تذكرة الفقهاء الجزء ١٠

تذكرة الفقهاء13%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-197-4
الصفحات: 458

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 458 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 189230 / تحميل: 5793
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٠

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-١٩٧-٤
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

في السَّلَم عندنا ، وإذا فعل ذلك ، صحّ البيع في قول أكثر العلماء(١) ؛ لانتفاء الجهالة بذكر الأوصاف ، فصحّ ، كالسَّلَم.

وعن أحمد والشافعي وجهان ، أحدهما : أنّه لا يصحّ حتى يراه ؛ لأنّ الصفة لا تحصل بها معرفة المبيع ، فلم يصحّ البيع بها(٢) .

ويمنع عدم المعرفة مع ذكر الأوصاف.

أمّا ما لا يصحّ السَّلَم فيه فلا يصحّ بيعه بالصفة ؛ لعدم ضبطه.

فروع :

أ - إذا وصفه ووجده على الصفة ، لم يكن له الفسخ ، عند علمائنا أجمع - وبه قال محمّد بن سيرين وأحمد وأيّوب ومالك والعنبري وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر(٣) - لأنّه سلم له المعقود بصفاته ، فلم يكن له خيار ، كالمسلم فيه. ولأنّه مبيع موصوف ، فلم يكن للعاقد فيه الخيار في جميع الأحوال ، كالسَّلَم.

وقال الثوري وأصحاب الرأي : له الخيار بكلّ حالٍ ؛ لأنّه يسمّى خيار الرؤية(٤) .

وللشافعيّة وجهان(٥) ، كالمذهبين.

____________________

(١) المغني ٤ : ٨٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩.

(٢) المغني ٤ : ٨٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٢٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٩ ، المجموع ٩ : ٢٩١.

(٣) المغني ٤ : ٨٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٠ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٩ ، المدوّنة الكبرى ٤ : ٢٠٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٢.

(٤) المغني ٤ : ٨٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٠.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧١ ، المجموع ٩ : ٢٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢ ، المغني ٤ : ٨٥ - ٨٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٠.

٦١

و [ له ](١) خيار الرؤية إذا لم يجده على الوصف.

ب - لو وجده بخلاف الوصف ، فله الخيار قولاً واحداً ، ويسمّى خيار الخلف في الصفة ؛ لأنّه وجد الموصوف بخلاف الصفة ، فلم يلزمه ، كالسّلم.

ج - لو اختلفا فقال البائع : لم تختلف صفته. وقال المشتري : قد اختلفت ، قدّم قول المشتري؛ لأصالة براءة ذمّته من الثمن ، فلا يلزمه ما لم يقرّ به أو يثبت بالبيّنة.

مسألة ٣٤ : يصحّ بيع الغائب إذا كانا قد شاهداه ولا يتطرّق إليه التغيير غالباً‌ ، كالأرض وأواني الحديد ، أو كان ممّا لا يتغيّر في المدّة المتخلّلة بين الرؤية والعقد ، ذهب إليه علماؤنا - وهو قول عامّة العلماء(٢) - لوجود المقتضي - وهو العقد - خالياً عن مفسدة الجهالة ، فيثبت الحكم ، كما لو شاهداه حالة العقد ؛ إذ الشرط العلمُ ، ولا يحصل بالمشاهدة زيادة فيه.

وللشافعي قول آخر : إنّه لا يصحّ ، واشترط مقارنة الرؤية للعقد - وهو رواية اُخرى عن أحمد ، وهو محكي عن الحكم وحمّاد - لأنّ ما كان شرطاً في صحّة العقد يجب أن يكون موجوداً حال العقد ، كالقدرة على التسليم(٣) .

والجواب : القول بالموجب ؛ فإنّ الشرط العلمُ ، وهو ثابت حال العقد.

وينتقض بما لو شاهدا داراً ووقفا في بيت منها وتبايعا ، أو أرضاً

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : كونه. والصحيح ما أثبتناه.

(٢) المغني ٤ : ٨٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٠.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧١ ، المجموع ٩ : ٢٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٥ ، المغني ٤ : ٨٩ - ٩٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٠.

٦٢

ووقفا في طرفها ، صحّ إجماعاً مع عدم المشاهدة للكلّ في الحال.

فروع :

أ - لو رآه وقد تغيّر عمّا كان ، لم يتبيّن بطلان البيع‌ - وهو أصحّ وجهي الشافعي(١) - لكن للمشتري الخيار. وإن لم يتغيّر ، لزم البيع قولاً واحداً.

ب - لو كان المبيع ممّا يتغيّر في مثل تلك المدّة غالباً ، لم يصحّ البيع ؛ لأنّه مجهول ، وبه قال الشافعي وأحمد(٢) .

وإن احتمل التغيّر وعدمه أو كان حيواناً ، فالأقرب عندي : جواز بيعه - وهو أصحّ وجهي الشافعي(٣) - لأنّ الظاهر بقاؤه بحاله ، ولم يعارضه ظاهر غيره. فإن وجده متغيّراً ، فله الخيار.

ويقدّم قول المشتري لو ادّعى التغيّر ؛ لأنّ البائع يدّعي عليه الاطّلاع على المبيع على هذه الصفة والرضا به ، والمشتري ينكره ، وهو أحد قولي الشافعي(٤) .

وأضعفهما : تقديم قول البائع ؛ لأصالة عدم التغيّر واستمرار العقد(٥) .

وفي أضعف وجهي الشافعي : بطلان البيع ؛ لما فيه من الغرر(٦) .

____________________

(١) المجموع ٩ : ٢٩٦ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ٨٨ - ٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٥.

(٢) الحاوي الكبير ٥ : ٢٦ ، المجموع ٩ : ٢٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٥ ، المغني ، ٤ : ٩٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٣١ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٩.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧١ ، المجموع ٩ : ٢٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧ ، وانظر : الحاوي الكبير ٥ : ٢٦.

(٤ و ٥ ) الحاوي الكبير ٥ : ٢٧ ، المجموع ٩ : ٢٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٥.

(٦) اُنظر : المصادر في الهامش (٣).

٦٣

ج - لو شاهده أحدهما دون الآخر ، ثبت الخيار للآخر مع الوصف عندنا ، ومطلقاً عند مَنْ جوّز بيع الغائب(١) .

مسألة ٣٥ : البيع بالصفة نوعان :

بيع عينٍ معيّنة ، كقوله : بعتك عبدي التركي ، ويذكر صفاته ، فيصحّ العقد عليه ، وينفسخ بردّه على البائع ، وتلفه قبل قبضه ؛ لكون المعقود عليه معيّناً ، فيزول العقد بزوال محلّه. ويجوز التفرّق قبل قبض ثمنه وقبضه ، كبيع الحاضر.

وبيع موصوفٍ غير معيّن ، مثل : بعتك عبداً تركيّاً ، ويستقصي في الوصف كالسَّلَم ، فإن سلّم إليه غير ما وُصف فردّه أو على ما وصف فأبدله ، لم يفسد العقد ؛ إذ لم يقع على عين هذا فلا ينفسخ بردّه ، كالسَّلَم.

وهل يجب قبض الثمن أو المبيع قبل التفرّق؟ الوجه : المنع.

وقال الشافعي وأحمد : لا يجوز التفرّق قبل قبض أحد العوضين ، كالسَّلَم(٢) .

ونمنع المساواة ؛ لأنّه بيع الحالّ ، فأشبه بيع العين.

مسألة ٣٦ : لا يصحّ بيع اللبن في الضرع ، عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي وإسحاق وأحمد ، ونهى عنه ابن عباس وأبو هريرة ، وكرهه طاوُس ومجاهد(٣) - لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى أن يباع صوفٌ على ظهرٍ أو لبنٌ‌

____________________

(١) اُنظر : المغني ٤ : ٨٢ ، والشرح الكبير ٤ : ٢٩.

(٢) المغني ٤ : ٨٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٠.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٣ ، المجموع ٩ : ٣٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٠ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ٨٨ ، حلية العلماء ٤ : ١١٣ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٣٢ ، الوجيز ١ : ١٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٩ ، المغني ٤ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٣١ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٨.

٦٤

في ضرعٍ(١) .

وسأله سماعة عن اللبن يشترى وهو في الضرع ، قال : « لا »(٢) والظاهر أنّ المسؤول الصادقُعليه‌السلام .

ولجهالة قدره ووصفه. ولأنّه يحدث شيئاً فشيئاً.

وقال مالك : إذا عرفا قدر الحلاب في كلّ دفعة ، صحّ وإن باعه أيّاماً معلومة(٣) .

وأجازه الحسن وسعيد بن جبير ومحمّد بن مسلمة(٤) ، كلبن الظئر(٥) .

والحاجة فارقة.

تذنيب : سوّغ الشيخ بيع اللبن في الضرع إذا ضمّ إليه ما يحتلب منه مع مشاهدة المحلوب‌(٦) ؛ لقول سماعة : « إلّا أن يحلب في سُكُرُّجَة(٧) فيقول : أشتري منك هذا اللبن في السُّكُرُّجَة وما في ضرعها(٨) بثمن مسمّى ، فإن لم يكن في الضرع(٩) شي‌ء ، كان ما في السُّكُرُّجة »(١٠) .

____________________

(١) سنن الدار قطني ٣ : ١٤ / ٤٠ - ٤٢ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٤٠ ، المغني ٤ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٣١.

(٢) الكافي ٥ : ١٩٤ / ٦ ، الفقيه ٣ : ١٤١ / ٦٢٠ ، التهذيب ٧ : ١٢٣ / ٥٣٨ ، الاستبصار ٣ : ١٠٤ / ٣٦٤.

(٣) المغني ٤ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٣١ ، حلية العلماء ٤ : ١١٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٩.

(٤) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : محمّد بن مسلم. والصحيح ما أثبتناه من المصدر.

(٥) المغني ٤ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٣١.

(٦) النهاية : ٤٠٠.

(٧) سُكُرُّجَة : إناء صغير يؤكل فيه الشيء القليل من الاُدْم. لسان العرب ٢ : ٢٩٩ « سكرج ».

(٨ و ٩) فيما عدا الاستبصار : « ضروعها الضروع ».

(١٠) اُنظر : المصادر في الهامش (٢).

٦٥

والأشهر عندنا : البطلان ؛ إذ ضمّ المعلوم إلى المجهول لا يصيّره معلوماً.

مسألة ٣٧ : اختلف علماؤنا في بيع الصوف على ظهور الغنم‌ ، والأشهر : المنع - وبه قال أبو حنيفة والشافعي ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد(١) - لأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى أن يباع صوف على ظهر(٢) .

ولأنّه متّصل بالحيوان ، فلم يجز إفراده بالعقد ، كأعضائه.

وقال بعض(٣) علمائنا بالجواز - وبه قال مالك والليث بن سعد ، وهو رواية اُخرى عن أحمد(٤) - وهو الأقوى عندي ؛ لما رواه إبراهيم الكرخي ، قال : قلت للصادقعليه‌السلام : ما تقول في رجل اشترى من رجل أصواف مائة نَعْجة وما في بطونها من حملٍ بكذا وكذا درهماً؟ قال : « لا بأس بذلك إن لم يكن في بطونها حمل كان رأس ماله في الصوف »(٥) وهو يدلّ على المطلوب ؛ لأنّ ضمّ المجهول إلى مثله لا يؤثّر في العلم ، فبقي أن يكون الصوف مقصوداً بالذات والحمل بالعرض.

ولأنّه مبيع مملوك مشاهد يجوز بيعه بعد تناوله ، فجاز بيعه قبل‌

____________________

(١) بدائع الصنائع ٥ : ١٦٨ ، مختصر المزني : ٨٧ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٣٢ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٣ ، المجموع ٩ : ٣٢٧ و ٣٢٨ ، روضة الطالبين ٣ :٤٠ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ٨٨ ، حلية العلماء ٤ : ١١٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٠ ، المغني ٤ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٢ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٨.

(٢) سنن الدار قطني ٣ : ١٤ / ٤٠ - ٤٢ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٤٠.

(٣) اُنظر : المقنعة : ٦٠٩ ، والسرائر : ٢٣٢ - ٢٣٣.

(٤) المغني ٤ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٢ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ٨ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٣٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٠ ، المجموع ٩ : ٣٢٨.

(٥) الكافي ٥ : ١٩٤ / ٨ ، الفقيه ٣ : ١٤٦ / ٦٤٢ ، التهذيب ٧ : ١٢٣ - ١٢٤ / ٥٣٩.

٦٦

تناوله ، كالثمار. ولوجود المقتضي وعدم المانع - وهو الجهالة - كالرطبة ، بخلاف الأعضاء ؛ لتعذّر تسليمها مع سلامة الحيوان.

ولا فرق بين بيعه قبل التذكية وبعدها ، خلافاً للشافعي ؛ لعدم الإيلام حينئذٍ(١) .

مسألة ٣٨ : لا يجوز بيع الملاقيح - وهي ما في بطون الاُمّهات - ولا المضامين‌ - وهي ما في أصلاب الفحول - جمع ملقوح ، يقال : لقحت الناقة والولد ملقوح به ، إلّا أنّهم استعملوه بحذف الجارّ. وقيل : جمع ملقوحة من قولهم : لقحتْ ، كالمجنون من جُنَّ. وجمع مضمون ، يقال : ضمن الشي‌ء ، أي : تضمّنه واستسرّه. ومنهم مَنْ عَكَس التفسيرين.

ولا نعرف خلافاً بين العلماء في فساد هذين البيعين ؛ للجهالة ، وعدم القدرة على التسليم ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن بيع الملاقيح والمضامين(٢) ، ولا خلاف فيه.

تذنيب : لو باع الحمل مع اُمّه ، جاز إجماعاً‌ ، سواء كان في الآدمي أو غيره.

ولو ضمّ الحمل إلى الصوف ، قال الشيخ : يجوز(٣) ، كما لو ضمّ إلى الاُمّ.

ولقول الصادقعليه‌السلام وقد سُئل عن ذلك : « لا بأس بذلك إن لم يكن في بطونها حملٌ كان رأس ماله في الصوف »(٤) .

____________________

(١) المجموع ٩ : ٣٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٠.

(٢) المعجم الكبير - للطبراني - ١١ : ٢٣٠ / ١١٥٨١.

(٣) النهاية : ٤٠٠.

(٤) الكافي ٥ : ١٩٤ / ٨ ، الفقيه ٣ : ١٤٦ / ٦٤٢ ، التهذيب ٧ : ١٢٣ - ١٢٤ / ٥٣٩.

٦٧

وفيه إشكال أقربه : الجواز إن كان الحمل تابعاً للمقصود ، وإلّا فلا.

مسألة ٣٩ : يحرم بيع عسيب الفحل - وهو نطفته‌ - لأنّه غير متقوّم ولا معلوم ولا مقدور عليه. ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عنه(١) .

أمّا إجارة الفحل للضراب فعندنا مكروهة وليست محرّمةً - وهو أضعف وجهي الشافعي ، وبه قال مالك(٢) - لأنّها منفعة مقصودة يحتاج إليها في كلّ وقت ، فلو لم يجز الإجارة فيها ، تعذّر تحصيلها ؛ لعدم وجوب البذل على المالك.

وقال أبو حنيفة والشافعي في أصحّ وجهيه ، وأحمد : إنّها محرّمة ؛ لأنّهعليه‌السلام نهى عن عسيب الفحل(٣) .

ولأنّه لا يقدر على تسليمه ، فأشبه إجارة الآبق. ولأنّه متعلّق باختيار الفحل وشهوته. ولأنّ القصد هو الماء ، وهو ممّا لا يجوز إفراده بالبيع(٤) .

ونحن نقول بموجب النهي ؛ لتناوله البيع ، أو التنزيه. ونمنع انتفاء القدرة ، والعقد وقع على الإنزاء ، والماء تابع ، كالظئر.

____________________

(١) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٦٧ / ٣٤٢٩ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٧٢ / ١٢٧٣ ، سنن النسائي ٧ : ٣١٠ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٣٩ ، سنن الدار قطني ٣ : ٤٧ / ١٩٥ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٤٢ ، المصنّف - لابن أبي شيبة - ٧ : ١٤٥ / ٢٦٨٢.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٠١ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ١٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٢ ، منهاج الطالبين : ٩٧ ، حلية العلماء ٤ : ١٢٢ ، و ٥ : ٣٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠١ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٢٤ ، المغني ٤ : ٣٠٠.

(٣) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في الهامش (١).

(٤) المغني ٤ : ٣٠٠ ، و ٦ : ١٤٨ ، الشرح الكبير ٦ : ٤٤ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١٧٠ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٢٤ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٠١ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ١٢٣ ، حلية العلماء ٤ : ١٢٠ ، و ٥ : ٣٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٢.

٦٨

فروع :

أ - الإنزاء غير مكروه ، والنهي غير متوجّه إلى الضراب ، بل إلى العوض عليه ، وقد سُئل الرضاعليه‌السلام عن الحُمُر(١) تنزيها على الرَّمَك(٢) لتنتج البغال أيحلّ ذلك؟ قال : « نعم أنزها »(٣) .

ب - إذا استأجر للضراب ، فالوجه : عدم الاستحقاق إلّا مع إنزال الماء في فرج الدابّة ؛ لأنّه وإن كان تابعاً لكنّه المقصود ، كالاستئجار على الإرضاع.

ج - حرَّم أحمد أخذَ الاُجرة على الضراب دون إعطائها ؛ لأنّه بذل ماله لتحصيل مباح يحتاج إليه(٤) .

وليس بجيّد ؛ إذ تسويغ الإعطاء يستلزم تسويغ الأخذ.

د - لو اُعطي صاحب الفحل هديّةً أو كرامةً من غير إجارة ، جاز ، وبه قال الشافعي وأحمد(٥) ، وهو ظاهرٌ على مذهبنا ؛ لأنّه سبب مباح ، فجاز أخذ الهديّة عليه.

وعن أحمد رواية بالمنع(٦) .

ه - نهى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عن حَبَل الحَبَلة(٧) .

____________________

(١) في المصدر : الحمير.

(٢) الرَّمَكة : الفرس والبِرْذَوْنَة التي تتّخذ للنسل ، والجمع : رَمَك. لسان العرب ١٠ : ٤٣٤ « رمك ».

(٣) التهذيب ٦ : ٣٨٤ / ١١٣٧ ، الإستبصار ٣ : ٥٧ / ١٨٥.

(٤) المغني ٤ : ٣٠٠.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٢ ، المغني ٤ : ٣٠٠ ، و ٦ : ١٤٩ ، الشرح الكبير ٦ : ٤٥.

(٦) المغني ٤ : ٣٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٢.

(٧) صحيح مسلم ٣ : ١١٥٣ / ١٥١٤ ، سنن النسائي ٧ : ٢٩٣ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٤٠ ، مسند أحمد ١ : ٤٧٩ / ٢٦٤٠.

٦٩

وفُسّر بأمرين : نتاجِ النتاج ، وهو بيع حمل ما تحمله الناقة ، وجَعْلِه أجلاً كان أهل الجاهليّة يتبايعون لحم الجزور إلى حَبَل الحَبَلة.

وهو بمعنييه باطل ؛ لجهالته ، وجهالة الأجل.

مسألة ٤٠ : بيع الملامسة والمنابذة والحصاة باطل بالإجماع‌ ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن ذلك كلّه(١) .

والملامسة : أن يبيعه شيئاً ولا يشاهده على أنّه متى لمسه وقع البيع.

وهو ظاهر كلام أحمد ومالك والأوزاعي(٢) .

وله تفاسير ثلاثة :

أن يجعل اللمس بيعاً بأن يقول صاحب الثوب للراغب : إذا لمست ثوبي فهو مبيع منك بكذا.

وهو باطل ؛ لما فيه من التعليق.

وقال بعض الشافعيّة : إنّه من صُور المعاطاة(٣) .

وأن يأتي بثوب مطويّ له في ظلمة فيلمسه الراغب ، ويقول صاحب الثوب : بعتك بكذا بشرط أن يقوم لَمْسُك مقامَ النظر ، ولا خيار لك إذا رأيته. فسّره الشافعي(٤) .

قال بعض الشافعيّة : إن أبطلنا بيع الغائب ، بطل ، وإلّا صحّ تخريجاً من تصحيح شرط نفي الخيار(٥) .

____________________

(١) صحيح مسلم ٣ : ١١٥١ / ١٥١١ ، و ١١٥٣ / ١٥١٣ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٣٣ / ٢١٧٠ ، و ٧٣٩ / ٢١٩٤ ، سنن النسائي ٧ : ٢٥٩ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٥٣ و ٢٥٤ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٤١ و ٣٤٢ ، الموطّأ ٢ : ٦٦٦ / ٧٦.

(٢) المغني ٤ : ٢٩٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٢ - ٣٣ ، بداية المجتهد ٢ : ١٤٨.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٣ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٣.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٣.

٧٠

وأن يبيعه على أنّه إذا لمسه وجب البيع وسقط خيار المجلس وغيره. ويبطل عنده(١) ؛ لفساد الشرط(٢) .

والوجه عندي : صحّته إن كان قد نظره.

والمنابذة قيل : أن يجعل النبذ بيعاً بأن يقول : أنبذ إليك ثوبي بعشرة ثمّ ينبذه ، ويكتفيان به بيعا. وقيل : أن يقول : بعتك كذا بكذا على أنّي إذا نبذته إليك فقد وجب البيع ، قالهما الشافعيّة(٣) .

وظاهر كلام أحمد ومالك والأوزاعي أن يقول : إذا(٤) نبذته إليّ فقد اشتريته بكذا(٥) .

وقيل : طرْحُ الرجل ثوبَه بالبيع إلى الرجل قبل أن يقلبه أو ينظر إليه(٦) .

والحصاة أن يقول : ارم هذه الحصاة فعلى أيّ ثوب وقعت فهو لك بكذا.

وقيل أن يقول : بعتك من هذه الأرض مقدار ما تبلغ هذه الحصاة إذا رميتها بكذا(٧) .

وقيل : أن يقول : بعتك هذا بكذا على أنّي متى رميت هذه الحصاة وجب البيع(٨) .

ولا نعلم خلافاً في بطلان الجميع.

____________________

(١) أي : عند الشافعي.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٣.

(٣) الحاوي الكبير ٥ : ٣٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٠٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٦٣ و ٦٤ ، منهاج الطالبين : ٩٧.

(٤) في « ق ، ك » : « إن » بدل « إذا ». وفي المغني والشرح الكبير هكذا : أيّ ثوب نبذته

(٥) المغني ٤ : ٢٩٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٢ - ٣٣ ، بداية المجتهد ٢ : ١٤٨.

(٦) المغني ٤ : ٢٩٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٣.

(٧و٨) المغني ٤ : ٢٩٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٣.

٧١

مسألة ٤١ : يجب ذكر جنس المبيع أو مشاهدته‌ ، عند علمائنا أجمع بأن يقول : بعتك عبدي أو فرسي ، ولا يكفي أن يقول : بعتك ما في كمّي أو خزانتي أو ما ورثته من أبي ، مع جهالة المشتري - وهو أحد قولي الشافعي(١) - للجهالة.

وله آخر : الجواز ؛ لأنّ المعتبر في بيع الغائب كون المبيع متعيّناً ، والجهالة لا تزول بذكر الجنس ، فلا معنى لاشتراطه(٢) .

ولا يكفي ذكر الجنس ، بل لا بدّ من ذكر النوع بأن يقول : عبدي التركي. وهو ظاهر قول الشافعي(٣) .

ولا يكفي ذكرهما عندنا إلّا مع ذكر الصفات الرافعة للجهالة - وبه قال مالك(٤) - للجهالة معه. وهو أضعف وجهي الشافعي(٥) .

وأصحّهما - وبه قال أبو حنيفة - الاكتفاء. نعم ، لو كان له عبدان من ذلك النوع ، فلا بُدّ وأن يزيد ما يقع به التمييز(٦) .

ويشترط ذكر صفات السَّلَم لترتفع الجهالة ، وهو أحد وجهي الشافعي ، وبه قال أحمد(٧) .

وأظهرهما : الاكتفاء بمعظم الصفات(٨) .

مسألة ٤٢ : يجب العلم بالقدر‌ ، فالجهل به فيما في الذمّة ثمناً كان أو‌

____________________

(١) المجموع ٩ : ٢٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢.

(٤) بداية المجتهد ٢ : ١٤٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ١٤ ، حلية العلماء ٤ : ٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٢.

(٥) المجموع ٩ : ٢٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢.

(٦) الحاوي الكبير ٥ : ١٤ ، المجموع ٩ : ٢٩٢ - ٢٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٢.

(٧و٨) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٦٢ ، حلية العلماء ٤ : ٨٥ - ٨٦ ، المجموع ٩ : ٢٩٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢.

٧٢

مثمناً مبطل. فلو قال : بعتك مل‌ء هذا البيت حنطةً أو بزنةِ هذه الصنجة ذهباً ، لم يصحّ السَّلَم - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(١) - للغرر.

ولو قال : بعتك ثوبي هذا بما باع به فلان فرسه ، وهُما لا يعلمانه أو أحدهما ، لم يصحّ - وهو أظهر وجهي الشافعي(٢) - للجهالة.

وله آخر : الجواز ؛ لإمكان الاستكشاف(٣) .

وثالث : إن حصل العلم قبل التفرّق ، صحّ العقد(٤) .

ولو قال : بعتك بألف من الدراهم والدنانير ، بطل ؛ للجهل بقدر كلٍّ منهما ؛ إذ لا فرق بينه وبين : بعتك بألف بعضها ذهب وبعضها فضّة. وبه قال الشافعي وأحمد(٥) .

وعن أبي حنيفة أنّه يصحّ ويتساويان فيه ، كالإقرار(٦) .

ويبطل بأنّه لو فسّره بغير التسوية ، صحّ ، ولو اقتضى التسوية ، لم يصحّ.

ولو باع الثوب برقمه ، وهو الثمن المكتوب عليه ، فإن علماه(٧) ، صحّ إجماعاً ؛ لأنّه بيع بثمن معلوم قدره. وكرهه طاوُس(٨) . ولو لم يعلماه ، بطل.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧١ ، المجموع ٩ : ٣١١ ، الوجيز ١ : ١٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١ ، منهاج الطالبين : ٩٥ ، حلية العلماء ٤ : ١٠٤ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢٠٧.

(٤-٢) المجموع ٩ : ٣٣٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١ ، منهاج الطالبين : ٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١ ، المجموع ٩ : ٣٣٩ ، منهاج الطالبين : ٩٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ١٠٢ / ١١٧٨.

(٦) مختصر اختلاف العلماء ٣ : ١٠٢ / ١١٧٨ ، المجموع ٩ : ٣٣٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٨.

(٧) في الطبعة الحجريّة : علما به.

(٨) لم نعثر على قوله في مظانّه من المصادر المتفوفّرة لدينا.

٧٣

ولو قال : بعتك بمائة دينار إلّا عشرة دراهم ، لم يصحّ ، إلّا أن يعلما قيمة الدينار بالدراهم. وكذا لو قال : بعتك بدينار غير درهم ، أو : إلّا درهماً.

مسألة ٤٣ : يجب العلم بنوع الثمن من ذهبٍ أو فضّة بالدراهم‌ ، ولا يصحّ لو كان مجهولاً.

ولو أطلق وفي البلد نقد واحد يعلمانه ، انصرف الإطلاق إليه ؛ عملاً بالظاهر. وكذا لو تعدّدت وغلب أحدها وإن كان فلوساً ، إلّا أن يُعيّن غيرها.

ولو تعدّدت وتساوت ، وجب التعيين. فإن أبهم ، بطل - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(١) - للجهالة.

وكما ينصرف المطلق إلى الجنس الغالب أو المتّحد كذا ينصرف في الوصف إلى الغالب بأن تختلف النقود ، كالراضية والرضويّة وإن اتّحد النوع. وكذا الصحيح والمكسَّر. ولو لم يكن هناك غالبٌ ، وجب التعيين ، وإلّا بطل البيع - وبه قال الشافعي(٢) - لما تقدّم.

مسألة ٤٤ : لو كان لكلٍّ منهما عبد فباعاهما صفقةً واحدة بثمن واحد ، صحّ البيع ، سواء كانا متساويين في القيمة أو لا ، ويتقسّط الثمن على القيمتين - وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد والشافعي في أحد قوليه(٣) - لأنّ جملة المبيع معلومة ، والعقد وقع عليها ، فصحّ ، كما لو كانا لواحدٍ ، أو كما لو باعا عبداً واحداً لهما أو قفيزين من صُبْرة واحدة.

____________________

(١) روضة الطالبين ٣ : ٣٢ ، المجموع ٩ : ٣٢٩ ، منهاج الطالبين : ٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦ - ٤٧ ، الكتاب - بشرح اللباب - ١ : ٢٣٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢.

(٣) المغني ٤ : ٣١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٥.

٧٤

والثاني له : لا يصحّ - وهو قولٌ للشيخ(١) أيضاً - لأنّ كلّ واحد منهما مبيع بقسطه من الثمن ، وهو مجهول ، بخلاف ما لو كانا لواحدٍ ، فإنّ جملة المبيع مقابلة بجملة الثمن من غير تقسيط ، والثمن يتقسّط على العبد المشترك والقفيزين بالأجزاء ، فلا جهالة فيه(٢) .

ونحن نمنع الجهالة في المبيع ؛ إذ مقتضاه مقابلة الجملة بالجملة لا الأجزاء بالأجزاء ، ووجوب التقويم والبسط ليعرف كلّ واحد حقّه بعد البيع ، فلا يقتضي بطلانه.

مسألة ٤٥ : ذهب علماؤنا إلى أنّه لا يصحّ بيع المكيل والموزون جزافاً ؛ لأنّه غرر. ولقول الصادقعليه‌السلام : « ما كان من طعام سمّيت فيه كيلاً فلا يصلح مجازفة »(٣) .

ولإفضائه إلى التنازع لو وجب ضمانه.

ولأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن بيع الطعام مجازفة وهو يعلم كيله(٤) . وكذا إذا لم يعلم كيله بل هو أبلغ في المنع ، إذ الجهالة لمـّا أبطلت من أحد الطرفين كان إبطالها من الطرفين أولى.

وقال أبو حنيفة والشافعي ومالك وأحمد - ولا نعرف لهم مخالفاً من الجمهور - : إنّه يصحّ ؛ لقول ابن عمر : كُنّا نشتري الطعام من الركبان جزافاً ، فنهانا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن نبيعه حتى ننقله من مكانه. ولأنّه معلوم بالرؤية ، فصحّ بيعه ، كالثياب(٥) .

____________________

(١) الخلاف ٣ : ٣٣٥ ، المسألة ١٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤٥ ، المغني ٤ : ٣١٦.

(٣) التهذيب ٧ : ١٢٢ / ٥٣٠ ، الاستبصار ٣ : ١٠٢ / ٣٥٥.

(٤) أورده ابنا قدامة في المغني ٤ : ٢٤٧ ، والشرح الكبير ٤ : ٤٠.

(٥) المغني ٤ : ٢٤٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠ ، بداية المجتهد ٢ : ١٤٦.

٧٥

ونمنع الرواية ونقول بموجبها ؛ فإنّهعليه‌السلام نهاهم عن بيعها إلّا بعد نقلها ، وهو يستلزم معرفتها غالباً. والثوب غير مكيل ولا موزون.

فروع :

أ - حكم المعدود حكم الموزون والمكيل ، فلا يصحّ بيعه جزافاً ؛ لأنّه مقدار يعرف به كمّيّة المبيع ، فلا يصحّ بدونها ، كالوزن والكيل.

ب - لو تعذّر الوزن أو العدد ، كِيل [ بعضه ](١) بمكيالٍ ووُزن أو عُدَّ ، ونُسب إليه الباقي ؛ لقول الصادقعليه‌السلام - وقد سُئل عن الجوز لا يستطيع أن يعدّه فيكال بمكيالٍ ثمّ يعدّ ما فيه ثمّ يكال ما بقي على حساب ذلك من المعدود(٢) - : « لا بأس به »(٣) .

وسئلعليه‌السلام : أشتري مائة راوية زيتا فأعترض راوية أو اثنتين فأزنهما ثمّ أخذ سائره على قدر ذلك ، فقال : « لا بأس »(٤) .

ولأنّه يحصل المطلوب ، وهو العلم.

ومَنَع أحمد من ذلك.(٥) .

وقال الثوري : كان أصحابنا يكرهون هذا ؛ لاختلاف المكاييل ، فيكون في بعضها أكثر من بعض ، والجوز يختلف عدده ، فيكون في أحد المكيلين أكثر من الآخر(٦) .

وهو غلط ؛ فإنّه إذا جاز بيعه جزافاً ، كان هذا أولى.

____________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٢) كذا ، وفي المصادر : العدد.

(٣) الكافي ٥ : ١٩٣ / ٣ ، الفقيه ٣ : ١٤٠ - ١٤١ ، ٦١٧ ، التهذيب ٧ : ١٢٢ / ٥٣٣.

(٤) الكافي ٥ : ١٩٤ / ٧ ، الفقيه ٣ : ١٤٢ ، ٦٢٥ ، التهذيب ٧ : ١٢٢ - ١٢٣ / ٥٣٤ ، الاستبصار ٣ : ١٠٢ / ٣٥٧ ، بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.

(٥ و ٦) المغني ٤ : ٢٤٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢.

٧٦

ج - لو باعه جزافاً ، بطل. وكان القول قول المشتري في المقدار ، سواء كان باقياً أو تالفاً.

د - لا فرق بين الثمن والمثمن في الجزاف في الفساد عندنا والصحّة عندهم ، إلّا مالكاً ؛ فإنّه قال : لا يجوز الجزاف في الأثمان ؛ لأنّ لها خطراً ، ولا يشقّ وزنها ولا عددها ، فأشبه الرقيق والثياب(١) . ومع هذا فإنّه جوَّز بيع النقرة والتبر والحليّ جزافاً(٢) .

مسألة ٤٦ : وكما لا يصحّ بيع الصبرة جزافاً فكذا أجزاؤها المشاعة‌ ، كالنصف والثُّلْث والربع ؛ لوجود المانع من الانعقاد ، وهو الجهالة.

وجوّزه الجمهور كافّة ؛ لأنّ ما جاز بيع جملته جاز بيع بعضه ، كالحيوان. ولأنّ جملتها معلومة(٣) بالمشاهدة فكذا أجزاؤها(٤) .

ونحن نمنع الأصلين.

أمّا لو باع جزءاً معلوم القدر ، كالقفيز ، فإنّه يصحّ عندنا وعند الجمهور(٥) - إلّا داوُد(٦) - إذا علما اشتمالها على ذلك ؛ لأنّه معلوم مشاهد ، فصحّ بيعه كغيره.

احتجّ بأنّه غير مشاهد ولا موصوف(٧) .

ويبطل بأنّه قياس ، وهو لا يقول به. ونمنع عدم المشاهدة ؛ فإنّ مشاهدة الجملة تستلزم مشاهدة البعض.

____________________

(١ و ٢) المغني ٤ : ٢٤٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : معلوم. وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٧٢ ، المجموع ٩ : ٣١٢ ، المغني ٤ : ٢٤٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠.

(٥ و ٦) المغني ٤ : ٢٤٩ ، حلية العلماء ٤ : ١٠٥.

(٧) المغني ٤ : ٢٤٩.

٧٧

فروع :

أ - لو قال : بعتك هذه الصبرة كلّ قفيزٍ بدرهم ، فإن علما قدر القُفْزان ، صحّ البيع ، وإلّا بطل ؛ للجهالة.

وقال مالك والشافعي وأحمد وأبو يوسف ومحمّد : يصحّ ؛ لأنّه معلوم بالمشاهدة ، والثمن معلوم ، لإشارته إلى ما يعرف [ مبلغه ](١) بجهةٍ لا تتعلّق بالمتعاقدين ، وهو أن تُكال الصبرة ويقسّط الثمن على قدر قفزانها فيعلم مبلغه(٢) .

ونحن نمنع العلم ، وقد سبق.

وقال أبو حنيفة : يصحّ البيع في قفيز واحد ، ويبطل فيما سواه ؛ لجهالة الثمن ، كما لو باع المتاع برقمه(٣) .

ولو قال : بعتك هذه الأرض أو هذا الثوب كلّ ذراع بدرهم ، أو : هذه الأغنام كلّ رأس بدرهم ، لم يصحّ عندنا ، وبه قال أبو حنيفة أيضاً وإن سوّغ البيع في قفيزٍ واحد من الصبرة(٤) .

وقال الشافعي : يصحّ ، سواء كانت الجملة معلومةً أو مجهولةً(٥) .

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجرية : ثمنه. وما أثبتناه من المغني والشرح الكبير.

(٢) المغني ٤ : ٢٤٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٩ ، حلية العلماء ٤ : ١٠٥ ، المجموع ٩ : ٣١٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨.

(٣) بدائع الصنائع ٥ : ١٥٨ - ١٥٩ ، حلية العلماء ٤ : ١٠٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨ ، المغني ٤ : ٢٤٨ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٩.

(٤) حلية العلماء ٤ : ١٠٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨.

(٥) حلية العلماء ٤ : ٤٨ ، المجموع ٩ : ٣١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣ - ٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨.

٧٨

ولو قال : بعتك عشرةً من هذه الأغنام بكذا ، لم يصحّ إجماعاً وإن علم الجملة ، بخلاف الصبرة والأرض والثوب ؛ لاختلاف قيمة الشاة ، فلا يدري كم العشرة من الجملة.

ب - لو قال : بعتك من هذه الصبرة كلّ قفيز بدرهم ، ولم يعلما أو أحدهما القدرَ ، بطل البيع عندنا ، لما مرّ. وكذا عند أحمد ؛ لأنّ « من » للتبعيض و « كلّ » للعدد ، وهو مجهول. وله آخر : الصحّة(١) .

وللشافعيّة وجهان :

البطلان ؛ لأنّه لم يبع جميعَ الصبرة ولا بيّن المبيع منها.

والصحّة في صاعٍ واحد ، كما لو قال : بعتك قفيزاً من الصبرة بدرهم(٢) .

ج - لو قال : بعتك هذه الصبرة بعشرة دراهم على أن أزيدك قفيزاً ، أو أنقصك على أنّ لي الخيار فيهما ، لم يصحّ عندنا - وبه قال الشافعي وأحمد(٣) - لأنّه لا يدري أيزيده أم ينقصه.

ولو قال : على أن أزيدك قفيزاً ، لم يجز ؛ لأنّ القفيز مجهول.

فإن قال : على أن أزيدك قفيزاً من هذه الصبرة الاُخرى أو وصفه وصفاً يرفع الجهالة ، صحّ عندهم ؛ إذ معناه : بعتك هذه الصبرة وقفيزاً من الاُخرى بعشرة(٤) .

وإن قال : على أن أنقصك قفيزاً ، لم يصحّ ؛ لأنّ معناه : بعتك هذه‌

____________________

(١) المغني ٤ : ٢٤٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١١.

(٢) حلية العلماء ٤ : ١٠٦ ، المجموع ٩ : ٣١٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩.

(٣) المغني ٤ : ٢٤٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٩ ، الكافي في فقه الإمام أحمد ٢ : ١١ ، وانظر : المجموع ٩ : ٣١٥.

(٤) المغني ٤ : ٢٤٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٩.

٧٩

الصبرة إلّا قفيزاً كلّ قفيز بدرهم وشي‌ء مجهول.

ولو قال : بعتك هذه الصبرة كلّ قفيز بدرهم على أن أزيدك قفيزاً من الأخرى ، لم يصحّ ، لإفضائه إلى جهالة الثمن في التفصيل ، لأنّه يصير قفيزاً وشيئاً بدرهم.

ولو قصد أنّي أحطّ ثمن قفيز من الصبرة لا أحتسب به ، لم يصحّ ؛ للجهالة.

ولو قال : هذه الصبرة عشرة أقفزة بعتكها كلّ قفيز بدرهم على أن أزيدك قفيزاً من الاُخرى ، صحّ ؛ إذ معناه : بعتك كلّ قفيز وعُشر قفيزٍ بدرهم.

ولو جَعَله هبةً ، صحّ عندنا ، خلافاً لأحمد(١) .

وإن أراد أنّي لا أحتسب عليك بثمن قفيز منها ، صحّ ؛ لعلمهما بجملة القُفْزان ، فعَلِما قدر النقصان من الثمن.

ولو قال : على أن أنقصك قفيزاً ، صحّ ؛ لأنّ معناه : بعتك تسعة أقفزة بعشرة دراهم ، كلّ قفيز بدرهم وتسع.

د - لو قال : بعتك هذه الصبرة بعشرة دراهم كلّ صاع بدرهم ، فإن علما القدر ، صحّ.

وقال الشافعي : يصحّ البيع إن خرج كما ذكر ؛ لأنّه لم يشترط علم القدر.

وإن خرج زائداً أو ناقصاً ، فأصحّ قوليه : البطلان ؛ لامتناع الجمع بين بيع الكلّ بعشرة ومقابلة كلّ واحد بدرهم ، لأنّه باع جملة الصبرة بالعشرة‌

____________________

(١) المغني ٤ : ٢٤٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٣٩.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

مسألة ١٤ : إذا صارت الوديعة مضمونةً على المستودع‌ إمّا بنقل الوديعة أو إخراجها من الحرز أو باستعمالها كركوب الدابّة ولُبْس الثوب أو بغيرها من أسباب الضمان ثمّ إنّه ترك الخيانة وردّ الوديعة إلى مكانها وخلع الثوب ، لم يبرأ بذلك عند علمائنا أجمع ، ولم يزل عنه الضمان ، ولم تَعُدْ أمانته - وبه قال الشافعي(١) - لأنّه ضمن الوديعة بعدوان ، فوجب أن يبطل الاستئمان ، كما لو جحد الوديعة ثمّ أقرّ بها.

وقال أبو حنيفة : يزول عنه الضمان ؛ لأنّه إذا ردّها فهو ماسك لها بأمر صاحبها ، فلم يكن عليه ضمانها ، كما لو لم يخرجها(٢) .

والفرق ظاهر ؛ فإنّه إذا لم يخرجها لم يضمنها بعدوان ، بخلاف صورة النزاع.

ثمّ يُنقض على أبي حنيفة بما سلّمه من أنّه إذا جحد الوديعة وضمنها بالجحود ثمّ أقرّ بها ، فإنّه لا يبرأ ، وبالقياس على السارق ، فإنّه لو ردّ المسروق إلى موضعه ، لم يبرأ(٣) ، فكذا هنا.

فروع :

أ - لو ردّ الوديعة - بعد أن تعلّق ضمانها به إمّا بالإخراج من الحرز أو بالتصرّف أو بغيرهما من الأسباب‌ - إلى المالك وأعادها عليه ثمّ إنّ المالك‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٨ : ٣٦٣ ، التهذيب - للبغوي - ٥ : ١٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٥ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٨ ، المغني ٧ : ٢٩٦ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٠٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١٦.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١٦ ، الحاوي الكبير ٨ : ٣٦٣ ، التهذيب - للبغوي - ٥ : ١٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٥ ، المغني ٧ : ٢٩٦ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٠٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٥.

١٦١

أودعه إيّاها ثانياً ، فإنّه يعود أميناً إجماعاً ، ويبرأ من الضمان.

ب - لو لم يسلّمها إلى المالك ولكن أحدث المالك له استئماناً‌ ، فقال : أذنتُ لك في حفظها ، أو أودعتُكها ، أو استأمنتُك ، أو أبرأتُك عن الضمان ، فالأقرب : سقوط الضمان عنه ، وعوده أميناً ؛ لأنّ التضمين لحقّ المالك ، وقد رضي بسقوطه ، وهو أصحّ قولَي الشافعيّة.

والثاني : إنّه لا يزول الضمان ولا يعود أميناً - وهو قول ابن سريج - لظاهر قولهعليه‌السلام : « على اليد ما أخذت حتى تؤدّي »(١) (٢) .

وكذا الخلاف فيما لو حفر بئراً في ملك غيره عدواناً ثمّ أبرأه المالك عن ضمان الحفر(٣) .

ج - لو قال المالك : أودعتُك كذا - ابتداءً - فإن خُنتَ ثمّ تركتَ الخيانة عُدْتَ أميناً لي‌ ، فخان وضمن ثمّ ترك الخيانة ، لم تزل الخيانة ، ولم يَعُدْ أميناً - وبه قال الشافعي(٤) - لأنّه لا ضمان حينئذٍ حتى يسقط ، وهناك الضمان ثابت فيصحّ إسقاطه ، ولأنّ الاستئمان الثاني معلّق.

د : لو قال : خُذْ هذا وديعةً يوماً وغير وديعةٍ يوماً ، فهو وديعة أبداً. ولو قال : خُذْه وديعةً يوماً وعاريةً يوماً ، فهو وديعة في اليوم الأوّل ، وعارية في اليوم الثاني.

وهل يعود وديعةً؟ مَنَع الشافعيّة منه ، وقالوا : لا يعود وديعةً أبداً(٥) .

____________________

(١) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٩٦ / ٣٥٦١ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٦٦ / ١٢٦٦ ، مسند أحمد ٥ : ٦٣٨ / ١٩٦٢٠ ، المعجم الكبير - للطبراني - ٧ : ٢٥٢ / ٦٨٦٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٥ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٨.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٥ - ٣٠٦ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٨.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٦ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٨.

١٦٢

مسألة ١٥ : إذا مزج المستودع الوديعة بماله مزجاً لا يتميّز أحدهما عن صاحبه‌ ، كدراهم مزجها بمثلها ، أو دنانير مزجها بمثلها بحيث لا مائز بين الوديعة وبين مال المستودع ، أو مزج الحنطة بمثلها ، كان ضامناً ، سواء كان المخلوط بها دونها أو مثلها أو أزيد منها - وبه قال الشافعي(١) - لأنّه قد تصرّف في الوديعة تصرّفاً غير مشروعٍ ، وعيّبها بالمزج ، فإنّ الشركة عيب ، فكان عليه الضمان ، ولأنّه خلطها بماله خلطاً لا يتميّزا ، فوجب أن يضمنها ، كما لو خلطها بدونه.

وقال مالك : إن خلطها بمثلها أو الأجود منها لم يضمن ، وإن خلطها بدونها ضمن ؛ لأنّه لا يمكنه ردّها إلّا ناقصةً(٢) .

وهو آتٍ في المساوي والأزيد ؛ فإنّ الشركة عيب ، والوقوف على عين الوديعة غير ممكنٍ ، فاشتمل ذلك على المعاوضة ، وإنّما تصحّ برضا المالك.

ولو مزجها بمال مالكها بأن كان له عنده كيسان وديعةً ، فمزج أحدهما بالآخَر بحيث لا يتميّز ، ضمن أيضاً ؛ لأنّه تصرّف تصرّفاً غير مشروعٍ في الوديعة ، وربما ميّز بينهما لغرضٍ دعا إليه ، فالخلط خيانة.

وكذا لو أودعه كيساً وكان في يده له كيسٌ آخَر أمانة مجرّدة بأن وقع عليه اتّفاقاً فمزج أحدهما بالآخَر ، كان ضامناً أيضاً.

وكذا لو كان الكيس الآخَر في يده على سبيل الغصب من مالك‌

____________________

(١) البيان ٦ : ٤٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٦ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٨ ، المغني ٧ : ٢٨١ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٠٦ - ٣٠٧.

(٢) البيان ٦ : ٤٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٦ ، المغني ٧ : ٢٨١ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٠٧.

١٦٣

الوديعة ، وبالجملة على أيّ وجهٍ كان.

مسألة ١٦ : لو أودعه عشرة دراهم - مثلاً - في كيسٍ‌ ، فإن كان مشدوداً مختوماً فكسر الختم وحلّ الشدّ أو فَعَل واحداً منهما ، ضمن ؛ لأنّه هتك الحرز على ما تقدّم.

وإن لم يكن الكيس مشدوداً ولا مختوماً فأخرج منه درهماً لنفقته ، ضمنه خاصّةً ؛ لأنّه لم يتعدّ في غيره ، فإن ردّه لم يزل عنه الضمان ، فإن لم يختلط بالباقي لم يضمن الباقي ؛ لأنّه لم يتصرّف فيه.

وكذا إن اختلط وكان متميّزاً لم يلتبس بغيره.

وإن امتزج بالباقي مزجاً ارتفع معه الامتياز ، فالوجه : إنّه كذلك لا يضمن الباقي ، بل الدرهم خاصّةً ؛ لأنّ هذا الاختلاط كان حاصلاً قبل الأخذ ، وهو أصحّ قولَي الشافعيّة ، والثاني : إنّ عليه ضمان الباقي ؛ لخلطه المضمون بغير المضمون(١) .

فعلى ما اخترناه لو تلفت العشرة لم يلزمه إلّا درهم واحد ، ولو تلفت منها خمسة لم يلزمه إلّا نصف درهمٍ.

ولو أنفق الدرهم الذي أخذه ثمّ ردّ مثله إلى موضعه ، لم يبرأ من الضمان ، ولا يملكه صاحب الوديعة إلّا بالقبض والدفع إليه.

ثمّ إن كان المردود لا يتميّز عن الباقي ، صار الكلّ مضموناً عليه ؛ لخلطه الوديعةَ بمال نفسه ، وإن كان يتميّز فالباقي غير مضمونٍ عليه.

مسألة ١٧ : لو أتلف بعضَ الوديعة ، فإن كان ذلك البعض منفصلاً عن الباقي‌ - كالثوبين إذا أتلف أحدهما - لم يضمن إلّا الـمُتْلَف ؛ لأنّ العدوان‌

____________________

(١) البيان ٦ : ٤٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٦ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٨.

١٦٤

إنّما وقع فيه ، فلا يتعدّى الضمان إلى غيره وإن كان الإيداع واحداً.

وإن كان متّصلاً ، كالثوب الواحد يخرقه ، أو يقطع طرف العبد أو البهيمة ، فإن كان عامداً في الإتلاف فهو جانٍ على الجميع ، فيضمن الكلّ.

وإن كان مخطئاً ، ضمن ما أتلفه خاصّةً ، ولم يضمن الباقي - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(١) - لأنّه لم يتعدّ في الوديعة ، ولا خان فيها ، وإنّما ضمن الـمُتْلَف ؛ لفواته وصدور الهلاك منه فيه مخطئاً.

وفي الثاني لهم : إنّه يضمنه أيضاً ، ويستوي العمد والخطأ فيه ، كما استويا في القدر التالف(٢) .

البحث الثاني : في الإيداع.

مسألة ١٨ : إذا أودع المستودعُ الوديعةَ غيرَه ، فإن كان بإذن المالك فلا ضمان عليه إجماعاً ؛ لانتفاء العدوان.

وإن لم يكن بإذن المالك ، فلا يخلو إمّا أن يودع من غير عذرٍ أو لعذرٍ ، فإن أودع من غير عذرٍ ضمن إجماعاً ؛ لأنّ المالك لم يرض بيد غيره وأمانته.

ولا فرق بين أن يكون ذلك الغير عبدَه أو جاريتَه(٣) أو زوجتَه أو ولدَه أو أجنبيّاً عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي(٤) - وذلك لعموم الدليل‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٦ - ٣٠٧ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٠٧ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٩.

(٣) « أو جاريته » لم ترد في النسخ الخطّيّة المعتمدة لدينا.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٨ ، الوجيز ١ : ٢٨٤ ، الوسيط ٤ : ٥٠٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٧٣ و ١٧٦ ، التهذيب - للبغوي - ٥ : ١١٧ ، البيان ٦ : ٤٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٢ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٨٩ ، المغني ٧ : ٢٨٢ و ٢٨٣ ، الشرح =

١٦٥

في الجميع.

وقال مالك : إنّ له أن يودع زوجته(١) .

وقال أبو العباس ابن سريج من الشافعيّة : إذا استعان بزوجته أو خادمه في خباء الوديعة ولم تغب عن نظره جاز ، ولا ضمان عليه(٢) .

وقال أبو حنيفة وأحمد : له أن يودع مَنْ عليه نفقته من ولدٍ ووالدٍ وزوجةٍ وعبدٍ ، ولا ضمان عليه بكلّ حال ؛ لأنّه حفظ الوديعة بمن يحفظ به ماله ، فلم يلزمه الضمان ، كما لو حفظها بنفسه(٣) .

وهو غلط ؛ لأنّه سلّم الوديعةَ إلى مَنْ لم يرض به صاحبها مع قدرته على صاحبها ، فضمنها ، كما لو سلّمها إلى الأجنبيّ.

والقياس عليه باطل ؛ لأنّه إذا حفظ ماله بخادمه أو زوجته فقد رضي المالك بذلك ، بخلاف صورة النزاع.

مسألة ١٩ : إذا أودع من غير إذن المالك ولا عذر ، ضمن‌ ، وكان لصاحبها أن يرجع على مَنْ شاء منهما إذا تلفت ، فإن رجع على المستودع‌

____________________

= الكبير ٧ : ٢٩٩ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ١٩ ، روضة القُضاة ٢ : ٦١٨ / ٣٥٦٠٤.

(١) بداية المجتهد ٢ : ٣١٢ ، الذخيرة ٩ : ١٦٢ ، البيان ٦ : ٤٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٢ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ١٩.

(٢) البيان ٦ : ٤٣٥ - ٤٣٦ ، حلية العلماء ٥ : ١٧٦.

(٣) تحفة الفقهاء ٣ : ١٧١ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٠٧ - ٢٠٨ ، روضة القُضاة ٢ : ٦١٨ / ٣٥٦٠٣ ، المبسوط - للسرخسي - ١١ : ١٠٩ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١٨ ، الفقه النافع ٣ : ٩٣٩ / ٦٦١ ، المحيط البرهاني ٥ : ٥٢٨ ، المغني ٧ : ٢٨٣ ، الشرح الكبير ٧ : ٢٩٩ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٢٥ / ١٠٦٨ ، بداية المجتهد ٢ : ٣١٢ ، الذخيرة ٩ : ١٦٢ ، حلية العلماء ٥ : ١٧٦ ، التهذيب - للبغوي - ٥ : ١١٧ ، البيان ٦ : ٤٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٢ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ١٩.

١٦٦

الأوّل فلا رجوع له على الثاني ، وإن رجع على المستودع الثاني كان للمستودع الثاني أن يرجع على المستودع الأوّل ؛ لأنّه دخل معه على أن لا يضمن ، وبه قال الشافعي(١) .

وقال أبو حنيفة : ليس للمالك أن يضمن الثاني ؛ لأنّ قبض الثاني تعلّق به الضمان على الأوّل ، فلا يتعلّق به ضمان على الآخَر(٢) .

وهو ممنوع ؛ لأنّه قبض مال غيره ، ولم يكن له قبضه ، فإذا كان من أهل الضمان في حقّه ضمنه ، كما استودعه إيّاه الغاصب.

ودليله ضعيف ؛ لأنّ المستودع الأوّل ضمن بالتسليم ، والثاني بالتسلّم.

مسألة ٢٠ : ولا فرق عندنا بين أن يودع المستودع الوديعةَ عند القاضي أو عند غيره.

وللشافعيّة وجهان - حكاهما [ أبو ](٣) حامد فيما إذا وجد المالك وقدر على الردّ عليه ، وفيما إذا لم يجد - أحدهما : إنّه لا يضمن.

أمّا إذا كان المالك حاضراً : فلأنّ أمانة القاضي أظهر من أمانة المستودع ، فكأنّه جعل الوديعة في مكانٍ أحرز.

وأمّا إذا كان غائباً : فلأنّه لو كان حاضراً لألزمه المودع الردّ ، فإذا كان غائباً ناب عنه القاضي.

والأظهر عند أكثر الشافعيّة : إنّه يضمن.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٧٣ ، البيان ٦ : ٤٣٦ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٢١ ، المغني ٧ : ٢٨٢ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٠١.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ١٧١ - ١٧٢ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٠٨ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١٨ ، المغني ٧ : ٢٨٢ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٠١ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٢١.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ابن ». والصحيح ما أثبتناه.

١٦٧

أمّا إذا كان المالك حاضراً : فلأنّه لا ولاية للقاضي على الحاضر الرشيد ، فأشبه سائر الناس.

وأمّا إذا كان غائباً : فلأنّه لا ضرورة بالمودع إلى إخراجها من يده ، ولم يرض المالك بيد غيره ، فليحفظه إلى أن يجد المالك أو يتجدّد له عذر(١) .

وعلى تقدير تجويز الدفع إلى القاضي هل يجب على القاضي القبول إذا عرضها المستودع عليه؟

أمّا إذا كان المالك حاضراً والتسليم إليه متيسّراً ، فلا وجه لوجوبه عليه.

وأمّا إذا لم يكن كذلك ، ففي إيجاب القبول للشافعيّة وجهان :

أحدهما : المنع ؛ لأنّه التزم حفظه ، فيؤمر بالوفاء به.

وأظهرهما : الإيجاب ؛ لأنّه نائب عن الغائب ، ولو كان المالك حاضراً لألزم القبول(٢) .

ولو دفع الغاصبُ الغصبَ إلى القاضي ، ففي وجوب القبول عليه الوجهان(٣) .

لكن هذه الصورة أولى بعدم الوجوب ، ليبقى مضموناً للمالك.

والمديون إذا حمل الدَّيْن إلى القاضي ، فكلّ موضعٍ لا يجب على ربّ الدَّيْن القبول لو كان حاضراً ففي القاضي أولى ، وكلّ موضعٍ يجب على المالك قبوله ففي القاضي الوجهان(٤) .

وهذه الصورة أولى بعدم الوجوب - وهو الأظهر عندهم(٥) - لأنّ الدَّيْن‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٢ - ٢٩٣ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٨٩ - ٢٩٠.

(٢ - ٥) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٣ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٠.

١٦٨

ثابت في الذمّة لا يتعرّض للتلف ، وإذا تعيّن تعرّض له ، ولأنّ مَنْ في يده العين يثقل عليه حفظها.

وجميع ما ذكرناه فيما إذا استحفظ الغير وأزال يده ونظره على الوديعة ، أمّا إذا استعان به في حملها إلى الحرز فلا بأس ، كما لو استعان في سقي البهيمة وعلفها.

فروع :

أ - لو كانت له خزانة مشتركة بينه وبين أبيه فدفع الوديعة إلى أبيه ليضعها في الخزانة المشتركة ، فالأقرب : الضمان ، إلّا إذا علم المالك بالحال.

ب - لا يجوز أن يضع الوديعة في مكانٍ مشترك بينه وبين غيره‌ ، كدكّانٍ مشترك ودارٍ مشتركة ، فلو وضعها فيه ثمّ أراد الخروج لحاجاته فاستحفظ مَنْ يثق به من متّصليه وكان يلاحظ المحرز في عوداته ، فلا بأس ؛ لأنّه في الحقيقة إيداع مع الحاجة.

ولو فوّض الحفظ إلى بعضهم ولم يلاحظ الوديعة أصلاً ، فالأقرب : الضمان.

ج - لو كان المحرز خارجاً عن داره التي يأوي إليها وكان لا يلاحظه‌ ، فإن كان يشاركه غيره ضمن ، وإلّا فلا.

مسألة ٢١ : لو جعل الوديعة في دار جاره ، فإن كان الموضع محرزاً لا يدخله المالك وكان عاريةً أو مأذوناً فيه فلا ضمان‌ ، وإن لم يكن كذلك ضمن ؛ لأنّه فرّط حيث وضع الوديعة في غير حرزٍ أو في حرزٍ ممنوع منه شرعاً.

ولما رواه محمّد بن الحسن الصفّار قال : كتبت إلى أبي محمّد‌

١٦٩

العسكريعليه‌السلام : رجل دفع إلى رجلٍ وديعةً فوضعها في منزل جاره فضاعت هل تجب عليه إذا خالف أمره وأخرجها من ملكه؟ فوقّععليه‌السلام : « هو ضامن لها إن شاء الله »(١) .

مسألة ٢٢ : إذا أراد المستودع ردَّ الوديعة على صاحبها ، كان له ردّها عليه أو على وكيله في قبضها‌ ؛ لأنّ المستودع لا يلزمه إمساكها.

فإن دفعها إلى الحاكم أو إلى ثقةٍ مع وجود صاحبها أو وكيله ، ضمنها على ما قدّمناه ؛ لأنّ الحاكم والأمين لا ولاية له على الحاضر الرشيد.

وإن لم يقدر على صاحبها ولا وكيله فدفعها إلى الحاكم أو أمينٍ ، فإن كان لغير عذرٍ ضمن ؛ لأنّه لا حاجة به إلى ذلك ، ولا ينوب الحاكم في غير حال الحاجة.

وإن كان به حاجة إلى الإيداع - كأن يخاف حريقاً أو نهباً أو غير ذلك - فدفعها إلى الحاكم أو إلى ثقةٍ ليخلصها من ذلك جاز ، وإن تلفت لا ضمان عليه ؛ لأنّه موضع حاجةٍ ، وقد تقدّم.

مسألة ٢٣ : لو عزم المستودع على السفر ، كان له ذلك‌ ، ولم يلزمه المقام لحفظ الوديعة ؛ لأنّه متبرّع بإمساكها ، ويلزمه ردّها إلى صاحبها أو وكيله في استردادها أو في عامّة أشغاله ، فإن لم يظفر بالمالك ؛ لغيبته ، أو تواريه ، أو حبسه وتعذّر الوصول إليه ، ولا ظفر بوكيله ، فإنّه يدفعها إلى الحاكم ، ويجب عليه قبولها ؛ لأنّه موضوع للمصالح ، فإن لم يجد دَفَعها إلى أمينٍ ، ولا يُكلّف تأخير السفر ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كانت عنده ودائع ، فلـمّا أراد الهجرة سلّمها إلى أُمّ أيمن ، وأمر عليّاًعليه‌السلام بردّها(٢) .

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٨٠ / ٧٩١.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ١٤٢ ، الهامش (٣)

١٧٠

فإن ترك هذا الترتيب فدفعها إلى الحاكم أو إلى الأمين مع إمكان الدفع إلى المالك أو وكيله ، ضمن.

وللشافعيّة خلاف في الحاكم(١) سبق(٢) .

وإن دفع إلى أمينٍ وهو يجد الحاكم ، فللشافعي قولان :

أحدهما - وبه قال علماؤنا ، وأحمد بن حنبل وابن خيران من الشافعيّة والاصطخري منهم - : إنّه يضمنه ؛ لأنّ أمانة الحاكم ظاهرة متّفق عليها ، فلا يُعدل عنها ، كما لا يُعدل عن النصّ إلى الاجتهاد ، ولأنّ الحاكم نائب الغائبين ، فكان كالوكيل ، ولأنّ له ولايةً ، فهو يمسكها بالولاية والعدالة ، بخلاف غيره ، فإنّه ليس له الولاية.

والثاني : إنّه لا يضمن - وبه قال مالك - لأنّه أودع بالعذر أميناً ، فأشبه الحاكم ، ولأنّ مَنْ جاز له دفعها إليه مع عدم الحاكم جاز دفعها إليه مع وجوده ، كوكيل صاحبها(٣) .

وقد نقل أصحاب الشافعي عنه اضطراباً في القول ، فقالوا : هذان القولان للشافعي.

قال في باب الرهن فيما إذا أراد العَدْل ردّ الرهن أو الوديعة - يعني إلى عَدْلٍ - بغير أمر الحاكم : ضمن.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٤ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٠.

(٢) في ص ١٦٦ ، المسألة ٢٠.

(٣) الحاوي الكبير ٨ : ٣٥٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٧٣ ، التهذيب - للبغوي - ٥ : ١١٨ ، البيان ٦ : ٤٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٤ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٠ ، المغني ٧ : ٢٨٣ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٠٤ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٢٥ / ١٠٦٩ ، بداية المجتهد ٢ : ٣١٢ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ١٩ - ٢٠.

١٧١

وقال هنا في ردّ الوديعة : ولو لم يكن حاضراً - يعني ربّ الوديعة - فأودعها أميناً يودعه ماله، لم يضمن. فلم يفرّق بين أن يجد الحاكم أو لا يجد(١) .

ونقل عنه طريقة قاطعة بأنّه يضمن(٢) .

ونقل عنه أيضاً طريقة قاطعة أنّه لا يضمن(٣) .

وحكى بعض الشافعيّة وجهاً : إنّه يشترط أن يكون الأمين الذي يودعه بحيث يأتمنه ويودع ماله عنده(٤) .

لكنّ الظاهر عندهم خلافه ، وقول الشافعي : « يودعه ماله » على سبيل التأكيد والإيضاح(٥) .

مسألة ٢٤ : ولا يجوز للمستودع إذا عزم على السفر أن يسافر بالوديعة‌ ، بل يجب عليه دفعها إلى صاحبها أو وكيله الخاصّ في الاسترداد أو العامّ في الجميع ، فإن لم يوجد أحدهما دفعها إلى الحاكم ، فإن تعذّر الحاكم دفعها إلى أمينٍ ، ولا يسافر بها ، فإن سافر بها مع القدرة على صاحبها أو وكيله أو الحاكم أو الأمين ، ضمن عند علمائنا أجمع ، سواء كان السفر مخوفاً أو غير مخوفٍ - وبه قال الشافعي(٦) - لأنّه سافر بالوديعة من غير ضرورةٍ بغير إذن مالكها فضمن ، كما لو كان الطريق مخوفاً ، ولأنّ حرز‌

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٤ - ٢٩٥.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٥.

(٦) الحاوي الكبير ٨ : ٣٥٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٨ ، الوسيط ٤ : ٥٠١ ، حلية العلماء ٥ : ١٧١ ، التهذيب - للبغوي - ٥ : ١١٨ ، البيان ٦ : ٤٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٥ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩١ ، المغني ٧ : ٢٨٤ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٠٢ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٢٠.

١٧٢

السفر دون حرز الحضر ، وفي الحديث : « إنّ المسافر ومتاعه لعلى قَلَتٍ(١) إلّا ما وقى الله »(٢) .

وقال أبو حنيفة : إذا كان السفر آمناً ، لم يضمن ؛ لأنّه نقل الوديعة إلى موضعٍ مأمون فلم يضمن ، كما لو نقلها في البلد من موضعٍ إلى موضعٍ(٣) .

وهو وجهٌ للشافعيّة ، وكذا إذا كان السفر في البحر إذا كان الغالب فيه السلامة(٤) .

والفرق ظاهر ؛ فإنّ البلد يؤمن أن يطرأ عليه الخوف ، والسفر لا يؤمن فيه مثل ذلك ، ولأنّ البلد في حكم المنزل الواحد وقد رضي مالك الوديعة به ، بخلاف السفر.

مسألة ٢٥ : لو اضطرّ المستودع إلى السفر بالوديعة بأن يضطرّ إلى السفر وليس في البلد حاكم‌ ولا ثقة ولم يجد المالك ولا وكيله ، أو اتّفق جلاءٌ لأهل البلد ، أو وقع حريق أو غارة ونهب ولم يجد المالك ولا وكيله ولا الحاكم ولا العَدْل ، سافر بها ، ولا ضمان عليه إجماعاً ؛ لأنّ حفظها حينئذٍ في السفر بها ، والحفظ واجب ، وإذا لم يتمّ إلّا بالسفر بها كان السفر بها واجباً ، ولا نعلم فيه خلافاً.

____________________

(١) القلت : الهلاك. راجع الهامش التالي.

(٢) غريب الحديث - لابن قتيبة - ٢ : ٥٦٤.

(٣) المبسوط - للسرخسي - ١١ : ١٢٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١٧ ، المحيط البرهاني ٥ : ٥٣١ ، الحاوي الكبير ٨ : ٣٥٧ ، الوسيط ٤ : ٥٠٢ ، حلية العلماء ٥ : ١٧١ ، البيان ٦ : ٤٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٥ - ٢٩٦ ، المغني ٧ : ٢٨٤ ، الشرح الكبير ٧ : ٣٠٢ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٢٠.

(٤) حلية العلماء ٥ : ١٧١ ، البيان ٦ : ٤٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٥ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩ (١)

١٧٣

أمّا لو عزم على السفر من غير ضرورةٍ في وقت السلامة وأمن البلد وعجز عن المالك ووكيله وعن الحاكم والأمين فسافر بها ، فالأقرب : الضمان ؛ لأنّه التزم الحفظ في الحضر ، فليؤخّر السفر ، أو ليلتزم خطر الضمان ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : إنّه لا ضمان عليه ، وإلّا لزم أن ينقطع عن السفر ، وتتعطّل مصالحه ، وفيه تنفير عن قبول الودائع(١) .

وشرطوا لجواز السفر بها أمن الطريق ، وإلّا فيضمن(٢) .

أمّا عند وقوع الحريق ونحوه فإنّا نقول : إذا كان احتمال الهلاك في الحضر أقرب منه في السفر ، فله أن يسافر بها ، ولو كان الطريق آمناً فحدث خوفٌ أقام.

ولو هجم القطّاع فألقى المال في مضيعة إخفاءً له فضاع ، فعليه الضمان.

مسألة ٢٦ : لو عزم المستودع على السفر فدفن الوديعة ثمّ سافر ، ضمنها إن كان قد دفن في غير حرزٍ.

وإن دفنها في منزله في حرزٍ ولم يُعلمْ بها أحداً ، ضمنها أيضاً ؛ لأنّه غرّر بها ، لأنّه ربما هلك في سفره فلا يصل صاحبها إليها ، ولأنّه ربما يخرب المكان أو يغرق فلا يعلم أحد بمكانها لينقلها فتتلف.

وإن أعلم بها غيره ، فإن كان غير أمينٍ ضمن ؛ لأنّه قد زادها تضييعاً ، لأنّه قد يخون فيها ويطمع.

وإن كان أميناً فإن لم يكن ساكناً في الموضع ، ضمنها ؛ لأنّه لم يودعها‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٦ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٢.

١٧٤

عنده.

وإن كان ساكناً في الموضع ، فإن كان ذلك مع عدم صاحبها والحاكم جاز ؛ لأنّ الموضع وما فيه في يد الأمين ، فالإعلام كالإيداع ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة ، والثاني : إنّه يضمن ؛ لأنّه إعلام لا إيداع(١) .

وإن كان مع القدرة على صاحبها أو وكيله ضمن.

وإن كان مع القدرة على الحاكم ، فعلى الوجهين السابقين.

ولو جعلها في بيت المال ، ضمن ، قاله الشافعي في الأُمّ(٢) .

واختلف أصحابه في معناه.

فمنهم مَنْ قال : أراد بذلك إذا تركها في بيت المال مع القدرة على صاحبها.

ومنهم مَنْ قال : أراد إذا جعلها في بيت المال بنفسه ولم يسلّمها إلى الحاكم(٣) .

ولو خاف المعاجلة عليها فدفنها فلا ضمان.

فروع :

أ - لو راقبها من الجوانب أو من فوق مراقبة الحارس‌ ، فهو كالسكنى في الموضع الذي دُفنت فيه.

ب - قال بعض الشافعيّة : الإعلام كالإيداع‌ من غير فرقٍ بين أن يسكن الموضع أو لا يسكنه(٤) .

____________________

(١) البيان ٦ : ٤٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٥ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩١.

(٢) الأُمّ ٤ : ١٣٥ ، وعنه في البيان ٦ : ٤٣٤.

(٣) البيان ٦ : ٤٣٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٥ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩١.

١٧٥

وإذا دفن الوديعة في غير حرزٍ عند إرادة السفر ، ضمن على ما تقدّم ، إلّا أن يخاف عليها المعاجلة.

وكذا يضمن لو دفنها في حرزٍ ولم يُعلِمْ بها أميناً ، أو أعلم أميناً حيث لا يجوز الإيداع عند الأمين.

ج - هل سبيل هذا الإعلام الإشهاد أو الائتمان؟ إشكال.

وللشافعيّة وجهان(١) .

فعلى الأوّل لا بدّ من إعلام رجلين أو رجل وامرأتين. والظاهر الثاني.

د - كما يجوز إيداع الغير لعذر السفر كذا يجوز لسائر الأعذار‌ ، كما لو وقع في البقعة حريق أو غارة أو خاف الغرق.

وفي معناها ما إذا أشرف الحرز على الخراب ولم يجد حرزاً ينقلها إليه.

ه- لو أودعه حالة السفر فسافر بها أو كان المستودع منتجعاً(٢) فانتجع بها ، فلا ضمان‌ ، لأنّ المالك رضي به حيث أودعه ، فكان له إدامة السفر والسير بالوديعة.

مسألة ٢٧ : إذا مرض المستودع مرضاً مخوفاً أو حُبس ليُقتل ، وجب عليه الإيصاء بالوديعة‌ ، وإن تمكّن من صاحبها أو وكيله ، وجب عليه ردّها إليه ، وإن لم يقدر على صاحبها ولا على وكيله ، ردّها إلى الحاكم.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٨ : ٣٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٥ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩١.

(٢) النجعة : طلب الكلأ في موضعه. الصحاح ٣ : ١٢٨٨ « نجع ».

١٧٦

ولو أودعها عند ثقةٍ مع عدم الحاكم جاز ، وإن كان مع القدرة عليه ضمن.

وللشافعيّة وجهان(١) .

ولو لم يوص بها لكن سكت عنها وتركها بحالها حتى مات ، ضمن ؛ لأنّه غرّر بها وعرّضها للفوات ، فإنّ الورثة يقتسمونها ويعتمدون على ظاهر اليد ولا يحسبونها وديعةً ، ويدّعونها لأنفسهم ، فكان ذلك تقصيراً منه يوجب التضمين.

فروع :

أ - التقصير هنا إنّما يتحقّق بترك الوصاية إلى الموت‌ ، فلا يحصل التقصير إلّا إذا مات ، لكن نتبيّن عند الموت أنّه كان مقصّراً من أوّل ما مرض ، فضمّناه ، أو يلحق التلف إذا حصل بعد الموت بالتردّي بعد الموت في بئرٍ حفرها متعدٍّ.

ب - قد توهّم بعض الناس أنّ المراد من الوصيّة بها تسليمها إلى الوصي‌ ليدفعها إلى المالك ، وهو الإيداع بعينه(٢) .

وليس كذلك ، بل المراد الأمر بالردّ من غير أن يخرجها من يده ، فإنّه والحالة هذه مخيّر بين أن يودع للحاجة ، وبين أن يقتصر على الإعلام والأمر بالردّ ؛ لأنّ وقت الموت غير معلومٍ ، ويده مستمرّة على الوديعة ما دام حيّاً.

ج - الأقرب : الاكتفاء بالوصيّة وإن أمكنه الردّ إلى المالك‌ ؛ لأنّه‌

____________________

(١) البيان ٦ : ٤٣٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٦.

١٧٧

مستودع لا يدري متى يموت ، فيستصحب الحكم.

ويحتمل أنّه يجب عليه الردّ إلى المالك أو وكيله عند المرض ، فإن تعذّر أودع عند الحاكم أو أوصى إليه ، كما إذا عزم على السفر ، وهو قول أكثر الشافعيّة(١) .

د - يجب الإيصاء إلى الأمين‌ ، فإن أوصى إلى غير ثقةٍ ، فهو كما لو لم يوص ، ويجب عليه الضمان ؛ لأنّه غرّر بالوديعة.

ولا يجب أن يكون أجنبيّاً ، بل يجوز أن يوصي بها إلى وارثه ، ويُشهد عليه ؛ صوناً لها عن الإنكار.

وكذا الإيداع حيث يجوز أن يودع أميناً.

مسألة ٢٨ : إذا أوصى بالوديعة ، وجب عليه أن يبيّنها ويميّزها عن غيرها‌ بالإشارة إلى عينها أو بيان جنسها ووصفها ، فلو لم يبيّن الجنس ولا أشار إليها بل قال : عندي وديعة ، فهو كما لو لم يوص.

ولو ذكر الجنس فقال : عندي ثوب لفلان ، ولم يصفه ، فإن لم يوجد في تركته جنس الثوب ، فأكثر علمائنا على أنّ المالك يضارب ، فيضارب ربّ الوديعة الغرماء بقيمة الوديعة ؛ لتقصيره بترك البيان ، وهو قول بعض الشافعيّة ، وهو ظاهر مذهبهم(٢) أيضاً.

وقال بعضهم : لا يضمن ؛ لأنّها ربما تلفت قبل الموت ، والوديعة أمانة ، فلا تُضمن بالشكّ(٣) .

وإن وُجد في تركته جنس الثوب ، فإمّا أن يوجد أثواب أو ثوب واحد ، فإن وُجد أثواب ضمن ؛ لأنّه إذا لم يميّز كان بمنزلة ما لو خلط الوديعة‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٧ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٢.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٧ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٣.

١٧٨

بغيرها ، وذلك سبب موجب للضمان ، فكذا ما ساواه ، وهو عدم تنصيصه على التخصيص.

وإن وُجد ثوبٌ واحد ، ففي تنزيل كلامه عليه إشكال.

قال بعض الشافعيّة : إنّه ينزّل عليه ، ويدفع إليه(١) .

ومنهم مَنْ أطلق القول بأنّه إذا وجد جنس الثوب ضمن ، ولا يدفع إليه عين الموجود.

أمّا الضمان : فللتقصير بترك البيان.

وأمّا أنّه لا يدفع إليه عين الموجود : فلاحتمال أن تكون الوديعة قد تلفت ، والموجود غيرها(٢) . وهو جيّد.

ولهم وجهٌ آخَر : إنّه إنّما يضمن إذا قال : عندي ثوب لفلان ، وذكر معه ما يقتضي الضمان ، أمّا إذا اقتصر عليه فلا ضمان(٣) .

مسألة ٢٩ : لو مات ولم يذكر عنده وديعة ولكن وُجد في تركته كيس‌ مختوم أو غير مختومٍ مكتوب عليه : إنّه وديعة فلان ، أو وُجد في جريدته : إنّ لفلان عندي كذا وكذا وديعة ، لم يجب على الوارث التسليم بهذا القدر ؛ لأنّه ربما كتبه عبثاً ولهواً أو تلقّناً(٤) أو ربما اشترى الكيس بعد تلك الكتابة فلم يمحها ، أو ردّ الوديعة بعد ما أثبت في الجريدة ولم يمحه.

وبالجملة ، إنّما يثبت كونها وديعةً بأن يُقرّ أنّ هذه وديعة ، ثمّ يموت ، ولا يكون متّهماً في إقراره عندنا ومطلقاً عند جماعةٍ من علمائنا ، أو يُقرّ الورثة بأنّها وديعة ، أو تقوم البيّنة بذلك ، فإذا ثبتت الوديعة بأحد‌

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٧ ، روضة الطالبين ٥ : ٢٩٣.

(٤) كذا قوله : « تلقّناً » ، وبدله في العزيز شرح الوجيز ٧ : ٢٩٨ ، وروضة الطالبين ٥ : ٢٩٤ : « تلبيساً ».

١٧٩

هذه الوجوه وجب على الورثة دفعها إلى مالكها ، فإن أخّروا الدفع مع الإمكان ضمنوا.

ولو لم يعلم صاحبها بموت المستودع ، وجب على الورثة إعلامه ذلك ، ولم يكن لهم إمساك الوديعة إلى أن يطلبها المالك منهم ؛ لأنّ المالك لم يأمنهم عليها ، وذلك كما لو أطارت الريح ثوباً إلى دار إنسانٍ وعلم صاحبها فإنّ عليه إعلامه ، فإن أخّر ذلك مع إمكانه ضمن.

تذنيب : لو لم يوص المستودع بالوديعة فادّعى ربّ الوديعة أنّه قصّر‌ ، وقال الورثة : لعلّها تلفت قبل أن ينسب إلى التقصير ، فالظاهر براءة الذمّة.

ويحتمل الضمان.

تذنيبٌ آخَر : جميع ما قلناه ثابت فيما إذا وجد فرصةً للإيداع أو الوصيّة‌ ، أمّا إذا لم يجد بأن مات فجأةً أو قُتل غيلةً ، فلا ضمان ؛ لأنّه لم يقصّر.

مسألة ٣٠ : قد بيّنّا الخلاف فيما إذا كان عنده وديعة ثمّ مات ولم توجد في تركته ، وأنّ الذي يقتضيه النظر عدم الضمان.

والذي عليه فتوى أكثر العلماء منّا ومن الشافعيّة(١) وجوب الضمان.

وقد قال الشافعي : إذا لم توجد بعينها حاصّ المالك الغرماء(٢) .

واختلف أصحابه في هذه المسألة على ثلاث طُرق :

منهم مَنْ قال : إنّما يحاصّ الغرماء بها إذا كان الميّت قد أقرّ قبل موته ، فقال : عندي أو علَيَّ وديعة لفلان ، فإذا لم تُوجد ، كان الظاهر أنّه أقرّ‌

____________________

(١) راجع الهامش (٢) من ص ١٧٧.

(٢) الأُم ٤ : ١٣٨ ، الحاوي الكبير ٨ : ٣٨٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٧٦ - ١٧٧.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458