نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٧

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار0%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 418

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف: الصفحات: 418
المشاهدات: 199178
تحميل: 7207


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 418 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 199178 / تحميل: 7207
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء 17

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الشيخ محمد بن عبد الرحمن الخطاب شارح مختصر خليل قال:

مشينا مع شيخنا العارف بالله الشيخ عبد المعطي التنوسي لزيارة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلما قربنا من الروضة الشريفة ترجّلنا، فجعل الشيخ عبد المعطي يمشي خطوات ويقف، حتى وقف تجاه القبر الشريف، فتكلّم بكلامٍ لم نفهمه، فلمـّا انصرفنا سألناه عن وقفاته فقال: كنت أطلب الإذن من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في القدوم عليه، فإذا قال لي: أقدم، قدمت ساعةً ثم وقفت، وهكذا حتى وصلت إليه. فقلت:

يا رسول الله، كلّما رواه البخاري عنك صحيح؟

فقال: صحيح.

فقلت له: أرويه عنك يا رسول الله؟

قال: إروه عنّي.

وقد أجاز الشيخ عبد المعطي - نفعنا الله تعالى به - الشيخ محمد الخطّاب أنْ يرويه عنه. وهكذا كلّ واحد أجاز من بعده، حتى وصلت إلينا من فضل الله تعالى وكرمه.

وأجازني السيد أحمد بن عبد القادر النخلي أن نرويه عنه بهذا السند.

وأجاز النخلي لأبي طاهر، وأجاز أبو طاهر لنا.

ووجدت هذا الحديث بخط الشيخ عبد الحق الدهلوي بإسناد له عن الشيخ عبد المعطي بمعناه، وفيه: فلما فرغ من الزيارة وما يتعلّق بها، سأل أن يروي عنه صلّى الله عليه وسلّم صحيح البخاري وصحيح مسلم، فسمع الإجازة من النبي صلّى الله عليه وسلّم، فذكر صحيح مسلم أيضاً ».

١٨١

١٨٢

وضع حديث

المنزلة للشيخين

١٨٣

١٨٤

وجاء بعض المتعصّبين للشيخين وضحّى بدينه وآخرته في سبيل الحماية عنهما بوضع حديث المنزلة في حقّهما

ذاك حديثٌ رواه الخطيب البغدادي، وذكره المنّاوي عنه بقوله:

« أبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى. خط »(١) .

ذكره ابن الجوزي في الواهيات

لكن لمـّا كان « الحق يعلو ولا يعلى عليه » نرى أنّ ابن الجوزي - الذي طالما تمسّك بكلماته ابن تيمية وابن روزبهان والكابلي وحتى ( الدهلوي ) نفسه - يورده في كتابه في الأحاديث الواهية قال السّيوطي: « أبو بكر وعمر منّي بمنزلة هارون من موسى. الخطيب. وابن الجوزي في الواهيات »(٢) .

ثم إذا راجعنا كتاب ابن الجوزي المذكور وجدنا فيه ما يلي:

« أنا أبو منصور القزاز قال: أنا أبو بكر بن ثابت قال: أخبرنا علي بن عبد العزيز الطاهري قال: أنا أبو القاسم علي بن الحسن بن علي بن زكريا الشاعر قال: نا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري قال: نا بشر بن دحية قال: نا قزعة بن سويد، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس: إنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: أبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى.

قال المؤلف: هذا حديث لا يصح، والمتهم به الشاعر، وقد قال أبو حاتم:

____________________

(١). كنوز الحقائق - حرف الألف، ط على هامش الجامع الصغير.

(٢). جمع الجوامع ٢ / ١٨٢.

١٨٥

لا يحتجّ بقزعة بن سويد، وقال أحمد: هو مضطرب الحديث »(١) .

قال الذهبي: كذب، منكر

وقد أورد الذهبي هذه الفرية بترجمة ( قزعة بن سويد ) الذي نقل ابن الجوزي القدح فيه عن أبي حاتم وأحمد، فأضاف إليه الذهبي قدح البخاري والنسائي وغيرهما، وهذه عبارته:

« قزعة بن سويد بن حجير الباهلي البصري، عن أبيه وابن المنكدر وابن أبي مليكة، وعنه: قتيبة ومسدّد وجماعة. قال البخاري: ليس بذاك القوي، ولابن معين في قزعة قولان فوثّقه مرة وضعّفه أخرى، وقال أحمد مضطرب الحديث، وقال أبو حاتم: لا يحتج به، وقال س: ضعيف، ومشّاه ابن عدي.

وله حديث منكر عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس مرفوعاً: لو كنت متّخذاً خليلاً لاتّخذت أبا بكر خليلاً ولكنّ الله اتّخذ صاحبكم خليلاً. أبو بكر وعمر منّي بمنزلة هارون من موسى. رواه غير واحد عن قزعة »(٢) .

ولا يخفى أنّ ما ذكره الذهبي من القدح في « قزعة » إنّما هو كلمات بعض أساطينهم، فقد نقل ابن حجر العسقلاني القدح فيه عن أبي داود وعباس العنبري والعجلي، فهؤلاء كلّهم ضعّفوه بصراحة، وعن ابن حبّان: كان كثير الخطأ، فاحش الوهم، والبزار: لم يكن بالقوي(٣) .

أمّا ابن حجر نفسه فحكم بضعفه بلا تردّد(٤) .

وذكر الذهبي هذا الحديث في موضع آخر وحكم بكذبه حيث قال:

____________________

(١). العلل المتناهية في الأحاديث الواهية ١ / ١٩٩ رقم ٣١٢.

(٢). ميزان الإعتدال ٣ / ٣٨٩ رقم ٦٨٩٤.

(٣). تهذيب التهذيب ٨ / ٣٣٧ رقم ٦٦٨.

(٤). تقريب التهذيب ٢ / ١٢٦ رقم ١١٠.

١٨٦

« عمار بن هارون أبو ياسر المستملي، عن سلام بن مسكين وأبي المقدام هشام وجماعة، وعنه أبو يعلى والحسن بن سفيان. قال موسى بن هارون: متروك الحديث، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه غير محفوظ كان يسرق الحديث، وقال محمد بن الضريس: سألت علي بن المديني عن هذا الشيخ فلم يرضه. ثم قال محمد: ثنا عمار حدثنا غندر بن الفضل ومحمد بن عنبسة، عن عبيد الله ابن أبي بكر، عن أنس مرفوعاً: بورك لُامّتي في بكورها.

إبن عدي: ثنا محمد بن نوح الجنديسابوري، ثنا جعفر بن محمد الناقد، ثنا عمار بن هارون المستملي، ثنا قزعة بن سويد، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس حديث: ما ينفعني مال ما ينفعني مال أبي بكر، وزاد فيه: وأبو بكر وعمر منّي بمنزلة هارون من موسى.

قلت: هذا كذب.

قال ابن عدي: ثناه ابن جرير الطبري، ثناه بشر بن دحية، ثنا قزعة نحوه.

قلت: ومن بشر؟

قال ابن عدي: قد حدّث به أيضاً مسلم بن إبراهيم عن قزعة.

قلت: وقزعة ليس بشيء»(١) .

وكذا في موضعٍ ثالث:

« علي بن الحسن بن علي الشاعر، عن محمد بن جرير الطبري بخبر كذب هو المتّهم به، متنه: أبو بكر مني بمنزلة هارون من موسى »(٢) .

____________________

(١). ميزان الإعتدال ٣ / ١٧١ رقم ٦٠٠٩.

(٢). ميزان الإعتدال ٣ / ١٢٢ رقم ٥٨١٦.

١٨٧

قال ابن حجر: كذب، فرية

وتبع العسقلاني الذّهبي في الحكم بكذب هذا الحديث في أكثر من موضعٍ كذلك فقد قال:

« علي بن الحسن بن علي الشاعر، عن محمد بن جرير الطبري بخبرٍ كذب هو المتّهم به، متنه: أبو بكر مني بمنزلة هارون من موسى، إنتهى.

ولا ذنب لهذا الرجل فيه كما ساُبيّنه. قال الخطيب في تاريخه: أنا علي بن عبد العزيز الظاهري، أنا أبو القاسم علي بن الحسن بن علي بن زكريا الشاعر، ثنا أبو جعفر الطبري، ثنا بشر بن دحية، ثنا قزعة بن سويد، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس بهذا الحديث.

فشيخ الطبري ما عرفته، فيجوز أن يكون هو المفتري.

وقد قدّمت كلام المؤلف فيه في ترجمته، وأن ابن عدي أخرج الحديث المذكور بأتمّ من سياقه عن ابن جرير الطبري بسنده، فبرىء ابن الحسن من عهدته »(١) .

وقال أيضاً: « بشر بن دحية عن قزعة بن سويد، وعنه محمد بن جرير الطبري، ضعّفه المؤلف في ترجمة عمار بن هارون المستملي في أصل الميزان، فذكر عن ابن عدي أنه قال: حدّثنا محمد بن نوح، حدثنا جعفر بن محمد الناقد، حدثنا ابن هارون المستملي، أنا قزعة بن سويد، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس رفعه: ما نفعني مال ما نفعي مال أبي بكر، الحديث وفيه: وأبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى.

قال ابن عدي: وحدّثنا ابن جرير الطبري، حدثنا بشر بن دحية، حدّثنا قزعة، بنحوه.

____________________

(١). لسان الميزان ٤ / ٢١٩ رقم ٥٧٥.

١٨٨

قال الذهبي: هذا كذب. وهو من بشر؟

قال: ثم قال ابن عدي: ورواه مسلم بن إبراهيم عن قزعة.

قال الذهبي: وقزعة ليس بشيء.

قلت: فبرىء بشر من عهدته(١) .

وسيأتي في ترجمة علي بن الحسن بن علي بن زكريا الشاعر أن المؤلف اتّهمه بروايته، وبرء من عهدته أيضاً ».

____________________

(١). لسان الميزان ٢ / ٢٣ رقم ٧٧.

١٨٩

١٩٠

نقض كلمات

الدهلوي حول الحديث

١٩١

١٩٢

قوله:

ما رواه البخاري ومسلم عن البراء بن عازب.

أقول:

الحديث في الصحيحين عن سعد لا البراء

لا ينقضي العجب من هذا الرجل كيف يدعي التبحّر في علم الحديث وهو يعجز عن الرجوع إلى الصحيحين، لينقل الحديث عنهما مباشرة، وليفهم أن الحديث فيهما هو عن سعد بن أبي وقاص، لا عن البراء بن عازب

إن حديث المنزلة في الصحيحين من حديث سعد، وليس هو فيهما من حديث البراء، كما هو غير خاف على من رجع إليهما وألقى نظرةً فيهما

لكن ( الدهلوي ) تبع في هذا المقام - كما هو ديدنه - الكابليّ صاحب ( الصواقع ) وانتحل كلامه حيث تعرّض لحديث المنزلة وهذا نصّه:

« الثاني: ما رواه البخاري ومسلم عن البراء بن عازب: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خلّف علي بن أبي طالب في غزوة تبوك، فقال: يا رسول الله أتخلّفني في النساء والصبيان؟ فقال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي ».

ولو كان ( الدّهلوي ) محدّثاً محقّقاً حقاً لرجع إلى الصحيحين، أو إلى أحد كتب الشّيعة الناقلة عنهما، للوقوف على سند الحديث ومتنه في الكتابين!!

١٩٣

هذا، ولا وجه ظاهر ولا سبب واضح لعزو الحديث إلى البراء بن عازب والإباء عن نسبته إلى سعد بن أبي وقاص، إلّا اشتمال بعض ألفاظه على ما يبيّن حقيقة حال معاوية، وعدائه الشّديد، وحقده الوطيد على سيدنا أمير المؤمنين عليه الصّلاة والسلام.

فقد جاء في تلك الألفاظ « أنّ معاوية أمر سعداً بسبّ أمير المؤمنينعليه‌السلام » فامتنع سعد عن ذلك، واعتذر بذكر فضائل للأميرعليه‌السلام منها حديث المنزلة.

فلا عجب لو أعرضوا عن نسبة رواية الحديث إلى سعدٍ، لأنّ نسبتها إليه تفضي إلى تذكّر حال إمامهم معاوية، فلا بدّ من تغيير اسم الرّاوي ووضع ( البراء ) مكان ( سعد ).

ثم العجب من أولئك الذين يشاهدون هذه التصرّفات الفاضحة والأخطاء الفاحشة من ( الدهلوي )، ويصفونه مع ذلك بإمام المحدثين!!

تحريف لفظ الحديث في الصحيحين

ومن الطّرائف أن ( الدهلوي ) لم يقنع بتقليد الكابلي في صنيعه في نقل الحديث ونسبته إلى البراء دون راويه، بل حرَّف من عنده متن الحديث، فزاد عليه: إنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم خلّف علياً في غزوة تبوك على أهل بيته من النساء والبنات

إنّ من الواضح عدم وجود قيد « على أهل بيته من النساء والبنات » في لفظٍ من ألفاظ الحديث في الصحيحين، وأنّ الكابلي أيضاً لم يذكره في كتابه الذي انتحله ( الدهلوي ) فهذه زيادة من ( الدهلوي ) في الحديث وفرية على البخاري ومسلم صاحبي الصحيحين

١٩٤

فظهر - إلى الآن - تصرّفان من ( الدهلوي ) في أصل نقل الحديث عن الصّحيحين فما يقول أولياؤه في مقام الدفاع عنه وتوجيه ما فعله؟!

إنه لا وجه لهذا إلّا مساعدة الّنواصب وتأييدهم، ليكون الحديث - بحسب رواية الصحيحين - دليلاً على ما يزعمونه من أن النبي إنّما استخلف الإمامعليه‌السلام على النساء، ولم يكن استخلافه في خلافةٍ مطلقة فهذا مدّعى الّنواصب - كما ينقل عنهم ( الدهلوي ) كلامهم - فهو إذاً - مؤيّد لهم!!

وهل يصدر تأييد النّواصب الأقشاب إلّا من إخوانهم الأوشاب؟

( فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ ) (١) .

وأيضاً فإنّ لأولياء ( الدهلوي ) أن يعتذروا له بعذرٍ آخر وهو:

إنّ هذه الخيانة التي صدرت منه، قد صدرت من بعض السابقين عليه، فليس هو البادي في ذلك، بل إنه مسبوق به وهو تبع

وهذا حق ألا ترى إلى حسام الدين السهارنفوري يزيد كلمة « في أهله » في لفظ الحديث لدى نقله عن الصحيحين لكن لم يصدر منه التصرّف الآخر، وهو وضع البراء موضع سعد

نعم، وقع ذلك التحريف من السهارنفوري في كتابه ( المرافض ) حيث قال: « روى مسلم والبخاري عن سعد بن أبي وقاص: أنّه لما أراد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الخروج من المدينة خلَّف علي بن أبي طالب في أهله. فقال علي: يا رسول الله ».

وظاهر أنّ لفظة « في أهله » غير موجودة في روايات البخاري ومسلم بل الذي فيها هو الإستخلاف المطلق، ففي البخاري « إنّ رسول الله صلّى الله

____________________

(١). سورة البقرة: ٢، الآية ٧٩.

١٩٥

عليه وسلّم خرج إلى تبوك واستخلف عليّاً »(١) وفي مسلم: « خلّف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علي بن أبي طالب في غزوة تبوك »(٢) وفيه أيضاً: « وخلّفه في بعض مغازيه »(٣) .

فظهر أنّ ( الدّهلوي ) تبع الكابلي في أحد التحريفين، وتبع السهارنفوري في التحريف الآخر فكان جامعاً بين الخيانتين!!

وقد صدر التّحريف الثاني وهو زيادة لفظ « الأهل » من الشيخ عبد الحق الدهلوي أيضاً في كتابه ( مدارج النبوة )(٤) .

كما صدر التحريف الأول - وهو نسبة الحديث إلى البراء - من الشيخ القاضي سناء الله پاني پتي حيث قال في كتابه ( السيف المسلول ): « الثاني - ما رواه البخاري ومسلم عن البراء بن عازب: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خلّف علي بن أبي طالب على المدينة في غزوة تبوك، فقال علي: يا رسول الله أتخلّفني في النساء والصبيان فقال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي ».

فوا عجباه من هؤلاء المتحذلقين، كيف يزيدون ما يشاؤون في رواياتهم ويفترون ويكذبون ويحرّفون( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ) .

وإذا عرفت أن القيد المذكور زيادة في الحديث وليس في الصحيحين عين منه ولا أثر فاعلم أنّه لو سُلّم وجوده في الحديث فلا يضرّ بالإستدلال به

____________________

(١). صحيح البخاري ٦ / ٣.

(٢). صحيح مسلم: ٤ / ٣٢ رقم ١٨٧٠.

(٣). صحيح مسلم ٤ / ٣٢ رقم ١٨٧١.

(٤). مدارج النبوة: ١٨٤.

١٩٦

أبداً لأنّ ذكر الإستخلاف على الأهل والعيال لا يؤيّد مزعوم أهل الضّلال، ولا ينافي ثبوت استخلافهعليه‌السلام على المدينة وعموم الإستخلاف، لأنّ إثبات شيء لا يدلّ على نفي ما عداه ولو كان مجرد إثبات شيٍء دالاً على نفيٍ ما عداه لزم أن يكون قول القائل: « الله ربّي ومحمّد رسول الله نبيّي » نافياً لألوهيّة الله تعالى لسائر العباد، ونافياً لنبوّة النبيّ لسائر الأنام

وأيضاً: يلزم من قول القائل: « محمد رسول الله » نفي رسالة غيره من الأنبياءعليهم‌السلام

وأمثال ذلك ممّا لا يحصى

جملة: أتخلفني ليست في جميع روايات الصحيحين

وأيضاً: فإنّه ليس جملة « أتخلّفني في النساء والصّبيان » في جميع روايات الصحيحين المذكورة سابقاً بل هي في بعضها فقط فهي غير موجودة في رواية البخاري في كتاب المناقب، وهي غير موجودة في روايتين من صحيح مسلم

فاقتصار ( الدهلوي ) على الرواية المشتملة على هذه الجملة - التي ظنّ في باب المطاعن من كتابه كونها اعتراضاً من أمير المؤمنينعليه‌السلام على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وظنّ هنا دلالتها على قصر خلافتهعليه‌السلام على الخلافة الخاصّة - لا وجه له وذلك:

أوّلاً: لأنّ استدلال الشيعة واحتجاجهم إنّما هو بالروايات الخالية عن هذه الجملة، وهو استدلال تام بلا كلام.

وثانياً: لأنّ وجود هذه الجملة - على تقدير التسليم بها - لا يضرّ باستدلالهم، ولا يثبت مزعوم النواصب ومقلّديهم كما سيجىء بيانه إن شاء الله تعالى.

١٩٧

تكذيب الدهلوي نفسه

قوله:

« قالت الشيعة: إنّ « المنزلة » اسم جنس مضاف إلى العلم.

أقول:

إنّ هذا الكلام نص واضح وبرهان قاطع واعتراف صريح وتصريح صحيح بأن التقرير الذي يذكره للإستدلال بحديث المنزلة هو للشيعة، فإن مراده من « قالوا » هم « الشيعة ».

لكن العجب أنّه يكذّب نفسه بعد ذلك، حيث يدّعي أنّ هذا الذي يقوله هو تهذيب وتنقيح لطريق تمسّك الشيعة بهذا الحديث، وإلّا فمن نظر في كتبهم يرى أن كلماتهم في هذا المورد مشوّشة جدّاً، ويعلم أنهم غير فاهمين للمطلب.

فهذه دعواه حول الشيعة في هذا المقام، وقد رأيت أنّ صدر كلامه يكذّب هذه الدعوى.

إعترافه بدلالة الحديث على الإمامة

قوله:

أصل هذا الحديث دليل لأهل السنّة أيضاً في إثبات فضيلة الإمام وصحة إمامته في وقتها.

أقول:

إذا كان الحديث دليلاً لأهل السنّة، ومرويّاً في صحاحهم، فكيف

١٩٨

يقدحون فيه؟ ولماذا يبطلونه؟ وهل مجرّد احتجاج الشيعة بحديث مخرّج في كتبهم الصحيحة يجوّز الطّعن فيه؟

إذا كان ( الدهلوي ) صادقاً في كلامه هذا فليعترف بدخول الآمدي ومقلّديه في زمرة النواصب، لأنّه وأتباعه قد قدحوا في حديثٍ أجمع أهل الإسلام على صحّته، وبلغ من القوّة حدّاً لا يتمكّن النواصب من القدح فيه معه، وإلّا لم يتمّ احتجاج أهل السنّة به على النواصب؟

أقول:

لأنّه يستفاد من هذا الحديث استحقاقه الإمامة.

أقول:

الحمد لله الذي ألجأ ( الدهلوي ) إلى الإعتراف والإقرار بمطلوب الشّيعة، فصرّح بأنّ هذا الحديث يدلّ على استحقاق أمير المؤمنينعليه‌السلام الإمامة وأبطل بهذه الكلمة كلّما نسجته أيدي المكابرين من التّرهات الشنيعة والتأويلات السقيمة، في مقام الجواب عن الإستدلال بهذا الحديث الشريف

نعم، إنّ هذه الكلمة تبطل جميع ما قالوه، لأن استحقاق أمير المؤمنينعليه‌السلام الإمامة على ضوء هذا الحديث لا يتم إلّا بدلالته على أنّه من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمنزلة هارون من موسى في الإمامة، فلو لم يدل على كونه منهعليه‌السلام بمنزلة هارون من موسى في الإمامة لم يدل على استحقاقه الإمامة أبداً، لأنّه غير مستلزمٍ حتى للأفضليّة، فإنّ ذاك الأمر لا يفيد استحقاقه للإمامة أصلاً

وإذا دلّ هذا الحديث على أنّ أمير المؤمنين من رسول الله صلّى الله عليه

١٩٩

وآله وسلّم بمنزلة هارون من موسى في الإمامة، ثبت مطلوب الشيعة بلا كلفة، وسقطت شبهات المنكرين وهفوات الجاحدين بالبداهة فيكون الحديث نصّاً صريحاً في إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام وخلافته ولانصّ على غيره باعتراف ( الدهلوي ) نفسه وأسلافه، وتقدم غير المنصوص عليه على المنصوص عليه قبيح في الغاية عند جميع العقلاء.

وأيضاً، فإنّ مرتبة إمامة هارون من موسى لم تكن مع وجود فاصلٍ أو فواصل بينهما، فلاوجه لفصل الفواصل وتقييد إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام بالمرتبة الرابعة، وهو تقييد لا يرتضيه أحد من العقلاء.

إعتراف الرّشيد الدّهلوي بدلالة الحديث على الإمامة

ولا يخفى أنّ ما اعترف به ( الدهلوي ) من دلالة هذا الحديث على صحّة إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام مقبول لدى تلميذه الرشيد الدهلوي، من غير مكابرةٍ أو تأويل، بل اعترف بذلك تبعاً له واستشهد بكلامه أيضاً حيث قال في ( إيضاح لطافة المقال ):

« قوله: الحديث الثاني: حديث المنزلة الذي يقولون أيضاً بصحّته.

أقول: إن هذا الحديث عند أهل السنة من أحاديث فضائل أمير المؤمنين الباهرة، بل هو دليل على صحة خلافة هذا الإمام، لكنْ من غير أنْ يدل على نفي خلافة غيره، كما صرّح به صاحب التحفة حيث قال: أصل هذا الحديث أيضاً دليل لأهل السنّة على إثبات فضيلة الأمير وصحة إمامته في حينها

ومتى كان هذا الحديث دالاًّ على فضل حيدر الكرّار، بل كان دليلاً على صحة خلافة ذاك الإمام، فدعوى أن أهل السنّة غير عاملين بمقتضى هذا الخبر بل معتقدون على خلافه عجيبة.

٢٠٠