تذكرة الفقهاء الجزء ١٣

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-389-6
الصفحات: 400

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 964-319-389-6
الصفحات: 400
المشاهدات: 89141
تحميل: 3670


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 400 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 89141 / تحميل: 3670
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 13

مؤلف:
ISBN: 964-319-389-6
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

تَذْكِرَةُ الْفُقَهاء

الجزء الثالث عشر

تأليْفُ : العَلّامِةَ الحِليْ

٢

٣

بسم الله الرحمن الرحيم

٤

٥

تنبيه

بعد الانتهاء من تحقيق المجلّد الثاني عشر من كتابتذكرة الفقهاء وجدنا ثلاث نسخ خطّيّة أُخرى بخطّ النسخ من الكتاب محفوظة في مركز إحياء التراث الإسلامي ، اعتمدناها في عملنا التحقيقي من المجلّد الثالث عشر ، وهي كما يلي :

١ - نسخة برقم ٦١٥ ، وتشتمل على الجزء الثامن من كتاب الديون الى نهاية الجزء الحادي عشر ، ويعود تاريخ نسخها الى شهر ذي القعدة من سنة ١٢٥٧ ه- وقد رمزنا لها بحرف « ث».

٢ - نسخة برقم ٧٩٤ ، وتشتمل على الجزء التاسع من بداية الرهن الى الجزء الرابع عشر نهاية كتاب الوصايا ، وتاريخ نسخها أواخر شعبان من سنة ١٢٦٤ ه- ، وقد رمزنا لها بحرف « ر ».

٣ - نسخة برقم ٢٤٧ ، وتشتمل على الحزء الثاني عشر من كتاب الاجارة الى نهاية الكتاب ، وهي مباحث كتاب النكاح ، ويعود تاريخ نسخها الى سنة ٩٧٠ ه- ، وقد رمزنا لها بحرف « ص ».

واذ نجدّد الشكر الى كلّ مَنْ ساهم في تحقيق هذا الكتاب والذين ذُكرت أسماؤهم في مقدّمة التحقيق لا بدّ الإشادة بجهود الأخ الفاضل حكمت حكيمي ؛ لمساهمته في تحقيق الأجزاء الأخيرة من الكتاب ، سائلين المولى عزّ و جلّ أن يوفّقنا لمراضيه ، والحمد الله ربّ العالمين.

مؤسسة آل البيتعليهم‌السلام لإحياء التراث

٦

٧

كتاب الديون و توابعها

وفيه مقاصد :

المقصد الأوّل : في الديون و أحكامها.

و فيه فصول:

الأوّل : في مطلق الدَّيْن

مسألة ١ : تكره الاستدانة كراهةً شديدة مع عدم الحاجة.

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « إيّاكم والدَّيْن فإنّه مذلّة بالنهار ومهمّة(١) بالليل ، وقضاء في الدنيا وقضاء في الآخرة »(٢) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « نعوذ بالله من غلبة الدَّيْن وغلبة الرجال وبوار الأيِّم(٣) »(٤) .

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ومذلّة » بدل « ومهمّة » وما أثبتناه من المصدر. وهمّه الأمر همّاً ومهمّةً : حزنه ، كأهمّه فاهتمّ. القاموس المحيط ٤ : ١٩٢.

(٢) الكافي ٥ : ٩٥ / ١١ ، الفقيه ٣ : ١١١ / ٤٦٨ ، علل الشرائع ٥٢٧ ( الباب ٣١٢ ) الحديث ٢.

(٣) أي : كسادها ، من بارت السوق إذا كسدت ، والأيّم : التي لا زوج لها وهي مع ذلك لا يرغب فيها أحد. النهاية لابن الأثير ١ : ١٦١ « بور ».

(٤) التهذيب ٦ : ١٨٣ / ٣٧٧.

٨

وقال معاوية بن وهب للصادقعليه‌السلام : إنّه ذُكر لنا أنّ رجلاً من الأنصار مات وعليه ديناران فلم يصلّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله عليه وقال : « صلّوا على صاحبكم » حتى ضمنهما بعض قرابته ، فقال الصادقعليه‌السلام : « ذلك الحقّ » ثمّ قال : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إنّما فعل ذلك ليتّعظوا ، وليردّ بعضهم على بعض ، ولئلّا يستخفّوا بالدين ، وقد مات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليه دَيْنٌ ، ومات الحسنعليه‌السلام وعليه دَيْنٌ ، وقتل الحسينعليه‌السلام وعليه دَيْنٌ »(١) .

وقال الباقرعليه‌السلام : « كلّ ذنب يكفّره القتل في سبيل الله عزّ وجلّ إلّا الدَّيْن لا كفّارة له إلّا أداؤه أو يقضي صاحبه أو يعفو الذي له الحقّ »(٢) .

مسألة ٢ : وتخفّ الكراهة مع الحاجة ، فإن اشتدّت ، زالت.

ولو خاف التلف ولا وجه له إلّا الاستدانة ، وجبت.

قال الرضاعليه‌السلام : « مَنْ طلب هذا الرزق من حلّه ليعود به على عياله ونفسه كان كالمجاهد في سبيل الله عزّ وجلّ ، فإن غُلب عليه فليستدن على الله عزّ وجلّ وعلى رسوله ما يقوت به عياله ، فإن مات ولم يقضه ، كان على الإمام قضاؤه ، فإن لم يقضه ، كان عليه وزره ، إنّ الله تعالى يقول :( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ ) (٣) فهو فقير مسكين مغرم »(٤) .

مسألة ٣ : ويكره له الانقطاع عن طلب الرزق ومنع صاحب الدَّيْن دَيْنه.

قال أبو تمامة(٥) للجوادعليه‌السلام : إنّي اُريد أن ألزم مكة والمدينة وعليَّ

____________________

(١) الكافي ٥ : ٩٣ / ٢ ، التهذيب ٦ : ١٨٣ - ١٨٤ / ٣٧٨.

(٢) الكافي ٥ : ٩٤ / ٦ ، الخصال : ١٢ / ٤٢ ، علل الشرائع : ٥٢٨ ( الباب ٣١٢ ) ح ٤ ، التهذيب ٦ : ١٨٤ / ٣٨٠.

(٣) التوبة : ٦٠.

(٤) الكافي ٥ : ٩٣ / ٣ ، التهذيب ٦ : ١٨٤ / ٣٨١.

(٥) في الفقيه : « أبو ثمامة » بالثاء المثلّثة.

٩

دَيْنٌ فما تقول؟ فقال : « ارجع إلى مؤدّى دَيْنك ، وانظر أن تلقى الله عزّ وجلّ وليس عليك دَيْنٌ ، إنّ المؤمن لا يخون »(١) .

مسألة ٤ : ولو احتاج إلى الدَّيْن وكان له مَنْ يقوم مقامه في الأداء بعد موته ، جاز له الاستدانة من غير كراهية.

وكذا إذا كان له وفاء ، جاز له الاستدانة.

ولو لم يكن وتمكّن من سؤال الناس ، كان أولى من الاستدانة.

قال سلمة : سألت الصادقَعليه‌السلام : الرجل منّا يكون عنده الشي‌ء يتبلّغ به وعليه دَيْنٌ ، أيطعمه عياله حتى يأتي الله عزّ وجلّ أمره فيقضي دَيْنه ، أو يستقرض على ظهره في خبث الزمان وشدّة المكاسب ، أو يقبل الصدقة؟ قال : « يقضي ممّا عنده دَيْنه ، ولا يأكل أموال الناس إلّا وعنده ما يؤدّي إليهم حقوقهم ، إنّ الله تعالى يقول :( لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) (٢) ولا يستقرض على ظهره إلّا وعنده وفاء ، ولو طاف على أبواب الناس يردّوه باللقمة واللقمتين والتمرة والتمرتين إلّا أن يكون له وليّ يقضي من بعده ، ليس منّا مَنْ يموت إلّا جعل الله عزّ وجلّ له وليّاً يقوم في عدته ودَيْنه فيقضي عِدته ودَيْنه »(٣) .

مسألة ٥ : ويجب على المستدين نيّة القضاء ؛ لأنّه واجب.

قال الصادقعليه‌السلام « مَنْ كان عليه دَيْنٌ ينوي قضاءه كان معه من الله عزّ وجلّ حافظان يعينانه على الأداء عن أمامه(٤) ، فإن قصرت(٥) نيّته عن

____________________

(١) الكافي ٥ : ٩٤ / ٩ ، الفقيه ٣ : ١١١ ١١٢ / ٤٧٢ ، التهذيب ٦ : ١٨٤ ١٨٥ / ٣٨٢.

(٢) النساء : ٢٩.

(٣) التهذيب ٦ : ١٨٥ / ٣٨٣ ، الكافي ٥ : ٩٥ ٩٦ / ٢ ، وفيه عن سماعة ، وبتفاوت في بعض الألفاظ فيهما.

(٤) في المصادر : « أمانته ». بدل«أمامه».

(٥) في «س» والتذيب : « قصر».

١٠

الأداء قصّرا عنه من المعونة بقدر ما نقّص من نيّته »(١) .

إذا ثبت هذا ، فإذا قضي الدَّيْن عن الميّت برئت ذمّته.

قال الوليد بن صبيح : جاء رجل إلى الصادقعليه‌السلام يدّعي على المعلّى بن خنيس دَيْناً عليه وقال : ذهب بحقّي ، فقال له الصادقعليه‌السلام : « ذهب بحقّك الذي قتله » ثمّ قال للوليد : « قُمْ إلى الرجل فاقضه حقّه فإنّي أُريد أن تبرد عليه جلدته(٢) وإن كان بارداً »(٣) .

مسألة ٦ : ويكره النزول على المديون ؛ لما فيه من الإضرار به ، فإن فَعَل ، فلا يزيد على ثلاثة أيّام ؛ لأنّ الصادقعليه‌السلام كره أن ينزل الرجل على الرجل وله عليه دَيْنٌ وإن كان وزنها(٤) له ثلاثة أيّام(٥) .

وسأل سماعةُ الصادقَعليه‌السلام عن الرجل ينزل على الرجل وله عليه دَيْنٌ أيأكل من طعامه؟ قال : « نعم ، يأكل من طعامه ثلاثة أيّام ثمّ لا يأكل بعد ذلك شيئاً »(٦) .

وفي الصحيح عن الحلبي عن الصادقعليه‌السلام أنّه كره للرجل أن ينزل غلى غريمه ، قال : « لا يأكل من طعامه ولا يشرب من شرابه ولا يعلف(٧) من علفه »(٨) .

____________________

(١) الكافي ٥ : ٩٥ / ١ ، الفقيه ٣ : ١١٢ / ٤٧٣ ، التهذيب ٦ : ١٨٥ / ٣٨٤.

(٢) في المصدر : « جلده ».

(٣) الكافي ٥ : ٩٤ / ٨ ، التهذيب ٦ : ١٨٦ / ٣٨٦ بتفاوت يسير.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « بديها » بدل « وزنها » وفي الكافي « صرّها ». وما أثبتناه من التهذيب.

(٥) التهذيب ٦ : ١٨٨ / ٣٩٣ ، الكافي ٥ : ١٠٢ ( باب النزول على الغريم ) الحديث ١.

(٦) الكافي ٥ : ١٠٢ ( باب النزول على الغريم ) الحديث ٢ ، الفقيه ٣ : ١١٥ / ٤٩١ ، التهذيب ٦ : ٢٠٤ / ٤٦٣.

(٧) كذا ، في المصدر : « ولا يعتلف ».

(٨) التهذيب ٦ : ٢٠٤ / ٤٦٥.

١١

مسألة ٧ : ولا ينبغي للرجل أن يحبس الدَّيْن عن صاحبه مخافة الفقر ؛ لقول الباقرعليه‌السلام : « مَنْ حبس حقّ امرئ مسلم وهو يقدر أن يعطيه إيّاه مخافة إن خرج ذلك الحقّ من يديه أن يفتقر كان الله أقدر على أن يفقره منه أن يغني نفسه بحبس ذلك الحقّ »(١) .

وينبغي للمديون السعي في قضاء الدَّيْن ، وأن يترك الإسراف في النفقة ، وأن يقنع بالقصد ، ولا يجب عليه أن يضيّق على نفسه ، بل يكون بين ذلك قواماً.

ويستحبّ لصاحب الدَّيْن الإرفاق بالمديون ، وترك الاستقصاء في مطالبته ومحاسبته ؛ لما رواه حمّاد بن عثمان قال : دخل على الصادقعليه‌السلام رجل من أصحابه فشكا إليه رجلاً من أصحابه ، فلم يلبث أن جاء المشكو ، فقال له أبو عبد اللهعليه‌السلام : « ما لأخيك فلان يشكوك؟ » فقال له : يشكوني أن استقضيت حقّي ، قال : فجلس مغضباً ثمّ قال : « كأنّك إذا استقضيت حقّك لم تسئ ، أرأيتك ما حكاه الله تعالى فقال ( يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ )(٢) إنّما خافوا أن يجوز الله عليهم؟ لا والله ما خافوا إلاّ الاستقضاء ، فسمّاه الله تعالى سوء الحساب ، فمن استقضى فقد أساء »(٣) .

ويستحبّ لصاحب الدَّيْن إبراء المديون إذا مات معسراً.

قال إبراهيم(٤) بن عبد الحميد للصادقعليه‌السلام : إنّ لعبد الرحمن بن سيابة دَيْناً على رجل قد مات وكلّمناه على أن يحلّله فأبى ، قال : « ويحه أما يعلم أنّ

____________________

(١) التهذيب ٦ : ١٨٩ / ٣٩٩.

(٢) الرعد : ٢١.

(٣) التهذيب ٦ : ١٩٤ / ٤٢٥.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة بدل إبراهيم « أبو تميم » وهي تصحيف. وما أثبتناه كما في المصدر.

١٢

له بكلّ درهم عشرةً إذا حلّله ، فإن لم يحلّله فإنّما له بدل درهم درهم(١) »(٢) .

وينبغي لصاحب الدَّيْن احتساب ما يهديه إليه المديون ممّا لم تجر عادته بهديّة مثله له - من الدَّيْن ؛ لأنّ رجلاً أتى عليّاًعليه‌السلام ، قال : إنّ لي علي رجل دَيْناً فأهدى إليَّ ، قال : قال : « احسبه من دَيْنك »(٣) .

مسألة ٨ : لو التجأ المديون إلى الحرم ، لم تجز مطالبته فيه ، بل يُضيَّق عليه في المطعم والمشرب إلى أن يخرج ويُطالَب حينئذٍ ، وكذا إن وجب عليه حدّ فالتجأ إليه ؛ لقوله تعالى :( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) (٤) .

ولأنّ سماعة بن مهران سأل الصادقَعليه‌السلام : عن رجل لي عليه مال فغاب عنّي زماناً فرأيته يطوف حول الكعبة فأتقضاه؟ قال : قال : « لا تسلّم عليه(٦) ولا تروّعه حتى يخرج من الحرم»(٦) .

أمّا لو استدان فيه ، فالوجه : جواز المطالبة فيه ، كالحدود.

ولو غاب المديون ، قضى عنه وكيله إن كان له وكيل ، وإلّا قضاه الحاكم ؛ لما رواه محمّد بن مسلم عن الباقرعليه‌السلام قال : « الغائب يقضى عنه إذا قامت البيّنة عليه ، ويُباع ماله ويقضى عنه وهو غائب ، ويكون الغائب على حجّته إذا قدم ، ولا يدفع المال إلى‌الذي أقام البيّنة إلّا بكفلاء إذا لم يكن مليّاً »(٧) .

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « بدرهم » بدل « درهم » وما أثبتناه كما في المصدر.

(٢) التهذيب ٦ : ١٩٥ / ٤٢٧.

(٣) الكافي ٥ : ١٠٣ ( باب هديّة الغريم ) الحديث ١ ، التهذيب ٦ : ١٩ / ٤٠٤ ، الإستبصار ٣ : ٩ / ٢٣.

(٤) آل عمران : ٩٧.

(٥) في « ي » : « لا ، ولا تسلّم عليه » وفي الكافي بدون حرف الواو.

(٦) الكافي ٤ : ٢٤١ ( باب في مَنْ رأى غريمه في الحرم ) الحديث ١ ، التهذيب ٦ : ١٩٤ / ٤٢٣.

(٧) الكافي ٥ : ١٠٢ ( باب إذا التوى الذي ) الحديث ٢ ، التهذيب ٦ : ١٩١ / ٤١٣.

١٣

الفصل الثاني : في القضاء‌

مسألة ٩ : يجب على المديون المبادرة إلى قضاء الدَّيْن ، ولا يحلّ تأخيره مع حلوله وتمكّنه من الأداء ومطالبة صاحب الدَّيْن ، فإن أخّر والحال هذه ، كان عاصياً ، ووجب على الحاكم حبسه ؛ لأنّ الصادقعليه‌السلام قال : « كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يحبس الرجل إذا التوى على غرمائه ، ثمّ يأمر فيقسّم ماله بينهم بالحصص ، فإن أبى باعه فقسّمه بينهم ، يعني ماله »(١) .

إذا ثبت هذا ، فلو أصرّ على الالتواء ، كان فاسقاً لا تُقبل شهادته ، ولا تصحّ صلاته في أوّل الوقت ، بل إذا تضيّق ، ولا يصحّ منه فعل شي‌ء من الواجبات الموسّعة المنافية للقضاء في أوّل أوقاتها ، وكذا غير الديون من الحقوق الواجبة كالزكاة والخمس وإن لم يطالب بها الحاكم ؛ لأنّ أربابها في العادة مطالبون.

مسألة ١٠ : لو مات المديون ولم يتمكّن من القضاء ولم يخلّف شيئاً البتّة ، لم يكن معاقباً إذا لم ينفقه في المعصية وكان في عزمه القضاءُ. ولو أنفقه في المعصية أو لم يكن في عزمه القضاءُ ، كان مأثوماً.

قال عبد الغفّار الجازي : سألت الصادقَعليه‌السلام : عن رجل مات وعليه دَيْنٌ ، قال : « إن كان على بدنه أنفقه من غير فساد ، لم يؤاخذه الله عزّ وجلّ إذا علم من نيّته الأداء إلاّ مَنْ كان لا يريد أن يؤدّي عن أمانته فهو بمنزلة

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٠٢ ( باب إذا التوى الذي ) ح ١ ، التهذيب ٦ : ١٩١ / ٤١٢ ، الاستبصار ٣ : ٧ / ١٥.

١٤

السارق ، وكذلك الزكاة أيضاً ، وكذلك مَن استحلّ أن يذهب بمهور‌ النساء »(١) .

مسألة ١١ : إذا طُولب المديون بالدَّيْن الحالّ أو المؤجَّل بعد حلوله وكان متمكّناً من القضاء ، وجب عليه ، ويجب عليه دفع جميع ما يملكه ، عدا دار السكنى وعبد الخدمة وفرس لا ركوب وقوت يوم وليلة له ولعياله.

ولا يجوز بيع دار السكنى عند علمائنا أجمع خلافاً للعامّة(٢) - لأنّ في ذلك إضراراً بالمديون ؛ إذ لا بدّ له من مسكن ، فإنّ الإنسان مدنيّ بالطبع لا يمكنه أن يعيش بغير مسكن ، فأشبه النفقة التي تُقدم على الدَّيْن.

وقال زرارة للصادقعليه‌السلام : إنّ لي على رجل ديناً قد أراد أن يبيع داره فيعطيني ، قال : فقال أبو عبد الله الصادقعليه‌السلام : « اُعيذك بالله أن تخرجه من ظلّ رأسه ، اُعيذك بالله أن تخرجه من ظلّ رأسه »(٣) .

وروى إبراهيم بن هاشم أنّ محمّد بن أبي عمير كان رجلاً بزّازاً فذهب ماله وافتقر ، وكان له على رجل عشرة الاف درهم فباع داراً له كان يسكنها بعشرة آلاف درهم ، وحمل المال إلى بابه ، فخرج إليه محمّد بن أبي عمير فقال : ما هذا؟ قال : هذا مالك الذي لك عليّ ، قال : ورثته؟ قال : لا ، قال : وُهب لك؟ قال : لا ، قال : فهل هو ثمن ضيعة بعتها؟ قال : لا ، قال : فما هو؟ قال : بعت داري التي أسكنها لأقضي دَيْني ، فقال محمّد بن‌ أبي عمير : حدّثني ذريح المحاربي عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال : « لا يخرج

____________________

(١) التهذيب ٦ : ١٩١ / ٤١١.

(٢) مختصر المزني : ١٠٤ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٢٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٠ ، المغني ٤ : ٥٣٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٣٦.

(٣) التهذيب ٦ : ١٨٧ / ٣٩٠ ، الاستبصار ٣ : ٦ / ١٣.

١٥

الرجل من مسقط رأسه بالدَّيْن » ارفعها فلا حاجة لي فيها ، والله إنّي لمحتاج في وقتي هذا إلى درهمٍ واحد ، وما يدخل ملكي منها درهم واحد(١) .

وفي وجهٍ لبعض الشافعية(٢) مثل ما قلناه.

ثمّ اعترض العامّة على أنفسهم بأنّ مَنْ وجبت عليه الكفّارة لا يباع عليه مسكنه وخادمه ، فما الفرق؟

وأجابوا بأنّ حقوق الله تعالى وجبت على سبيل المساهلة والرفق ، وحقوق الآدميّين على سبيل المشاحّة. ولأنّ الكفّارة لها بدل ينتقل إليه ، والدَّيْن بخلافه. ولأنّ حقوق الله تعالى لم تجب على سبيل المعاوضة ، وحقوق الآدميّين وجبت(٣) على سبيل المعاوضة ، فكانت آكد ، ولهذا لو وجب حقّ الله تعالى على سبيل العوض مثل أن يتلف شيئاً من الزكاة ، فإنّه يباع فيه مسكنه ، ولهذا يباع مسكنه في نفقة الزوجة دون نفقة الأقارب(٤) .

وهو ممنوع ، ولهذا جوّزنا له أخذ الزكاة مع المسكن والخادم ، فكان في حكم الفقير.

مسألة ١٢ : ولو كانت دار غلّة ، جاز بيعها في الدَّيْن كغيرها من أمواله ؛ إذ لا سكنى فيها.

وقال مسعدة بن صدق : سمعت الصادقعليه‌السلام وسُئل عن رجل عليه دَيْنٌ وله نصيب في دار وهي تغلّ غلّة فربما بلغت غلّتها قوته وربّما لم تبلغ‌

____________________

(١) الفقيه ٣ : ١١٧ ١١٨ / ٥٠١ ، التهذيب ٦ : ١٩٨ / ٤٤١.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٣٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٠.

(٣) في « ي » : « تجب » بدل « وجبت ».

(٤) راجع : الحاوي الكبير ٦ : ٣٢٨ ، والتهذيب - للبغوي - ٤ : ١٠٦ ، والعزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢.

١٦

حتى يستدين ، فإن هو باع الدار وقضى دَيْنه بقي لا دار له ، فقال : « إن كان في داره ما يقضي به دَيْنه ويفضل منها ما يكفيه وعياله فليبع الدار ، وإلّا فلا »(١) .

مسألة ١٣ : وكذا لا يباع خادمه إذا كان من أهل الاخدام ؛ للحاجة إليه - خلافاً للعامّة لما قلناه في الدار.

ولما رواه الحلبي - في الحسن - عن الصادقعليه‌السلام (٢) قال : « لا تباع الدار ولا الجارية في الدَّيْن ، وذلك أنّه لا بُدَّ للرجل من ظلٍّ يسكنه وخادم يخدمه »(٣) .

وفيه وجهٌ للشافعيّة : أنّه لا يباع إذا كان لائقاً به(٤) ، كما اخترناه.

وفي وجهٍ آخَر : أنّه يباع هو والمسكن(٥) .كما قلناه.

وثالثٍ : أنّه يباع الخادم دون المسكن(٦) .

وكذا لا يباع عليه فرس الركوب.

ولو كان له خادمان ، بيع أحدهما ؛ لاندفاع الضرورة بالآخر.

وكذا لو كان سكناه فضلة يستغني عنها ، وجب بيع تلك الفضلة ؛ لعدم الضرورة إليها ، ولحديث مسعدة ، وقد سبق(٧) .

____________________

(١) التهذيب ٦ : ١٩٨ / ٤٤٠ ، الاستبصار ٣ : ٧ / ١٦.

(٢) مختصر المزني : ١٠٤ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٢٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٠.

(٣) الكافي ٥ : ٩٦ / ٣ ، التهذيب ٦ : ١٨٦ / ٣٨٧ ، الاستبصار ٣ : ٦ / ١٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٠.

(٥) مختصر المزني : ١٠٤ ، الحاوي الكبير ٦ : ٣٢٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٠٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٠ ، منهاج الطالبين : ١٢١.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٨٠.

(٧) في ص ١٥ - ١٦ ، صدر المسألة ١٢.

١٧

ولا يكلَّف بيع داره وشراء أدون إذا كانت داره بقدر كفايته. وكذا لا يكلَّف بيع خادمه وشراء أدون ، ولا بيع فرسه وشراء أدون ؛ للأصل ، وعموم النهي عن بيع هذه الأشياء.

قال ابن بابويه : كان شيخنا محمّد بن الحسن يروي أنّه إذا كانت الدار واسعةً يكتفي صاحبها ببعضها ، فعليه أن يسكن منها ما يحتاج إليه ، ويقضي ببعضها دَيْنه ، وكذا إن كفته دار بدون ثمنها ، باعها واشترى من ثمنها داراً يسكنها ، ويقضي بباقي الثمن دَيْنه(١) .

نعم لو كانت دار السكنى وعبد الخدمة أو فرس الركوب أو ثوبه الذي يلبسه رهناً ، جاز بيعه ، كما أنّه لو باشر بيع هذه الأشياء باختياره ، جاز قبض ثمنه كذا هنا.

مسألة ١٤ : إذا غاب صاحب الدَّيْن ، وجب على المديون نيّة القضاء إذا وجده ، وأن يعزل دَيْنه عند وفاته أو يوصي به ليوصل إلى مالكه إن وجد أو إلى وارثه.

ولو جهله ، اجتهد في طلبه ، فإن أيس منه ، قيل : يتصدّق به عنه(٢) .

وإذا علم الله تعالى منه نيّة الأداء ، لم يكن عليه إثم ؛ لما رواه زرارة قال : سألت الباقرَعليه‌السلام [ عن ](٣) الرجل يكون عليه الدَّيْن لا يقدر على صاحبه ولا على وليّ له ولا يدري بأي أرض هو ، قال : « لا جناح عليه بعد‌ أن يعلم الله تعالى منه أنّ نيّته الأداء »(٤) .

____________________

(١) الفقيه ٣ : ١١٨ / ٥٠٢.

(٢) قال به الشيخ الطوسي في النهاية : ٣٠٧.

(٣) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٤) التهذيب ٦ : ١٨٨ / ٣٩٥.

١٨

وسئل الصادقعليه‌السلام عن رجل كان له على رجل حقٌّ ففُقد ولا يدري أحيّ هو أم ميّت ولا يعرف له وارث ولا نسيب(١) ولا بلد ، قال : « اطلبه » قال : إنّ ذلك قد طال فأُصدّق به؟ قال : « اطلبه »(٢) .

وهذه الرواية صحيحة السند ، وهي تدلّ من حيث المفهوم على منع الصدقة ، ووجوب الطلب دائماً.

ولو كفل الوليّ حال موت المديون المالَ ، سقط ذمّة المديون مع رضا الغرماء ؛ لرواية إسحاق بن عمّار عن الصادقعليه‌السلام في الرجل يكون عليه دَيْن فحضره(٣) الموت فيقول وليّه : عليَّ دَيْنك ، قال : « يبرئه ذلك وإن لم يوفه وليّه من بعده » وقال : « أرجو أن لا يأثم ، وإنّما إثمه على الذي يحبسه »(٤) .

وفي الصحيح عن الصادقعليه‌السلام في الرجل يموت وعليه دَيْنٌ فيضمنه ضامن للغرماء ، فقال : « إذا رضي به الغرماء فقد برئت ذمّة الميّت »(٥) .

مسألة ١٥ : لا تحلّ مطالبة المعسر ولا حبسه ولا ملازمته ، عند علمائنا أجمع وبه قال الشافعي ومالك(٦) - لقوله تعالى : ‌( وَإِنْ كانَ ذُو

____________________

(١) في المصدر : « نسب ».

(٢) التهذيب ٦ : ١٨٨ / ٣٩٦.

(٣) في « ث ، س » والطبعة الحجريّة : « فيحضره ».

(٤) التهذيب ٦ : ١٨٨ / ٣٩٧.

(٥) الكافي ٥ : ٩٩ ( باب أنّه إذا مات الرجل حلّ دَيْنه ) الحديث ٢ ، الفقيه ٣ : ١١٦ / ٤٩٧ ، التهذيب ٦ : ١٨٧ / ٣٩٢.

(٦) الحاوي الكبير ٦ : ٣٣٢ ، حلية العلماء ٤ : ٤٨٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٧٢ ، المغني ٤ : ٥٤٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠٠ ، المعونة ٢ : ١١٨٣ ، الذخيرة ٨ : ١٥٩ ، التلقين ٢ : ٤٢٩.

١٩

عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ ) (١) .

ولقول الباقرعليه‌السلام : « إنّ علياًعليه‌السلام كان يحبس في الدَّيْن ، فإذا تبيّن له إفلاس وحاجة خلّى سبيله حتى يستفيد مالاً »(٢) .

ولأنّ مَنْ ليس له مطالبته ليس له ملازمته ، كما لو كان دَيْنه مؤجَّلاً.

وقال أبو حنيفة : إذا ثبت إعساره وخلّاه الحاكم ، كان للغرماء ملازمته ، إلّا أنّهم لا يمنعونه من الاكتساب ، فإذا رجع إلى بيته فإن أذن لهم في الدخول دخلوا معه ، وإن لم يأذن لهم ، منعوه من الدخول ؛ لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لصاحب الحقّ اليد واللسان »(٣) ويريد باليد الملازمة(٤) .

وهو محمول على الموسر ؛ لما تقدّم.

إذا تقرّر هذا ، فإن طُولب المعسر وخاف الحبس أو الإلزام إن اعترف ، جاز له الإنكار للدَّيْن والحلف على انتفائه ، ويجب عليه التورية ، ونيّة القضاء مع المكنة.

مسألة ١٦ : ولو استدانت الزوجة النفقةَ الواجبة ، وجب على الزوج دفع عوضه ؛ لأنّه في الحقيقة دَيْنٌ عليه.

ولما رواه الباقرعليه‌السلام قال : « قال عليّعليه‌السلام المرأة تستدين على زوجها‌ وهو غائب ، فقال : يقضي عنها ما استدانت بالمعروف »(٥) .

____________________

(١) البقرة : ٢٨٠.

(٢) التهذيب ٦ : ٢٩٩ / ٨٣٤ ، الاستبصار ٣ : ٤٧ / ١٥٦.

(٣) الكامل - لابن عدي - ٦ : ٢٢٨١.

(٤) بدائع الصنائع ٧ : ١٧٣ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢٨٦ ، المعونة ٢ : ١١٨٣ ، الذخيرة ٨ : ١٥٩ ، حلية العلماء ٤ : ٤٨٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦ ، المغني ٤ : ٥٤٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٥٠٠.

(٥) التهذيب ٦ : ١٩٤ - ١٩٥ / ٤٢٦.

٢٠