تذكرة الفقهاء الجزء ١١

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: 415

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: 415
المشاهدات: 102824
تحميل: 3726


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 415 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 102824 / تحميل: 3726
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 11

مؤلف:
ISBN: 964-319-224-5
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وإن أتلفه أجنبيّ ، فقد تقدّم(١) قولنا فيه.

وللشافعي طريقان :

أظهرهما : أنّه على قولين ، أحدهما : أنّه كالتالف بآفة سماويّة ؛ لتعذّر التسليم. وأصحّهما - وبه قال أبو حنيفة وأحمد - أنّه ليس كذلك ، ولا ينفسخ البيع ؛ لقيام القيمة مقام المبيع ، لكن للمشتري الخيار في الفسخ فيغرمه البائع ، ومطالبة الأجنبيّ.

والثاني : القطع بالقول الثاني.

وإن قلنا به ، فهل للبائع حبس القيمة لأخذ الثمن؟ وجهان : أحدهما : نعم ، كما يحبس المرتهن قيمة المرهون.

[ وأظهرهما : لا ؛ لأنّ الحبس غير مقصود بالعقد حتى ينتقل إلى البدل ، بخلاف الرهن ، ولهذا لو أتلف الراهن ، غرم القيمة ](٢) وإذا أتلف المشتري المبيع ، لا يغرم القيمة ليحبسها البائع.

وعلى الأوّل لو تلفت القيمة بآفة سماويّة ، فهل ينفسخ البيع ؛ لأنّها بدل المبيع؟ وجهان ، أظهرهما : لا(٣) .

وإن أتلفه البائع ، قال الشيخ : ينفسخ البيع ، كما لو تلف بآفة سماويّة(٤) . وهو أحد قولي الشافعي.

والثاني : لا ينفسخ ، كإتلاف الأجنبيّ ؛ لأنّه جنى على ملك غيره ، وعلى هذا إن شاء المشتري فسخ البيع ، وسقط الثمن. وإن شاء أجاز وغرم‌

____________________

(١) اُنظر : ج ١٠ ص ١١٥ ، ضمن المسألة ٦٤.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٨ ٢٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦١ ١٦٢.

(٤) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١١٧.

٣٨١

القيمة للبائع ، وأدّى الثمن. والثاني(١) : القطع بالقول الأوّل ، فإن لم نحكم بالانفساخ ، عاد الخلاف في حبس القيمة(٢) .

وقطع بعضهم بأنّه لا حبس هنا ؛ لتعدّيه بإتلاف العين(٣) .

وإن باع شقصاً من عبد وأعتق باقيه قبل القبض وهو موسر ، عتق كلّه ، وانفسخ البيع ، وسقط الثمن إن جعلنا إتلاف البائع كالآفة السماويّة. وإن جعلناه كإتلاف الأجنبيّ ، فللمشتري الخيار.

وإتلاف الصبي - الذي لا يميّز - بأمر البائع أو المشتري كإتلافهما ، وإتلاف المميّز بأمرهما كإتلاف الأجنبيّ.

وقال بعض الشافعيّة : إذن المشتري للأجنبيّ في الإتلاف لغو. وإذا أتلف ، فله الخيار ، ويلزمه لو أذن البائع في الأكل والإحراق ففعل ، كان التلف من ضمان البائع ، بخلاف ما إذا أذن للغاصب(٤) ففعل ، يبرأ ؛ لأنّ الملك مستقيم(٥) .

وقال بعض الشافعيّة : إتلاف عبد البائع كإتلاف الأجنبيّ ، وكذا إتلاف عبد المشتري بغير إذنه ، فإن اختار ، جعل قابضاً ، كما لو أتلفه بنفسه. وإن فسخ ، اتّبع البائعُ الجاني. ولو كان المبيع علفاً فاعتلفه حمار المشتري بالنهار ، ينفسخ البيع. وإن اعتلفه بالليل ، لا ينفسخ ، وللمشتري الخيار ، فإن أجاز ، فهو قابض ، وإلّا طالَبه البائع بقيمة ما أتلف حماره. وأطلق القول بأنّ‌

____________________

(١) أي الطريق الثاني. والطريق الأوّل على قولين مضيا آنفاً.

(٢ و ٣ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٢.

(٤) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « الغاصب ». وما أثبتناه من المصدر.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٢ - ١٦٣ ، وفيهما : « لأنّ الملك ثَمَّ - هناك - مستقرّ».

٣٨٢

بهيمة البائع إتلافها كالآفة السماويّة(١) .

ولو صال العبد المبيع على المشتري في يد البائع فقَتَله دفعاً ، قال بعض الشافعيّة : لا يستقرّ الثمن عليه(٢) .

وقال بعضهم : إنّه يستقرّ ؛ لأنّه أتلفه في غرض نفسه(٣) .

والأوّل عندي أصحّ.

مسألة ٥٣٦ : لو أخذ المشتري المبيع بغير إذن البائع ، فللبائع الاسترداد‌ إذا ثبت له حقّ الحبس. وإن أتلفه في يد المشتري ، فعليه القيمة ، ولا خيار للمشتري ؛ لاستقرار العقد بالقبض وإن كان ظالماً فيه ، قاله بعض الشافعيّة(٤) .

وقال بعضهم : إنّه يجعل مستردّاً بالإتلاف ، كما أنّ المشتري قابض بالإتلاف ، وعلى هذا فينفسخ البيع أو يثبت الخيار للمشتري(٥) .

والأخير عندي أقوى.

ووقوع الدرّة في البحر قبل القبض كالتلف ينفسخ به البيع ، وكذا انفلات الطير والصيد المتوحّش.

ولو غرّق البحرُ الأرضَ المبيعة أو وقع عليها صخور عظيمة من جبلٍ أو كبسها رمل ، فهي بمثابة التلف أو يثبت به الخيار؟ للشافعيّة وجهان(٦) ، أقربهما : الثاني.

ولو أبق العبد قبل القبض أو ضاع في انتهاب العسكر ، لم ينفسخ البيع ؛ لبقاء الماليّة ، ورجاء العود.

____________________

(١ - ٥ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٣.

(٦) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٠ - ٢٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٣.

٣٨٣

وفيه للشافعيّة وجه : أنّه ينفسخ كما في التلف(١) .

مسألة ٥٣٧ : لو غصب المبيعَ غاصبٌ ، فليس للمشتري إلّا الخيار ، فإن اختار ، لم يلزمه تسليم الثمن.

وإن سلّمه ، قال بعض الشافعيّة : ليس له الاسترداد ؛ لتمكّنه من الفسخ(٢) .

وإن أجاز ثمّ أراد الفسخ ، فله ذلك ، كما لو انقطع المـُسْلَم فيه فأجاز ثمّ أراد الفسخ ؛ لأنّه يتضرّر كلّ ساعة.

وكذا لو أتلف الأجنبيّ المبيع قبل القبض وأجاز المشتري ليتبع الجاني ثمّ أراد الفسخ.

وقال بعضهم في هذه الصورة : وجب أن لا يمكّن من الرجوع ؛ لأنّه رضي بما في ذمّة الأجنبيّ، فأشبه الحوالة(٣) .

ولو جحد البائع العين قبل القبض ، فللمشتري الفسخ ؛ لحصول التعذّر.

مسألة ٥٣٨ : لو باع عبداً من رجل ثمّ باعه من آخر وسلّمه إليه وعجز عن انتزاعه وتسليمه إلى الأوّل ، فهذا جناية‌ منه على المبيع فينزل منزلة الجناية الحسّيّة حتى ينفسخ البيع في قولٍ للشافعيّة ، ويثبت للمشتري الخيار في الثاني(٤) بين أن يفسخ وبين أن يأخذ القيمة من البائع(٥) .

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٣.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٣٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٤.

(٤) أي القول الثاني للشافعيّة.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٤.

٣٨٤

والثاني عندي أقوى.

ولو طالَب البائع بالتسليم وزعم قدرته عليه وقال البائع : أنا عاجز ، حلف عليه ، فإن نكل ، حلف المدّعى على أنّه قادر ، وحبس إلى أن يسلّم أو يقيم بيّنةً على عجزه.

ولو ادّعى المشتري الأوّل على الثاني العلمَ بالحال فأنكر ، حلّفه ، فإن نكل ، حلف هو وأخذه منه.

مسألة ٥٣٩ : لو تعيّب المبيع بآفة سماويّة قبل القبض كعمى العبد وشلل يده أو سقوطها ، تخيّر المشتري بين الفسخ والإجازة‌ بجميع الثمن عند بعض علمائنا - وبه قال الشافعي(١) -وبالأرش عندنا ، وقد تقدّم(٢) .

مسألة ٥٤٠ : قد بيّنّا حكم البيع قبل القبض وما فيه من الخلاف.

وفي العتق للشافعي قولان ، أصحّهما : النفوذ(٣) . وهو الحقّ عندي.

هذا إذا لم يكن للبائع حقّ الحبس ، كما إذا كان الثمن مؤجّلاً أو حالّاً وقد أدّاه المشتري ، أمّا إذا ثبت له حقّ الحبس ، فالأقوى عندي : النفوذ أيضاً.

وللشافعيّة قولان ، أحدهما هذا. والثاني : أنّه كإعتاق الراهن(٤) .

وهو ممنوع ؛ لأنّ الراهن حجر على نفسه بالرهن ، والرهن جعل ليحبسه المرتهن.

وأمّا الوقف فيجوز للمشتري وقفه قبل القبض ؛ لما تقدّم.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٠٣ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٤.

(٢) في ج ١٠ ص ١١٧ ، ضمن المسألة ٦٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٤ - ٢٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٧ ، المجموع ٩ : ٢٦٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٧ ، المجموع ٩ : ٢٦٤.

٣٨٥

والشافعي بناه على أنّ الوقف هل يفتقر إلى القبول؟ إن قلنا : نعم ، فهو كالبيع. وإن قلنا : لا، فهو كالإعتاق(١) .

وكذا في إباحة الطعام للفقراء والمساكين إذا كان قد اشتراه جزافاً.

والكتابة كالبيع في أصحّ وجهي الشافعيّة ؛ إذ ليس لها قوّة العتق(٢) .

والاستيلاد كالعتق.

وأمّا هبة المبيع قبل قبضه ، ورهنه فإنّهما صحيحان عندنا.

وللشافعي قولان ، هذا أحدهما ؛ لأنّ التسليم غير لازم فيهما ، بخلاف البيع. وأصحّهما عندهم : المنع ؛ لضعف الملك ، فإنّه كما يمنع البيع يمنع الهبة ، ولهذا لا يصحّ رهن المكاتب وهبته، كما لا يصحّ بيعه(٣) .

وقطع بعضهم بمنع الرهن إذا كان محبوساً بالثمن(٤) .

وعلى تقدير صحّتهما فليس العقد قبضاً ، بل يقبضه المشتري من البائع ثمّ يسلّمه من المتّهب أو المرتهن(٥) .

ولو أذن للمتّهب أو المرتهن حتى قبضه ، قال بعض الشافعيّة : يكفي ذلك ، ويتمّ به البيع والهبة أو الرهن بعده(٦) .

وقال آخرون : [ لا ](٧) يكفي ذلك للبيع وما بعده ، ولكن ينظر إن قصد قبضه للمشتري ، صحّ قبض البيع ، ولا بُدَّ من استئناف قبض الهبة(٨) ،

____________________

(١ - ٣ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٧ ، المجموع ٩ : ٢٦٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٥.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٧ ، المجموع ٩ : ٢٦٥.

(٦) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٤٠٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٧ ، المجموع ٩ : ٢٦٥.

(٧) ما بين المعقوفين من المصادر.

(٨) في المصادر : « للبهة » بدل « الهبة ».

٣٨٦

ولا يجوز له أن يأذن في قبضه من نفسه لنفسه. وإن قصد قبضه لنفسه ، لم يحصل القبض للبيع ولا للهبة ، فإنّ قبضها يجب أن يتأخّر عن تمام البيع(١) .

والإقراض والتصدّق كالهبة والرهن ، ففيهما خلاف عند الشافعي(٢) .

والأقوى عندي : النفوذ.

وأمّا تزويج الأمة قبل القبض فإنّه جائز عندنا ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٣) .

وبعضهم فرّق فأبدى قولاً ثالثاً ، وهو أن يقال : إمّا أن يكون للبائع حقّ الحبس فلا يصحّ التزويج ؛ لأنّه منقص ، وإمّا أن لا يكون فيصحّ(٤) .

وطرّد بعضهم التفصيل في الإجارة ، فإن كانت منقصةً ، لم تصح ، وإلّا صحّت(٥) .

ولو باع من البائع ، فللشافعيّة وجهان(٦) سبقا.

ولو وهب منه أو رهن فطريقان : أحدهما : القطع بالمنع ؛ لأنّه لا يجوز أن يكون نائباً عن المشتري في القبض. وأصحّهما عندهم : أنّه على القولين. فإن جوّزنا فإذا أذن له في القبض أو الرهن ففَعَل ، أجزأ ، ولا يزول ضمان البيع في صورة الرهن ، بل إذا تلف ينفسخ العقد(٧) .

ولو رهنه من البائع بالثمن ، جاز عندنا.

____________________

(١ و ٢ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٧ ، المجموع ٩ : ٢٦٥.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٤٠٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٨ ، المجموع ٩ : ٢٦٥.

(٤ و ٥ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٨ ، المجموع ٩ : ٢٦٥.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٨.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٨.

٣٨٧

تذنيب : لو باع عبداً بثوب وقبض الثوب ولم يسلّم العبد ، له بيع الثوب وللآخر بيع العبد عندنا.

ومَنْ مَنَع من البيع قبل القبض مَنَع من بيع العبد.

فلو باع الثوب وهلك العبد في يده ، بطل العقد في العبد ، ولا يبطل في الثوب ، ويغرم قيمته لبائعه.

ولا فرق بين أن يكون هلاك العبد بعد تسليم الثوب أو قبله ؛ لخروجه عن ملكه بالبيع.

ولو تلف العبد والثوب في يده ، غرم لبائع الثوب القيمة ، و [ ردّ(١) ] على مشتريه الثمن.

مسألة ٥٤١ : قد بيّنّا أنّ المنتقل بغير البيع يجوز بيعه قبل قبضه ، فلو اشترى من مورّثه شيئاً ومات المورّث قبل التسليم ، فله بيعه ، سواء كان على المورّث دَيْن أو لم يكن. وحقّ الغريم يتعلّق بالثمن.

وإن كان له وارث آخر ، لم ينفذ بيعه في قدر نصيب الآخر حتى يقبضه عند المانعين(٢) .

ويجوز بيع المال في يد المستعير والمستام ، وفي يد المشتري والمتّهب في البيع والهبة الفاسدين ، وكذا بيع المغصوب من الغاصب.

والأرزاق من السلطان لا تُملك إلّا بالقبض ، فليس له بيعها قبل قبضها ، خلافاً للشافعي ؛ فإنّه جوّزه ، فبعض أصحابه قال : هذا إذا أفرزه السلطان ، فتكون يد السلطان في الحفظ يد المفرز له ، ويكفي ذلك لصحّة البيع. ومنهم مَنْ لم يكتف بذلك ، وحَمَل قوله على ما إذا وكّل وكيلاً‌

____________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٩.

٣٨٨

يقبضه فقبضه الوكيل ثمّ باعه الموكّل ، وإلّا فهو بيع شي‌ء غير مملوك(١) .

ولو وهب الأجنبيّ شيئاً ثمّ رجع ، كان له بيعه قبل استرداده.

والشفيع إذا تملّك الشقص بالشفعة ، له بيعه قبل القبض ، وبه قال بعض الشافعيّة(٢) .

وقال بعضهم : ليس له ذلك ؛ لأنّ الأخذ بالشفعة معاوضة(٣) .

وللموقوف عليه أن يبيع الثمرة الخارجة من الشجرة الموقوفة قبل أخذها.

ولو استأجر صبّاغاً لصَبْغ ثوبٍ وسلّمه إليه ، كان للمالك بيعه قبل الصبغ.

وقال الشافعي : ليس له بيعه ما لم يصبغ ؛ لأنّ له أن يحبسه إلى أن يعمل ما يستحقّ به العوض ، وإذا صبغه ، فله بيعه قبل الاسترداد إن وفّى الاُجرة ، وإلّا فلا ؛ لأنّه يستحقّ حبسه إلى استيفاء الاُجرة(٤) .

ولو استأجر قصّاراً لقصارة الثوب وسلّمه إليه ، جاز له بيعه قبل القصر.

ومَنَع الشافعي من بيعه ما لم يقصر. وإذا قصر فمبنيّ عنده على أنّ القصارة عين فتكون كمسألة الصبغ ، أو أثر فله البيع ؛ إذ ليس للقصّار الحبس(٥) .

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٤١٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٨ - ٢٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٠ ، المجموع ٩ : ٢٦٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٠ - ١٧١ ، المجموع ٩ : ٢٦٨.

(٣ و ٤ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧١ ، المجموع ٩ : ٢٦٨.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٤١٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧١ ، المجموع ٩ : ٢٦٨.

٣٨٩

وكذا صياغة الذهب ورياضة الدابّة ونسج الغزل.

وإذا قاسم شريكه فباع ما صار إليه قبل القبض من الشريك ، صحّ البيع.

وقال الشافعي : يبنى على أنّ القسمة بيع أو إفراز؟(١) .

ولو أثبت صيداً في اُحبولةٍ أو سمكة في شبكةٍ(٢) ، فله بيعه وإن لم يأخذه.

مسألة ٥٤٢ : تصرّف المشتري في زوائد المبيع قبل القبض - كالولد والثمرة - جائز‌ عندنا.

وقال الشافعي : يبنى على أنّها تعود إلى البائع لو عرض انفساخ ، أو لا تعود؟ إن عادت ، لم يتصرّف فيها كما في الأصل ، وإلّا كان له التصرّف(٣) .

ولو كانت الجارية حبلى عند البائع وولدت قبل القبض ، كان له التصرّف في الولد.

وقال الشافعي : إن قلنا : الحمل يقابله قسط من الثمن ، لم يتصرّف فيه ، وإلّا فهو كالولد الحادث بعد البيع(٤) .

مسألة ٥٤٣ : لو باع متاعاً بنقدٍ معيّن مشخّص من ذهب أو فضّة ، جاز للبائع التصرّف فيهما قبل القبض.

وقال الشافعي : ليس للبائع التصرّف فيهما قبل القبض ؛ لأنّ الدراهم‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧١ ، المجموع ٩ : ٢٦٨.

(٢) في الطبعة الحجريّة : « شبكته ».

(٣ و ٤ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧١ ، المجموع ٩ : ٢٦٩.

٣٩٠

والدنانير تتعيّنان بالتعيين كالمبيع ، فلا يجوز للمشتري إبدالها بمثلها. ولو تلفت قبل القبض ، انفسخ البيع. وإن وجد البائع بها عيباً ، لم يستبدلها ، بل يرضي بها أو يفسخ العقد. وبه قال أحمد(١) .

وقال أبو حنيفة : لا تتعيّن ، ويجوز إبدالها بمثلها. وإذا تلفت قبل القبض ، لا ينفسخ العقد. وإذا وجد بها عيباً ، فله الاستبدال(٢) . وقد تقدّم(٣) .

مسألة ٥٤٤ : الدَّيْن في ذمّة الغير قد يكون ثمناً ومثمناً ، أو(٤) لا ثمناً ولا مثمناً.

ونعني بالثمن ما اُلصق به الباء ؛ لأنّ هذه الباء تسمّى « باء التثمين » على قولٍ(٥) . أو النقد ؛ لإطلاق أهل العرف اسم الثمن عليه دون غيره. والمثمن ما قابل ذلك على الوجهين على قولٍ(٦) . فإن لم يكن في العقد نقد أو كان العوضان نقدين ، فالثمن ما أُلصق به الباء ، والمثمن ما قابلة.

فلو باع أحد النقدين بالآخر ، فعلى الوجه الثاني لا مثمن فيه.

ولو باع عرضاً بعرض ، فعلى الوجه الثاني لا ثمن فيه ، وإنّما هو مقابضة.

ولو قال : بعتك هذه الدراهم بهذا العبد ، فعلى الأوّل العبدُ ثمن ، والمثمن الدراهم. وعلى الثاني في صحّة العقد وجهان(٧) ، كالسَّلَم في‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧١ - ١٧٢ ، المجموع ٩ : ٢٦٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٠.

(٣) في ص ١٤٨ ، المسألة ٣١٨.

(٤) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « و» بدل « أو ». والأنسب ما أثبتناه.

(٥ و ٦ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٢.

(٧) الوجهان للشافعيّة ، اُنظر : العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠١ ، وروضة الطالبين ٣ : ١٧٢ ، والمجموع ٩ : ٢٧٣.

٣٩١

الدراهم والدنانير ؛ لأنّه جعل الثمن مثمناً. وإن صحّ ، فالعبد ثمن.

ولو قال : بعتك هذا الثوب بعبد ، ووَصَفه ، صحّ العقد ، فإن(١) قلنا : الثمن ما اُلصق به الباء ، فالعبد ثمن ، ولا يجب تسليم الثوب في المجلس. وإن لم نقل بذلك ، ففي وجوب تسليم الثوب للشافعيّة وجهان : في وجهٍ : لا يجب ؛ إذ(٢) لم يجر بينهما لفظ السَّلَم. وفي وجهٍ : يجب ؛ اعتباراً بالمعنى(٣) .

إذا عرفت هذا ،فالضرب الأوّل : المثمن ، وهو المـُسْلَم فيه لا يجوز الاستبدال عنه ولا بيعه من غيره عند الشافعي(٤) .

وهل الحوالة تدخل في المـُسْلَم فيه إمّا به بأن يحيل المسلم إليه المسلمَ بحقّه على مَنْ له عليه دَيْن قرض أو إتلاف ، وإمّا عليه بأن يحيل المسلم مَنْ له عليه دَيْن قرض أو إتلاف على المسلم إليه؟ فيه ثلاثة أوجه للشافعيّة ، أصحّها : لا ؛ لما فيه من تبديل المسلم فيه بغيره ، والثاني : نعم ، تخريجاً على أنّ الحوالة استيفاء وإيفاء لا اعتياض. والثالث : أنّه لا تجوز الحوالة عليه ؛ لأنّها بيع سَلَم بدَيْن ، وتجوز الحوالة به على القرض ونحوه ؛ لأنّ الواجب على المـُسْلَم إليه توفية(٥) الحقّ على المسلم وقد فعل(٦) .

الضرب الثاني : الثمن. وإذا باع بدراهم أو دنانير في الذمّة ، ففي‌

____________________

(١) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « إن ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « إذا ». وما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز » وهو الموافق لما في « روضة الطالبين » و « المجموع ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٢ ، المجموع ٩ : ٢٧٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٢ ، المجموع ٩ : ٢٧٢.

(٥) في « العزيز شرح الوجيز » : « توفير » بدل « توفية ».

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٢ ، المجموع ٩ : ٢٧٤.

٣٩٢

الاستبدال عنها قولان للشافعي :

القديم : أنّه لا يجوز ؛ لمطلق النهي عن بيع ما لم يقبض. ولأنّه عوض في معاوضة ، فأشبه المـُسْلَم فيه.

والجديد : الجواز(١) . وهو الأقوى عندي.

الضرب الثالث : ما ليس بمثمن ولا ثمن ، كدَيْن القرض والإتلاف ، فيجوز الاستبدال عنه إجماعاً ، كما لو كان في يده عين مال بغصب أو عارية ، يجوز بيعه منه. ويفارق المـُسْلَم فيه ؛ لأنّه غير مستقرّ ؛ لجواز أن يطرأ ما يقتضي انفساخ السَّلَم.

وقال بعض الشافعيّة : إنّما يستبدل عن القرض إذا استهلكه ، أمّا إذا بقي في يده ، فلا ؛ لأنّا إن قلنا : إنّ القرض يُملك بالقبض ، فبدله غير مستقرّ في الذمّة ؛ لأنّ للمقرض أن يرجع في عينه. وإن قلنا : يُملك بالتصرّف ، فالمستقرض مسلّط عليه ، وذلك يوجب ضعف ملك المقرض ، فلا يجوز الاعتياض عنه(٢) .

ونحن نمنع أن يكون للمقرض الرجوع في العين.

واعلم أنّ الاستبدال عند الشافعي بيع ممّن عليه الدَّيْن ، ولا يجوز استبدال المؤجّل عن الحالّ ، ويجوز العكس ، وكان مَنْ عليه الدَّيْن قد عجّله(٣) .

مسألة ٥٤٥ : القبض فيما لا ينقل - كالدور والأراضي - هو التخلية‌ بينه‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٢ - ١٧٣ ، المجموع ٩ : ٢٧٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٤ ، المجموع ٩ : ٢٧٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٤ ، المجموع ٩ : ٢٧٦.

٣٩٣

وبين المشتري ، ويمكّنه من اليد والتصرّف بتسليم المفتاح إليه. ولا يعتبر دخوله وتصرّفه فيه.

والأقرب : أنّه لا يشترط تفريغ الدار من أقمشة البائع ، خلافاً للشافعي(١) .

ولو جمع البائع متاعه في بيت من الدار وخلّى بين المشتري وبين الدار ، حصل القبض في الدار كلّها عندنا ، وعنده يحصل في غير البيت(٢) .

ولو اشترى صبرة ولم ينقلها حتى اشترى الأرض التي عليها الصبرة وخلّى البائع بينه وبينها ، حصل القبض في الصبرة عند الشافعي(٣) .

ولو جاء البائع بالمبيع فامتنع المشتري من قبضه ، أجبره الحاكم عليه. فإن أصرّ ، أمر الحاكم مَنْ يقبضه عنه ، كالغائب.

ولو أحضره البائع فوضعه بين يدي المشتري ولم يقل المشتري شيئاً ، أو قال : لا اُريده ، فوجهان للشافعيّة(٤) ، أضعفهما : أنّه لا يحصل القبض ، كما لا يحصل به الإيداع. وأصحّهما عندهم : أنّه يحصل ؛ لوجود التسليم ، فعلى هذا للمشتري التصرّفُ فيه. ولو تلف ، فهو من ضمانه ، لكن لو خرج مستحقّاً ولم يجر(٥) إلّا وضعه بين يديه ، فليس للمستحقّ مطالبة المشتري بالضمان - وبه قال الشافعي(٦) - لأنّ هذا القدر لا يكفي لضمان الغصب.

____________________

(١ و ٢ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٥ ، المجموع ٩ : ٢٧٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٦ ، المجموع ٩ : ٢٧٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٧ ، المجموع ٩ : ٢٧٧.

(٥) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « ولم يجز » بالزاي المعجمة. والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٧ ، المجموع ٩ : ٢٧٨.

٣٩٤

ولو وضع المديون الدَّيْن بين يدي مستحقّه ، ففي حصول التسليم خلاف بين الشافعيّة مرتّب على المبيع. وهذه الصورة أولى بعدم الحصول ؛ لعدم تعيّن الملك(١) .

وفيه نظر ؛ لأنّ الملك يتعيّن بتعيين(٢) المديون ، وبالدفع قد عيّنه.

ولو دفع ظرفاً إلى البائع وقال : اجعل المبيع فيه ، ففَعَل ، لا يحصل التسليم ؛ إذ لم يوجد من المشتري ما هو قبض. والظرف غير مضمون عليه ؛ لأنّه استعمله في ملك المشتري بإذنه ، وفي مثله في السَّلَم يكون الظرف مضموناً على المسلم إليه ؛ لأنّه استعمله في ملك نفسه.

ولو قال البائع : أعِرْني ظرفك واجعل المبيع فيه ، ففَعَل ، لم يصر المشتري قابضاً أيضاً.

ولو قبض بالوزن ما اشتراه كيلاً أو بالعكس ، فهو كما لو قبضه جزافاً إن تيقّن حصول الحقّ فيه ، صحّ ، وإلّا فلا.

وللشافعيّة قولان فيما لو علم حصول الحقّ(٣) ، تقدّما(٤) .

ولو قال البائع : خُذْه فإنّه كذا ، فأخذه مصدّقاً له ، صحّ القبض.

وقال الشافعي : لا يصحّ حتى يجري الكيل الصحيح ، فإن زاد ، ردّ الزيادة. وإن نقص ، أخذ الباقي(٥) .

ولو تلف المقبوض فزعم الدافع أنّه كان قدر حقّه أو أكثر ، وزعم‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٧ ، المجموع ٩ : ٢٧٨.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « بتعيّن » والصحيح ما أثبتناه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٧ ، المجموع ٩ : ٢٧٨.

(٤) في ص ٣٧٢ ، ضمن المسألة ٥٢٥ ، وكذا في ج ١٠ ص ١٠٤ - ١٠٥ ، الفرع ( أ ) من المسألة ٦٠.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٨ ، المجموع ٩ : ٢٧٨.

٣٩٥

المدفوع إليه أنّه كان دون حقّه أو قدره ، فالقول قوله.

ومعنى التصديق أن يحمل خبره على الصدق ويأخذه بناءً(١) عليه ، أمّا لو أقرّ بجريان الكيل ، لم يسمع منه خلافه.

مسألة ٥٤٦ : إذا اعتبر في المبيع كيل أو وزن ، لم يكن على البائع الرضا بكيل المشتري ووزنه ، ولا على المشتري الرضا بكيل البائع ، بل يتّفقان على كيّال أو وزّان. ولو اختلفا ، نصب الحاكم أميناً يتولّاه.

ولو كان لِزيدٍ طعام على رجل سَلَماً(٢) ولآخر مثله على زيد ، فأراد زيد أن يوفّي ما عليه ممّا لَه على الآخر ، فقال : اذهب إلى فلان واقبض لنفسك ما لي عليه ، فالقبض فاسد ، والمقبوض مضمون على القابض.

وهل تبرأ ذمّة الدافع عن حقّ زيد؟ للشافعي وجهان أصحّهما : نعم. وهُما مبنيّان على القولين فيما إذا باع نجوم الكتابة وقبضها المشتري هل يعتق المكاتب؟ فإن قلنا : لا يبرأ ، فعلى القابض ردّ المقبوض إلى الدافع(٣) .

والوجه : البراءة.

ولو قال زيد : اقبضه لي ثمّ اقبضه منّي لنفسك بذلك الكيل ، أو قال : احضر معي لأقبضه لنفسي ثمّ تأخذ أنت بذلك الكيل ، ففَعَل ، فقبضه لزيد في الصورة الاُولى وقبض زيد لنفسه في الثانية صحيح(٤) ، وتبرأ ذمّة البائع‌

____________________

(١) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « منا » بدل « بناءً ». والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « سلم » والصحيح ما أثبتناه. ويحتمل : « من سَلَم ».

(٣) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٤١٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٨ ، المجموع ٩ : ٢٧٩.

(٤) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « صحّ » بدل « صحيح » وما أثبتناه يقتضيه السياق.

٣٩٦

عن حقّه. والقبض الآخر فاسد عند الشافعيّة(١) ، والمقبوض مضمون عليه.

وفي قبضه لنفسه في الصورة الاُولى وجه آخر : أنّه صحيح(٢) .

ولو اكتال زيد فقبضه لنفسه ثمّ كاله على مشتريه وأقبضه ، فقد جرى الصاعان ، وصحّ القبضان ، ولا رجوع له. وإن زاد كثيراً ، تبيّن أنّ الكيل الأوّل وقع غلطاً ، فيردّ زيدٌ الزيادة ، ويرجع بالنقصان.

تذنيب : مؤونة الكيل - الذي يفتقر إليه القبض على البائع ، كمؤونة إحضار المبيع الغائب ، ومؤونة وزن الثمن على المشتري ؛ لتوقّف التسليم عليه ، ومؤونة نقد الثمن على المشتري أيضاً ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : أنّه على البائع(٣) .

مسألة ٥٤٧ : للمشتري أن يوكّل في القبض‌ وإن وكّل مَنْ يده كيد البائع ، كعبده ، خلافاً للشافعي(٤) .

ولا بأس بتوكيل ابنه وأبيه ومكاتَبه عنده(٥) .

وفي توكيل عبده المأذون في التجارة وجهان له ، أصحّهما عنده : أنّه لا يجوز(٦) .

ولو قال للبائع : وكّل مَنْ يقبض لي عنك ، ففَعَل ، جاز ، ويكون وكيلَ المشتري. وكذا لو وكّل البائع بأن يأمر مَنْ يشتري منه للموكّل.

ولو كان القابض والمقبض واحداً ، لم يجز عند الشافعي(٧) .

والأولى عندي : الجواز.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٩ ، المجموع ٩ : ٢٧٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٨ - ٣٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٩ ، المجموع ٩ : ٢٧٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٨ ، المجموع ٩ : ٢٧٩.

(٤ - ٧ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٩ ، المجموع ٩ : ٢٨٠.

٣٩٧

ولو اشترى الأب لابنه الصغير من مالٍ لنفسه أو لنفسه من مال الصغير ، فإنّه يتولّى طرفي القبض ، كما يتولّى طرفي البيع.

وهل يحتاج إلى النقل والتحويل في المنقول؟ الأقرب : العدم ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : احتياجه(١) .

وإتلاف المشتري المبيع قبض. وقبض الجزء المشاع إنّما يحصل بتسليم الجميع ، ويكون ما عدا المبيع أمانةً في يده.

ولو طلب القسمة قبل القبض ، أُجيب إليها ، وبه قال الشافعي(٢) .

أمّا إذا جعلنا القسمة إفرازاً : فظاهر.

وأمّا إذا جعلناها بيعاً : فإنّ الرضا غير معتبر فيه ؛ لأنّ الشريك يُجبر عليه ، وإذا لم يعتبر الرضا ، جاز أن لا يعتبر القبض ، كما في الشفعة.

مسألة ٥٤٨ : قد بيّنّا(٣) وجوب تسليم ما على كلٍّ من البائع والمشتري ، فلو اختلفا في التقديم ، فأحد أقوال الشافعي : إجبارهما معاً على التسليم ، فيأمر(٤) كلّ واحد منهما بإحضار ما عليه ، فإذا أحضرا ، سلّم الثمن إلى البائع والمبيع إلى المشتري بأيّهما بدأ جاز ، أو يأمرهما بالوضع عند عدل ليفعل العدل ذلك - وهو المعتمد عندي - لأنّ كلّ واحد منهما يستحقّ قبض ما عند الآخر ، فيؤمر بإيفائه ، كما لو كان لكلٍّ منهما وديعة عند الآخر وتنازعا هكذا.

والثاني : أنّهما لا يُجبران ، بل يمنعهما من التنازع ، فإذا سلّم أحدهما‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٠ - ٣١١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٠ ، المجموع ٩ : ٢٨٠.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٠ ، المجموع ٩ : ٢٨١.

(٣) في ج ١٠ ص ١٠٨ « النظر الثاني في وجوب القبض ».

(٤) أي الحاكم.

٣٩٨

ما عليه ، أجبر الآخر ؛ لأنّ على كلّ واحد إيفاء واستيفاء ، فلا سبيل إلى تكليف الإيفاء قبل الاستيفاء.

والثالث - وبه قال مالك وأبو حنيفة - : أنّه يُجبر المشتري على تسليم الثمن أوّلاً ؛ لأنّ حقّه متعيّن في المبيع ، وحقّ البائع غير متعيّن في الثمن ، فيؤمر بالتعيين.

والرابع - وبه قال الشيخ(١) - : أنّه يُجبر البائع أوّلاً على التسليم - وبه قال أحمد - لأنّه لا يخاف هلاك الثمن ، فملكه مستقرّ فيه ، وتصرّفه فيه بالحوالة والاعتياض نافذ ، وملك المشتري في المبيع غير مستقرّ ، فعلى البائع التسليم ليستقرّ(٢) .

وفي المسألة طريقة اُخرى للشافعي ، وهي : القطع بالرابع ، وحَمْل الأوّل والثاني على حكاية مذهب الغير ، والثالث من تخريج بعضهم(٣) .

هذا إذا كان الثمن في الذمّة ، وأمّا إذا كان معيّناً ، فإنّه يسقط القول الثالث(٤) .

وإن تبايعا عرضاً بعرض ، سقط القول الرابع أيضاً ، وبقي قولان : إنّهما يُجبران ، ولا يُجبران. والأوّل أظهر ، وبه قال أحمد(٥) .

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ١٤٧ - ١٤٨ ، الخلاف ٣ : ١٥١ ، المسألة ٢٣٩.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٠٢ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥١١ - ٥١٢ ، حلية العلماء ٤ : ٣٣٦ - ٣٣٧ ، الحاوي الكبير ٥ : ٣٠٧ - ٣٠٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨١ ، المغني ٤ : ٢٩٢ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٢.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥١٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨١.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٣ : ٥١٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٢ - ٣١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨١ - ١٨٢.

٣٩٩

فإن قلنا : يُجبر البائع على تسليم المبيع أوّلاً أو قلنا : لا يُجبر لكنّه تبرّع وابتدأ بالتسليم ، اُجبر المشتري على تسليم الثمن في الحال إن كان حاضراً في المجلس ، وإلّا فإن كان المشتري موسراً ، فإن كان مالُه في البلد ، حُجر عليه إلى أن يسلّم الثمن لئلّا يتصرّف في أملاكه بما يفوت حقّ البائع(١) .

وللشافعيّة وجه آخر : أنّه لا يُحجر عليه ، ويمهل إلى أن يأتي بالثمن(٢) . وهو الوجه عندي.

وعلى تقدير الحجر قيل : يُحجر عليه في المبيع وسائر أمواله(٣) .

وقال بعضهم : لا حجر عليه في سائر أمواله إن كان ماله وافياً ، بل يتبعه به(٤) .

وهل يدخل المبيع في الاحتساب؟ للشافعيّة وجهان ، أشبههما عندهم : الدخول(٥) .

وإن كان غائباً ، لم يكلّف البائع الصبر إلى إحضاره ؛ لتضرّره ، بل في وجهٍ : يباع في حقّه ويؤدّى في ثمنه.

والأظهر : أنّه يفسخ ؛ لتعذّر تحصيل الثمن ، كالمفلس. فإن فسخ ، فذاك ، وإن صبر إلى الإحضار ، فالحجر على ما سبق(٦) .

وحكي عن بعضهم أنّه لا فسخ ، لكن يردّ المبيع إلى البائع ، ويحجر على المشتري ، ويمهل إلى الإحضار(٧) .

وإن كان دون مسافة القصر ، فهو كما لو كان في البلد أو كما لو كان‌

____________________

(١ - ٤ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٢.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٣ - ٣١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٢.

(٦ و ٧ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٢.

٤٠٠