تذكرة الفقهاء الجزء ١٠

تذكرة الفقهاء13%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-197-4
الصفحات: 458

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 458 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 189185 / تحميل: 5792
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٠

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-١٩٧-٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

ولأنّها فُتحت عنوةً ؛ لقولهعليه‌السلام : « إنّ الله حبس عن مكة الفيل وسلّط عليها رسوله والمؤمنين ، وأنّها لم تحلّ لأحد قبلي ولا تحلّ لأحد بعدي ، وإنّما اُحلّت لي ساعة من نهار »(١) .

وفي قولٍ لنا : الجواز - وبه قال طاوُس وعمرو بن دينار والشافعي وابن المنذر ، وعن أحمد روايتان(٢) - لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لمـّا قيل له : أين تنزل غداً؟ قال : « وهل ترك لنا عقيل من رِباع(٣) ؟»(٤) يعني أنّ عقيلاً باع رِباع أبي طالب ؛ لأنّه ورثه دون إخوته ، ولو كانت غير مملوكة لما أثّر بيع عقيل شيئا. وباع جماعةٌ من الصحابة منازلَهم ولم يُنكَر عليهم. ونزل سفيان بعض رِباع مكة فهرب ولم يُعطهم اُجرةً ، فأدركوه فأخذوها منه(٥) .

فروع :

أ - الخلاف في غير مواضع النسك ، أمّا بقاع المناسك - كبقاع السعي‌

____________________

(١) صحيح البخاري ١ : ٣٩ ، و ٩ : ٦ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٨٨ و ٩٨٩ / ٤٤٧ و ٤٤٨ ، سنن أبي داوُد ٢ : ٢١٢ / ٢٠١٧ ، سنن البيهقي ٨ : ٥٢ ، مسند أحمد ٢ : ٤٧٢ / ٧٢٠١ بتفاوت ، ونصّه في المغني ٤ : ٣٣٠ ، والشرح الكبير ٤ : ٢٣.

(٢) المغني ٤ : ٣٣٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٢ - ٢٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٦٩ ، المجموع ٩ : ٢٤٨ ، الوسيط ٧ : ٤٢ ، الوجيز ٢ : ١٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥٥ - ٤٥٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٦٩ ، حلية العلماء ٤ : ٦٩ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٨٥ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٤٦ ، التفسير الكبير ٢٣ : ٢٤ ، الجامع لأحكام القرآن ١٢ : ٣٣.

(٣) الرَّبْعُ : الدار بعينها حيث كانت. وجمعها : رِباع ورُبوع وأرباع وأربُع. الصحاح ٣ : ١٢١١ « ربع ».

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٨١ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٨٤ ، ١٣٥١ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٩١٢ / ٢٧٣٠ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٦٠٢.

(٥) المغني ٤ : ٣٣١ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٣.

٤١

والرمي وغيرهما - فحكمها حكم المساجد.

ب - الوجه : أنّه يجوز إجارة بيوت مكة.

وقال الشيخ : لا يجوز لأحدٍ منع الحاجّ عن دُوْرها ؛ لقوله تعالى :( سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ ) (١) (٢) .

وفيه نظر.

ج - إذا بنى بمكة بآلة مجتلبة من غير أرض مكة ، جاز بيعها ، كما يجوز بيع أبنية الوقوف إجماعاً. وإن كانت من تراب الحرم وحجارته ، فعلى الخلاف.

مسألة ٢١ : ولا يجوز بيع الحُرّ بالإجماع ؛ لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة : رجل أعطى ثمّ غدر ، ورجل باع حرّا فأكل ثمنه ، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره»(٣) .

ولو سرقه فباعه ، قطع ( لإفساده ، لا حدّا )(٤) .

مسألة ٢٢ : يشترط في الملك التماميّة ، فلا يصحّ بيع الوقف ؛ لنقص الملك فيه ، إذ القصد منه التأبيد. نعم ، لو كان بيعه أعود عليهم ؛ لوقوع خُلْف بين أربابه ، وخشي تلفه أو ظهور فتنة بسببه ، جوّز أكثر علمائنا بيعه ، خلافاً للجمهور ، وسيأتي.

ولا يصحّ بيع اُمّ الولد بالإجماع وعندنا إلّا في ثمن رقبتها إذا كان دَيْناً على مولاها ، ولا وجه له سواها. وفي اشتراط موته حينئذٍ خلاف ؛ لما رواه‌

____________________

(١) الحجّ : ٢٥.

(٢) النهاية : ٢٨٤ ، المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٨٤.

(٣) صحيح البخاري ٣ : ١١٨ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨١٦ / ٢٤٤٢.

(٤) ما بين القوسين لم يرد في « ق ، ك »

٤٢

أبو بصير عن الصادقعليه‌السلام في رجل اشترى جاريةً فوطئها(١) فولدت له فمات ، قال : « إن شاؤا أن يبيعوها باعوها في الدَّيْن الذي يكون على مولاها من ثمنها ، فإن كان لها ولد قُوّمت على ولدها من نصيبه ، وإن كان ولدها صغيراً انتظر(٢) به حتى يكبر ثمّ يجبر على قيمتها ، فإن مات ولدها بِيعت في الميراث إن شاء الورثة »(٣) .

ولو مات ولدها ، جاز بيعها مطلقاً ؛ لهذه الرواية. وكذا لو كانت مرهونةً ، وسيأتي.

ولا يصحّ بيع الرهن ؛ لتعلّق حقّ المرتهن به ، ونقصان ملك الراهن ما لم يجز المرتهن ؛ لأنّ الحقّ لا يَعْدُوهما بلا خلاف.

ولو باع ولم يعلم المرتهن ففكّ ، لزم البيع ؛ لانتفاء المعارض ، ومَنْ أبطل بيع الفضولي لزمه الإبطال هنا.

مسألة ٢٣ : الأقوى بين علمائنا صحّة بيع الجاني‌ ، سواء كانت جنايته عمداً أو خطأً ، أوجبت القصاص أولا ، على النفس أو ما دونها - وبه قال أبو حنيفة وأحمد والشافعي في أحد قوليه(٤) - لأنّه حقّ غير مستقرّ في [ الجاني ](٥) يملك أداءه من غيره ، فلم يمنع البيع ، كالزكاة ، ولو أوجبت‌

____________________

(١) « ق ، ك » و الطبعة الحجريّة بدل « فوطئها » : « يطؤها » و ما أثبتناه من المصدر

(٢) في المصدر : ينتظر

(٣) التهذيب ٧ : ٨٠ / ٣٤٤.

(٤) بدائع الصنائع ٥ : ١٥٦ ، المغني ٤ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢ ، مختصر المزني : ٨٣ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٦٣ - ٢٦٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٩٤ ، الوجيز ١ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨ - ٣٩ ، حلية العلماء ٤ : ٢٧٨.

(٥) ورد في « ق ، ك » و الطبعة الحجرية بدل « الجاني » : « الحال » و ذاك تصحيف ، وما أثبتناه هو الصحيح

٤٣

قصاصاً ، فهو يرجى سلامته ويخشى تلفه ، فأشبه المريض.

وقال بعض علمائنا : لا يصحّ بيعه(١) . وهو القول الآخر للشافعي ؛ لأنّه تعلّق برقبته حقّ آدميّ فمنع صحّة بيعه ، كالرهن ، بل حقّ الجناية آكد ؛ لتقدّمها عليه(٢) .

والفرق : أنّ الحقّ منحصر في الرهن لا يملك سيّده إبداله ، ثبت فيه برضاه وثيقة الدّين ، فلو أبطله بالبيع ، بطل حقّ الوثيقة ، الذي التزمه برضاه.

وللشافعي قول ثالث : وقوعه موقوفاً إن فدى لزم ، وإلّا فلا(٣) .

إذا عرفت هذا ، فإن باعه وأوجبت الأرش أو القود فعفي إلى مال ، فداه السيّد بأقلّ الأمرين عند أكثر علمائنا ، وعند الباقين بالأرش ، ويزول الحقّ عن رقبة العبد ببيعه ؛ لأنّ الخيار للسيّد ، فإذا باعه فقد اختار الفداء ، فيتعيّن عليه ، ولا خيار للمشتري ؛ لعدم الضرر ؛ فإنّ الرجوع على غيره.

هذا مع يسار المولى ، وبه قال أحمد وأبو حنيفة وبعض الشافعيّة(٤) .

وقال بعضهم : لا يلزم السيّد فداؤه ؛ إذ أكثر ما فيه أنّه التزم الفداء ، فلا يلزمه ، كما لو قال الراهن : أنا أقضي الدَّيْن من غير(٥) الرهن(٦) .

والفرق : أنّه أزال ملكه عن الجاني ، فلزمه الفداء ، كما لو قتله ، بخلاف الرهن.

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٣٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٩٤ ، حلية العلماء ٤ : ٢٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦ ، المغني ٤ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦.

(٤) المغني ٤ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٠٩.

(٦) المغني ٤ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٠٩.

٤٤

وإن كان معسراً ، لم يسقط حقّ المجنيّ عليه من الرقبة ما لم يجز البيع أوّلاً ، فإنّ البائع إنّما يملك نقل حقّه عن رقبته بفدائه ولا يحصل من ذمّة المعسر ، فيبقى الحقّ مقدّماً على حقّ المشتري ، ويتخيّر المشتري الجاهل في الفسخ ، فيرجع بالثمن معه أو مع الاستيعاب ؛ لأنّ أرش مثل هذا جميع ثمنه. وإن لم تستوعب ، رجع بقدر أرشه. ولو علم تعلّق الحقّ به ، فلا رجوع.

ولو اختار المشتري الفداء ، فله ، والبيع بحاله ؛ لقيامه مقام البائع في التخيّر ، وحكمه في الرجوع فيما فداه به على البائع حكم قضاء الدَّيْن عنه.

وللشافعي في المعسر قولان : البطلان ؛ صيانةً لحقّ المجنيّ عليه ، وإثبات الخيار للمجنيّ عليه ، فينفسخ البيع ويُباع في الجناية(١) .

وإن أوجبت قصاصاً ، تخيّر المشتري الجاهل بين الردّ والأرش ، فإن اقتصّ منه ، احتمل تعيّن الأرش ، وهو قسط قيمة ما بينه جانياً وغير جانٍ ، ولا يبطل البيع من أصله - وبه قال أحمد وبعض الشافعيّة(٢) - لأنّه تلف عند المشتري بالعيب الذي كان فيه ، فلم يوجب الرجوع بجميع الثمن ، كالمريض والمرتدّ.

وقال أبو حنيفة والشافعي : يرجع بجميع الثمن ؛ لأنّ تلفه لمعنىً استحقّ عليه عند البائع ، فجرى مجرى إتلافه(٣) .

وينتقض بالردّة والمرض ، والتلف غير الإتلاف.

ولو أوجبت قطع عضو فقُطع عند المشتري ، فقد تعيّب في يده ؛ فإنّ‌

____________________

(١) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

(٢) المغني ٤ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٤ : ١٠٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٨.

(٣) المغني ٤ : ٢٧٤ - ٢٧٥ ، الشرح الكبير ٤ : ١٠٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢١٨.

٤٥

استحقاق القطع دون حقيقته.

وفي منع ردّه بعيبه إشكال.

وعن أحمد روايتان(١) .

ولو اشتراه عالماً بعيبه ، فلا ردّ ولا أرش ، وبه قال الشافعي وأحمد(٢) .

مسألة ٢٤ : المرتدّ إن كان عن فطرة ، ففي صحّة بيعه نظر‌ ينشأ من تضادّ الحكمين ، ومن بقاء الملك ، فإنّ كسبه لمولاه. أمّا عن غير فطرة ، فالوجه : صحّة بيعه ؛ لعدم تحتّم قتله ، لاحتمال رجوعه إلى الإسلام.

وكذا القاتل في المحاربة إذا تاب قبل القدرة عليه ، فإن لم يتب إلّا بعدها ، فالأقرب : صحّة بيعه ؛ لأنّه قِنٌّ يصحّ إعتاقه ويملك استخدامه ، فصحّ بيعه ، كغير القاتل. ولإمكان الانتفاع به إلى حين القتل ويعتق فينجرّ ولاء أولاده ، فصحّ بيعه ، كالمريض المأيوس من برئه.

ويحتمل العدم ؛ لتحتّم قتله وإتلاف ماليّته وتحريم إبقائه ، فصار بمنزلة ما لا نفع فيه ، والمنفعة [ المفضية ](٣) إلى قتله لا يتمهّد بها محلّاً للبيع ، كمنفعة الميتة في سدّ بَثْقٍ(٤) وإطعام كلبٍ.

والأقوى الأوّل ؛ لثبوت أحكام الحياة ، ووجوب القتل غير مانع ، كمرض المأيوس من بُرئه ، والميتة لم يكن لها نفعٌ سابقٌ ولا لاحقٌ.

____________________

(١ و ٢) المغني ٤ : ٢٧٥ ، الشرح الكبير ٤ : ١٠٩.

(٣) ورد بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : التامة. ولم نتحصّل لها معنىً هنا. وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٤) كذا ، والظاهر : « رمق » بدل « بثق ». والبثق : موضع كسر شطّ النهر لينشقّ الماء. لسان العرب ١٠ : ١٣ «بثق ».

٤٦

وللحنابلة قولان(١) كالوجهين.

مسألة ٢٥ : لا يجوز بيع المكاتب‌ ؛ لانتفاء السلطنة عليه إلّا بالاستيفاء ، سواء كان مطلقاً أو مشروطاً ما لم يعجز المشروط ، فإن عجز ، ففي اشتراط تقديم الفسخ إشكال.

ويصحّ بيع المدبَّر ؛ لبقاء الملك فيه ، ويبطل تدبيره حينئذٍ ، خلافاً للشيخ(٢) ، وسيأتي.

وكذا يصحّ بيع الموصى به.

أمّا الموهوب مع جواز الرجوع وذو الخيار : فإنّه يوجب فسخ السابق.

وهل يصحّ؟ قال بعض علمائنا : نعم(٣) . وهو الأقوى ، وإلّا لم يكن مبطلاً ؛ إذ لا أثر للفاسد ، فيتضمّن الحكمين.

وقال بعضهم بالنفي ؛ لعدم مصادفة الملك(٤) .

مسألة ٢٦ : العبد إن لم يكن مأذوناً له في التجارة ، لم يمض بيعه ولا شراؤه بعين المال‌ ؛ لأنّه تصرّف في ملك الغير بغير إذنه.

وهل يقع باطلاً أو موقوفاً على رضا السيّد؟ الأقرب عندي : الثاني - وهو أحد وجهي الحنابلة(٥) - كالفضولي.

والآخر : البطلان ؛ لأنّه تصرّف من المحجور عليه(٦) .

وأمّا الشراء بثمن في الذمّة : فالأقوى المنع ، لأنّه لو صحّ ، فإمّا أن‌

____________________

(١) المغني ٤ : ٢٧٥ ، الشرح الكبير ٤ : ١٣.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٦ : ١٧١.

(٣) كما في شرائع الإسلام ٢ : ٢٣١.

(٤) انظر : شرائع الإسلام ٢ : ٢٣١.

(٥ و ٦) المغني ٤ : ٣٢٢.

٤٧

يثبت الملك له ، وهو ليس أهلاً له ، أو لسيّده فإمّا بعوضٍ على السيّد وهو لم يرض به ، أو على العبد فكيف يحصل أحد العوضين لغير مَنْ يلزمه الثاني!؟

ويحتمل الصحّة ؛ لتعلّقه بالذمّة ولا حجر على ذمّته.

وللشافعي قولان(١) .

فإن قلنا بها ، احتمل أن يكون للسيّد ؛ لأنّه أحقّ بما في يد عبده منه ، كالصيد. والبائع إن علم رقّه ، انتظر العتق ، وليس له الرجوع في العين فيكون كهلاكه في يد العبد. وإن جهل فإن شاء صبر ، وإن شاء فسخ ، ورجع في العين ؛ لإعساره. وأن يكون للعبد ، فللسيّد إقراره عليه وانتزاعه ، وللبائع الرجوع في عين المبيع ما دام في يد العبد. وإن تلف في يد العبد ، صبر إلى العتق. وإن انتزعه السيّد ، ملكه ؛ لما مرّ.

وهل يرجع البائع؟ وجهان للشافعي(٢) .

والأقرب عندي : الرجوع مع الجهل برقّه لا مع العلم.

وإن تلف ، استقرّ الثمن في ذمّته دون السيّد مع العلم بالرقّ. وفي الجهل إشكال.

وإن قلنا بالبطلان ، فللبائع أخذه من يد السيّد أو العبد. وإن كان تالفاً ، فله القيمة أو المثل ، فإن تلف في يد السيّد ، رجع عليه ؛ لتلف ماله في يده ، وإن شاء انتظر العتق ؛ لأنّه الآخذ.

وإن تلف في يد العبد ، فالرجوع عليه يتبع به بعد العتق ، وبه قال الشافعي(٣) ، وهو إحدى روايتي أحمد. وفي الاُخرى : يتعلّق برقبته(٤) .

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧٣.

(٤) المغني ٤ : ٣٢٣.

٤٨

واقتراض العبد كشرائه.

وأمّا المأذون له فيصحّ تصرّفه فيما أذن له فيه ، وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى.

الشرط الرابع : القدرة على التسليم.

وهو إجماع في صحّة البيع ليخرج البيع عن أن يكون بيعَ غررٍ.

والقدرة قد تنتفي حسّاً كالآبق ، وشرعاً كالرهن.

والمشهور عند علمائنا أنّه لا يصحّ بيع الآبق منفرداً وإن عرفا مكانه - وبه قال مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي(١) - لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن بيع الغرر(٢) ، وهذا غرر.

وفي الصحيح عن رفاعة عن الكاظمعليه‌السلام ، قلت له : يصلح لي أن أشتري من القوم الجارية الآبقة فاُعطيهم الثمن وأطلبها أنا؟ فقال : « لا يصلح شراؤها إلّا أن تشتري معها منهم شيئاً ثوباً أو متاعاً فتقول لهم : أشتري منكم جاريتكم فلانة وهذا المتاع بكذا وكذا درهماً ، فإنّ ذلك جائز»(٣) .

____________________

(١) المدوّنة الكبرى ٤ : ١٥٥ ، المنتقى - للباجي - ٥ : ٤١ ، مختصر المزني : ٨٧ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٢٦ ، الوجيز ١ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٠ ، المجموع ٩ : ٢٨٤ ، حلية العلماء ٤ : ٨٢ - ٨٣ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣ ، منهاج الطالبين : ٩٤ ، المغني ٤ : ٢٩٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٧.

(٢) صحيح مسلم ٣ : ١١٥٣ / ١٥١٣ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٣٩ / ٢١٩٥ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٣٢ / ١٢٣٠ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٥٤ / ٣٣٧٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٣٨ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٥١ ، الموطّأ ٢ : ٦٦٤ / ٧٥ ، المصنّف - لابن أبي شيبة - ٦ : ١٣٢ / ٥٥٠ و ٥٥٣ ، مسند أحمد ١ : ٤٩٧ / ٢٧٤٧ ، و ٢ : ٣١٢ / ٦٢٧١ و ٣٣٢ / ٦٤٠١.

(٣) الكافي ٥ : ١٩٤ / ٩ ، التهذيب ٧ : ١٢٤ / ٥٤١.

٤٩

ولأنّه غير مقدور على تسليمه ، فأشبه الطير في الهواء.

وقال بعض علمائنا بالجواز(١) ، وبه قال شريح وابن سيرين(٢) - واشترى ابن عمر من بعض ولده بعيراً شارداً(٣) - لأنّه مملوك ، فصحّ.

فروع :

أ - لو باع الآبقَ على مَنْ هو في يده أو على مَنْ يتمكّن من أخذه ، صحّ ؛ لانتفاء المانع.

ب - لو باع الآبقَ منضمّاً إلى غيره ، صحّ ، فإن لم يظفر به ، لم يكن له رجوع على البائع بشي‌ء ، وكان الثمن في مقابلة الضميمة ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى منه »(٤) .

ج - الضالّ يمكن حمله على الآبق ؛ لثبوت المقتضي ، وهو : تعذّر التسليم. والعدم ؛ لوجود المقتضي لصحّة البيع ، وهو العقد. فعلى الأوّل يفتقر إلى الضميمة ، ولو تعذّر تسليمه ، كان الثمن في مقابلة الضميمة.

وعلى الثاني لا يفتقر ، ويكون في ضمان البائع إلى أن يسلّمه أو يسقط عنه.

ومَنَع الشافعي من بيع الضالّ كالآبق ؛ لتعذّر التسليم(٥) (٦) .

____________________

(١) السيّد المرتضى في الانتصار : ٢٠٩.

(٢) المحلّى ٨ : ٣٩١ ، المغني ٤ : ٢٩٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٧ ، حلية العلماء ٤ : ٨٤ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٢٦.

(٣) المحلّى ٨ : ٣٩١ ، المغني ٤ : ٢٩٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٧.

(٤) الفقيه ٣ : ١٤٢ / ٦٢٢ ، التهذيب ٧ : ١٢٤ / ٥٤٠.

(٥) في « ك » زيادة : حسّاً.

(٦) الوجيز ١ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٤ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٢٦ ، المجموع ٩ : ٢٨٤ ، منهاج الطالبين : ٩٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣.

٥٠

مسألة ٢٧ : لا يصحّ بيع السمك في الماء‌ ، وهو قول أكثر العلماء ، كالإماميّة والشافعي وأبي حنيفة ومالك وأحمد والحسن والنخعي وأبي يوسف وأبي ثور(١) ، ولا نعلم لهم مخالفاً.

وإنّما يصحّ بشروط ثلاثة : كونه مملوكاً ، وكون الماء رقيقاً لا يمنع المشاهدة ، وإمكان صيده.

فإن كان في بِرْكَة لا يمكنه الخروج منها وهي صغيرة ، صحّ البيع - وبه قال الشافعي(٢) - لإمكان التسليم فيه.

ولو كانت البِرْكَة كبيرةً واحتيج في أخذه إلى تعبٍ شديد ، فالأقوى صحّة البيع ، وهو أضعف وجهي الشافعي(٣) .

والأظهر عنده : المنع كالآبق(٤) .

والفرق : علم القدرة مع المشقّة هنا.

ولو كان في أجَمَة ، لم يجز بيعه ، عند أكثر العلماء(٥) .

وقال ابن أبي ليلى وعمر بن عبد العزيز فيمن له أجَمَة يحبس السمك فيها : يجوز بيعه ؛ لأنّه يقدر على تسليمه ظاهراً ، فأشبه ما يحتاج إلى مؤونة في كيله ونقله(٦) .

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٠ ، المجموع ٩ : ٢٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦ ، حلية العلماء ٤ : ٨٢ - ٨٣ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤ ، الجامع الصغير - للشيباني - : ٣٢٨ ، المغني ٤ : ٢٩٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٧ - ٢٨ ، الخراج - لأبي يوسف - : ٨٧.

(٢) الحاوي الكبير ٥ : ٣٢٧ ، المجموع ٩ : ٢٨٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦.

(٣ و ٤ ) المجموع ٩ : ٢٨٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤.

(٥) المغني ٤ : ٢٩٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٧.

(٦) المغني ٤ : ٢٩٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٨.

٥١

وهو خطأ ؛ لأنّه مجهول ، فأشبه بيع اللبن في الضرع.

ولو ضمّه مع القصب ، فأقوى الوجهين لنا : البطلان ، إلّا مع العلم بهما وإمكان التسليم.

وروي لنا : الجواز(١) .

مسألة ٢٨ : لا يصحّ بيع الطير في الهواء ، سواء كان مملوكاً أو غيره‌ إجماعاً ؛ لأنّه في المملوك وغيره غرر وقد نهى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الغرر(٢) ، وفُسِّر بأنّه بيع السمك في الماء والطير في الهواء(٣) .

ولو باع الحمام المملوك وهو طائر ، فإن كان يألف الرجوع ، فالأقوى : الجواز - وهو أضعف وجهي الشافعي(٤) - للقدرة على التسليم ، كالعبد المنفذ في شغلٍ.

والأقوى عنده : المنع - وبه قال أحمد - إذ لا قدرة في الحال ، وليس له وازع يوثق به(٥) .

وينتقض بالغائب ؛ فإنّه غير مقدور عليه في الحال.

وإن كان في البُرْج ، قال الشيخ : إن كان مفتوحاً ، لم يصحّ بيعه ؛ لأنّه إذا قدر على الطيران لم يمكن تسليمه - وبه قال الشافعي وأحمد(٦) - وإن كان مغلقاً ، جاز(٧) إجماعاً.

____________________

(١) كما في المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٥٧ ، والسرائر : ٢٣٣.

(٢) اُنظر : المصادر في الهامش (٢) من ص ٤٨.

(٣) كما في المغني ٤ : ٢٩٤ ، والشرح الكبير ٤ : ٢٧.

(٤ و ٥) الحاوي الكبير ٥ : ٣٢٦ ، المجموع ٩ : ٢٨٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٦ ، المغني ٤ : ٢٩٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٧.

(٦) المجموع ٩ : ٢٨٤ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٨ ، المغني ٤ : ٢٩٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٧.

(٧) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٥٧.

٥٢

مسألة ٢٩ : لو باع ماله المغصوب ، فإن كان يقدر على استرداده وتسليمه ، صحّ البيع‌ - كالوديعة - إجماعاً. وإن لم يقدر ، لم يصحّ بيعه ممّن لا يقدر على انتزاعه من يد الغاصب - وبه قال الشافعي(١) - لعدم القدرة على التسليم.

ولو باعه ممّن يقدر على انتزاعه من يده ، فالأقوى عندي : الصحّة - وهو أصحّ وجهي الشافعي(٢) - لأنّ القصد الحصول للمشتري.

والأضعف : البطلان ؛ لعجز البائع(٣) .

وعلى قولنا إن علم المشتري حال البيع ، فلا خيار له. وبه قال الشافعي(٤) .

ولو عرض له عجز ، فكذلك - وهو أحد وجهي الشافعي(٥) - لسقوطه حال البيع ، فلا يتجدّد بعده ؛ لعدم موجبه.

والآخر : الثبوت(٦) .

وإن جهل ، فله الخيار ؛ إذ ليس عليه تحمّل كلفة الانتزاع.

ولو علم بالغصب وعجز البائع فاشتراه كذلك ، فالوجه عندي : الصحّة ، ولا خيار له ، سواء قدر على انتزاعه أو لا.

مسألة ٣٠ : لو باع عضواً من عبد أو شاة ، لم يصحّ ؛ لتعذّر التسليم حسّاً ؛ إذ لا يمكن إلّا بفصله ، وهو يفسد ماليّته أو ينقصها. وكذا لو باع‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٠ ، المجموع ٩ : ٢٨٥ ، الوجيز ١ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤ ، منهاج الطالبين : ٩٤.

(٢) الوسيط ٣ : ٢٤ ، الوجيز ١ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥ ، المجموع ٩ : ٢٨٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤ ، منهاج الطالبين : ٩٤ - ٩٥.

(٣) الوجيز ١ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥ ، المجموع ٩ : ٢٨٥.

(٤ - ٦) المجموع ٩ : ٢٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٤.

٥٣

نصفاً معيّناً من سيفٍ أو إناءٍ ؛ لأنّ التسليم لا يمكن إلّا بالقطع والكسر ، وفيه نقص وتضييع للمال ، وهو ممنوع منه. وكذا قال الشافعي(١) .

والوجه : اعتبار المصلحة ، فإن اقتضت فعله بأن يحتاج البائع إلى الثمن ، فيجوز أن ينقص ماليّة نفسه لمصلحته.

ولو باع نصفاً معيّناً من ثوبٍ ينقص قيمته بالقطع ، فالأقوى عندي : الجواز - وهو أضعف وجهي الشافعيّة(٢) - كما لو باع ذراعاً معيّناً من أرض.

وأظهرهما : المنع ؛ لحصول الضرر في التسليم(٣) .

ولو كان لا ينقص بالقطع ، جاز - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٤) - لزوال المانع.

الشرط الخامس : العلم بالعوضين.

مسألة ٣١ : أجمع علماؤنا على أنّ العلم شرط فيهما ليعرف ما الذي ملك بإزاء ما بذل‌ فينتفي الغرر ، فلا يصحّ بيع الغائب ما لم تتقدّم رؤيته مع عدم تغيّره أو وصفه وصفاً يرفع الجهالة - وبه قال الشعبي والنخعي والأوزاعي والحسن البصري وعبيد الله بن الحسن العنبري ومالك وإسحاق والشافعي في أصحّ القولين ، وأحمد في إحدى الروايتين(٥) - لنهيهعليه‌السلام عن‌

____________________

(١) المجموع ٩ : ٣١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥ ، منهاج الطالبين : ٩٥ ، الوجيز ١ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥.

(٤) الوجيز ١ : ١٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٥ ، منهاج الطالبين : ٩٥.

(٥) المغني ٤ : ٧٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٨ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٩ ، =

٥٤

الغرر(١) .

ولأنّه باع ما لم يره ولم يُوصف فلم يصحّ ، كبيع النوى في التمر.

ولأنّه نوع بيع فلم يصحّ مع الجهل بصفة المبيع ، كالسلم.

وقال أبو حنيفة والشافعي في القول الثاني ، وأحمد في الرواية الثانية بالصحّة ، لقوله تعالى :( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (٢) .

ولأنّه عقد معاوضة ، فلا تفتقر صحّته إلى رؤية المعقود عليه ، كالنكاح(٣) .

والآية ليست للعموم ؛ إذ ليست من صِيَغهِ. سلّمنا ، لكنّه مخصوص بما تقدّم.

والنكاح لا يقصد فيه المعاوضة ، ولا يفسد بفساد العوض ولا بترك ذكره ، ولا يدخله شي‌ء من الخيارات ، وفي اشتراط لزومه مشقّة على المخدّرات وإضرارٌ بهنّ.

فروع :

أ - القائلون بالجواز اختلفوا ، فأثبت أبو حنيفة للمشتري خيار‌

____________________

= المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٠ ، المجموع ٩ : ٢٩٠ و ٣٠١ ، الوجيز ١ : ١٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ٨٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥ ، منهاج الطالبين : ٩٥.

(١) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٤٨ الهامش (٢).

(٢) البقرة : ٢٧٥.

(٣) المحلّى ٨ : ٣٤٢ ، المغني ٤ : ٧٧ - ٧٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٨ ، الوجيز ١ : ١٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ٨٨ ، المجموع ٩ : ٣٠١ ، منهاج الطالبين : ٩٥ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٤ ، بداية المجتهد ٢ : ١٥٥.

٥٥

الرؤية ، وهو رواية عن أحمد(١) . وفي الاُخرى : لا يثبت(٢) ، أمّا البائع فلا يثبت له عند أبي حنيفة خيار(٣) .

ب - من الشافعيّة مَنْ طرّد القولين فيما إذا لم يره البائع ، لأنّه المالك للتصرّف ، واجتناب هذا الغرر يسهل عليه(٤) .

والقولان في البيع والشراء يجريان في إجازة الغائب ، والصلح عليه ، وجَعْله رأسَ مال السَّلَم ، وفي صحّة إصداقه والخلع عليه ، وفي هبة الغائب ورهنه ، وهما أولى عندهم بالصحّة ؛ إذ ليسا من عقود المغابَنات(٥) .

وفي بيع الأعمى وشرائه طريقان ، أحدهما : أنّه على قولين. والثاني : القطع بالمنع(٦) . وقد تقدّم(٧) .

ج - يشترط رؤية ما هو مقصود بالبيع ، كداخل الثوب ، فلو باع ثوباً مطويّاً أو عيناً حاضرة لا يشاهد منها ما يختلف الثمن لأجله ، كان كبيع الغائب يبطل إن لم يوصف وصفاً يرفع الجهالة ، وهو قول المشترطين(٨) .

____________________

(١) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٣٢ ، المغني ٤ : ٧٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٩ ، بداية المجتهد ٢ : ١٥٥ ، حلية العلماء ٤ : ٨٨ ، المجموع ٩ : ٣٠١.

(٢) المغني ٤ : ٧٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٩.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٣٣ ، المغني ٤ : ٨٢ - ٨٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩.

(٤) المجموع ٩ : ٢٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢ ، المجموع ٩ : ٢٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧١ ، المجموع ٩ : ٣٠٢ - ٣٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٥ ، حلية العلماء ٤ : ٩٧.

(٧) تقدّم في ص ٢٤ ، المسألة ٧.

(٨) المغني ٤ : ٨٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩.

٥٦

ولو كان ممّا يستدلّ برؤية بعضه على الباقي ، كظاهر صُبْرة الحنطة والشعير ، صحّ البيع ؛ لأنّ الغالب عدم تفاوت أجزائها.

ثمّ إن خالف الظاهرُ الباطنَ ، فله الخيار ، وهو قول الشافعي(١) تفريعاً على اشتراط الرؤية.

وعنه قول آخر : إنّه لا تكفي رؤية ظاهر الصُّبْرة ، بل يجب تقليبها ليعلم حال باطنها(٢) .

وكذا صُبْرة الجوز واللوز والدقيق والمانعات في الظروف.

ولا تكفي رؤية ظاهر صُبْرة البطّيخ والرمّان وأعلى سلّة العنب والخوخ ؛ للتفاوت غالباً.

د (٣) - لو أراه أنموذجا وقال : بعتك من هذا النوع كذا ، فهو باطل ، إذ لم يعيّن مالا ولا وصف ، ولا يقوم ذلك مقام الوصف في السّلم ، وهو أصحّ وجهي الشافعي(٤) .

ه- لو أراه أنموذجاً وبنى أمر البيع عليه ، نُظر‌ إن قال : بعتك من هذا النوع كذا ، فهو باطل؛ لأنّه لم يعيّن مالاً و [ لا ](٥) راعى شروط السَّلم ، ولا يقوم ذلك مقام الوصف في السَّلم - وهو أصحّ وجهي الشافعي(٦) - لأنّ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٦ ، المجموع ٩ : ٢٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧ - ٣٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٦ ، حلية العلماء ٤ : ٩٩ ، المجموع ٩ : ٢٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨.

(٣) لاحظ فرعي « د » و « ه » فإنّ الظاهر إنّهما متّحدان.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٧ ، المجموع ٩ : ٢٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨.

(٥) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : « لو ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٦) اُنظر المصادر في الهامش (٤).

٥٧

اللفظ والوصف يمكن الرجوع إليه عند الإشكال.

ولو قال : بعتك الحنطة التي في هذا البيت وهذا الاُنموذج منها ، فإن لم يدخل الاُنموذج في البيع ، لم يصحّ - وهو أصحّ وجهي الشافعي(١) - لأنّ المبيع غير مرئيّ ، ولا يمكن الرجوع إليه عند الإشكال ، بخلاف استقصاء الأوصاف.

والثاني : الصحّة ؛ تنزيلاً له منزلة استقصاء الوصف(٢) .

وإن أدخله ، صحّ على أصحّ وجهي الشافعي ، كما لو رأى بعض الصُّبْرة(٣) .

وعندي في الفرق إشكال.

و - لو كان البعض المرئي لا يدلّ على الباقي‌ لكن كان صُواناً(٤) له خلقةً ، كقشر الرمّان والعَفْص ، كفَتْ رؤيته وإن كان المقصود مستوراً ؛ لأنّ صلاحه في بقائه فيه.

وكذا الجوز واللوز في قشرهما الأعلى - وهو قول الشافعي(٥) - ويباع بشرط الصحّة ، فإن ظهر معيباً بعد كسره ، فإن كان له حينئذٍ قيمة ، فللمشتري الأرش خاصّة ، وإلّا فله الثمن أجمع.

وهل يصحّ بيع اللبّ وحده؟ الأقرب عندي : جوازه ؛ للأصل السالم عن معارضة الغرر ؛ لأنّا إنّما نُجوّزه على تقدير ظهور الصحّة.

____________________

(١ - ٣ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٧ ، المجموع ٩ : ٢٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨.

(٤) الصوان - بالضمّ والكسر - الوعاء الذي يُصان فيه الشيء لسان العرب ١٣ : ٢٥٠ « صون »

(٥) الوجيز ١ : ١٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٧ ، المجموع ٩ : ٢٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨ - ٣٩ ، منهاج الطالبين : ٩٥.

٥٨

وقال الشافعي : لا يجوز ؛ إذ لم يمكن تسليمه إلّا بكسر القشر ، وفيه تغيير عين المبيع(١) . وليس بجيّد.

ز - لا تكفي رؤية المبيع من وراء زجاجة مع قصور الرؤية ؛ إذ لا يتعلّق صلاحه بكونه فيها. ويجوز بيع الأرض المغشيّة بالماء إذا لم يمنع مشاهدتها.

مسألة ٣٢ : يشترط رؤية البائع والمشتري جميعاً أو وصفه لهما أو لأحدهما ورؤية الآخر‌ ، فلو لم يرياه أو أحدهما ولا وصف له ، بطل.

والقائلون بصحّة البيع مع عدم الرؤية والوصف اختلفوا.

فذهب الشافعي إلى ثبوت الخيار للبائع ؛ لأنّه جاهل بصفة العقد ، فأشبه المشتري ، وبه قال أحمد(٢) .

وقال أبو حنيفة : لا خيار له ؛ لأنّا لو جعلنا له الخيار لثبت لتوهّم الزيادة ، والزيادة في المبيع لا تُثبت الخيار(٣) .

فروع :

أ - كلّ موضع يثبت الخيار‌ إمّا مع الوصف عندنا أو مطلقاً عند المجوّزين فإنّما يثبت عند رؤية المبيع على الفور ؛ لأنّه خيار الرؤية ، فيثبت عندها ، وبه قال أحمد(٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٧ ، المجموع ٩ : ٢٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٩.

(٢) حلية العلماء ٤ : ٨٨ ، المغني ٤ : ٨٢ - ٨٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٣٣ ، حلية العلماء ٤ : ٨٩ ، المغني ٤ : ٨٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩.

(٤) المغني ٤ : ٨٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٩.

٥٩

وله آخر : أنّه يتقيّد بالمجلس الذي وُجدت الرؤية فيه ؛ لأنّه خيار ثبت بمقتضى العقد من غير شرط ، فيقيّد بالمجلس ، كخيار المجلس(١) .

والوجهان للشافعيّة ، وأصحّهما عندهم : الثاني(٢) .

ب - لو اختار الفسخ قبل الرؤية مع الوصف عندنا ، لم يكن له ذلك ؛ إذ الفسخ منوط بالمخالفة بين الموجود والموصوف.

ومَنْ جوّز بيعه من غير وصف قال أحمد منهم : انفسخ ؛ لأنّ العقد غير لازم في حقّه ، فملك الفسخ ، كحالة الرؤية. وهو أصحّ وجهي الشافعي. وفي الآخر : لا ينفسخ(٣) .

ج - إذا اختار إمضاء العقد قبل الرؤية ، لم يلزم ؛ لتعلّق الخيار بالرؤية ، وبه قال أحمد والشافعي في أظهر الوجهين(٤) .

د - لو تبايعا بشرط عدم الخيار للمشتري ، لم يصحّ الشرط ، وبه قال أحمد والشافعي في أظهر الوجهين(٥) .

وهل يفسد البيع؟ الأقوى عندي : ذلك ، وسيأتي.

مسألة ٣٣ : يشترط في بيع خيار الرؤية وصف المبيع‌ وصفاً يكفي‌

____________________

(١) المغني ٤ : ٨١ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٩.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧١ ، المجموع ٩ : ٢٩٤ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢.

(٣) المغني ٤ : ٨١ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٩ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٢.

(٤) المغني ٤ : ٨١ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٩ ، وانظر : المجموع ٩ : ٢٩٣.

(٥) المغني ٤ : ٨١ - ٨٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩ ، ولم نعثر على قول الشافعي فيما بين أيدينا من المصادر.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

يدك أبايعك على ما أحببنا وكرهنا ». فكان أول العرب بايع عليها مالك ابن هبيرة.

وقال الزبرقان بن عبد الله السكوني :

معاوي أخدجت الخلافة بالتي

شرطت فقد بوالك الملك

مالك ببيعة فصل ليس فيها غميزة

ألا كل ملك ضمه الشرط هالك

وكان كبيت العنكبوت مذبذبا

فأصبح محجوبا عليه الأرائك

وأصبح لا يرجوه راج لعلة

ولا تنتحي فيه الرجال الصعالك

وما خير ملك يا معاوي مخدج

تجرع فيه الغيظ والوجه حالك

إذا شاء ردته السكون وحمير

وهمدان والحي الخفاف السكاسك

نصر : صالح بن صدقة ، عن ابن إسحاق ، عن خالد الخزاعي وغيره عمن لا يتهم(١) ، أن عثمان لما قتل وأتى معاوية كتاب علي بعزله عن الشام خرج حتى صعد المنبر ثم نادى في الناس أن يحضروا ، فحضروا المسجد فخطب الناس معاوية فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم ثم قال :

« يا أهل الشام ، قد علمتم أني خليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، وخليفة عثمان وقتل مظلوما ، وقد تعلمون أني وليه(٢) ، والله يقول في كتابه :( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا ) : وأنا أحب أن تعلموني ما في أنفسكم من قتل عثمان ».

قال : فقام كعب بن مرة السلمي ـ وفي المسجد يومئذ أربعمائة رجل

__________________

(١) ح ( ١ : ٢٥٣ ) : « ممن لا يتهم ».

(٢) ح : « وخليفة عثمان وقد قتل وأنا ابن عمه ووليه ».

٨١

أو نحو ذلك من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ فقال :

« والله لقد قمت مقامي هذا وإني لأعلم أن فيكم من هو أقدم صحبة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مني ، ولكني قد شهدت من رسول الله مشهدا لعل كثيرا منكم لم يشهده. وإنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نصف النهار في يوم شديد الحر فقال : « لتكونن فتنة حاضرة ». فمر رجل مقنع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا المقنع يومئذ على الهدى قال : فقمت فأخذت بمنكبيه(١) وحسرت عن رأسه فإذا عثمان ، فأقبلت بوجهه إلى رسول الله فقلت : هذا يارسول الله؟ قال : « نعم ».

فأصفق أهل الشام على معاوية ، وبايعوه على الطلب بدم عثمان أميرا لا يطمع في الخلافة ، ثم الأمر شورى.

وفي حديث محمد بن عبيد الله عن الجرجاني قال :

لما قدم عبيد الله بن عمر بن الخطاب على معاوية بالشام ، أرسل معاوية إلى عمرو بن العاص فقال :

« يا عمرو ، إن الله قد أحيا لك عمر بن الخطاب بالشام بقدوم عبيد الله ابن عمر ، وقد رأيت أن أقيمه خطيبا فيشهد على علي بقتل عثمان ، وينال منه ».

فقال : الرأي ما رأيت. فبعث إليه فأتى ، فقال له معاوية : يا ابن أخي ، إن لك اسم أبيك ، فانظر بملء عينيك ، وتكلم بكل فيك(٢) فأنت المأمون المصدق! فا [ صعد المنبر ، وا ] شتم عليا واشهد عليه أنه قتل عثمان. فقال : يا أمير المؤمنين(٣) أما شتميه فإنه علي بن أبي طالب ، وأمه فاطمة بنت أسد بن

__________________

(١) ح : « بمنكبه ».

(٢) ح ( ١ : ٢٥٦ ) : « وانطق بملء فيك ».

(٣) ح : « أيها الأمير ».

٨٢

هاشم ، فما عسى أن أقول في حسبه. وأما بأسه فهو الشجاع المطرق. وأما أيامه فما قدمت عرفت : ولكني ملزمه دم عثمان. فقال عمرو [ بن العاص ] : إذا والله قد نكأت القرحة(١) .

فلما خرج عبيد الله قال معاوية : أما والله لولا قتله الهرمزان ، ومخافة علي على نفسه(٢) ما أتانا أبدا. ألم تر إلى تقريظه عليا؟! فقال عمرو : « يا معاوية ، إن لم تغلب فاخلب ». فخرج حديث إلى عبيد الله ، فلما قام خطيبا تكلم بحاجته ، حتى إذا أتى إلى أمر علي أمسك [ ولم يقل شيئا ] ، فقال له معاوية(٣) : ابن أخي(٤) ، إنك بين عي أو خيانة! فبعث إليه : » كرهت أن أقطع الشهادة على رجل لم يقتل عثمان ، وعرفت أن الناس محتملوها عني [ فتركتها ] ». فهجره معاوية ، واستخف بحقه ، وفسقه فقال عبيد الله :

معاوي لم أخرص بخطبة خاطب

ولم أك عيا في لؤى بن غالب(٥)

ولكنني زاولت نفسا أبية

على قذف شيخ بالعراقين غائب

__________________

(١) ح : « قد وأبيك إذن نكأت القرحة ».

(٢) ح : « ومخافته عليا على نفسه ».

(٣) ح : « فلما نزل بعث إليه معاوية ».

(٤) في الأصل : « ابن أخ » تحريف ، والمنادي إذا كان مضافا إلى مضاف إلى الياء فالياء ثابتة لا غير كقولك : « يا ابن أخي » و « يا ابن خالي » إلى إن كان « ابن أم » أو « ابن عم » ففيهما مذاهب.

(٥) لم أخرص : لم أكذب. وفي الأصل وح : « لم أحرص » تحريف.

٨٣

وقذفي عليا بابن عفان جهرة

يجدع بالشحنا أنوف الأقارب(١)

فأما انتقافي أشهد اليوم وثبة

فلست لكم فيها ابن حرب بصاحب(٢)

ولكنه قد قرب القوم جهده

ودبوا حواليه دبيب العقارب(٣)

فما قال أحسنتم ولا قد أسأتم

وأطرق إطراق الشجاع المواثب

فأما ابن عفان فأشهد أنه

أصيب بريئا لابسا ثوب تائب

حرام على آهاله نتف شعره

فكيف وقد جازوه ضربة لازب(٤)

وقد كان فيها للزبير عجاجة

وطلحة فيها جاهد غير لاعب

وقد أظهرا من بعد ذلك توبة

فياليت شعري ما هما في العواقب

__________________

(١) الشحناء : البغض والعداوة ، وفي الأصل : « أجدع بالشحناء » : وفي ح : « كذاب وما طبعي سجايا المكاذب » ، وجه هذه « وما طبي ».

(٢) البيت لم يرو في ح ، وفي صدره تحريف.

(٣) ح : « ولكنه قد حزب القوم حوله ».

(٤) الآهال : جمع أهل ، وأنشد الجوهري : * وبلدة ما الجن من آهالها *

٨٤

فلما بلغ معاوية شعره بعث إليه فأرضاه وقربه وقال : « حسبي هذا منك ».

نصر ، عن عمر بن سعد عن أبي ورق ، أن ابن عمر بن مسلمة الأرحبي أعطاه كتابا في إمارة الحجاج بكتاب من معاوية إلى علي. قال : وإن أبا مسلم الخولاني(١) قدم إلى معاوية في أناس من قراء أهل الشام ، [ قبل مسير أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى صفين ، ] فقالوا [ له ] : يا معاوية علام تقاتل عليا ، وليس لك مثل صحبته ولا هجرته ولا قرابته ولا سابقته؟ قال لهم : ما أقاتل عليا وأنا أدعى أن لي في الإسلام مثل صحبته ولا هجرته ولا قرابته ولا سابقته ، ولكن خبروني عنكم ، ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوما؟ قالوا : بلى. قال : فليدع إلينا(٢) قتلته فنقتلهم به ، ولا قتال بيننا وبينه. قالوا : فاكتب [ إليه ] كتابا يأتيه [ به ] بعضنا. فكتب إلى علي هذا الكتاب مع أبي مسلم الخولاني ، فقدم به على علي ، ثم قام أبو مسلم خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

« أما بعد فإنك قد قمت بأمر وتوليته(٣) ، والله ما أحب أنه لغيرك إن أعطيت الحق من نفسك ، إن عثمان قتل مسلما محرما(٤) مظلوما ، فادفع

__________________

(١) أبو مسلم الخولاني الزاهد الشامي هو عبد الله بن ثوب ، بضم المثلثة وفتح الواو ، وقيل بإشباع الواو ، وقيل ابن أثوب بوزن أحمر ، ويقال ابن عوف وابن مشكم ، ويقال اسمه يعقوب بن عوف ، وكان ممن رحل إلى النبي فلم يدركه ، وعاش إلى زمن يزيد بن معاوية. انظر تقريب التهذيب ٦١٢ والمعارف ١٩٤. وفي الأصل : « الحولاني » بالمهملة ، صوابه بالخاء المعجمة ، كما في ح ( ٣ : ٤٠٧ ) نسبة إلى خولان ، بالفتح ، إحدى قبائل اليمن.

(٢) ح ( ٣ : ٤٠٧ ) : « فليدفع إلينا ».

(٣) ح : ( ٣ : ٤٠٨ ) : « وليته ».

(٤) محرما : أي له حرمة وذمة ، أو أراد أنهم قتلوه في آخر ذي الحجة ، وقال أبو عمرو :

٨٥

إلينا قتلته ، وأنت أميرنا ، فإن خالفك أحد من الناس كانت أيدينا لك ناصرة ، وألسنتنا لك شاهدة ، وكنت ذا عذر وحجة ».

فقال له على : اغد على غدا ، فخذ جواب كتابك. فانصرف ثم رجع من الغد ليأخذ جواب كتابه فوجد الناس قد بلغهم الذي جاء فيه ، فلبست الشيعة أسلحتها ثم غدوا فملؤوا المسجد وأخذوا ينادون : كلنا قتل ابن عفان [ وأكثروا من النداء بذلك ] ، وأذن لأبي مسلم فدخل على علي أمير المؤمنين فدفع إليه جواب كتابه معاوية ، فقال له أبو مسلم : قد رأيت قوما ما لك معهم أمر. قال : وما ذاك؟ قال : بلغ القوم أنك تريد أن تدفع إلينا قتلة عثمان فضجوا واجتمعوا ولبسوا السلاح وزعموا أنهم كلهم قتلة عثمان. فقال علي : « والله ما أردت أن أدفعهم إليك طرفة عين ، لقد ضربت هذا الأمر أنفه وعينيه ما رأيته ينبغي لي أن أدفعهم إليك ولا إلى غيرك ».

فخرج بالكتاب وهو يقول : الآن طاب الضراب.

وكان كتاب معاوية إلى عليعليه‌السلام (١) :

بسم الله الرحمن الرحيم

من معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب. سلام عليك ، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد فإن الله اصطفى محمدا بعلمه ، وجعله الأمين على وحيه ، والرسول إلى خلقه ، واجتبى له من المسلمين أعوانا أيده الله بهم ،

__________________

أي صائما ، ويقال أراد لم يحل بنفسه شيئا يوقع به ، فهو محرم. وبكل هذه التأويلات فسر بيت الراعي ، الذي أنشده صاحب اللسان ( ١٥ : ١٣ ) :

قتلوا ابن عفان الخليفة محرما

ودعا فلم أر مثله مقتولا

وانظر خزانة الأدب ( ١ : ٥٠٣ ـ ٥٠٤ ).

(١) انظر هذا الكتاب أيضا في العقد ( ٣ : ١٠٧ ).

٨٦

فكانوا في منار لهم عنده على قدر فضائلهم في الإسلام. فكان أفضلهم في إسلامه ، وأنصحهم لله ولرسوله الخليفة من بعده ، وخليفة خليفته ، والثالث الخليفة المظلوم عثمان ، فكلهم حسدت ، وعلى كلهم بغيت. عرفنا ذلك في نظرك الشزر ، وفي قولك الهجر ، وفي تنفسك الصعداء ، وفي إبطائك عن الخلفاء ، تقاد إلى كل منهم كما يقاد الفحل المخشوش(١) حتى تبايع وأنت كاره. ثم لم تكن لأحد منهم بأعظم حسدا منك لابن عمك عثمان ، وكان أحقهم ألا تفعل به ذلك في قرابته وصهره ، فقطعت رحمه ، وقبحت محاسنه ، وألبت الناس عليه ، وبطنت وظهرت ، حتى ضربت إليه آباط الإبل ، وقيدت إليه الخيل العراب ، وحمل عليه السلاح في حرم رسول الله ، فقتل معك في المحلة وأنت تسمع في داره الهائعة(٢) ، لا تردع الظن والتهمة عن نفسك فيه بقول ولا فعل. فأقسم صادقا أن لو قمت فيما كان من أمره مقاما واحدا تنهنه الناس عنه ما عدل بك من قبلنا من الناس أحدا ، ولمحا ذلك عندهم ما كانوا يعرفونك به من المجانبة لعثمان والبغي عليه. وأخرى أنت بها عند أنصار عثمان ظنين : إيواؤك قتلة عثمان ، فهم عضدك وأنصارك ويدك وبطانتك(٣) . وقد ذكر لي أنك تنصل من دمه ، فإن كنت صادقا فأمكنا من قتلته نقتلهم به ، ونحن أسرع [ الناس ] إليك. وإلا فإنه فليس لك ولا لأصحابك إلا السيف. والذي لا إله إلا هو لنطلبن قتلة عثمان في الجبال والرمال ، والبر والبحر ، حتى يقتلهم الله ، أو لتلحقن أرواحنا بالله. والسلام.

__________________

(١) المخشوش : الذي جعل في عظم أنفه الخشاش ، وهو بالكسر ، عويد يجعل في أنف البعير يشد به الزمام ليكون أسرع في انقياده.

(٢) الهائعة : الصوت الشديد.

(٣) بطانة الرجل : خاصته وصاحب سره. وفي الأصل : « بطاشك » صوابه في ح.

٨٧

فكتب إليه عليعليه‌السلام :

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان. أما بعد فإن أخا خولان قدم على بكتاب منك تذكر فيه محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسلم ، وما أنعم الله عليه به من الهدى والوحي. والحمد لله الذي صدقه الوعد ، وتمم له النصر(١) ، ومكن له في البلاد ، وأظهره على أهل العداء(٢) والشنآن ، من قومه الذين وثبوا به ، وشنفوا له(٣) ، وأظهروا له التكذيب ، وبارزوه بالعداوة ، وظاهروا على إخراجه وعلى إخراج أصحابه [ وأهله ] ، وألبوا عليه العرب ، وجامعوهم على حربه ، وجهدوا في أمره كل الجهد ، وقلبوا له الأمور حتى ظهر أمر الله وهم كارهون. وكان أشد الناس عليه ألبة(٤) أسرته والأدنى فالأدنى من قومه إلا من عصمه الله(٥) يا ابن هند. فلقد خبأ لنا الدهر منك عجبا ، ولقد قدمت فأفحشت ، إذ طفقت تخبرنا عن بلاء الله تعالى في نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وفينا ، فكنت في ذلك كجالب التمر إلى هجر ، أو كداعي مسدده إلى النضال(٦) . وذكرت أن الله اجتبى له من المسلمين أعوانا أيده الله بهم ، فكانوا في منازلهم عنده عل قدر فضائلهم في الإسلام ،

__________________

(١) ح : « وأيده بالنصر ».

(٢) في الأصل : « العدى » تحريف. وفي ح : « العداوة ».

(٣) شنف له يشنف شنفا ، من باب تعب : أبغضه. وفي الحديث في إسلام أبي ذر : « فإنهم قد شنفوا له » ، أي أبغضوه.

(٤) الألبة : المرة من الألب ، وهو التحريض. والذي في ح : « تأليبا وتحريضا ».

(٥) الكلام بعد هذه إلى كلمة : « النضال » لم يرد في ح.

(٦) التسديد : التعليم. أي كمن يدعو من علمه النضال إلى النضال.

٨٨

فكان أفضلهم ـ زعمت ـ في الإسلام ، وأنصحهم لله ورسوله الخليفة ، وخليفة الخليفة. ولعمري إن مكانهما من الإسلام لعظيم ، وإن المصاب بهما لجرح في الإسلام شديد. رحمهما الله وجزاهما بأحسن الجزاء(١) . وذكرت أن عثمان كان في الفضل ثالثا(٢) ، فإن يكن عثمان محسنا فسيجزيه الله بإحسانه ، وإن يك مسيئا فسيلقي ربا غفورا لا يتعاظمه ذنب أن يغفره. ولعمر الله إني لأرجو إذا أعطى الله الناس على قدر فضائلهم في الإسلام ونصيحتهم لله ورسوله أن يكون نصيبنا في ذلك الأوفر. إن محمدا صلى الله عليه وسلم لما دعا إلى الإيمان بالله والتوحيد كنا ـ أهل البيت ـ أول من آمن به ، وصدق بما جاء به ، فلبثنا أحوالا مجرمة(٣) وما يعبد الله في ربع ساكن من العرب غيرنا ، فأراد قومنا قتل نبينا ، واجتياح أصلنا ، وهموا بنا الهموم ، وفعلوا بنا الأفاعيل ، فمنعونا الميرة ، وأمسكوا عنا العذب(٤) ، وأحلسونا الخوف(٥) ، وجعلوا علينا الأرصاد والعيون ، واضطرونا إلى جبل وعر ، وأوقدوا لنا نار الحرب ، وكتبوا علينا بينهم كتابا لا يواكلونا ولا يشاربونا ولا يناكحونا ولا يبايعونا ولا نأمن فيهم حتى ندفع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسلم فيقتلوه ويمثلوا به. فلم نكن نأمن فيهم إلا من موسم إلى موسم ، فعزم الله لنا على منعه ، والذب عن حوزته ، والرمي من وراء حرمته ، والقيام

__________________

(١) ح : « وجزاهما أحسن ما عملا ».

(٢) ح : « تاليا » :

(٣) أي سنين كاملة. والمجرمة ، بتشديد الراء المفتوحة.

(٤) الميرة ، بالكسر : ما يجلب من الطعام. والعذب ، عنى به الماء العذب.

(٥) أي ألزموناه. انظر ح ( ٣ : ٣٠٤ ). وفي الأصل : « وأحلسوا » صوابه في ح ( ٣ : ٣٠٣ ، ٤٠٨ ).

٨٩

بأسيافنا دونه في ساعات الخوف بالليل والنهار(١) ، فمؤمننا يرجو بذلك الثواب ، وكافرنا يحامي به عن الأصل. فأما من أسلم من قريش بعد فإنهم مما نحن فيه أخلياء ، فمنهم حليف ممنوع ، أو ذو عشيرة تدافع عنه فلا يبغيه أحد بمثل ما بغانا به قومنا من التلف ، فهم من القتل بمكان نجوة وأمن. فكان ذلك ما شاء الله أن يكون ، ثم أمر الله رسوله بالهجرة ، وأذن له بعد ذلك في قتال المشركين ، فكان إذا احمر البأس ودعيت نزال أقام أهل بيته فاستقدموا ، فوقى بهم أصحابه حر الأسنة والسيوف ، فقتل عبيدة(٢) يوم بدر ، وحمزة يوم أحد ، وجعفر وزيد يوم مؤتة ، وأراد لله من لو شئت ذكرت اسمه مثل الذي أرادوا من الشهادة مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسلم غير مرة ، إلا أن آجالهم عجلت ، ومنيته أخرت. والله مولى الإحسان إليهم ، والمنان عليهم ، بما قد أسلفوا من الصالحات. فما سمعت بأحد ولا رأيت فيهم من هو أنصح لله في طاعة رسوله ، ولا أطوع لرسوله في طاعة ربه ، ولا أصبر على اللأواء والضراء وحين البأس ومواطن المكروه مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من هؤلاء النفر الذين سميت لك. وفي المهاجرين خير كثير نعرفه(٣) ، جزاهم الله بأحسن أعمالهم. وذكرت(٤) حسدي الخلفاء ، وإبطائي عنهم ، وبغيي عليهم. فأما البغي فمعاذ الله أن يكون ، وأما الإبطاء عنهم والكراهة لأمرهم فلست أعتذر منه إلى الناس ، لأن الله جل ذكره لما قبض نبيه

__________________

(١) في الأصل : « والليل والنهار » ، وأثبت ما في ح.

(٢) هو عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف. وهو أول من عقدت له راية في الإسلام. انظر الإصابة ٥٣٦٧. وقد تزوج الرسول الكريم زوجته زينب بنت خزيمة بعده. انظر المعارف ٥٩.

(٣) ح ( ٣ : ٤٠٩ ) : « خير كثير يعرف ».

(٤) في الأصل : « فذكرت » صوابه بالواو ، كما في ح.

٩٠

صلى الله عليه وسلم قالت قريش : منا أمير ، وقالت الأنصار : منا أمير. فقالت قريش : منا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنحن أحق بذلك الأمر. فعرفت ذلك الأنصار فسلمت لهم الولاية والسلطان. فإذا استحقوها بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله دون الأنصار فإن أولى الناس بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله أحق بها منهم. وإلا فإن الأنصار أعظم العرب فيها نصيبا فلا أدري أصحابي سلموا من أن يكونوا حقي أخذوا ، أو الأنصار ظلموا. [ بل ] عرفت أن حقي هو المأخوذ ، وقد تركته لهم تجاوز الله عنهم. وأما ما ذكرت من أمر عثمان وقطيعتي رحمه ، وتأليبي عليه فإن عثمان عمل ما [ قد ] بلغك ، فصنع الناس [ به ] ما قد رأيت وقد علمت. إني كنت في عزلة عنه ، إلا أن تتجني ، فتجن ما بدا لك. وأما ما ذكرت من أمر قتله عثمان فإني نظرت في هذا الأمر وضربت أنفه وعينيه فلم أر دفعهم إليك ولا إلى غيرك. ولعمري لئن لم تنزع عن غيك وشقاقك لتعرفنهم عن قليل يطلبونك ، ولا يكلفونك أن تطلبهم في بر ولا بحر ، ولا جبل ولا سهل. وقد كان أبوك أتاني حين ولي الناس أبا بكر فقال : أنت أحق بعد محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله بهذا الأمر ، وأنا زعيم لك بذلك على من خالف عليك. ابسط يدك أبايعك. فلم أفعل. وأنت تعلم أن أباك قد كان قال ذلك وأراده حتى كنت أنا الذي أبيت ؛ لقرب عهد الناس بالكفر ، مخافة الفرقة بين أهل الإسلام. فأبوك كان أعرف بحقي منك. فإن تعرف من حقي ما كان يعرف أبوك تصب رشدك ، وإن لم تفعل فسيغني الله عنك والسلام.

آخر الجزء الثاني من أضل عبدالوهاب

٩١

نصر بن مزاحم ، عن عمر بن سعد ، عن إسماعيل بن يزيد ، والحارث بن حصيرة ، عن عبد الرحمن بن عبيد بن أبي الكنود قال :

لما أراد علي المسير إلى أهل الشام دعا إليه من كان معه من المهاجرين والأنصار ، فحمد الله وأثنى عليه وقال : « أما بعد فإنكم ميامين الرأي ، مراجيح الحلم ، مقاويل بالحق ، مباركو الفعل والأمر. وقد أردنا المسير إلى عدونا ، وعدوكم فأشيروا علينا برأيكم ».

فقام هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال : « أما بعد يا أمير المؤمنين فأنا بالقوم جد خبير ، هم لك ولأشياعك أعداء ، وهم لمن يطلب حرث الدنيا أولياء ، وهم مقاتلوك ومجاهدوك(١) لا يبقون(٢) جهدا ، مشاحة على الدنيا ، وضنا بما في أيديهم منها. وليس لهم إربة غيرها إلا ما يخدعون به الجهال من الطلب بدم عثمان بن عفان(٣) . كذبوا ليسوا بدمه يثأرون(٤) ولكن الدنيا يطلبون. فسر بنا إليهم(٥) ، فإن أجابوا إلى الحق فليس بعد الحق إلا الضلال. وإن أبو إلا الشقاق فذلك الظن بهم(٦) . والله ما أراهم يبايعون وفيهم أحد ممن يطاع إذا نهى ، و [ لا ] يسمع إذا أمر ».

نصر : عمر بن سعد ، عن الحارث بن حصيرة ، عن عبد الرحمن بن عبيد ابن أبي الكنود ، أن عمار بن ياسر قام فذكر الله بما هو أهله ، وحمده وقال : يا أمير المؤمنين ، إن استطعت ألا تقيم يوما واحدا فا [ فعل. ا ] شخص بنا

__________________

(١) ح ( ١ : ٢٧٨ ) : « ومجادلوك » لعل هذه : « ومجالدوك ».

(٢) ح : « لا يبغون » تحريف.

(٣) ح : « من طلب دم ابن عفان ».

(٤) ح : « ليسوا لدمه ينفرون ».

(٥) ح : « انهض بنا إليهم ».

(٦) ح : « فذاك ظني بهم ».

٩٢

قبل استعار نار الفجرة ، واجتماع رأيهم على الصدود والفرقة ، وادعهم إلى رشدهم وحظهم. فإن قبلوا سعدوا ، وإن أبوا إلا حربنا فوالله إن سفك دمائهم ، والجد في جهادهم ، لقربة عند الله ، وهو كرامة منه ».

وفي هذا الحديث : ثم قام قيس بن سعد بن عبادة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : « يا أمير المؤمنين ، انكمش بنا إلى عدونا ولا تعرد(١) ، فوالله لجهادهم أحب إلى من جهاد الترك والروم ؛ لإدهانهم في دين الله(٢) ، واستذلالهم أولياء الله من أصحاب محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان. إذا غضبوا على رجل حبسوه أو ضربوه أو حرموه أو سيروه(٣) . وفيئنا لهم في أنفسهم حلال ، ونحن لهم ـ فيما يزعمون ـ قطعين(٤) . قال : يعني رقيق.

فقال أشياخ الأنصار ، منهم خزيمة بن ثابت ، وأبو أيوب الأنصاري وغيرهما : لم تقدمت أشياخ قومك وبدأتهم يا قيس بالكلام؟ فقال : أما إني عارف بفضلكم ، معظم لشأنكم ، ولكني وجدت في نفسي الضغن الذي جاش في صدوركم حين ذكرت الأحزاب.

فقال بعضهم لبعض : ليقم رجل منكم فليجب أمير المؤمنين عن جماعتكم. فقالوا : قم يا سهل بن حنيف. فقام سهل فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : « يا أمير المؤمنين ، نحن سلم لمن سالمت ، وحرب لمن حاربت ، ورأينا رأيك ونحن كف يمينك. وقد رأينا أن تقوم بهذا الأمر في أهل الكوفة ، فتأمرهم بالشخوص ، وتخبرهم بما صنع الله لهم في ذلك من الفضل ؛ فإنهم هم أهل البلد

__________________

(١) الانكماش : الإسراع والجد. والتعريد : الفرار والإحجام والانهزام. ح : « ولا تعرج ».

(٢) الإدهان : الغش والمصانعة. وفي التنزيل العزيز :( ودوا لو تدهن فيدهنون ) .

(٣) في اللسان : « سيره من بلده : أخرجه وأجلاه ».

(٤) القطين : الخدم والأتباع والحشم والمماليك.

٩٣

وهم الناس. فإن استقاموا لك استقام لك الذي تريد وتطلب. وأما نحن فليس عليك منا خلاف ، متى دعوتنا أجبناك ، ومتى أمرتنا أطعناك ».

نصر : عمر بن سعد ، عن أبي مخنف ، عن زكريا بن الحارث ، عن أبي حشيش(١) ، عن معبد قال : قام علي خطيبا على منبره ، فكنت تحت المنبر حين حرض الناس وأمرهم بالمسير إلى صفين لقتال أهل الشام. فبدأ فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

« سيروا إلى أعداء [ الله. سيروا إلى أعداء ] السنن والقرآن ، سيروا إلى بقية الأحزاب ، قتلة المهاجرين والأنصار ».

فقام رجل من بني فزارة يقال له أربد فقال : أتريد أن تسيرنا إلى إخواننا من أهل الشام فنقتلهم لك ، كما سرت بنا إلى إخواننا من أهل البصرة فقتلناهم. كلا ، ها الله إذا لا نفعل ذلك(٢) . فقام الأشتر فقال : من لهذا إيها الناس(٣) ؟ وهرب الفزاري واشتد الناس على أثره ، فلحق بمكان من السوق تباع فيه البراذين ، فوطئوه بأرجلهم وضربوه بأيديهم ونعال سيوفهم(٤) حتى قتل ، فأتى علي فقيل : يا أمير المؤمنين ، قتل الرجل. قال : ومن قتله؟ قالوا : قتلته همدان وفيهم شوبة من الناس(٥) . فقال : قتيل عمية لا يدري

__________________

(١) ح ( ١ : ٢٧٩ ) : « أبي خشيش ».

(٢) ها التنبيه ، قد يقسم بها ، كما هنا. قال ابن منظور : « إن شئت حذفت الألف التي بعد الهاء ، وإن شئت أثبت ».

(٣) ح : « من هذا المأزق ».

(٤) نعل السيف : ما يكون في أسفل جفنه من حديدة أو فضة.

(٥) ح : « ومعهم شوب من الناس ».

٩٤

من قتله(١) ، ديته من بيت مال المسلمين. وقال علاقة التيمي(٢) :

أعوذ بربي أن تكون منيتي

كما مات في سوق البراذين أربد

تعاوره همدان خفق نعالهم

إذا رفعت عنه يد وضعت يد

قال : وقام الأشتر فحمد الله وأثنى عليه فقال : « يا أمير المؤمنين ، لا يهدنك ما رأيت ، ولا يؤيسنك من نصرنا ما سمعت من مقالة هذا الشقي الخائن. جميع من ترى من الناس شيعتك ، وليسوا يرغبون بأنفسهم عن نفسك ، ولا يحبون بقاء بعدك. فإن شئت فسر بنا إلى عدوك. والله ما ينجو من الموت من خافه ، ولا يعطى البقاء من أحبه ، وما يعيش بالآمال إلا شقى. وإنا لعلى بينة من ربنا أن نفسا لن تموت حتى يأتي أجلها ، فكيف لا نقاتل قوما هم كما وصف أمير المؤمنين ، وقد وثبت عصابة منهم على طائفة من المسلمين [ بالأمس ] فأسخطوا الله ، وأظلمت بأعمالهم الأرض ، وباعوا خلاقهم(٣) بعرض من الدنيا يسير ».

فقال عليعليه‌السلام : « الطريق مشترك ، والناس في الحق سواء ، ومن اجتهد رأيه في نصيحة العامة فله ما نوى وقد قضى ما عليه ». ثم نزل فدخل منزله.

نصر : عمر بن سعد قال : حدثني أبو زهير العبسي ، عن النضر بن صالح ، أن عبد الله بن المعتم العبسي ، وحنظلة بن الربيع التميمي ، لما أمر عليعليه‌السلام الناس بالمسير إلى الشام ، دخلا في رجال كثير من غطفان وبني تميم على

__________________

(١) العمية ، بكسر العين وتشديد الميم المكسورة والياء المفتوحة المشددة ، ويقال أيضا « عميا » بوزنه مع القصر ، أي ميتة فتنة وجهالة.

(٢) بدلها في ح : « فقال بعض بني تيم اللات بن ثعلبة ».

(٣) الخلاق ، بالفتح : الحظ والنصيب من الخير.

٩٥

أمير المؤمنين ، فقال له التميمي : « يا أمير المؤمنين ، إنا قد مشينا إليك بنصيحة فاقبلها منا ، ورأينا لك رأيا فلا ترده علينا ، فإنا نظرنا لك ولمن معك. أقم وكاتب هذا الرجل ، ولا تعجل إلى قتال أهل الشام ، فإني والله ما أدري ولا تدري لمن تكون إذا التقيتم الغلبة ، وعلى من تكون الدبرة ».

وقام ابن المعتم فتكلم ، وتكلم القوم الذين دخلوا معهما بمثل ما تكلم به ، فحمد على الله وأثنى عليه ، وقال :

« أما بعد فإن الله وارث العباد والبلاد ، ورب السموات السبع والأرضين السبع ، وإليه ترجعون. يؤتي الملك من يشاء وينزعه ممن يشاء ، ويعز من يشاء ويذل من يشاء. أما الدبرة فإنها على [ الضالين ] العاصين ، ظفروا أو ظفر بهم. وايم الله إني لأسمع كلام قوم ما أراهم يريدون أن يعرفوا معروفا ، ولا ينكروا منكرا ».

فقام إليه معقل بن قيس اليربوعي ثم الرياحي فقال :

« يا أمير المؤمنين ، إن هؤلاء والله ما أتوك بنصح ، ولا دخلوا عليك إلا بغش ، فاحذرهم فإنهم أدنى العدو ».

فقال له مالك بن حبيب : يا أمير المؤمنين ، إنه بلغني أن حنظلة هذا يكاتب معاوية ، فادفعه إلينا نحبسه حتى تنقضي غزاتك ثم تنصرف.

وقام إلى علي عياش بن ربيعة ، وقائد بن بكير العبسيان ، فقالا : يا أمير المؤمنين ، إن صاحبنا عبد الله بن المعتم قد بلغنا أنه يكاتب معاوية ، فأحبسه أو أمكنا منه نحبسه حتى تنقضي غزاتك وتنصرف. فأخذا يقولان : هذا جزاء من نظر لكم(١) وأشار عليكم بالرأي فيما بينكم وبين عدوكم. فقال

__________________

(١) في الأصل : « من نصركم » صوابه من ح ( ١ : ٢٨٠ ).

٩٦

لهما علي : « الله بيني وبينكم ، وإليه أكلكم ، وبه أستظهر عليكم. اذهبوا حيث شئتم ». ثم بعث علي إلى حنظلة بن الربيع ، المعروف بحنظلة الكاتب(١) ، وهو من الصحابة ، فقال : يا حنظلة ، أعلي أم لي؟ قال : لا عليك ولا لك. قال : فما تريد؟ قال : اشخص إلى الرها(٢) ، فإنه فرج من الفروج ، اصمد له حتى ينقضى هذا الأمر. فغضب من ذلك خيار بني عمرو بن تميم ـ وهم رهطه ـ فقال : إنكم والله لا تغروني من ديني. دعوني فأنا أعلم منكم. فقالوا : والله لئن لم تخرج مع هذا الرجل لا ندع فلانة تخرج معك ـ لأم ولده ـ ولا ولدها. ولئن أردت ذلك لنقتلنك. فأعانه ناس من قومه فاخترطوا سيوفهم ، فقال : أجلوني [ حتى ] أنظر. فدخل منزله وأغلق بابه حتى إذا أمسى هرب إلى معاوية ، وخرج من بعده إليه من قومه رجال كثير ، ولحق ابن المعتم أيضا حتى أتى معاوية ، وخرج معه أحد عشر رجلا من قومه. وأما حنظلة فخرج بثلاثة وعشرين رجلا من قومه ، ولكنهما لم يقاتلا مع معاوية واعتزلا الفريقين جميعا ، فقال حنظلة حين خرج إلى معاوية :

يسل غواة عند بابي سيوفها

ونادى مناد في الهجيم لأقبلا

سأترككم عودا لأصعب فرقة

إذا قلتم كلا يقول لكم بلى

قال : فلما هرب حنظلة أمر علي بداره فهدمت ، هدمها عريفهم بكر بن تميم ، وشبث بن ربعي ، فقال في ذلك :

__________________

(١) هو حنظلة بن الربيع ـ ويقال ابن ربيعة ـ بن صيفي ، ابن أخي أكثم بن صيفي حكيم العرب. وكتب للنبي صلى الله عليه وسلم مرة كتابا فسمى بذلك « الكاتب ». وكانت الكتابة قليلة في العرب. وكان ممن تخف عن عليعليه‌السلام يوم الجمل. وهو الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم : « لليهود يوم وللنصارى يوم ، فلو كان لنا يوم » فنزلت سورة الجمعة. انظر الإسابة ١٨٥٥ والمعارف ١٣٠.

(٢) الرها ، بضم أوله والمد والقصر : مدينة بالجزيرة بين الموصل والشام

٩٧

أيا راكبا إما عرضت فبلغن

مغلغلة عني سراة بني عمرو

فأوصيكم بالله والبر والتقي

ولا تنظروا في النائبات إلى بكر

ولا شبث ذي المنخرين كأنه

أزب جمال في ملاحية صفر(١)

وقال أيضا يحرض معاوية بن أبي سفيان :

أبلغ معاوية بن حرب خطة

ولكل سائلة تسيل قرار

انقبلن دنية تعطونها

في الأمر حتى تقتل الأنصار

وكما تبوء دماؤهم بدمائكم

وكما تهدم بالديار ديار(٢)

وترى نساؤهم يجلن حواسرا

ولهن من علق الدماء خوار(٣)

نصر : عمر بن سعد ، عن سعد بن طريف ، عن أبي المجاهد ، عن المحل ابن خليفة قال : قام عدي بن حاتم الطائي [ بين يدي عليعليه‌السلام ] فحمد الله بما هو أهله وأثنى عليه ثم قال : « يا أمير المؤمنين ، ما قلت إلا بعلم ، ولا دعوت إلا إلى حق ، ولا أمرت إلا برشد. فإن رأيت(٤) أن تستأني هؤلاء القوم وتستديمهم حتى تأتيهم كتبك ، ويقدم عليهم ررسلك ـ فعلت.

__________________

(١) الأزب من الإبل : الكثير شعر الوجه والعثنون. والملاحي ، بضم الميم وتخفيف اللام ، هو من الأراك ما فيه بياض وشهبة وحمرة. وفي ح : « قد غار ليلة النفر » ، وفي هامش الأصل : « قد دعا ليلة النفر » إشارة إلى أنه كذلك في نسخة أخرى. صواب هذين : « قد رغا ».

(٢) في الأصل :

وتجر قتلاهم بقتلى حروب

وكما يقدم بالديار ديار

وأثبت ما في ح ( ١ : ٢٨٠ ). وكتب في حاشية الأصل : « وكما تبوء دماؤهم بدمائكم » إشارة إلى أن صدره كذلك في نسخة أخر.

(٣) أصل الخوار صوت البقر والغنم والظباء. وفي ح : « من ثكل الرجال خوار ».

(٤) ح : ( ١ : ٢٨٠ ) : « ولكن إذا رأيت ».

٩٨

فإن يقبلوا يصيبوا ويرشدوا(١) ، والعافية أوسع لنا ولهم. وإن يتمادوا في الشقاق ولا ينزعوا عن الغي فسر إليهم. وقد قدمنا إليهم العذر(٢) ودعوناهم إلى ما في أيدينا من الحق ، فوالله لهم من الله أبعد ، وعلى الله أهون ، من قوم قاتلناهم بناحية البصرة أمس ، لما أجهد لهم الحق(٣) فتركوه ، ناوخناهم براكاء(٤) القتال حتى بلغنا منهم ما نحب ، وبلغ الله منهم رضاه فيما يرى ».

فقام زيد بن حصين الطائي ـ وكان من أصحاب البرانس(٥) المجتهدين فقال : الحمد لله حتى يرضى ، ولا إله إلا الله ربنا ، ومحمد رسول الله نبينا. إما بعد فوالله لئن كنا في شك من قتال من خالفنا ، لا يصلح لنا النية في قتالهم حتى نستديمهم ونستأنيهم. ما الأعمال إلا في تباب ، ولا السعي إلا في ضلال. والله يقول :( وأما بنعمة ربك فحدث ) . إنا والله ما ارتبنا طرفة عين فيمن يبتغون دمه(٦) ، فكيف بأتباعه القاسية قلوبهم ، القليل في الإسلام حظهم ، أعوان الظلم ومسددي أساس الجور والعدوان(٧) . ليسوا من المهاجرين ولا الأنصار ، ولا التابعين بإحسان.

__________________

(١) ح : « يصيبوا رشدهم ».

(٢) ح : « بالعذر ».

(٣) في اللسان : « أجهد لك الطريق وأجهد لك الحق : برز وظهر ووضح ». وفي الأصل « أجهدنا » والفعل لازم كما رأيت. كما رأيت. وفي ح : « لما دعوناهم إلى الحق ».

(٤) البراكاء ، بضم الراء وفتحها : الابتراك في الحرب ، وهو أن يجثو القوم على ركبهم. والمناوخة : مفاعله من النوخ ، وهو البروك. وفي الأصل : « ناوحناهم » بالمهملة ، صوابه في ح.

(٥) البرنس ، بالضم : قلنسوة طويلة ، أو كل ثوب رأسه منه.

(٦) ح : « فيمن يتبعونه ».

(٧) ح : « وأصحاب الجور والعدوان ».

٩٩

فقام رجل من طيئ فقال : يا زيد بن حصين ، أكلام سيدنا عدي بن حاتم تهجن؟ قال : فقال زيد : ما أنتم بأعرف بحق عدي مني ، ولكني لا أدع القول بالحق وإن سخط الناس. قال : فقال عدي بن حاتم : الطريق مشترك ، والناس في الحق سواء. فمن اجتهد رأيه في نصيحة العامة فقد قضى الذي عليه(١) .

نصر : عمر بن سعد ، عن الحارث بن حصيرة(٢) قال : دخل أبو زبيب(٣) بن عوف على علي فقال : « يا أمير المؤمنين ، لئن كنا على الحق لأنت أهدانا سبيلا ، وأعظمنا في الخير نصيبا ، ولئن كنا في ضلالة إنك لأثقلنا ظهرا وأعظمنا وزرا : أمرتنا بالمسير إلى هذا العدو وقد قطعنا ما بيننا وبينهم من الولاية ، وأظهرنا لهم العداوة ، نريد بذلك ما يعلم الله [ من طاعتك ] ، وفي أنفسنا من ذلك ما فيها. أليس الذي نحن عليه الحق المبين ، والذي عليه عدونا الغي والحوب الكبير؟ ».

فقال علي : « [ بلى ] ، شهدت أنك إن مضيت معنا ناصرا لدعوتنا ، صحيح النية في نصرتنا ، قد قطعت منهم الولاية ، وأظهرت لهم العداوة كما زعمت ، فإنك ولي الله تسيح(٤) في رضوانه ، وتركض في طاعته : فأبشر أبا زبيب ».

__________________

(١) ما بعد : « سخط الناس » ساقط من ح ، فهو إما دخيل على النسخة ، أو تمثل من عدي بقول عليعليه‌السلام ، الذي سبق في ص ٩٥.

(٢) سبقت ترجمته في ص ٣. وفي الأصل : « حضيرة » بالضاد المعجمة ، تحريف. وفي هامش الأصل « خ : حصين » إشارة إلى أنه « حصين » في نسخة أخرى. وهذه الأخيرة توافق ما ورد في ح ( ١ : ٢٨٠ ). وليس بشيء.

(٣) ح : « أبو زينب » في جميع المواضع.

(٤) ح : « تسبح » من السباحة.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458