نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٤

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار0%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 460

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف: الصفحات: 460
المشاهدات: 277661
تحميل: 5301


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 460 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 277661 / تحميل: 5301
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء 14

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الواضحة.

والشواهد على هذا المعنى من كلام أكابر القوم كثيرة أيضاً، من ذلك ما رواه ملك العلماء الهندي عن الحافظ الزرندي: أنّه نقل عن إمام أهل السنّة أبي حنيفة:

« إنّه مرَّ يوماً في سكك بغداد، فرأى بعض أولاد السّادات يلعب بالجوز، فنزل من بغلته وأمر أصحابه بالنزول ومشى أربعين خطوة ثم ركب، وتوجّه إلى أصحابه فقال: من جال في قلبه أو ظهر على لسانه أنّه خير من صبي أو غلامٍ من أهل بيت رسول الله فهو عندي زنديق »(١) .

فانظر إلى حكم هذا الإِمام واحكم على طبقته بما شئت على من شئت.

وجوه ردّ حديث عمرو بن العاص

لكنا - مع كلّ هذا - نبرهن على أنّ الحديث الذي عارض به المحبّ الطبري تلك الأحاديث، - وهو حديث ابن العاص - باطل سنداً ودلالةً فلا معارضة، ولا موجب للحمل الذي زعمه وبطلانه من وجوه:

الوجه الأول:

إنّ حديث عمرو بن العاص خبر واحد تفرّد بنقله أهل السنّة، وما كان كذلك فليس بحجةٍ على الإِماميّة، إذ لو كانت أخبارهم حجة على الإِمامية فلِمَ لا تكون أخبار الإِماميّة حجةٍ عليهم كذلك ولقد أنصف ولي الله الدهلوي في كتابه ( قرّة العينين في تفضيل الشيخين ) حيث نصَّ على أنّه لا يجوز الإِحتجاج على الإِماميّة والزيديّة بأحاديث الصحيحين، فضلاً عن غيرها. وكذا

____________________

(١). هداية السعداء - مخطوط.

٢٦١

قال ولده ( الدهلوي ) في غير موضع من كتابه ( التحفة ).

فهذا الحديث - وإنْ كان في الصحيحين - ممّا لا يصلح الإحتجاج به أمام الإِماميّة.

الوجه الثاني:

إنَّ مدار هذا الحديث المزعوم المتفق عليه!! في الصحيحين على « خالد بن مهران الحذّاء » ففي البخاري:

« حدّثنا معلّى بن أسد، ثنا عبد العزيز بن مختار، ثنا خالد الحذّاء، عن أبي عثمان، ثني عمرو بن العاص: أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل، فأتيته فقلت: أيّ الناس أحبّ إليك؟ قال: عائشة. فقلت: من الرجال؟ قال: أبوها. قال فقلت: ثمّ من؟ قال: عمر بن الخطاب، فعدَّ رجالاً »(١) .

وفيه: « حدّثنا إسحاق قال: حدّثنا خالد بن عبد الله، عن خالد الحذّاء، عن أبي عثمان: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث عمرو بن العاص على جيش ذات السلاسل، قال: فأتيته فقلت: أيّ الناس أحبّ إليك؟ قال: عائشة. قلت: من الرجال؟ قال: أبوها. قلت: ثمّ من؟ قال: عمر. فعدَّ رجالاً، فسكتُّ مخافة أن يجعلني في آخرهم »(٢) .

وفي مسلم: « حدّثنا يحيى بن يحيى قال: أنا خالد بن عبد الله، عن خالد الحذّاء، عن أبي عثمان قال: أخبرني عمرو بن العاص »(٣) .

فمدار الحديث على « خالد الحذّاء »، وهو مقدوح مطعون فيه: قال

____________________

(١). صحيح البخاري - باب مناقب أبي بكر ٣ / ٦٤.

(٢). صحيح البخاري - خبر غزوة ذات السلاسل ٣ / ٢٨٦.

(٣). صحيح مسلم - باب مناقب أبي بكر ٧ / ١٠٩.

٢٦٢

الحافظ ابن حجر: « قال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتجُّ به »(١) . وقال أيضاً: « قد أشار حمّاد بن زيد إلى أن حفظه تغيّر لما قدم من الشام، وعاب عليه بعضهم دخوله في عمل السّلطان»(٢) .

الوجه الثالث:

إنّه حديث منقطع، لأنَّ خالداً لم يسمع عن أبي عثمان - وهو النهدي - شيئاً، قال ابن حجر: « قال عبد الله بن أحمد بن حنبل - في كتاب العلل - عن أبيه: لم يسمع خالد الحذّاء عن أبي عثمان النهدي شيئاً »(٣) .

الوجه الرّابع:

إنّ هذا الحديث يدل على أحبيّة عائشة من فاطمةعليها‌السلام ، فيبطله الأحاديث الكثيرة الصحيحة الواردة من طرقهم في شأن فاطمةعليها‌السلام ، الدالّة على أحبيّتها وأفضليّتها من عائشة وغيرها مثل: حديث: « فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة » و حديث: « فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها فقد أغضبني » و حديث: « إنّما هي بضعة منّي يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها » إلى غير ذلك من الأحاديث التي لا تحصى كثرةً(٤) .

فمن العجيب جدّاً دعوى المحبّ كون « عائشة أحبّ إليه مطلقاً » فإنّه قلّة حياء على أنّه لا يستقيم على اُصول السنّة أيضاً، لأنّ « الأحبيّة » دليل « الأفضلية »(٥) . فيلزم أن تكون أفضل من أبيها أبي بكر أيضاً. وهو كما ترى!!

____________________

(١). تهذيب التهذيب ٣ / ١٠٤.

(٢). تقريب التهذيب ١ / ٢١٩.

(٣). تهذيب التهذيب ٣ / ١٠٥.

(٤). راجع أبواب فضائلها في الصحاح وغيرها.

(٥). هذا واضح جدّاً، وقد نصّ عليه العلماء، كالحافظ النووي بشرح حديث عمرو بن العاص من

٢٦٣

الوجه الخامس:

عن أسلم بإسناد صحيح على شرط الشيخين: « إنّه حين بويع لأبي بكر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وكان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم - فلمـّا بلغ ذلك عمر بن الخطّاب خرج، حتى دخل على فاطمة فقال: يا بنت رسول الله، والله ما من الخلق أحد أحبّ إلينا من أبيك، وما من أحدٍ أحبّ إلينا بعد أبيك منكِ، وأيم الله ما ذاك بمانعي إنْ اجتمع هؤلاء النفر عندكِ أنْ آمر بهم أن يحرق عليهم البيت، قال: فلمـّا خرج عمر جاءوها فقالت: أتعلمون أن عمر قد جاءني وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقنَّ عليكم البيت، وأيم الله ليمضينّ لِما حلف عليه، فانصرفوا راشدين، فرأُوا رأيكم ولا ترجعوا إليَّ، فانصرفوا عنها فلم يرجعوا إليها، حتى بايعوا لأبي بكر »(١) .

ولو كان لحديث عمرو بن العاص أصل لم يكن وجه لما قاله عمر مع الحلف عليه.

الوجه السادس:

إنّه لو كان لهذا الحديث المفترى أصل، فلما ذا اعترفت عائشة بأحبيّة علي والزهراءعليهما‌السلام ؟ ولماذا لم تجب « جميع بن عمير » و « عروة بن الزبير » و « معاذة الغفاريّة » الذين عيّروها بخروجها على أمير المؤمنينعليه‌السلام بكونها هي وأبوها أحبّ النّاس إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل قالت: إنّه كان قضاءً وقدراً من الله؟

____________________

( المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج ) فراجعه.

(١). إزالة الخفا عن سيرة الخلفا. والحديث في كنز العمال ٥ / ٦٥١ رقم: ١٤١٣٨ عن ابن أبي شيبة.

٢٦٤

من هنا يظهر أنْ حديث عمرو بن العاص ممّا اختلقته يداه، أو بعض الأيدي الحاقدة على أمير المؤمنينعليه‌السلام من العثمانية أو المروانيّة وإلّا لاحتجت به عائشة في هذه المواضع ونحوها لتبرير مواقفها وأقوالها

الوجه السابع:

لقد عرفت من الحديث الذي أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي - بسندٍ صحيح كما اعترف ابن حجر - أن عائشة خاطبت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقولها: « والله لقد علمت أنّ عليا أحبّ إليك من أبي » وأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقرّها على هذا ولم يجبها بشيء فما نسبه عمرو بن العاص في هذا الحديث إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذب.

كلام ابن حجر وإبطاله

نعم هو افتراء وكذب، وإنْ حاول الحافظ ابن حجر ترجيح حديث عمرو، أو الجمع بينهما - لأنّ حديث عمرو بن العاص صحيح في زعمه، لأنّه مخرج في الصحيحين - فقال ما نصه:

« أخرج أحمد وأبو داود والنّسائي - بسندٍ صحيح - عن النعمان بن بشير قال: إستأذن أبو بكر على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فسمع صوت عائشة عاليا وهي تقول: والله لقد علمت أنّ عليا أحبّ إليك من أبي. الحديث. فيكون علي ممّن أبهمه عمرو بن العاص أيضا.

وهو وإنْ كان في الظاهر يعارض حديث عمرو، لكن يرجّح عمرو أنّه من قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا من تقريره.

ويمكن الجمع باختلاف جهة المحبّة، فيكون في حق أبي بكر على عمومه بخلاف علي، ويصح حينئذ دخوله فيمن أبهمه عمرو.

ومعاذ الله أن نقول - كما يقول الرافضة - من إبهام عمرو فيما روى، لما

٢٦٥

كان بينه وبين علي رضي الله عنهما، فقد كان النعمان مع معاوية على علي وَلم يمنعه ذلك من الحديث بمنقب علي، ولا ارتياب في أنَّ عمراً أفضل من النعمان، والله أعلم »(١) .

أقول : لكنّها محاولة يائسة

أمّا ترجيح حديث عمرو لكونه من قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حديث النعمان، لكونه من تقريره، فصدور مثله من شيخ الإِسلام عند القوم غريب.

أمّا أوّلاً: فلأنَّ تقدم أحد المتعارضين لكونه قولا ممنوع في أمثال المقام.

وأمّا ثانياً: فلأنَّ في حديث النعمان مرجّحات عديدة على اصول أهل السنّة، توجب تقدّمه على حديث عمرو بن العاص. منها: جلالة شأن عائشة صاحبة القضيّة، وأنّها أكثر وقوفا على حالات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّها أعرف الناس بحال أبيها من حيث الفضيلة إلى غير ذلك ممّا لا يخفى عند الإِمعان.

ومن أكبر المرجّحات في حديث النّعمان: أنّ هذا الرجل يروي هذا الحديث مع كونه مع معاوية على عليعليه‌السلام ، والفضل ما شهدت به الأعداء، وأيضاً: فإنّه من حديث عائشة، وهي من أشدّ الناس عداوةً لأمير المؤمنينعليه‌السلام . بخلاف حديث عمرو بن العاص، فإن عمراً لم يكن له عداوة مع عائشة وأبي بكر وعمر، بل كانوا جميعاً ملةً واحدةً، وقد كان وزير معاوية بن أبي سفيان الذي وضعت في سلطنته الأحاديث الكثيرة في فضل المخالفين لأهل البيتعليهم‌السلام ، ومن الواضح جدّاً تقدّم الخبر الذي ينقله مثل النعمان في فضل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، على الخبر الذي ينقله مثل ابن العاص في فضل

____________________

(١). فتح الباري ٧ / ١٨.

٢٦٦

أبي بكر وعمر

وأمّا دعوى الجمع بين الحديثين بما ذكر فبطلانها واضح ممّا سبق بالتفصيل، حيث علمت أنّ إطلاق أفعل التفصيل على المفضول بلحاظ وجهٍ حقيرٍ، غير جائز

الوجه الثامن:

أخرج الترمذي: « حدّثنا سفيان بن وكيع، نا محمّد بن بكر، عن ابن جريج، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر: أنّه فرض لاسامة في ثلاثة آلاف وخمسمائة، وفرض لعبد الله بن عمر في ثلاثة آلاف. فقال عبد الله بن عمر لأبيه: لم فضّلت اُسامة عليَّ، فوالله ما سبقني إلى مشهد؟ قال: لأنَّ زيداً كان أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أبيك، وكان اُسامة أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منك، فآثرت حبّ رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - على حبّي. هذا حديث حسن غريب »(١) .

فهذا الحديث صريح في أنّ « زيد بن حارثة » كان أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من « عمر بن الخطاب » بإقرارٍ منه، فما جاء في ذيل حديث عمرو بن العاص كذب، ولو كان لِما ذكره عمرو أصل لعلمه عمر بن الخطاب، وحمل هذا الإِقرار من عمر على التواضع غير جائز، لأنّه جاء في جواب اعتراضٍ من ولده على ما فعله فلا بدَّ من أن يحمل على الحقيقة والإِطلاق

وبالجملة، فلا مناص للقوم من الإِلتزام بأحد الأمرين، إمّا تكذيب عمر ابن الخطاب في أحبيّة زيد منه، وإمّا تكذيب عمرو بن العاص في حديثه! لكنّ الإِنسان إذا ابتلي ببليّتين اختار أهونهما والأهون عندهم تكذيب عمرو

____________________

(١). صحيح الترمذي ٥ / ٦٣٤.

٢٦٧

الوجه التّاسع:

روى المتقي: « عن عمرو بن العاص قال قيل: يا رسول الله، أيّ الناس أحبّ إليك؟ قال: عائشة. فقال: من الرجال؟ قال: أبو بكر، قال: ثمّ من؟ قال: ثم أبو عبيدة. كر »(١) .

وهذا الحديث الذي رواه المتقي، عن ابن عساكر، عن عمرو بن العاص يعارض حديثه المذكور

فأيّ النّاس أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد أبي بكر: عمر أو أبو عبيدة؟

لقد وقع الرّجل في تهافت واضح، وواقع الأمر أنّه عند ما جعل أحد الرجلين أحبّ الناس بعد أبي بكر نسي جعله الآخر من قبل فكذب مرّتين

الوجه العاشر:

وروى المتقي أيضاً: « عن عمرو بن العاص قال: لمـّا قدمت من غزوة السلاسل - وكنت أظن أنْ ليس أحد أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منّي - فقلت: يا رسول الله، أيّ الناس أحبّ إليك؟ قال: عائشة. قال: إني لست أسألك عن النساء. قال: أبوها إذن. قلت: فأيّ الناس أحبّ إليك بعد أبي بكر؟ قال: حفصة. قلت: لست أسألك عن النساء، قال: فأبوها إذن. قلت: يا رسول الله فأين علي؟ فالتفت إلى أصحابه فقال: إنَّ هذا يسألني عن النفس. ابن النجار »(٢) .

____________________

(١). كنز العمال ١٢ / ٥٠٠، رقم: ٣٥٦٣٩.

(٢). كنز العمال ١٣ / ١٤٢، رقم: ٣٦٤٤٦.

٢٦٨

وهذا حديث آخر يرويه المتقي، عن الحافظ ابن النجار، عن عمرو بن العاص وفي رجوعه من غزوة ذات السلاسل بالذّات، فنقول: إنّه وإن افترى على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صدر الحديث أحبيّة فلان وفلان إليه، إلاّ أنّه صرّح في ذيله - بإلجاء من الله سبحانه - بما هو الحق وبالرغم من أن للإماميّة الأخذ بالذيل وتكذيب الصدر أخذاً بقاعدة إقرار العقلاء على أنفسهم مقبول وعلى غيرهم مردود، وعملاً بما قيل: خذ ما صفى ودع ما كدر فلهم الإِحتجاج بذيله على الأحبيّة المطلقة لعليعليه‌السلام ، لكن لو سلّم صدور الحديث بكاملة فإنّ دلالته على كونهعليه‌السلام أحبّ الخلق إلى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحبيةً مطلقةً عامة صحيحة وتامّة وهذا هو المطلوب والحمد لله الذي أجرى الحق على لسانهم وخرّب بأيديهم بنيانهم.

هذا تمام الكلام على ما ادّعاه المحبّ الطبري في هذا المقام.

كلامٌ آخر للمحبّ الطبري وإبطاله

وكذا ادّعى المحبّ الطبري في حديث أحبيّة الصدّيقة الزهراءعليها‌السلام ، حيث قال في كتابه ( ذخائر العقبى ):

« وذكر أنّها رضي الله عنها كانت أحبّ الناس إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

عن اُسامة بن زيد -رضي‌الله‌عنه - قالوا: يا رسول الله من أحبّ إليك؟ قال: فاطمة. قالوا: نسألك عن الرجال؟ قال: أما أنت يا جعفر، وذكر حديثاً سيأتي إن شاء الله تعالى في مناقب جعفررضي‌الله‌عنه وفيه: إنّ أحبّهم إليه زيد بن حارثةرضي‌الله‌عنه . أخرجه أحمد.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: إنّها سُئلت: أيّ الناس كان أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ فقالت: فاطمة. فقيل: من الرجال؟ قالت:

٢٦٩

زوجها، أن كان - ما علمت - صوّاماً قوّاماً. أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن غريب. وأخرجه أبو عمر بن عبيد، وزاد بعد قوله قوّاماً، جديراً بقول الحق.

وعن بريدة -رضي‌الله‌عنه - قال: أحبّ النساء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة رضي الله عنها، ومن الرجال عليرضي‌الله‌عنه . أخرجه أبو عمر. قال إبراهيم: يعني من أهل بيته.

ويؤيّد تأويل إبراهيم: الحديث المتقدّم: أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لفاطمة رضي الله عنها: أنكحتك أحبّ أهل بيتي إليّ.

وفي المصير إليه جمع بينه وبين ما روي في الصحيح عن عمرو بن العاصرضي‌الله‌عنه أنّه سئل عن أحبّهم إليه قال: عائشة. قالوا: من الرجال؟

قال: أبوها - وقد ذكرنا ذلك في مناقب أبي بكررضي‌الله‌عنه في كتاب الرياض النضرة في فضائل العشرة المبشرة، وذكرناه في مناقب عائشة رضي الله عنها في كتاب السمط الثمين في مناقب اُمهات المؤمنين -.

وما أخرجه الحافظ أبو القاسم الدمشقي عن اُسامة: إنَّ علياًرضي‌الله‌عنه قال: يا رسول الله، أي أهل بيتك أحبّ إليك؟ قال: فاطمة. قال عليرضي‌الله‌عنه : والله لا نسألك عن أهلك، قال: فأحبّ أهلي إليَّ من أنعم الله عليه وأنعمت عليه: اُسامة بن زيد. قال: فقال العباس: ومن يا رسول الله؟ قال: علي. ثمّ أنت. قال فقال العباس: يا رسول الله، جعلت عمّك آخرهم؟! قال قال: إنّ علياً سبقك بالهجرة »(١) .

أقول:

فالعجب من المحبّ الطبري لقد جهل أو تجاهل دلالة الأحاديث الكثيرة الشائعة - والتي روى هو كثيراً منها في نفس كتابه هذا - على أنّ أهل البيت

____________________

(١). ذخائر العقبى: ٣٥ - ٣٦.

٢٧٠

عليهم‌السلام أفضل الناس وأحبّهم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مطلقاً، وإلّا لَما ارتضى هذا التأويل؟

والأعجب جعله هذا التأويل طريق الجمع!! وكأنّه ما درى - بغض النظر عن الأمور والجهات الأخرى - أنّ ذكر حديث عمرو بن العاص مع تلك المثالب والقبائح التي يتّصف بها في مقابلة أحاديث سيّدنا أبي ذر -رضي‌الله‌عنه - وغيره من الصحابة ممّا لا يرتضيه إنسان عاقل فضلا عن المؤمن!! وأمّا ما رواه في أنّ أحبّهم إليه زيد بن حارثة، فممّا تفرّد به أهل السنّة، على أنّه غير صحيح على اُصولهم أيضاً، فهو ينافي ما أجمع عليه الشيعة والسنّة.

كلام الشيخ عبد الحق الدهلوي وبطلانه

وممّا يضحك الثكلى قول الشيخ عبد الحق الدهلوي في ( شرح المشكاة ) بشرح حديث جميع بن عمير:

« قوله: قالت: زوجها.

اُنظر إلى إنصاف الصدّيقة وصدقها على رغم من يزعم من الزائغين خلاف ذلك. ولقد استحيت أن تذكر نفسها وأباها. ولا يبعد أنْ لو سئلت فاطمة عن ذلك لقالت: عائشة وأبوها. وقد ورد كذلك في رواية عن غير فاطمة رضي الله عنها. ومن هاهنا يعلم أنّ الوجوه مختلفة والحيثيّات متعددة، وبهذا ينحلّ الشبهات ويتخلّص عن الورطات ».

أقول:

إنّه لم يتعرَّض شرّاح ( المصابيح ) و ( المشكاة ) لهذه الورطة في شرحهم لهذا الحديث، وكأنّه يعلمون بأنْ لا مخلَص لهم منها، فرأوا المصلحة في السّكوت وليت الشيخ عبد الحق سار على نهجهم، لكنْ منعه من ذلك

٢٧١

شدّة تعصّبه، فأتى بما يزيد الشّبهة قوةً، وأوقع نفسه في ورطة

إنّ من الواضح جدّاً: أنّ مثل هذا الحديث لا ينفي إتّصاف عائشة بالعداء لأمير المؤمنينعليه‌السلام وبغضها له لكنَّ الفضل ما شهدت به الأعداء وهل ينكر الشيخ عدائها للإِمامعليه‌السلام حتى آخر لحظةٍ من حياته، حيث أنشدت - لمـّا بلغها نبأ استشهاده -:

فألقت عصاها واستقر بها النوى

كما قرَّ عيناً بالإِياب المسافر؟!

وأمّا قوله: « ولقد استحيت أن تذكر نفسها وأباها »

فنقول في جوابه: أي نسبة بين تلك المتبرّجة المتجمّلة الخارجة على إمام زمانها وبين الحياء ...!!

ثمّ ما يقول الشيخ بالنسبة إلى اعترافها بأحبيّة أمير المؤمنينعليه‌السلام مطلقاً من غير سؤال منها عن ذلك كقولها: « ما خلق الله خلقاً أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من علي بن أبي طالب »؟ ففي هذا الحديث الذي رواه الحافظ الكنجي بسنده عنها لم يكن أحد سألها عن أحبّ الناس إليه، وقد جاءت فيه بعبارة واضحة الدّلالة على العموم، تشمل نفسها وأباها وسائر الناس أجمعين

وأيضاً: ففي الأحاديث المتقدّمة أنّ « جميعاً » و « عروةً » و « معاذةً » لمـّا عيّروها بالخروج إلى البصرة لم تسكت، بل اعتذرت بأنَّه كان قضاءً وقدراً من الله، وأنّها استشهدت في جواب معاذة بحديث عن أبيها أبي بكر في فضل أمير المؤمنينعليه‌السلام ومن الواضح جدّاً أنّه متى آل الأمر إلى التعنيف والتعيير - لا مرةً بل مرّات - تحتّم الجواب بما يقطع اللّوم والعتاب فلو كان لحديث أحبيّتها وأحبيّة والدها أصل، فأيّ موضعٍ يكون اُولى من هذا الموقع للإِعتذار به يا اُولوا الألباب!!

وأيضاً: لو كان لها نصيب من الحياء لَما قالت لعروة: « لِمَ تزوَّج أبوك أُمّكِ »؟ ألم يكن بإمكانها التمثيل بشيء آخر للقضاء والقدر في جواب ذاك

٢٧٢

التابعي الجليل عند القوم؟

وأيضاً: لو كان الحياء هو المانع لها من ذكر نفسها وأبيها فما الذي حملها على ذكر أحبيّة علي والزهراءعليها‌السلام ؟ هلّا سكتت ولم تجب بشيء أصلاً؟!

وأيضاً: فقد أخرج الحاكم أنّها قالت في جواب أُمّ جميع بن عمير: « والله ما أعلم رجلاً كان أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منه، ولا امرأة من الأرض كانت أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من امرأته »(١) وليس من شأن أحدٍ من أهل الإِيمان أن يذكر - استحياءً - أمراً غير واقعٍ ويؤكّده بالحلف الشرعي بلفظ الجلالة غير متأثّم من قوله تعالى:( وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ ) !!

وأيضاً: لقد جاء في حديث النعمان بن بشير - الذي رووه بسندٍ صحيح - « فسمع صوتها عالياً وهي تقول: والله لقد علمت أنّ علياً أحبّ إليك من أبي » فلما ذا كلّ ذلك؟ وأين كان حياؤها؟

وأمّا قوله: « ولا يبعد أنْ لو سئلت فاطمة ».

فكلام من عنده قاله تسكيناً لقلبه وفاطمةعليها‌السلام لا تتفوّه بما لا أصل له وما تعتقد هي خلافه مطلقاً

وأمّا قوله: « وقد ورد كذلك في رواية عن غير فاطمة ».

فإنْ أراد حديث عمرو بن العاص، فقد عرفت حاله.

وإنْ أراد غيره فحديث يتفرّدون به والأدلّة السابقة واللاحقة تبطله

وأمّا قوله: « ومن هنا يعلم ».

فجوابه: أنّ ممّا ذكرنا - ونذكر - يعلم أنْ ليس لهم لزيغهم خلاص عن الشبهات، ولا مناص عن الورطات، فهم فيها تائهون حائرون جاهلون مفتونون( فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ

٢٧٣

النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ) .

٢٧٤

من أقوال التّابعين والخلفاء الصريحة

في أنّ عليّاً أحبّ الناس إلى النبيّ

وكذلك رأي التّابعين واُولئك الذين يقول أهل السنّة فيهم بإمرة المؤمنين فإنّهم كانوا يرون أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام أحبّ الخلق إلى رسول ربّ العالمين:

قول الحسن البصري:

قال الغزالي: « ويروى عن ابن عائشة: أنّ الحجاج دعا بفقهه البصرة وفقهاء الكوفة. قال: فدخلنا عليه ودَخَل الحسن البصريرحمه‌الله آخر من دخل. فقال الحجاج: مرحباً بأبي سعيد مرحباً بأبي سعيد، إليَّ إليَّ، ثمّ دعا بكرسي ووضع إلى جنب سريره، فقعد عليه، فجعل الحجاج يذاكرنا ويسألنا، إذا ذكر علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه فنال منه ونلنا منه مقاربةً له وفرقاً من شره، والحسن ساكت عاض على إبهامه.

فقال: يا أبا سعيد، مالي أراك ساكتاً؟

قال: ما عسيت أن أقول؟

قال: أخبرني برأيك في أبي تراب.

قال: سمعت الله جلّ ذكره يقول:( وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ ) فعلي ممّن هدى الله من أهل الإِيمان، فأقول:

٢٧٥

ابن عمّ النبيّعليه‌السلام ، وختنه على ابنته، وأحبّ الناس إليه، وصاحب سوابق مباركات سبقت له من الله، لن تستطيع أنت ولا أحد من الناس أن يحظرها عليه، ولا يحول بينه وبينها. وأقول: إنّه إنْ كانت لعلي هنات فالله حسيبه، والله ما أجد فيه قولاً أعدل من هذا.

فبسر وجه الحجاج وتغيّر، وقام عن السرير مغضباً، فدخل بيتاً خلفه وخرجنا.

قال عامر الشعبي: فأخذت بيد الحسن فقلت له: يا أبا سعيد، أغضبت الأمير وأو غرت صدره. فقال: إليك عنّي يا عامر. يقول الناس: عامر الشعبي عالم أهل الكوفة، أتيت شيطاناً من شياطين الإِنس تكلّمه بهواه وتقاربه في رأيه! ويحك يا عامر، هلّا اتقيت إنْ سُئلت فصدقت أو سكتّ فسلمت. قال عامر: يا أبا سعيد قلتها وأنا أعلم ما فيها. قال الحسن: فذاك أعظم في الحجة عليك وأشدّ في التّبعة»(١) .

قول المأمون العبّاسي:

وروى أبو علي مسكويه: إنّ المأمون كتب إلى الناس كتاباً يجيب فيه على اعتراضهم في كتاب لهم إليه على أخذه البيعة منهم لسيّدنا الإِمام الرضاعليه‌السلام ، فذكر نصّ الكتاب بطوله، نورد منه قدر الحاجة، وهذا هو:

« بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وآل محمّد رغم أنف الراغمين. أما بعد فقد عرف أمير المؤمنين كتابكم وتدبّر أمركم ومخض زبدتكم، وأشرف على قلوب صغيركم وكبيركم، وعرفكم مقبلين ومدبرين، وما آل إليه كتابكم قبل كتابكم، في مراوضة الباطل وصرف وجوه الحق عن مواضعها، ونبذكم كتاب الله تعالى والآثار، وكلّ ما جاءكم به

____________________

(١). إحياء علوم الدين ٢ / ٣٤٦.

٢٧٦

الصادق محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتى كأنكم من الاُمم السالفة التي هلكت بالخسف والقذف والريح والصيحة والصواعق والرجم( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها ) .

والذي هو أقرب إلى أمير المؤمنين من حبل الوريد، لولا أنْ يقول قائل: إنّ أمير المؤمنين ترك الجواب من سوء أحلامكم وقلة أخطاركم وركاكة عقولكم ومن سخافة ما تأوون من آرائكم. فليستمع مستمع وليبلّغ الشاهد غائباً. أما بعد:

فإنّ الله تعالى بعث محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على فترة من الرسل، وقريش في أنفسها وأموالها لا يرون أحداً يساويهم ولا يناويهم، فكان نبيّنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أميناً من أوسطهم بيتاً وأقلّهم مالاً.

وكان أول من آمن به خديجة بنت خويلد، فواسته بمالها. ثمّ آمن به علي ابن أبي طالب -رضي‌الله‌عنه - وله سبع سنين، لم يشرك بالله شيئاً، ولم يعبد وثناً، ولم يأكل رباً، ولم يشاكل أهل الجاهلية في جهالاتهم. وكانت عمومة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إما مسلم مهين أو كافر معاند، إلّا حمزة، فإنّه لم يمتنع من الإِسلام ولا امتنع الإِسلام منه. فمضى لسبيله على بيّنةٍ من ربّه.

أمّا أبو طالب فإنّه كفلَه وربّاه مدافعاً عنه ومانعاً منه، فلمـّا قبض الله أبا طالب همّ به القوم وأجمعوا عليه ليقتلوه، فهاجر إلى القوم الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ، يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ، وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ.

فلم يقم مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحد من المهاجرين كقيام علي بن أبي طالب، فإنّه آزره ووقاه بنفسه ونام في مضجعه. ثمّ لم يزل بعد ذلك مستمسكا بأطراف الثغور وينازل الأبطال، ولا ينكل عن قرن، ولا يولي عن جيش. منيع القلب، يأمَّر على جميع ولا يأمّر عليه أحد.

أشدّ الناس ووطأةً على المشركين، وأعظمهم جهاداً في الله، وأفقههم في

٢٧٧

دين الله، وأقرأهم لكتاب الله، وأعرفهم بالحلال والحرام.

وهو صاحب الولاية في حديث غدير خم، وصاحب قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي، وصاحب يوم الطائف.

وكان أحب الخلق إلى الله وإلى رسوله »(١) .

____________________

(١). الطرائف: ١٢٢ عن نديم الفريد.

٢٧٨

لقد أثبتنا - والحمد لله - أنّ الأحبيّة في حديث الطير هي الأحبيّة المطلقة وأنّ جميع تأويلات ( الدّهلوي ) وغيره باطلة في الغاية وساقطة إلى النهاية إلّا أنا نذكر فيما يلي تصريحاتٍ ونصوصاً من عدة من أكابر علماء القوم، في أنّ حديث الطير دليل على أفضلية سيدنا أمير المؤمنينعليه‌السلام وأحبيّته المطلقة عند الله والنبيّ الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... إتماماً للحجّة وتنويراً للمحجّة

علماء عصر المأمون

قد تقدّم سابقاً عن ابن عبد ربّه فيما رواه تحت عنوان « إحتجاج المأمون على الفقهاء في فضل علي » عن إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل بن حمّاد بن زيد قال: « بعث إليّ يحيى بن أكثم وإلى عدّةٍ من أصحابي - وهو يومئذٍ قاضي القضاة - فقال: إنّ أمير المؤمنين أمرني أن احضر معي غدا مع الفجر أربعين رجلا، كلّهم فقيه يفقه ما يقال له ويحسن الجواب » أنّ المأمون احتّج على الفقهاء الحاضرين - وفيهم إسحاق وابن أكثم - بفضائل لأمير المؤمنينعليه‌السلام في إثبات أفضليّته من غيره من الأصحاب، وكان منها حديث الطّير، حيث قال لإسحاق بن إبراهيم الذي كان المخاطب فيهم:

« يا إسحاق: أتروي الحديث؟ قلت: نعم. قال: فهل تعرف حديث

٢٧٩

٢٨٠