوه وجب على الورثة دفعها إلى مالكها ، فإن أخّروا الدفع مع الإمكان ضمنوا.

ولو لم يعلم صاحبها بموت المستودع ، وجب على الورثة إعلامه ذلك ، ولم يكن لهم إمساك الوديعة إلى أن يطلبها المالك منهم ؛ لأنّ المالك لم يأمنهم عليها ، وذلك كما لو أطارت الريح ثوباً إلى دار إنسانٍ وعلم صاحبها فإنّ عليه إعلامه ، فإن أخّر ذلك مع إمكانه ضمن.

تذنيب : لو لم يوص المستودع بالوديعة فادّعى ربّ الوديعة أنّه قصّر‌ ، وقال الورثة : لعلّها تلفت قبل أن ينسب إلى التقصير ، فالظاهر براءة الذمّة.

ويحتمل الضمان.

تذنيبٌ آخَر : جميع ما قلناه ثابت فيما إذا وجد فرصةً للإيداع أو الوصيّة‌ ، أمّا إذا لم يجد بأن مات فجأةً أو قُتل غيلةً ، فلا ضمان ؛ لأنّه لم يقصّر.

مسألة ٣٠ : قد بيّنّا الخلاف فيما إذا كان عنده وديعة ثمّ مات ولم توجد في تركته ، وأنّ الذي يقتضيه النظر عدم الضمان.

والذي عليه فتوى أكثر العلماء منّا ومن الشافعيّة(١) وجوب الضمان.

وقد قال الشافعي : إذا لم توجد بعينها حاصّ المالك الغرماء(٢) .

واختلف أصحابه في هذه المسألة على ثلاث طُرق :

منهم مَنْ قال : إنّما يحاصّ الغرماء بها إذا كان الميّت قد أقرّ قبل موته ، فقال : عندي أو علَيَّ وديعة لفلان ، فإذا لم تُوجد ، كان الظاهر أنّه أقرّ‌

____________________

(١) راجع الهامش (٢) من ص ١٧٧.

(٢) الأُم ٤ : ١٣٨ ، الحاوي الكبير ٨ : ٣٨٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٧٦ - ١٧٧.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458