نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٣

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار0%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 411

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف: الصفحات: 411
المشاهدات: 179613
تحميل: 8082


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 411 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 179613 / تحميل: 8082
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء 13

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الفائدة العاشرة

في ذكر الوجوه المفيدة للقطع بصدوره

بل إنَّ حديث الطير حديث مقطوع بصدوره من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للوجوه المتينة التالية:

١ - رواية الفريقين بالطرق المتضافرة

يكفي لحصول القطع بصدور هذا الحديث إثبات أركان الفريقين - من السابقين واللاحقين - إيّاه بالطّرق الكثيرة والأسانيد المتضافرة، خلفاً عن سلفٍ، عن الصّحابة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ولا يقدح في ذلك قدح شرذمةٍ قليلةٍ من أهل العناد والعصبية والهوى كما هو واضح.

٢ - وجوب الأخذ بالمتّفق عليه

إنه لو فرضنا وقوع الخلاف بين أهل السنّة في هذا الحديث، لكنّ كونه موضع الوفاق بين أهل الحقّ يقتضي أنْ يكون ثبوته متفقا عليه بين المسلمين، لما ذكره ( الدهلوي ) في الجواب عن الأدلّة العقلية التي يذكرها الإِمامية لإِمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، حيث قال: « الدليل الرابع: إن أمير المؤمنين -رضي‌الله‌عنه - كان يتظلّم دائماً ويشكو الخلفاء الثلاثة، ويصرّح بأنه مظلوم ومقهور، وما ذلك إلّا لغصب الإمامة عنه، فيكون الإِمامة حقّه دون غيره، لأنه صادق بالإِجماع.

والجواب عنه: المنع من صحّة تلك الرّوايات، إذْ لم يرد عند أهل السنّة

١٠١

شيء منها، بل الرّوايات في الموافقة والنصح والثناء عليهم والدعاء لهم وإعانتهم متواترة لدى أهل السنة. أمّا روايات الإمامية فمختلفة، فأكثرها موافقة لروايات أهل السنّة، فإنها تدل على موافقته للخلفاء ونصحه لهم وإشارته عليهم ما داموا احياءً، كما في قصة عمر بن الخطابرضي‌الله‌عنه ، كما عن نهج البلاغة، وكذا بعد موتهم فإنّه كان يثني عليهم، ويمدح أعمالهم، ويشهد لهم بالخير والنّجاة كما عن نهج البلاغة من قوله: لله بلاد أبي بكر ، إلى آخر الخطبة.

فأخذ أهل السنّة المتّفق عليه وطرحوا المختلف فيه الذي انفرد به الشيعة - وحال رواتهم معلوم - وكلّ عاقل يأخذ بالمتّفق عليه ويترك المختلف فيه »(١) .

وعلى ضوء هذا الكلام نقول بوجوب الأخذ بحديث الطّير، لأنّه المتّفق عليه بين الشيعة وأهل السنّة، حتى لو كان المخالفون من أهل السنّة يعادلون الموافقين للشيعة في العدد، كما يفهم من كلام ( الدهلوي ) المذكور.

٣ - رواية أمير المؤمنين عليه‌السلام

لقد ورد حديث الطير من حديث سيّدنا أمير المؤمنين عليه الصلاة والسّلام - كما ستطّلع عليه فيما بعد إن شاء الله تعالى - وبما أنهعليه‌السلام معصوم - حسب كلمات العلماء المحققين الأعلام من أهل السنّة، كما لا يخفى على من راجع ( تشييد المطاعن ) ولا سيّما شاه ولي الله في ( التفهيمات الإِلهية )، وكذا صرّح بذلك ( الدهلوي ) نفسه في ( التحفة ) وتفسيره ( فتح العزيز) - فإنَّ هذا بوحده يفيد اليقين ويوجب القطع بصدور هذا الحديث من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

____________________

(١). التحفة الأثنا عشرية: ٢٢٣.

١٠٢

٤ - احتجاج الأمير به

ولقد احتجّ به عليه الصلاة والسلام - فيما احتجّ - يوم الشورى كما سيأتي في ما بعد إنْ شاء الله - لأولويّته بالإِمامة والخلافة وأفضليّته من سائر الصّحابة، ولقد سلّم الحاضرون منهم بذلك واعترفوا بتلك الفضائل، ومن المحال - حسب اعتقاد أهل السنة في الصحابة - أن يعترفوا ويسلّموا بما لم يثبت، ولا سيّما أهل الشّورى منهم الذين فوضّ إليهم أمر الخلافة، وزعم عمر أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مات وهو راض عنهم

ولنعم ما أفاد الشيخ المفيدقدس‌سره حيث قال: « إن التواتر قد ورد بأن أمير المؤمنينعليه‌السلام احتج به في مناقبه يوم الدار فقال: أنشدكم الله هل فيكم أحد قال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهم ايتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطائر، فجاء أحد غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال: اللهم اشهد. فاعترف الجميع بصحته، ولم يكن أمير المؤمنينعليه‌السلام ليحتج بباطل، لا سيّما وهو في مقام المنازعة والتوصل بفضائله إلى أعلى الرتب التي هي الإمامة والخلافة للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإحاطة علمه بأنَّ الحاضرين معه في الشورى يريدون الأمر دونه، مع قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار »(١)

٥ - كلام القاضي عياض حول معاجز النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

قال القاضي عياض بعد كلامه الذي أوردناه سابقاً حول القطع بقصّة انشقاق القمر: « وكذلك قصة نبع الماء وتكثير الطعام، رواها الثقات والعدد الكثير عن الجمّاء الغفير عن العدد الكثير من الصحابة، ومنها ما رواه الكافّة

____________________

(١). الفصول المختارة من العيون والمحاسن: ٦٥.

١٠٣

عن الكافّة متّصلاً عمّن حدّث بها من جملة الصحابة، وإخبارهم أن ذلك كان في مواطن اجتماع الكثير منهم، في يوم الخندق، وفي غزوة بواط، وعمرة الحديبيّة، وغزوة تبوك، وأمثالها من محافل المسلمين ومجمع العساكر، ولم يؤثر عن أحدٍ من الصحابة مخالفة للراوي فيما حكاه، ولا إنكار لما ذكر عنهم أنهم رووه، فسكوت الساكت منهم كنطق الناطق، إذ هم المنزّهون عن السكوت على باطل والمداهنة في كذب، وليس هناك رغبة ولا رهبة تمنعهم، ولو كان ما سمعوه منكرا عندهم غير معروف لديهم لأنكروا كما أنكر بعضهم على بعض أشياء رووها من السنن والسير وحروف القرآن، وخطأ بعضهم بعضاً ووهّمه في ذلك، مما هو معلوم، فهذا النوع كلّه مما يلحق بالقطعي من معجزاته، لما بيّناه.

وأيضاً، فإنّه أمثال الأخبار التي لا أصل لها وبنيت على باطل لا بدّ مع مرور الأزمان وتداول الناس وأهل البحث من انكشاف ضعفها وخمول ذكرها كما يشاهد في كثير من الأخبار الكاذبة والأراجيف الطارية، وأعلام نبيّنا هذه الواردة من الطريق الآحاد لا تزداد مع مرور الزمان إلّا ظهوراً، ومع تداول الفرق وكثرة طعن العدو وحرصه على توهينها وتضعيف أصلها واجتهاد الملحد على إطفاء نورها إلّا قوة وقبولاً، وللطاعن عليها إلّا حسرةً وغليلاً.

وكذلك إخباره عن الغيوب وإنباؤه بما يكون وكان معلوم من آياته على الجملة بالضرورة، وهذا حق لا غطاء عليه وقد قال به من أئمتنا القاضي والاُستاذ أبو بكر وغيرهمارحمهم‌الله ، وما عندي أوجب قول القائل أنّ هذه القصص المشهورة من باب خبر الواحد إلّا قلّة مطالعته للأخبار وروايتها، وشغله بغير ذلك من المعارف، وإلّا فمن اعتنى بطرق النقل وطالع الحديث والسير لم يرتَبْ في صحة هذه القصص المشهورة على الوجه الذي ذكرناه »(١) .

____________________

(١). الشفا بتعريف حقوق المصطفى ٢ / ٤٦٦.

١٠٤

قوله: « وكذلك قصة نبع الماء وتكثير الطّعام رواها الثقات والعدد الكثير عن الجمّاء الغفير عن العدد الكثير من الصحابة » أي: إنّها معلومة بالقطع لذلك.

أقول: وكذلك حديث الطّير فيجب أنْ يكون معلوماً بالقطع.

٦ - فائدة اُخرى في كلام القاضي

قوله: « ومنها ما رواه الكافة عن الكافة متّصلاً عمّن حدّث بها من جملة الصحابة وإخبارهم أن ذلك كان في مواطن اجتماع الكثير منهم ولم يؤْثَر عن أحدٍ من الصحابة مخالفة للراوي في ما حكاه ولا إنكار »

أقول: وكذلك حديث الطّير، فإن أمير المؤمنينعليه‌السلام رواه واحتجّ به لأحقيّته بالإمامة والخلافة في اجتماعهم يوم الدّار، ولم يؤثر عن أحد منهم مخالفة ولا إنكار.

بل إنّه أولى بالقطع، لأنّهم فضلاً عن السكوت عن الإنكار قد نطقوا بالتسليم والاعتراف بصحّته، كما سيأتي ذلك كلّه إنْ شاء الله تعالى.

ولأنّ هؤلاء الصّحابة - الذين فوض إليهم أمر الخلافة - كانوا أبعد منهم عن السّكوت على باطل والمداهنة على كذب، وليس هناك رغبة ولا رهبة تمنعهم، ولا سيّما أنّهم قد اجتمعوا للشورى حول الخلافة وكان المقام مقام المنازعة حولها. فلو كان ما سمعوه منكرا غير معروف لديهم لأنكروا، لتوفّر الدواعي على ذلك، كما لا يخفى.

٧ - فائدة ثالثة من كلام القاضي

قوله: « وأيضاً، فإنّ أمثال الأخبار التي لا أصل لها »

أقول: « وكذلك فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام وأعلام إمامته، فإنها لا تزداد مع مرور الزمان إلّا ظهوراً، ومع تداول الفرق وكثرة طعن العدو وحرصه

١٠٥

على توهينها وتضعيف أصلها واجتهاد الفجار على إطفاء نورها إلّا قوةً وقبولاً، وللطاعن عليها إلّا حسرة وغليلاً فهذا دليل آخر على ثبوتها وقطعيّة صدورها.

ولا سيّما حديث الطّير، فقد ابتلي بهذه الأمور من المتعصبين المتعنّتين، وقد قدح فيه شرذمة من المتنطّعين، ولكنّه مع ذلك ازداد نوراً وقبولاً مع مرور الأزمان، ولنعم ما قال الصّاحب:

« عليّ له في الطير ما طار ذكره

وقامت له أعداؤه وهي تشهد »

٨ - كلام ( الدهلوي ) في الدفاع عن أبي بكر

ولقد قال ( الدهلوي ) في كتابه في الدفاع عن أبي بكر: « وأمّا ما قيل من عدم ردّ أحدٍ فاطمة إلّا هو، فكذب محض، فقد صحَّ هذا الخبر وثبت في كتب أهل السنة من حديث: حذيفة بن اليمان، والزبير بن العوام، وأبي الدرداء، وأبي هريرة، والعباس، وعلي، وعثمان، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وهؤلاء هم أجلّة الصحابة وفيهم من بشّر بالجنّة، وقد روى الملا عبد الله المشهدي في إظهار الحق عن النبي في حقّ حذيفة: ما حدّثكم به حذيفة فصدّقوه، وفيهم المرتضى علي المعصوم بإجماع الشيعة والصّادق بإجماع أهل السنة - ولا اعتبار في هذا المقام برواية عائشة وأبي بكر وعمر -:

أخرج البخاري عن مالك بن أوس بن الحدثان النصري: إنّ عمر بن الخطاب قال بمحضر من الصحابة - فيهم: علي والعباس وعثمان عبد الرحمن ابن عوف والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص -: أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، أتعلمون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لا نورّث ما تركناه صدقة؟ قالوا: اللهم نعم.

ثم أقبل على علي والعباس وقال: اُنشدكما بالله، هل تعلمان أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد قال ذلك؟ قالا: اللهم نعم

١٠٦

فعلم أنَّ هذا الخبر يعادل الآية من الكتاب في القطعيّة، لأنّ هؤلاء الذين ذكرت أسماؤهم يفيد خبر الواحد منهم لليقين فكيف بهذا الجمع الكثير، ولا سيّما وأنَّ علياً المرتضى معصوم لدى الشيّعة، ورواية المعصوم يوازي القرآن في إفادة اليقين عندهم »(١) .

أقول: وعلى ضوء هذا الكلام يجب القطع بصدور حديث الطّير، بل إنّه أولى بذلك، لوروده من حديث سعد بن أبي وقاص - وهو أحد الذين ذكر أنَّ رواية أحدهم بوحده تفيد اليقين - بالإِضافة إلى اعترافه هو وعثمان وعبد الرحمن ابن عوف والزبير - بل وطلحة - بصحّة هذا الحديث الشريف.

فيجب الاعتقاد بصدور هذا الحديث وافادته القطع كالاعتقاد بالآية الشريفة من القرآن العظيم في ذلك

٩ - فائدة أخرى من كلام ( الدهلوي )

ثم إنَّ كلّ ما دلّ على إفادة حديث أبي الدرداء وأبي هريرة والعباس وأمثالهم اليقين، وكون حديثهم كالآية الشريفة من القرآن في قطعيّة الصدور، يدلّ بنفسه أو بالاولوية إفادة رواية سائر رواة حديث الطير من الصحابة لليقين كذلك.

١٠ - فائدة ثالثة من كلام ( الدهلوي )

ثم إنَّ من رواة حديث الطير هو مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وقد صرَّح ( الدهلوي ) بكون حديثه كالقرآن في إفادة القطع واليقين.

وأما عصمتهعليه‌السلام فقد أثبتها ( الدهلوي ) نفسه في كتابه ( التحفة ) وتفسيره ( فتح العزيز ) وكذا والده في ( التفهيمات الالهية ) وغيرهم من علماء أهل السنة كما في ( تشييد المطاعن )، فلا وجه لما ذكره ( الدهلوي ) بالنسبة إليها هنا

____________________

(١). التحفة الاثنا عشرية: ٢٧٤.

١٠٧

١٠٨

سند

حديث الطّير

١٠٩

١١٠

والآن فلنشرع في ذكر أسانيد حديث الطّير برواية الأئمة والأعلام وجهابذة علم الحديث من أهل السنّة عبر القرون المختلفة

(١)

رواية أبي حنيفة

لقد روى أبو حنيفة النعمان بن ثابت - إمام الحنفيّة - حديث الطّير فقد قال ابن الأثير: « أنا أبو الفرج الثقفي، أنبأنا الحسن بن عيسى، حدّثنا الحسن عن أحمد بن عبد الله الحافظ، ثنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم الأهوازي، حدّثنا الحسن بن عيسى، ثنا الحسن بن السميدع، ثنا موسى بن أيوب، عن شعيب بن إسحاق، عن أبي حنيفة، عن مسعر، عن حماد، عن إبراهيم، عن أنس قال: أهدي إلى النبي طير فقال: اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك، فجاء علي، فأكل معه.

تفرّد به شعيب عن أبي حنيفة »(١) .

____________________

(١). اسد الغابة في معرفة الصحابة ٤ / ٣٠.

١١١

ترجمة شعيب بن إسحاق:

وفضائل أبي حنيفة - إمامهم الأعظم - وجلالة شأنه ورفعة مكانه وعلوّ مقامه كلّ ذلك من الشيوع والشّهرة بمكان، فلا حاجة به إلى الشرح والبيان، لكنّا ننقل هنا طرفاً من كلمات علماء أهل السنّة في الثناء على تلميذه شعيب بن إسحاق: -

١ - الذهبي: « شعيب بن إسحاق الدمشقي، عن هشام بن عروة، وعبيد الله بن عمر. وعنه: إسحاق ودحيم. قال أبو داود: ثقة مرجئ. توفي سنة ١٨٩ »(١) .

٢ - ابن حجر العسقلاني: « خ م د س ق: شعيب بن إسحاق بن عبد الرحمن بن عبد الله بن راشد الدمشقي الاموي، مولى رملة بنت عثمان، أصله من البصرة، روى عن أبيه وأبي حنيفة، - وتمذهب له - وابن جريج والأوزاعي قال ابن طاهر: ثقة ما أصحَّ حديثه وأوثقه، وقال أبو داود: ثقة وهو مرجئ وقال ابن معين ودحيم والنسائي: ثقة، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال الوليد بن مسلم: رأيت الأوزاعي يقرّبه ويدنيه. قال دحيم: ولد سنة ١٠٨ ومات سنة ١٨٩

قلت: وفي سنة ١٨٩ أرّخه ابن حبّان في الثقات، ونقل أبو الوليد الباجي عن أبي حاتم قال: شعيب بن إسحاق: ثقة مأمون »(٢) .

____________________

(١). الكاشف ٢ / ١١.

(٢). تهذيب التهذيب ٤ / ٣٤٧.

١١٢

(٢)

رواية أحمد بن حنبل

ورواه أحمد بن حنبل - إمام الحنابلة - في كتاب ( مناقب أمير المؤمنين ) وهذا نصُّ روايته: « حدثنا عبد الله بن محمد، نا عبد الله بن عمر، نا يونس بن أرقم، قال حدثنا مطير بن أبي خالد، عن ثابت البجلي، عن سفينة قال: أهدت امرأة من الأنصار إلى رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - طيرين بين رغيفين فقدّمت إليه الطيرين. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلى رسولك، ورفع صوته، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من هذا؟ فقال: عليّ. قال: فافتح له، ففتحت، فأكل مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الطيرين حتى فنيا »(١) .

وقال محب الدين الطبري: « عن سفينة قال: أهدت امرأة من الأنصار إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طيرين بين رغيفين، فقدّمت إليه الطيرين، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلى رسولك - ثمّ ذكر معنى حديث النجار وقال في آخره -: فأكل مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علي من الطيرين حتى فنيا. خرّجه أحمد في المناقب »(٢) .

وقال سبط ابن الجوزي: « حديث الطائر وقد أخرجه أحمد في الفضائل، والترمذي في السنن، فأمّا أحمد فأسنده إلى سفينة مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - واسمه مهران - قال: أهدت امرأة من الأنصار إلى رسول الله

____________________

(١). فضائل علي، الحديث رقم: ٩٤٥، وفي اللفظ سقط واضح.

(٢). الرياض النضرة في مناقب العشرة ٢ / ١١٤ - ١١٥.

١١٣

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طيرين بين رغيفين، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك، فإذا بالباب يفتح، فدخل علي فأكل معه »(١) .

وقال ( الدهلوي ) في جواب سؤالٍ بعد رواية الترمذي: « وقد أخرجه الامام أحمد في المناقب من حديث سفينة » وسيأتي نص كلامه في محلّه إنْ شاء الله تعالى.

رواية أحمد دليل الثبوت

ولقد تقرر لدى المحققين: أنّ رواية أحمد لحديث يقتضي صحّته وثبوته: قال أخطب خوارزم - في بيان كثرة فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام - ما نصه: « أنبأني أبو العلاء الحافظ هذا قال: أخبرنا الحسن بن أحمد المقرئ، أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ، حدّثنا أحمد بن يعقوب بن المهرجان، حدّثنا علي بن محمد النخعي القاضي، حدّثنا الحسين بن الحكم، حدّثنا الحسن ابن الحسين، عن عيسى بن عبد الله، عن أبيه، عن جدّه قال قال رجل لابن عباس: سبحان الله ما أكثر مناقب علي وفضائله، إنّي لأحسبها ثلاث آلاف. فقال ابن عباس: أو لا تقول إنها إلى الثلاثين ألفا أقرب؟

ويدلّك على ذلك أيضاً: ما يروى عن الامام الحافظ أحمد بن حنبل، وهو - كما عرف أصحاب الحديث في علم الحديث - قريع أقرانه وإمام زمانه، والمقتدى به في هذا الفن في إبانه، والفارس الذي يكبّ فرسان الحفاظ في ميدانه، وروايته عنه مقبولة وعلى كاهل التصديق محمولة، لما علم أن الامام أحمد بن حنبل ومن احتذى على أمثاله - وتسبح على منواله وحطب في حبله وانضوى الى حفله، مالوا إلى تفضيل الشيخين رضوان الله عليهما، فجاءت روايته فيه كعمود الصباح لا يمكن ستره بالراح، وهو: ما رواه الشيخ الإمام الزّاهد

____________________

(١). تذكرة خواص الأمة: ٣٨.

١١٤

فخر الأئمة أبو الفضل بن عبد الرحمن الحفربندي الخوارزميرحمه ‌الله تعالى إلخ »(١) .

وقال محمد بن يوسف الحافظ الكنجي: « أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن يوسف بن بركة الكتبي بالموصل، عن الحافظ أبي العلاء الحسن بن أحمد، أخبرنا الحسين بن أحمد المقري عن عيسى بن عبد الله، عن أبيه، عن جدّه، قال قال رجل لابن عباس: سبحان الله ما أكثر مناقب علي وفضائله! إنّي لأحسبها ثلاثة آلاف. فقال ابن عباس: او لا تقول إنها إلى ثلاثين ألفاً أقرب. خرّج هذا الأثر عن ابن عباس الأئمة في كتبهم.

قلت: ويدلّك على ذلك ما روينا عن إمام أهل الحديث أحمد بن حنبل، وهو أعرف أصحاب الحديث في علم الحديث، قريع أقرانه وإمام زمانه والمقتدى به في هذا الفن في إبّانه، والفارس الذي يكبّ فرسان الحفاظ في ميدانه، وروايته مقبولة وعلى كاهل التصديق محمولة، ولا يتّهم في دينه ولا يشكّ أنه يقول بتفضيل الشيخين أبي بكر وعمر، فجاءت روايته فيه كعمود الصّباح، لا يمكن ستره بالراح، وهو ما أخبرنا العلّامة مفتي الشام أبو نصر محمد بن هبة الله بن محمد بن جميل الشيرازي ...؟ »(٢) .

وقال سبط ابن الجوزي بتصحيح حديث المواخاة من حديث مجدوح بن زيد الباهلي: « وأحمد مقلّد في الباب، متى روى حديثاً وجب المصير إلى روايته، لأنه إمام زمانه، وعالم أوانه، والمبرّز في علم النقل على أقرانه، والفارس الذي لا يجارى في ميدانه، وهذا هو الجواب عن جميع ما يرد في الباب في أحاديث الكتاب »(٣) .

وقال السبكي في مقام توثيق رجال حديث ( من زار قبري وجبت له

____________________

(١). مناقب علي بن أبي طالب: ٣.

(٢). كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب: ٢٥٣.

(٣). تذكرة خواص الأمة: ٢٢.

١١٥

شفاعتي ) ردّاً على ابن تيمية - بعد كلام له -: « وأحمد -رحمه‌الله - لم يكن يروي إلّا عن ثقة، وقد صرّح الخصم بذلك في الكتاب الذي صنّفه في الردّ على البكري بعد عشر كراريس منه، قال: إنّ القائلين بالجرح والتعديل من علماء الحديث نوعان، منهم من لم يرو إلّا عن ثقة عنده، كمالك، وشعبة، ويحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي، وأحمد بن حنبل، وكذلك البخاري وأمثاله

وقد كفانا الخصم بهذا الكلام مؤنة تبيين أنَّ أحمد لا يروي إلّا عن ثقة وحينئذٍ لا يبقى له مطعن فيه »(١) .

من مصادر ترجمة أحمد

وإليك بعض مصادر ترجمة أحمد بن حنبل وفضائله الجمَّة:

١ - سير أعلام النبلاء ١١ / ١٧٧.

٢ - تذكرة الحفاظ ٢ / ٤٣١.

٣ - وفيات الأعيان ١ / ٦٣.

٤ - حلية الأولياء ٩ / ١٦١.

٥ - تهذيب الأسماء واللغات ١ / ١١٠.

٦ - الوافي بالوفيات ٦ / ٣٦٣.

٧ - مرآة الجنان ٢ / ١٣٢.

٨ - طبقات السبكي ٢ / ٢٧.

٩ - طبقات الحفاظ: ١٨٦.

١٠ - طبقات المفسرين ١ / ٧٠.

١١ - العبر ١ / ٤٣٥.

____________________

(١). شفاء الأسقام في زيارة خير الأنام: ١ / ١١.

١١٦

١٢ - تاريخ بغداد ٤ / ٤١٢.

١٣ - تهذيب التهذيب ١ / ٦٢.

١٤ - طبقات القراء ١ / ١١٢.

١٥ - البداية والنهاية ١٠ / ٢٣٥.

وقد ذكرنا طرفاً من فضائله في القسم الثاني من مجلّد حديث الغدير، وفي مجلّد حديث التشبيه.

ومن جلائل مناقبه ما جاء « عن إبراهيم بن الحارث من ولد عبادة بن الصامت: قيل لبشر الحافي - حين ضرب أحمد بن حنبل في المحنة -: لو قمت وتكلّمت كما تكلّم، فقال: لا أقوى عليه، إن أحمد قام مقام الأنبياء »(١) .

وفي ( رجال المشكاة ) بترجمته: « قال الميموني: قال لي ابن المديني بالبصرة بعد المحنة: يا ميموني ما قام أحد في الاسلام ما قام أحمد، فعجبت من هذا وأبو بكر قد قام في الردّة، قلت: بأيّ شيء؟ قال: إن أبا بكر وجد أنصاراً، وإن أحمد لم يجد ناصراً ».

(٣)

رواية عبّاد بن يعقوب

ورواه أبو سعيد عبّاد بن يعقوب الرّواجني الأسدي في ( كتاب المعرفة )(٢)

____________________

(١). تهذيب الأسماءواللغات ١ / ١١٢.

(٢). نقل عنه الذهبي حديثا بترجمة فطر بن خليفة قال: « قال عبّاد بن يعقوب في كتاب المناقب له: أنبأنا أبو عبد الرحمن الأصباغي وغيره، عن جعفر الأحمر قال: دخلنا على فطر بن خليفة - وهو مغمى عليه، فأفاق فقال -: يا عبد الله: ما يسرّني أن مكان كلّ شعرة في جسدي لسان يسبّح الله بحبّي أهل البيت » سير أعلام النبلاء ٧ / ٣٣.

١١٧

- الذي ألّفه في مناقب أمير المؤمنينعليه‌السلام - حيث قال: « حدّثنا عيسى، عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي، حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه علي قال: أهدي لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طير - يقال له الحبارى - فوضع بين يديه، وكان انس بن مالك يحجبه، فرفع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يده إلى الله ثمّ قال: اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير - قال أنس:

فجاء عليٌّ فأستأذن، فقال له أنس: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حاجة، فرجع، ثمّ أعاد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الدعاء، فجاء علي فردّه أنس، ثمّ دعا الثالث، فجاء فأدخله، فلمـّا رآه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: اللهم وإليّ، فأكل معه، ثمّ خرج علي. قال أنس قلت: يا أبا الحسن استغفر لي، فإنّ لي إليك ذنباً، وإنّ عندي بشارة، فأخبرته بما كان من دعاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فحمد الله واستغفر لي ورضي عنّي، وأذهب ذنبي عنده بشارتي إيّاه ».

وجوه وثاقة عبّاد بن يعقوب

وعباد بن يعقوب الرواجني من كبار المحدّثين الثقات، حسب تصريحات المحقّقين، فيجوز الاحتجاج بحديثه، ولنوضّح ذلك في الوجوه التالية إفحاماً للمكابرين:

١ - إنّه شيخ البخاري

إنّ عبّاد بن يعقوب من شيوخ البخاري صاحب الصّحيح، نصّ على ذلك السمعاني حيث قال: « الرواجني بفتح الراء والواو وكسر الجيم وفي آخرها النون، هذه بالنسبة سألت عنها استاذي أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل الحافظ بإصبهان فقال: هذا نسبة أبي سعيد عبّاد بن يعقوب شيخ البخاري، وأصل هذه النسبة الدواجن بالدال المهملة، وهي جمع داجن وهو الشاة التي تسمن في الدار، فجعلها الناس الرواجن بالراء، ونسب عباد إلى

١١٨

ذلك. هكذا قال ولم يسند الحكاية إلى أحد. وظنّ أنّ الرواجن بطن من بطون القبائل، والله أعلم»(١) .

ويدل على ذلك أيضاً روايته عنه في صحيحه حيث قال في كتاب التوحيد: « باب وسمى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصّلاة عملاً وقال: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب: حدّثني سليمان قال: حدّثنا شعبة بن الوليد. ح وحدّثني عبّاد بن يعقوب الأسدي قال قال: أخبرنا عبّاد بن العوّام، عن الشيباني، عن الوليد بن العيزار، عن أبي عمرو الشيباني عن ابن مسعود: إن رجلاً سأل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيّ الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة لوقتها وبرّ الوالدين ثم الجهاد في سبيل الله »(٢) .

فثبت كون عباد بن يعقوب شيخ البخاري، وناهيك به دلالة على كمال الاعتماد والاعتبار والوثوق، وزهوق شكوك أرباب الجحود والمروق.

٢ - إنه شيخ الترمذي

إنّ عباد بن يعقوب من مشايخ الترمذي صاحب الصحيح كما سيأتي.

٣ - إنه شيخ ابن ماجة

وهو من مشايخ ابن ماجة صاحب السنن، الذي هو أحد الصّحاح الستة كما سيأتي.

٤ - رواية الأساطين عنه

ولقد روى عنه غير هؤلاء جماعة من كبار الأئمة الاعلام وأساطين

____________________

(١). الأنساب - الرواجني.

(٢). صحيح البخاري ٤ / ٨٣٣.

١١٩

الحديث قال عبد الغني المقدسي بترجمته: « عبّاد بن يعقوب، أبو سعيد الرواجني الكوفي الأسدي، روى عن: شريك، وحاتم بن إسماعيل، الوليد بن أبي ثور، وعلي بن هاشم بن البريد، ومحمد بن فضل، وعمرو بن ثابت، والحسين بن زيد بن علي، وإسماعيل بن عيّاش، وعبد الله بن عبد القدوس، وعبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله العزرمي.

روى عنه: البخاري، والترمذي، وابن ماجة، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، وأبو بكر بن أبي داود، وأحمد بن إسحاق بن البهلول، وأبو حاتم - وسئل عنه فقال: كوفي شيخ - والحسين بن إسحاق، وجعفر بن محمد بن مالك الغزاري الكوفي.

مات سنة ٢٥٠ »(١) .

وقال ابن حجر العسقلاني: « روى عن: شريك النخعي، وعباد بن الكلام، وعبد الله بن عبد القدّوس، وإبراهيم بن محمد بن أبي يحيى

وعنه: البخاري حديثاً واحداً مقروناً، والترمذي، وابن ماجة، وأبو حاتم وأبو بكر البزار، وعلي بن سعيد بن بشر الرازي، ومحمد بن علي الحكيم الترمذي، وصالح بن محمد جزرة، وابن خزيمة، وابن صاعد، وابن أبي داود، والقاسم بن زكريا المطرز، وخلق »(٢) .

ويفيد التتبّع لكلمات المحققين منهم: أنّ رواية الأكابر عن رجلٍ تدل على جلالته بل اعتباره ووثاقته، وقد ذكرنا في مجلِّد حديث الولاية بعض الشواهد على ذلك، كاستدلال الذهبي لجلالة أحمد بن عمر بن أنس بن دلهاث الأندلسي برواية ابن عبد البر وابن حزم عنه(٣) ، واستدلال ابن حجر

____________________

(١). الكمال في معرفة الرجال - مخطوط.

(٢). تهذيب التهذيب ٥ / ١٠٩.

(٣). العبر في حوادث من غبر - حوادث ٤٧٨: ومن جلالته أنّ إمامي الأندلس ابن عبد البر وابن حزم رويا عنه.

١٢٠