نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٥

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار17%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 324

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 324 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 226189 / تحميل: 5929
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٥

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

حكم المتّقي بصحة الحديث

وقد وافق الشيخ علي المتّقي ابن أبي شيبة والسّيوطي في الحكم بتصحيح الحديث فقد جاء في كتابه: « علي منّي وأنا من علي وعلي وليّ كلّ مؤمن بعدي.

ش، في المصنّف، عن عمران بن حصين. صحيح »(١). .

حكم البدخشي بصحة الحديث

وتبعهم محمّد بن معتمد خان البدخشي في غير واحدٍ من كتبه:

ففي ( مفتاح النجا ): « وعند ابن أبي شيبة بسندٍ صحيح عنه مرفوعاً: علي منّي وأنا من علي وعلي وليّ كلّ مؤمن بعدي ».

وفي ( تحفة المحبّين ): « علي منّي وأنا من علي وعلي ولي كلّ مؤمن بعدي. شب بسند صحيح. عم في فضائل الصّحابة، كلاهما عن عمران بن حصين ».

حكم القاضي ثناء الله بصحّة الحديث

وكذا حكم القاضي سناء الله بصحّة سند حديث ابن أبي شيبة، وردّ بذلك بصراحة على قدح نصر الله الكابلي فيه، وهذه ترجمة عبارته في كتابه ( سيف مسلول ):

__________________

(١). كنز العمال ١١ / ٦٠٨ رقم ٣٢٩٤١.

٨١

« الثالث: حديث بريدة عن النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم - قال: علي منّي وأنا من علي وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي. قالوا: الولي هو الأولى بالتصرّف فهو الإِمام. لكن في إسناده الأجلح الشيعي وهو متّهم، فلا يحتج بخبره. كذا قال الملّا نصر الله الكابلي رحمة الله عليه.

لكنّ هذا الحديث رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح عن عمران بن حصين ».

الحديث في المصنّف بألفاظ عديدة

ثمّ إنَّ هذا الحديث أخرجه أبو بكر ابن أبي شيبة في كتابه ( المصنف ) بألفاظ مختلفة.

منها: اللفظ الذي تقدّم.

ومنها: « لا تقع في علي فإنّه منّي وأنا منه وهو وليّكم بعدي. ش عن عبد الله بن بريدة عن أبيه » قاله المتقي(١). .

ومنها: « عن عمران بن حصين: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - سرية واستعمل عليها علياً فغنموا، فصنع عليٌّ شيئاً أنكروه - وفي لفظٍ: فأخذ علي من الغنيمة جارية - فتعاقد أربعة من الجيش إذا قدموا على رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أن يعلموه، وكانوا إذا قدموا من سفرٍ بدءوا برسول الله فسلّموا عليه ونظروا إليه ثم ينصرفون إلى رحالهم. فلما قدمت السرية سلّموا على رسول الله فقام أحد الأربعة فقال:

يا رسول الله، ألم تر أن عليّاً قد أخذ من الغنيمة جاريةً؟ فأعرض عنه.

ثم قام الثاني فقال مثل ذلك. فأعرض عنه.

__________________

(١). كنز العمال ١١ / ٦٠٨ رقم ٣٢٩٤٢.

٨٢

ثم قام الثالث فقال مثل ذلك. فأعرض عنه.

ثم قام الرابع، فأقبل إليه رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - ويعرف الغضب في وجهه فقال: ما تريدون من علي!! علي منّي وأنا من علي وعلي وليّ كلّ مؤمن بعدي.

ش. وابن جرير وصحّحه »(١). .

(٣)

رواية أحمد بن حنبل

وهذا الحديث أخرجه أحمد في ( مسنده ) عن عمران بن حصين فقد جاء فيه:

« حدّثنا عبد الرزاق وعفان المعنى. وهذا حديث عبد الرزاق قالا: ثنا جعفر بن سليمان قال: حدّثني يزيد الرشك، عن مطرف بن عبد الله، عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - سرية وأمّر عليهم علي بن أبي طالب -رضي‌الله‌عنه - فأحدث شيئاً في سفره، فتعاهد - وقال عفان: فتعاقد - أربعة من أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم أن يذكروا أمره لرسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قال عمران: وكنّا إذا قدمنا من سفر بدأنا برسول الله فسلّمنا عليه. قال: فدخلوا عليه فقام رجل منهم فقال:

يا رسول الله، إن عليّاً فعل كذا وكذا. فأعرض عنه.

ثم قام الثاني فقال: يا رسول الله، إنّ عليا فعل كذا وكذا فأعرض عنه.

ثم قام الثالث فقال: يا رسول الله، إنّ علياً فعل كذا وكذا فأعرض عنه.

ثم قام الرابع فقال: يا رسول الله، إنّ علياً فعل كذا وكذا.

__________________

(١). كنز العمال ١٣ / ١٤٢ رقم ٣٦٤٤٤.

٨٣

قال: فأقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الرابع - وقد تغيّر وجهه - فقال: دعوا عليّاً، دعوا عليّاً، إنّ عليّاً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي »(١). .

الكلمات في وثاقة رجال سند أحمد

ورجال سند رواية أحمد بن حنبل كلّهم من المشاهير الثقات المقبولين وهم:

١ - عبد الرزاق بن همام

فأمّا عبد الرزاق فهذه بعض الكلمات في مدحه والثناء عليه:

١ - اليافعي: « الحافظ العلّامة المرتحل إليه من الآفاق، الشيخ الإِمام، عبد الرزاق بن همام اليمني الصنعاني الحميري صاحب المصنفات.

روى عن: معمر، وابن جريج، والأوزاعي، وطبقتهم، ورحل إليه الأئمة إلى اليمن.

قيل: ما رحل الناس إلى أحد بعد رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - مثل ما رحلوا إليه.

روى عنه خلائق عن أئمة الإِسلام، منهم: الإِمام سفيان بن عيينة، والإِمام أحمد، ويحيى بن معين، وإسحاق بن راهويه، وعلي المديني، ومحمود بن غيلان »(٢). .

__________________

(١). مسند أحمد ٤ / ٤٣٨ - ٤٣٨.

(٢). مرآة الجنان - حوادث ٢١١.

٨٤

٢ - السمعاني: « أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني. قيل: ما رُحل إلى أحدٍ بعد رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - مثلما رُحل إليه »(١). .

٣ - ابن خلكان: « أبو بكر عبد الرزاق بن همام بن نافع الصنعاني: قيل: ما رحل الناس ...»(٢). .

٢ - عفّان بن مسلم

وهو من رجال الصحيحين. ومن الثقات الأثبات:

١ - المقدسي: « عفّان بن مسلم الصفّار الأنصاري، مولى عزرة بن ثابت، كنيته أبو عثمان، سمع: وهيب بن خالد، وصخر بن جويرية، وغير واحد، عندهما مات ببغداد سنة ٢٢٠ وهو ابن ٨٦ سنة »(٣). .

٢ - الذهبي: « عفان بن مسلم، الحافظ الثبت، أبو عثمان الأنصاري مولاهم، البصري، الصفّار، محدّث بغداد قال يحيى القطّان: إذا وافقني عفّان فلا اُبالي من خالفني. وقال العجلي: عفّان ثقة ثبت صاحب سنّة »(٤). .

٣ - الذهبي أيضاً: « عفان بن مسلم الصفار، أبو عثمان، الحافظ. عن: هشام الدستوائي، وهمام، والطبقة. وعنه: البخاري، وإبراهيم الحربي، وأبو زرعة، واُمم. وكان ثبتاً في أحكام الجرح والتعديل. مات سنة ٢٢٠ »(٥). .

__________________

(١). الأنساب - الصنعاني ٨ / ٩٢.

(٢). وفيات الأعيان ٣ / ٢١٦.

(٣). الجمع بين رجال الصحيحين ١ / ٤٠٧.

(٤). تذكرة الحفّاظ ١ / ٣٧٩.

(٥). الكاشف ٢ / ٢٣٦.

٨٥

٣ - جعفر بن سليمان

١ - ابن حبان: « جعفر بن سليمان الضبعي الحرشي من أهل البصرة، وكنيته أبو سليمان، ينزل في بني ضبيعة فنسب إليها، يروي عن: ثابت، ومالك ابن دينار. روى عنه: ابن المبارك، وأهل العراق. ومات في رجب سنة ١٧٨.

وكان يبغض الشيخين:

حدّثنا الحسن بن سفيان، حدّثنا إسحاق بن أبي كامل، ثنا جرير بن يزيد ابن هارون - بين يدي أبيه - قال: بعثني أبي إلى جعفر بن سليمان الضبعي فقلت له: بلغنا أنك تسبّ أبا بكر وعمر. قال: أما السبّ فلا، ولكن البغض ما شئت. قال: وإذا هو رافضي مثل الحمار.

قال أبو حاتم: وكان جعفر بن سليمان من الثّقات المتقنين في الروايات، غير أنه كان ينتحل الميل إلى أهل البيت، ولم يكن بداعيةٍ إلى مذهبه.

وليس بين أهل الحديث من أئمتنا خلاف أن الصّدوق المتقن إذا كان فيه بدعة ولم يكن يدعو إليها أنّ الإحتجاج بأخباره جائز فإذا دعا إلى بدعته سقط الاحتجاج بأخباره. ولهذه العلّة تركنا حديث جماعةٍ ممن كانوا ينتحلون البدع ويدعون إليها وإنْ كانوا ثقات، واحتججنا بأقوامٍ ثقات، انتحالهم سوء غير أنهم لم يكونوا يدعون إليه، وانتحال العبد بينه وبين ربّه، إنْ شاء عذّبه عليه وإنْ شاء غفر له، وعلينا قبول الروايات عنهم إذا كانوا ثقات على حسب ما ذكرنا في غير موضع من كتبنا »(١). .

٢ - المقدسي: « جعفر بن سليمان الحرشي الضّبعي، نزيل بني ضبيعة، البصري، كنيته أبو سليمان، سمع: ثابت البناني، والجعد بن عثمان، وأبا

__________________

(١). الثقات. كتاب اتباع التابعين ٦ / ١٤٠.

٨٦

عمران الجوني، ويزيد الرشك، وسعيد الجريري. روى عنه: قطن بن نسير، ويحيى بن يحيى، وقتيبة، ومحمّد بن عبيد بن حسان »(١). .

٣ - السمعاني: « روى عنه: ابن المبارك، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وعبيد الله بن عمر القواريري، وأهل العراق. مات سنة ١٧٨. وكان يبغض الشيخين أبا بكر وعمر »(٢). .

٤ - الذهبي: « ثقة، فقيه، ومع كثرة علومه قيل: كان اُميّاً، وهو من زهّاد الشيعة »(٣). .

٥ - ابن حجر: « صدوق زاهد، لكنه يتشيّع »(٤). .

٤ - يزيد الرّشك

روى عنه أصحاب الصحاح كلّهم:

الذهبي: « ع - يزيد بن أبي يزيد الضّبعي الرّشك. عن مطرف ومعاذ.

وعنه شعبة وابن علية. ثقة متعبّد. مات سنة ١٣٠ »(٥). .

٥ - المطرف بن عبد الله

وهو أيضاً من رجال الصّحاح كلّها:

١ - المقدسي: « مطرف بن عبد الله بن الشخير العامري، أبو عبد الله

__________________

(١). الجمع بين رجال الصحيحين ١ / ٧١.

(٢). الأنساب - الضبعي ٨ / ١٤١.

(٣). الكاشف ١ / ١٢٩.

(٤). تقريب التهذيب ١ / ١٣١.

(٥). الكاشف ٣ / ٢٥٢.

٨٧

ويقال إنّه من بني حريش. سمع عمران بن حصين عندهما مات سنة ٩٥ »(١).

٢ - الذهبي: « ع - مطرف بن عبد الله وكان من عبّاد أهل البصرة »(٢). .

٣ - الذهبي أيضاً: « ع - مطرف بن عبد الله بن الشخير الحرشي العامري، أبو عبد الله، أحد الأعلام »(٣). .

٤ - ابن حجر: « ثقة، عابد، فاضل »(٤). .

فظهر ان رمي الحديث بالكذب والبطلان محض الزور والبهت والخسران

* و أخرجه عن بريدة بالسند الآتي:

« حدّثنا ابن نمير، حدّثني أجلح الكندي، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه بريدة قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - إلى اليمن بعثين، على أحدهما علي بن أبي طالب، وعلى الآخر خالد بن الوليد. فقال: إذا التقيتم فعليّ على الناس وإن افترقتم فكلّ واحد منكم على جنده. قال: فلقينا بني زيد من أهل اليمن فاقتتلنا، فظهر المسلمون على المشركين، فقتلنا المقاتلة وسبينا الذريّة، فاصطفى علي امرأةٍ من السّبي لنفسه. قال بريدة: فكتب معي خالد ابن الوليد إلى رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يخبره بذلك، فلمـّا أتيت النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم - دفعت الكتاب، فقرئ عليه، فرأيت الغضب في وجه رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فقلت: يا رسول الله هذا مكان العائذ، بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه ففعلت ما أرسلت به. فقال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: لا تقع في علي فإنّه منّي وأنا منه وهو وليّكم

__________________

(١). الجمع بين رجال الصّحيحين ٢ / ٥٠٢.

(٢). تذهيب التهذيب مخطوط.

(٣). الكاشف ٣ / ١٣٢.

(٤). تقريب التهذيب ٢ / ٢٥٣.

٨٨

بعدي »(١). .

الكلمات في وثاقة سنده الثاني

ورجال هذا السند أيضاً من كبار الثقات المعتمدين وهم:

١ - عبد الله بن نمير

١ - الذهبي: « عبد الله بن نمير، الحافظ الإِمام، أبو هشام الهمداني ثم الخارفي الكوفي، والد الحافظ الكبير محمد، حدّث عن: هشام بن عروة، والأعمش، وأشعث بن سوار، وإسماعيل بن أبي خالد، ويزيد بن أبي زياد، وعبيد الله بن عمر، وعدة. وعنه: أحمد وابن معين، وإسحاق الكوسج، وأحمد ابن الفرات، والحسن بن علي بن عفان، وخلق.

وثّقه يحيى بن معين وغيره. وكان من كبار أصحاب الحديث، توفي في سنة ١٩٩ »(٢). .

٢ - الذهبي أيضاً: « عنه: ابنُه، وأحمد، وابن معين. حجّة. توفي سنة ١٩٩ »(٣). .

٣ - ابن حجر: « ثقة صاحب حديث، من أهل السنة من كبار التاسعة »(٤). .

__________________

(١). مسند أحمد ٥ / ٣٥٦.

(٢). تذكرة الحفّاظ ١ / ٣٢٧.

(٣). الكاشف ٢ / ١٢٢.

(٤). تقريب التهذيب ١ / ٤٥٧.

٨٩

٢ - أجلح بن عبد الله

١ - الذهبي: « بخ ٤ - أجلح بن عبد الله بن حجيّة الكندي، عن الشعبي وعكرمة. وعنه: القطّان، وابن نمير، وخلق. وثّقه ابن معين وغيره، وضعّفه النسائي وهو شيعي، مع أنه روى عنه شريك أنه قال: سمعنا أنّه ما سبّ أبا بكر وعمر أحد إلّا افتقر أو قتل. مات سنة ١٤٥ »(١). .

٢ - ابن حجر: « بخ ٤ صدوقٌ شيعي، من السابعة، مات سنة ٤٥ »(٢). .

وسيأتي مزيد من البحث حول وثاقة هذا الرجل

٣ - عبد الله بن بريدة

١ - الذهبي: « ع - عبد الله بن بريدة قاضي مرو، عن: أبيه، وعمران بن حصين، وعائشة، وسمرة. وعنه: مالك بن مغول، وحسين بن واقد، وأبو هلال. ثقة. ولد سنة ١٥ ومات سنة ١١٥ وله مائة »(٣). .

٢ - ابن حجر: « ثقة »(٤). .

* و أخرجه عن ابن عباس بالسند الآتي:

« حدّثنا يحيى بن حماد، حدّثنا أبو عوانة، حدّثنا أبو بلج، حدّثنا عمرو ابن ميمون قال: إني لجالس إلى ابن عباس، إذْ أتاه تسعة رهطٍ فقالوا: يا ابن عباس إمّا أن تقوم معنا وإمّا أنْ تخلونا من هؤلاء. قال فقال ابن عباس: بل أقوم

__________________

(١). الكاشف ١ / ٥٣.

(٢). تقريب التهذيب ١ / ٤٩.

(٣). الكاشف ٢ / ٦٦.

(٤). تقريب التهذيب ١ / ٤٠٣.

٩٠

معكم. قال - وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمى - قال: فانتدوا فتحدّثوا فلا ندري ما قالوا. قال: فجاء ينفض ثوبه ويقول: أُفٍ وتف! وقعوا في رجلٍ له عشر:

وقعوا في رجلٍ قال له النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم -: لأبعثنَّ رجلاً لا يخزيه الله أبداً يحبّ الله ورسوله. قال: فاستشرف لها من استشرف. قال: أين علي؟ قالوا: هو في الرحل يطحن. قال: وما كان أحدكم ليطحن؟ قال: فجاء وهو أرمد لا يكاد يبصر، قال: فنفث في عينيه، ثم هزّ الرّاية ثلاثاً فأعطاها إيّاه، فجاء بصفيّة بنت حيي.

قال: ثمّ بعث فلاناً بسورة التوبة فبعث عليّاً خلفه فأخذها منه، قال: لا يذهب بها إلّا رجل منّي وأنا منه.

قال: وقال لبني عمه: أيّكم يواليني في الدنيا والآخرة؟ قال - وعلي معه جالس - فأبوا، فقال علي: أنا اُواليك في الدنيا والآخرة. قال: أنت وليي في الدنيا والآخرة قال: فتركه. ثم أقبل على رجلٍ رجلٍ منهم فقال: أيّكم يواليني في الدنيا والآخرة؟ فأبوا فقال علي: أنا اُواليك في الدنيا والآخرة. فقال: أنت وليي في الدنيا والآخرة.

قال: وكان أول من أسلم من الناس بعد خديجة.

قال: وأخذ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - ثوبه فوضعه على علي وفاطمة وحسن وحسين، فقال:( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) .

قال: وشرى علي نفسه، لبس ثوب النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم - ثم نام مكانه قال: وكان المشركون يرمون رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فجاء أبو بكر وعلي نائم. قال: وأبو بكر يحسب أنّه نبي الله. قال فقال: يا نبيَّ الله! قال فقال له علي: إنّ نبيّ الله قد انطلق نحو بئر ميمون فأدركه، قال: فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار. قال: وجعل علي يرمى بالحجارة كما كان يرمى نبيّ الله - صلّى الله عليه وسلّم - وهو يتضوّر، قد لفّ رأسه في الثوب لا يخرجه

٩١

حتى أصبح ثم كشف عن رأسه. فقالوا: إنّك للئيم، كان صاحبك نرميه فلا يتضوّر وأنت تتضور، وقد استنكرنا ذلك!

قال: وخرج بالنّاس في غزوة تبوك قال فقال له علي: أخرج معك؟ قال فقال له نبيّ الله - صلّى الله عليه وسلّم - لا. فبكى علي. فقال له: أما ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنك لست بنبيّ! إنّه لا ينبغي أن أذهب إلّا وأنت خليفتي.

قال: وقال له رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: أنت وليي في كلّ مؤمن بعدي.

قال: وسدّ أبواب المسجد غير باب علي قال: فيدخل المسجد جنبا وهو طريقه ليس له طريق غيره.

قال: وقال: من كنت مولاه فإن مولاه علي.

قال: وأخبرنا الله عزّ وجلّ في القرآن أنّه قد رضي عن أصحاب الشجرة فعلم ما في قلوبهم، فهل حدّثنا أنّه سخط عليهم بعد؟

قال: وقال نبيّ الله - صلّى الله عليه وسلّم - لعمر حيث قال: ائذن لي فلأضرب عنقه قال: وكنت فاعلا! وما يدريك؟ لعلّ الله قد اطّلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم.

حدّثنا عبد الله حدثني أبي حدّثنا أبو مالك كثير بن يحيى قال: حدّثنا أبو عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس بنحوه »(١). .

كلمات في وثاقة سنده الثالث

ورجال هذا السند أيضاً ثقات معتمدون وهم:

__________________

(١). مسند أحمد ١ / ٣٣٠ - ٣٣١.

٩٢

١ - يحيى بن حماد

الذهبي: « يحيى بن أبي زياد الشيباني مولاهم البصري، أبو بكر ويقال أبو محمد عنه: خ، وإسحاق بن راهويه، وبندار، وإسحاق الكوسج، وبكار بن قتيبة، والدارمي، وإسحاق بن سيار، والكديمي، وخلق.

ووثّقه أبو حاتم وغيره. قال محمّد بن النعمان بن عبد السّلام: لم أر أعبد من يحيى بن حماد، وأظنّه لم يضحك. قيل: توفي سنة ٢١٥ »(١). .

الذهبي أيضاً: « ثقة متألّه »(٢). .

ابن حجر: « ثقة عابد »(٣). .

٢ - أبو عوانة

٣ - أبو بلج

٤ - عمرو بن ميمون

وهؤلاء عرفت وثاقتهم لدى توثيق سند أبي داود الطّيالسي

الوجوه الدالة على أنّ مجرد إخراج أحمد دليل الاعتبار عندهم

هذا كلّه، مضافاً إلى أن مجرّد إخراج أحمدٍ حديثاً في ( مسنده ) دليل على اعتبار الحديث والإِعتماد عليه والقول بحجّيّته يدل على ذلك وجوه عديدة

__________________

(١). تذهيب التهذيب - مخطوط.

(٢). الكاشف ٣ / ٢٢٣.

(٣). تقريب التهذيب ٢ / ٣٤٦.

٩٣

نذكرها باختصار:

الأول: إن ( مسند أحمد ) « أصل من اُصول الاُمة » نصَّ عليه السبكي في ( طبقاته ) فتكذيب حديث الولاية المذكور في هذا المسند الذي هو أصل من اُصول الاُمة عين المجون والهزل، ومخالفة للإِنصاف والعدل.

الثاني: إن أحمد وصف كتابه ( المسند ) بأنّه « أصل كبير » حكى ذلك السبكي عن أبي موسى المديني عنه وهل ترفع اليد عن حديث الولاية المخرج في هذا الأصل الكبير، بطعن متعصّب جاحد غرير؟

الثالث: إنّ هذا المسند « مرجع وثيق » كما عن أبي موسى المديني، وما في المرجع الوثيق حريّ بالإذعان والتصديق، كيف وقد أخرج مرة بعد مرة، عن ثقة بعد ثقة؟

الرابع: إن أحاديث المسند منتقاة من أحاديث كثيرة ومسموعات وافرة قاله أبو موسى، فيما حكاه السبكي عنه ولا ريب في أنّ الانتقاء دليل على مزيد الإِهتمام والإِعتناء

الخامس: إن « المسند » مجعول « إماماً » كما في كلام المديني، والمجعول إماماً يؤتمّ به ويقتدى.

السادس: إنّ هذا المسند جعله أحمد « معتمداً » و « ملجأً » و « مستنداً »

هكذا ذكر أبو موسى المديني فلا يكذّب حديث الولاية المذكور فيه إلّا المنهمك في العناد، ولا يتحامل بردّه إلّا المرتبك في أشراك الزيغ واللداد.

السابع: إن أحمد قد انتقى أحاديث المسند من أكثر من سبعمائة ألف حديث، وقد نصَّ على ذلك أحمد نفسه مخاطباً ولديه عبد الله وصالحاً وابن أخيه حنبل بن إسحاق، بعد أن قرأ عليهم المسند وذكر ذلك أبو موسى المديني فيما حكاه السبكي عنه فحديث الولاية المذكور فيه في غاية الاعتماد والإِعتبار، فلا يصغى إلى تلميعات أهل التفرقة والإِنكار

٩٤

الثامن: إن أحمد جعل المسند مرجعاً للمسلمين عند الاختلاف في حديث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال: « فإنْ كان فيه وإلّا فليس بحجة » فلا يقدم على تكذيب حديث الولاية المذكور في هذا المسند المحكوم بالرجوع فيه عند التشاجر والاختلاف، إلّا أهل الزيغ والاعتساف بل إنّ هذا الحديث حجّة وأيّة حجة، ولا أثر حينئذٍ لأيّ عجيج وضجّة!

التاسع: لقد شهد عبد الله بن أحمد بانتخاب أبيه هذا المسند من سبعمائة ألف حديث

العاشر: لقد شهد أبو موسى مرةً بعد اُخرى بأنّ أحمد « لم يرو في المسند إلّا عمّن ثبت عنده صدقه »، و « ان الحديث حين شذّ لفظه من الأحاديث المشاهير أمر بالضرب عليه مع ثقة رجال إسناده »، وأنه « قد احتاط في المسند إسناداً ومتناً ».

ذكر عبارة السبكي المشتملة على الوجوه المذكورة

كانت تلك طائفةً من الأوصاف التي وصف بها المسند من السبكي وغيره، وشهادات من أحمد حكاها أبو موسى المديني عنه، جاءت بترجمة أحمد من كتاب ( طبقات الشافعية الكبرى ) فإليك عبارة السبكي المشتملة على ذلك كله:

« قلت: وألّف مسنده وهو أصل من اُصول هذه الاُمة. قال الإِمام الحافظ أبو موسى محمّد بن أبي بكر المدينيرضي‌الله‌عنه : هذا الكتاب - يعني مسند الإِمام أبي عبد الله أحمد بن محمّد بن حنبل الشيباني قدّس الله روحه - أصل كبير ومرجع وثيق لأصحاب الحديث، انتقى من أحاديث كثيرة ومسموعات وافرة، فجعل إماماً ومعتمداً وعند التنازع ملجأ ومستنداً، على ما أخبرنا والدي وغيره: إنّ المبارك بن عبد الجبار أبا الحسين - كتب إليهما من بغداد - قال: أنا أبو

٩٥

إسحاق إبراهيم بن عمر بن أحمد البرمكي - قراءةً عليه - أنا أبو عبد الله عبيد الله ابن محمّد بن محمّد بن حمدان بن عمر بن بطة - قراءة عليه - أنا أبو حفص عمر بن محمّد بن رجا، ثنا موسى بن حمدون البزار، قال قال لنا حنبل بن إسحاق: جمعنا عمّي - يعني الإِمام أحمد - لي ولصالح ولعبد الله، وقرأ علينا المسند، وما سمعه منه - يعني تاماً - غيرنا وقال لنا:

إنّ هذا كتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة وخمسين ألفاً، فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فارجعوا إليه، فإنْ كان فيه وإلّا ليس بحجة.

وقال عبد الله بن أحمد: كتب أبي عشرة آلاف ألف حديث، لم يكتب سواداً في بياض إلّا حفظه. وقال عبد الله أيضاً: قلت لأبي: لم كرهت وضع الكتب وقد عملت المسند؟ فقال عملت هذا الكتاب إماماً إذا اختلف الناس في سنّة عن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - رجع إليه. وقال أيضاً: خرّج أبي المسند من سبعمائة ألف حديث.

قال أبو موسى: ولم يخرّج إلّا عمّن ثبت عنده صدقه وديانته دون من طعن في أمانته. ثم ذكر بإسناده إلى عبد الله ابن الإِمام أحمد قال: سألت أبي عن عبد العزيز بن أبان، قال: لم أخرج عنه في المسند شيئاً، لمـّا حدّث بحديث المواقيت تركته.

قال أبو موسى: فأمّا عدد أحاديث المسند فلم أزل أسمع من أفواه الناس أنها أربعون ألفاً، إلى أن قرأت على أبي منصور بن زريق ببغداد قال: أنا أبو بكر الخطيب قال قال ابن المنادي: لم يكن في الدنيا أحد أروى عن أبيه منه - يعني عبد الله بن الإِمام أحمد بن حنبل - لأنّه سمع المسند وهو ثلاثون ألفاً، والتفسير وهو مائة ألف وعشرون ألفا - سمع منها ثلاثين ألفا والباقي وجادة - فلا أدري هذا الذي ذكر ابن المنادي أراد به ما لا مكرر فيه أو أراد غيره مع المكرر فيصحّ القولان جميعاً. والاعتماد على قول ابن المنادي دون غيره. قال: ولو

٩٦

وجدنا فراغاً لعددناه إنْ شاء الله تعالى. فأمّا عدد الصحابة - رضي الله عنهم - فنحو من سبعمائة رجل.

قال أبو موسى: ومن الدليل على أن ما أودعه الإِمام أحمد مسنده قد احتاط فيه إسناداً ومتناً، ولم يورد فيه إلّا ما صحّ سنده: ما أخبرنا أبو علي الحداد قال: أنا أبو نعيم، أنا ابن الحصين وأنا ابن المذهّب قالا: أنا القطيعي، ثنا عبد الله قال: حدّثني أبي، ثنا محمّد بن جعفر، ثنا شعبة، عن أبي التيّاح قال: سمعت أبا زرعة يحدّث عن أبي هريرة، عن النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم - أنه قال: يهلك اُمّتي هذا الحي من قريش. قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: لو أنّ الناس اعتزلوهم. قال عبد الله قال لي أبي في مرضه الذي مات فيه: إضرب على هذا الحديث، فإنّه خلاف الأحاديث عن النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم - يعني قوله صلّى الله عليه وسلّم: اسمعوا وأطيعوا. وهذا مع ثقة رجال إسناده حين شذّ لفظه من الأحاديث المشاهير أمر بالضرب عليه. فكان دليلاً على ما قلناه»(١). .

ترجمة السبكي

وهذه نبذة من ترجمة السبكي صاحب الطبقات:

١ - ابن قاضي شهبة: « عبد الوهّاب بن علي العلّامة قاضي القضاة حضر وسمع بمصر من جماعة، ثم قدم دمشق مع والده في جمادى الآخرة سنة تسع وثلاثين وسمع بها من جماعة وأفتى ودرّس وحدّث وصنّف واشتغل وناب عن أبيه وقد ذكره الذهبي في المعجم المختص وأثنى عليه. وقال ابن كثير: جرى عليه من المحن والشدائد ما لم يجر على قاض قبله،

__________________

(١). طبقات الشافعيّة الكبرى للسّبكي ١ / ٢٠١ - ٢٠٣.

٩٧

وحصل له من المناصب ما لم يحصل لأحدٍ قبله. وقال الحافظ شهاب الدين ابن حجّي: خرّج له ابن سعد مشيخةً ومات قبل تكميلها، وحصل فنوناً من العلم من الفقه والاُصول، وكان ماهراً فيه والحديث والأدب، وبرع وشارك في العربية

توفي شهيداً بالطاعون في ذي الحجة سنة ٧٧١ »(١). .

٢ - ابن حجر: « إنتهت إليه رياسة القضاء والمناصب بالشام، وحصل له بسبب القضاء محنة شديدة مرةً بعد مرة، وهو مع ذلك في غاية الثبات وقد صنّف تصانيف كثيرة جدّاً على صغر سنّه، قرئت عليه وانتشرت في حياته وبعد موته »(٢). .

ترجمة أبي موسى المديني

وأبو موسى المديني - الذي نقل عنه السبكي في مدح مسند أحمد بن حنبل - من كبار الحفّاظ المشاهير:

١ - الذهبي: « أبو موسى المديني، محمّد بن أبي بكر عمر بن أحمد، الحافظ، صاحب التصانيف لم يخلّف مثله بعده. مات في جمادى الاولى. وكان مع براعته في الحفظ والرجال صاحب ورع وعبادة وجلالة وتقى »(٣). .

٢ - السبكي: « روى عنه: الحافظ أبو بكر بن محمّد بن موسى الحازمي، والحافظ عبد الغني، والحافظ عبد القادر الرهاوي، والحافظ محمّد

__________________

(١). طبقات الشافعيّة لابن قاضي شهبة ٣ / ١٠٤ / ٦٤٩.

(٢). الدرر الكامنة ٢ / ٤٢٦ - ٤٢٧.

(٣). العبر ٣ / ٨٤.

٩٨

ابن مكّي، والحسن بن أبي معشر الأصبهاني، والناصح بن الحنبلي، وخلق كثير

قال ابن الدبيثي: عاش حتّى صار أوحد وقته وشيخ زمانه إسناداً وحفظاُ.

وقال ابن النّجار: إنتشر علمه في الآفاق، وكتب عنه الحفّاظ، واجتمع له ما لم يجتمع لغيره من الحفظ والعلم والثّقة والإِتقان والدين والصّلاح، وسديد الطريقة، وصحّة الضبط والنقل، وحسن التصانيف

قال أبو البركات محمد بن محمود الرويديني: وصنّفت الأئمة في مناقبه تصانيف كثيرة ...»(١). .

٣ - الأسنوي: « أبو موسى محمّد بن عمر بن أحمد المديني الأصبهاني الامام الحافظ كان ورعاً زاهداً متواضعاً متعفّفاً عمّا في أيدي الناس »(٢). .

٤ - ابن قاضي شهبة: « محمّد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمّد، الحافظ الكبير، أبو موسى المديني الأصبهاني، أحد الأعلام كان حافظاً واسع الدائرة جم العلوم. قال أبو سعد السمعاني: كتبت عنه وسمعت منه، وهو ثقة صدوق. وقال ابن الدبيثي توفي في جمادى الآخرة سنة ٥٨١.

وقد أفردت ترجمته بالتّصنيف »(٣). .

كلام ابن عساكر في مدح المسند

وذكر الفاضل عمر بن محمّد عارف النهرواني المدني في ( رسالته في

__________________

(١). طبقات الشافعيّة للسبكي ٤ / ٩٠ - ٩١.

(٢). طبقات الشافعيّة للأسنوي ٢ / ٢٤٠ / ١١١٩.

(٣). طبقات الشافعيّة لابن قاضي شهبة ٢ / ٤٠ / ٣٤٢.

٩٩

مناقب أحمد بن حنبل ) التي ألّفها بعد ختم المسند سنة ١١٦٣ ما نصّه:

« قال ابن عساكر: أما بعد فإنّ حديث المصطفى - صلّى الله عليه وسلّم - به يعرف سبل الإِسلام والهدى، ويبنى عليه أكثر الأحكام، ويؤخذ منه معرفة الحلال والحرام. وقد دوّن جماعة من الأئمة ما وقع إليهم من حديثه، فكان أكبر الكتب التي جمعت فيه هو المسند العظيم الشأن والقدر، مسند الإِمام أحمد، وهو كتاب نفيس، ويرغب في سماعة وتحصيله ويرحل إليه، إذا كان مصنفه الإِمام أحمد المقدّم في معرفة هذا الشأن، والكتاب كبير القدر والحجم مشهور عند أرباب العلم، يبلغ أحاديثه ثلاثين ألفاً سوى المعاد، وسوى ما ألحق به ابنه عبد الله من أعالي الأسناد، وكان مقصود الإِمام في جمعه أنْ يرجع إليه في الإِعتبار من بلغه أو رواه ».

كلام ابن الجوزي في مدح المسند

وجاء في الرسالة المذكورة أيضاً: « قال ابن الجوزي: صحّ عند الإِمام أحمد من الأحاديث سبعمائة ألف وخمسين ألفاً. والمراد بهذه الأعداد الطّرق لا المتون، أخرج منها مسنده المشهور الذي تلّقته الاُمة بالقبول والتكريم، وجعلوه حجةً يرجع إليه ويعوَّل عند الإِختلاف عليه. قال حنبل بن إسحاق: جمعنا عمي لي ولصالح ولعبد الله وقرأ علينا المسند - وما سمعه منه تامّاً غيرنا - ثم قال لنا: هذا الكتاب قد جمعته وانتخبته من أكثر من سبعمائة ألف وخمسين ألفاً، فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله فارجعوا إليه، فإنْ وجدتموه فيه فذاك وإلّا فليس بحجة. وكان يكره وضع الكتب، فقيل له في ذلك، فقال: قد عملت هذا المسند إماماً إذا اختلف الناس في سنّةٍ من سنن رسول الله فارجعوا إليه ».

ولا تخفى الوجوه التي تشتمل عليها هذه العبارة، فإنّ كلّ واحدةٍ منها

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

ونمنع كون الكفّارة عقوبةً ، وينتقض قياسه بوجوب الكفّارة في السفر القصير مع وقوع الخلاف فيه.

مسألة ٧٤ : يستحب الترائي للهلال ليلة الثلاثين من شعبان ورمضان‌ ، وتطلّبه ؛ ليحتاطوا بذلك لصيامهم ، ويسلموا من الاختلاف.

وقد روى العامّة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : ( أحصوا هلال شعبان لرمضان )(١) .

ومن طريق الخاصة : ما روي عن الباقرعليه‌السلام ، قال : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مَن ألحق في شهر رمضان يوماً من غيره متعمّداً ، فليس يؤمن بالله ولا بي »(٢) .

ولأنّ الصوم واجب في أول رمضان ، وكذا الإِفطار في العيد ، فيجب التوصّل إلى معرفة وقتهما ؛ لأنّ ما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجب.

مسألة ٧٥ : يستحب لرائي الهلال الدعاء‌ ؛ لأنّه انتقال من زمان الى آخر ، فاستحبّ فيه الدعاء بطلب الخير فيه.

روى العامّة أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان يقول إذا رأى الهلال : ( الله أكبر ، اللّهم أهلّه علينا بالأمن والإِيمان ، والسلامة والإِسلام ، والتوفيق لما تحبّ وترضى ، ربّي وربّك الله )(٣) .

ومن طريق الخاصة : قول الباقرعليه‌السلام : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان إذا أهلّ شهر رمضان ، استقبل القبلة ، ورفع يديه ، وقال : اللّهم أهلّه علينا بالأمن والإِيمان ، والسلامة والإِسلام ، والعافية المجلّلة(٤) ،

____________________

(١) سنن الدار قطني ٢ : ١٦٢ - ١٦٣ / ٢٨ ، سنن الترمذي ٣ : ٧١ / ٦٨٧.

(٢) التهذيب ٤ : ١٦١ / ٤٥٤.

(٣) سنن الدارمي ٢ : ٣ - ٤ ، كنز العمّال ٨ : ٥٩٥ / ٢٤٣٠٩ نقلاً عن تأريخ ابن عساكر ، المعجم الكبير للطبراني ١٢ : ٣٥٦ / ١٣٣٣٠ ، وأوردها ابنا قدامة في المغني ٣ : ١٠ ، والشرح الكبير ٣ : ٥ ، وقالا : رواه الأثرم.

(٤) جلّل الشي‌ءُ ، أي : عمّ. لسان العرب ١١ : ١١٨ « جلل ».

١٢١

والرزق الواسع ، ودفع الأسقام ، اللّهم ارزقنا صيامه وقيامه وتلاوة القرآن فيه ، اللّهم سلّمه لنا ، وتسلّمه منّا ، وسلّمنا فيه »(١) .

وكان أمير المؤمنينعليه‌السلام ، إذا اُهلّ هلال رمضان أقبل الى القبلة ، وقال : « اللّهم أهلّه علينا بالأمن والإِيمان ، والسلامة والإِسلام ، والعافية المجلّلة ، اللّهم ارزقنا صيامه وقيامه وتلاوة القرآن فيه ، اللّهم تقبّله لنا ، وتسلّمه منّا ، وسلّمنا فيه »(٢) .

وكانعليه‌السلام أيضاً يقول : « إذا رأيت الهلال ، فلا تبرح وقُل : اللّهم إنّي أسألك خير هذا الشهر وفتحه ونوره ونصره وبركته وطهوره ورزقه ، أسألك خير ما فيه وخير ما بعده ، وأعوذ بك من شرّ ما فيه وشرّ ما بعده ، اللّهم أدخله علينا بالأمن والإِيمان ، والسلامة والإِسلام ، والبركة والتقوى ، والتوفيق لما تحبّ وترضى »(٣) .

وكان من قول أمير المؤمنينعليه‌السلام أيضاً عند رؤية الهلال : « أيّها الخلق المطيع ، الدائب(٤) السريع ، المتردّد في فلك التدوير(٥) ، المتصرّف في منازل التقدير ، آمنت بمن نوّر بك الظُلَم ، وأضاء بك البهم ، وجعلك آيةً من آيات سلطانه ، وامتهنك(٦) بالزيادة والنقصان والطلوع والاُفول ، والإِنارة والكسوف ، في كلّ ذلك أنت له مطيع ، والى إرادته سريع ، سبحانه ما أحسن‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٧٠ - ٧١ / ١ ، التهذيب ٤ : ١٩٦ - ١٩٧ / ٥٦٢.

(٢) الكافي ٤ : ٧٣ - ٧٤ / ٤ ، التهذيب ٤ : ١٩٧ / ٥٦٣.

(٣) الكافي ٤ : ٧٦ / ٩ ، الفقيه ٢ : ٦٢ / ٢٦٨ ، التهذيب : ١٩٧ / ٥٦٤.

(٤) الدأب : الجدّ في العمل. مجمع البحرين ٢ : ٥٤.

(٥) في المصدر : التدبير.

(٦) في النسخ الخطية : وامتحنك ؛ بدل وامتهنك. وامتهنه ، أي : استعمله للمهنة. والمهنة : الخدمة. لسان العرب ١٣ : ٤٢٤ و ٤٢٥.

١٢٢

ما دبّر ، وأتقن ما صنع في ملكه ، وجعلك الله [ هلال ](١) شهر حادث لأمر حادث ، جعلك الله هلال أمن وأمان ، وسلامة وإسلام ، هلال أمن(٢) من العاهات ، وسلامة من السيّئات ، اللّهم اجعلنا أهدى مَن طلع عليه ، وأزكى مَن نظر اليه ، وصلّ على محمد وآله ، وافعل بي كذا وكذا يا أرحم الراحمين »(٣) .

مسألة ٧٦ : إذا رأى الهلالَ أهلُ بلد ، ولم يره أهل بلد آخر‌ ، فإن تقاربت البُلدان كبغداد والكوفة ، كان حكمهما واحداً : يجب الصوم عليهما معاً ، وكذا الإِفطار ، وإن تباعدتا كبغداد وخراسان والحجاز والعراق ، فلكلّ بلد حكم نفسه ، قاله الشيخ(٤) ، وهو المعتمد ، وبه قال أبو حنيفة ، وهو قول بعض الشافعية ، ومذهب القاسم وسالم وإسحاق(٥) ؛ لما رواه كُرَيب أنّ اُمّ الفضل بنت الحارث بَعَثَته إلى معاوية بالشام ، قال : قدمت الشام فقضيت بها حاجتي واستهلّ عليّ رمضان ، فرأينا الهلال ليلة الجمعة ؛ ثم قدمت المدينة في آخر الشهر ، فسألني عبد الله بن عباس وذكر الهلال ، فقال : متى رأيتم الهلال؟ فقلت : ليلة الجمعة ، فقال : أنت رأيته؟ قلت : نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية ؛ فقال : لكنّا رأيناه ليلة السبت ، فلا نزال نصوم حتى نكمل العدّة أو نراه ؛ فقلت : أوَ لا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ قال : لا ، هكذا أمرنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٦) .

____________________

(١) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

(٢) في النسخ الخطية : أمنه.

(٣) الفقيه ٢ : ٦٣ / ٢٧٠.

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ٢٦٨.

(٥) فتح العزيز ٦ : ٢٧١ - ٢٧٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٦٨ ، المجموع ٦ : ٢٧٣ و ٢٧٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٠ ، المغني ٣ : ١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٧.

(٦) صحيح مسلم ٢ : ٧٦٥ / ١٠٨٧ ، سنن الترمذي ٣ : ٧٦ - ٧٧ / ٦٩٣ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٩٩ - ٣٠٠ / ٢٣٣٢ ، سنن النسائي ٤ : ١٣١ ، سنن الدار قطني ٢ : ١٧١ / ٢١ ، =

١٢٣

ولأنّ البُلدان المتباعدة تختلف في الرؤية باختلاف المطالع والأرض كرة ، فجاز أن يرى الهلال في بلد ولا يظهر في آخر ؛ لأنّ حَدَبَة(١) الأرض مانعة من رؤيته ، وقد رصد ذلك أهل المعرفة ، وشُوهد بالعيان خفاء بعض الكواكب القريبة لـمَن جدّ في السير نحو المشرق وبالعكس.

وقال بعض الشافعية : حكم البلاد كلّها واحد ، متى رئي الهلال في بلد وحكم بأنّه أول الشهر ، كان ذلك الحكم ماضياً في جميع أقطار الأرض ، سواء تباعدت البلاد أو تقاربت ، اختلفت مطالعها أو لا - وبه قال أحمد بن حنبل والليث بن سعد(٢) ، وبعض علمائنا - لأنّه يوم من شهر رمضان في بعض البلاد للرؤية ، وفي الباقي بالشهادة ، فيجب صومه ؛ لقوله تعالى( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) (٣) .

وقولهعليه‌السلام : ( فرض الله صوم شهر رمضان )(٤) وقد ثبت أنّ هذا اليوم منه.

ولأنّ الدَّين يحلّ به ، ويقع به النذر المعلّق عليه.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « فإن شهد أهل بلد آخر فاقضه »(٥) .

وقالعليه‌السلام ، في مَن صام تسعة وعشرين ، قال : « إن كانت له بيّنة عادلة على أهل مصر أنّهم صاموا ثلاثين على رؤية ، قضى يوماً »(٦) .

ولأنّ الأرض مسطّحة ، فإذا رئي في بعض البلاد عرفنا أنّ المانع في‌

____________________

= سنن البيهقي ٤ : ٢٥١.

(١) الحَدَبَة : ما أشرف من الأرض وغلظ وارتفع. لسان العرب ١ : ٣٠١.

(٢) فتح العزيز ٦ : ٢٧٢ ، المجموع ٦ : ٢٧٣ و ٢٧٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٨١ ، المغني ٣ : ١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٧.

(٣) البقرة : ١٨٥.

(٤) صحيح البخاري ٣ : ٣١ ، سنن النسائي ٤ : ١٢١ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٠١ نقلاً بالمعنى.

(٥) التهذيب ٤ : ١٥٧ - ١٥٨ / ٤٣٩ ، الاستبصار ٢ : ٦٤ / ٢٠٦.

(٦) التهذيب ٤ : ١٥٨ / ٤٤٣.

١٢٤

غيره شي‌ء عارض ؛ لأنّ الهلال ليس بمحل الرؤية.

ونمنع كونه يوماً من رمضان في حق الجميع ؛ فإنه المتنازع ، ولا نسلّم التعبّد بمثل هذه الشهادة ؛ فإنّه أول المسألة.

وقول الصادقعليه‌السلام محمول على البلد المقارب لبلد الرؤية ؛ جمعاً بين الأدلّة.

ونمنع تسطيح الأرض ، بل المشهور : كرؤيتها.

فروع :

أ - اختلفت الشافعية في الضابط لتباعد البلدين ، فبعضهم اعتبر مسافة القصر(١) .

وقال بعضهم : الاعتبار بمسافة يظهر في مثلها تفاوت في المناظر ، فقد يوجد التفاوت مع قصور المسافة عن مسافة القصر ؛ للارتفاع والانخفاض ، وقد لا يوجد مع مجاوزتها لها ؛ وهذا لا قائل به(٢) .

وبعضهم اعتبر ما قلناه وضبطوا التباعد : بأن يكون بحيث تختلف المطالع ، كالحجاز والعراق ، والتقارب : بأن لا تختلف ، كبغداد والكوفة(٣) .

ومنهم مَن اعتبر اتّحاد الإِقليم واختلافه(٤) .

ب - لو شرع في الصوم في بلد ثم سافر الى بلد بعيد لم يُرَ الهلال فيه في يومه الأول ، فإن قلنا : لكلّ بلدة حكمها ، فهل يلزمه أن يصوم معهم أم(٥) يفطر؟ وجهان : أحدهما : أنّه يصوم معهم - وهو قول بعض الشافعية(٦) - لأنّه بالانتقال الى بلدهم أخذ حكمهم ، وصار من جملتهم.

والثاني : أنّه يفطر ؛ لأنّه التزم حكم البلدة الاُولى ، فيستمرّ عليه ، وشبّه‌

____________________

(١ - ٤ ) فتح العزيز ٦ : ٢٧٣ - ٢٧٥ ، والمجموع ٦ : ٢٧٣.

(٥) في « ط » والطبعة الحجرية : « أو » بدل « أم ».

(٦) فتح العزيز ٦ : ٢٧٧.

١٢٥

ذلك بمن اكترى دابة لزمه الكراء بنقد البلد المنتقل عنه.

وإن عمّمنا الحكم سائر(١) البلاد ، فعلى أهل البلدة المنتقل اليها موافقته إن ثبت عندهم حال البلدة المنتقل عنها إمّا بقوله ؛ لعدالته ، أو بطريق آخر ، وعليهم قضاء اليوم الأول.

ج - لو سافر من البلدة التي يُرى(٢) فيها الهلال ليلة الجمعة الى التي يُرى(٣) فيها الهلال ليلة السبت ، ورؤي هلال شوّال ليلة السبت ، فعليهم التعييد معه وإن لم يصوموا إلّا ثمانية وعشرين يوماً ، ويقضون يوماً.

وعلى قياس الوجه الأول لا يلتفتون الى قوله : رأيت الهلال ، وإن قُبِل في الهلال قولُ عدل.

وعلى عكسه لو سافر من حيث لم يُرَ فيه الهلالُ الى حيث رؤي ، فيعيّدوا التاسع والعشرين من صومه ، فإن(٤) عمّمنا الحكم ، وقلنا : حكمه حكم البلد المنتقل اليه ، عيَّد معهم ، وقضى يوماً ، وإن لم نعمّم الحكم وقلنا : إنّه بحكم البلد المنتقل عنه ، فليس له أن يفطر.

د - لو رؤي الهلال في بلد ، فأصبح الشخص معيِّداً ، وسارت به السفينة ، وانتهى الى بلدة على حدّ البُعد ، فصادف أهلها صائمين ، احتمل أن يلزمه إمساك بقية اليوم حيث قلنا : إنّ كلّ بلدة لها حكمها ، وعدمه ؛ لأنّه لم يرد فيه أثر ، ويجزئه اليوم الواحد ، وإيجاب إمساك بعضه بعيد.

ولو انعكس الحال ، فأصبح الرجل صائماً ، وسارت به السفينة الى حيث عيّدوا ، فإن عمّمنا الحكم أو قلنا : إنّ حكمه حكم البلدة المنتقل اليها ، أفطر ، وإلّا فلا.

وإذا أفطر ، قضى يوماً ؛ لأنّه لم يَصُم إلّا ثمانية وعشرين يوماً.

____________________

(١) « سائر » منصوب بنزع الخافض.

(٢ و ٣ ) الأنسب في الموضعين : رؤي.

(٤) في النسخ الخطية والطبعة الحجرية : « وإن » بدل « فإن » وما أثبتناه يقتضيه السياق.

١٢٦

مسألة ٧٧ : إذا رؤي الهلال يوم الثلاثين ، فهو للمستقبلة(١) ‌، سواء رؤي قبل الزوال أو بعده ، فإن كان هلالَ رمضان ، لم يلزمهم صيام ذلك اليوم ، وإن كان هلالَ شوّال ، لم يَجُز لهم الإِفطار إلّا بعد غروب الشمس ، عند علمائنا أجمع - وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة(٢) - لما رواه العامة عن أبي وائل منصور بن سلمة(٣) ، قال : جاءنا كتاب عمر ونحن بخانقين : أنّ الأهلّة بعضها أكبر من بعض ، فإذا رأيتم الهلال في أول النهار ، فلا تفطروا(٤) حتى تُمسُوا ، إلّا أن يشهد رجلان مسلمان أنّهما أهلّاه بالأمس عشيّة.

ومن طريق الخاصة : ما روى محمد بن عيسى ، قال : كتبت اليهعليه‌السلام : جعلت فداك ربما غُمّ(٥) علينا هلال شهر رمضان ، فيُرى من الغد الهلال قبل الزوال ، وربما رأيناه بعد الزوال فترى أن نفطر قبل الزوال إذا رأيناه ، أم لا؟ وكيف تأمر في ذلك؟ فكتبعليه‌السلام : « تمّم الى الليل ، فإنّه إن كان تامّاً رؤي قبل الزوال »(٦) .

____________________

(١) أي : للّيلة المستقبلة.

(٢) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٠ ، المنتفى للباجي ٢ : ٣٩ ، المجموع ٦ : ٢٧٢ ، فتح العزيز ٦ : ٢٨٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ٨٢ ، المغني ٣ : ١٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧.

(٣) هكذا في النسخ الخطية والطبعة الحجرية ، وفي المصادر الحديثية : سفيان عن منصور عن أبي وائل.

واسم أبي وائل : شقيق بن سلمة ؛ لا منصور بن سلمة.

ونقل الرافعي في فتح العزيز ٦ : ٢٨٧ هذه الرواية عن سفيان بن سلمة ، ونقلها ابنا قدامة في المغني ٣ : ١٠٨ ، والشرح الكبير ٣ : ٧ ، عن أبي وائل فقط.

اُنظر : سنن الدار قطني ٢ : ١٦٩ / ١٠ ، وسنن البيهقي ٤ : ٢١٣ ، واُسد الغابة ٣ : ٣ ، وتهذيب التهذيب ٤ : ٣١٧.

(٤) في النسخ الخطية : « فلا تفطرُنّ » بدل « فلا تفطروا ».

(٥) غُمّ الهلال على الناس : إذا ستره عنهم غَيمٌ أو غيره فلم يُر. الصحاح ٥ : ١٩٩٨.

(٦) التهذيب ٤ : ١٧٧ / ٤٩٠ ، الاستبصار ٢ : ٧٣ / ٢٢١.

١٢٧

وقال الباقرعليه‌السلام : « قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إذا رأيتم الهلال فأفطروا ، أو يشهد عليه عدل من المسلمين ، فإن لم تروا الهلال إلّا من وسط النهار أو آخره ، فأتمّوا الصيام الى الليل ، فإنّ غُمّ عليكم ، فعدّوا ثلاثين ثم أفطروا »(١) .

وقال الثوري : إن رؤي قبل الزوال ، فهو للّيلة الماضية ، وإن رؤي بعده ، فهو للمستقبلة(٢) . وبه قال أبو يوسف(٣) .

وقال أحمد : إن كان في أول شهر رمضان ، وكان قبل الزوال ، فهو للماضية ، وإن كان في هلال شوّال ، فروايتان : إحداهما : أنّها كذلك ، والثانية : لمستقبلة ، لقولهعليه‌السلام : ( صُوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ) وقد رأوه ، فيجب الصوم والفطر.

ولأنّ ما قبل الزوال أقرب الى الماضية(٤) .

والمراد في الخبر : إذا رأوه عشية ؛ بدليل ما لو رؤي بعد الزوال.

وعلى الرواية التي لأحمد : أنّه عن الماضية في أول رمضان ، يلزمه قضاء ذلك اليوم ، وإمساك بقيته احتياطاً للعبادة(٥) .

وهو غلط ؛ لأنّ ما كان للّيلة المـُقبلة في آخره فهو لها في أوله ، كما لو رؤي بعد العصر.

____________________

(١) الفقيه ٢ : ٧٧ / ٣٣٧ ، التهذيب ٤ : ١٥٨ / ٤٤٠ و ١٧٧ / ٤٩١ ، الاستبصار ٢ : ٦٤ / ٢٠٧ و ٧٣ / ٢٢٢.

(٢ و ٣ ) المغني ٣ : ١٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧ ، المجموع ٦ : ٢٧٢ - ٢٧٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٠ ، فتح العزيز ٦ : ٢٨٦ - ٢٨٧ ، بداية المجتهد ١ : ٢٨٥ ، شرح فتح القدير ٢ : ٢٤٣.

(٣) المغني ٣ : ١٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧ ، المجموع ٦ : ٢٧٢ - ٢٧٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٠ ، فتح العزيز ٦ : ٢٨٦ - ٢٨٧ ، بداية المجتهد ١ : ٢٨٥ ، شرح فتح القدير ٢ : ٢٤٣.

(٤) المغني ٣ : ١٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧ ، فتح العزيز ٦ : ٢٨٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٠ ، وتقدّمت الإِشارة الى مصادر الحديث في الهامش (٥) من ص ١١٨.

(٥) المغني ٣ : ١٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٧.

١٢٨

النظر الثاني:

في الإِخبار‌

مسألة ٧٨ : لو لم يُر الهلال إمّا لعدم تطلّبه أو لعدم الحاسة أو لِغُمٍّ وشبهه أو لغير ذلك من الأسباب ، اعتبر بالشهادة‌ بإجماع علماء الأمصار.

على أنّ للشهادة اعتباراً في رؤية الهلال ، وأنّها علامة على الشهر ، وإنّما الخلاف وقع في عدد الشهود.

والمشهور عند علمائنا : أنّه لا يقبل في رؤية الهلال في رمضان وغيره إلّا شهادة رجلين عدلين سواء الصحو والغيم ، وسواء كانا من نفس البلد أو خارجه - وبه قال مالك والليث والأوزاعي وإسحاق والشافعي في أحد القولين ، وأحمد في إحدى الروايتين(١) - لما رواه العامة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( صُوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غمّ عليكم فعدّوا ثلاثين ، فإن شهد ذوا عدل ، فصوموا وأفطروا وانسكوا )(٢) .

وقالعليه‌السلام : ( صُوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غمّ عليكم فأكملوا شعبان ثلاثين يوماً إلّا أن يشهد شاهدان )(٣) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « إنّ علياًعليه‌السلام قال : لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال إلّا شهادة رجلين عدلين »(٤) .

____________________

(١) بداية المجتهد ١ : ٢٨٦ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١١٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٦ ، فتح العزيز ٦ : ٢٥٠ ، المجموع ٦ : ٢٧٧ و ٢٨٢ ، المغني ٣ : ٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٨.

(٢) أورده بتفاوت يسير ابنا قدامة في المغني ٣ : ٩٧ ، والشرح الكبير ٣ : ٨ ، وراجع : سنن الدارقطني ٢ : ١٦٧ - ٣ ، وسنن النسائي ٤ : ١٣٣.

(٣) أورده الرافعي في فتح العزيز ٦ : ٢٥٠ ، وبتفاوت في سنن النسائي ٤ : ١٣٣.

(٤) التهذيب ٤ : ١٨٠ / ٤٩٨.

١٢٩

ولأنّها عبادة فاعتبر عددها بأعمّ الشهادات وقوعاً ؛ اعتباراً بالأعمّ الأغلب.

وقال سلّار من علمائنا : يقبل في أول رمضان شهادة الواحد العدل ، ولا يقبل في غيره إلّا شهادة عدلين(١) - وهو أحد قولي الشافعي ، والرواية الثانية عن أحمد ، وقول ابن المبارك(٢) - لما رواه العامة عن ابن عباس ، قال : جاء أعرابي الى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : رأيت الهلال ؛ قال : ( أتشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله؟ ) قال : نعم ؛ قال : ( يا بلال أذّن في الناس فليصوموا )(٣) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه محمد بن قيس عن الباقرعليه‌السلام ، قال : « قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إذا رأيتم الهلال فأفطروا ، أو شهد عليه عدل من المسلمين »(٤) .

ولأنّ الاحتياط للعبادة يقتضي قبول الواحد.

ولأنّه خبر عن وقت الفريضة فيما طريقه المشاهدة ، فقبل من واحد كالخبر بدخول وقت الصلاة.

ولأنّه خبر ديني يشترك فيه المخبِر والمخبَر ، فقبل من واحدٍ عدلٍ كالرواية.

ورواية ابن عباس حكاية حال لا عموم لها ، فيحتمل أنّه شهد عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله شاهد آخر.

____________________

(١) المراسم : ٢٣٣.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٦ ، المجموع ٦ : ٢٨٢ ، فتح العزيز ٦ : ٢٥٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٠ ، بداية المجتهد ١ : ٢٨٦ ، المغني ٣ : ٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٨.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ٣٠٢ / ٢٣٤٠ ، سنن الترمذي ٣ : ٧٤ / ٦٩١ ، سنن النسائي ٤ : ١٣٢ ، سنن الدارمي ٢ : ٥ ، المستدرك - للحاكم - ١ : ٤٢٤ ، سنن البيهقي ٤ : ٢١١.

(٤) الفقيه ٢ : ٧٧ / ٣٣٧ ، التهذيب ٤ : ١٥٨ / ٤٤٠ و ١٧٧ / ٤٩١ ، الاستبصار ٢ : ٦٤ / ٢٠٧ و ٧٣ / ٢٢٢.

١٣٠

ويحتمل أن يكون قد حصل بشهادة الأعرابي ظنّ ، فأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالصوم غداً ؛ ليتحفّظوا من الفطر ، فربما شهد بعد ذلك في النهار(١) شاهد آخر ، فيثبت أنّه من رمضان ، فلا ينبغي المبادرة فيه بالإِفطار.

وقول أمير المؤمنينعليه‌السلام ، نقول بموجبه ، ولا يدلّ على مطلوبهم ؛ لأنّ لفظة « العدل » يصح إطلاقها على الواحد فما زاد ؛ لأنّه مصدر يصدق على القليل والكثير ، تقول : رجل عدل. ورجلان عدل. ورجال عدل. ونمنع قبول خبر الواحد في دخول وقت الصلاة. والرواية قُبِل فيها الواحد ، للإِجماع ؛ فإنّه يشترط في الشهادة ما لا يشترط في الرواية ؛ لعظم خطرها.

وللشيخ -رحمه‌الله تعالى - قولان :

قال في المبسوط : إن كان في السماء علّة وشهد عدلان من البلد أو خارجه برؤيته ، وجب الصوم ، وإن لم يكن هناك علّة لم يقبل إلّا شهادة القسامة خمسين رجلاً من البلد أو خارجه(٢) .

وقال في النهاية : إن كان في السماء علة ولم يَرَه جميعُ أهل البلد ورآه خمسون نفساً ، وجب الصوم ، ولا يجب الصوم إذا رآه واحد أو اثنان ، بل يلزم فرضه لمن رآه حسب ، وليس على غيره شي‌ء.

ومتى كان في السماء علّة ولم يُرَ في البلد الهلالُ ورآه خارج البلد شاهدان عدلان ، وجب أيضاً الصوم ، وإن لم يكن في السماء علّة وطلب فلم يُرَ ، لم يجب الصوم إلّا أن يشهد خمسون نفساً من خارج البلد أنّهم رأوه(٣) ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « لا تجوز الشهادة في الهلال دون خمسين رجلاً عدد القسامة ، وإنّما تجوز شهادة رجلين إذا كانا من خارج‌

____________________

(١) في « ط » : في آخر النهار.

(٢) راجع : المبسوط للطوسي ١ : ٢٦٧.

(٣) النهاية : ١٥٠.

١٣١

المصر ، وكان بالمصر علّة ، فأخبرا أنّهما رأياه ، وأخبرا عن قوم صاموا للرؤية »(١) .

وسأل إبراهيم بن عثمان الخزاز ، الصادقعليه‌السلام : قلت له : كم يجزئ في رؤية الهلال؟ فقال : « إنّ شهر رمضان فريضة من فرائض الله ، فلا تؤدّوا بالتظنّي ، وليس رؤية الهلال أن تقوم عدّة فيقول واحد : رأيته ؛ ويقول الآخرون : لم نره ؛ إذا رآه واحد رآه مائة ، وإذا رآه مائة رآه ألف ، ولا يجزئ في رؤية الهلال إذا لم يكن في السماء علّة أقلّ من شهادة خمسين ، وإذا كانت في السماء علّة قُبلت شهادة رجلين يدخلان ويخرجان من مصر »(٢) .

ولأنّه مع انتفاء العلّة يبعد اختصاص الواحد والاثنين بالرؤية مع اشتراكهم في صحة الحاسّة ، فلم يكن قولهما مؤثّراً.

ونمنع صحة سند الخبرين. وقول الخمسين قد لا يفيد إلّا الظنّ ، وهو ثابت في العدلين.

وقال أبو حنيفة : لا يقبل في الصحو إلّا الاستفاضة ، وفي الغيم في هلال شهر رمضان يقبل واحد ، وفي غيره لا يقبل إلّا اثنان ؛ لأنّه لا يجوز أن يَنظُرَ الى مطلع الهلال مع صحة الحاسّة وارتفاع الموانع جماعةُ ، فيختص واحد برؤيته(٣) .

ونحن نقول بموجبه من أنّه لا تقبل شهادة الواحد ، ولا تشترط الزيادة على الاثنين ؛ لجواز الاختلاف في الرؤية ؛ لبُعد المرئي ولطافته ، وقوة الحاسّة وضعفها ، والتفطّن للرؤية وعدمه ، واختلاف مواضع نظرهم ، وكدورة الهواء وصَفوه.

____________________

(١) التهذيب ٤ : ١٥٩ / ٤٤٨ و ٣١٧ / ٩٦٣ ، الاستبصار ٢ : ٧٤ / ٢٢٧.

(٢) التهذيب ٤ : ١٦٠ / ٤٥١.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٨٠ - ٨١ ، المغني ٣ : ٩٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٨ ، المجموع ٦ : ٢٨٢ ، فتح العزيز ٦ : ٢٥٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٢.

١٣٢

ولأنّه ينتقض : بما لو حَكَمَ برؤيته حاكمٌ بشهادة الواحد أو الاثنين ، فإنّه يجوز ، ولو امتنع - كما قالوه - لم ينفذ فيه حكم الحاكم.

مسألة ٧٩ : لا تقبل شهادة النساء في ذلك‌ ، لقول عليعليه‌السلام : « لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال »(١) .

وقال الشافعي : إن قلنا : لا بدّ من اثنين ، فلا مدخل لشهادة النساء فيه. ولا عبرة بقول العبد. ولا بدّ من لفظ الشهادة. وتختص بمجلس القضاء ؛ لأنّها شهادة حسّية لا ارتباط لها بالدعاوي.

وإن قبلنا قول الواحد ، فهل هو على طريق الشهادة أم على طريق الرواية؟ وجهان ، أصحّهما عنده : الأول ، إلّا أنّ العدد سُومح به ، والبيّنات مختلفة المراتب.

والثاني : أنّه رواية ؛ لأنّ الشهادة ما يكون الشاهد فيها بريئاً ، وهذا خبر عمّا يستوي فيه المـُخبر وغير المـُخبر ، فأشبه رواية الخبر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فعلى الأول لا يقبل قول المرأة والعبد ، وعلى الثاني يقبل.

وهل يشترط لفظ الشهادة؟ وجهان عنده(٢) .

وقال أبو حنيفة : يقبل إخبار المرأة الواحدة ؛ لأنّه خبر ديني ، فأشبه الخبر عن القبلة ، والرواية ، وهو قياس قول أحمد(٣) .

ولا تقبل شهادة الصبي المميّز الموثوق به.

وقال الجويني : فيه وجهان مبنيّان على قبول رواية الصبيان(٤) .

وقال بعض الشافعية : إذا أخبره موثوق به عن رؤية الهلال ، لزم اتّباع قوله وإن لم يذكر عند الحاكم(٥) .

____________________

(١) التهذيب ٤ : ١٨٠ / ٤٩٨.

(٢) فتح العزيز ٦ : ٢٥٣ - ٢٥٥ ، والمجموع ٦ : ٢٧٧.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٨١ ، المغني ٣ : ٩٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠.

(٤) فتح العزيز ٦ : ٢٥٥.

(٥) فتح العزيز ٦ : ٢٥٥ - ٢٥٦ ، المجموع ٦ : ٢٧٧.

١٣٣

وقالت طائفة : يجب الصوم بذلك إذا اعتقد أنّ المخبر صادق(١) .

ولا خلاف أنّه لا يقبل في هلال شوّال إلّا عدلان ، إلّا أبا ثور ، فإنّه قال : تقبل شهادة الواحد فيه(٢) .

وهو غلط ؛ لما تقدّم(٣) من الأحاديث.

احتجّ : بأنّه خبر يستوي فيه المـُخبِر والمـُخبَر ، فأشبه أخبار الديانات ، ولأنّه إخبار عن خروج وقت العبادة ، فيقبل فيه قول الواحد كالإِخبار عن دخول وقتها(٤) .

ونمنع كونه خبراً ، ولهذا لا يقبل فيه : فلان عن فلان(٥) .

فروع :

أ - لا تقبل شهادة الفاسق ؛ لقوله تعالى( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) (٦) .

ولا بدّ من اعتبار العدالة الباطنة التي يرجع فيها إلى الخُبرة الباطنة وأقوال المزكّين - وهو أحد قولي الشافعية(٧) - لأنّ الشرط انتفاء الفسق ، وإنّما يعرف بالاتّصاف بالضدّ.

ب - لو صاموا بشهادة الواحد عند من اعتبرها فلم يُرَ الهلال بعد الثلاثين ، فالوجه : الإِفطار - وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد القولين(٨) -

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٢٥٦ ، المجموع ٦ : ٢٧٧.

(٢) المغني ٣ : ٩٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٢ ، المجموع ٦ : ٢٨١ ، فتح العزيز ٦ : ٢٦٨.

(٣) تقدّم في المسألة ٧٨.

(٤) المغني ٣ : ٩٨ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠ ، فتح العزيز ٦ : ٢٦٨ - ٢٦٩.

(٥) أي قول المخبر : أخبرني فلان عن فلان أنّه رأى الهلال.

(٦) الحجرات : ٦.

(٧) فتح العزيز ٦ : ٢٥٧ ، المجموع ٦ : ٢٧٧.

(٨) المغني ٣ : ٩٩ ، الشرح الكبير ٣ : ١٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٦ - ١٨٧ ، المجموع ٦ : ٢٧٨ ، فتح العزيز ٦ : ٢٥٨ - ٢٥٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٢.

١٣٤

لأنّ الصوم ثبت شرعاً بشهادة الواحد ، فيثبت الإِفطار باستكمال العدّة ، ولا يكون إفطاراً بالشهادة ، كما أنّ النسب لا يثبت بشهادة النساء ، وتثبت بهن الولادة ، فيثبت النسب بالفراش على وجه التبع للولادة.

والثاني للشافعي : لا يفطرون - وبه قال محمد بن الحسن(١) - لأنّه يكون فطراً بشهادة واحد(٢) .

وقد تقدّم جوابه من جواز إثبات الشي‌ء ضمناً بما لا يثبت به أصلاً.

وما موضع القولين؟ للشافعية طريقان : أحدهما : مع الصحو ، ولو كانت السماء مغيّمة ، وجب الإِفطار. والثاني : أنّ الصحو والغيم واحد(٣) .

ج - لو صاموا بشهادة عدلين ورؤي الهلال بعد ثلاثين ، فلا بحث ، وإن لم يُرَ الهلالُ فإن كانت السماء متغيّمة ، أفطر ، وكذا إن كانت مصحيةً عند عامة العلماء(٤) ؛ لأنّ العدلين لو شهدا ابتداءً على هلال شوّال ، لقبلنا شهادتهما ، وأفطرنا ، فلأن نفطر على ما أثبتناه بقولهما أوّلاً أولى.

وقال مالك : لا يفطرون ؛ لأنّا إنّما نتّبع قولهما بناءً على الظنّ(٥) . وقد بيّنا خلافه.

وعلى هذا القول لو شهد اثنان على هلال شوّال ثم لم يُرَ الهلالُ والسماء مصحية بعد ثلاثين ، قضينا صوم أول يوم أفطرنا فيه ؛ لظهور أنّه من رمضان ، لكن لا كفّارة للشبهة.

د - إذا قلنا بقبول الواحد ففي قبول العبد إشكال يأتي.

وقال بعض الشافعية القائلين بقبوله : إنّا لا نوقع به العتق والطلاق‌

____________________

(١) حلية العلماء ٣ : ١٨٢.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٦ ، المجموع ٦ : ٢٧٨ ، فتح العزيز ٦ : ٢٥٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٨٢.

(٣) فتح العزيز ٦ : ٢٦١ ، المجموع ٦ : ٢٧٩.

(٤ و ٥ ) فتح العزيز ٦ : ٢٦٢ و ٢٦٩.

١٣٥

المعلّقين بهلال رمضان ، ولا نحكم بحلول الدين المؤجّل به(١) .

ه- لا يثبت الهلال بالشهادة على الشهادة عند علمائنا ؛ لأصالة البراءة ، واختصاص ورود القبول بالأموال وحقوق الآدميين.

وللشافعية طريقان : أحدهما : أنّه على قولين في أنّ حدود الله تعالى هل تثبت بالشهادة على الشهادة؟

وأصحّهما عندهم : القطع بثبوته كالزكاة وإتلاف بواري المسجد والخلاف في الحدود المبنية على الدفع والدرء.

وعلى هذا ، فعدد الفروع مبني على القول في الاُصول ، إن اعتبرنا العدد في الاُصول فحكم الفروع ها هنا حكمهم في سائر الشهادات ، ولا مدخل فيه لشهادة النساء والعبيد.

وإن لم نعتبر العدد ، فإن قلنا : إنّ طريقه طريق الرواية ، فوجهان : أحدهما : الاكتفاء بواحد ، كرواية الإِخبار. والثاني : لا بدّ من اثنين ، وهو الأصحّ عندهم ، لأنّه ليس بخبر من كلّ وجه ، لأنّه لا يكفي أن يقول : أخبرني فلان عن فلان أنّه رأى الهلال.

وعلى هذا ، فهل يشترط إخبار حُرّين ذكرين ، أم يكفي امرأتان وعبدان؟ وجهان(٢) .

وإن قلنا : إنّ طريقه طريق الشهادة ، فهل يكفي واحد أم لا بدّ من اثنين؟ وجهان عندهم(٣) .

و - لو رأى اثنان هلال شوّال ، ولم يشهدا عند الحاكم ، جاز لمن سمع شهادتهما الإِفطار‌ مع(٤) معرفته بعدالتهما ، وكذا يصوم لو شهدا برمضان ؛ لقوله‌

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٢٦٩ ، والمجموع ٦ : ٢٨١.

(٢) فتح العزيز ٦ : ٢٦٣ - ٢٦٥ ، والمجموع ٦ : ٢٧٧ - ٢٧٨.

(٣) فتح العزيز ٦ : ٢٦٥ ، المجموع ٦ : ٢٧٨.

(٤) في الطبعة الحجرية بدل مع : بعد.

١٣٦

عليه‌السلام : ( إذا شهد اثنان فصوموا وأفطروا )(١) .

ولو شهدا ، فردّ الحاكم شهادتهما ؛ لعدم معرفته بهما ، جاز الإِفطار أيضاً في شوّال والصوم في رمضان.

ويجوز لكلٍّ منهما أن يفطر عندنا ، وبه قال أحمد بشرط أن يعرف عدالة صاحبه(٢) ، وليس شيئاً.

ز - إنّما يقبل في الهلال عدلان ، ولا تقبل شهادة مجهول الحال ولا مستور الظاهر.

مسألة ٨٠ : لو رؤي الهلال في البلد رؤية شائعة ، واشتهر وذاع بين الناس الهلال ، وجب الصيام إجماعاً ؛ لأنّه نوع تواتر يفيد العلم.

ولو لم يحصل العلم ، بل حصل ظنّ غالب بالرؤية ، فالأقوى : التعويل عليه كالشاهدين ، فإنّ الظنّ الحاصل بشهادتهما حاصل مع الشياع.

النظر الثالث :

في الحساب‌

مسألة ٨١ : إذا غُمّ هلال رمضان ولم يره أحد‌ ، أُكملت عدّة شعبان ثلاثين يوماً ، ثم صاموا وجوباً من رمضان ، سواء كانت السماء متغيّمةً أو صاحيةً ، عند علمائنا ؛ لما رواه العامة عن عائشة ، قالت : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يتحفّظ من هلال شعبان ما لا يتحفّظ من غيره ، ثم يصوم رمضان لرؤيته ، فإن غُمّ عليه عدّ ثلاثين يوماً ثم صام(٣) .

____________________

(١) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ١٠٠ ، والشرح الكبير ٣ : ١٢.

(٢) المغني ٣ : ١٠١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٢.

(٣) سنن الدار قطني ٢ : ١٥٦ - ١٥٧ / ٤ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٠٦ ، المستدرك - للحاكم - ١ : ٤٢٣ ، ومسند أحمد ٦ : ١٤٩.

١٣٧

ومن طريق الخاصة : قول أمير المؤمنينعليه‌السلام : « فإن غُمّ عليكم ، فعدّوا ثلاثين ليلة ثم أفطروا»(١) .

مسألة ٨٢ : ولا يجوز التعويل على الجدول ، ولا على كلام المنجّمين‌ ؛ لأنّ أصل الجدول مأخوذ من الحساب النجومي في ضبط سير القمر واجتماعه بالشمس ، ولا يجوز المصير إلى كلام المنجّم ولا الاجتهاد فيه - وهو قول أكثر العامة(٢) - لما تقدّم من الروايات ، ولو كان قول المنجّم طريقاً ودليلاً على الهلال ، لوجب أن يبيّنهعليه‌السلام للناس ؛ لأنّهم في محلّ الحاجة اليه ، ولم يَجُز لهعليه‌السلام حصر الدلالة في الرؤية والشهادة.

وحكي عن قوم من العامة أنّهم قالوا : يجتهد في ذلك ، ويرجع الى المنجّمين(٣) . وهو باطل ؛ لما(٤) تقدّم.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « ليس على أهل القبلة إلّا الرؤية ، ليس على المسلمين إلّا الرؤية »(٥) .

والأحاديث متواترة على أنّ الطريق أمّا الرؤية أو مضيّ ثلاثين ، وقد شدّد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في النهي عن سماع كلام المنجّم ، فقالعليه‌السلام : ( من صدّق كاهناً أو منجّماً فهو كافر بما اُنزل على محمد )(٦) .

احتجّوا : بقوله تعالى :( وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) (٧) .

____________________

(١) الفقيه ٢ : ٧٧ / ٣٣٧ ، والتهذيب ٤ : ١٥٨ / ٤٤٠.

(٢) راجع : المجموع ٦ : ٢٨٠ ، وفتح العزيز ٦ : ٢٦٦.

(٣) كما في حلية العلماء ٣ : ١٧٨.

(٤) في « ط ، ن » : بما.

(٥) الكافي ٤ : ٧٧ / ٥ ، الفقيه ٢ : ٧٧ / ٣٣٥ ، التهذيب ، : ١٥٨ / ٤٤٢ ، الاستبصار ٢ : ٦٤ / ٢٠٩.

(٦) أورده المحقق في المعتبر : ٣١١ ، وبتفاوت في المستدرك - للحاكم - ١ : ٨ ، ومسند أحمد ٢ : ٤٢٩.

(٧) النحل : ١٦.

١٣٨

ولأنّ النبيعليه‌السلام قال : ( فإن غُمّ عليكم فَاقدروا له )(١) والتقدير إنّما هو معرفة التسيير والمنازل ، ولذلك رجعنا الى الكواكب والمنازل في القبلة والأوقات ، وهي اُمور شرعية رتّب الشارع عليها أحكاماً كثيرة.

والجواب : الاهتداء بالنجم معرفة الطرق ومسالك البلاد وتعريف الأوقات ، ونقول أيضاً بموجبه ؛ فإنّ رؤية الهلال تهدي الى معرفة أول الشهر ، أمّا قول المنجّم فلا.

وأمّا الحديث : ( فَاقدروا له ثلاثين )(٢) والمراد : أن يحسب شعبان ثلاثين عند قوم ، وتسعة وعشرين عند آخرين.

وأمّا القبلة والوقت فالطريق هو المشاهدة.

وللشافعية وجهان في مَن عرف منازل القمر هل يلزمه الصوم به؟

وأصحّهما عندهم : المنع. والثاني : أنّه يجوز له أن يعمل بحساب نفسه(٣) .

ولو عرفه بالنجوم ، لم يَجُز أن يصوم به عندهم(٤) قولاً واحداً.

مسألة ٨٣ : لا اعتبار بالعدد خلافاً لقوم من الحشوية‌ ذهبوا الى أنّه معتبر ، وأنّ شهور السنة قسمان : تام وناقص ، فرمضان لا ينقص أبداً ، وشعبان لا يتمّ أبداً ؛ لأحاديث منسوبة إلى أهل البيتعليهم‌السلام (٥) ، أصلها حذيفة بن منصور عن الصادقعليه‌السلام ، تارة بواسطة معاذ بن كثير ، واُخرى بغير واسطة ، واُخرى لم يسندها الى إمام : أنّ الصادقعليه‌السلام سأله معاذ : أنّ الناس يقولون : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، صام تسعة‌

____________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ٣٤ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٥٩ - ٧٦٠ / ٦ - ٩ ، سنن النسائي ٤ : ١٣٤ ، سنن الدارمي ٢ : ٣ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٠٤ و ٢٠٥ ، سنن الدار قطني ٢ : ١٦١ / ٢٢.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٧٥٩ / ٤ ، سنن النسائي ٤ : ١٣٣.

(٣ و ٤ ) المجموع ٦ : ٢٨٠ ، فتح العزيز ٦ : ٢٦٦ - ٢٦٧.

(٥) كما في المعتبر : ٣١١.

١٣٩

وعشرين يوماً أكثر ممّا صام ثلاثين ، فقال : « كذبوا ، ما صام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، الى أن قبض أقلّ من ثلاثين يوماً ، ولا نقص شهر رمضان منذ خلق الله السماوات والأرض من ثلاثين يوماً وليلة »(١) .

قال الشيخ : هذا الخبر لا يعوّل عليه.

أمّا أولاً : فلأنّه لم يوجد في شي‌ء من الاُصول المصنّفة ، وإنّما هو موجود في الشواذّ من الأخبار.

وأيضاً ، كتاب حذيفة بن منصور عري عن هذا الحديث ، والكتاب مشهور ، ولو كان الحديث صحيحاً عنده ، لضمنه كتابه.

وأيضاً ، فإنّه مختلف الألفاظ ، مضطرب المعاني ؛ لأنّه تارة يرويه عن الصادقعليه‌السلام ، وتارة يفتي من قِبَل نفسه ، ولا يسنده الى أحد ، وروايته عن الإِمام تارة بواسطة ، واُخرى بغير واسطة ، وهذا دليل اضطرابه وضعفه ، فلا يعارض به المتواتر من الأخبار والقرآن العزيز وعمل جميع المسلمين ، مع أنّه معارض بأحاديث كثيرة مشهورة(٢) :

قال الصادقعليه‌السلام : « شهر رمضان يصيبه ما يصيب الشهور من الزيادة والنقصان ، فإن تغيّمت السماء يوماً ، فأتمّوا العدة ».

وقالعليه‌السلام في شهر رمضان : « هو شهر من الشهور يصيبه ما يصيب الشهور من النقصان»(٣) .

وقال الباقرعليه‌السلام : « حدّثني أبيعليه‌السلام أنّ علياًعليه‌السلام قال : صُمنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تسعة وعشرين يوماً ، وأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لمـّا ثقل في مرضه : أيّها الناس إنّ السنة اثنا عشر شهراً ، منها أربعة حُرُم ، ثم قال بيده فذاك رجب مفرد ، وذو القعدة وذو الحجّة‌

____________________

(١) التهذيب ٤ : ١٦٧ / ٤٧٧ ، الاستبصار ٢ : ٦٥ / ٢١١.

(٢) التهذيب ٤ : ١٦٩.

(٣) التهذيب ٤ : ١٦٠ / ٤٥٢.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324