تذكرة الفقهاء الجزء ١٣

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-389-6
الصفحات: 400

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 964-319-389-6
الصفحات: 400
المشاهدات: 90793
تحميل: 3731


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 400 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 90793 / تحميل: 3731
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 13

مؤلف:
ISBN: 964-319-389-6
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

والثاني : أنّه لا يبطل بموت المرتهن ، ويبطل بموت الراهن.

ولأصحابه طُرق :

أحدها : أنّ في موتهما قولين نقلاً وتخريجاً :

أحدهما : أنّه يبطل بموت كلّ واحدٍ منهما ؛ لأنّه عقد جائز ، والعقود الجائزة ترتفع بموت المتعاقدين.

وثانيهما : لا يبطل ؛ لأنّ مصيره إلى اللزوم.

والثاني تقرير القولين ، وفرّقوا بأنّ المرهون بعد موت الراهن ملك الورثة ومتعلّق حقّ الغرماء إن كان له غريمٌ آخَر ، وفي استيفاء الرهن(١) إضرار بهم ، وفي صورة موت المرتهن يبقى الدَّيْن كما كان ، وإنّما ينقل الاستحقاق فيه إلى الورثة ، وهُم يحتاجون إلى الوثيقة مورّثهم.

والثالث : القطع بعدم البطلان ، سواي مات الراهن أو المرتهن.

وإذا أثبتنا الرهن ، قام ورثة الراهن مقامه في الإقباض ، وورثة المرتهن مقامه في القبض(٢) .

ثمّ اختلف أصحابه في موضع القولين.

فقال بعضهم : موضعهما رهن التبرّع ، فأمّا الرهن المشروط في البيع فإنّه لا يبطل بالموت قطعاً؛ لتأكّده بالشرط ، واقترانه بالبيع اللازم ، فلا يبعد أن يكتسب منه صفة اللزوم.

وقال بعضهم : بل القولان جاريان في النوعين(٣) .

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « الراهن » بدل « الرهن ». والصحيح ما أثبتناه كما في « العزيز شرح الوجيز ».

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣١٤ ، حلية العلماء ٤ : ٤١٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١١.

٢٠١

مسألة ١٤٧ : لو جُنّ أحد المتعاقدين أو أُغمي عليه قبل القبض ، فإن لم نجعل القبض شرطاً ، فالرهن لازم بمجرّد العقد. وإن جعلناه شرطاً ، لم يبطل الرهن ؛ لأنّه عقد يؤول إلى اللزوم ، فلم يبطل بجنون أحد المتعاقدين ، كالبيع الذي فيه الخيار ، ويقوم وليّ المجنون مقامه.

فإن كان المجنون الراهنَ وكان الحظّ في التقبيض بأن يكون شرطاً في بيعٍ يتضرّر بفسخه أو غير ذلك من المصالح ، أقبضه. وإن كان الحظّ في تركه ، لم يجز له تقبيضه.

وإن كان المجنون المرتهنَ ، قال بعض العامّة : قبضه وليّه(١) إن اختار الراهن ، وإن امتنع ، لم يُجبر ، فإذا مات ، قام وارثه مقامه في القبض(٢) .

وقالت الشافعيّة : إنّه مرتَّب على الموت ، فإن قلنا : لا يؤثّر الموت ، فالجنون أولى. وإن قلنا : يؤثّر(٣) ، ففي الجنون وجهان(٤) .

فإن قلنا : لا يبطل الرهن ، فإن جُنّ المرتهن ، قبض الرهن مَنْ نصبه‌ الحاكم قيّماً في ماله ، فإن لم يقبض الراهن وكان الرهن مشروطاً في بيع ، فعل ما فيه الحظّ من الفسخ والإجازة.

وإن جُنّ الراهن فإن كان الرهن مشروطاً في بيعٍ وخاف القيّم فسخ البيع لو لم يسلّمه والحظّ في الإمضاء ، سلّمه. وإن لم يخف أو كان الحظّ في الفسخ ، لم يسلّمه.

وكذا لو كان الرهن رهنَ تبرّعٍ.

____________________

(١) في النسخ الخطيّة و الحجريّة: « إليه » بدل « وليّه ». وذلك خطأ ، والصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.

(٢) المغني ٤ : ٤٠٠ ، الشرح الكبير ٤ : ٤١٨.

(٣) في النسخ الخطّيّة الحجريّة : « مؤثّر ». والأنسب ما أثبتناه.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٢.

٢٠٢

وينبغي أن يُحمل على ما إذا لم تكن ضرورة ولا غبطة ؛ لأنّه يجوز أن يرهن مال المجنون ابتداءً فالاستدامة أولى.

ولو حُجر على الراهن بفلسٍ قبل التسليم ، لم يكن له تسليمه ؛ لما فيه من تخصيص المرتهن بثمنه ، وليس له تخصيص بعض غرمائه.

وإن حُجر عليه لسفهٍ ، فحكمه حكم ما لو زال عقله بجنون.

وإن اُغمي عليه ، لم يكن للمرتهن قبض الرهن ، وليس لأحدٍ تقبيضه ؛ لأنّ المغمى عليه لا ولاية لأحدٍ عليه.

فإن اُغمي على المرتهن ، لم يكن لأحدٍ أن يقوم مقامه في قبض الرهن أيضاً.

وإن خرس وكانت له كتابة مفهومة أو إشارة مفهومة ، فكالصحيح إن أذن في القبض ، جاز ، وإلّا فلا. وإن لم تكن له إشارة مفهومة ولا كتابة ، لم يجز القبض.

وإن كان أحد هؤلاء قد أذن في القبض أوّلاً ، لم يعتدّ به ؛ لأنّ إذنهم يبطل بما عرض لهم.

مسألة ١٤٨ : ليس للمرتهن قبض الرهن إلّا بإذن الراهن ؛ لأنّه لا يلزمه تقبيضه ، فاعتُبر إذنه في قبضه ، كالواهب.

أمّا في الرهن المتبرّع به : فظاهر.

وأمّا فيما وقع شرطاً في عقدٍ لازم كالبيع وشبهه : فكذلك لا يجب عليه الإقباض ، سواء شرط الإقباض في العقد أو لم يشرط ، بل يتخيّر المرتهن في إجازة العقد المشروط به ، وفسخه ، وليس له إلزام الراهن بالإقباض ، فإن تعدّى المرتهن فقبضه بغير إذنٍ ، لم يثبت حكمه ، وكان بمنزلة مَنْ لم يقبض.

٢٠٣

ولو صدر من الراهن ما يدلّ على الإذن في القبض ، كان بمنزلة الإذن ، وقام مقامه ، مثل أن يرسل العبد إلى مرتهنه ، وردّ ما أخذه من المرتهن إلى يده ، ونحو ذلك ؛ لأنّه دليل على الإذن ، فاكتفي به ، كما لو دعا غيره إلى طعامٍ وقدّمه بين يديه ، فإنّ ذلك يجري مجرى الإذن في تناوله ، كذا هنا.

مسألة ١٤٩ : لو رهن عصيراً وأقبضه فانقلب في يد المرتهن خمراً ، لم نقل : إنّها مرهونة.

واختلفت عبارة الشافعيّة.

فقال بعضهم : يُتوقّف إن عاد خَلّاً ، بانَ أنّ الرهن لم يبطل ، وإلّا ظهر بطلانه(١) .

وقال أكثرهم : يبطل الرهن ؛ لخروج الرهن عن كونه مالاً ، ولا خيار للمرتهن إن كان الرهن مشروطاً في بيعٍ ؛ لحدوثه في يده(٢) .

ثمّ إن عاد خَلّاً ، يعود الرهن ، كما يعود الملك - وهو أحد قولي الشافعي(٣) - لأنّه لا يراد ببطلان الرهن اضمحلال أثره بالكلّيّة ، بل ارتفاع‌ حكمه ما دامت الخمريّة.

والثاني : أنّه لا يعود الرهن إلّا بعقدٍ جديد ، وبه قال أبو حنيفة(٤) .

والوجه : الأوّل ؛ لأنّ الرهن تابع للملك ، والملك قد عاد إلى الراهن.

ولو رهن شاة فماتت في يد المرتهن فدبغ جلدها ، لم يطهر ،

____________________

(١ - ٣ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٧٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٢.

(٤) الحاوي الكبير ٦ : ١١٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٠.

٢٠٤

ولم يدخل في ملك الراهن ولا المرتهن عندنا.

وللشافعي(١) وجهان :

أحدهما : عون الرهن ، كانقلاب الخمر خَلّاً.

وأظهرهما عندهم : عدم العود ؛ لأنّ ماليّته مستندة إلى الصنعة والمعالجة ، وليس العائد ذلك الملك(٢) .

ولو انقلب العصير المرهون خمراً قبل القبض ، ففي بطلانَ الرهن البطلان الكلّي للشافعي(٣) وجهان :

أحدهما : نعم ؛ لاختلال المحلّ في حال ضعف الرهن وجوازه.

والثاني : لا ، كما لو تخمّر بعد القبض.

وعلى الوجهين لو كان الرهن شرطاً في بيعٍ ، ثبت للمرتهن الخيار ؛ لأنّ الخَلّ أنقص من العصير ، ولا يصحّ الإقباض في حال الشدّة.

فإن فَعَل وعاد(٤) خَلّاً ، فعلى الوجه الثاني لا بدّ من استئناف قبضٍ ، وعلى الأوّل لا بدّ من استئناف عقدٍ(٥) .

ولو انقلب المبيع خمراً قبل القبض ، فالكلام في انقطاع البيع وعوده‌ إذا عاد خَلّاً كما تقدّم في انقلاب العصير المرهون خمراً بعد القبض.

مسألة ١٥٠ : لو جنى العبد المرهون قبل القبض وتعلّق الأرش برقبته

____________________

(١ و ٣ ) كذا ، والظاهر : « للشافعيّة ».

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ١١١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٤٤ ، حلية العلماء ٤ : ٤٥٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٢.

(٤) في الطبعة الحجريّة : « فعاد » بدل « وعاد ».

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٢ - ٣١٣.

٢٠٥

وقلنا : رهن الجاني ابتداءً فاسد ، ففي بطلان الرهن للشافعيّة وجهان ، إلحاقاً للجناية يتخمّر(١) العصير بجامع عروض الحالة المانعة من ابتداء الرهن قبل استحكام العقد. وهذه الصورة أولى بأن لا يبطل الرهن فيها ؛ لدوام الملك في الجاني ، بخلاف الخمر(٢) .

ولو أبق العبد المرهون قبل القبض ، فللشافعيّة وجهان ؛ لانتهاء المرهون إلى حالة تمنع ابتداءً الرهن فيها(٣) .

مسألة ١٥١ : الخمر قسمان :

خمر محترمة ، وهي التي اتّخذ عصيرها ليصير خَلّاً ، وإنّما هي محترمة ؛ لأنّ اتّخاذ الخَلّ جائز إجماعاً ، ولا ينقلب العصير إلى الحموضة إلّا بتوسّط الشدّة ، فلو لم تُحترم واُريقت في تلك الحالة لتعذّر اتّخاذ الخَلّ.

والثاني : خمر غير محترمة ، وهي التي اتّخذ عصيرها لغرض الخمريّة.

إذا عرفت هذا ، فإنّ تخليل الخمر بالأجسام الطاهرة جائز ، كطرح العصير أو الخَلّ أو الخبز أو غيرها - وبه قال أبو حنيفة(٤) - لأنّ المقتضي للتخليل - وهو زوال الخمريّة - موجود ، والمانع - وهو طرح شي‌ء فيها - لا يصلح للمانعيّة ، وإلّا لما طهرت ألبتّة ؛ لأنّ الآنية تنجس بملاقاتها ، فلو

____________________

(١) في « ث ، ج » و « العزيز شرح الوجيز » : « بتخمير ».

(٢ و ٣ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٣.

(٤) المبسوط - للسرخسي - ٢٤ : ٢٢ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٣٢٩ ، بدائع الصنائع ٥ : ١١٣ - ١١٤ ، الهداية - للمرغيناني - ٤ : ١١٣ ، الاختيار لتعليل المختار ٤ : ١٥٩ ، الحاوي الكبير ٦ : ١١٢ ، المغني ١٠ : ٣٣٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٣٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨١.

٢٠٦

انفعلت الخمر بنجاستها(١) لم تطهر ، وهو باطل بالإجماع.

وقال الشافعي : إنّ تخليل الخمر بطرح العصير أو الخَلّ أو الخبز الحارّ أو غيرها حرام ، والخَلّ الحاصل نجس - وبه قال أحمد ، وعن مالك روايتان كالمذهبين - لأنّ أنساً قال : سُئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أتُتّخذ الخمر خَلّاً؟ قال : « لا »(٢) (٣) .

وهو - بعد التسليم لا يدلّ على المطلوب ؛ لإمكان إرادة الكراهة ، أو أن يُستعمل الخمر عوض الخَلّ.

وجوّز بعضُ الشافعيّة تخليلَ المحترمة ؛ لأنّها غير مستحقّة للإراقة(٤) .

ثمّ اختلفوا في الفرق بين الطرح بالقصد وبغير قصدٍ ، كطرح الريح ، بناءً على أنّ المعنى تحريم التخليل أو نجاسة المطروح فيه؟(٥) .

ولو طرح في العصير بصلاً أو ملحاً واستعجل به الحموضة بعد الاشتداد ، فلهُمْ وجهان :

أحدهما : إذا تخلّل ، كان طاهراً ؛ لأنّ الملاقي إنّما لاقاه قبل التخمير ، فطهر بطهارته ، كأجزاء الدِّنّ.

والثاني : لا ؛ لأنّ المطروح فيه ينجس عند التخمير وتستمرّ نجاسته ،

____________________

(١) في « ر » والطبعة الحجريّة : « بنجاسته ». وفي « ث ، ج » : « بنجاسة ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) صحيح مسلم ٣ : ١٥٧٣ / ١٩٨٣ ، سنن الدارقطني ٤ : ٢٦٥ / ٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٤ ، المغني ١٠ : ٣٣٨ ، الشرح الكبير ١٠ : ٣٤٠ ، التفريع ١ : ٤١٠ - ٤١١ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٩٠.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٣.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٤.

٢٠٧

بخلاف أجزاء الدِّنّ ، للضرورة(١)

ولو طرح العصير على الخَلّ وكان العصير غالباً ينغمر الخمر فيه عند الاشتداد ، فهل يطهر إذا انقلب خَلّاً؟ فيه هذا الوجهان(٢) .

ولو كان الغالب الخَلّ وكان يمنع العصير من الاشتداد ، فلا بأس.

وأمّا [ إمساك ](٣) الخمر المحترمة إلى أن تصير خَلّاً جائز ، والتي لا تُحترم تجب إراقتها ، لكن لو لم يرقها حتى تخلّلت ، فهي طاهرات(٤) أيضاً ؛ لأنّ النجاسة والتحريم إنّما ثبتا للشدّة وقد زالت.

وقال بعض الشافعيّة : لا يجوز إمساك الخمر المحترمة ، بل يضرب عن العصير إلى أن يصير خَلّاً ، فإن اتّفقت منّا اطّلاعة وهو خمر ، أرقناه(٥) .

وقال بعضهم : لو أمسك التي لا تُحترم حتى تخلّلت ، لم تحلّ ولم تطهر ؛ لأنّ إمساكها حرام ، فلا يستفاد به نعمة(٦) .

ومتى عادت الطهارة بالتخليل ، طهرت أجزاء الظرف.

وقال بعض الشافعيّة : إن كان الظرف لا يتشرّب شيئاً من الخمر كالقوارير ، طهر ، وإن كان ممّا يتشرّب ، لم يطهر(٧) .

ويطهر أيضاً ما فوقه الذي أصابته الخمر في حالة الغليان.

ولو كان ينقلها من الظلّ إلى الشمس أو بفتح رأسها ليصيبها الهواء

____________________

(١ و ٢ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٤.

(٣) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « طاهر ». والصحيح ما أثبتناه.

(٥ و ٦ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٤.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٥.

٢٠٨

استعجالاً للحموضة ، فوجهان :

أحدهما : لا تطهر ، كما لو طرح فيها شيئاً.

وأصحّهما : الطهارة عندهم ؛ لزوال الشدّة(١) .

وتردّد بعضُ الشافعيّة في بيع الخمر المحترمة ؛ بناءً على تردّدهم في طهارتها(٢) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ١١٥ ، الوسيط ٣ : ٤٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٥.

٢٠٩

الفصل الثالث : في منع المتراهنين من التصرّفات‌

مسألة ١٥٢ : الرهن وثيقة لدَيْن المرتهن إمّا في عينه أو بدله ، ولا تحصل الوثيقة إلّا بالحجر على الراهن وقطع سلطنةٍ كان له ليتحرّك إلى الأداء ، وبتجديد سلطنةٍ للمرتهن لم تكن ، ليتوصّل بها إلى الاستيفاء.

وهذه الوثيقة ليست دائمةً ، بل لها غاية تنتهي عندها على ما يأتي.

إذا ثبت هذا ، فالرهن يمنع الراهن لا المرتهن من التصرّفات على ما يأتي تفصيله في نظرين :

الأوّل : في منع الراهن.

ويُمنع الراهن من كلّ تصرّف يزيل الملك إلى الغير ، كالبيع والهبة ونحوهما ، وإلّا فاتت الوثيقة.

ويُمنع أيضاً ممّا يزاحم المرتهن في مقصود الرهن ، وهو الرهن من غيره ، ومن كلّ تصرّف ينقص المرهون ويقلّل الرغبة فيه ، كالتزويج - وبه قال الشافعي ومالك(١) - لأنّ الرغبة في الجارية الخليّة فوق الرغبة في المزوّجة ، فالتزويج يوجب نقص ثمنها ، ويشغل بعض منافعها ، فإنّه يعطّل منافع بُضعها ، ويمنع مشتريها من وطئها ، ويُعرّضها بوطئها للحمل ، ويُمكّن زوجها من الاستمتاع بها ليلاً ، ويمنعها عن الخدمة بتربية ولدها ،

____________________

(١) حلية العلماء ٤ : ٤٤٠ ، الوجيز ١ : ١٦٤ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٦ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٤٣٥.

٢١٠

فتقلّ الرغبة فيها.

وقال الشيخرحمه‌الله : إذا زوّج الراهن عبده المرهون أو جاريته المرهونة ، كان تزويجه صحيحاً - وبه قال أبو حنيفة - لعموم قوله تعالى :( وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ ) (١) (٢) .

ولأنّ محلّ النكاح غير محلّ الرهن ، ولهذا صحّ رهن الأمة المزوّجة(٣) .

والعامّ مخصوص بما دلّ [ على ](٤) منع الراهن والمرتهن من التصرّف في الرهن.

ويُمنع تغاير المحلّين ؛ فإنّ البيع يتناول جملتها ، ولهذا يستبيح المشتري نكاحها ، وإنّما صحّ رهن المزوّجة ؛ لبقاء معظم المنفعة فيها ، وبقائها محلّاً للبيع ، كما يصحّ رهن المستأجرة.

إذا عرفت هذا ، فقال أبو حنيفة : يصحّ الرهن ، وللمرتهن منع الزوج من وطئها ، ومهرها رهنٌ معها(٥) .

ولا بأس بقوله في المنع من الوطئ على تقدير صحّة العقد.

مسألة ١٥٣ : قال الشيخرحمه‌الله : لا يجوز للراهن أن يكري داره المرهونة أو يُسكنها غيره ، إلّا بإذن المرتهن ، فإن أكراها وحصلت اُجرتها ، كانت له.

وقال الشافعي : له أن يؤجرها ويُسكنها غيره.

____________________

(١) النور : ٣٢.

(٢) الخلاف ٣ : ٢٥٣ ، المسألة ٦٠.

(٣) المبسوط - للسرخسي - ٢٢ : ١٢ ، حلية العلماء ٤ : ٤٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٤ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٤٣٥.

(٤) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٥) المبسوط - للسرخسي - ٢٢ : ١٢ ، المغني والشرح الكبير ٤ : ٤٣٥.

٢١١

وهل له أن يسكنها بنفسه؟ لهم فيه وجهان(١) .

وفصَّل أصحابه ، فقالوا : إن كان الدَّيْن حالّاً أو كان مؤجَّلاً لكنّه يحلّ قبل انقضاء مدّة الإجارة ، ففي روايةٍ بناء صحّة الإجارة على القولين في جواز بيع المستأجر ، إن جوّزناه ، صحّت الإجارة ، وإلّا فلا ، والمشهور : بطلانها قطعاً.

أمّا إذا لم نجوّز بيع المستأجر : فظاهر.

وأمّا إذا جوّزناه : فلأنّ الإجارة تبقى وإن صحّ البيع ، وذلك ممّا يقلّل الرغبة(٢) .

وقال بعضهم : يبطل قدر الأجل ، وفي الزائد عليه قولا تفريق الصفقة(٣) .

وإن كان الأجل يحلّ مع انقضاء مدّة الإجارة أو بعدها ، صحّت الإجارة.

ثمّ لو اتّفق حلول الدَّيْن قبل انقضائها بموت الراهن ، فوجهان :

أحدهما : أنّه تنفسخ الإجارة رعايةً لحقّ المرتهن ، فإنّه أسبق ، ويُضارب المستأجر بالاُجرة المدفوعة مع الغرماء.

والثاني : أنّ المرتهن يصبر إلى انقضاء مدّة الإجارة ، كما يصبر الغرماء إلى انقضاء العدّة لتستوفي المعتدّة حقّ السكنى ؛ جمعاً بين الحقّين ، وعلى هذا يُضارِب المرتهن بدَيْنه مع الغرماء في الحال.

وإذا انقضت المدّة وبِيع المرهون ، قضي باقي دَيْنه ، فإن فضل منه‌

____________________

(١) الخلاف ٣ : ٢٥٢ ، المسألة ٥٩ ، وانظر : حلية العلماء ٤ : ٤٣٩ ، والمغني ٤ : ٤٧٢ - ٤٧٣ ، والشرح الكبير ٤ : ٤٣١.

(٢و٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٦.

٢١٢

شي‌ء ، فهو للغرماء(١) .

هذا كلّه فيما إذا آجر المرهون من غير المرتهن ، أمّا إذا آجره منه ، فيجوز(٢) ، ولا يبطل الرهن ؛ لأنّ الحقّ لا يعدوهما ، وقد اتّفقا على ذلك ، فجاز ، كما اتّفقا على إيجاز الغير.

وكذا لو كان مستأجراً [ من ](٣) المرتهن ثمّ ارتهنه ، وبه قال الشافعي(٤) ، ولا نعلم فيه خلافاً.

فلو كانت الإجارة قبل تسليم الرهن ثمّ سلّمه عنهما جميعاً ، جاز. ولو سلّم عن الرهن ، وقع عنهما جميعاً ؛ لأنّ القبض في الإجارة مستحقّ. ولو سلّم عن الإجارة ، لم يحصل قبض الرهن.

وقال أبو حنيفة : الرهن والإجارة لا يجتمعان ، والمتأخّر منهما يرفع المتقدّم ويُبطله(٥) .

والشافعي جوّز ذلك ؛ لأنّ الإعارة من المرتهن لا تُبطل الرهن ، فكذا الإجارة(٦) .

واعلم أنّ للشافعي قولين :

الجديد : أنّ السبيعَ من الراهن ، وغيرَه من التصرّفات باطلة.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٤ ٤٨٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٦.

(٢) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « يجوز ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في « ث » و الطبعة الحجريّة : « مع ». وفي « ج ، ر » : « على ». والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٦.

(٥) المبسوط - للسرخسي - ٢١ : ١٦٤ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٤٢ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٤٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٥.

(٦) التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٦.

٢١٣

والقديم : يجوز وقف العقود بكون هذه التصرّفات موقوفةً على الانفكاك وعدمه(١) .

مسألة ١٥٤ : لا يصحّ من الراهن إعتاق العبد المرهون ؛ لأنّه إتلاف للوثيقة ، وإبطالٌ لحقّ المرتهن منها.

وللشافعي - في القديم - : الجزم بعدم النفوذ إن كان الراهن معسراً. وإن كان موسراً ، فقولان. وفي الجديد : الجزم بنفوذه إن كان موسراً. وإن كان معسراً ، فقولان. فيحصل له أقوال ثلاثة.

أ : أنّه لا ينفذ بحال وهو الذي ذهبنا إليه لأنّ الرهن عقد لازم حجر به الراهن على نفسه ، فلا يتمكّن من إبطاله مع بقاء الدَّيْن.

ب : أنّه ينفذ ؛ لأنّه إعتاقٌ صادفَ الملك ، فأشبه إعتاق المستأجر والزوجة ، وبه قال أبو حنيفة وأحمد ، إلّا أنّ أبا حنيفة يقول : يستسعى العبد في قيمته إن كان الراهن معسراً.

ج - وهو الأصحّ عندهم ، وبه قال مالك - : أنّه إن كان موسراً ، نفذ ، وإلّا فلا ، تشبيهاً لسريان العتق إلى حقّ المرتهن بسريانه من نصيب أحد الشريكين إلى الآخَر ، والمعنى فيه أنّ [ حقّ ](٢) الوثيقة لا يتعطّل ، ولا يتأخّر إذا كان موسراً(٣) .

فإن قلنا : إنّه لا ينفذ ، فالرهن بحاله ، فلو انفكّ بإبراءٍ أو بغيره ، فللشافعي قولان :

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٦.

(٢) أضفناه من المصادر عدا « روضة الطالبين » و « حلية العلماء ».

(٣) حلية العلماء ٤ : ٤٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٥ - ٤٨٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٧ ، المغني ٤ : ٤٣٢ - ٤٣٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٣٣ - ٤٣٤.

٢١٤

أظهرهما عندهم : أنّه لا يُحكم بنفوذه أيضاً ؛ لأنّه لا يملك إعتاقه ، فأشبه ما إذا أعتق المحجور عليه للسفه ثمّ زال الحجر.

والثاني : يُحكم ؛ لأنّ المانع من النفوذ في الحال حقّ المرتهن وقد زال.

والخلاف فيه كالخلاف فيما إذا أعتق المحجور عليه بالفلس عبداً ثمّ انفكّ الحجر عنه ولم يتّفق بيع ذلك العبد ، هل يُعتق؟ وإن بِيع في الدَّيْن ثمّ ملكه ولو يوماً ما ، لم يُحكم بالعتق.

ومنهم مَنْ طرد الخلاف المذكور في الصورة الاُولى(١) .

وعن مالك أنّه يُحكم بنفوذ العتق في الصورتين(٢) .

وإن قلنا : ينفذ العتق مطلقاً ، فعلى الراهن قيمته باعتبار يوم الإعتاق.

ثمّ إن كان موسراً ، اُخذت منه في الحال ، وجُعلت رهناً مكانه. وإن كان معسراً ، اُنظر إلى اليسار ، فإذا أيسر ، اُخذت منه ، وجُعلت رهناً إن لم يحلّ الحقُّ بَعْدُ(٣) ، وإن حلّ ، طُولب به ، ولا معنى للرهن(٤) .

ويحتمل أن يقال : كما أنّ ابتداء الرهن قد يكون بالحالّ وقد يكون بالمؤجَّل ، فكذا قد تقتضي المصلحة أخذ القيمة رهناً وإن حلّ الحقّ إلى يتيسّر استيفاؤه.

وبتقدير صحّة التفصيل الذي ذكروه وجب أن يجري مثله في القيمة التي تؤخذ من الموسر.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٧.

(٢) كما في العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٦.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « بعده ». والصحيح ما أثبتناه.

(٤) ورد التفصيل المذكور في العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٦ ، وروضة الطالبين ٣ : ٣١٧.

٢١٥

ومهما بذله القيمة على قصد الغرم ، صارت رهناً ، ولا حاجة إلى عقدٍ مستأنف ، والاعتبار(١) بقصد المؤدّي.

وإذا كان المعتق موسراً ، فعلى القول الثاني أو الثالث في وقت نفوذ العتق عندهم طريقان :

أحدهما : أنّه على الأقوال في وقت نفوذ العتق في نصيب الشريك إذا أعتق الشريك نصيبه ، ففي قولٍ يتعجّل. وفي قولٍ يتأخّر إلى أن يغرم القيمة. وفي قولٍ يتوقّف ، فإذا غرم ، تبيّنّا صحّة العتق.

وأظهرهما : القطع بنفوذه في الحال ، والفرق أنّ يسري إلى ملك الغير ، ولا بدّ من تقدير انتقاله إلى المعتق ، فجاز أن نقول : إنّما ينتقل إذا استقرّ ملك [ الشريك ](٢) ويده على العوض ، وإعتاق الراهن يصادف ملكه(٣) .

أمّا لو علّق الراهن عتق المرهون ، فعندنا : أنّه يبطل ؛ لأنّه لا يصحّ تعليق العتق على شرط.

وأمّا مَنْ جوّزه - كالشافعي - فقال : يُنظر إن علّق عتق المرهون بفكاك الرهن نفذ عند الانفكاك ؛ لأنّ مجرّد التعليق لا يضرّ المرتهن ، وحين ينزل العتق لا يبقى له حقّ.

وإن علّق بصفة اُخرى ، فإن وُجدت قبل فكاك الرهن ، ففيه الأقوال‌ المذكورة في التنجيز. وإن(٤) وُجدت بعده ، فوجهان :

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « ولا اعتبار » بدل « والاعتبار ». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « المشتري ». وما أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٦ - ٤٨٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٧ - ٣١٨.

(٤) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « فإن ». والظاهر ما أثبتناه من المصدر.

٢١٦

أصحّهما عدهم : النفوذ ؛ لأنّه لا يبطل حقّ المرتهن.

والثاني : عدمه إبطالاً للتعليق مطلقاً ، كالتنجيز في قولٍ(١) .

والخلاف هنا يُشبه خلافَهم فيما لو قال العبد لزوجته : إن فعلتِ كذا فأنتِ طالق ثلاثاً ، ثمّ عُتق ثمّ فعلته ، هل تقع الطلقة الثالثة؟ لكنّ الخلاف جارٍ وإن علّق بالعتق ، فقال : إن عُتقت فأنتِ طالق ثلاثاً. ولا خلاف في تعليق العتق بالفكاك أنّه ينفذ عند الفكاك(٢) .

فرّقوا بأنّ الطلقة الثالثة ليست مملوكةً للعبد ، ومحلّ العتق مملوك للراهن ، وإنّما منع لحقّ المرتهن(٣) .

وفيه نظر ؛ فإنّ العتق غير مملوك للراهن ، كما أنّ الطلقة الثالثة غير مملوكة للعبد ، ومحلّ الطلاق مملوك للعبد كما أنّ محلّ العتق مملوك للراهن ، فلا فرق.

ولو رهن نصف عبده ثمّ أعتق نصفه ، فإن أضاف العتق إلى النصف المرهون ، ففيه الخلاف. وإن أضافه إلى الطلق أو أطلق ، عُتق الطلق.

وهل يسرى إلى المرهون؟ إن جوّزنا عتق المرهون ، فنعم ، وإلّا فوجهان عند الشافعيّة(٤) .

والذي يقتضيه مذهبنا أنّه يسري - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة -(٥) لأنّ أقصى ما في الباب تنزيل المرهون منزلة ملك الغير ، وهو يسري إليه ، فحينئذٍ هل يفرّق بين الموسر والمعسر؟ قولان للشافعيّة ، أحدهما : نعم. والثاني : لا ؛ لأنّه ملكه(٦) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٨.

(٢و٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٧.

(٤-٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٨.

٢١٧

ولو وقف المرهون ، لم يصح عندنا ؛ لما فيه من إفساد حقّ الغير.

وللشافعيّة طريقان :

أحدهما : أنّه كالعتق ؛ لما فيه من القربة والتعليق الذي لا يقبل النقض.

وأظهرهما عندهم : القطع بالمنع ، بخلاف العتق ، فإنّه أقوى بالسراية وغيرها(١) .

ولهم طريقة ثالثة : إن قلنا : الوقف لا يحتاج إلى القبول ، فهو كالعتق. وإن قلنا : يحتاج إليه ، فيقطع بالمنع(٢) .

مسألة ١٥٥ : ليس للراهن وطؤ أمته المرهونة إلّا بإذن المرتهن ، سواء كانت بكراً وثيّباً ، وسواء كانت من أهل الإحبال أو لا ؛ لأنّ الوطء ربما أحبلها فتنقص قيمتها ، وربما ماتت في الولادة.

وقال الشافعي : إن كانت الجارية بكراً ، لم يكن للراهن وطؤها بحال ؛ لأنّ الافتضاض ينقض قيمتها.

وإن كانت ثيّباً ، فكذلك [ إن كانت ](٣) في سنّ مَنْ تحبل ؛ لأنّها ربما حبلت فتفوت الوثيقة أو تتعرّض للهلاك في الطلق ونقصان الولادة ، وليس له أن يقول : أطأُ فأعزل ؛ لأنّ الماء قد يسبق.

وإن كانت في سنّ مَنْ لا تحبل لصغرٍ أو يأسٍ ، فوجهان ‌:

أحدهما : له أن يطأها ، كسائر الانتفاعات التي لا تضرّ بالمرتهن.

وقال الأكثر : يُمنع من وطئها أيضاً احتياطاً لحسم الباب ؛ إذ العلوق ليس له وقت معلوم ، وهذا كما أنّ العدّة تجب على الصغيرة والكبيرة

____________________

(١و٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٨.

(٣) ما بين المعقوفين من « العزيز شرح الوجيز ».

٢١٨

والآيسة وإن كان القصد الأصلي استبراء الرحم(١) .

ويجري الوجهان فيما إذا كانت حاملاً من الزنا ؛ لأنّه لا يخاف من وطئها الحبلُ.

نعم ، غشيان مثل هذه المرأة مكروه على الإطلاق(٢) .

قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أنّ للمرتهن منع الراهن من وطئ أمته المرهونة ، ولأنّ سائر مَنْ يحرم وطؤها لا فرق بين الآيسة والصغيرة ونحوهما ، كالمعتدّة والمستبرأة والأجنبيّة(٣) .

مسألة ١٥٦ : لو خالف الراهن ما قلناه ووطئ ، لم يكن زانياً ؛ لأنّه وطئ في ملكٍ ، فلا حدّ عليه ؛ لأنّ التحريم عارض ، كما عرض في الـمُحْرمة والصائمة ، ولا مهر عليه ؛ لأنّ المرتهن لا حقّ له في منفعتها ، ووطؤها لا ينقض قيمتها ، فأشبه ما لو استخدمها ، بخلاف ما لو وطئ المكاتبة حيث يغرم المهر ؛ لأنّ المكاتبة قد استقلّت واضطرب الملك فيها أو زال ، ولهذا لو وطئها أجنبيّ ، كان المهر لها ، ولو وطئ المرهونة أجنبيّ ، كان المهر للوليّ.

ولو تلف جزء منها أو بُضْعها مثل أن افتضّ البكر أو أفضاها ، فعليه قيمة ما أتلف ، فإن شاء جَعَله رهناً معها ، وإن شاء جَعَله قضاءً من الحقّ إن‌ لم يكن حلّ إذا رضي المرتهن ، وإن كان حلّ ، جَعَله قضاءً إن كان من جنس الحقّ لا غير ، فإنّه لا فائدة في جَعْله رهناً. ولا فرق بين الكبيرة والصغيرة فيما ذكرناه ، ولا نعلم في هذا خلافاً.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٨ - ٣١٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٩.

(٣) المغني والشرح الكبير ٤ : ٤٣٦.

٢١٩

فإن أولدها ، فالولد حُرٌّ لاحِقٌ به ، ولا قيمة عليه ؛ لأنّ المرتهن لا حقّ له في ولد المرهونة بحال.

وهل تصير اُمّ ولدٍ للراهن؟ مذهبنا : أنّها تصير اُمَّ ولدٍ له ، ولا يبطل الرهن. ثمّ إن كان الواطئ موسراً ، لزمه قيمة الرهن من غيرها ؛ لحرمة ولدها يكون رهناً مكانها ، وإن كان معسراً ، كان الدَّيْن باقياً ، وجاز بيعها فيه.

وللشافعي أقوال ثلاثة :

أحدهما : أنّها تصير اُمّ ولدٍ ، وتعتق ، سواء كان الراهن موسراً أو معسراً ، ولكنّه يجب على الموسر قيمتها تكون رهناً مكانها ؛ لأنّ الاستيلاد أولى بالنفوذ من الإعتاق ؛ لأنّه فعل ، والأفعال أقوى وأشدّ نفوذاً ، ولهذا ينفذ استيلاد المجنون والمحجور عليه ، ولا ينفذ إعتاقهما ، وينفذ استيلاد المريض من رأس المال وإعتاقه من الثلث.

الثاني : القطع بعدم نفوذ الاستيلاد ، ولا تخرج من الرهن ، وتباع في دَيْن المرتهن ، سواء كان موسراً أو معسراً.

والثالث : الفرق بين الموسر والمعسر ، فإن كان موسراً ، صارت اُمَّ ولدٍ له ، وإن أعتقها ، عُتقت ، ووجب عليه قيمتها تكون رهناً مكانها. وإن كان معسراً ، لم تخرج من الرهن ، وبِيعت في حقّ المرتهن.

فقد حصل ثلاثة طرق : أظهرها عندهم : طرد الخلاف في الاستيلاد ، كما في الإعتاق. والثاني : القطع بنفوذ الاستيلاد. والثالث : القطع بعدمه(١) .

وقال أبو حنيفة : تصير أُمَّ ولدٍ ، وتُعتق ، سواء كان موسراً أو معسراً ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٩.

٢٢٠