تذكرة الفقهاء الجزء ١٣

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-389-6
الصفحات: 400

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 964-319-389-6
الصفحات: 400
المشاهدات: 90703
تحميل: 3730


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 400 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 90703 / تحميل: 3730
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 13

مؤلف:
ISBN: 964-319-389-6
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مذهبنا ومذهب الشافعيّة(١) ، سواء قالوا بأنّه عارية أو مضمون ؛ لأنّ المالك إن كان ضامناً ، فقد قضى عنه الدَّيْن. وإن كان عاريةً ، فهو قيمتها ، وهي مضمونة عليه.

وإن بِيع بأقلّ من ثمن المثل إلّا أنّه بما يتغابن الناس بمثله ، فالبيع صحيح ، ويرجع المالك بتمام القيمة ، وهو قول الشافعي على تقدير قول العارية ، وأمّا على قوله بالضمان فلا يرجع إلّا بما بِيع ؛ لأنّه لم يقض من الدَّيْن إلّا ذلك القدر(٢) .

وإن بِيع بأكثر من ثمن المثل ، رجع بذلك أيضاً ؛ لأنّه ثمن ماله ، وهو قول الشافعي على تقدير القول بالضمان ، وأمّا على قوله بالعارية فقولان :

أحدهما : أنّه لا يرجع إلّا بالقيمة خاصَّةً ؛ لأنّ العارية تضمن بالقيمة مع التلف ، والبيع بمنزلة الإتلاف ، فيكون الواجب للمالك هو القيمة لا غير ، كسائر العواري التالفة إذا وجب ضمانها ، وهو قول أكثر أصحابه.

والثاني : أنّه يرجع بجميع ما بِيع به(٣) - كما اخترناه - لأنّ بيع العبد واجب عليه ، وثمنه له ، ولهذا لو أسقط المرتهن حقّه عن الراهن ، رجع ثمن العبد إلى صاحبه ، فإذا قضي به دَيْن الراهن ، رجع به عليه ، وإنّما يضمن القيمة إذا كان الثمن دونها.

مسألة ١٠٦ : لو تلف العبد المستعار للرهن في يد المرتهن ، فإن كان بتفريطه ، ضمن القيمة للمالك ، وإن كان بغير تفريطه ، فلا ضمان عليه ؛ لأنّ المرتهن أمسكه على أنّه رهن لا عارية ، والمرتهن أمين للراهن لا يضمن ما يتلف في يده من الرهن على ما يأتي. ويضمن الراهن للمالك قيمته أو

____________________

(١-٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٤.

١٢١

ما بِيع به إن كان أكثر ؛ لأنّه عندنا عارية مضمونة ، وهو أحد قولي الشافعي(١) على تقدير أنّه عارية ، وعلى القول الآخَر(٢) : إنّه ضمانٌ لا شي‌ء على الراهن عنده ، بل تلف من مالكه ؛ لأنّه لم يقبض عنه شيئاً ، والضامن إنّما يرجع بما أدّى ، ولم يسقط الحقّ عن ذمّة الراهن.

وقال أبو حنيفة : إنّه يرجع عليه بما سقط بذاك من حقّ المرتهن ؛ لأنّ مذهبه أنّ الرهن مضمون على المرتهن بدَيْنه(٣) ، فكأنّه قضى عنه ذلك.

وإن تلف العبد في يد الراهن ، ضمن ، سواء فرّط فيه أو لا ؛ لما قلنا من أنّه عارية مضمونة ، وهو أحد قولي الشافعيّة. والثاني : أنّه يبنى على القولين ، كما لو تلف في يد المرتهن(٤) .

مسألة ١٠٧ : لو جنى في يد المرتهن أو في يد الراهن فبِيع في‌ الجناية ، كان على الراهن ضمانه ؛ لما بيّنّا أنّه عارية مضمونة ، وهو أحد قولي الشافعي بناءً على القول بأنّه عارية(٥) .

قال الجويني : هذا إذا قلنا : العارية تضمن ضمان المغصوب ، وإلّا فلا شي‌ء عليه(٦) .

وعلى القول الثاني : إنّه ضمان ، فلا شي‌ء عليه في هذه الصورة(٧) .

وقال بعض الشافعيّة : قول الضمان أرجح(٨) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ المالك يرجع بالأكثر من قيمة العبد ومن الثمن الذي بِيع به في الجناية ؛ لأنّه على كلا التقديرين ثمن ملكه ، فيكون له.

____________________

(١و٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٤.

(٣) المبسوط - للسرخسي - ٢١ : ٦٤ - ٦٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٢٨.

(٤-٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٤.

(٧و٨) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٦.

١٢٢

مسألة ١٠٨ : إذا أذن في الرهن فإن سوّغ له الرهن كيف شاء ، جاز للراهن أن يرهن على أيّ مقدار شاء وعند أيّ مرتهن شاء وكيف شاء من حلول أو تأجيل إلى أيّ أجل شاء ؛ لأنّ تعميم هذا النوع من التصرّف يجري مجرى التنصيص على كلّ واحد من الجزئيّات ، ولا ريب أنّه لو نصّ على أيّ جزئيّ كان ، صحّ ، فكذا مع ما يقوم مقامه.

وإن خصّص البعض وعمّم الباقي ، تخصّص ما خصّصه ، ولا يجوز له التجاوز ، إلّا مع الغبطة للمالك ، وساغ التصرّف في الباقي كيف شاء.

فلو أذن له في الرهن على مائة عند مَنْ شاء وكيف شاء ، لم يجز له التجاوز في القدر إلّا في الأقلّ ، وجاز التعميم في الباقي.

ولو أذن له في الرهن عند مَنْ شاء على أيّ قدر شاء إلى سنة ، تخيّر في القدر قلّةً وكثرةً وفي الغرماء ، ولم يجز له التجاوز عن السنة إلّا ما دون ؛ لاشتماله على الغبطة للراهن.

ولو عيّن المرتهن ، تعيّن ، ولم يجز التجاوز مطلقاً.

ولو أطلق الإذن ولم يقيّده بتعميمٍ ولا تخصيص ، احتُمل الجواز ؛ للإطلاق ، وانتفاء التخصيص ؛ لعدم الأولويّة بالبعض دون البعض ، وبه قال أبو حنيفة(١) .

والمنعُ ؛ لما فيه من التغرير بالمالك ، لاحتمال أن يرهنه على أضعاف قيمته وإلى مدّة تزيد على عمره ، ولا غرر أعظم من ذلك. وهو الأقوى ، فحينئذٍ يجب بيان جنس الدَّيْن وقدره وصفته في الحلول والتأجيل وغيرهما - وهو قول الشافعي على القول بأنّه ضمان(٢) - لاختلاف أغراض الضامن

____________________

(١) بدائع الصنائع ٦ : ١٣٦ ، المغني ٤ : ٤١٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٤ - ٢٩٥.

١٢٣

بذلك.

ونقل بعض الشافعيّة عن القديم للشافعي أنّه يجوز السكوت عن ذكر الحلول والتأجيل(١) .

وهل يجب بيان مَنْ يرهن عنده؟ الأصحّ عندهم : الوجوب(٢) .

ولهم وجهٌ آخَر : أنّه لا يجب(٣) .

وعلى القولين إذا عيّن شيئاً من ذلك لم تجُزْ مخالفته. نعم ، لو عيّن قدراً ، جاز أن يرهن بما دونه(٤) .

تذنيب : لو عيّن له القدر فزاد عليه ، احتُمل بطلانُ الزائد خاصَّةً ، ويبقى رهناً على المأذون فيه لا غير. وبطلانُ الجميع ؛ للمخالفة ، كما لو باع الوكيل بالغبن الفاحش ، لا نقول : ( يصحّ البيع )(٥) في القدر الذي يساوي‌ الثمن.

وللشافعي قولان كالاحتمالين ، لكنّهم قالوا على تقدير البطلان في الزيادة لا غير : يبقي في المأذون قولا تفريق الصفقة(٦) .

تذنيبٌ آخَر : لو قال المستعير : أعرني لأرهنه بألف ، أو من فلان ، فأعاره ، فالوجه : التخصيص بما خصّصه المستعير في السؤال ، كما لو خصّصه المعير بنفسه - وهو أظهر وجهي الشافعيّة(٧) - تنزيلاً للإسعاف على الالتماس.

مسألة ١٠٩ : إذا طالَب صاحبُ العبد الراهنَ بفكّه ، فلم يفكّه ففكّه

____________________

(١-٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٥.

(٥) بدل ما بين القوسين في « ج » والطبعة الحجريّة : « يصحّ من المبيع ». والظاهر ما أثبتناه.

(٦و٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٥.

١٢٤

صاحبه ، فإن كان بغير إذنه ، لم يرجع على الراهن ، وكان متبرّعاً متطوّعاً في قضاء دَيْن الراهن ، فليس له مطالبته ، كما لو تبرّع إنسان بقضاء دَيْن غير من غير مسألة.

وإن قضاه بإذن الراهن ، رجع عليه وإن لم يشترط الرجوع ؛ لأنّه قد تعلّق برقبة عبده.

فإن اختلف الراهن وسيّد العبد في الإذن ، فادّعاه السيّد وأنكره الراهن ، فالقول قول الراهن مع اليمين وعدم البيّنة ؛ لأصالة براءة ذمّته ، وعدم الإذن في الفكّ من المرتهن. فإن أقام سيّدُ العبد البيّنةَ أنّ المرتهن أذن له ، كان له الرجوع. فإن شهد له المرتهن بالإذن من الراهن ، قُبلت شهادته ؛ لأنّه لا يجرّ إلى نفسه بشهادته نفعاً ، ولا يدفع بها ضرراً ، فانتفت التهمة.

تذنيب : لو رهن إنسان عبده على دَيْن غيره متبرّعاً من غير إذن‌ المديون ، صحّ الرهن ، كما يصحّ الضمان متبرّعاً والأداء كذلك.

ثمّ إن بِيع العبد في الدَّيْن ، صحّ البيع ، وليس لمالكه الرجوعُ على المديون بشي‌ء ؛ لأنّه متبرّع.

مسألة ١١٠ : لو استعار عبداً من رجل فرهنه عند رجل بمائة وطالَبه بفكاكه ، فدفع الراهن إلى المرتهن خمسين ، قالت الشافعيّة : لم ينفكّ شي‌ء من الرهن حتى يقبضه جميع الدَّيْن(١) .

وهو جيّد إن شرط المرتهن أن يكون العبد رهناً على جميع الدَّيْن وعلى كلّ جزء منه.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٧.

١٢٥

فحينئذٍ لو استعاره من رجلين فرهنه عنده فقضاه نصف الدَّيْن عن أحد النصيبين ، صحّ ، وخلص النصيب الذي أدّى الدَّيْن عنه.

وللشافعي قولان قالهما في الرهن الصغير :

أحدهما : أنّه بمنزلة الصفقة الواحدة ؛ لأنّ الراهن واحد ، والحقّ واحد.

والثاني : أن يكون بمنزلة الصفقتين ؛ لأنّ الاعتبار بالمالك دون العاقد.

فإذا قلنا : إنّه بمنزلة الصفقة الواحدة ، لم ينفكّ منه شي‌ء. وإذا قلنا : إنّه بمنزلة الصفقتين ، انفكّ نصف العبد(١) .

ويُنظر في المرتهن ، فإن كان قد علم أنّه لسيّدين ، فلا خيار له ؛ لأنّه علم أنّه عقدين ، لأنّه استفاده بإذنهما.

وإن لم يكن يعلم ، فإن لم يكن على بيع ، فلا خيار.

وإن كان مشروطاً في بيع ، قال ابن سريج منهم : فيه وجهان :

أحدهما : لا خيار له ؛ لأنّه حصل له رهن جميع العبد ، وإنّما انفكّ بعد الكسر.

[ و ] الثاني : له الخيار ؛ لأنّه دخل فيه على أن يكون رهناً واحداً ، فلا ينفكّ منه شي‌ء إلّا بقضاء جميع الدَّيْن ، فإذا بانَ بخلافه ، ثبت له الخيار(٢) .

فلو رهن هذا العبد عند رجلين فقضى أحدهما ، انفكّ نصيب كلّ واحدٍ منهما. وإن دفع نصف أحدهما ، انفكّ نصف ما عنده ، وهو نصف نصيب أحدهما على أحد القولين.

____________________

(١و٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٤٧.

١٢٦

البحث الثالث : المحلّ.

وشروطه أربعة : أن يكون عيناً مملوكة(١) ، يصحّ تقبيضه للمرتهن ، ويمكن بيعه.

الشرط الأوّل : أن يكون عيناً ، فلا يصحّ رهن المنافع ، كما لو رهنه إجارة الدار سنةً على الدَّيْن الذي له عليه ؛ لأنّ الدَّيْن إن كان مؤجَّلاً ، فالمنافع تتلف إلى حلول الأجل ، فلا تحصل فائدة الرهن ، وإن كان حالّاً ، فبقدر ما يتأخّر قضاء الدَّيْن يتلف جزء من المرهون ، فلا يحصل الاستيثاق. ولأنّ المنافع لا يصحّ إقباضها إلّا بإتلافها ، والرهن عند جماعةٍ من شرطه الإقباضُ.

لا يقال : يحصل الإقباض بقبض العين كما قلتم ذلك في الإجارة.

لأنّا نقول : إنّما جعلنا ذلك قبضاً في الإجارة ؛ لأنّ الحاجة في المنافع‌ داعية ، ولا حاجة إلى رهن المنافع. ولأنّ قبض العين ليس بقبضٍ تامّ في الإجارة ، فلا ينتقل به الضمان.

وإن رهن اُجرة داره سنةً ، لم يصحّ ؛ لأنّ الاُجرة مجهولة. ولأنّها ليست مملوكةً ، وإنّما تُملك بعقد الإجارة ولم يوجد.

ورهن المدبَّر إبطالٌ للتدبير على الأقوى ؛ لأنّ التدبير وصيّة ، وكما تبطل الوصيّة برهن الموصى به ، فكذا المدبَّر يبطل برهنه.

ولو شرط رهن الخدمة فيه ، بطل الشرط والرهن ؛ لأنّ الخدمة ليست عيناً يصحّ تعلّق الرهن بها.

____________________

(١) اعتبر المصنّفقدس‌سره الشرط الأوّل والثاني بالعينيّة والمملوكيّة.

١٢٧

مسألة ١١١ : لا يصحّ رهن الدَّيْن إن شرطنا في الرهن القبضَ ؛ لأنّه لا يمكن قبضه ؛ لعدم تعيّنه حالة الرهن.

وللشافعيّة في جواز رهنه وجهان :

أحدهما : الجواز ؛ تنزيلاً لما في الذمم منزلة الأعيان ، ألا ترى أنّه يجوز شراء(١) ما في الذمّة وبيعه سَلَماً.

وأصحّهما عندهم : المنع ؛ لأنّ الدَّيْن غير مقدور على تسليمه(٢) .

ومنهم مَنْ رتَّب هذا الخلاف على الخلاف في بيع الدَّيْن ، والرهن أولى بالمنع ؛ لأنّه لا يلزم إلّا بالقبض ، والقبض لا يصادف ما تناوله العقد ولا مستحقّاً [ بالعقد ، والقبض في البيع يصادف مستحقاً ](٣) بالعقد ؛ لأنّ البيع سبب الاستحقاق(٤) .

مسألة ١١٢ : لا يشترط في صحّة الرهن كونه مفرزاً ، بل يصحّ رهن المشاع ، كما يصحّ رهن المقسوم ، سواء رهن من شريكه أو من غير شريكه ، وسواء كان ذلك ممّا يقبل القسمة أو لا يقبلها ، وسواء كان الباقي للراهن أو لغيره ، مثل أن يرهن نصف داره أو نصف عبده أو حصّته من الدار المشتركة بينه وبين غيره ، عند علمائنا أجمع وبه قال مالك والشافعي والأوزاعي وابن أبي ليلى وعثمان البتّي وعبيد الله بن الحسن العنبري وسوار القاضي وأبو ثور وداوُد وأحمد(٥) لعموم قوله تعالى( فَرِهنٌ

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « شرط » بدل « شراء ». والصحيح ما أثبتناه من « العزيز شرط الوجيز ».

(٢) حلية العلماء ٤ : ٤٢٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨٢.

(٣) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٨.

(٥) المغني ٤ : ٤٠٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠٥ ، المحلّى ٨ : ٨٨ ، بداية المجتهد ٢ : =

١٢٨

مَقْبُوضَةٌ ) (١) وللأصل. ولأنّها عين يجوز بيعها في محلّ الحقّ ، فجاز رهنها ، كالمنفرد.

وقال أبو حنيفة : لا يجوز رهن المشاع من غير إذن الشريك. ولو طرأت الإشاعة على الرهن بأن يبيع بعضه ، ففيه وجهان. وفي رهنه من الشريك روايتان ؛ لأنّه يستحقّ زوائده عنده لمعنىً(٢) قارنَ الرهنَ فلم يصح رهنه ، كالمغصوب(٣) . ويُمنع وجوب زوال اليد ، ويُنتقض بالقائل(٤) والمرتدّ والمغصوب [ و ] رهن ملك غيره(٥) بغير إذنه ولا ولايته ، بخلاف المتنازع.

مسألة ١١٣ : لو رهن نصيبه من بيتٍ معيّن من الدار المشتركة بإذن الشريك صحّ.

ولو لم يأذن الشريك ، فكذلك عندنا - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٦) -

____________________

= ٢٧٣ ، مختصر المزني : ٩٣ ، الحاوي الكبير ٦ : ١٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥ ، حلية العلماء ٤ : ٤٢١ ، الوسيط ٣ : ٤٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨٢ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٨٨ / ٢٠٠٣.

(١) البقرة : ٢٨٣.

(٢) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « بمعنى » والظاهر ما أثبتناه.

(٣) المبسوط - للسرخسي - ٢١ : ٦٩ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٣٢ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٨٧ / ٢٠٠٣ ، أحكام القرآن - للجصّاص - ١ : ٥٢٤ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٧٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٥ ، حلية العلماء ٤ : ٤٢٢ ، الوسيط ٣ : ٤٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٨ ، المغني ٤ : ٤٠٧ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٠٥.

(٤) أي : رهن القائل و

(٥) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « رهن في ملك غيره » والصحيح ما أثبتناه.

(٦) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨ ، الوسيط ٣ : ٤٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٨ - ٤٣٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٢.

١٢٩

لأنّه يصحّ بيعه بدون إذن الشريك ، فصحّ رهنه.

والثاني : لا يجوز ؛ لأنّه ربما تتّفق القسمة ويقع هذا البيت في نصيب صاحبه ، فيكون قد رهن ملك غيره ، بخلاف البيع ، فإنّه إذا باع ، زال ملكه عن البيت ، واستحالت المقاسمة معه(١) .

وبعض القائلين بالثاني قال : إنّ الحكم في البيع مثله(٢) .

وعلى القول بالوجه الأوّل لو اتّفقت القسمة كما قرّر ، فهو كتلف المرهون أو يغرم قيمته : فيه احتمالان أوجههما : الثاني إضافةً للفوات إليه ، وكيف يُنزّل منزلة الآفة السماويّة وقد حصل له في قطرٍ آخَر من الدار مثل ما كان له في ذلك البيت!؟(٣)

وقال بعضهم بقولٍ متوسّطٍ بين القولين ، وهو أنّه إن كان مختاراً في القسمة ، غرم القيمة. وإن كان مُجبَراً ، فهو كالفوات(٤) .

تذنيب : القبض في رهن المشارع بتسليم الكلّ ، فإذا حصل القبض ، جرت المهايأة بين المرتهن والشريك جريانَها بين الشريكين ، ولا بأس‌ بتبعيض اليد بحكم الشيوع ، كما لا بأس به لاستيفاء الراهن المنافعَ.

الشرط الثاني : أن تكون العين مملوكةً ؛ لأنّ مقصود الرهن استيفاء الحقّ من ثمن المرهون عند الحاجة ، وإنّما يتحقّق الثمن فيما يصحّ بيعه ، وغير المملوك لا يصحّ بيعه ، فلا يصحّ رهنه.

ولا يصحّ رهن ما لا يصحّ تملّكه مطلقاً ، كالحُرّ وكالحشرات

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨ ، الوسيط ٣ : ٤٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٨ - ٤٣٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٧٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٩.

(٣و٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٣٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨٢.

١٣٠

وما لا منفعة فيه ، كفضلات الإنسان وأشباهها ممّا لا يُعدّ ملكاً ؛ إذ لا استيثاق فيه ، وسواء فرض له منفعة محرّمة لم يعتبرها الشارع كالآت اللهو والقمار ، التي لا قيمة لها بعد إزالة الوصف المحرَّم عنها ، أو لم تكن كالحشرات.

ولو كان لها قيمة بعد الكسر ، فالوجه : المنع من رهنها ما دامت صحيحة ، كما لا يصحّ بيعها إلّا بعد كسرها.

وكذا لا يصحّ رهن ما لا يصحّ تملّكه للمسلم إن كان الراهن أو المرتهن مسلماً ، كالخمر وشبهه. ولو كانا ذمّيّين جاز الرهن. ولو أسلما أو أحدهما قبل فكّه ، بطل الرهن.

ولو رهن الذمّيُّ خمراً عند مسلمٍ ، لم يصح وإن وضعها على يد ذمّيٍّ على خلاف.

مسألة ١١٤ : لو رهن ملك غيره بغير إذنه ، وقف على الإجازة ، فإن أجازه المالك ، صحّ ، وإلّا بطل.

ولو رهن المملوك له ولغيره ، صحّ الرهن في حصّته المملوكة خاصّةً ، وكان موقوفاً على الإجازة في حصّة الآخَر ، سواء كان الرهن واحداً مشاعاً بينهما ، أو رهن ملكين صفقةً أحدهما والآخَر لصاحبه.

مسألة ١١٥ : لا يصحّ رهن أرض الخراج ، وهي الأرض التي صالَح الإمامُ أهلَ بلدٍ على أن يكون ملكاً للمسلمين ، وضرب عليهم الخراج ، فإنّ‌ ذلك اُجرة - وبه قال الشافعي(١) - لأنّ الرهن لا يختصّ بها ، بل حكمها راجع إلى جميع المسلمين بالسويّة ، فلا يجوز بيع ذلك ولو رهنه.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٧٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٤٩٥ / ١٦٤٥ ، المغني ٤ : ٤١٦ ، الشرح الكبير ٤ : ٤١٥.

١٣١

وأرض العراق - وهو سواد الكوفة ، فهو من تخوم الموصل إلى عبّادان طولاً ، ومن القادسيّة إلى حلوان عرضاً ، فهي من الأرض المفتوحة عنوةً - فعندنا أنّ المحياة منها وقت الفتح للمسلمين قاطبة ولا وقفها ولا رهنها. ومواتها وقت الفتح للإمام خاصّةً.

وقال الشافعي : إنّ عُمر فتحها عنوةً ، وقسّم الأراضي بين الغانمين ، ثمّ رأى أنّهم يشتغلون بها عن الجهاد فاستنزلهم عنها ، وردّها إلى أهلها ، وضرب عليهم الخراج(١) .

وقال بعض الشافعيّة : إنّه وقفها على المسلمين ، وجعل الخراجَ اُجرةً تُؤخذ في كلّ سنة(٢) .

وقال ابن سريج منهم : إنّ الخراج ثمن الأرض يؤخذ منه كلّ سنة جزء(٣) .

وظاهر مذهب الشافعي : الأوّل ، وهو مذهب أحمد(٤) .

وابن سريج يقول : لم يُرد الشافعي بقوله أرضَ العراق ؛ لأنّ الناس

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٧٧ ، الوجيز ٢ : ١٩٣ - ١٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٤٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٤١٥.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٧٧ ، و ١٤ : ٢٦٠ ، حلية العلماء ٧ : ٧٢٧ ، التهذيب - للبغوي - ٧ : ٤٨٩ ، الوسيط ٣ : ٤٦٣ ، الوجيز ١ : ١٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٧٠.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٧٧ ، و ١٤ : ٢٦ - ٢٦١ ، حلية العلماء ٧ : ٧٢٦ ، التهذيب - للبغوي - ٧ : ٤٨٩ ، الوسيط ٣ : ٤٦٣ ، الوجيز ١ : ١٥٩ - ١٦٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥٠ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٧٠.

(٤) اُنظر : المغني ٢ : ٥٧٧.

١٣٢

يتبايعونها من لدن عمر إلى الآن ، ولم ينكر ذلك منكر(١) .

وقال أبو حنيفة : إنّ عمر أقرّ أهلها عليها ، وضرب الخراج(٢) .

فعلى قول ابن سريج من الشافعيّة يجوز بيعها ورهنها(٣) ، وعلى قول بعضهم إنّه لا يصحّ بيعها ولا رهنها(٤) .

وإن كان فيها بناء وغرس ، فإن كان البناء معمولاً من ترابها ، فحكمه حكمها. وإن كان من غيرها ، جاز رهنه ورهن الغراس.

وإن أفرد الغراس بالرهن ، صحّ.

وإن رهنه مع الأرض ، لم يصح رهن الأرض ، فأمّا البناء والغراس فمبنيّ على القولين في تفريق الصفقة ، فإن قلنا : تُفرّق ، صحّ فيه. وإذا قلنا : لا تُفرّق ؛ لأنّ الصفقة جمعت حلالاً وحراماً ، فسد في الجميع.

وإن قلنا :لا تُفرّق ؛ لأنّ ذلك يؤدّي إلى جهالة العوض في الجائز منه ، صحّ الرهن هنا فيما يجوز ؛ لأنّه لا عوض فيه.

وإذا صحّ الرهن في البناء والغراس ، فلا خراج على المرتهن ، وإنّما هو على الراهن ، فإنّ الخراج مضروب على الأرض.

ولو كان الخراج على الغراس أيضاً ، كان على الراهن دون المرتهن ؛ لأنّ الخراج‌ تابع للملك ، وهو للراهن خاصّةً ، ولا شي‌ء على المرتهن ولا على المستأجر.

فإن أدّاه المرتهن على الراهن بغير أمره ، لم يرجع عليه به ؛ لأنّه متبرّع

____________________

(١) اُنظر : الحاوي الكبير ١٤ : ٢٦١ ، والتهذيب - للبغوي - ٧ : ٤٨٩ ، والعزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥٠.

(٢) الهداية - للمرغيناني - ٢ : ١٤١ ، و ١٥٦ - ١٥٧.

(٣ و ٤) كما في الحاوي الكبير ٦ : ٧٧ ، والتهذيب - للبغوي - ٧ : ٤٨٩ ، والعزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٥١ ، وروضة الطالبين ٧ : ٤٧٠.

١٣٣

به متطوّع بقضاء الدَّيْن.

وقال بعضهم(١) : يرجع به ؛ لأنّ نفع ذلك عاد إلى المقضيّ عنه.

وهو يبطل بالهبة.

وإن قضاء بإذنه ، فإن شرط له الرجوع ، وجب له الرجوع. وإن لم يشترط له الرجوع ، بل أطلق الأمر ، فللشافعيّة وجهان :

أحدهما : يرجع ؛ لأنّ أمره بذلك يقتضي الرجوع عليه ، كما إذا أمره بشراء شي‌ء له ، فإنّ الثمن يجب عليه.

والثاني : لا يرجع ؛ لأنّه إذا لم يشترط العوض له ، كان متطوّعاً ، كما لو ملّكه شيئاً ولم يشترط العوض ، فإنّه يكون هبةً ، ولا يستحقّ عليه شيئاً(٢) .

والأصل في الوجهين قولا الشافعي واختلافهما ؛ فإنّه قال : إلّا أن يكون دَفَعه بأمره(٣) . وهذا يعطي الاكتفاء بالأمر في الضمان والرجوع. وقال تارةً : لو دفع إلى قصّار ثوباً فقصره ، فلا اُجرة له عليه ؛ لأنّه لم يشرطها له(٤) . فجَعَل علّةَ الاستحقاق الاشتراطَ.

مسألة ١١٦ : يجوز رهن العصير ؛ لأنّه عين يصحّ تملّكها ، ويجوز‌ بيعها إجماعاً ، فيصحّ رهنها. وخوف تغيّرها لا يمنع من صحّة الرهن ، كما يجوز رهن المريض.

فإن استحال حلواً أو حامضاً ، فالراهن بحاله.

____________________

(١) وهو مالك ، قاله فيما إذا أدّاه مكرهاً أو مختاراً وكان صديقاً للراهن ، راجع : الحاوي الكبير ٦ : ٧٩.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٧٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٤٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٨٥.

(٣) الاُم ٣ : ١٥١ ، مختصر المزني : ٩٥.

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٤٤٢.

١٣٤

وإن صار خمراً - بعد الإقباض - فيد يد المرتهن ، خرج عن كونه رهناً ؛ لبطلان الملك فيه ، وخرج عن كونه مملوكاً. ولا خيار للمرتهن إن كان الرهن مشروطاً في بيعٍ ؛ لحدوث العيب في يده ، وهو قول جمهور الشافعيّة(١) .

فإذا عاد خَلّاً ، عاد الرهن ، كما يعود الملك.

وقال بعضهم : لا يعود الرهن إلّا بعقدٍ جديد(٢) .

وقال بعضهم : لا يخرج عن كونه رهناً ، ولا نقول بأنّها مرهونة ، بل يتوقّف فإن عاد خَلّاً ، بانَ أنّ الرهن لم يبطل ، وإن بقي على الخمريّة ، ظهر بطلان الرهن(٣) .

وقال أبو حنيفة وأصحابه : إنّه لا يزول ملك الراهن عنه ، فهو رهن بحاله ؛ لأنّ له قيمةً في حال كونه عصيراً ، ويجوز أن يصير له قيمة في الثاني ، فلا يزول ملكه عنه ، كما لو ارتدّ العبد(٤) .

وليس بجيّد ، لأنّ كونه خمراً يمنع صحّة التصرّف والضمان على المرتهن ، فبطل فيه الملك ، كموت الشاهد. ويفارق المرتدّ ؛ لأنّه يصحّ فيه التصرّف.

إذا عرفت هذا ، فقولنا : إنّ الرهن يبطل ، لا نريد به اضمحلال أثره بالكلّيّة ، وإلّا لم يعد الرهن ، بل المراد ارتفاع حكمه ما دامت الخمرية ثابتة.

ولو رهن شاة فماتت في يد المرتهن ، بطل ملكها ، وخرجت من

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٢.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ١١٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٠.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٢.

(٤) حلية العلماء ٤ : ٤٥٥ ، المغني ١ : ٨٤ ، الشرح الكبير ١ : ٩٧.

١٣٥

الرهن.

فإن عاد الراهن فدبغ جلدها ، لم يصح تملّكه عندنا ؛ لبقاء نجاسته بعد الدبغ.

وعند العامّة يطهر بالدباغ(١) ، فعلى قولهم يعود ملك الراهن إليها.

وللشافعيّة في عود الرهن في الجد بعد الدبغ وجهان :

أحدهما : أنّه يعود الرهن لأنّ الملك الأوّل عاد ، فتبعه الرهن ، كما إذا انقلب الخمر خَلّاً.

وأظهرهما عند أكثر الشافعيّة : لا يعود ؛ لأنّ ماليّته مخلوقة(٢) بالصنعة والمعالجة ، فالراهن مَلَك الجلد بالدباغ ، وذلك أثر استحدثه ، وليس العائد ذلك الملك وهو قول أبي إسحاق - بخلاف الخمر إذا تخلّلت ؛ لأنّها عادت بنفسها(٣) .

واعتُرض بشاة ماتت لرجلٍ فغصبها غاصبٌ ودبغ جلدها هل يملكه‌ الغاصب أم لا؟ قال أبو إسحاق : الأقوى : أنّ الغاصب يملك بما استحدثه من الدباغ.

والفرق أنّ الغاصب يده بغير حقّ ، فكان فعله لا حكم له ، ويد

____________________

(١) الحاوي الكبير ١ : ٥٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ١٧ ، التهذيب - للبغوي - ١ : ١٧٣ ، حلية العلماء ١ : ١١٠ ، العزيز شرح الوجيز ١ : ٨١ ، المجموع ١ : ٢١٧ ، روضة الطالبين ١ : ١٥١ ، المغني ١ : ٨٤ ، الشرح الكبير ١ : ٩٧.

(٢) كذا في النسخ الخطّيّة الحجريّة. وفي « العزيز شرح الوجيز » : « مجلوبة » بدل « مخلوقة ».

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ١١١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٤ ، حلية العلماء ٤ : ٤٥٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٢.

١٣٦

المالك يدٌ بحقِّ(١) .

فنُقض عليه برجل حجَّر أرضاً مواتاً فجاء ثانٍ أحياها ، فإنّ الثاني يملكها وإن كانت يد الأوّل بحقٍّ ، فلو كان الدبغ سبباً لملكٍ مستحدث ، لمـَلَكها به وإن كانت يده بغير حقٍّ.

فقال : يد المحجِّر لم تُسند إلى ملكٍ سابق فلهذا كان أحقَّ بالملك.

وهذا هو الحجّة عليه ؛ لأنّ يد الراهن إذا كانت مستندةً إلى ملكٍ سابق ، فإذا عاد الملك ثبت أنّه للمالك السابق.

إذا عرفت هذا ، فقال أصحاب أبي حنيفة : لا يزول ملك الراهن وحقّ المرتهن عن الجلد بالموت ، كما قالوا في الخمر(٢) .

ولو انقلب العصير المرهون خمراً قبل القبض ، ففي بطلان الرهن البطلانَ الكلّي وجهان للشافعيّة :

أحدهما ؛ نعم ؛ لاختلال المحلّ في حال ضعف الرهن وجوازه ، ويثبت للمرتهن الخيار في البيع الذي شرط فيه ارتهانه.

والثاني : لا ، كما لو تخمّر بعد القبض(٣) .

وقضيّة إيراد أكثرهم : ترجيح هذا الوجه ؛ لأنّهم قرّبوا هذا الخلاف من‌ الخلاف في صورة عروض الجنون ، أو بنوه عليه ، فقالوا : إن ألحقنا الرهن بالوكالة ، بطل بعروض الجنون وانقلابه خمراً قبل القبض. وإن ألحقناه بالبيع الجائز ، لم يبطل(٤) .

____________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه. وفي الحاوي الكبير ٦ : ١١١ عن أبي إسحاق المروزي أنّه يكون ملكاً لربّه الأوّل دون الدابغ ، فلاحِظْ.

(٢) حلية العلماء ٤ : ٤٥٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٢ - ٣١٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٣.

١٣٧

قال بعضهم : وعلى الوجهين لو كان الرهن مشروطاً في بيعٍ ، ثبت للمرتهن الخيار ؛ لأنّ الخلّ أنقض من العصير ، ولا يصحّ الإقباض حالة الشدّة.

ولو فعل وعاد خَلّاً ، فعلى الوجه الثاني لا بدّ من استئناف قبضٍ. وعلى الأوّل لا بدّ من استئناف عقدٍ(١) .

ثمّ القبض فيه على ما ذكرنا فيما إذا رهن من الإنسان ما في يده.

ولو انقلب المبيع خمراً قبل القبض ، فالكلام في انقطاع البيع وعودة إذا عاد خَلّاً على ما ذكرنا في انقلاب العصير المرهون خمراً بعد القبض.

مسألة ١١٧ : الخمر قسمان :

خمرٌ محترمة ، وهي التي اتّخذ عصيرها ليصير خَلاًّ وإنّما كانت محترمةً لأنّ اتّخاذ الخلِّ جائز إجماعاً ، والعصير لا ينقلب إلى الحموضة إلّا بتوسّط الشدّة ، فلو لم تُحترم واُريقت في تلك الحال لتعذَّر اتّخاذ الخَلّ.

والثاني : خمرٌ غير محترمة ، وهي التي اتّخذ عصيرها لغرض الخمريّة.

فالاُولى لا تجب إراقتها. وهل تجب إراقة الثانية؟ فيه قولان للشافعيّة(٢) .

فإن تلفت ، فلا كلام ، ولا خيار للمرتهن ؛ لأنّ ذلك حصل في يده.

وإن استحال خَلّاً ، عاد ملكه لصاحبه مرهوناً ، لأنّه يعود مملوكاً

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٣.

(٢) لم نعثر على ما نُسب إليهم فيما إذا لم يرقها فتخلّلت. انظر : العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٢ ، وروضة الطالبين ٣ : ٣١٤.

١٣٨

بحكم الملك الأوّل ، فيعود حكم الرهن ؛ لأنّه زال بزوال الملك ، فعاد بعوده.

فإن قيل : أليس أنّ العقد إذا بطل لا يصحّ حتى يُبتدأ ، والرهن بطل فيه حين صار خمراً؟

فالجواب : أنّ العقد إذا وقع فاسداً ، لم يصح حتى يوجد صحيحاً ، وليس كذلك هنا ؛ لأنّ العقد وقع صحيحاً ، وحدث بالمعقود معنى أخرجه من حكم العقد ، فإذا زال ذلك ، عاد حقّ العقد ، كما أنّ زوجة الكافر إذا أسلمت ، حرم وطؤها عليه ، وخرجت بذلك من حكم العقد ، فإذا أسلم الزوج قبل انقضاء العدّة ، عاد حكم العقد. وكذلك إذا ارتدّ أحد الزوجين.

مسألة ١١٨ : إذا كان في يده عصير فصار خمراً فأراقه فجمعه جامعٌ فصار في يده خَلّاً ، فالأقرب : أنّه يكون ملكاً للثاني ؛ لخروجه عن ملك الأوّل بصيرورته خمراً ، ولا يصحّ للمسلم تملّكه ابتداءً ولا استدامةً ، وخروجِه عن أولويّة اليد بإراقته ، فانتفى تعلّقه عنه بالكلّيّة ؛ لأنّه أسقط حقّه منها وأزال يده عنها ، فيكون ملكاً للثاني ؛ لاستيلاء يده عليه ، وهذا أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : أنّه يعود ملكاً للأوّل ؛ لأنّه مملوك بالمعنى الأوّل ، وهو الأظهر عندهم ؛ لأنّ الجامع للخمر ممنوع من ذلك ، محرَّم عليه ، ويده لا تثبت عليها ، فلا يصحّ تملّكه بذلك(١) .

وقوله الأوّل : « أسقط حقّه » ليس بصحيح ؛ لأنّه فَعَل الإراقة التي أمره الشرع بها ، ولو كان كذلك ، لوجب أن تكون مباحةً - كالصيود - لا يختصّ بملكها الجامعُ ، بل يكون أحقَّ بها ؛ لحصولها في يده.

____________________

(١) حلية العلماء ٤ : ٤٥٧.

١٣٩

ونمنع منعه من الجمع على تقدير إرادة التخليل ، وإنّما يُمنع على تقدير إرادة استعماله خمراً.

ونمنع كون يده لا تثبت عليها على تقدير إرادة التخليل.

ولا نعني بإسقاط حقّه إلّا إراقتها وعدم إمساكها ، والجامع لا يملكها بالجمع ، بل يكون أحقَّ باليد ، فإذا صار خَلّاً في يده ، فقد تجدّد له الملك بالاستيلاء على المباح ، كالاصطياد.

مسألة ١١٩ : يجوز تخليل الخمر بطرح شي‌ء فيها ، وتحلّ ، كما تحلّ لو استحالت من نفسها ، عند علمائنا - وبه قال أبو حنيفة ومالك في إحدى الروايتين(١) - لما رواه العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « يحلّ الدباغ الجلد كما يحلّ التخليل الخمرَ »(٢) .

ولأنّها خمر استحالت إلى حموضة الخَلّ ، فصارت حلالاً ، كما لو استحالت بنفسها. ولأنّها خرجت عن كونها حراماً ، وزوال وصف الخمريّة عنها ، فيزول التحريم المستند إلى الخمريّة ؛ لأنّ زوال العلّة يوجب زوال المعلول.

وقال الشافعي : إن استحالت الخمر بنفسها ، حلّت. وإن طُرح فيها شي‌ء إمّا عصير أو خَلّ أو خبز حارّ أو غير ذلك من الأعيان فصارت خَلّاً ، لم تحلّ ، ولا يجوز إمساكها للتخليل - وبه قال أحمد وإسحاق ومالك في

____________________

(١) تحفة الفقهاء ٣ : ٣٢٩ ، بدائع الصنائع ٥ : ١١٣ - ١١٤ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٤ : ٢٢ ، الاختيار لتعليل المختار ٤ : ١٥٩ ، الاستذكار ٢٤ : ٣١٣ - ٣١٤ / ٣٦٥١٨ ، و ٣١٥ / ٣٦٥٢٥ ، التفريع ١ : ٤١١ ، الحاوي الكبير ٦ : ١١٢ ، حلية العلماء ١ : ٣١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨١ ، المجموع ٢ : ٥٧٦ ، المحلّى ٧ : ٥١٧ ، المغني ١٠ : ٣٣٨.

(٢) سنن الدارقطني ٤ : ٢٦٦ / ٦ ، الحاوي الكبير ٦ : ١١٢.

١٤٠