تذكرة الفقهاء الجزء ١٣

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-389-6
الصفحات: 400

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 964-319-389-6
الصفحات: 400
المشاهدات: 90735
تحميل: 3730


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 400 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 90735 / تحميل: 3730
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 13

مؤلف:
ISBN: 964-319-389-6
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فإن كان موسراً ، لزمته قيمتها تكون رهناً مكانها. وإن كان معسراً ، استسعت الجارية في قيمتها إن كانت دون الحقّ ، ويرجع بها على الراهن(١) .

وعندنا أنّ اُمّ الولد لا تخرج بالاستيلاد عن الرقّيّة ، بل يجوز بيعها في مواضع تأتي.

نعم ، إن كان موسراً ، مُنع من بيعها لأجل ولدها ما دام حيّاً ، فإن مات ، جاز بيعها مطلقاً ، وإن مات مولاها قبله ، عُتقت من نصيب ولدها ، وقضي الدَّيْن من التركة.

وإن كان معسراً ولا تركة ، بِيعت في الرهن.

قالت الشافعيّة : إن قلنا : ينفذ الاستيلاد ، فعليه القيمة ، والحكم كما مرّ في العتق. وإن قلنا: لا ينفذ ، فالرهن بحاله. فلو حلّ الحقّ وهي حامل بَعْدُ ، لم يجز بيعها ؛ لأنّها حامل بحُرٍّ(٢) .

وفيه وجهٌ آخَر(٣) .

وإذا ولدت ، فلا تُباع حتى تسقي ولدها اللِّبَأ ، وإذا سقته ولم تجد مرضع ، فلا تباع حتى توجد خوفاً من أن يسافر بها المشتري فيهلك الولد. ولو وجدت مرضع ، بِيعت ، ولا يبالي بالتفريق بين الاُمّ وولدها ؛ للضرورة ، فإنّ الولد حُرٌّ ، وبيعه ممتنع.

ثمّ إن كان الدَّيْن يستغرق قيمتها ، بِيعت بأجمعها ، وإلّا بِيع منها بقدر الدَّيْن وإن أفضى التشقيص إلى نقص رعاية لحقّ الاستيلاد ، بخلاف ما لو كان قيمة العبد مائةً وهو مرهون بخمسين وكان لا يشترى نصفه إلّا بأربعين

____________________

(١) المبسوط - للسرخسي - ٢١ : ١٣٧ - ١٣٨.

(٢ و ٣ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣١٩.

٢٢١

ويشترى الجميع بمائة ، فإنّه يُباع الجميع دفعاً لتضرّر المالك. وإن لم يوجد مَنْ يشتري البعض ، بِيع الكلّ ؛ للضرورة.

وإذا بِيع شي‌ء منها بقدر الدَّيْن منها بقدر الدَّيْن ، انفكّ الرهن عن الباقي ، واستقرّ الاستيلاد ، وتكون النفقة على المشتري والمستولد بقدر النصيبين ، والكسب بينهما كذلك.

ومهما عادت إلى ملكه بعد ما بِيعت في الدَّيْن ، فهل يُحكم بنفوذ الاستيلاد؟ [ فيه ](١) طريقان :

أظهرهما : أنّه على قولين ، كما لو استولد جارية الغير بالشبهة ثمّ ملكها ، قيل : لا يُحكم به. وقيل : يُحكم ، وهو الأظهر عندهم وإن كان الأظهر في هذه الصورة في الإعتاق عدم نفوذ العتق.

والفرق : أنّ الإعتاق قولٌ يقضي العتق في الحال ، فإذا ردّ ، لغا بالكلّيّة ، والاستيلاد فعلٌ لا يمكن ردّه ، وإنّما منع حكمه في الحال لحقّ الغير ، فإذا زال حقّ الغير ، عُمل عليه.

والطريق الثاني : القطع بنفوذ الاستيلاد ؛ لوقوعه في الملك ، بخلاف استيلاد جارية الغير بالشبهة(٢) .

ولو انفكّ الرهن عنها ولم تبع ، لم يصح بيعها بعد الاستيلاد.

ومنهم مَنْ خرّجه على الخلاف المذكور فيما إذا بِيعت وعادت ؛ لأنّ‌ الملك هنا هو الملك الذي تصرّف فيه(٣) .

وليس للراهن أن يهب هذه الجارية للمرتهن ، وإنّما تباع في الحقّ ؛

____________________

(١) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٨٩ - ٤٩٠.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩٠.

٢٢٢

للضرورة.

مسألة ١٥٧ : لو ماتت الجارية - التي أولدها الراهن - بالولادة ، فإن كان الوطؤ بإذن المرتهن ، فلا شي‌ء ، وإلّا وجب عليه القيمة تكون رهناً.

أمّا عند الشافعي فإذا لم يأذن المرتهن وقلنا : الاستيلاد غير نافذ - كما اختاره الشافعي في بعض أقواله - فعليه قيمتها تكون رهناً مكانها ؛ لأنّه سبّب إلى إتلافها بالإحبال ، والضمان كما يجب بالمباشرة يجب بالتسبيب ، كحفر البئر ونحوه(١) .

وقال بعض الشافعيّة : لا تجب عليه القيمة ؛ لأنّ إضافة الهلاك إلى الوطئ بعيدة ، وإحالته على علل وعوارض تقتضي شدّة الطلق أقرب(٢) .

ولو أولد أمة بالشبهة وماتت بالولادة ، وجب عليه الضمان عندنا.

وأمّا عند الشافعيّة ففي وجوب القيمة هنا الخلاف(٣) .

ولو كانت حُرّةً ، ففي وجوب الدية وجهان :

أقيسها عندهم : الوجوب ؛ لأنّ طريق وجوب الضمان لا يختلف بالرقّ والحُرّيّة.

وأشهرهما : المنع ؛ لأنّ الوطء سبب ضعيف(٤) .

وإنّما أوجبنا الضمان في الأمة ؛ لأنّ الوطء استيلاء عليها ، والعلوق من آثاره ، فأدمنا به اليد والاستيلاء ، كما لو نفّر المـُحْرم صيداً فبقي نفاره إلى‌ التغيّر والتلف ، والحُرّة لا تدخل تحت اليد بالاستيلاء.

____________________

(١ و ٢ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩٠.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٠.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٠.

٢٢٣

ولو أولد امرأةً بالزنا وهي مكرَهة وماتت بالولادة ، فإنّه يجب عليه الضمان ، سواء كانت حُرّةً أو أمةً ، وهو أحد قولي الشافعي.

وأصحّهما عندهم : المنع ؛ لأنّ الولادة في الزنا لا تضاف إلى وطئه ؛ لأنّ الشرع قطع نسب الولد عنه(١) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ التكوّن من نطفته ، والسبب في التلف صادر عنه ، وهو أمر حقيقيّ لا يتغيّر بتغيّر الشرائع.

ولا خلاف في عدم وجوب الضمان عند موت الزوجة من الولادة ؛ لأنّ الهلاك مستند إلى سببٍ مستحقّ شرعاً.

وكلّ موضعٍ أوجبنا الضمان في الحُرّة فهي(٢) الدية المضروبة على العاقلة.

وكلّ موضعٍ وجبت فيه القيمة فالاعتبار بأيّة قيمة؟ فيه ثلاثة أوجُه للشافعيّة :

أحدها : بأقصى القِيَم من يوم الإحبال إلى الموت تنزيلاً له منزلة الاستيلاد والغصب.

وثانيها : بقيمة يوم الموت ؛ لأنّ التلف حينئذٍ متحقّق.

وأصحّها عندهم : بقيمة يوم الإحبال ؛ لأنّه سبب التلف ، فصار كما لو جرح عبداً قيمته مائة وبقي [ مثخناً ](٣) حتى مات وقيمته عشرة ، فإنّ‌ الواجب مائة(٤) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٠.

(٢) في « ث ، ج ، ر » : « فهو ».

(٣) بدل ما بين المعقوفين في الخطّيّة والحجريّة : « ضمنا » وهي تصحيف. وما أثبتناه كما في « العزيز شرح الوجيز».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٠.

٢٢٤

ولو لم تمت الجارية ونقصت قيمتها بالولادة ، فعليه الأرش ليكون رهناً معها ، وله أن يصرف القيمة أو الأرش إلى قضاء الحقّ ، ولا يرهن.

مسألة ١٥٨ : كلّ تصرّف لا يضرّ بالمرتهن يجوز للراهن فعله ، عند الشافعي ومالك في روايةٍ عنه(١) ، خلافاً لأبي حنيفة(٢) وللشيخرحمه‌الله .

قال الشيخ : وأمّا استخدام العبد المرهون و ركوب الدابّة المرهونة وزراعة الأرض المرهونة وسكنى الدار المرهونة ، فإنّ ذلك كلّه غير جائز عندنا ، ويجوز عند المخالفين(٣) .

وعن أحمد روايتان(٤) .

ويمكن الاحتجاج للأوّل بقولهعليه‌السلام : « الظهر يُركب إذا كان مرهوناً ، وعلى الذي يَركب نفقته »(٥) .

ويُروى أنّه قال : « الرهن محلوب ومركوب »(٦) .

ومن طريق الخاصّة : رواية السكوني عن الصادق عن أبيه الباقر عن آبائه عن عليّعليهم‌السلام ، قال : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : الظهر يُركب إذا كان

____________________

(١) مختصر المزني : ٩٨ ، الحاوي الكبير ٦ : ٢٠٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣١٨ ، حلية العلماء ٤ : ٤٣٨ ، الوسيط ٣ : ٤٩٩ - ٥٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٠ ، المغني ٤ : ٤٧٢ - ٤٧٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٣١.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ٤٢ ، بدائع الصنائع ٦ : ١٤٦ ، الحاوي الكبير ٦ : ٢٠٧ ، حلية العلماء ٤ : ٤٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩١ ، المغني ٤ : ٤٧٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٣١.

(٣) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢٠٦.

(٤) المغني ٤ : ٤٧٢ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٣١ ، حلية العلماء ٤ : ٤٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩١.

(٥) سنن ابن ماجه ٢ : ٨١٦ / ٢٤٤٠ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٥٥ / ١٢٥٤.

(٦) سنن البيهقي ٦ : ٣٨ ، المستدرك - للحاكم - ٢ : ٣٨ ، الكامل - لابن عدي - ٧ : ٢٥٠٤.

٢٢٥

مرهوناً ، وعلى الذي يركبه نفقته ، والدَرّ يُشرب إذا كان مرهوناً ، وعلى الذي يشرب نفقته »(١) .

ولأنّ في التعطيل ضرراً منفيّاً بالأصل ، وبقولهعليه‌السلام : « لا ضرر ولا ضرار »(٢) .

فعلى هذا القول يجوز سكنى الدار وركوب الدابّة واستكساب العبد ولُبْس الثوب إذا لم ينتقص باللُّبْس.

ويجوز إنزاء الفحل على الإناث ، إلّا أن يؤثّر نقصاً.

والاُنثى يجوز الإنزاء عليها إن كان محلّ الدَّيْن قبل ظهور الحمل أو تلد قبل حلول الدَّيْن.

وإن كان يحلّ بعد ظهور الحمل وقبل الولادة ، فإن قلنا : الحمل لا يُعرف ، جاز أيضاً ؛ لأنّها تُباع مع الحمل. وإن قلنا : يُعرف - وهو الصحيح عندهم(٣) - لم يجز ؛ لأنّه لا يمكن بيعها دون الحمل ، والحمل غير مرهون.

مسألة ١٥٩ : لا يجوز للراهن أن يبني في الأرض المرهونة ولا أن يغرس - وبه قال الشافعي وأبو حنيفة(٤) - لأنّه تنقص قيمة الأرض.

وللشافعيّة وجه : أنّه يجوز إن كان الدَّيْن مؤجّلاً(٥) .

____________________

(١) الفقيه ٣ : ١٩٥ / ٨٨٦ ، التهذيب ٧ : ١٧٥ - ١٧٦ / ٧٧٥.

(٢) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٨٤ / ٢٣٤٠ و ٢٣٤١ ، سنن البيهقي ٦ : ٧٠ ، سنن الدارقطني ٤ : ٢٢٧ / ٨٣ ، و ٢٢٨ / ٨٥ ، مسند أحمد ٦ : ٤٤٧ / ٢٢٢٧٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٠ - ٣٢١.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢١ ، المبسوط - للسرخسي - ٢١ : ١٦٣.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢١.

٢٢٦

وأمّا الزرع فإن نقصت به قيمة الأرض لاستيفاء قوّتها ، لم يجز.

وإن لم تنقص فإن(١) كان بحيث يُحصد قبل حلول الأجل ، لم يُمنع منه عند الشافعي(٢) ، ثمّ إن تأخّر الإدراك لعارضٍ ، تُرك إلى الإدراك.

وإن كان بحيث لا يُحصد [ إلّا ](٣) بعد الحلول أو كان الدَّيْن حالّاً ، مُنع منه ؛ لنقصان الرغبة في الأرض المزروعة.

وقيل : لا يُمنع منه ، لكن يُجبر على القلع عند الحلول إن لم يف بيعها مزروعةً - دون الزرع - بالدَّيْن(٤) .

ولو خالف ما ذكرناه فغرس أو زرع حيث مُنع ، فلا يقلع قبل حلول الأجل ، فلعلّه يقتضي الدَّيْن من غيره.

وللشافعيّة وجهٌ آخَر : أنّه يُقلع(٥) .

فأمّا بعد حلول الدَّيْن ومساس الحاجة إلى البيع يُقلع إن كان قيمة الأرض لا تفي بدَيْنه وتزداد قيمتها بالقلع.

ولو صار الراهن محجوراً بالإفلاس ، ففي القلع للشافعيّة وجهان ، بخلاف ما لو نبت النخيل من نوى حَمَله السيلُ ، فإنّه لا يُقلع‌ جزماً(٦) .

مسألة ١٦٠ : إن قلنا : القبض شرط في الرهن أو لم نقل ، فإنّه ليس للراهن السفر بالرهن ، سواء طال سفره أو قصر ؛ لما فيه من التعرّض للإتلاف ، ولعِظَم الحيلولة بين المرتهن والرهن ، كما يُمنع زوج الأمة عن السفر بها ، وله أن يسافر بالحُرّة.

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « إن » بدل « فإن » والظاهر ما أثبتناه.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢١.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٤ - ٦ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢١.

٢٢٧

وما لا منفعة فيه مع بقاء عينه - كالنقود والحبوب - فلا تزال يد المرتهن عنه بعد استحقاقه لليد ؛ لأنّ اليد هي الركن الأعظم في التوثّق فيه.

وما لَه منفعة إن أمكن تحصيل الغرض منه مع بقائه في يد المرتهن ، وجب المصير إليه ؛ جمعاً بين الحقّين.

وإن لم يمكن واشتدّت الحاجة إلى إزالة يده ، جاز.

فالعبد المحترف إذا تيسّر استكسابه في يد المرتهن ، لم يخرج من يده إن أراد الراهن الاستكساب.

فإن أراد الاستخدام أو الركوب أو شيئاً من الانتفاعات التي يحوج استيفاؤها إلى إخراجها من يده ، لم يخرج - وهو قول الشافعي في القديم(١) - ولا يرهن وثيقة.

والمشهور عندهم : أنّه يخرج(٢) .

ثمّ يُنظر إن استوفى تلك المنافع بإعارة من عَدْل أو إجارة بالشرط السابق ، فله ذلك.

وإن أراد استيفاءها بنفسه ، قال الشافعي في الاُمّ : له ذلك(٣) .

ومَنَع منه في القديم(٤) .

فحَمَل بعضهم الأوّل على الثقة ، والثاني على غيره(٥) .

وقال آخَرون : فيه قولان مطلقان ، ووجّهوا الثاني بما يخاف من

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢١.

(٣) كما في المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣١٨ ، والعزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩٣ ، وروضة الطالبين ٣ : ٣١٢ - ٣٢٢، وانظر : الاُم ٣ : ١٦٣.

(٤) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٢.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٢.

٢٢٨

جحوده وخيانته لو سلّم إليه ، والأوّلَ بأنّ ما لَه استيفاؤه بغيره له استيفاؤه بنفسه ، وهو أظهر عندهم(١) .

ثمّ إن وثق المرتهن بالتسليم ، فذاك ، وإلّا أشهد عليه شاهدين أنّه يأخذه للانتفاع.

فإن كان مشهورَ العدالة موثوقاً به عند الناس ، فوجهان أشبههما : أنّه يكتفى بظهور حاله ، ولا يكلّف الإشهاد في كلّ أخذة ؛ لما فيه من المشقّة.

ثمّ إن إخراج المرهون من يد المرتهن لمنفعة يدوم استيفاؤها ، فذاك. وإن كان لمنفعة تستوفي في بعض الأوقات كالاستخدام أو الركوب ، استوفى نهاراً ، وردّ إلى المرتهن ليلاً.

تذنيب : لو باع عبداً ولم يقبض الثمن ، كان له حبس العبد في يده إلى أن يستوفي الثمن ، فلا يزال يده بسبب الانتفاع ؛ لأنّ ملك المشتري غير مستقرّ قبل القبض ، وملك الراهن مستقرّ.

وهل يستكسب في يده للمشتري أم تُعطّل منافعه؟ الأولى الأوّل.

وللشافعيّة قولان(٢) .

مسألة ١٦١ : كلّ تصرّف مُنع منه الراهن لحقّ المرتهن إذا اقترن بإذن المرتهن ، نفذ ، فلو أذن له في الوطئ ، حلّ له الوطؤ.

ثمّ إن وطئ ولم يُحبل ، فالرهن بحاله. وإن أحبل ، فكذلك عندنا.

وأمّا عند الشافعيّة فإنّه - كالعتق والبيع بالإذن - يبطل معه الرهن ، وينفذ التصرّف(٣) .

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٢.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٢٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٩٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٣.

٢٢٩

ويجوز أن يرجع المرتهن عن الإذن قبل تصرّف الراهن ، كما يجوز للمالك أن يرجع قبل تصرّف الوكيل. وإذا رجع ، فالتصرّف بعده كما لو لم يكن إذنٌ.

ولو أذن في الهبة والإقباض ورجع قبل الإقباض ، صحّ ، وامتنع الإقباض ؛ لأنّ تمام الهبة بالإقباض.

ولو أذن في البيع فباع الراهن بشرط الخيار فرجع المرتهن ، لم يصح رجوعه - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(١) - لأنّ مبنى البيع على اللزوم ، والخيار داخل [ و ](٢) إنّما يظهر أثره في حقّ مَنْ له الخيار ، والهبة الركن الأقوى فيها الإقباض.

والثاني : يصحّ رجوعه ؛ لأنّ العقد لم يلزم بَعْدُ ، كالهبة قبل‌ الإقباض(٣) .

ولو رجع المرتهن ولم يعلم به الراهن فتصرّف ، ففي نفوذه وجهان مبنيّان على أنّ الوكيل هل ينعزل بالعزل قبل بلوغ الخبر؟ الأصحّ : الانعزال ، وهو أصحّ وجهية الشافعيّة(٤) .

ولو باع بإذنه ، انفسخ الرهن ، ولا تجب عليه قيمته مكانه.

ولو أذن المرتهن للراهن في ضرب الرهن فضربه فمات ، لم تجب عليه قيمته ؛ لأنّه أتلفه بإذنه. وإن ضربه بغير إذنه فمات ، لزمته قيمته ، بخلاف ما إذا ضرب الزوج امرأته أو الإمام إنساناً تعزيراً؛ لأنّ المأذون فيه

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٣.

(٢) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩٤.

٢٣٠

هناك ليس مطلق الضرب ، بل هو ضرب التأديب ، وهنا أيضاً لو قال : أدّبه ، فضربه حتى هلك، ضمن.

مسألة ١٦٢ : لو أحبل الراهن أو باع أو أعتق وادّعى إذن المرتهن فأنكر ، قدّم قول المرتهن مع يمينه ؛ لأصالة عدم الإذن وبقاء الرهن ، فإن حلف ، فهو كما لو تصرّف بغير إذنه. وإن نكل فحلف الراهن ، فهو كما لو تصرّف بإذنه. وإن نكل ، قال الشيخرحمه‌الله : لا يُردّ اليمين على الجارية ؛ لعدم دليلٍ عليه(١) .

وللشافعيّة في ردّ اليمين على الجارية والعبد طريقان : أحدهما : فيه قولان ، كما لو نكل الوارث عن يمين الردّ هل يحلف الغرماء؟ وأشبههما : القطع بالردّ ؛ لأنّ الغرماء يُثبتون الحقّ للميّت أوّلاً ، والجارية والعبد يُثبتان لأنفسهما(٢) .

ولو وقع هذا الخلاف بين الراهن وورثة المرتهن ، حلفوا على نفي العلم. ولو جرى بين المرتهن وورثة الراهن ، حلفوا يمين الردّ على القطع ، فيحلف ورثة المرتهن أنّه لا يعلم أنّ مورّثه أذن للراهن ، لأنّه ينفي فعل الغير ، فيحلف على نفي العلم ، ويحلف ورثة الراهن على القطع ؛ لأنّه يحلف على إثبات الإذن ، والحلف على إثبات فعل الغير حلف على القطع. وأمّا الراهن والمرتهن فإنّهما يحلفان على القطع.

وهل يثبت إذن المرتهن برجل وامرأتين؟ للشافعيّة وجهان ، والقياس عندهم : المنع ، كالوكالة والوصاية(٣) .

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢٠٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩٤ - ٤٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٣.

٢٣١

مسألة ١٦٣ : إذا حصل عند الجارية المرهونة ولد ، فادّعى الراهن أنّه وطئها بالإذن ، فأتت بهذا الولد منّي وهي اُمّ ولدٍ ، فقال المرتهن : بل هو من زوج أو من زنا ، قدّم قول الراهن إذا سلّم المرتهن أربعة أشياء : الإذن في الوطئ ، والوطء ، وأنّها ولدت ، ومضيّ مدّة إمكان الولد منه ، وهي ستّة أشهر من حين الوطئ إلى حين الولادة ، وكانت الجارية اُمَّ ولد الراهن ، والولد حُرٌّ لاحِقٌ بأبيه الراهن ، ثابت النسب منه ، ولا يمين على الراهن هنا ؛ لأنّ المرتهن قد أقرّ بما يوجب إلحاق الولد بالراهن ، وكونها أُمَّ ولده ؛ لأنّه أقرّ بوطئها ، وأنّها ولدت لستّة أشهر من ذلك الوطي ، ومع هذا لا يصدَّق على أنّ الولد من غيره ، وإذا أقرّ الراهن بأنّ الولد منه ، لم يُقبل رجوعه فكيف يحلف عليه!

ولو منع المرتهن الإذن ، فقد بيّنّا أنّ القول قوله.

ولو سلّمه ومنع الوطء ، قال الشيخ : الأصحّ أنّ القول قول المرتهن‌ مع يمينه أنّه لم يطأها(١) . وهو قول بعض الشافعيّة(٢) .

وقال آخَرون : الأصحّ أنّ القول قول الراهن ؛ لأنّه أخبر عمّا يقدر على إنشائه(٣) .

ولو سلّم الإذن والوطء وأنكر الولادة وقال : ما ولدته ولكن التقطته أو استعارته ، فالقول قوله ، وعلى الراهن البيّنة على الولادة.

ولو سلّم الولادة أيضاً وأنكر مضيّ مدّة الإمكان - بأن قال : ولدته من وقت الوطئ لما دون ستّة أشهر - فالقول قوله أيضاً مع يمينه.

ولو لم يتعرّض المرتهن لهذه الأمور بالمنع أو التسليم واقتصر على

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢٠٧.

(٢ و ٣ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٤.

٢٣٢

إنكار الاستيلاد ، فالقول قوله مع اليمين ، وعلى الراهن إثبات هذه الوسائط.

ولو حلف في هذه المسائل ، كان الولد حُرّاً ، وكان نسبه لاحقاً بالراهن ؛ لإقراره بذلك ، وحقّ المرتهن لا يتعلّق به.

وأمّا الجارية فلا تصير اُمَّ ولدٍ في حقّ المرتهن ، وتُباع في دَيْنه ، فإذا رجعت إلى الراهن ، كانت اُمَّ ولدٍ ، فلا يجوز له بيعها وهبتها مع وجود ولدها.

وكذا لو قال الراهن : أعتقتها بإذنك ، وقال المرتهن : لم آذن لك فيه ، وحلف وبِيعت في دَيْنه ثمّ ملكها الراهن ، عُتقت عليه ؛ لأنّه أقرّ بأنّها حُرّة بإيقاع العتق.

مسألة ١٦٤ : إذا أعتق أو وهب بإذن المرتهن ، بطل حقّه من الرهن ، سواء كان الدَّيْن حالّاً أو مؤجَّلاً ، وليس عليه أن يجعل قيمته رهناً مكانه.

ولو باع بإذنه والدَّيْن مؤجَّل ، فكذلك ، خلافاً لأبي حنيفة حيث قال‌ يلزمه أن يرهن ثمنه مكانه أو يقضي الدَّيْن(١) .

وقال الشافعي : لا يلزمه ، قياساً على العتق والهبة(٢) .

ولو كان الدَّيْن حالّاً ، قال الشافعي : قضى حقّه من ثمنه ، وحُمل إذنه المطلق على البيع في عرضه لمجي‌ء وقته(٣) .

والشيخ أطلق وقال : لو باع بإذنه ، انفسخ الرهن ، ولا يجب عليه جَعْل قيمته مكانه.

ثمّ قالرحمه‌الله : لو أذن له بالبيع مطلقاً بعد محلّ الحقّ فباع ، صحّ البيع ، وكان ثمنه رهناً مكانه حتى يقضى منه أو من غيره ؛ لأنّ عقد الرهن يقتضي

____________________

(١ و ٣ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٤.

٢٣٣

بيع الرهن عند محلّه عند امتناع مَنْ عليه الدَّيْن من بدله(١) .

ولو أذن في البيع بشرط أن يجعل الثمن رهناً مكانه ، صحّ البيع والشرط عندنا ؛ لقولهعليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم »(٢) ولا فرق بين أن يكون الدَّيْن حالّاً أو مؤجَّلاً ، وعلى الراهن الوفاء بالشرط - وبه قال المزني وأبو حنيفة ، وهو أحد قولي الشافعي وأصحاب أحمد(٣) - لأنّ الرهن قد ينتقل من العين إلى البدل شرعاً ، كما لو أتلف المرهون ، فجاز أن ينتقل إليه شرطاً.

والثاني - وهو الأصحّ عند بعضهم - : أنّها فاسدة أمّا الشرط : فلأنّ الثمن‌ مجهول عند الإذن ، فأشبه ما إذا أذن بشرط أن يرهن به مالاً آخَر مجهولاً ، وإذا بطل الشرط بطل الإذن ، فإنّه وقف الإذن على حصول الوثيقة في البدل وإذا بطل الإذن ، بطل البيع(٤) . وتُمنع الجهالة.

ولو أذن في الإعتاق بشرط أن يجعل القيمة رهناً ، أو في الوطئ بهذا الشرط إن أحبل ، ففيه القولان(٥) .

ولو أذن في البيع بشرط أن يعجّل حقّه من ثمنه وهو مؤجَّل ، صحّ

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٢ : ٢٠٩ و ٢١٠.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٠ ، حلية العلماء ٤ : ٤٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٤.

(٤) حلية العلماء ٤ : ٤٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩٥ - ٤٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٤.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٤.

٢٣٤

عندنا ؛ لأنّه شرط سائغ تدعو الحاجة إليه ، وبه قال أبو حنيفة والمزني وأصحاب أحمد ، إلّا أنّهم قالوا : يصحّ البيع والإذن ، ويجعل الثمن رهناً مكانه ؛ لأنّ فساد الشرط لا يوجب فساد الإذن في البيع ، فإنّه لو وكلّ وكيلاً يبيع عبده على أنّه له عُشْر ثمنه ، صحّ الإذن والبيع مع أنّ الشرط فاسد؛ لكون الاُجرة مجهولةً ، ويرجع الوكيل إلى اُجرة المثل(١) .

وقال الشافعي : يفسد الإذن والبيع بفساد الشرط.

ثمّ فرّق بأنّ الموكّل لم يجعل لنفسه في مقابلة الإذن شيئاً ، وإنّما شرط للوكيل جُعْلاً مجهولاً ، فاقتصر الفساد عليه ، وهنا المرتهن شرط لنفسه شيئاً في مقابلة إذنه ، وهو تعجيل الحقّ ، فإذا فسد ، [ فسد ](٢) ما يقابله(٣) .

وخرّج أبو إسحاق من الشافعيّة قولاً(٤) آخَر كما في المسألة السابقة ، وهي : ما إذا باع الراهن بإذن المرتهن في البيع بشرط أن يجعل الثمن رهناً ، فإنّ فيها قولين ، كذا هنا.

وقدح جماعة في هذا التخريج ، قالوا : لأنّ الشرط صحيح في المسألة الاُولى على قولٍ ، فصحّ الإذن المقابل له ، وهنا الشرط فاسد قولاً واحداً ، فلا يمكن تصحيح ما يقابله(٥) .

وعندنا ما الشروط هنا صحيحة لازمة.

مسألة ١٦٥ : لو اختلفا ، فقال المرتهن : أذنتُ في البيع بشرط أن ترهن

____________________

(١) حلية العلماء ٤ : ٤٤٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٤.

(٢) ما بين المعقوفين من « العزيز شرح الوجيز ».

(٣ و ٤ ) حلية العلماء ٤ : ٤٤٧ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٤.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩٦ ، وانظر : حلية العلماء ٤ : ٤٤٧.

٢٣٥

الثمن ، وقال الراهن : بل أذنتَ مطلقاً ، فالقول قول المرتهن ، كما لو اختلفا في أصل الإذن.

ثمّ إن كان الاختلاف قبل البيع ، فليس له البيع ، قاله الشافعيّة(١) .

والأقوى أنّ له البيع إذا جعل الثمن رهناً.

وإن كان بعد البيع وحلف المرتهن ، فعلى قولنا يصحّ الإذن ، فيكون على [ الراهن ](٢) رهن الثمن ، وهو أحد قولي الشافعي(٣) .

وعلى الآخَر - وهو بطلان الإذن - : إن صدّق المشتري المرتهن ، فالبيع مردود ، وهو مرهون كما كان : وإن كذّبه ، نُظر إن أنكر أصل الرهن ، حلف ، وعلى الراهن أن يرهن قيمته. وإن أقرّ بكونه مرهوناً وادّعى مثل ما‌ ادّعاه الراهن ، فعليه ردّ المبيع ، ويمين المرتهن حجّة عليه. ولو أقام المرتهن بيّنةً على أنّه كان مرهوناً ، فهو كما لو أقرّ المشتري به(٤) .

مسألة ١٦٦ : المديون إذا خلّف تركةً ، فالأقوى انتقالها بالإرث إلى ورثته ، إذ لا يصحّ نقلها إلى الغرماء إجماعاً ، ولهذا لو أبرأوا الميّت ، سقط حقّهم منها ، وللوارث القضاء من غيرها ، ولا بقاؤها على ملك الميّت ؛ لعدم صلاحيّته ، ولا إلى الله تعالى ، وإلّا لصُرفت إلى المساكين ، فإنّهم مصبّ أمواله تعالى ، ولا إلى غير مالكٍ ، فتعيّن انتقالها إلى الورثة.

نعم ، إنّ للديون تعلّقاً بها ؛ لأنّه تعالى إنّما جعل لهم التصرّف بعد

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ ٤٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٤.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة و الحجريّة : « المرتهن ». والصحيح ما أثبتاه.

(٣ و ٤ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٤.

٢٣٦

الدَّيْن والوصيّة(١) .

وفي كيفيّة التعلّق احتمال أنّه كتعلّق الأرش برقبة الجاني ؛ لأنّ كلّ واحدٍ منهما يثبت شرعاً من غير اختيار المالك ، وأنّه كتعلّق الدَّيْن بالمرهون ؛ لأنّ الشارع إنّما أثبت هذا التعلّق نظراً للميّت لتبرأ ذمّته ، فاللائق به أن لا يسلّط الوارث عليه.

وللشافعي قولان كالاحتمالين ، والثاني عندهم أظهر(٢) .

فلو أعتق الوارث أو باع وهو معسر ، لم يصح ، سواء جعلناه كالعبد الجاني أو كالمرهون.

وفي الإعتاق للشافعيّة خلاف(٣) .

وإن كان موسراً ، نفذا في أحد وجهي الشافعي بناءً على أنّ التعلّق كتعلّق الأرش ، ولم ينفذا في وجهٍ بناءً على أنّ التعلّق كتعلّق الدَّيْن‌ بالرهن(٤) .

ولهم وجهٌ ثالث ، وهو : أنّهما موقوفان إن قضى الوارث الدَّيْن ، تبيّنّا النفوذ ، وإلّا فلا.

ولا فرق بين أن يكون الدَّيْن مستغرقاً للتركة أو يكون أقلّ منها على أظهر الوجهين ، كما هو قياس الدين والرهون(٥) .

والثاني : أنّه إن كان الدَّيْن أقلّ ، نفذ تصرّف الوارث إلى أن لا يبقى إلّا قدر الدَّيْن ؛ إذ في إثبات الحجر في مالٍ كثير بشي‌ء يسير جدّاً بُعْدٌ(٦) .

وإذا حكمنا ببطلان تصرّف الوارث ، فلو لم يكن في التركة دَيْنٌ ظاهراً فتصرّف ثمّ ظهر دَيْنٌ بأن كان قد باع شيئاً وأكل ثمنه فرُدّ بالعيب ولزم

____________________

(١) النساء : ١١ و ١٢.

(٢ - ٦ ) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٥.

٢٣٧

ردّ الثمن ، أو تردّى متردٍّ في بئر كان قد احتفرها عدواناً ، فوجهان :

أحدهما : أنّه يتبيّن فساد التصرّف إلحاقاً لما ظهر من الدَّيْن بالدَّيْن المقارن ؛ لتقدّم سببه.

والثاني : أنّه لا يتبيّن ؛ لأنّه كان مسوغاً لهم ظاهراً(١) .

فعلى هذا إن أدّى الوارث الدَّيْن ، فذاك ، وإلّا فوجهان :

أظهرهما : أنّه يفسخ ذلك التصرّف ليصل المستحقّ إلى حقّه.

والثاني : لا يفسخ ، ولكن يطالب الوارث بالدَّيْن ، ويُجعل كالضامن(٢) .

وعلى كلّ حال فللوارث أن يمسك عين التركة ويؤدّي الدَّيْن من خالص ماله.

نعم ، لو كان الدَّيْن أكثر من التركة ، فقال الوارث : آخذها بقيمتها ، والتمس الغرماء بيعها على توقّع زيادة راغب ، فالأقوى : إجابة الوارث ؛ لأنّ الظاهر أنّها لا تشترى بأكثر من القيمة ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : إجابة الغرماء.

وبنوا الوجهين على أنّ السيّد يفدي العبد الجاني بأرش الجناية أو بأقلّ الأمرين من قيمته أو أرش الجناية(٣) ؟.

وفي تعلّق حقوق الغرماء بزوائد التركة - كالكسب والنتاج - خلاف ، والوجه : المنع.

وللشافعيّة وجهان متفرّعان على ما مرّ من أنّ الدَّيْن هل يمنع

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩٧ - ٤٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٥.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٥ - ٣٢٦.

٢٣٨

الميراث؟ إن مَنَعه ، ثبت التعلّق ، وإلّا فلا(١) .

النظر الثاني : في منع المرتهن.

مسألة ١٦٧ : الرهن وثيقة لدَيْن المرتهن ، فإن جعلنا القبض شرطاً وكان لازماً ، استحقّ المرتهن إدامة اليد ، ولا تزال يده إلّا للانتفاع على خلافٍ سبق(٢) ، ثمّ يُردّ إليه ليلاً ، وإن كان العبد ممّن يعمل بالليل كالحارس ، رُدّ إليه نهاراً.

ولو شرطا في الابتداء وضعه على يد ثالثٍ ، صحّ ولزم ؛ لأنّه ربما لا يثق أحدهما بالآخَر ، ويثقان به.

ولو شرطا وضعه عند اثنين ، جاز أيضاً.

ثمّ إن شرطاً أنّ لكلٍّ منهما التفرّد بالحفظ أو الاجتماع على الحفظ في حرزٍ ، اتّبع الشرط.

وإن أطلقا ، لم يكن لأحدهما التفرّد بالحفظ ، كما لو أوصى إلى اثنين أو وكّلهما بشي‌ء لا يستقلّ أحدهما - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة - فحينئذٍ يجعلانه في حرزٍ لهما.

والثاني : يجوز الانفراد لئلّا يشقّ عليهما ، فحينئذٍ إن اتّفقا على كونه عند أحدهما ، جاز. وإن تنازعا والرهن ممّا ينقسم ، قسّم ، وحفظ كلّ واحدٍ نصفَه. وإن كان ممّا لا ينقسم ، تناوبا في حفظه بالزمان(٣) .

ولو قسّماه بالتراضي وقلنا بالثاني ثمّ أراد أحدهما أن يردّ ما في يده

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩٨.

(٢) في ص ٢٢٧ ، ضمن المسألة ١٦٠.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٩٨ - ٤٩٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٢٦.

٢٣٩

على صاحبه ، احتمل المنع ؛ لاندفاع المشقّة بما جرى.

مسألة ١٦٨ : ليس للمرتهن التصرّف في الرهن بشي‌ء من التصرّفات الفعليّة والقوليّة ؛ إذ ليس له إلّا حقّ الاستيثاق ، فليس له البيع إلّا بإذن الراهن ؛ لقول الصادقعليه‌السلام في رجل رهن رهناً إلى غير وقت ثمّ غاب هل له وقت يباع فيه رهنه؟ قال : « لا ، حتى يجي‌ء »(١) .

وكذا غير البيع من التصرّفات القوليّة كالهبة والرهن وغيرهما ، وكذا التصرّفات الفعليّة يُمنع من جميعها إجماعاً.

فلو وطئ الجارية المرهونة فإن كان بغير إذن الراهن ، كان بمنزلة وطئ غير المرهونة ، إن ظنّها زوجته أو أمته ، فلا حدّ ، وعليه المهر ، والولد حُرٌّ لاحِقٌ به ، وعليه قيمته للراهن يوم سقط حيّاً. وإن لم يظنّ ذلك ولم يدّع جَهْلاً ، فهو زانٍ ، ولا يكون عقد الرهن شبهةً فيه ، بل يلزمه الحدّ ، كما لو وطئ المستأجر الجارية المستأجرة.

ويجب المهر إن كانت مُكرَهةً إجماعاً.

وإن كانت مطاوعةً ، فلعلمائنا قولان :

أحدهما : أنّه لا يجب - وهو أصحّ قولي الشافعي(٢) - لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن مهر البغي(٣) .

والثاني : الوجوب ؛ لأنّه بُضْعٌ مستحقّ لغير الموطوءة ، فلا يسقط

____________________

(١) الكافي ٥ : ٢٣٤ / ٥ ، الفقيه ٣ : ١٩٧ / ٨٩٧ ، التهذيب ٧ : ١٦٩ / ٧٤٩.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٦٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٨ ، حلية العلماء ٤ : ٤٧٨ - ٤٧٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥١١ ، روضة الطالبين ٣ : ٣٣٨ ، المغني ٤ : ٤٤٣ ، الشرح الكبير ٤ : ٤٨٩.

(٣) صحيح البخاري ٣ : ١١٠ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٧٩ / ٣٤٨١ ، سنن النسائي ٧ : ٣٠٩.

٢٤٠