نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٥

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار17%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 324

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 324 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 233474 / تحميل: 6250
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٥

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

وبالجملة، فهو أعظم علماء هذا التاريخ آثاراً، ومؤلّفاته غالبها متداولة كثير النفع، وللناس عليها تهافت زائد، ويتغالون في أثمانها، وأشهرها شرحاه على الجامع الصغير.

وتوفي صبيحة يوم الخميس ٢٣ من صفر سنة ١٠٣١ »(١). .

(٥٥)

رواية الشيخاني القادري

ورواه السيّد محمود بن محمّد بن علي الشيخاني القادري بقوله:

« أخرج أحمد عن عمرو بن شاس الأسلميرضي‌الله‌عنه - وهو من أصحاب الحديبيّة - قال: خرجت مع عليرضي‌الله‌عنه إلى اليمن، فجفاني في سفري، حتى وجدت في نفسي عليه، فلمـّا قدمت أظهرت شكايته في المسجد، حتى بلغ ذلك النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فدخلت المسجد ذات غداة ورسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - في ناس من أصحابه، فلمـّا رآني أحدّ لي عينيه - يقول حدّد إليَّ النظر - حتى إذا جلست قال: يا عمرو، والله لقد آذيتني! قلت: أعوذ بالله أن اُوذيك يا رسول الله.

قال: بلى، من آذى عليّاً فقد آذاني.

وفي لفظٍ أخرجه ابن عبد البر: من أحبّ علياً فقد أحبّني ومن أبغض عليّاً فقد أبغضني، ومن آذى عليّاً فقد آذاني.

وفي رواية: إن بريدة تكلّم في علي بما لا يحبّ رسول الله، وذلك أنّه أخذ جاريةً من الخمس، فبلغ ذلك إلى النبي - صلّى الله عليه وسلّم - فخرج رسول الله مغضباً فقال: ما بال أقوام ينتقصون عليّاً! من بغض علياً فقد

__________________

(١). خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر ٢ / ٤١٢.

٢٤١

بغضني، ومن فارق علياً فقد فارقني، إنّ عليّاً منّي وأنا منه خُلِقَ من طينتي وخُلِقتُ من طينة إبراهيم، وأنا أفضل من إبراهيم، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم. ثم قال: يا بريدة أما علمت أنّ لعلي أكثر من الجارية التي أخذ، وأنّه وليّكم بعدي »(١). .

عبارته في صدر كتابه

هذا وتعرف شخصيّة القادري وقيمة كتابه ( الصراط السويّ ) ممّا ذكره في صدره، وهذه عبارته:

« أما بعد فإنّ العمل بغير العلم وبال، والعلم بغير العمل خبال، ولا يقبض العلم إلّا بموت العلماء كما في الحديث المتفق على صحته في رواية عبد الله بن عمر

واعلم أنّ الفحول قد قُبِضَت والوعول قد هلكت، وانقرض زمان العلم وخمدت جمرته، وهزمته كثرة الجهل وعلت دولته، حتى لم يبق من الكتب التي يعتمد عليها في ذكر الأنساب إلّا بعض الكتب التي صنّفها أصحاب البدعة، كما ستقف على أسمائها في تضاعيف الكتاب إنْ شاء الله تعالى، ويلوح لك شرارها من بعيد كالسراب، لكونها فارغة عن الصدق والصواب. وذلك إمّا لاندراس محبّة آل بيت النبي من قلوب الصالحين من أهل السنة، والعياذ بالله من تلك الفتنة، أن لنقصٍ في الإِيمان وتردّد في اليقين، أو لشين فاحش وكلم ظاهر في أمر الدين.

والدليل على ذلك أني سمعت من جماعةٍ لا يعبأ الله بها أنهم يسبّون الأشراف القاطنين بمكة المشرفة والمدينة المنورة، من بني الحسن والحسين،

__________________

(١). الصراط السوي في مناقب آل النبي - مخطوط.

٢٤٢

فأجبتها بقول القائل:

لو كلّ كلبٍ عوى ألقمته حجراً

لأصبح الصخر مثاقلاً بدينار

ثم نودي في سري الروضة، بين القبر الشريف والمنبر، بالانتصار لأهل البيت، فشرعت عند ذلك في كتابٍ أذكر فيه مناقب أهل البيت على ما اتفق عليه أهل السنة والجماعة على وجه الإِختصار ».

الاعتماد على رواية القادري

ثم إنّ الرشيد الدّهلوي يعتمد في كتابه ( غرّة الرّاشدين ) على رواية القادري في إثبات دعوىً له حول أبي حنيفة فيقول:

« وقال السيّد محمود القادري -قدس‌سره - في كتاب حياة الذّاكرين: قيل: إنّ رجلاً أتى أبا حنيفة - رحمة الله عليه - وقال: أخي توفّي وأوصى بثلث ماله لإِمام المسلمين، إلى مَن أدفع؟

فقال له أبو حنيفة: أمرك بهذا السؤال أبو جعفر الدوانقي، وكان يبغض أبا حنيفة، كبغض جماعة من أشقياء بلدنا الإمام الشافعيرحمه‌الله .

فحلف السائل - كذباً - أنّه ما أمرني بهذا السؤال.

فقال أبو حنيفة -رحمه‌الله -: إدفع الثلث إلى جعفر بن محمّد الصادق، فإنّه هو الإِمام الحق.

فذهب السائل وأخبر أبا جعفر الدوانقي بذلك.

فقال أبو جعفر: بهذا عرفت أبا حنيفة منذ قديم، إنّه يرى الحق لغيرنا.

ثم دعا بأبي حنيفة وسقاه السمّ في الطعام، ففهم أبو حنيفة ذلك، فقام ليخرج، فقال له أبو جعفر: إلى أين يا أبا حنيفة؟ فقال: إلى أين تأمرني؟ فأمره بالجلوس إلى أنْ عمل السم فيه. فخرج ومات شهيداً في الطريق.

ولا تنافي بين هذا الخبر وما روي من أن السبب فتواه بإعانة محمد

٢٤٣

وإبراهيم، فتلك الفتوى كانت السّبب في حبسه وهذا الجواب السبب في قتله ».

(٥٦)

رواية ابن باكثير المكّي

ورواه أحمد بن الفضل بن محمّد باكثير المكّي:

« عن عمران بن حصين -رضي‌الله‌عنه - إنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قال: إنّ عليّاً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي.

أخرجه أحمد وأبو حاتم والترمذي وقال: حسن غريب.

وعن بريدة -رضي‌الله‌عنه - إنه كان يبغض علياً، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: تبغض علياً؟ قال: نعم. فقال: لا تبغضه، وإن كنت تحبّه فازدد له حبّا. قال: فما كان أحد من الناس بعد رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أحبّ إليّ من علي.

وفي رواية: علي منّي وأنا من علي، وهو وليّكم بعدي.

خرّجهما أحمد بن حنبل ».

كما روى ابن باكثير حديث عمرو بن ميمون عن ابن عباس، المشتمل على فضائل عشر لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، منها حديث الولاية. وقال في آخره:

« خرّج هذا الحديث بتمامه: أحمد بن حنبل، وأبو القاسم الدمشقي في الموافقات، وفي الأربعين الطوال، وأخرج النسائي بعضه. وهذه القصة مشهورة ذكرها أبو إسحاق وغيره »(١). .

__________________

(١). وسيلة المآل في عدّ مناقب الآل - مخطوط.

٢٤٤

عبارته في صدر كتابه

ولننقل عبارة ابن باكثير في صدر كتابه المذكور ليظهر اعتبار أحاديثه، فإنّه قال فيه:

« فرأيت أنْ أجمع في تأليفي هذا من درر الفوائد الثمينة وغرر الأحاديث الصحيحة والحسنة، ممّا هو مختصٌ بالعترة النبويّة والبضعة الفاطمية، وأذكره بلفظ الإِجمال. ثم ما ورد من مناقب أهل الكساء الأربعة نخبة الآل، واُصرّح فيه بأسمائهم، ثم ما ورد لكلّ واحدٍ منهم بصريح اسمه الشريف.

فجمعت في كتابي هذا زبدة ما دوّنوه وعمدة ما صحّحوه من ذلك وأتقنوه، وما رقموه في مؤلَّفاتهم وقنّتوه فيه، مقتصراً على ما يؤدي المطلوب ويوصل إليه بأحسن نمط واُسلوب، سالكاً في ذلك طريق السّداد ومقتصراً فيه على ما به يحصل المراد، تاركاً للتطويل المملّ، سالماً من نقص الإِختصار المخلّ.

فجاء - بحمد الله تعالى - من أحسن تأليف في هذا الشأن، وأتقن مصنَّف سلك فيه طريق الإِتقان، جمع مع سهولة تناوله البديع حسن البيان، وحوى مع تناسب مسائله وتناسق وسائله عذوبة الموارد للظمآن، وتتبّعت فيه غالب ما صحّ نقله من الأحاديث ويعمل بمثله في الفضائل ويحتجّ به في القديم والحديث، وتركت ما اشتدّ ضعفه منها. ولم نجد له شاهداً يقوّيه، وجانبت عمّا تكلّم في سنده وقد عدّه الحفّاظ من الموضوع الذي يجب أنْ ننقّيه.

وأتيت بالمشهور في كتب التواريخ عند نقل القصص والأخبار، وربّما دعت الحاجة إلى الإِشارة لبعض الوقائع روماً لطريق الإِختصار، واكتفيت بالحوالة على الكتب المؤلَّفة لذلك الفن، فإنّها تغني عن التطويل بذكره في كتابنا، لقصد الإِيجاز مهما أمكن.

٢٤٥

فدونك مؤلّفَاَ يجب رقم سطوره بخالص الإِبريز، ومصنَّفاً يتَعيَّن أنْ يقابل بالتكريم والتعزيز، ويحقّ له أنْ يجرّ ذيل فخره على فرق كلّ مؤلَّف سواه، ويسمو على كلّ مصنَّف بما جمع فيه وحواه، إذ هو سفينة بجواهر نعوت أهل البيت قد شحنت، وفي بحار فضائلهم الجمة قد عامت، وعلى جوديّ شمائلهم استوت واستوطنت، يضوع من أرجائها نشر مناقبهم العاطر، ويلوح في شمائلها بدر كواكبهم الزاهر.

تتبّعت فيه من الأحاديث ما يشرح صدور المؤمنين، وتقرُّ به عيون المتّقين، ويضيق بسببه ذرع المنافقين، ممّا تفرّق في سواه من نصوص العلماء ومؤلفات الأئمة القدماء.

ثم لمـّا كمل حُسنه البهيّ وتهذيبه، وتمّ بحمد الله تعالى تفصيله وتبويبه، سمّيته: وسيلة المآل في عدّ مناقب الآل، لكي يطابق اسمه مسمّاه، ويوافق رسمه المعنى الذي نويناه، والمبنى الذي بنيناه، لأنّي ألَّفته راجياً به السّلامة من ورطات يوم القيامة والخلوص من ندامة ذلك المقام، مؤمَّلاً من فضل الله تعالى أن أحرز ببركته سائر الآمال، وأفوز بأسنى المطالب والحال والمآل، لأنّ حبّهم هو الوسيلة العظمى، وتقرّبهم في كلا الدارين يوصل إلى كل مقامٍ أسنى ».

ترجمة ابن باكثير

وترجم المحبّي لابن باكثير بقوله:

« الشيخ أحمد بن الفضل بن محمّد باكثير المكّي الشّافعي. من اُدباء الحجاز وفضلائها المتمكّنين. كان فاضلاً أديباً، له مقدار عليّ وفضل جليّ، وكان له في العلوم الفلكيّة وعلم الأوفاق والزابرجا يد عاليه، وكان له عند أشراف مكّة منزلة وشهرة، وكان في الموسم يجلس في المكان الذي يقسّم فيه الصرّ

٢٤٦

السّلطاني بالحرم الشّريف، بدلاً عن شريف مكّة.

ومن مؤلَّفاته: حسن المآل في مناقب الآل، جعله باسم الشريف إدريس أمير مكّة وكانت وفاته سنة ١٠٤٧ بمكّة. ودفن بالمعلّاة »(١). .

وفي ( تنضيد العقود السنّية ) لدى النقل عن ابن باكثير: « قال أحمد صاحب الوسيلة، وهو الثقة الأمين في كلّ فضيلة ».

(٥٧)

رواية البدخشي

ورواه ميرزا محمد بن معتمد خان الحارثي البدخشي في كتبه الثلاثة.

ففي ( مفتاح النجا في مناقب آل العبا ):

« أخرج أحمد عن بريدة -رضي‌الله‌عنه - قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - بعثين إلى اليمن، على أحدهما: علي بن أبي طالب. وعلى الآخر: خالد بن الوليد. فقال: إذا التقيتم فعليٌّ على الناس، وإذا افترقتم فكلّ واحدٍ منكما على جنده. قال: فلقينا بني زبيد من أهل اليمن، فاقتتلنا، فظهر المسلمون على المشركين، فقتلنا المقاتلة وسبينا الذريّة. فاصطفى علي امرأة من السّبي لنفسه. قال بريدة: فكتب معي خالد بن الوليد إلى رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يخبره بذلك، فلمـّا أتيت النبي - صلّى الله عليه وسلّم - دفعت الكتاب فقرئ عليه، فرأيت الغضب في وجه رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -، فقلت: يا رسول الله، هذا مكان العائذ بك، بعثتني مع رجلٍ فأمرتني أنْ اُطيعه ففعلت ما أرسلت به، فقال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: لا تقع في علي، فإنّه منّي وأنا منه وهو وليّكم

__________________

(١). خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر ١ / ٢٧١.

٢٤٧

بعدي ».

( وفيه ): « أخرج الديلمي عن علي - كرّم الله وجهه - أن النبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال لبريدة: يا بريدة: إن عليّاً وليّكم بعدي، فأحبَّ عليّاً فإنّه يفعل ما يؤمر ».

( وفيه ): « أخرج الترمذي - واللّفظ له - والحاكم عن عمران بن حصين -رضي‌الله‌عنه - قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - جيشاً، فاستعمل عليهم علي بن أبي طالب، فمضى في السريّة، فأصاب جاريةً، فأنكروا عليه، وتعاقد أربعة من أصحاب النبي - صلّى الله عليه وسلّم - فقالوا: إذا لقينا رسول الله أخبرنا بما صنع علي، وكان المسلمون إذا رجعوا من سفرٍ بدؤا برسول الله فسلّموا عليه ثم انصرفوا إلى رحالهم.

فلمـّا قدمت السرية سلّموا على رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -، فقام أحد الأربعة فقال: يا رسول الله، ألم تر إلى علي بن أبي طالب صنع كذا وكذا. فأعرض عنه رسول الله. ثمّ قام الثاني فقال مثل مقالته، فأعرض عنه. ثمّ قام الثالث فقال مثل مقالته، فأعرض عنه. ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا. فأقبل إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم - والغضب يعرف في وجهه - فقال: ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إنّ عليا منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي.

ولفظ عند أحمد مرفوعاً -: دعوا عليّاً، دعوا عليّاً، دعوا عليّاً. إنّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي ».

( وفيه ): « أخرج الخطيب والرّافعي، عن عليّ كرّم الله وجهه قال قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: سألت الله يا علي فيك خمساً، فمنعني واحدةً وأعطاني أربعة، سألت الله أنْ يجمع عليك اُمّتي فأبى عليَّ. وأعطاني فيك: أن أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة أنا وأنت معي، معك لواء الحمد وأنت تحمله بين يديّ، تسبق به الأوّلين والآخرين، وأعطاني أنّك وليّ

٢٤٨

المؤمنين ».

( وفيه ): « أخرج أحمد عن عمرو بن ميمون قال: إنّي لجالس إلى ابن عباسرضي‌الله‌عنه ، إذْ أتاه تسعة رهط ».

فرواه إلى آخره ثم قال: « أقول: هذا حديث حسن، بل صحّحه بعضهم. وهو شامل لمناقب جمّة، يلزم لأهل العلم حفظه »(١). .

وفي ( نزل الأبرار بما صحّ في مناقب أهل البيت الأطهار ):

« أخرج الترمذي والحاكم عن عمران بن حصين -رضي‌الله‌عنه - قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - جيشاً واستعمل عليهم علي بن أبي طالب، فمضى في السرية، فأصاب جاريةً، فأنكروا عليه، وتعاقد أربعة من أصحاب النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم -

فأقبل إليهم رسول الله - والغضب يعرف في وجهه - فقال: ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إنّ عليّاً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي »(٢). .

( وفيه ): « أخرج أحمد عن عمرو بن ميمون، إني لجالس إلى ابن عباس ».

ولا يخفى أنّه ذكر هذين الحديثين في القسم الأول من المقصد الأول من الكتاب، وقد نصّ في أول هذا القسم على أن أحاديثه « لم يختلف في صحّتها العلماء الأعلام ».

وفي ( تحفة المحبّين ): « دعوا عليّاً، دعوا عليّاً، دعوا عليّاً، إنّ علياً منّي وأنا منه، وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي. حم عن عمران بن حصين ».

( وفيه ): « ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إنّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي. ت وحسّنه. ك عن عمران بن

__________________

(١). مفتاح النجا في مناقب آل العبا - مخطوط.

(٢). نزل الأبرار بما صحّ من مناقب آل البيت الاطهار: ٢٢.

٢٤٩

حصين »(١). .

ترجمة البدخشاني

ومحمد بن معتمد خان البدخشي من أجلّة العلماء في الهند، ترجم له اللكهنوي ووصفه بالشيخ العالم المحدّث أحد الرجال المشهورين في الحديث والرجال » وذكر كتبه(٢). .

ثم أنّه يعدّ من الأعلام المحققين وأعيان المعتمدين من أهل السنّة، فالرّشيد الدهلوي يصرّح بكونه من عظماء أهل السنة، ويستند إلى مؤلّفاته في مقابلة أهل الحق، ويستشهد بها على كون أهل السنّة موالين لأهل البيت الطّاهرين. والمولوي حيدر علي الفيض آبادي يذكره من علماء أهل السنّة الأعلام القائلين بلعن يزيد بن معاوية، وينص على اعتبار كتبه. و ( الدهلوي ) نفسه يقول في جواب سؤالٍ وُجّه إليه في تلقيب أمير المؤمنينعليه‌السلام بـ « المرتضى »:

« قد كُنّي في الأحاديث الصحيحة بأبي تراب، وأبي الريحانتين، وقد روي وثبت تلقيبه بذي القرنين، ويعسوب الدين، والصدّيق، والفاروق، والسّابق، ويعسوب الاُمّة، ويعسوب قريش، وبيضة البلد، والأمين، والشريف، والبار، والمهتدي، وذي الاُذن الواعية.

والميرزا محمد بن معتمد خان الحارثي، المؤرّخ المشهور لهذا البلد - يعني دهلي - ذكر تلقيبه بالمرتضى في رسالتيه في فضائل الخلفاء وفضائل أهل البيت، وهاتان الرسالتان من عمدة تصانيفه. لكنّ الفقير لا يتذكّر الآن أنّه إلى أيّ حديث استند في ذلك.

__________________

(١). تحفة المحبين بمناقب أهل البيت الطاهرين - مخطوط.

(٢). نزهة الخواطر ٦ / ٢٥٩.

٢٥٠

وفي حديث أنس بن مالك في قصة تزويج سيّدة النساء، وخطبة أبي بكر الصدّيق وعمر الفاروق منها، لفظ يفهم منه كون أمير المؤمنين المرتضى والمختار، أي في هذا الأمر، يعني تزويج سيّدة النساء رضي الله تعالى عنها منه. » انتهى نقلا عن مجموع فتاوى ( الدهلوي ) الموجود عند المولوي عبد الحي ابن المولوي عبد الحليم السهالي اللكهنوي.

(٥٨)

رواية محمد صدر العالم

ورواه الشيخ محمد صدر العالم في مناقب أمير المؤمنينعليه‌السلام قال:

« أخرج أحمد: عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: لا تقع في علي فإنّه منّي وأنا منه وهو وليّكم بعدي ».

وقال: « أخرج الديلمي: عن بريدة قال قال لي رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: يا بريدة، إنّ عليّاً وليّكم بعدي، فأحبَّ عليّاً فإنّه يفعل ما يؤمر.

وأخرج ابن أبي شيبة: عن عمران بن حصين قال قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: علي منّي وأنا من علي، وعلي وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي.

وأخرج أحمد عنه قال قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: دعوا عليّاً، دعوا عليّاً، دعوا عليّاً. إنّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي.

وأخرج الطّيالسي والحسن بن سفيان وأبو نعيم عنه مثله.

وأخرج الترمذي - وقال حسن غريب - والطبراني والحاكم - وصححه - عنه قال: قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إنّ عليّاً منّي وانا منه وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي.

٢٥١

و أخرج الخطيب والرّافعي عن علي - كرّم الله وجهه - قال قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - سألت الله يا علي فيك خمساً، فمنعني واحدة وأعطاني أربعاً، سألت الله أنْ يجمع عليك اُمتي فأبى عليَّ، وأعطاني فيك: أن أوّل من تنشق عنه الأرض يوم القيامة أنا وأنت معي ومعك لواء الحمد، وأنت تحمله من بين يديَّ، تسبق به الأوّلين والآخرين، وأعطاني أنّك وليّ المؤمنين بعدي »(١). .

ترجمة محمد صدر العالم

ومحمد صدر العالم من كبار العلماء الأجلّة من أهل السنّة ترجمه صاحب ( نزهة الخواطر ) بالشيخ الفاضل، أحد العلماء العاملين وعباد الله الصالحين. ثم ذكر مصنّفاته ومنها معارج العلى(٢). .

وكتابه من الكتب الممدوحة المقبولة عندهم. وقد أثنى عليه وعلى كتابه معاصره شاه ولي الله أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي - والد ( الدهلوي ) - في قصيدةٍ أنشأها وأرسلها إلى صدر العالم، بعد أن وقف على كتابه المذكور وهي موجودة في كتابه ( التفهيمات الإِلهيّة )، وبترجمته في ( نزهة الخواطر ٦ / ١١٧ ).

(٥٩)

رواية أحمد بن عبد الرّحيم الدّهلوي

ورواه شاه ولي الله أحمد بن عبد الرّحيم الدهلوي - وهو والد

__________________

(١). معارج العلى في مناقب المرتضى - مخطوط

(٢). نزهة الخواطر ٦ / ١١٥.

٢٥٢

( الدهلوي ) - وأثبته في فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، في غير واحدٍ من كتبه.

فروى في كتابه ( قرّة العينين ) حديث عمران بن حصين عن الترمذي(١). .

وروى في كتابه ( إزالة الخفا عن سيرة الخلفاء ) حديث عمرو بن ميمون بطوله، المشتمل على حديث الولاية، المذكور في الكتاب مراراً، عن الحاكم والنسائي(٢).

ولم نجد منه طعناً في سند الحديث

فيا للعجب كلّ العجب من ( الدهلوي ) كيف خاض في غمار عقوق والده وشيخه المهذّب، ورجّح على اتّباعه تقليد الكابلي الجالب على نفسه وأتباعه أمّر العطب، وكأنّه لم يقرع سمعه قول عليعليه‌السلام : نحن أهل بيت ما عادانا بيت إلّا خرب، وما نبح علينا كلب إلّا جرب؟!

ترجمة أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي

وشاه وليّ الله الدّهلوي إمام علماء الهند في عصره في العلوم المختلفة، تجد الثناء العظيم عليه في الكتب المؤلّفة بتراجم رجال تلك الدّيار وفي غيرها، مثل ( اتحاف النّبلاء ) و ( أبجد العلوم ) و ( نزهة الخواطر ٦ / ٣٩٨ - ٤١٥ ). كما أنّه ترجم لنفسه في كتابٍ أسماه ( الجزء اللطيف في ترجمة العبد الضّعيف )، كما أن ابنه ( الدهلوي ) وسائر علماء الهند المتأخرين كلّهم عيال عليه في شتّى البحوث.

__________________

(١). قرة العينين في تفضيل الشيخين: ١٦٨.

(٢). إزالة الخفا في سيرة الخلفاء ٢ / ٤٤٨.

٢٥٣

(٦٠)

رواية محمد بن إسماعيل الأمير

ورواه محمد بن إسماعيل بن صلاح الأمير اليمني الصّنعاني في ( الروضة الندية - شرح التحفة العلوية ) فقد قال بشرح:

« قل من المدح بما شئت فلم

تأتِ فيما قلته شيئاً فرّيا

كلّ من رام يداني شأوَه

في العلى فاعدده روماً أشعبيّاً »

قال: هذه كالفذلكة لِما تقدّم من فضائله، كأنّه قال: إذْ قد عرفت أنّه أحرز كلّ كمالٍ، وبذّ في كلّ فضيلةٍ كملة الرجال، فقل ما شئت في مدحه، كأنْ تمدحه بالعبادة، فإنّه بلغ رتبتها العليّة، وبالشّجاعة فإنّه أنسى ما سبقه من أبطال البريّة، وبالزهادة فإنّه إمامها الذي به يقتدى، وبالجود وأنّه الذي فيه المنتهى.

وبالجملة، فلا فضيلة إلّا وهو حامل لوائها ومقدَّم أمرائها، فقل في صفاته ما انطلق به اللّسان، فلن يعيبك في ذلك إنسان.

وفي هذا إشارة إلى عدم انحصار فضائله - كما قد أشرنا إليه سابقاً - وكيف ينحصر لنا وقد قال إمام المحدّثين أحمد بن حنبل: إنه ما ثبت لأحدٍ من الفضائل الصحيحة ما ثبت للوصيّعليه‌السلام . وقد علم أن كتب السنّة قد شرّقت وغرّبت وبلغت مبلغ الرياح، فلا يمكن حصرها. وإشارة إلى ما لم نورده سابقاً:

فمن ذلك: أنّه من الرّسول - صلّى الله عليه وسلّم - بمنزلة الرأس من البدن، كما أخرجه الخطيب من حديث البراء، والديلمي في مسند الفردوس من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - عنه صلّى الله عليه وسلّم: عليّ منّي

٢٥٤

بمنزلة رأسي من بدني.

ومن ذلك: أنّه باب حطّة، كما أخرجه الدار قطني في الأفراد عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عنه صلّى الله عليه وسلّم: علي باب حطّة من دخل منه كان مؤمناً ومن خرج منه كان كافراً.

ومن ذلك: أنه من النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم - والنبيّ صلّى الله عليه وسلّم منه، كما أخرجه أحمد والترمذي وأبو حاتم، من حديث عمران بن حصين: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: إنّ علياً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي ».

وقال محمد بن إسماعيل بشرح:

« كلّما للصحب من مكرمة

فله السّبق تراه الأوليّا »

قال: « وقد اختصّه الله ورسوله بخصائص لا تدخل تحت ضبط الأقلام ولا تفنى بفناء اللّيالي والأيّام. مثل اختصاصه بأربع ليست في أحدٍ غيره، كما أخرجه العلّامة أبو عمر ابن عبد البر من حديث بحر الاُمة ابن عباس - رضي الله عنهما - قال:

لعليّ أربع خصال ليست لأحدٍ غيره: هو أوّل عربي وعجمي صلّى مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وهو الذي كان لواه معه في كلّ زحف. وهو الذي صبر معه يوم فرّ عنه غيره. وهو الذي غسّله وأدخله في قبره.

وكاختصاصه بخمسٍ، كما أخرجه أحمد في المناقب، وقد تقدم ذلك في بيت لواء الحمد.

وكاختصاصه بعشر، كما أخرجه أحمد بتمامه، وأبو القاسم الدمشقي في الموافقات وفي الأربعين الطوال، وأخرج النسائي بعضه. وهو من حديث عمرو ابن ميمون قال: إني لجالس إلى ابن عباس إذا أتاه ».

٢٥٥

ترجمة محمد بن إسماعيل الأمير

ومحمد بن إسماعيل بن صلاح الأمير الصنعاني المتوفى سنة ١١٨٢ فقيه، محدّث، متكلّم، من أئمّة اليمن، له تصانيف كثيرة في الفقه والأصول والحديث، ترجم له وأثنى عليه:

١ - الشوكاني في ( البدر الطّالع ٢ / ١٣٣ ).

٢ - صدّيق حسن في ( التاج المكلّل: ٤١٤ ).

(٦١)

رواية الصبّان المصري

ورواه محمّد الصبّان المصري صاحب ( إسعاف الراغبين ) قال:

« أخرج الترمذي والحاكم عن عمران بن حصين: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إنّ عليّاً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي »(١). .

ترجمة الصبّان

وترجم لأبي العرفان محمد بن علي الصبّان المصري الشّافعي المتوفى سنة ١٢٠٦ في ( معجم المؤلّفين )(٢). عن عدّةٍ من المصادر، قال: « عالم،

__________________

(١). اسعاف الراغبين - هامش مشارق الأنوار: ١٥١.

(٢). معجم المؤلفين ١١ / ١٧.

٢٥٦

أديب، مشارك في اللغة والنحو والبلاغة والعروض والمنطق والسيرة والحديث ومصطلحه والهيئة وغير ذلك. ولد وتوفي بالقاهرة » ثم ذكر تصانيفه، وعدّ منها ( إسعاف الراغبين ) و « الحاشية على شرح الأشموني ) المتداول في الحوزات العلميّة والأدبيّة.

(٦٢)

رواية العجيلي

ورواه أحمد بن عبد القادر بن بكري العجيلي الشافعي حيث قال بشرح:

« والله قد آتاه خمساً تنقل

أحبّ من دنياكم وأفضل »

قال: « أخرج السيطوي -رحمه‌الله - في الكبير عن علي -رضي‌الله‌عنه - قال صلّى الله عليه وسلّم: سألت الله - يا علي - فيك خمسا، فمنعني واحدة وأعطاني أربعا: سألت الله أن يجمع عليك أمّتي فأبى عليّ. وأعطاني لك: أنّ أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة أنا وأنت معي، معك لواء الحمد، وأنت تحمله بين يديّ، تسبق به الأوّلين والآخرين. وأعطاني أنت وليّ المؤمنين بعدي ».

وقد أثبت الحديث الشّريف في كلام له بشرح:

« واقرأ حديث إنّما وليّكم

واسمع حديثاً جاء في غدير خم »

فقال بعد ذكر الغدير وقصّة الحارث الفهري: « وهو من أقوى الأدلّة على أنّ عليّاً -رضي‌الله‌عنه - أولى بالإِمامة والخلافة والصّداقة والنصرة والاتّباع، باعتبار الأحوال والأوقات والخصوص والعموم. وليس في هذا مناقضة لما سبق وما سيأتي إن شاء الله تعالى.

إنّ عليّاًرضي‌الله‌عنه تكلّم فيه بعض من كان معه في اليمن، فلمـّا قضى حجّه خطب بهذا تنبيهاً على قدره، وردّاً على من تكلّم فيه، كبريدة، فإنّه كان

٢٥٧

يبغضه، ولمـّا خرج إلى اليمن رأى جفوةً، فقصّه للنبي صلّى الله عليه وسلّم، فجعل يتغيّر وجهه ويقول: يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ من كنت مولاه فعلي مولاه. لا تقع - يا بريدة - في علي. فإنّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليّكم بعدي ».

ترجمة العجيلي

والعجيلي توجد ترجمته في:

١ - نيل الأوطار ١ / ١٢٩.

٢ - حلية البشر ١ / ١٨٠ عنهما معجم المؤلفين ١ / ٢٧٩.

٣ - التاج المكلّل: ٥٠٩ وقد وصفه بقوله: « الشيخ العلّامة المشهور، عالم الحجاز على الحقيقة لا المجاز، لم يزل مجتهداً في نيل المعالي، وكم سهر في طلبها الليالي، حتى فاز ».

(٦٣)

رواية محمد مبين اللكهنوي

ورواه المولوي محمد مبين بن محبّ الله بن ملا أحمد عبد الحق بن ملا محمد سعيد بن قطب الدين السهالي، في فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام حيث قال:

« ومنها: أنّه - صلّى الله عليه وسلّم - أمّره على الجيش، وأعلم القوم بخصوصيّته وأخبرهم بولايته: أخرج الحاكم والترمذي نحوه عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - سرية واستعمل عليهم علي بن أبي طالب -رضي‌الله‌عنه -. فمضى في السرية فأصاب جاريةً فأنكروا

٢٥٨

عليه، فتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا لقينا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أخبرناه بما صنع علي. قال عمران: وكان المسلمون إذا قدموا ورجعوا بدؤا برسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فنظروا إليه وسلّموا عليه، ثم يتطرقون إلى رحالهم.

فلمـّا قدمت السريّة سلّموا على رسول الله، فقام أحد الأربعة فقال: يا رسول الله ألم تر إلى علي بن أبي طالب صنع كذا وكذا؟ فأعرض عنه رسول الله. ثم قام الثاني فقال مثل مقالته فأعرض عنه. ثم قام إليه الثالث فقال مثل مقالته فأعرض عنه، ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا. فأقبل عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم - والغضب يعرف في وجهه - فقال:

ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إنّ عليّاً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي.

ولفظ أحمد: دعوا عليّاً، دعوا عليّاً، دعوا عليّاً، إنّ عليّاً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي»(١). .

ترجمته وعبارته في صدر كتابه

ذكره صاحب ( نزهة الخواطر ) وعنونه بـ « الشيخ الفاضل الكبير مبين بن محب اللكهنوي، أحد الفقهاء الحنفيّة » ثم ذكر كتابه وأرّخ وفاته بسنة ١٢٢٥(٢). .

ومن المناسب أن نورد نصّ كلامه في صدر كتابه، ليظهر اعتبار الأحاديث الواردة فيه. فإنّه قال: « أما بعد، فلا يخفى عليك أن محبّة آل سيد الكائنات جزء الإِيمان، ولا يتمّ إلّا بمودّتهم بالجنان وتعظيمهم بالأركان، ورعاية

__________________

(١). وسيلة النجاة في مناقب الحضرات: ٤٨.

(٢). نزهة الخواطر ٧ / ٤٠٣.

٢٥٩

حقوقهم بالصّدق والإِيقان، قال الله في القرآن:( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) وفسّر بالنبيّ المصطفى وعلي المرتضى والحسنين وفاطمة الزهراء،عليهم‌السلام .

فلا بدَّ لكلّ مؤمنٍ من مودّتهم ولا يخلو مسلم من محبّتهم. قال النبي - صلّى الله عليه وسلّم -: ألا من مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه: آيس من رحمة الله ولم يشم رائحة الجنّة. وقال في علي الوصي: لا يحبّه إلّا مؤمن ولا يبغضه إلّا منافق.

وإنّني في زمانٍ قد كثر فيه القيل والقال، وقلّ العلماء وكثر الجهّال، كلّ بضاعة أهل الزمان المخاصمة والجدال، وقد اكتفوا بما فهموا بزعمهم من ظاهر المقال، من غير أنْ يكون لهم اطّلاع على حقيقة الحال فإنّ السُّنّي من يكون مشغوفاً بحبّ آل النبي، وإلّا فهو المنافق الشقي. ومن اللطائف: أن أعداد السّنّي بحسب الحساب مساوية لحبّ علي، فمن لا يكون في قلبه حبّ عليّ لا يكون معدودا من السنّي

... حداني صدق النيّة على أنْ أؤلّف رسالةً مشتملةً على الآيات النازلة والأحاديث الواردة في مودّة القربى، متضمنّة لبيان الشمائل والخصائل التي كانت لهم في الدنيا، وما ثبت بالآيات القرآنيّة والأحاديث النبويّة من مقاماتهم ودرجاتهم الرفيعة في العقبى، وقد وشّح به المحدّثون صحائفهم، والأولياء تصانيفهم، والعلماء كتبهم.

وما استخرجت من الصّحاح بعد كتاب الله صحيح البخاري وصحيح مسلم وصحيح الترمذي، والكتب الموثوقة كجامع الاُصول لابن الأثير وغيرها من الكتب المعتبرة في الأحاديث الشّريفة والقصص الصحيحة، وجمعتها في هذه الرسالة، وأعرضت عن الصحائف المتروكة والموضوعات المطروحة وما التفتُّ إلى ما كان باطلاً أو ضعيفاً ».

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

جالساً عند النبيّ -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - إذ جاءه رجل من أهل اليمن فقال: إنّ ثلاثة من أهل اليمن أتوا عليّاً -رضي‌الله‌عنه - يختصمون إليه في ولد وقعوا على إمراة في طهرٍ واحد، فقال لاثنين منهما: طيبا بالولد لهذا، فقالا: لا ثم قال للاثنين: طيبا بالولد لهذا، فقالا: لا. ثم قال: أنتم متشاكسون، إني مقرع بينكم، فمن قرع فله الولد وعليه لصاحبيه ثلثا الدية، فأقرع بينهم، فجعله لمن قرع، فضحك رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - حتّى بدت أضراسه - أو قال: نواجذه -.

قد اتّفق الشيخان على ترك الإِحتجاج بالأجلح بن عبد الله الكندي، وإنّما نقما عليه حديثاً واحداً لعبد الله بن بريدة، وقد تابعه على ذلك الحديث ثلاثة من الثقات، فهذا الحديث إذاً صحيح ولم يخرجاه »(١). .

وقال الحاكم: « أخبرني عبد الله بن محمّد بن موسى العدل، محمد بن أيوب أنا إبراهيم بن موسى، ثنا عيسى بن يونس، ثنا الأجلح، عن الشعبي، عن عبد الله ابن الخليل، عن زيد بن أرقم قال: بينا أنا عند رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - إذ جاءه رجل من أهل اليمن، فجعل يحدّث النبيّ -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - ويخبره، فقال: يا رسول الله أتى علياً -رضي‌الله‌عنه - ثلاثة نفر يختصمون في ولد وقعوا على امرأة في طهر واحد، فقال لاثنين: طيبا نفسا بهذا الولد. ثم قال: أنتم شركاء متشاكسون، إني مقرع بينكم، فمن قرع له فله الولد وعليه ثلث الدية لصاحبيه، فأقرع بينهم، فقرع لأحدهم فدفع إليه الولد. فضحك النبيّ -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - حتى بدت نواجذه - أو قال أضراسه -.

حدّثنا علي بن جمشاد، ثنا بشر بن موسى ثنا الحميدي، ثنا سفيان، ثنا الأجلح بهذا. وزاد فيه: فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ما أعلم فيها إلّا ما قال علي.

__________________

(١). المستدرك على الصحيحين ٢ / ٢٠٧.

٢٨١

هذا حديث صحيح الإِسناد ولم يخرجاه. وقد زاد الحديث تأكيداً برواية ابن عيينة، وقد تابع أبو إسحاق السبيعي الأجلح في روايته »(١). .

وقال الحاكم:

« أخبرني علي بن محمد بن دحيم الشيباني، حدّثنا أحمد بن حازم الغفاري، حدّثنا مالك بن إسماعيل النهدي، حدّثنا الأجلح، عن الشعبي، عن عبد الله ابن الخليل، عن زيد بن أرقم: إن علياً بعثه النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم - إلى اليمن، فارتفع إليه ثلاثة يتنازعون ولداً، كلّ واحدٍ يزعم أنه ابنه، قال: فخلا باثنين فقال: أتطيبان نفساً لهذا الباقي؟ قالا: لا. وخلا باثنين فقال لهما مثل ذلك، فقالا: لا. فقال: أراكم شركاء متشاكسين وأنا مقرع بينكم، فأقرع بينهم، فجعله لأحدهم وأغرمه ثلثي الديّة للباقيين. قال: فذكر ذلك لرسول الله فضحك حتى بدت نواجذه.

قد أعرض الشيخان عن الأجلح بن عبد الله الكندي وليس في رواياته بالمتروك، فإنّ الذي ينقم عليه مذهبه مذهبه »(٢). .

٨ - ابن حجر: صدوق

وقال ابن حجر العسقلاني: « أجلح بن عبد الله بن حجّية - بالمهملة والجيم مصغرا - يكنّى أبا حجيّة الكندي، يقال اسمه: يحيى. صدوق شيعي، من السابعة. مات سنة ٤٥ »(٣). .

فهو عند ابن حجر « صدوق » ومن الطبقة السّابعة، أي في طبقة كبار أتباع التابعين كمالك والثوري، كما ذكر في أوّل الكتاب في بيان الطبقات.

__________________

(١). المستدرك ٣ / ١٣٥ كتاب معرفة الصحابة.

(٢). المستدرك ٤ / ٩٦ كتاب الأحكام.

(٣). تقريب التهذيب ١ / ٤٩.

٢٨٢

٩ - إنّه من رجال الكتب الأربعة

والأجلح من رجال: صحيح أبي داود، وصحيح الترمذي، وصحيح النسائي، وصحيح ابن ماجة. كما في الرمز الموضوع على اسمه في ( تهذيب التهذيب ) و ( تقريب التهذيب ) وغيرهما. وقال السّيوطي: « روى له الأربعة ».

وقد صرّح أكابر القوم بأنّ رجال الكتب الصّحاح معدّلون ومزكّون، وكلّهم من أهل التقوى والديانة

١٠ - رواية الأئمة عنه

وقد روى عنه أيضاً كبار الأئمة الأعلام، كشعبة، وسفيان الثوري، وابن المبارك، وأضرابهم قال ابن حجر:

« وعنه: شعبة، وسفيان الثوري، وابن المبارك، وأبو اُسامة، ويحيى القطّان، وجعفر بن عون، وغيرهم »(١). .

ورواية الثقة العدل عن رجل توثيق للمروي عنه وتعديل له وبهذا الأسلوب أراد ابن حجر المكّي إثبات فضيلةٍ لمعاوية، وهذه عبارته في ذكر فضائله المزعومة:

« منها: إنّه حاز شرف الأخذ عن أكابر الصّحابة والتابعين له، وشرف أخذ كثيرين من أجلّاء الصحابة والتابعين عنه فتأمّل هؤلاء الأئمة أئمة الإِسلام الذين رووا عنه تعلم أنّه كان مجتهداً أيّ مجتهد، وفقيهاً أيّ فقيه »(٢). .

__________________

(١). تهذيب التهذيب ١ / ١٦٥.

(٢). تطهير الجنان واللّسان: ٣٣ هامش الصواعق المحرقة.

٢٨٣

فهكذا يكون رواية شعبة والثوري وأمثالهما عن الأجلح دليلاً على ثبوت إمامة الأجلح وجلالته.

وقال الذهبي بترجمة أبي العبّاس العذري أحمد بن عمر الأندلسي المتوفى سنة ٤٧٨:

« ومن جلالته: أنّ إمامي الأندلس - ابن عبد البر، وابن حزم - رويا عنه »(١). .

ومثله قول المقري المالكي بترجمة أبي الوليد الباجي حيث قال:

« وممّا يفتخر به أنه روى عنه حافظاً المغرب والمشرق: أبو عمر بن عبد البر والخطيب أبو بكر ابن ثابت البغدادي، وناهيك بهما »(٢). .

هذا، وقد صرّح ابن قيّم الجوزيّة: بأنّ مجرَّد رواية العدل عن غيره تعديل له، هو أحد القولين في المسألة، وهو أحد الرّوايتين عن أحمد بن حنبل فإنّه قال بعد كلامٍ له: « هذا، مع أنَّ أحد القولين: أن مجرد رواية العدل عن غيره تعديل له وإنْ لم يصرّح بالتعديل، كما هو إحدى الروايتين عن أحمد »(٣). .

١١ - رواية شعبة عنه وهو لا يروي إلّا عن ثقة

إنّه قد عرفت من كلام العسقلاني أن من الرّواة عن الأجلح: شبعة بن الحجاج وقد ذكر القوم أنّ شعبة كان لا يروي إلّا عن ثقة، حتى أنّ السبكي صحّح حديث « من زار قبري وجبت له شفاعتي » متمسّكاً بقول خصمه ابن تيميّة بأنّ جماعةً ذكرهم - وفيهم شعبة - لا يروون إلّا عن ثقة قال السبكي:

__________________

(١). العبر - حوادث ٤٧٨

(٢). نفح الطيب ٢ / ٢٨١ ترجمة أبي الوليد الباجي.

(٣). زاد المعاد في هدي خير العباد ٥ / ٤٧٥.

٢٨٤

« وموسى بن هلال، قال ابن عدي: أرجو أنّه لا بأس به. وأمّا قول أبي حاتم الرازي فيه: إنّه مجهول فلا يضرّه، فإنّه إمّا أنْ يريد جهالة العين أو جهالة الوصف، فإنْ أراد جهالة العين - وهو غالب اصطلاح أهل هذا الشأن في هذا الإِطلاق - فذلك مرتفع عنه، لأنّه قد روى عنه: أحمد بن حنبل، ومحمد بن جابر المحاربي، ومحمد بن إسماعيل الأحمسي، وأبو اُميّة محمد بن إبراهيم الطرسوسي، وعبيد بن محمّد الرزاق، والفضل بن سهل، وجعفر بن محمد المروزي. وبرواية الاثنين تنتفي جهالة العين، فكيف رواية سبعة.

وإنْ أراد جهالة الوصف، فرواية أحمد يرفع من شأنه، لا سيّما ما قاله ابن عدي فيه، وممّن ذكره من مشايخ أحمد: أبو الفرج ابن الجوزي، وأبو إسحاق الصريفيني.

وأحمد – رحمه ‌الله - لم يكن يروي إلّا عن ثقة، وقد صرّح الخصم بذلك في الكتاب الذي صنّفه في الردّ على البكري بعد عشر كراريس منه، قال: إنّ القائلين بالجرح والتعديل من علماء الحديث نوعان، منهم: من لم يرو إلّا عن ثقة عنده، كمالك وشبعة، ويحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي، وأحمد ابن حنبل، وكذلك البخاري وأمثاله »(١). .

فمن هذا الكلام الذي احتجّ به السبكي - لتوثيق موسى بن هلال - يظهر بكلّ وضوحٍ وثاقة الأجلح أيضاً، لكونه من مشايخ شبعة، وهو لا يروي إلّا عن ثقة.

١٢ - رواية أحمد عنه وهو لا يروي إلّا عن ثقة

وأيضاً، فإنّه من مشايخ أحمد بن حنبل في ( المسند )، بل لقد روى فيه

__________________

(١). شفاء الأسقام في زيارة خير الأنام. الحديث الأول من الباب الأول ٩ - ١٠.

٢٨٥

حديث الولاية عن طريقه فقال كما سمعت سابقاً:

« ثنا ابن نمير، حدّثني أجلح الكندي، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه بريدة قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - بعثين إلى اليمن ».

وهذا، وأحمد لم يخرّج في المسند إلّا عمّن ثبت عنده صدقه وديانته، كما قال أبو موسى المديني، فيما نقله عنه السبكي في ( طبقاته ) كما سمعت سابقاً فقال: « قال أبو موسى المديني: ولم يخرّج في المسند إلّا عمّن ثبت عنده صدقه وديانته دون من طعن في أمانته قال أبو موسى: ومن الدليل على إنّ ما أودعه الإِمام أحمد في مسنده قد احتاط فيه إسناداً ومتناً، ولم يورد فيه إلّا ما صحّ سنده: ما أخبرنا أبو علي الحدّاد قال: أنا أبو نعيم وأنا أبو الحسين وأنا ابن المذهب قالوا: أنا القطيعي، ثنا عبد الله قال: حدّثني أبي، ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن أبي التيّاح قال: سمعت أبا زرعة يحدّث عن أبي هريرة عن النبيّ أنّه قال: يهلك امّتي هذا الحي من قريش. قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: لو أنَّ الناس اعتزلوهم.

قال عبد الله قال لي أبي في مرضه الذي مات فيه: إضرب على هذا الحديث، فإنّه خلاف الأحاديث عن النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم -. يعني قوله: إسمعوا وأطيعوا. وهذا - مع ثقة رجال إسناده، حين شذَّ لفظه عن الأحاديث المشاهير - أمر الضّرب عليه، فكان دليلاً على ما قلناه ».

١٣ - روى عنه النسائي وشرطه أشدّ من شرط الشيخين

وأيضاً، فقد أخرج عنه النسائي في صحيحه كما في ( تهذيب التهذيب ) و ( تقريب التهذيب ) وغيرهما، وكما عرفت من عبارة السّيوطي في ( اللّالي المصنوعة ). وللنسائي شرط في الرجال أشد من شرط البخاري ومسلم:

قال الذهبي: « قال ابن طاهر: سألت سعد بن علي الزنجاني عن رجل،

٢٨٦

فوثّقه، فقلت: قد ضعّفه النسائي! فقال: يا بنيّ، إنّ لأبي عبد الرحمن شرطاً في الرجال أشد من شرط البخاري ومسلم »(١). .

ونقله السّبكي في ( طبقاته ) والصفدي في ( وفياته ) بترجمة النسائي في ( فيض القدير ).

وذكر ذلك ابن حجر العسقلاني في ( النكت على علوم ابن الصّلاح ) في بيان أن النسائي لا يخرّج عمّن أجمعوا على تركه. قال: « فكم من رجلٍ أخرج له أبو داود والترمذي، وتجنّب النسائي إخراج حديث، بل قد تجنّب إخراج حديث جماعة من رجال الشيخين، حتى قال بعض الحفّاظ: إنّ شرطه في الرجال أقوى من شرطهما ».

ترجمة سعد الزّنجاني

وسعد بن علي الزنجاني - الذي نقلوا عنه ذلك - من كبار الحفّاظ ومشاهير المنقدين:

١ - السمعاني: « أبو القاسم سعد بن علي بن محمد الزنجاني، شيخ الحرم في عصره، كان جليل القدر، عالماً زاهداً، كان الناس يتبرّكون به حتى قال حاسده لأمير مكة: إنّ الناس يقبّلون يد الزنجاني أكثر ممّا يقبّلون الحجر الأسود توفي بمكة سنة ٤٧٠ »(٢). .

٢ - الذهبي: « الزنجاني، الإِمام الثبت الحافظ القدوة قال أبو سعد السمعاني: سمعت بعض مشايخنا يقول: كان جدّك أبو المظفر عزم أنْ يجاور بمكة في صحبة سعد الإِمام، فرأى ليلةً والدته كأنّها كشفت رأسها تقول: يا بني بحقّي عليك إلّا رجعت إلى مرو فإنّي لا اُطيق فراقك، فانتبهت مغموماً وقلت:

__________________

(١). تذكرة الحفّاظ ٢ / ٧٠٠ ترجمة النسائي.

(٢). الأنساب - الزنجاني ٦ / ٣٠٧.

٢٨٧

أشاور سعد بن علي، فأتيته ولم أقدر من الزّحام أنْ اُكلّمه، فلمـّا قام تبعته، فالتفت إليَّ وقال: يا أبا المظفّر العجوز تنتظرك. ودخل البيت. فعرفت أنّه تكلّم على ضميري، فرجعت تلك السنة.

وكان حافظاً متقناً ورعاً كثير العبادة، صاحب كرامات وآيات وإذا خرج إلى الحرم يخلو المطاف ويقبّلون يده أكثر ممّا يقبّلون الحجر الأسود.

ابن طاهر - ممّا سمعه السلفي منه -: سمعت الحبّال يقول: كان عندنا سعد بن علي ولم يكن على وجه الأرض مثله في عصره.

وسمعت أن محمد بن الفضل الحافظ يقول ذلك.

وقال محمد بن طاهر الحافظ: ما رأيت مثل الزنجاني »(١). .

١٤ - من أسامي أئمة الحديث الشّيعة

إنّ التشيّع في كبار أئمة الحديث كثير شائع، فلو كان التشيّع قادحاً لزم طرح أخبار جميعهم قال ابن قتيبة: « الشيعة: الحارث الأعور، وصعصعة ابن صوحان، والأصبغ بن نباتة، وعطيّة العوفي، وطاوس، والأعمش، وأبو إسحاق السّبيعي، وأبو صادق، وسلمة بن كهيل، والحكم بن عتيبة، وسالم بن أبي الجعد، وإبراهيم النخعي، وحبة بن جوين، وحبيب بن أبي ثابت، ومنصور بن المعتمر، وسفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج، وفطر بن خليفة، والحسن بن صالح بن حيّ، وشريك، وأبو اسرائيل الملّائي، ومحمّد بن فضيل، ووكيع، وحميد الرواسي، وزيد بن الحباب، والفضيل بن دكين، والمسعودي الأصغر، وعبيد الله بن موسى، وجرير بن عبد الحميد، وعبد الله بن داود، وهشيم، وسليمان التيمي، وعوف الأعرابي، وجعفر الضّبيعي، ويحيى

__________________

(١). تذكرة الحفّاظ ٣ / ١١٧٤.

٢٨٨

ابن سعيد القطّان، وابن لهيعة، وهشام بن عمّار، والمغيرة صاحب إبراهيم. ومعروف بن خرّبوذ، وعبد الرزاق، ومعمر، وعلي بن الجعد »(١). .

فإذا كان إبراهيم بن النخعي، وسفيان الثوري، وشعبة، وشريك، ويحيى بن سعيد القطّان وأمثالهم شيعة فليكن الأجلح شيعياً مثلهم وليس التشيع بقادح وإلّا اتّسع الفتق على الرّاقع، وظهر فساد عظيم ليس له دافع.

١٥ - تصريح الذهبي بوجوب قبول رواية الشّيعي

هذا، وقد صرّح الذهبي بأن التشيع في التابعين وتابعيهم كثير، مع الدين والورع والصدق، وأنه لو ذهب حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبويّة، وهذا مفسدة بيّنة

قال ذلك بترجمة أبان بن تغلب الكوفي:

« أبان بن تغلب الكوفي. شيعي جلد لكنّه صدوق، فلنا صدقه وعليه بدعته. وقد وثّقه أحمد وابن معين وأبو حاتم واُورده ابن عدي وقال: كان غالياً. وقال [ السعدي ] الجوزجاني: زائغ مجاهر. فلقائل أن يقول: كيف ساغ توثيق مبتدع، وحدّ الثقة: العدالة والإتقان، فكيف يكون عدلاً من هو صاحب بدعة؟

وجوابه: إنّ البدعة على ضربين، فبدعة صغرى كغلّو التشيع، أو كالتشيع بلا غلو ولا تحرّف، فهذا كثير في التّابعين وتابعيهم، مع الدين والورع والصّدق، فلو رد حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبويّة، وهذا مفسدة بيّنة. ثم بدعة كبرى، كالرفض الكامل والغلوّ فيه، والحطّ على أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - والدعاء إلى ذلك. فهذا النوع لا يحتجّ به ولا كرامة

__________________

(١). المعارف: ٦٢٤.

٢٨٩

وأيضاً فما استحضر الآن رجلاً صادقاً ولا مأموناً، بل الكذب شعارهم والتقيّة والنفاق دثارهم»(١). .

وعليه، فلو كان في الاجلح تشيع، فإنّه لا يوجب طرح حديثه، وإلّا لذهب جملة من الآثار النبويّة، وهذا مفسدة بيّنة

١٦ - نسبة السيوطي ما قاله الذهبي إلى أئمة الحديث

والحافظ السّيوطي ينصّ على أنّ هذا الذي نقلناه عن الذهبي هو قول أئمة الحديث، وهذه عبارته في رسالته ( إلقام الحجر فيمن زكّى ساب أبي بكر وعمر ):

« قال أئمّة الحديث - وآخرهم الذهبي في ميزانه - البدعة على ضربين: صغرى كالتشيع، وهذا كثير في التابعين وتابعيهم، مع الدين والورع والصّدق، ولا يردّ حديثهم ».

وقد ذكر السيوطي هذا المطلب في ( تدريب الرّاوي ) أيضاً(٢). .

فالطعن في الأجلح بسبب التشيع - هذا الأمر الكثير وجوده في التابعين وتابعيهم، مع الدين والورع والصّدق، وليس بقادحٍ لدى أئمّة الحديث - غريب جدا!!

١٧ - جرح المخالف في الاعتقاد غير مقبول

وقال الحافظ ابن حجر: « فصل: وممّن ينبغي أن يتوقّف في قبول قوله في الجرح: من كان بينه وبين من جرحه عداوة سببها الاختلاف في الاعتقاد،

__________________

(١). ميزان الاعتدال ١ / ٥.

(٢). تدريب الراوي - شرح تقريب النواوي ١ / ٣٢٦.

٢٩٠

فإن الحاذق إذا تأمّل ثلب أبي إسحاق الجوزجاني لأهل الكوفة رأى العجب، وذلك لشدّة انحرافه في النّصب، وشهرة أهلها بالتشيّع، فتراه لا يتوقّف في جرح من ذكره منهم بلسان ذلق وعبارة طلق، حتى أنّه أخذ يليّن مثل الأعمش وأبي نعيم وعبيد الله بن موسى، وأساطين الحديث وأركان الرواية، فهذا إذا عارضه مثله أو أكبر منه، فوثّق رجلاً ضعّفه، قبل التوثيق »(١). .

ففي هذه العبارة تصريح بعدم قبول القدح في مثل الأعمش بسبب التّشيع، فكذلك الأجلح، لا يلتفت إلى قدح من قدح فيه بسبب التشيع

١٨ - التشيع محبّة علي وتقديمه على الصحابة

وقال ابن حجر في معنى التشيع ما نصّه:

« التشيع محبة علي وتقديمه على الصّحابة، فمن قدّمه على أبي بكر وعمر فهو غال في التشيّع، ويطلق عليه رافضي وإلاّ فشيعي، فإن انضاف إلى ذلك السبب أو التصريح بالبغض فغال في الرفض، وإن اعتقد الرجعة إلى الدنيا فأشدّ في الغلوّ »(٢). .

فعلى هذا: إذا كان الأجلح شيعيّاً فهو ليس إلّا محبّاً لأمير المؤمنين ومقدّماً له على الصحابة سوى الشيخين، وهذا المعنى لا يوجب الجرح والقدح عند أهل السنّة أبداً، إلّا إذا اختاروا مذهب النواصب والخوارج

١٩ - المقبلي: التشيّع ما يسع منصفاً الخروج عنه

وقال صالح بن مهدي المقبلي في كتابه ( العلم الشامخ ): « والواجب على المتدين اطراح التحرّب، والتكلّم بما يعلم، نصيحةً لله ورسوله

__________________

(١). لسان الميزان ١ / ١٦.

(٢). مقدمة فتح الباري: ٤٦٠.

٢٩١

وللمسلمين، وتراهم سوّوا بين الثريّا والثرى، وقرنوا الطلقاء بالسّابقين الأوّلين. والعجب من المحدّثين تراهم يجرحون بمثل قول شريك القاضي وقد قيل عنده: معاوية حليم. فقال: ليس بحليم من سفّه الحق وحارب علياً. وبقوله - وقد قيل له: ألا تزور أخاك فلاناً؟ فقال: - ليس بأخٍ لي من أزرأ على علي وعمّار. فليت شعري كيف الجمع بالنقم بهذين الأمرين.

ثم لم ترهم يبالون بلعن علي فوق المنابر وبمعاداة من عاداهم، وتراهم يتكلّمون في وكيع وأضرابه من تلك الدرجة الرفيعة دينا وورعا، يقولون يتشيّع، وتشيّعه إنّما هو بمثل ما ذكرنا من شريك، فإن كان التشيّع إنّما هو ذلك القدر فلعمري ما يسع منصفا الخروج عنه.

وعلى الجملة، فالشيعة المفرطة غلوا قطعاً، وأراد المحدّثون - وسائر من سمّى نفسه بالسنيّة - ردّ بدعتهم، فابتدعوا في الجانب الآخر، ووضعوا ما رفع الله ورفعوا ما وضع »(١). .

وعليه، فالأجلح إذا كان شيعيّاً كان بمثل وكيع والأعمش، لا يقدح فيه التشيع، بل جرحه بهذا السبب يكون كجرح الأعمش ووكيع بدعة.

٢٠ - لو كان الأجلح شيعيّاً غليظاً لما رووا عنه

وقال الشيخ نور الحق ابن الشيخ عبد الحق(٢). في ( تيسير القاري بشرح صحيح البخاري ) في شرح حديث البخاري: « حدّثنا حجاج بن المنهال، حدّثنا شعبة قال: حدّثني عدي بن ثابت قال: سمعت البراء قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم - أو قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم -: الأنصار

__________________

(١). العلم الشّامخ في إيثار الحق على الآباء والمشايخ: ٢٢.

(٢). هو: « الشيخ العالم الفقيه المفتي نور الحق بن محب الله بن نور الله بن المفتي نور الحقّ بن عبد الحق البخاري الدهلوي أحد العلماء المشهورين » نزهة الخواطر ٦ / ٣٨٩.

٢٩٢

لا يحبّهم إلّا مؤمن ولا يبغضهم إلّا منافق، فمن أحبّهم أحبّه الله ومن أبغضهم أبغضه الله »(١). .

قال: « قال القسطلاني: عدي بن ثابت ثقة، كان قاضي الشيعة وإمام مسجدهم في الكوفة، روى عنه شعبة وهو من أكابر أهل الحديث حتى لقّبوه بـ « أمير المؤمنين في الحديث ». ومن هنا يعلم أن مذهب الشّيعة واعتقاداتهم لم يكن في ذاك الزّمان على هذا الفساد والفضيحة كما عند متأخريهم، فقد قيل: أنه لم يكن عقيدتهم في ذلك الزمان بأكثر من أنْ يحبّوا علياً أمير المؤمنين أكثر من حبّهم لغيره من الأئمة، وأنّهم لم يكونوا يقولون بالأفضلية على الترتيب الذي يقول أهل السنّة، وإلّا فأيّ معنى لنصبهم السنّي الخالص قاضياً لهم وإماماً في مسجدهم. ولو قيل: لعلّ عدي بن ثابت أيضاً كان يرى هذا المذهب الغليظ، كان احتمالاً باطلاً وظنّاً فاسداً، فإنّ شعبة - الذي هو قدوة أهل السنّة وشيخ شيوخ البخاري، ويلقّبه المحدّثون بأمير المؤمنين - يروي حديث رسول الله عن الشيعي الغليظ؟ حاشا وكلّا! ».

ففي هذا الكلام تصريحٌ بأنّ الرواية عن الشيعي الغليظ لا تجوز. فالأجلح ليس بشيعيٍ غليظ وإلّا لما روى عنه أئمة السنة، غاية ما هنالك أن يكون حال الاجلح حال عدي بن ثابت بناء على ما ذكر، فكما أن شعبة روى عن عدي بن ثابت وأدخل البخاري حديثه في صحيحه، كذلك حديث الأجلح صحيح يجوز الاستدلال والاحتجاج به.

٢١ - كان النّسائي يتشيع

وممّا يدل على أن التشيع ليس بقادحٍ قولهم في ترجمة النسائي: « كان

__________________

(١). تيسير القاري بشرح صحيح البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب حبّ الأنصار من الايمان.

٢٩٣

يتشيّع »، مع أنّ النسائي من أكابر أئمتهم الثقات المعتمدين، كما هو معروف ولا يحتاج إلى بيان فممن قال بترجمته « كان يتشيّع » هو ابن خلّكان، وهذه عبارته: « خرج إلى دمشق ودخل، فسئل عن معاوية وما روي من فضائله، فقال: أما يرضى معاوية أن يخرج رأساً برأس حتى يفضّل! وفي روايةٍ اُخرى: ما أعرف له فضيلةً إلّا: لا أشبع الله بطنك.

وكان يتشيّع.

فما زالوا يدفعون في حضنه حتى أخرجوه من المسجد. وفي روايةٍ أخرى: يدفعون في خصيتيه وداسوه، ثم حمل إلى الرملة ومات بها »(١). .

وعلى الجملة، فلو كان التشيع قادحاً لما وثّقوا النسائي، ولا جعلوا كتابه أحد الصحاح الستّة، ولا وصفوه بتلك الأوصاف الجليلة

٢٢ - كان الحاكم شيعيّا ً

وكذلك الحاكم النيسابوري قال الذّهبي بترجمته: « قال ابن طاهر: سألت أبا إسماعيل الأنصاري عن الحاكم فقال: ثقة في الحديث، رافضي خبيث. ثم قال ابن طاهر: كان شديد التعصّب للشيعة في الباطن، وكان يظهر التسنّن في التقديم والخلافة، وكان منحرفاً عن معاوية وآله متظاهراً بذلك ولا يعتذر منه.

قلت: أمّا انحرافه عن خصوم علي فظاهر، وأمّا أمر الشيخين فمعظّم لهما بكل حال، فهو شيعي لا رافضي »(٢). .

فمن كلام الذهبي يعلم أنّ التشيّع غير الرفض، وأنّه ليس بقادحٍ في الوثاقة والعدالة، كما أن منه يظهر إمكان الجمع بين التشيع وتعظيم الشيخين،

__________________

(١). وفيات الأعيان ١ / ٧٧.

(٢). تذكرة الحفّاظ ٣ / ١٠٤٥.

٢٩٤

فالقدح في الأجلح بأمرٍ يجتمع مع تعظيم الشيخين عجيب وغريب جدّاً. بل يظهر من عبارة ابن طاهر إمكان اجتماع الرفض مع الوثاقة، فكيف يكون مجرّد التشيّع جرحاً؟ وقد عرفت أن الأجلح لم يتهم بغير التشيّع!!

٢٣ - التشيع لا ينافي التسنّن

وقال ( الدهلوي ): « إعلم أنّ الشيّعة الاُولى هم الفرقة السنيّة التفضيليّة، وكانوا يلقّبون في السّابق بالشّيعة، فلمـّا لقّب الغلاة والروافض والإِسماعيلية أنفسهم بهذا اللقب، وكانوا مصدراً للقبائح والشرور الإِعتقاديّة والعمليّة نفت الفرقة السنيّة والتفضيلية هذا اللقب عن نفسها خوفاً عن التباس الحق بالباطل ولقّبوا بأهل السنّة والجماعة. فمن هنا يظهر أنّ ما قيل في الكتب التاريخية القديمة من: « فلان من الشّيعة » أو « من شيعة علي » والحال أنّه من رؤساء أهل السنّة والجماعة صحيح، وفي تاريخ الواقدي والإِستيعاب شيء كثير من هذا الجنس، فلينّتبه »(١). .

إذن، تشيّع الأجلح لا ينافي تسنّنه، ولا يكون سبباً للقدح والجرح والتّضعيف.

وقد تبع ( الدهلويَّ ) في هذه الدعوى تلميذه الرّشيد الدهلوي، وكذا المولوي حيدر علي الفيض آبادي في ( منتهى الكلام ).

٢٤ - استنكار الأجلح سبّ الشيخين

وقد ذكروا بترجمة الأجلح أنه كان يستنكر سبّ أبي بكر وعمر قال الذهبي:

__________________

(١). التحفة الاثنا عشرية: ١١.

٢٩٥

« أجلح بن عبد الله، أبو حجيّة الكندي عن الشّعبي وعكرمة. وعنه:

القطّان وابن نمير وخلق. وثّقه ابن معين وغيره. وضعّفه النسائي. وهو شيعي، مع أنّه روى عنه شريك أنّه قال: سمعنا أنّه ما سبّ أبا بكر وعمر أحد إلاّ افتقر أو قتل. مات سنة ١٤٥ »(١). .

وقال ابن حجر: « وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة. ويروي عنه الكوفيّون وغيرهم. ولم أر له حديثاً منكراً مجاوزاً للحدّ لا إسناداً ولا متناً، إلّا أنّه يعدّ في شيعة الكوفة، وهو عندي مستقيم الحديث صدوق. وقال شريك عن الأجلح: سمعنا أنّه ما يسب أبا بكر وعمر أحد إلّا مات قتيلاً أو فقيراً »(٢). .

ومن هنا يظهر أنّ الأجلح سنّي غالٍ في الشيخين، فكيف يردّ حديث هكذا شخص؟ وكيف يرمى بالتشيّع ويقدح فيه؟

٢٥ - في الصحابة رافضة غلاة كأبي الطفيل

وقال ابن قتيبة: « أسماء الغالية من الرافضة: أبو الطّفيل صاحب راية المختار، وكان آخر من رأى رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - موتاً، والمختار، وأبو عبد الله الجدلي، وزرارة بن أعين، وجابر الجعفي »(٣). .

فلو فرضنا كون الأجلح رافضياً غالياً، فإنّ حاله يكون حال أبي الطّفيل الصّحابي(٤). . أحد مصاديق الآيات والأحاديث الكثيرة - الواردة عند أهل السنّة - في حق الصّحابة.

__________________

(١). الكاشف ١ / ٥٣.

(٢). تهذيب التهذيب ١ / ١٦٦.

(٣). المعارف: ٦٢٤.

(٤). لاحظ ترجمته في: اُسد الغابة ٣ / ٤١ و ٥ / ١٧٩، الإصابة ٧ / ١١٠ وغيرهما من الكتب المؤلّفة في أسماء الصحابة وتراجمهم.

٢٩٦

٢٦ - قولهم بقبول رواية المبتدع

وذهب كثير علماء أهل السنّة السّلف والخلف منهم إلى قبول رواية المبتدع كما نصَّ عليه المحقّقون فلو فرض كون الأجلح رافضيّاً وعدّ من المبتدعة فخبره مقبول وروايته معتمدة وإليك بعض النصوص الصّريحة فيما ذكرناه:

قال ابن الصّلاح: « إختلفوا في قبول رواية المبتدع الذي لا يكفَّر ببدعته:

فمنهم: من ردَّ روايتهم مطلقاً، لأنّه فاسق ببدعته، وكما استوى في الكفر المتأوّل وغير المتأوّل يستوي في الفسق المتأول وغير المتأول.

ومنهم: من قبل رواية المبتدع إذا لم يكن ممّن يستحل الكذب في نصرة مذهبه، سواء كان داعيةً إلى بدعته أو لم يكن، وعزا بعضهم هذا إلى الشافعي لقوله: أقبل شهادة أهل الأهواء إلّا الخطّابية من الرّافضة لأنهم يرون الشهادة بالزّور لموافقيهم.

وقال قوم: يقبل روايته إذا لم يكن داعية ولا تقبل إذا كان داعية إلى بدعة. وهذا مذهب الكثير أو الأكثر من العلماء. وحكى بعض أصحاب الشافعي -رضي‌الله‌عنه - خلافاً بين أصحابه في قبول رواية المبتدع إذا لم يدع إلى بدعة، وقال: أما إذا كان داعيةً فلا خلاف بينهم في عدم قبول روايته. وقال أبو حاتم ابن حِبان البستي أحد المصنّفين من أئمّة الحديث: الداعية إلى البدع لا يجوز الاحتجاج به عند أئمّتنا قاطبة، لا أعلم بينهم فيه خلافاً.

وهذا المذهب الثالث أعدلها وأولاها، والأول بعيد مباعد للشائع من أئمة الحديث، فإنّ كتبهم طافحة بالرواية عن المبتدعة غير الدعاة، وفي الصحيحين

٢٩٧

كثير من أحاديثهم في الشّواهد والأصول، والله أعلم »(١). .

وقال النووي بعد إيراد الأقوال المذكورة: « في الصحيحين وغيرهما من كتب أئمة الحديث الإِحتجاج بكثيرٍ من المبتدعين غير الدّعاة، ولم يزل السّلف والخلف على قبول الرواية منهم والإحتجاج بها، والسماع منهم وإسماعهم، من غير إنكار منهم. والله أعلم »(٢). .

وقال الزين العراقي: « والقول الثالث: أنه إنْ كان داعيةً إلى بدعته لم يقبل، وإن لم يكن داعية قبل، وإليه ذهب أحمد كما قاله الخطيب. قال ابن الصلاح: وهذا مذهب الكثير أو الأكثر وهو أعدلها وأولاها وفي الصحيحين كثير من أحاديث المبتدعة غير الدّعاة احتجاجاً واستشهاداً، كعمران بن حطّان وداود بن الحصين وغيرهما. وفي تاريخ نيسابور للحاكم في ترجمة محمد بن يعقوب الأصم: إن كتاب مسلم ملآن من الشّيعة »(٣) .

ومثل هذه كلمات غيرهم

٢٧ - من أسماء المبتدعة في الصحيحين

وقال السّيوطي: « فائدة - أردت أنْ أسرد أسماء من رمي ببدعةٍ ممّن أخرج لهم البخاري ومسلم أو أحدهما » فذكر أسماء طائفةٍ ممّن رمي بالإِرجاء وهو تأخير القول في الحكم على مرتكب الكبائر بالنار. وممّن رمي بالنصب وهو بغض علي وتقديم غيره عليه. وممّن رمي بالتشيع وهو تقديم علي على الصّحابة. وممّن رمي بالقدر وهو زعم أنّ الشر من خلق العبد. وممّن رمي برأي ابن أبي جهم وهو نفي صفات الله والقول بخلق القرآن. والأباضية وهم

__________________

(١). علوم الحديث: ٢٣٠.

(٢). المنهاج في شرح صحيح مسلم ١ / ٦١.

(٣). شرح ألفية الحديث ١ / ٣٠٣.

٢٩٨

الخوارج، وممّن رمي بالوقف في مسألة خلق القرآن. ومن الذين يرون الخروج على الأئمّة ولا يباشرون ذلك. قال: « فهؤلاء المبتدعة ممّن أخرج لهم الشيخان أو أحدهما »(١) .

فإذا كان رواية كلّ هؤلاء مقبولة فرواية الأجلح كذلك!

٢٨ - قبول بعضهم رواية المبتدع الداعي

بل نصَّ جماعة منهم على قبول رواية المبتدع الداعي، وقد دافع ابن الوزير في ( الروض الباسم ) عن هذا القول، وهو ظاهر كلام الشّافعي المتقدم نقله، فإنّه لم يفرّق بين الداعية وغيره، بل نصّوا على إخراج الشيخين عن بعض الدعاة، فاحتجّ البخاري بعمران بن حطّان وهو من الدّعاة، واحتّجا بعبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني، وكان داعياً إلى الإِرجاء! بل عن أبي داود: ليس في أهل الأهواء أصح حديثاً من الخوارج!(٢)

قوله:

وقد ضعّفه الجمهور

أقول

هذا كذب وزور، فإنّه لم يضعّفه إلّا شرذمة من المتعصّبين، ونحن ننقل كلمة كلّ واحدٍ منهم عن ( تهذيب التهذيب )(٣) وننظر فيها:

__________________

(١). تدريب الرّاوي ١ / ٣٢٨ - ٣٢٩.

(٢). تدريب الرّاوي ١ / ٣٢٦.

(٣). تهذيب التهذيب - ترجمة الأجلح ١ / ١٦٥.

٢٩٩

النظر في كلمات القادحين في الأجلح

* ففيه: « قال القطّان: في نفسي منه شيء. وقال أيضاً: ما كان يفصل بين الحسين بن علي وعلي بن الحسين. يعني: إنّه ما كان بالحافظ ».

أقول: إنّ القطّان هو يحيى بن سعيد، وقد نصّ ابن حجر في ( تهذيب التهذيب ) على روايته عن الأجلح فيمن روى عنه، وفي ( شفاء الأسقام للسّبكي ) عن ابن تيمية: إنّ القطّان لا يروي إلّا عن ثقة فيكون قوله: « في نفسي منه شيء » مردوداً بروايته هو عنه!

على أنّ القطّان قد تفوّه بكل وقاحة وصلافة بهذه الكلمة بحق الإِمام أبي عبد الله الصّادقعليه‌السلام ! فمن بلغ في سوء الأدب وظلمة القلب هذا الحدّ كيف يعتني بتقوّله في حق الأجلح؟!

وأمّا أنّه « ما كان يفصل » فهذا - إنْ كان - ليس بقادح، لأنّ أهل السنّة غير قائلين بوجوب معرفة الأئمّةعليهم‌السلام ، بل إنّ عدم فصله بين الإِمام الحسين والإِمام السّجاد -عليهما‌السلام - وجهله بهما يدل على عدم اعتنائه بأئمّة أهل البيت، فلا يكون متّهماً في روايته منقبةً من مناقب أمير المؤمنينعليه‌السلام .

وأمّا دلالته على « أنّه ما كان بالحافظ » فيردّه تصريح الأئمة بأنّ الخطأ في بعض المواضع لا يوجب السّقوط عن الإِعتبار، ولا يدل على عدم الحفظ، قال الذهبي: « ليس من شرط الثقة أن لا يخطي ولا يغلط ولا يسهو »(١). .

وقال بجواب العقيلي:

« وأنا أشتهي أنْ تعرّفني مَن هو الثقة الثبت الذي ما غلط ولا انفرد بما لا يتابع عليه؟ بل الثقة الحافظ إذا انفرد بأحاديث كان أرفع له وأكمل لرتبته وأدلّ على

__________________

(١). سير أعلام النبلاء ١٣ / ٢٣٣ ترجمة أبي بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث السجستاني.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324