تذكرة الفقهاء الجزء ١٣

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-389-6
الصفحات: 400

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 964-319-389-6
الصفحات: 400
المشاهدات: 90718
تحميل: 3730


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 400 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 90718 / تحميل: 3730
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 13

مؤلف:
ISBN: 964-319-389-6
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أحدهما : أنّ العبد لا يصير أهلاً للمعاملة مع مولاه حتى تتمّ الكتابة.

والثاني : أنّ الرهن من مصالح البيع ، والبيع ليس من مصالح‌ الكتابة(١) .

ولا استبعاد في سبق أحد شقّي الرهن على ثبوت الدَّيْن ، وإنّما الممنوع منه سبق الرهن عليه. ويُمنع بطلان البيع المقترن بالكتابة.

فروع :

أ - لو قال البائع : ارتهنت وبعت ، وقال المشتري : اشتريت ورهنت ، لم يقع عند الشافعيّة ؛ لتقدّم أحد شقّي الرهن على شقّي البيع(٢) .

وكذا لو قال : ارتهنت وبعت ، وقال المشتري : رهنت واشتريت ؛ لتقدّم شقّي الرهن على أحد شقّي البيع(٣) .

ب - شرط الشافعيّة في الصحّة تقدُّمَ خطاب البيع على خطاب الرهن ، وتقدُّمَ جواب البيع على جواب الرهن.

وبالجملة ، الشرط أن يقع أحد شقّي الرهن بعد أحد شقّي البيع ، والآخَر بعد شقّي البيع(٤) .

ج - لو قال : بِعْني عبدك بكذا ورهنت به هذا الثوب ، فقال البائع : بعثت وارتهنت ، كان مبنيّاً على مسألة الاستيجاب والإيجاب.

د - لو قال البائع : بعتك بكذا على أن ترهنني دارك به ، فقال

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٨.

(٢و٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٧.

١٨١

المشتري : اشتريت ورهنت ، فالأقرب : الصحّة إن انضمّ قول البائع : « ارتهنت » أو « قبلت » لأنّ الذي وجد منه شرط إيجاب الرهن لا استيجابه ، كما لو قال : أفعل كذا لتبيعني ، لا يكون مستوجباً للبيع ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

وفي الآخَر : يتمّ العقد وإن لم ينضمّ قول البائع(١) .

والوجه : الأوّل.

مسألة ١٣٧ : يشترط مع ثبوت الدَّيْن لزومه فعلاً حالة الرهن أو قوّةً قريبة من الفعل ، كالثمن في مدّة الخيار ؛ لقرب حاله من اللزوم ، وكما لو شرط الرهن في البيع ، فإنّ الثمن غير ثابت بَعْدُ ، ويصحّ الشرط.

ولا فرق في صحّة الرهن بالدَّيْن اللازم بين أن يكون الدَّيْن مسبوقاً بحالة الجواز أو لم يكن ، ولا بين أن يكون مستقرّاً ، كالقرض ، وأرش الجناية ، وثمن المبيع المقبوض ، أو غير مستقرّ ، كالثمن قبل قبض المبيع ، والاُجرة قبل استيفاء المنفعة ، والصداق قبل الدخول.

أمّا ما ليس بلازم ولا مصير له إلى اللزوم بحال - كنجوم الكتابة عند الشيخ(٢) رحمه‌الله وعند الشافعي(٣) - فلا يصحّ الرهن به ؛ لأنّ الرهن للتوثيق ، والمكاتَب بسيل من إسقاط النجوم متى شاء ، ولا معنى لتوثيقها. ولأنّه لا يمكن استيفاء الدَّيْن من الرهن ؛ لأنّه لو عجز صار الرهن للسيّد ، لأنّه من جملة مال المكاتب.

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٦ ، الوجيز ١ : ١٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٧.

(٢) المبسوط - للطوسي - ٦ : ٧٣ و ٨٢ ، الخلاف ٦ : ٢٩٣ ، المسألة ١٧.

(٣) الأُمّ ٨ : ٤٥ و ٥٠ ، الوجيز ١ : ١٦١ و ٢ : ٢٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٩ ، و ١٣ : ٥١٣ ، حلية العلماء ٦ : ٢٠١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٧ ، و ٨ : ٥٠٥.

١٨٢

وقال أبو حنيفة : يصحّ الرهن بها(١) . وهو الوجه عندي.

ويُمنع من إثبات السبيل للمكاتَب ، بل نقول : عقد الكتابة أوجب عليه المال ، فليس له إسقاطه باختياره ، بل بالعجز ، لا التعجيز من العبد ، بل من المولى.

ونمنع عدم التمكّن من استيفائه الدَّيْن من الرهن ؛ فإنّ المملوك إذا عجز ولم يعجّزه مولاه ، أمكن استيفاء الدَّيْن من الرهن. وإن عجّزه ، كان الإبراء ، فسقط الدَّيْن ، وبطل الرهن.

ولو جعلنا الخيار مانعاً من نقل الملك في الثمن إلى البائع ، فالظاهر منع الرهن عليه ؛ لوقوعه قبل ثبوت الدَّيْن ، ولا شكّ في أنّه يُباع الرهن في الثمن ما لم تمض مدّة الخيار.

وما كان الأصل في وضعه الجواز - كالجُعْل في الجعالة - فإن كان قبل الشروع في العمل ، لم يصح الرهن عليه ؛ لأنّه لم يجب ، ولا يُعلم إفضاؤه إلى الوجوب واللزوم.

وأمّا بعد الشروع في العمل وقبل إتمامه فالأقوى جوازه ؛ لانتهاء الأمر فيه إلى اللزوم ، فصار كالثمن في مدّة الخيار ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني - وهو الأصحّ عندهم - : المنع ؛ لأنّ الموجب للجُعْل هو العمل ، وبه يتمّ الوجوب ، فكأنّه لا ثبوت له قبل العمل(٢) .

أمّا بعد تمام العمل فإنّه يصحّ إجماعاً ؛ لأنّه لازمٌ حينئذٍ.

وكذا لا يجوز الرهن على الدية من العاقلة قبل الحول ؛ لأنّها لم تجب

____________________

(١) حلية العلماء ٤ : ٤٠٧ - ٤٠٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٥٩.

(٢) الوجيز ١: ١٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٠ ، حلية العلماء ٤ : ٤٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٨.

١٨٣

بَعْدُ ، ولا يُعلم إفضاؤها إلى الوجوب ، فإنّهم لو جُنّوا أو افتقروا أو ماتوا ، لم تجب عليهم ، فلا يصحّ أخذ الرهن بها. فأمّا بعد الحلول(١) فيجوز ؛ لاستقرارها.

ويحتمل جوازه قبل الحول ؛ لأصالة بقاء الحياة واليسار والعقل.

والمسابقة إن جعلناها عقداً لازماً كالإجارة ، صحّ الرهن على العوض قبل العمل ، وإلّا فلا ؛ لأنّه لا يُعلم إفضاؤها إلى الوجوب ؛ لأنّ الوجوب إنّما يثبت بسبق غير المخرج وهو غير معلوم ولا مظنون.

قال بعض العامّة : إن قلنا : إنّها إجارة ، جاز أخذ الرهن بعوضها. وإن قلنا : جعالة ، فلا(٢) .

وقال بعضهم : إن لم يكن فيها محلّل ، فهي جعالة. وإن كان فيها محلّل ، فعلى وجهين(٣) .

وهذا كلّه بعيد ؛ لأنّ الجُعْل ليس هو في مقابلة العمل بدليل أنّه لا يستحقّه إذا كان مسبوقاً وقد عمل العمل ، وإنّما هو عوض عن السبق ، ولا تُعلم القدرة عليه. ولأنّه لا فائدة للجاعل فيه ولا هو مراد له ، وإذا لم تكن إجازةً مع عدم المحلّل فمع وجوده أولى ؛ لأنّ مستحقّ الجُعْل هو السابق ، وهو غير معيّن ، ولا يجوز استئجار رجلٍ غير معيّن.

مسألة ١٣٨ : لا يجوز أخذ الرهن بعوضٍ غير ثابتٍ في الذمّة ، كالثمن المعيّن والاُجرة المعيّنة في الإجارة ، والمعقود عليه في الإجارة إذا كان منافع معيّنة ، مثل إجارة الدار والعبد المعيّن والجمل المعيّن مدّة معلومة أو لحمل شي‌ء معيّن إلى مكانٍ معلوم ؛ لأنّه حقٌّ تعلَّق بالعين لا بالذمّة ،

____________________

(١) أي بعد حلول الحول.

(٢ و٣ ) المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٨٠.

١٨٤

ولا يمكن استيفاؤه من الرهن ؛ لأنّ منفعة العين لا يمكن استيفاؤها من غيرها ، وتبطل الإجارة بتلف العين.

ولو وقعت الإجارة على منفعةٍ في الذمّة - كخياطة ثوبٍ ، وبناء جدارٍ - جاز أخذ الرهن به ؛ لأنّه ثابت في الذمّة ، ويمكن استيفاؤه من الرهن بأن يستأجر عنه(١) مَنْ يعمل ، فجاز أخذ الرهن به ؛ كالدَّيْن ، ويباع عند الحاجة وتحصل المنفعة من ثمنه.

إذا عرفت هذا ، فكلّ ما جاز أخذ الرهن به جاز أخذ الضمين به ، وما لم يجز الرهن به لم يجز أخذ الضمين به ، إلّا ثلاثة أشياء : عهدة البيع يصحّ ضمانها ولا يصحّ الرهن بها ، والكتابة لا يصحّ الرهن بها على إشكالٍ سبق(٢) ، والأقرب : صحّة الضمان فيها ، وما لم يجب لا يصحّ أخذ الرهن به ، ويصحّ ضمانه ؛ لأنّ الرهن بهذه الأشياء يُبطل الإرفاق ، فإنّه إذا باع عبده بألف ودفع رهناً يساوي ألفاً ، فكأنّه ما قبض الثمن ولا ارتفق به. والمكاتَب إذا دفع ما يساوي كتابته ، فما ارتفق بالأجل ؛ لأنّه كان يمكنه بيع الرهن وإمضاء الكتابة ويستريح من تعطيل منافع عبده ، بخلاف الضمان. ولأنّ ضرر الرهن يعمّ ؛ لأنّه يدوم بقاؤه عند المشتري ، فيمنع البائع التصرّف فيه ، والضمان بخلافه.

ولا يجوز الرهن من المالك على الزكاة قبل الحلول ، ولا رهن العاقلة على الدية قبله ؛ لفوات الشرط ، ويجوز بعده.

مسألة ١٣٩ : لا يشترط في الدَّيْن المرهون به أن لا يكون به رهن ، بل يجوز أن يرهن بالدَّيْن الواحد رهناً بعد رهن ، ثمّ هو كما لو رهنهما معاً.

____________________

(١) كذا ، والظاهر : « يستأجر من ثمنه ».

(٢) في ص ١٨١ ، المسألة ١٣٧.

١٨٥

ولو كان الشي‌ء مرهوناً بعشرة وأقرضه عشرةً اُخرى على أن يكون‌ مرهوناً بها أيضاً ، صحّ - وبه قال مالك والشافعي في القديم(١) - كما تجوز الزيادة في الرهن بدَيْنٍ واحد.

والجديد : أنّه لا يجوز - وبه قال أبو حنيفة - كما لا يجوز رهنه عند غير المرتهن(٢) ، وإن وفى بالدَّيْنين جميعاً ، فإن أراد توثيقهما فليفسخا وليستأنفا رهناً بالعشرين ، بخلاف الزيادة في الرهن بدَيْنٍ واحد ؛ لأنّ الدَّيْن يشغل الرهن ولا ينعكس ، فالزيادة في الرهن شغل فارغ ، والزيادة في الدَّيْن شغل مشغول(٣) .

ويُمنع حكم الأصل ؛ فإنّه لا استبعاد في صحّة الرهن عند غير المرتهن ، ويكون موقوفاً على إجازة المرتهن ، فإن أجاز المرتهن الأوّلَ ، صحّ الثاني.

والأقرب : أنّه لا يبطل الرهن الأوّل ، بل يتقدّم الثاني ، فإن فضل بعد دَيْن الثاني شي‌ء ، اختصّ بالأوّل ، فإن كان قد بقي من العين شي‌ء ، اختصّ الأوّل به. وإن بِيع الجميع وفضل من الثمن فضلة ، اختصّ الأوّل بها ؛ لأنّه كقيمة المتلف من الرهن يختصّ المرتهن بها دون غيره من الدُّيّان.

سلّمنا ، لكنّ الفرق ظاهر ؛ فإنّ الدَّيْنين إذا كانا لواحدٍ ، لم يحصل من التنازع ما إذا تعدّد.

ولو جنى العبد المرهون ففداه المرتهن بإذن الراهن على أن يكون العبد مرهوناً بالفداء والدَّيْن الأوّل ، صحّ عندنا ، وبه قال الشافعي(٤) .

____________________

(١ و ٣ ) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٣ ، الوجيز ١ : ١٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٩.

(٢) في النسخ الخطّيّة الحجريّة : « المرهون » بدل « المرتهن ». والصحيح ما أثبتناه.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٩.

١٨٦

ولأصحابه طريقان :

أظهرهما عندهم : القطع بالجواز ؛ لأنّه من مصالح الرهن من حيث [ إنّه ](١) يتضمّن استبقاءه(٢) .

والثاني : أنّه(٣) على القولين(٤) .

ولو اعترف الراهن بأنّه رهن على عشرين ثمّ ادّعى أنّه رهن أوّلاً بعشرة ثمّ رهن بعشرة اُخرى ونازعه(٥) المرتهن ، فلا فائدة لهذا الاختلاف عندنا وعند قديم الشافعي.

وفي الجديد : يقدّم قول المرتهن مع اليمين ؛ لأنّ اعتراف الراهن يقوّي جانبه ظاهراً(٦) .

ولو قال المرتهن في جوابه : فسخنا الرهن الأوّل واستأنفنا بالعشرين ، قدّم قول المرتهن أيضاً ؛ لاعتضاد جانبه بقول صاحبه ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : قول الراهن ؛ لأنّ الأصل عدم الفسخ(٧) .

وفرّعوا عليه أنّه لو شهد شاهدان أنّه رهن بألف ثمّ رهن بألفين ، لم يحكم بأنّه رهن بألفين. ما لم يصرّح الشهود بأنّ الثاني كان بعد فسخ الأوّل(٨) .

____________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٢) في العزيز شرح الوجيز و « ر ، ث » : « استيفاءه ».

(٣) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة و « ج » : « أنّهما ». والظاهر ما أثبتناه.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦١ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٩.

(٥) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة « أنهما » والظاهر ما أثبتناه

(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٩.

(٧ و ٨ ) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٦٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٩٩.

١٨٧

الفصل الثاني : في القبض‌

مسألة ١٤٠ : اختلف علماؤنا في القبض هل هو شرط في لزوم الرهن أو لا؟ على قولين :

أحدهما : أنّه شرط - وهو أحد قولي الشيخ(١) رحمه‌الله ، وقول المفيد(٢) رحمه‌الله - فلو رهن ولم يقبض ، كان الرهن صحيحاً غير لازم ، بل للراهن الامتناع عن الإقباض ، والتصرّف فيه بالبيع وغيره؛ لعدم لزومه - وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد في رواية. وفي الثانية : أنّه شرط في المكيل و(٣) الموزون(٤) - لقوله تعالى :( فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ ) (٥) وَصَفَها بكونها مقبوضةً.

ولقول الباقر(٦) عليه‌السلام : « لا رهن إلّا مقبوضاً »(٧) .

ولأنّه عقد إرفاق يفتقر إلى القبول ، فافتقر إلى القبض كالقرض. ولأنّه

____________________

(١) النهاية : ٤٣١.

(٢) المقنعة : ٦٢٢.

(٣) في «ث ، ج ، ر » : « أو » بدل « و».

(٤) تحفة الفقهاء ٣ : ٣٨ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٣٧ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١٢٦ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٩٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣١٢ ، الوجيز ١ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧١ - ٤٧٢ ، الحاوي الكبير ٦ : ٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٧ ، المغني ٤ : ٣٩٩ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢٠.

(٥) البقرة : ٢٨٣.

(٦) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « الصادق » بدل « الباقر ». وما أثبتناه هو الموافق لما في المصدر ولما في مختلف الشيعة ٥ : ٤١٨ ، ضمن المسألة ٣٧ ( الفصل الثالث : في الرهن ).

(٧) التهذيب ٧ : ١٧٦ / ٧٧٩.

١٨٨

رهن لم يقبض ، فلا يلزم إقباضه ، كما لو مات الراهن.

والثاني : أنّه ليس بشرط ، بل يلزم الرهن بمجرّد العقد - وهو القول الثاني للشيخ(١) رحمه‌الله وقول ابن إدريس(٢) ، وبه قال مالك وأحمد في الرواية الاُخرى(٣) - لقوله تعالى :( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٤) ولأنّه عقد يلزم بالقبض فلزم قبله(٥) ، كالبيع.

ولا حجّة في وصف الرهن بالقبض ؛ لأنّ القصد بالآية كمال الإرشاد ، ولهذا أمر تعالى بالكتابة(٦) ، وليس شرطاً مع الأمر ، فكيف يكون الوصف شرطاً مع انتفاء الأمر!؟ على أنّ نفس الرهن ليس شرطاً في الدَّيْن.

والحديث ضعيف السند.

والفرق مع القرض ظاهر ؛ فإنّه مجرّد إرفاقٍ ، بخلاف الرهن ؛ فإنّه لا ينفكّ عن معارضةٍ مّا.

مسألة ١٤١ : القبض هنا كالقبض في البيع وغيره ، وهو إمّا التخلية مطلقاً على رأي ، أو النقل والتحويل فيما يُنقل ويُحوّل ، والكيل والوزن فيما يُكال ويوزن ، والتخلية فيما لا يمكن فيه شي‌ء من ذلك.

وقال بعض الشافعيّة : لو جوّزنا التخلية في المنقول في البيع ،

____________________

(١) الخلاف ٣ : ٢٢٣ ، المسألة ٥.

(٢) السرائر ٢ : ٤١٧.

(٣) بداية المجتهد ٢ : ٢٧٤ ، التلقين ٢ : ٤١٦ ، الذخيرة ٨ : ١٠٠ ، المعونة ٢ : ١١٥٣ ، المغني ٤ : ٣٩٩ - ٤٠٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢٠ ، الحاوي الكبير ٦ : ٧ ، حلية العلماء ٤ : ٤١٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٦ ، الوسيط ٣ : ٤٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٢.

(٤) المائدة : ١.

(٥) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « فيه » بدل « قبله ». والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

(٦) البقرة : ٢٨٢.

١٨٩

لم تكف هنا ؛ لأنّ القبض(١) مستحقّ في البيع ، وهنا بخلافه(٢) .

ويشترط في القبض صدوره من جائز التصرّف ، وهو الحُرّ المكلّف الرشيد غير المحجور عليه لسفهٍ أو فلْسٍ. ويعتبر ذلك حال رهنه وإقباضه ؛ لأنّ العقد والتسليم ليس بواجب ، وإنّما هو إلى اختيار الراهن فإذا لم يكن له اختيار صحيح ، لم يصح. ولأنّه نوع تصرّفٍ في المال ، فلا يصحّ من المحجور عليه من غير إذن ، كالبيع.

وتجري النيابة في القبض كما تجري في العقد ، ويقوم قبض الوكيل مقام قبضه في لزوم الرهن وسائر أحكامه.

وهل يجوز أن يستنيب المرتهن الراهنَ في القبض؟ مَنَع منه الشافعي ؛ لأنّ الواحد لا يتولّى طرفي القبض(٣) .

وليس جيّداً ، كالجدّ والأب.

وحكم عبده ومدبَّره واُمّ ولده حكمه ؛ لأنّ يدهم وجهان للشافعي :

أحدهما : الجواز ؛ لانفراده باليد والتصرّف.

وأصحّهما : المنع ، فإنّه عبده القنّ ، وهو متمكّن من الحجر عليه(٤) .

مسألة ١٤٢ : لو أودع مالاً عند إنسان أو أعاره منه أو كان مستاماً أو كان

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة الحجريّة : « الرهن » بدل « القبض » وذلك لا معنى له ، وما أثبتناه من المصدر.

(٢) الوسيط ٣ : ٤٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٨.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ١٠ ، الوسيط ٣ : ٤٨٦ ، الوجيز ١ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٢ ، حلية العلماء ٤ : ٤١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٧.

(٤) الوجيز ١ : ١٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٧.

١٩٠

وكيلاً ثمّ رهنه منه ، فإن لم نشترط القبض ، فلا بحث ، ويلزم الرهن بمجرّد العقد. وإن شرطناه ، فالأقرب : أنّه يلزم الرهن بمجرّد العقد أيضاً ؛ لأنّه‌ مقبوض للمرتهن ، فيندرج تحت الآية(١) ، وبه قال أحمد ؛ فإنّ اليد ثابتة والقبض حاصل ، وإنّما تغيّر الحكم لا غير ، ويمكن تغيّر الحكم مع استدامة القبض ، كما لو طُولب بالوديعة فجحدها ، تغيّر الحكم ، وصارت مضمونةً(٢) عليه من غير أمرٍ زائد. ولو عاد الجاحد فأقرّ بها وقال لصاحبها : خُذْ وديعتك ، فقال : دَعْها عندك وديعةً كما كانت ولا ضمان عليك فيها ، لتغيَّر الحكم من غير حدوث أمرٍ زائد(٣) .

وقال الشافعي : لا يصير رهناً حتى تمضي مدّة يتأتّى قبضه فيها ، فإن كان منقولاً ، فبمضيّ مدّة يمكن نقله فيها. وإن كان مكيلاً ، فبمضيّ مدّة يمكن كيله فيها. وإن كان غير منقول ، فبمضيّ مدّة التخلية. وإن كان غائباً عن المرتهن ، لم يصر مقبوضاً حتى يوافيه هو أو وكيله ثمّ تمضي مدّة يمكن قبضه فيها ؛ لأنّ العقد يفتقر إلى القبض ، والقبض إنّما يحصل بفعله أو إمكانه(٤) .

واعلم أنّ الشافعي قال في الجديد : لا بُدّ من إذنٍ جديد في القبض(٥) .

ولو وهبه منه ، فظاهر قوله أنّه يحصل القبض من غير إذنٍ جديد.

ولأصحابه طرق ثلاثة.

____________________

(١) البقرة : ٢٨٣.

(٢) في النسخ والطبعة الحجريّة : « وصار مضموناً ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) المغني ٤ : ٤٠٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢٦ - ٤٢٧.

(٤) المغني ٤ : ٤٠٤ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢٦ ٤٢٧.

(٥) الوسيط ٣ : ٤٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٨.

١٩١

أظهرها : أنّ فيه قولين :

أحدهما : أنّه لا حاجة في واحد من العقدين إلى الإذن في القبض ، بل إنشاؤهما مع الذي في يده المال يتضمّن الإذن في القبض.

وأصحّهما عندهم : أنّه لا بُدّ منه ؛ لأنّ اليد الثابتة كانت من غير جهة الرهن ، ولم يجر تعرّض للقبض بحكم الرهن.

والثاني : تقرير القولين.

والفرق : أنّ الهبة عقد تمليك ، ومقصوده الانتفاع ، والانتفاع لا يتمّ إلّا بالقبض ، والرهن توثيق ، وأنّه حاصل دون القبض ، ولهذا لو شرط في الرهن كونه في يد ثالثٍ ، جاز. ولو شرط مثله في الهبة ، فسد ، وكانت الهبة ممّن المال في يده رضا بالقبض.

والثالث : القطع باعتبار الإذن الجديد فيهما ، فيتناول قوله في الهبة ، وسواء شرط إذن جديد في القبض أو لم يشترط ، فلا يلزم العقد ما لم يمض زمان [ يتأتّى ](١) فيه صورة القبض ، لكن إذا شرط الإذن ، فهذا الزمان معتبر من وقت الإذن ، فإن لم يشترط ، فهو معتبر من وقت العقد.

وله قولٌ آخَر : لا حاجة إلى مضيّ هذا الزمان ، ويلزم العقد بنفسه.

والأقوى عندهم : الأوّل ؛ لأنّا نجعل دوام اليد كابتداء القبض ، فلا أقلّ من زمان يتصوّر فيه ابتداء القبض. ولو كان غائباً ، اعتبر زمان يمكن المصير فيه إليه ونقله.

وهل يشترط مع ذلك نفس المصير إليه ومشاهدته؟ له(٢) وجهان :

أحدهما : نعم ، ليتيقّن حصوله ويثق به.

____________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) كذا ، والظاهر : « لهم »

١٩٢

وأصحّهما عندهم : لا ، ويكتفى بأنّ الأصل بقاؤه.

واختلفوا في محلّ القولين ، منهم مَنْ جَعَله احتياطاً. ومنهم مَنْ حمله‌ على ما إذا كان المرهون ممّا يتردّد في بقائه في يده بأن كان حيواناً غير مأمون الآفات ، أمّا إذا تيقّنه ، فلا حاجة إليه.

وعلى اشتراط الحضور والمشاهدة فهل يشترط النقل؟ وجهان :

أحدهما : نعم ؛ لأنّ قبض المنقول به يحصل.

والثاني : لا يشترط ؛ لأنّ النقل إنّما يعتبر ليخرج من يد المالك ، وهو خارج هنا.

وإذا شرط الحضور أو النقل معه ، فهل يجوز أن يوكّل؟ فيه وجهان :

أصحّهما عندهم : الجواز ، كما في ابتداء القبض.

والمنع ؛ لأنّ ابتداء القبض - وهو النقل - وُجد من المودع ، فليصدر تتمّته منه(١) .

ولو ذهب إلى موضع المرهون فوجده قد خرج من يده ، فإن أذن له في القبض بعد العقد ، فله أخذه حيث وجده. وإن لم يأذن ، لم يأخذه حتى يقبضه الراهن ، سواء شرطنا الإذن الجديد أو لم نشرطه.

ولو رهن الأب مال الطفل من نفسه أو ماله من الطفل ، ففي اشتراط مضيّ زمان يمكن فيه القبض وجهان ، فإن شرطناه فهو ، كما لو رهن الوديعة من المودع ، فيعود الاختلاف المذكور ، وقصد الأب قبضاً وإقباضاً(٢) نازل منزلة الإذن الجديد.

أمّا لو باع المالك الوديعةَ ، أو العاريةَ ممّن في يده ، فهل يعتبر زمان

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٣ - ٤٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٨ - ٣٠٩.

(٢) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « وافياً » بدل « وإقباضاً ». والصحيح ما أثبتناه.

١٩٣

إمكان القبض لجواز التصرّف وانتقال الضمان؟ الأقرب عندنا : المنع - وهو‌ أحد وجهي الشافعي(١) - لأنّه مقبوض حقيقةً ، ولأنّ البيع يفيد الملك ، ولا معنى مع اجتماع الملك واليد لاعتبار شي‌ء آخَر.

والثاني : نعم(٢) .

وهل يحتاج إلى الإذن في القبض؟ إن كان الثمن حالّاً ولم يوفّه ، لم يحصل القبض ، إلّا إذا أذن البائع فيه. فإن وفّاه أو كان مؤجَّلاً؟ قال بعضهم : إنّه كالرهن(٣) .

والمشهور : أنّه لا يحتاج إليه(٤) .

والفرق : أنّ البيع يوجب القبض ، فدوام اليد يقع عن القبض المستحقّ ، ولا استحقاق في الرهن.

مسألة ١٤٣ : لو رهن المالك ماله المغصوب في يد الغاصب ، صحّ الرهن؟

وعلى قولنا بعدم اشتراط القبض يصير رهناً بمجرّد العقد.

وعلى القول باشتراطه لا بُدّ من مضيّ زمانٍ يمكن فيه تجديد القبض مع إذنٍ في القبض - كما تقدّم - جديدٍ ، وهو أحد قولي الشافعي(٥) .

والثاني : القطع في الغصب بافتقاره إلى إذنٍ جديد ؛ لأنّ يده غير صادرة عن إذن المالك أصلاً(٦) .

إذا عرفت هذا ، فإذا رهن الغصب أو المستعار المشروط فيه الضمان‌ أو المستام أو المبيع فاسداً، صحّ الرهن إجماعاً.

____________________

(١ و ٢ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٩.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٩.

(٥ و ٦ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٩ - ٣١٠.

١٩٤

وهل يزول الضمان بالرهن؟ قال الشيخ(١) : لا يزول ، ويثبت فيه حكم الرهن ، والحكم الذي كان ثابتاً فيه يبقى(٢) بحاله - وبه قال الشافعي ومالك وأبو ثور(٣) - لقولهعليه‌السلام : « على اليد ما أخذت حتى تؤدّي »(٤) .

ولأنّ الدوام أقوى من الابتداء ، ودوام الرهن لا يمنع ابتداء الضمان ، فإنّ المرتهن إذا تعدّى في المرهون ، يصير ضامناً ، ويبقى الرهن بحاله ، فلأن لا يرفع ابتداء الرهن دوام الضمان كان أولى. ولأنّه لا تنافي بين الرهن وثبوت الضمان ، كما لو تعدّى في الرهن ، فإنّه يصير مضموناً ضمانَ الغصب ، وهو رهن كما كان ، فكذلك ابتداؤه ؛ لأنّه أحد حالتي الرهن.

وقال أبو حنيفة وأحمد : يزول الضمان - وهو منقول عن مالك أيضاً - لأنّه مأذون له في إمساكه رهناً(٥) ، لم يتجدّد منه فيه عدوان ، فلم يضمنه ، كما لو قبضه منه ثمّ أقبضه إيّاه أو أبرأه من ضمانه(٦) .

ومنعوا عدم التنافي ؛ فإنّ يد الغاصب عادية يجب عليه إزالتها ، ويد‌ المرتهن محقّة جَعَلها الشرع له ، ويد المرتهن أمانة ، ويد الغاصب

____________________

(١) الخلاف ٣ : ٢٢٨ ، المسألة ١٧.

(٢) في النسخ والخطّيّة و الحجريّة : « فيبقى ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٣٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠ ، الوسيط ٣ : ٤٨٨ ، الوجيز ١ : ١٦٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٠٩ - ٣١٠ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٧٣ ، الذخيرة ٨ : ١١٤ ، المغني ٤ : ٤٠٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢٧ ، وحكاه عنهم أيضاً الشيخ الطوسي في الخلاف ٣ : ٢٢٨ ، المسألة ١٧.

(٤) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٩٦ / ٣٥٦١ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٦٦ / ١٢٦٦ ، مسند أحمد ٥ : ٦٣٨ / ١٩٦٢٠.

(٥) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « وهنا » بدل « رهناً ». والصحيح ما أثبتناه.

(٦) المغني ٤ : ٤٠٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٢٧ - ٤٢٨ ، الحاوي الكبير ٦ : ٤٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠، الوسيط ٣ : ٤٨٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٥ ، الذخيرة ٨ : ١١٤.

١٩٥

والمستام(١) ونحوهما(٢) يد ضامنة ، وهُما متنافيان.

ولأنّ السبب المقتضى للضمان زال ، فزال الضمان لزواله ، كما لو ردّه إلى مالكه ، وذلك لأنّ سببَ الضمان الغصبُ أو العاريةُ ونحوهما ، وهذا لم يبق غاصباً ولا مستاماً(٣) ، ولا يبقى الحكم مع زوال سببه وحدوث سببٍ يخالفه حكمه ، وأمّا إذا تعدّى في الرهن ، فإنّه يضمن ؛ لعدوانه ، لا لكونه غاصباً ولا مستاماً(٤) ، وهنا قد زال سبب الضمان ولم يحدث ما يوجبه ، فلم يثبت(٥) .

ويُمنع استلزام إذن الإمساك رهناً لعدم الضمان ، فإنّ المرتهن إذا تعدّى والمودع وغيرهما من الأُمناء مأذون لهم في الإمساك مع ثبوت الضمان.

والفرق بين إقباضه بعد استعارته واستمرار القبض ظاهر ؛ فإنّ اليد في الأوّل قد زالت حقيقةً ، فلا موجب للضمان ، وغاية ثبوت الضمان الدفع إلى المالك وقد حصل ، فلا يثبت الضمان بعد الغاية له ، والإبراء بمنزلته ؛ لأنّه إسقاط ، فلا ثبوت للساقط بعده ؛ لانتفاء سببٍ جديد.

سلّمنا أنّ الغصب قد زال لكن نمنع زوال الضمان ، ولا نسلّم زوال المقتضى للضمان ؛ فإنّ اليد باقية ، والاستصحاب يقتضي استمرار الضمان.

إذا عرفت هذا ، فلو أراد المرتهن البراءة عن الضمان ، فليردّه إلى‌ الراهن ثمّ له الاسترداد بحكم الرهن.

____________________

(١) في المصدر : « والمستعير » بدل « والمستام ».

(٢) في الخطّية و الحجريّة : « ونحوها ». والصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.

(٣ و ٤) في المصدر : « مستعيراً » بدل « مستاماً ».

(٥) المغني ٤ : ٤٠٥ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢٨.

١٩٦

ولو امتنع الراهن من قبضه ومن الإبراء من ضمانه ، قال بعض الشافعيّة : له أن يجبره عليه(١) .

وليس بجيّد ؛ إذ لا يجب على صاحب الحقّ ترك حقّه ، وقد ثبت للراهن ضمانٌ على المرتهن ، فكيف يجب عليه إسقاطه عنه!؟.

ولو أودع الغاصبَ المالَ المغصوب ، فالأقوى هنا سقوط الضمان - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٢) - لأنّ مقصودَ الإيداع الاستئمانُ ، والضمان والأمانة لا يجتمعان ، ولهذا لو تعدّى المودع في الوديعة ، ارتفعت الوديعة ، بخلاف الرهن ؛ لأنّ الغرض منه التوثيق ، إلّا أنّ الأمانة من مقتضاه ، وهو مع الضمان قد يجتمعان.

والثاني : أنّه لا يبرأ ، كما في الرهن(٣) .

ولو آجر العينَ المغصوبة ، فالأولى أنّ الإجارة لا تفيد البراءة ؛ لأنّه ليس الغرض منها الائتمان ، بخلاف الوديعة.

وللشافعيّة وجهان(٤) .

ولو وكّله في بيع العبد المغصوب أو إعتاقه ، فالأقرب : بقاء الضمان ؛ لأنّه أولى من الإجارة به، لأنّ في الإجارة تسليطاً على القبض والإمساك ، بخلاف التوكيل.

وللشافعيّة وجهان(٥) .

وفي معنى الإجارة والتوكيل ما إذا قارضه على المال المغصوب ، أو

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٠.

(٢ و٣ ) الحاوي الكبير ٦ : ٤١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٠.

(٤) الحاوي الكبير ٦ : ٤٢ ، الوسيط ٣ : ٤٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٠.

(٥) الوسيط ٣ : ٤٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٠.

١٩٧

كانت جارية فتزوّجها منه.

ولو صرّح المالك بإبراء الغاصب عن ضمان الغصب والمال باقٍ في يده ، احتُمل عدم البراءة ؛ لأنّ الغصب سبب وجود القيمة عند التلف ، والإبراء لم يصادف حقّاً ثابتاً وإن صادف سببه ، وهذا يؤكّد ما تقدّم من انتفاء البراءة مع عقود الأمانات ؛ لأنّها أدون من التصريح بالإبراء ، فإذا لم تحصل البراءة به ، فتلك العقود أولى.

ويُحتمل قويّاً فيما عدا الغصب - من المستام والمبيع فاسداً أو العارية المضمونة - عدم الضمان؛ لأنّها أخفّ من ضمان الغصب ، لاستناد اليد فيها إلى رضا المالك.

مسألة ١٤٤ : استدامة القبض ليست شرطاً في لزوم الرهن وصحّته ، عند علمائنا أجمع.

أمّا على قول مَنْ لا يشترط القبض في الابتداء : فظاهر ؛ لأنّه إذا لم يكن شرطاً في الابتداء فأولى أن لا يكون في الاستدامة ، لأنّ كلّ شرطٍ يُعتبر في الاستدامة يُعتبر في الابتداء ، وقد يُعتبر في الابتداء ما لا يُعتبر في الاستدامة.

وأمّا على قول مَنْ جعل القبض شرطاً في الابتداء : فإنّه لا يجعله شرطاً في الاستدامة.

أمّا العامّة فالقائل منهم بعدم اشتراط القبض فظاهر عندهم أيضاً.

وأمّا مَنْ قال : إنّه شرط ، فقد اختلفوا.

فقال الشافعي : إنّه ليس شرطاً ؛ لأنّه عقد يُعتبر القبض في ابتدائه ، فلا تُشترط استدامته ، كالهبة(١) .

____________________

(١) حلية العلماء ٤ : ٤٢٢ ، المغني ٤ : ٤٠٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢١ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٧٤.

١٩٨

وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد : استدامة القبض شرط ؛ لقوله تعالى :( فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ ) (١) .

ولأنّها إحدى حالتي الرهن ، فكان القبض فيها شرطاً ، كالابتداء(٢) .

ولا دليل في الآية على ما تقدّم. والأصل ممنوع ، مع أنّ النصّ على خلافه ، قالعليه‌السلام : « الرهن محلوب ومركوب »(٣) وليس ذلك للمرتهن إجماعاً ، فبقي أن يكون للراهن ، وهو يدلّ على عدم اشتراط استدامة القبض.

مسألة ١٤٥ : لو تصرّف الراهن في الرهن قبل الإقباض بهبة أو بيع أو عتق أو جعله صداقاً أو رهنة ثانياً أو جعله مالَ إجارة ، فعلى ما قلناه - من لزوم الرهن بمجرّد العقد تكون التصرّفات موقوفةً على إجارة المرتهن ، فإن أجازها ، صحّت ، وبطلت وثيقته إلّا في الرهن على إشكالٍ سبق. وإن فسخها المرتهن ، بطلت.

وعلى القول بالاشتراط يكون ذلك رجوعاً عن الرهن ، فبطل الرهن ؛ لأنّه أخرجه عن إمكان استيفاء الدَّيْن عن ثمنه أو فعل ما يدلّ على قصد‌ ذلك ، وسواء أقبض البيع والهبة والرهن الثاني ، أو لم يقبضه.

وكتابه العبد ووطؤ الجارية مع الإحبال كالبيع.

أمّا الوطؤ من غير إحبال أو التزويج فليس رجوعاً ؛ إذ لا تعلّق له بمورد الرهن ، فإنّ رهن المزوّجة ابتداءً جائز ، وبه قال الشافعي(١) .

وأمّا الإجازة فإن قلنا : إنّ رهن المكري وبيعه جائز ، فهي كالتزويج ،

____________________

(١) البقرة : ٢٨٣.

(٢) المغني ٤ : ٤٠٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٢٠ - ٤٢١ ، حلية العلماء ٤ : ٤٢٢ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٧٤.

(٣) المستدرك - للحاكم - ٢ :‍ ٥٨ ، سنن البيهقي ٦ : ٣٨.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١١.

١٩٩

وإلّا فهي رجوع.

وقال بعضهم : إنّها ليست برجوع بحال(١) .

وأمّا لو دبّر العبد المرهون ، فيحتمل أن يقال : إنّه رجوع ؛ للتنافي بين مقصود التدبير ومقصود الرهن ، وإشعاره بالرجوع.

مسألة ١٤٦ : لو مات المرتهن قبل القبض ، لم يبطل الرهن ، وهو ظاهر عند مَنْ لم يعتبر القبض.

وأمّا من اعتبره فقد اختلفوا.

فقال بعضهم ببطلانه ؛ لأنّه عقد جائز ، والعقود الجائزة ترتفع بموت المتعاقدين ، كالوكالة ، وهو أحد قولي(٢) الشافعي.

وفي الآخَر : لا يبطل الرهن ، ويقوم وارثه مقامه في القبض - وهو أصحّ قولَي(٣) الشافعي - لأنّ مصيره إلى اللزوم ، فلا يتأثّر بموته ، كالبيع في زمن الخيار ، والدَّيْن باقٍ كما كان ، وإنّما انتقل الاستحقاق فيه إلى الورثة ، وهُمْ محتاجون إلى الوثيقة حاجة مورّثهم ، وبه قال أحمد ؛ ولأنّ المرتهن لو مات كان الدَّيْن باقياً على تأجيله ، فكان الرهن بحاله(٤) .

ولو مات الراهن قبل الإقباض ، لم يبطل الرهن عند مَنْ لم يشترط القبض.

وأمّا من اشترطه فقد اختلفوا ، فللشافعي قولان :

أحدهما(٥) : أنّه يبطل ؛ لأنّه من العقود الجائزة ، كما تقدّم(٦) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١١.

(٢ و ٣) في « ث » الطبعة الحجريّة : « أقوال » بدل « قولي ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١١ ، حلية العلماء ٤ : ٤١٥ ، المغني ٤ : ٤٠٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٤١٩.

(٥) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فللشافعي أقوال أحدها ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٦) راجع ص ١٨٧ ، المسالة ١٤٠.

٢٠٠