تحف العقول

تحف العقول0%

تحف العقول مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 520

تحف العقول

مؤلف: ابن شعبة الحراني
تصنيف:

الصفحات: 520
المشاهدات: 172939
تحميل: 9936

توضيحات:

تحف العقول
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 520 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 172939 / تحميل: 9936
الحجم الحجم الحجم
تحف العقول

تحف العقول

مؤلف:
العربية

ولا يدانيه ذو حسب، فالبيت من قريش والذروة من هاشم والعترة من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) ، شرف الاشراف والفرع عن عبد مناف، نامي العلم، كامل الحلم، مضطلع بالامر(٢) ، عالم بالسياسة، مستحق للرئاسة، مفترض الطاعة. قائم بأمر الله، ناصح لعباد الله. إن الانبياء والاوصياء صلوات الله عليهم يوفقهم الله ويسددهم ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمته ما لا يؤتيه غيرهم، يكون علمهم فوق علم أهل زمانهم، وقد قال الله عزوجل:( أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون ) (٣)

وقال تعالى في قصة طالوت:( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْکُمْ وَ زَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ وَ اللَّهُ يُؤْتِي مُلْکَهُ مَنْ يَشَاءُ ) (٤)

وقال في قصة داودعليه‌السلام :( وقتل دواد جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ) (٥) .

وقال لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وأنزل عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما(٦)

وقال في الائمة من أهل بيته وعترته وذريته:( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ - إلى قوله –سَعِيراً ) (٧) . وإن العبد إذا اختاره الله لامور عباده شرح صدره لذلك وأودع قلبه ينابيع الحكمة وأطلق على لسانه(٨) فلم يعي بعده بجواب ولم تجد فيه غير صواب(٩) ، فهو موفق مسدد مؤيد، قد أمن من الخطأ والزلل. خصه بذلك ليكون ذلك حجة على خلقه شاهدا على عباده(١٠) ، فهل يقدرون على مثل هذا

____________________

(١) الذروة - بالضم والكسر -: العلو. ومن كل شئ: أعلاه.

وفي الكافى والعيون [ والعترة من آل الرسول والرضا من الله ].

(٢) اضطلع بهذا الامر: قوى وقدر عليه فكأنه قوى عليه ضلوعه بحمله.

(٣) سورة يونس آية ٣٥. وزاد في الكافى والعيون [ وقوله تعالى: ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثير ].

(٤) سورة البقرة آية ٢٤٧. وزادا بقية الاية [ والله واسع عليم ].

(٥) سورة البقرة آية ٢٥٥. ومن رقم (٤) إلى (٥) ليست فيهما (٦) سورة النساء آية ١١٣.

وفيها وأنزل الله عليك الكتاب الخ

(٧) سورة النساء آية ٥٥، ٥٧.

(٨) في الكافى والعيون [ وألهمه العلم إلهاما ].

(٩) في الكافى والعيون [ ولا يحير فيه عن الصواب فهو معصوم، مؤيد، موفق ].

(١٠) زاد في الكافى والعيون [ وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ].

٤٤١

فيختارونه فيكون مختارهم بهذه الصفة(١) .

* (وروي عنه عليه‌السلام في قصار هذه المعاني) *

قال الرضاعليه‌السلام : لا يكون المؤمن مؤمنا حتى تكون فيه ثلاث خصال: سنة من ربه وسنة من نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله وسنة من وليهعليه‌السلام .

فأما السنة من ربه فكتمان السر.

وأما السنة من نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله فمدارأة الناس.

وأما السنة من وليهعليه‌السلام فالصبر في البأساء والضراء.

وقالعليه‌السلام : صاحب النعمة يجب أن يوسع على عياله.

وقالعليه‌السلام : ليست العبادة كثرة الصيام والصلاة.

وإنما العبادة كثرة التفكر في أمر الله.

وقالعليه‌السلام : من أخلاق الانبياء التنظف.

وقالعليه‌السلام : ثلاث من سنن المرسلين: العطر وإحفاء الشعر وكثرة الطروقة(٢) .

وقالعليه‌السلام : لم يخنك الامين ولكن ائتمنت الخائن.

وقالعليه‌السلام : إذا أراد الله أمرا سلب العباد عقولهم، فأنفذ أمره وتمت إرادته.

فإذا أنفذ أمره رد إلى كل ذي عقل عقله، فيقول: كيف ذا ومن أين ذا.

وقالعليه‌السلام : الصمت باب من أبواب الحكمة، إن الصمت يكسب المحبة، إنه دليل على كل خير.

وقالعليه‌السلام : ما من شئ من الفضول إلا وهو يحتاج إلى الفضول من الكلام.

وقالعليه‌السلام : الاخ الاكبر بمنزلة الاب.

وسئلعليه‌السلام عن السفلة فقال: من كان له شئ يلهيه عن الله.

____________________

(١) زاد في الكافى والعيون [ فيقدمون، تعدوا وبيت الله الحق ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كانهم لا يعلمون وفي كتاب الله الهدى والشفاء فنبذوه واتبعوا اهواء‌هم فذمهم الله ومقتهم وأتعسهم فقال جل وتعالى: ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ان الله لا يهدى القوم الظالمين وقال: فتعسا لهم وأضل اعمالهم وقال: كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار ].

(٢) الاحفاء: القص. والطروقة: الجماع وفي بعض النسخ [ وإخفاء السر ].

٤٤٢

وكانعليه‌السلام : يترب الكتاب(١) ويقول: لا بأس به.

وكان إذا أراد أن يكتب تذكرات حوائجه كتب بسم الله الرحمن الرحيم أذكر إن شاء الله، ثم يكتب ما يريد.

وقالعليه‌السلام : إذا ذكرت الرجل وهو حاضر فكنه، وإذا كان غائبا فسمه.

وقالعليه‌السلام : صديق كل امرء عقله وعدوه جهله.

وقالعليه‌السلام : التودد إلى الناس نصف العقل.

وقالعليه‌السلام : إن الله يبغض القيل والقال وإضاعة المال وكثرة السؤال.

وقالعليه‌السلام : لا يتم عقل امرء مسلم حتى تكون فيه عشر خصال: الخير منه مأمول.

والشر منه مأمون، يستكثر قليل الخير من غيره. ويستقل كثير الخير من نفسه، لا يسأم من طلب الحوائج إليه. ولا يمل من طلب العلم طول دهره. الفقر في الله أحب إليه من الغنى. والذل في الله أحب إليه من العز في عدوه. والخمول أشهى إليه من الشهرة، ثم قالعليه‌السلام : العاشرة وما العاشرة.

قيل له: ما هي؟ قالعليه‌السلام لا يرى أحدا إلا قال: هو خير مني وأتقى.

إنما الناس رجلان: رجل خير منه وأتقى ورجل شر منه وأدنى، فإذا لقي الذي شر منه وأدنى قال: لعل خير هذا باطن وهو خير له وخيري ظاهر وهو شر لي، وإذا رأى الذي هو خير منه وأتقى تواضع له ليلحق به. فإذا فعل ذلك فقد علا مجده وطاب خيره وحسن ذكره وساد أهل زمانه.

وسأله رجل عن قول الله:( وَ مَنْ يَتَوَکَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) (٢) ؟ فقالعليه‌السلام : التوكل درجات: منها أن تثق به في أمرك كله فيما فعل بك، فما فعل بك كنت راضيا وتعلم أنه لم يألك خيرا ونظرا(٣) . وتعلم أن الحكم في ذلك له، فتتوكل عليه بتفويض ذلك إليه. ومن ذلك الايمان بغيوب الله التي لم يحط علمك بها فوكلت علمها إليه وإلى أمنائه عليها ووثقت به فيها وفي غيرها.

____________________

(١) أى يجعل عليه التراب ليجفه. ترب وأترب الشئ: جعل عليه التراب.

(٢) سورة الطلاق آية ٣.

(٣) ألا في الامر: قصر وأبطأ وترك الجهد منه يقال: لم يأل جهدا

٤٤٣

وسأله أحمد بن نجم(١) عن العجب الذي يفسد العمل؟ فقالعليه‌السلام : العجب درجات: منها أن يزين للعبد سوء عمله فيراه حسنا فيعجبه ويحسب أنه يحسن صنعا. ومنها أن يؤمن العبد بربه فيمن على الله(٢) ولله المنة عليه فيه. قال الفضل(٣) قلت لابي الحسن الرضاعليه‌السلام : يونس بن عبدالرحمن يزعم أن المعرفة إنما هي اكتساب. قالعليه‌السلام لا ما أصاب، إن الله يعطي من يشاء، فمنهم من يجعله مستقرا فيه ومنهم من يجعله مستودعا عنده، فأما المستقر، فالذي لا يسلب الله ذلك أبدا. وأما المستودع، فالذي يعطاه الرجل ثم يسلبه إياه. وقال صفوان بن يحيى(٤) سألت الرضاعليه‌السلام عن المعرفة هل للعباد فيها صنع؟

____________________

(١) رواه الكلينى - رحمه الله - في الكافى ج ٢ ص ٣١٣ والصدوق - رضوان الله عليه - في عانى الاخبار باسناده عن على بن سويد المدينى عن ابى الحسن موسىعليه‌السلام . وأحمد بن نجم لم نجد الايعاز اليه في معاجم الرجال. (٢) وفي بعض النسخ [ فيمتن ].

(٣) الظاهر أنه الفضل بن سنان ولعله ابن سهل ذو الرياستين وزير المأمون وقد مضى ترجمة حاله. ويونس بن عبدالرحمن هو أبومحمد مولى آل يقطين ثقة من أصحاب الكاظم والرضا عليهما اسلام، كان وجها في أصحابنا متقدما عظيم المنزلة قال ابن النديم: يونس بن عبدالرحمن من أصحاب موسى بن جعفرعليهما‌السلام من موالى آل يقطين علامة زمانه كثير التصنيف والتأليف على مذاهب الشيعة ثم عد كتبه وكان يونس من أصحاب الاجماع ولد في أيام هشام بن عبدالملك ورأى جعفر بن محمدعليهما‌السلام بين الصفا والمروة ولم يرو عنه وروى عن الكاظم والرضاعليهما‌السلام وكان الرضاعليه‌السلام يشير إليه في العلم والفتيا وكان ممن بذل على الوقف ما لا جزيلا مات رحمة الله سنة ٢٨٠.

(٤) هو أبومحمد صفوان بن يحيى البجلى الكوفى، بياع السابرى من أصحاب الامام السابع والثامن والتاسععليهم‌السلام وأقروا له بالفقه والعلم، ثقة من أصحاب الاجماع وكان وكيل الرضاعليه‌السلام وصنف كتبا كثيرة وكان من الورع والعبادة ما لم يكن احد في طبقته. ونقل عن الشيخ: إنه اوثق اهل زمانه عند اصحاب الحديث واعبدهم كان يصلى كل يوم خمسين ومائة ركعة ويصوم في السنة ثلاثة اشهر ويخرج زكاة ماله كل سنة ثلاث مرات وذاك انه اشترك هو وعبدالله بن جندب وعلى بن النعمان في بيت الله الحرام فتعاقدوا جميعا ان مات واحد منهم يصلى من بقى بعده صلاته ويصوم عنه ويحج عنه ويزكى عنه ما دام حيا فمات صاحباه وبقى صفوان بعدها وكان يفى لهما بذلك وكان يصلى عنهما ويزكى عنها ويصوم عنهما ويحج عنهما وكل شى من البر والصلاح يفعل لنفسه كذلك يفعله عن صاحبيه - إلى ان قال -: ورى عن اربعين رجلا من اصحاب ابى عبداللهعليه‌السلام . وله كتب كثيرة مثل كتب الحسين بن سعيد وله مسائل عن ابى الحسن موسىعليه‌السلام ورويات. مات - رحمه الله - بالمدينة وبعث اليه ابوجعفر بحنوطة وكفنه وامر اسماعيل بن موسى بالصلاة عليه.

٤٤٤

قالعليه‌السلام : لا.

قلت: لهم فيها أجر؟ قالعليه‌السلام : نعم تطول عليهم بالمعرفة وتطول عليهم بالصواب(١) .

وقال الفضيل بن يسار(٢) سألت الرضاعليه‌السلام عن أفاعيل العباد مخلوقة هي أم غير مخلوقة؟ قالعليه‌السلام : هي والله مخلوقة - أراد خلق تقدير لا خلق تكوين -.

ثم قالعليه‌السلام : إن الايمان أفضل من الاسلام بدرجة والتقوى أفضل من الايمان بدرجة ولم يعط بنو آدم أفضل من اليقين.

وسئل عن خيار العباد؟ فقالعليه‌السلام : الذين إذا أحسنوا استبشروا. وإذا أساؤا استغفروا، وإذا اعطوا شكروا، وإذا ابتلوا صبروا، وإذا غضبوا عفوا.

وسئلعليه‌السلام عن حد التوكل؟ فقالعليه‌السلام : أن لا تخاف أحدا إلا الله.

وقالعليه‌السلام : من السنة إطعام الطعام عند التزويج.

وقالعليه‌السلام : الايمان أربعة أركان: التوكل على الله، والرضا بقضاء الله. والتسليم لامر الله. والتفويض إلى الله، قال العبد الصالح(٣) : وأفوض أمري إلى الله فوقاه الله سيئات ما مكروا

وقالعليه‌السلام : صل رحمك ولو بشربة من ماء. وأفضل ما توصل به الرحم كف الاذى عنها وقال في كتاب الله:( ولا تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى ) (٤)

وقالعليه‌السلام : إن من علامات الفقه: الحلم والعلم، والصمت باب من أبواب الحكمة. إن الصمت يكسب المحبة، إنه دليل على كل خير.(٥)

وقالعليه‌السلام : إن الذي يطلب من فضل يكف به عياله أعظم أجرا من المجاهد في سبيل الله.

____________________

(١) كذا. وتطول عليه: امتن عليه. والصحيح الثواب والسهو من قلم النساخ.

(٢) كذا.

وفضيل بن يسار من اصحاب الامام الصادقعليه‌السلام ومات في ايامه ولعله كان قاسم بن الفضيل او محمد بن الفضيل لانهما من اصحاب الرضاعليه‌السلام .

(٣) ارادعليه‌السلام بالعبد الصالح مؤمن آل فرعون والاية في سورة غافر آيه ٤٤.

(٤) سورة البقرة آية ٢٦٦.

(٥) وفي بعض النسخ [ على كل حق ].

٤٤٥

وقيل له: كيف أصبحت؟ فقالعليه‌السلام : أصبحت بأجل منقوص، وعمل محفوظ، والموت في رقابنا، والنار من ورائنا، ولا ندري ما يفعل بنا.

وقالعليه‌السلام : خمس من لم تكن فيه فلا ترجوه لشئ من الدنيا والآخرة: من لم تعرف الوثاقة في أرومته. والكرم في طباعه. والرصانة في خلقه(١) . والنبل في نفسه والمخافة لربه.

وقالعليه‌السلام : ما التقت فئتان قط إلا نصر أعظمهما عفوا.

وقالعليه‌السلام : السخي يأكل من طعام الناس ليأكلوا من طعامه، والبخيل لا يأكل من طعام الناس لئلا يأكلوا من طعامه.

وقالعليه‌السلام : إنا أهل بيت نرى وعدنا علينا دينا كما صنع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) .

وقالعليه‌السلام : يأتي على الناس زمان تكون العافية فيه عشرة أجزاء: تسعة منها في اعتزال الناس وواحد في الصمت.

وقال لهم معمر بن خلاد(٣) عجل الله فرجك.

فقالعليه‌السلام : يا معمر ذك فرجكم أنتم، فأما أنا فوالله ما هو إلا مزود فيه كف سويق مختوم بخاتم.

وقالعليه‌السلام : عونك للضعيف من أفضل الصدقة.

وقالعليه‌السلام : لا يستكمل عبد حقيقة الايمان حتى تكون فيه خصال ثلاث: التفقه في الدين.

وحسن التقدير في المعيشة. والصبر على الرزايا.

وقالعليه‌السلام لابي هاشم داود بن القاسم الجعفري(٤) : يا داود إن لنا عليكم حقا

____________________

(١) الارومة: الاصل. رصن - كشرف - أى استحكم واشتد وثبت.

والنبل - بالضم -: الفضل والنجابة.

(٢) أى وقع بنا ما وعده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من الابتلاء والمحن كدين على رقابنا فلا يتخلف.

(٣) هو ابوخلاد معمر بن خلاد بن ابى خلاد بغدادى ثقة من اصحاب الرضاعليه‌السلام وله كتب.

(٤) هو ابوهاشم داود بن القاسم بن اسحاق بن عبدالله بن جعفر بن ابى طالب ثقة جليل القدر عظيم المنزلة عند الائمة شريف القدر وقد شاهد جماعة منهم الامام الثامن إلى الامام الثانى عشرعليهم‌السلام وله موقع جليل عندهم وكان منقطعا اليهم وروى عنهم وله منهم اخبار ورسائل ورايات بقية الحاشية في الصفحة الاتية

٤٤٦

برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإن لكم علينا حقا. فمن عرف حقنا وجب حقه، ومن لم يعرف حقنا فلا حق له.

وحضرعليه‌السلام يوما مجلس المأمون وذو الرياستين حاضر، فتذاكروا الليل والنهار وأيهما خلق قبل صاحبه.

فسأل ذو الرياستين الرضاعليه‌السلام عن ذلك؟ فقالعليه‌السلام له: تحب أن أعطيك الجواب من كتاب الله أم حسابك؟ فقال: أريده أولا من الحساب، فقالعليه‌السلام : أليس تقولون: إن طالع الدنيا السرطان وإن الكواكب كانت في أشرافها؟ قال: نعم. قال: فزحل في الميزان والمشتري في السرطان والمريخ في الجدي والزهرة في الحوت والقمر في الثور والشمس في وسط السماء في الحمل وهذا لا يكون إلا نهارا. قال: نعم. قال: فمن كتاب الله؟ قالعليه‌السلام : قوله: لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار أي إن النهار سبقه(١) .

____________________

بقية الحاشية من الصحفة الماضية من دلائل ابى الحسن الهادىعليه‌السلام وقال: ما دخلت على ابى الحسن وابن محمدعليهما‌السلام إلا رأيت منها دلالة وبرهانا. وقال السيد ابن طاووس: إنه من وكلاء الناحية الذين لا تختلف الشيعة فيهم كان ابوهاشم عالما عاملا اديبا ورعا زاهدا ناسكا ولم يكن في آل ابى طالب مثله في زمانه في علو النسب وكان مقدما عند السلطان توفى رحمه الله سنة ٢٦١. وكان ابوه القاسم بن اسحاق امير اليمن رجلا جليلا وهو ابن خالة مولانا الصادقعليه‌السلام لان ام حكيم بنت القاسم بن محمد بن ابى بكر اخت ام فروة ام مولانا الصادقعليه‌السلام .

(١) رواه الطبرسى - رحمه الله - في المجمع عند بيان الاية عن تفسير العياشى عن الاشعث بن حاتم هكذا قال: كنت بخراسان حيث اجتمع الرضاعليه‌السلام والفضل بن سهل والمأمون في ايوان الحبرى بمرو فوضعت المائدة فقال الرضاعليه‌السلام : إن رجلا من بنى اسرائيل سألنى بالمدينة فقال: النهار خلق قبل ام الليل، فما عندكم؟ قال: فأداروا الكلام فلم يكن عندهم في ذلك شئ، فقال الفضل للرضاعليه‌السلام أخبرنا بها - أصلحك الله - قال: نعم من القرآن أم من الحساب؟ قال له الفضل: من جهة الحساب. فقال: قد علمت يا فضل أن طالع الدنيا السرطان والكواكب في مواضع شرفها؟ فزحل في الميزان والمشترى في السرطان والشمس في الحمل والقمر في الثور فذلك يدل على كينونة الشمس في الحمل في العاشر في الطالع في وسط السماء فالنهار خلق قبل الليل. وفى قوله تعالى لا الشمس ينبغى لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار أى قد سبقه النهار. انتهى.

أقول: لما كان وجود الليل والنهار أمران منتزعان من الشمس وحركته فهما مولودان لدورتها.

وتأخر الامر الانتزاعى على منشأ الانتزاع مما لا ريب فيه. وبعبارة اخرى لما كان وجود الليل والنهار فرع وجود الشمس فاذا كان الشمس كان النهار فاذا كان النهار كان الليل. فوجود الليل منتزع من النهار. فتأمل وفي قولهعليه‌السلام : أم حسابك اشارة إلى أن الجواب على وفق مذهب السائل. والآية في سورة يس آية ٤٠.

٤٤٧

قال علي بن شعيب(١) دخلت على أبي الحسن الرضاعليه‌السلام ، فقال لي: يا علي من أحسن الناس معاشا؟ قلت: أنت يا سيدي أعلم به مني.

فقالعليه‌السلام : يا علي من حسن معاش غيره في معاشة.

يا علي من أسوء الناس معاشا؟ قلت: أنت أعلم، قال من لم يعش غيره في معاشه.

يا علي أحسنوا جوار النعم فإنها وحشية ما نأت عن قوم فعادت إليهم(٢) .

يا علي إن شر الناس من منع رفده وأكل وحده وجلد عبده.

وقال لهعليه‌السلام رجل في يوم الفطر: إني افطرت اليوم على تمر وطين القبر.

فقالعليه‌السلام : جمعت السنة والبركة.

وقالعليه‌السلام لابي هاشم الجعفري: يا أبا هاشم العقل حباء من الله، والادب كلفة، فمن تكلف الادب قدر عليه ومن تكلف العقل لم يزدد بذلك إلا جهلا(٣) .

وقال أحمد بن عمر، والحسين بن يزيد(٤) : دخلنا على الرضاعليه‌السلام فقلنا: إنا كنا في سعة من الرزق وغضارة من العيش فتغيرت الحال بعض التغير فادع الله أن يرد ذلك إلينا؟ فقالعليه‌السلام : أي شئ تريدون تكونون ملوكا؟ أيسركم أن تكونوا مثل

____________________

(١) قال صاحب تنقيح المقال - ره -: لم اقف عليه بهذا العنوان في كتب الرجال وانما وقفنا فيها على على بن أبى شعيب المدائنى وقال: له كتاب صغير والظاهر كونه إماميا.

(٢) الجوار - بالكسر - مصدر بمعنى المجاورة. ونأت عن قوم أى بعدت عنه.

والمرد ان النعمة وحشية فيجب على من اصابها ونال منها إن اراد بقاء‌ها وداوامها ان يعامل معها معاملة الحيوان الوحشى الذى اذا هرب لم يعد.

(٣) الحباء - بالكسر -: العطية. والمرد ان العقل غريزة موهبة من الله فكان في فطرة الانسان وجبلته فليس للكسب فيه أثر فمن لم يكن فيه عقل ليس له صلاحية اكتساب العقل بخلاف الادب فان الادب هو السيرة والطريقة الحسنة في المحاورات والمعاشرات فيمكن للانسان تحصيلة بان يتجشمه ويتكلفه. وأبوهاشم الجعفرى هو داود بن القاسم بن اسحاق بن عبدالله بن جعفر بن أبى طالب الذى تقدم شرح حاله في ص ٤٤٦.

(٤) هو أحمد بن عمر بن أبى شعبة الحلبى ثقة من أصحاب الامام السابع والثامنعليهما‌السلام وله كتاب. وأما الحسين بن يزيد هو ابن عبدالملك النوفلى المتطبب من أصحاب الامام الثامن.

كان أديبا شاعرا سكن الرى ومات بها - رحمه الله -.

٤٤٨

طاهر وهرثمة(١) وإنكم على خلاف ما أنتم عليه؟ فقلت: لا والله ما سرني أن لي الدنيا بما فيها ذهبا وفضة وإني على خلاف ما أنا عليه.

فقالعليه‌السلام : إن الله يقول:( اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُکْراً وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّکُورُ ) (٢) . أحسن الظن بالله، فإن من حسن ظنه بالله كان الله عند ظنه(٣) . ومن رضي بالقليل من الرزق قبل منه اليسير من العمل. ومن رضي باليسير من الحلال خفت مؤونته ونعم أهله وبصره الله داء الدنيا ودواء‌ها و أخرجه منها سالما إلى دار السلام.

____________________

(١) الطاهر هو أبوالطيب أو أبوطلحة طاهر بن الحسين بن مصعب بن زريق بن ماهان الملقب بذى اليمينين والى خراسان كان من أكبر قواد المأمون والمجاهدين في تثبيت دولته كان جده زريق بن ماهان أو باذان مجوسيا فاسلم على يد طلحة الطلحات الخزاعى المشهور بالكرم والى سجستان وكان مولاه ولذلك اشتهر الطاهر بالخزاعى وكان هو الذى سيره المأمون من خراسان إلى محاربة أخيه الامين محمد بن زبيدة ببغداد لما خلع المأمون بيعته وسير الامين على بن عيسى بن ماهان لدفعه فالتقيا بالرى وقتل على بن عيسى وكسر جيش الامين وتقدم الطاهر إلى بغداد وأخذ ما في طريقه من البلاد وحاصر بغداد وقتل الامين سنة ١٩٨ وحمل برأسه إلى خراسان وعقد للمأمون على الخلافة فلما استقل المأمون بالملك كتب إليه وهو مقيم ببغداد وكان واليا عليها بأن يسلم إلى الحسن بن سهل جميع ما افتتحه من البلاد وهى العراق وبلاد الجبل وفارس وأهواز والحجاز واليمن وأن يتوجه هو إلى الرقة وولاء الموصل وبلاد الجزيرة والشام والمغرب فكان فيها إلى أن قدم المأمون بغداد فجاء اليه وكان المأمون يرعاه لمناصحته وخدمته ولقبه ذا اليمينين وذلك أنه ضرب شخصا بيساره فقده نصفين في وقعته مع على بن عيسى بن ماهان حتى قال بعض الشعراء: كلتا يديك يمين حين تضربه فبعثه إلى خراسان فكان واليا عليها إلى أن توفى سنة ٢٠٧ بمرو وهو الذي أسس دولة آل طاهر في خراسان وما والاها من ٢٠٥ إلى ٢٥٩ وكان طاهر من أصحاب الرضاعليه‌السلام كان متشيعا وينسب التشيع أيضا إلى بنى طاهر كما في مروج الذهب وغيره.

ولد طاهر سنة ١٥٩ في توشنج من بلاد خراسان وله عهد إلى ابنه وهو من أحسن الرسائل.

وهرثمة هو هرثمة بن أعين كان أيضا من قواد المأمون وفى خدمته وكان مشهورا معروفا بالتشيع ومحبا لاهل البيت من أصحاب الرضاعليه‌السلام بل من خواصه وأصحاب سره ويأخذ نفسه انه من شيعته وكان قائما بمصالحه وكانت له محبة تامة وإخلاص كامل له.

(٢) سورة سبأ آية ١٢.

(٣) قيل: معناه أنه عزوجل عند ظن عبده في حسن عمله وسوء عمله لان من حسن عمله حسن ظنه ومن ساء عمله ساء ظنه.

٤٤٩

وقال له ابن السكيت(١) : ما الحجة على الخلق اليوم؟ فقالعليه‌السلام : العقل يعرف به الصادق على الله فيصدقه والكاذب على الله فيكذبه.

فقال ابن السكيت: هذا والله هو الجواب.

وقالعليه‌السلام : لا يقبل الرجل يد الرجل، فإن قبلة يده كالصلاة له(٢) .

وقالعليه‌السلام : قبلة الام على الفم. وقبلة الاخت على الخد. وقبلة الامام بين عينيه.

وقالعليه‌السلام : ليس لبخيل راحة، ولا لحسود لذة، ولا لملول وفاء ولا لكذوب مروة.

____________________

(١) هو أبويوسف يعقوب بن اسحاق الذروقى الاهوازى من رجال الفرس، المعروف بابن السكيت كان أحد أعلام اللغويين وجها بذة المتأدبين، حامل لواء علم العربية والادب والشعر واللغة ويتصرف في أنواع العلوم، ثقة جليل القدر عظيم المنزلة وكان من عظماء الشيعة ومن خواص أصحاب الامام التاسع والعاشر وكان المتوكل الخليفة العباسى قد ألزمه تأديب أولاده وكان في أول أمره يؤدب مع أبيه بمدينة السلام في درب القنطرة صبيان العامة حتى احتاج إلى الكسب فجعل يتعلم النحو. وكان أبوه رجلا صالحا وأديبا عالما وكان من أصحاب الكسائى حسن المعرفة بالعربية وحكى عنه أنه كان قد حج فطاف بالبيت وسعى وسأل الله تعالى أن يعلم ابنه العلم.

كان لابن السكيت تصانيف جيدة مفيدة منها اصلاح المنطق في اللغة ونقل عن ابن خلكان انه قال بعد نقل كلام: ولا شك أنه من الكتب النافعة الممتعة الجامع لكثير من اللغة ولا يعرف في حجمه مثله في بابه وقد عنى به جماعة واختصره الوزير ابوالقاسم الحسين بن على المعروف بابن المغربى. وهذبه الخطيب أبوزكريا التبريزى - إلى أن قال -: ولم يكن بعد ابن الاعرابى اعلم باللغة من ابن السكيت إلخ. كان مولده رحمه الله في حوالى سنة ١٨٦ وعاش نحو ثمان وخمسين سنة وقتله المتوكل العباسى وسببه ان المتوكل قال له يوما: ايما احب اليك ابناى هذان اى المعتز والمؤيد ام الحسن والحسين [عليهما‌السلام ]؟ فقال ابن السكيت: والله إن قنبر خادم على بن ابى طالب خير منك ومن ابنيك. فقال المتوكل للاتراك: سلوا لسانه من قفاه، ففعلوا فمات وقيل: اثنى على الحسن والحسين. ولم يذكرا بنيه. فامر المتوكل فداسوا بطنه فحمل إلى داره فمات بعد غد ذلك اليوم رحمة الله عليه -.

(٢) في الكافى ج ٢ ص ١٨٥ باسناده عن رفاعة بن موسى عن أبى عبداللهعليه‌السلام قال: لا يقبل رأس احد ولا ده إلا [ يد ] رسول الله أو من اريد به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٤٥٠

[ بسم الله الرحمن الرحيم ]

وروى عن الامام الناصح الهادى ابى جعفر محمد بن علىعليهما‌السلام في طوال هذه المعانى (جوابهعليه‌السلام )

* (في محرم قتل صيدا) *

لما عزم المأمون على أن يزوج ابنته ام الفضل أبا جعفر محمد بن علي الرضاعليه‌السلام (١) إجتمع إليه أهل بيته الادنون منه، فقالوا له: يا أمير المؤمنين ناشدناك أن تخرج عنا أمرا قد ملكناه.

وتنزع عنا عزا قد لبسناه. وتعلم الامر الذي بيننا وبين آل علي قديما وحديثا.

فقال المأمون: أمسكوا والله لا قبلت من واحد منكم في أمره.

فقالوا: يا أمير المؤمنين أتزوج ابنتك وقرة عينك صبيا لم يتفقه في دين الله، ولا يعرف حلاله من حرامه، ولا فرضا من سنة - ولابي جعفرعليه‌السلام إذ ذاك تسع سنين(٢) - فلو صبرت له حتى يتأدب ويقرأ القرآن ويعرف الحلال من الحرام.

فقال المأمون: إنه لافقه منكم وأعلم بالله ورسوله وسنته وأحكامه، وأقرء لكتاب الله منكم وأعلم بمحكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه وظاهره وباطنه وخاصه وعامه وتنزيله وتأويله منكم.

فاسألوه، فإن كان الامر كما وصفتم قبلت منكم، وإن كان الامر على ما وصفت علمت أن الرجل خلق منكم(٣) . فخرجوا من عنده وبعثوا إلى يحيى بن أكثم(٤) وهو يومئذ

____________________

(١) رواه على بن ابراهيم - رحمه الله - في التفسير مع اختلاف.

والمفيد - قدس سره - في الارشاد وابن شهر آشوب في المناقب والطبرى في الدلائل.

(٢) في التفسير [ عشر سنين أو إحدى عشرة سنة ] وفي الارشاد [ سبع سنين ].

(٣) أى قائم مقامكم وبدل منكم. الخلف - بالتحريك -: البدل والعوض (٤) هو يحيى بن أكثم التميمى القاضى كان متكلما، عالما فقيها في عصره أحد وزراء المأمون قاضيا في العراقين من قضاة العامة وكان معروفا باللواط وانه حرم المتعة وتسبب تحريم المأمون إياها. ذكره ابن خلكان والمسعودى وغيرهما وبسط ابن خلكان الكلام في ترجمته فمن شاء فليطلبه هناك ولا يهمنا نقل ذلك.

٤٥١

قاضي القضاة فجعلوا حاجتهم إليه وأطمعوه في هدايا على أن يحتال على أبي جعفرعليه‌السلام بمسألة في الفقه لا يدري ما الجواب فيها.

فلما حضروا وحضر أبوجعفرعليه‌السلام قالوا يا أمير المؤمنين هذا القاضي إن أذنت له أن يسأل؟ فقال المأمون: يا يحيى سل أبا جعفر عن مسألة في الفقه لتنظر كيف فقهه؟ فقال يحيى: يا أبا جعفر أصلحك الله ما تقول في محرم قتل صيدا؟ فقال أبوجعفرعليه‌السلام : قتله في حل أم حرم، عالما أو جاهلا، عمد أو خطأ، عبدا أو حرا، صغيرا أو كبيرا، مبدء‌ا أو معيدا، من ذوات الطير أو غيره من صغار الطير أو كباره. مصرا أو نادما، بالليل في أوكارها أو بالنهار وعيانا، محرما للحج أو للعمرة؟ قال: فانقطع يحيى انقطاعا لم يخف على أحد من أهل المجلس انقطاعه وتحير الناس عجبا من جواب أبي جعفرعليه‌السلام : فقال المأمون: أخطب أبا جعفر؟ فقالعليه‌السلام : نعم يا أمير المؤمنين، فقال: الحمد لله إقرارا بنعمته ولا إله إلا الله إجلالا لعظمته، وصلى الله على محمد وآله عند ذكره.

أما بعد فقد كان من قضاء الله على الانام أن أغناهم بالحلال عن الحرام، فقال وجل عز:( أَنْکِحُوا الْأَيَامَى مِنْکُمْ وَ الصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِکُمْ وَ إِمَائِکُمْ إِنْ يَکُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ اللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (١) .

ثم إن محمد بن علي خطب أم الفضل ابنة عبدالله، وقد بذل لها من الصداق خمس مائة درهم، فقد زوجته، فهل قبلت يا أبا جعفر؟ فقالعليه‌السلام : قد قبلت هذا التزويج بهذا الصداق فأولم المأمون(٢) وأجاز الناس على مراتبهم أهل الخاصة وأهل العامة والاشراف والعمال. وأوصل إلى كل طبقة برا على ما يستحقه.

فلما تفرق أكثر الناس قال المأمون: يا أبا جعفر إن رأيت أن تعرفنا ما يجب على كل صنف من هذه الاصناف في قتل الصيد؟ فقالعليه‌السلام : إن المحرم إذا قتل صيدا في الحل وكان الصيد من ذوات الطير من كبارها فعليه شاة، فإن أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا. وإن قتل فرخا في الحل فعليه حمل قد فطم فليست عليه القيمة لانه ليس في الحرم. وإذا قتله في الحرم فعليه الحمل وقيمة الفرخ(٣) وإن كان من الوحش

____________________

(١) سوره النور آيه ٣٢.

(٢) أو لم من الوليمة.

(٣) في التفسير [ فعليه الحمل وقيمته ].

٤٥٢

فعليه في حمار الوحش بقرة وإن كان نعامة فعليه بدنة،(١) فإن لم يقدر فإطعام ستين مسكينا، فإن لم يقدر فليصم ثمانية عشر يوما.

وإن كان بقرة فعليه بقرة، فإن لم يقدر فليطعم ثلاثين مسكينا، فإن لم يقدر فليصم تسعة أيام.

وإن كان ظبيا فعليه شاة، فإن لم يقدر فليطعم عشرة مساكين، فإن لم يجد فليصم ثلاثة أيام.

وإن أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا هديا بالغ الكعبة حقا واجبا أن ينحره إن كان في حج بمنى حيث ينحر الناس.

وإن كان في عمرة ينحره بمكة في فناء الكعبة ويتصدق بمثل ثمنه حتى يكون مضاعفا، وكذلك إذا أصاب أرنبا أو ثعلبا فعليه شاة ويتصدق بمثل ثمن شاة.

وإن قتل حماما من حمام الحرم فعليه درهم يتصدق به. ودرهم(٢) يشتري به علفا لحمام الحرم. وفي الفرخ نصف درهم. وفي البيضة ربع درهم وكل ما أتى به المحرم بجهالة أو خطأ فلا شئ عليه إلا الصيد. فإن عليه فيه الفداء بجهالة كان أم بعلم، بخطأ كان أم بعمد. وكل ما أتى به العبد فكفارته على صاحبه مثل ما يلزم صاحبه. وكل ما أتى به الصغير الذي ليس ببالغ فلا شئ عليه. فإن عاد فهو ممن ينتقم الله منه. وإن دل على الصيد وهو محرم وقتل الصيد فعليه فيه الفداء. والمصر عليه يلزمه بعد الفداء العقوبة في الآخرة. والنادم لا شئ عليه بعد الفداء في الآخرة. وإن أصابه ليلا أو كارها(٣) خطأ فلا شئ عليه إلا أن يتصيد، فإن تصيد بليل أو نهار فعليه فيه الفداء. والمحرم للحج ينحر الفداء بمكة.

قال: فأمر أن يكتب ذلك عن أبي جعفرعليه‌السلام .

ثم التفت إلى أهل بيته الذين أنكروا تزويجه، فقال: هل فيكم من يجيب بهذا الجواب؟ قالو: لا والله ولا القاضي، فقالوا: يا أمير المؤمنين كنت أعلم به منا.

فقال: ويحكم أما علمتم أن أهل هذا البيت ليسوا خلقا من هذا الخلق، أما علمتم أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بايع الحسن والحسينعليهما‌السلام وهما صبيان ولم يبايع غيرهما طفلين.

أو لم تعلموا أن أباهم علياعليه‌السلام آمن برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو ابن تسع سنين، فقبل الله ورسوله إيمانه ولم يقبل من طفل غيره ولا دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله طفلا غيره.

أو لم تعلموا أنها ذرية بعضها من بعض يجري لآخرهم ما يجري لاولهم.

____________________

(١) في التفسير [ فعليه في الحمار الوحش بدنة وكذلك في النعامة ].

(٢) في التفسير [ أو درهم ].

(٣) في التفسير [ في وكرها ].

٤٥٣

* (مسألة غريبة) *

قال المأمون ليحيى بن أكثم(١) : اطرح على أبي جعفر محمد بن الرضاعليهما‌السلام مسألة تقطعه فيها.

فقال: يا أبا جعفر ما تقول في رجل نكح امرأة على زنا أيحل أن يتزوجها؟ فقالعليه‌السلام : يدعها حتى يستبرئها من نطفته ونطفة غيره، إذ لا يؤمن منها أن تكون قد أحدثت مع غيره حدثا كما أحدثت معه. ثم يتزوج بها إن أراد، فإنما مثلها مثل نخلة أكل رجل منها حراما ثم اشتراها فأكل منها حلالا. فانقطع يحيى.

فقال له أبوجعفرعليه‌السلام : يا أبا محمد ما تقول في رجل حرمت عليه أمرأة بالغداة وحلت له ارتفاع النهار وحرمت عليه نصف النهار، ثم حلت له الظهر، ثم حرمت عليه العصر، ثم حلت له المغرب، ثم حرمت عليه نصف الليل، ثم حلت له الفجر، ثم حرمت عليه ارتفاع النهار، ثم حلت له نصف النهار؟ فبقي يحيى والفقهاء بلسا خرسا(٢) فقال المأمون: يا أبا جعفر أعزك الله بين لنا هذا؟ قالعليه‌السلام : هذا رجل نظر إلى مملوكة لا تحل له، اشتراها فحلت له. ثم أعتقها فحرمت عليه، ثم تزوجها فحلت له. فظاهر منها فحرمت عليه. فكفر الظهار فحلت له، ثم طلقها تطليقة فحرمت عليه، ثم راجعها فحلت له، فارتد عن الاسلام فحرمت عليه. فتاب ورجع إلى الاسلام فحلت له بالنكاح الاول، كما أقر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نكاح زينب مع أبي العاص بن الربيع حيث أسلم على النكاح الاول(٣) .

____________________

(١) رواه المفيد -رحمه‌الله - في الارشاد وفتال النيسابورى في الروضة بادنى تغيير.

(٢) البلس - بالضم -: جمع أبلس: المتحير.

والخرس - بالضم -: جمع أخرس: الذى انعقد لسانه عن الكلام.

(٣) هو أبوالعاص بن الربيع بن عبدالعزى بن عبد شمس بن عبد مناف ابن اخت خديجة زوجة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله امه هالة بنت خويلد، كان اسم أبى العاص لقيط أو هشيم أو مهشم وهو من رجال مكة. المعدودين مالا وتجارة وأمانة، زوجه رسول الله زينب أكبر بناته. فلما أكرم الله نبيه بنبوته آمنت خديجة وبناته فصدقن وشهدن الاسلام وثبت أبوالعاص على شركه ويحرضه قريش أن يفارق صاحبته على أن يزوجه أية امرأة شاء فلم يرض. وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بقية الحاشية في الصفحة الاتية

٤٥٤

وروى عنهعليه‌السلام في قصار هذه المعانى قال له(١) رجل: أوصني؟ قالعليه‌السلام : وتقبل؟ قال: نعم.

قال: توسد الصبر واعتنق الفقر. وارفض الشهوات. وخالف الهوى. واعلم أنك لن تخلو من عين الله فانظر كيف تكون.

وقالعليه‌السلام : أوحى الله إلى بعض الانبياء: أما زهدك في الدنيا فتعجلك الراحة،

____________________

بقية الحاشية من الصفحة الماضية لا يحل بمكة ولا يحرم مغلوبا على أمره وكان الاسلام قد فرق بينهما الا انهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان لا يقدر أن يفرق بينهما فأقامت على اسلامها وهو على شركه حتى هاجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والخبر في حسن مصاهرته في ايام الشعب مشهور. فلما سارت قريش إلى بدر سار فيهم ابوالعاص فاصيب في الاسارى فكان في المدينة عند رسول الله، فلما بعث أهل مكة في فداء اسرائهم بعثت زينب في فداء أبى العاص بمال وبعثت فيه بقلادة لها كانت خديجة ادخلتها بها على ابن العاص حين بنى بها، فلما رآها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رق لها رقة شديدة وقال لاصحابه: إن رأيتم ان تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليه الذى لها فافعلوا؟ قالوا: نعم يا رسول الله فاطلقوه وردوا عليها مالها وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أخذ أو شرط عليه أن يخلى سبيل زينب إليه فوعده أبوالعاص بذلك فلما ذهب أبوالعاص إلى مكة خلى سبيله وبعثها مع أخيه كنانة بن الربيع حتى لحقت برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الطريق بعد أن أصابت من المشركين في الطريق أذى كثيرة ونالت منهم ما نالت وجاء‌ت زينب إلى المدينة وأقامت عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأقام أبوالعاص بمكة حتى إذا كان قبيل الفتح في سنة ٨ من الهجرة خرج أبوالعاص تاجرا إلى الشام وكان رجلا مأمونا بمال له وأموال لرجال من قريش يضعوها معه، فما فرغ من تجارته وأقبل غافلا لقيته سرية لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فأصابوا ما معه وأعجزهم هاربا فلما قدمت السرية بما أصابوا من ماله جاء ابوالعاص في طلب ماله تحت الليل حتى أتى المدينة ودخل على زينب بنت رسول الله فاستجار بها فأجارته فلما أصبح اتت زينب إلى المسجد فاستجارت له من المسلمين فأجاروه فدخل رسول الله على بنته فقال: اى بنية اكرمى مثواه ولا يخلص اليك فانك لا تحلين له وبعث إلى السرية الذين اصابوا مال ابى العاص فردوه عليه بأسره ثم احتمال إلى مكة فأدى إلى كل ذى مال من قريش ماله فاسلم ورجع إلى المدينة ورد رسول الله زينب على النكاح الاول لم يحدث شيئا بعد سنين توفى ابوالعاص سنة ١٢ وتزوج علىعليه‌السلام ابنته امامة بنت زينب بعد وفات فاطمه عليها السلام بوصية منها.

(١) في بعض النسخ [ قال للجوادعليه‌السلام رجل ].

٤٥٥

وأما انقطاعك إلي فيعززك بي. ولكن هل عاديت لي عدوا وواليت لي وليا.

وروي أنه حمل له حمل بز(١) له قيمة كثيرة، فسل في الطريق، فكتب إليه الذي حمله يعرفه الخبر، فوقع بخطه إن أنفسنا وأموالنا من مواهب الله الهنيئة و عواريه المستودعة يمتع بما متع منها في سرور وغبطة ويأخذ ما أخد منها في أجر وحسبة(٢) . فمن غلب جزعه على صبره حبط أجره ونعوذ بالله من ذلك. وقالعليه‌السلام : من شهد أمرا فكرهه كان كمن غاب عنه. ومن غاب عن أمر فرضيه كان كمن شهده.

وقالعليه‌السلام : من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن كان الناطق عن الله فقد عبدالله، وإن كان الناطق ينطق عن لسان إبليس فقد عبد إبليس.

وقال داود بن القاسم(٣) : سألته عن الصمد؟ فقالعليه‌السلام : الذي لا سرة له(٤) .

قلت: فإنهم يقولون: إنه الذي لا جوف له؟ فقالعليه‌السلام : كل ذي جوف له سرة.

فقال له أبوهشام الجعفري في يوم تزوج ام الفضل ابنة المأمون: يا مولاي لقد عظمت علينا بركة هذا اليوم فقالعليه‌السلام : يا أبا هاشم عظمت بركات الله علينا فيه؟ قلت: نعم يا مولاي، فما أقول في اليوم؟ فقال: قل فيه خيرا، فإنه يصيبك.

قلت: يا مولاي أفعل هذا ولا اخالفه.

قالعليه‌السلام : إذا ترشد ولا ترى إلا خيرا.

وكتب إلى بعض أوليائه: أما هذه الدنيا فإنا فيها مغترفون ولكن من كان هواه هوى صاحبه ودان بدينه فهو معه حيث كان(٥) . والآخرة هي دار القرار.

وقالعليه‌السلام : تأخير التوبة اغترار. وطول التسويف حيرة. والاعتلال على الله هلكة(٦) والاصرار على الذنب( مَکْرَ اللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَکْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ) (٧)

____________________

(١) الحمل - بالكسر - ما يحمل. والرز - بالفتح والتشديد -: الثياب من القطن أو الكتان.

وأمتعة التاجر من الثياب. وأيضا: السلاح. وسل الشئ: سرقه خفية، والسال: السارق.

(٢) الحسبة - بالكسر -: الاجر.

(٣) مر ترجمته آنفا.

(٤) السرة - بالضم والتشديد -: التجويف الصغير المعهود في وسط البطن.

(٥) فاذا كان ميلك وهواك إلى وتحبنى كنت انت معى حيث كنت انا.

(٦) اى من تجنى على الله باثم فقد فسد روحه وخبث طينته فكان فيه هلاكه.

(٧) سورة الاعراف آيه ٩٧.

٤٥٦

وروي أن جمالا حمله من المدينة إلى الكوفة(١) فكلمه في صلته وقد كان أبوجعفرعليه‌السلام وصله بأربع مائة دينار، فقالعليه‌السلام : سبحان الله، أما علمت أنه لا ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العباد.

وقالعليه‌السلام : كانت مبايعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله النساء أن يغمس يده في إناء فيه ماء ثم يخرجها وتغمس النساء بأيديهن في ذلك الاناء بالاقرار والايمان بالله والتصديق برسوله على ما أخذ عليهن.

وقالعليه‌السلام : إظهار الشئ قبل أن يستحكم مفسدة له.

وقالعليه‌السلام : المؤمن يحتاج إلى توفيق من الله وواعظ من نفسه وقبول ممن ينصحه.

____________________

(١) كانت لابى جعفرعليه‌السلام رحلتان إلى العراق الاولى سنة إحدى عشرة ومائتين ووجه المأمون إلى المدينة من حملة وأنزله بالقرب من داره وعزم عل تزويجه ابنته وحملها معه بعد إلى المدينة وكان المأمون متوفرا على إكرامه وتعظيمه وتبجيله وإجلال قدره. فلم يزل بها إلى أن أشخصه المعتصم في أول سنة خمس وعشرين ومائتين إلى بغداد وهى الثانية فأقام بها حتى قتل مسموما في آخر ذى العقدة من تلك السنة فدفن في جنب جده أبى الحسن موسىعليه‌السلام .

٤٥٧

ما روى عن الامام الراشد الصابر أبى الحسن على بن محمد

عليهما‌السلام في طوال هذه المعانى

(رسالته «ع» في الرد على أهل الجبر والتفويض واثبات العدل والمنزلة بين المنزلتين)

من علي بن محمد، سلام عليكم وعلى من اتبع الهدى ورحمة الله وبركاته، فإنه ورد علي كتابكم(١) وفهمت ما ذكرتم من اختلافكم في دينكم وخوضكم في القدر و مقالة من يقول منكم بالجبر ومن يقول بالتفويض وتفرقكم في ذلك وتقاطعكم وما ظهر من العداوة بينكم، ثم سألتموني عنه وبيانه لكم وفهمت ذلك كله.

اعلموا رحمكم الله أنا نظرنا في الآثار وكثرة ما جاء‌ت به الاخبار فوجدناها عند جميع من ينتحل الاسلام ممن يعقل عن الله عزوجل لا تخلو من معنيين: إما حق فيتبع وإما باطل فيجتنب. وقد اجتمعت الامة قاطبة لا اختلاف بينهم أن القرآن حق لا ريب فيه عند جميع أهل الفرق وفي حال اجتماعهم مقرون بتصديق الكتاب وتحقيقه، مصيبون، مهتدون وذلك بقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تجتمع امتي على ضلالة فأخبر أن جميع ما اجتمعت عليه الامة كلها حق، هذا إذا لم يخالف بعضها بعضا. والقرآن حق لا اختلاف بينهم في تنزيله وتصديقه: فإذا شهد القرآن بتصديق خبر وتحقيقة وأنكر الخبر طائفة من الامة لزمهم الاقرار به ضرورة حين اجتمعت في الاصل على تصديق الكتاب، فإن [ هي ] جحدت وأنكرت لزمها الخروج من الملة.

فأول خبر يعرف تحقيقة من الكتاب وتصديقه والتماس شهادته عليه خبر ورد عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ووجد بموافقة الكتاب وتصديقه بحيث لا تخالفة أقاويلهم، حيث قال: إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي - أهل بيتي - لن تضلوا ما تمسكتم

____________________

(١) رواها الطبرسى في الاحتجاج مجملا تحت عنوان رسالتهعليه‌السلام إلى اهل الاهواز حين سألوه عن الجبر والتفويض.

٤٥٨

بهما وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض

فلما وجدنا شواهد هذا الحديث في كتاب الله نصا مثل قوله عزوجل:( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنو فإن حزب الله هم الغالبون ) (١)

وروت العامة في ذلك أخبارا لامير المؤمنينعليه‌السلام أنه تصدق بخاتمه وهو راكع فشكر الله ذلك له وأنزل الآية فيه. فوجدنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أتى بقوله: من كنت مولاه فعلي مولاه وبقوله: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ووجدناه يقول: علي يقضي ديني وينجز موعدي وهو خليفتي عليكم من بعدي

فالخبر الاول الذي استنبطت منه هذه الاخبار خبر صحيح مجمع عليه لا اختلاف فيه عندهم، وهو أيضا موافق للكتاب، فلما شهد الكتاب بتصديق الخبر و هذه الشواهد الاخر لزم على الامة الاقرار بها ضرورة إذ كانت هذه الاخبار شواهدها من القرآن ناطقة ووافقت القرآن والقرآن وافقها.

ثم وردت حقائق الاخبار من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن الصادقينعليهم‌السلام ونقلها قوم ثقات معروفون فصار الاقتداء بهذه الاخبار فرضا واجبا على كل مؤمن ومؤمنة لا يتعداه إلا أهل العناد.

وذلك أن أقاويل آل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله متصلة بقول الله وذلك مثل قوله في محكم كتابه:( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً ) (٢) ووجدنا نظير هذه الآية قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من آذى عليا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله يوشك أن ينتقم منه وكذلك قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من أحب عليا فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله

ومثل قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله في بني وليعة: لابعثن إليهم رجلا كنفسي يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله قم يا علي فسر إليهم(٣) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم خيبر: لابعثن إليهم غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرارا غير فرارا لا يرجع

____________________

(١) سورة المائدة آية ٦٠، ٦١.

(٢) سورة الاحزاب آية ٥٧.

(٣) بنو وليعة - كسفينة -: حى من كندة.

وقد مضى هذه القضية أيضا في احتجاجات الامام الرضاعليه‌السلام في الاصطفاء مع العلماء في مجلس المأمون.

٤٥٩

حتى يفتح الله عليه. فقضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالفتح قبل التوجيه فاستشرف لكلامه أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فلما كان من الغد دعا علياعليه‌السلام فبعثه إليهم فاصطفاه بهذه المنقبة(١) وسماه كرارا غير فرار، فسماه الله محبا لله ولرسوله، فأخبر أن الله و رسوله يحبانه.

وإنما قدمنا هذا الشرح والبيان دليلا على ما أردنا وقوة لما نحن مبينوه من أمر الجبر والتفويض والمنزلة بين المنزلتين وبالله العون والقوة وعليه نتوكل في جميع امورنا. فإنا نبدأ من ذلك بقول الصادقعليه‌السلام : لا جبر ولا تفويض ولكن منزلة بين المنزلتين وهي صحة الخلقة وتخلية السرب(٢) والمهلة في الوقت والزاد مثل الراحلة والسبب المهيج للفاعل على فعله ، فهذه خمسة أشياء جمع به الصادقعليه‌السلام جوامع الفضل، فإذا نقص العبد منها خلة كان العمل عنه مطروحا بحسبه، فأخبر الصادقعليه‌السلام بأصل ما يجب على الناس من طلب معرفته ونطق الكتاب بتصديقه فشهد بذلك محكمات آيات رسوله، لان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله وآلهعليهم‌السلام لا يعدون شيئا من قوله وأقاويلهم حدود القرآن، فإذا وردت حقائق الاخبار والتمست شواهدها من التنزيل فوجد لها موافقا وعليها دليلا كان الاقداء بها فرضا لا يتعداه إلا أهل العناد كما ذكرنا في أول الكتاب.

ولما التمسنا تحقيق ما قاله الصادقعليه‌السلام من المنزلة بين المنزلتين وإنكاره الجبر والتفويض وجدنا الكتاب قد شهد له وصدق مقالته في هذا، وخبر عنه أيضا موافق لهذا، أن الصادقعليه‌السلام سئل هل أجبر الله العباد على المعاصي؟ فقال الصادقعليه‌السلام : هو أعدل من ذلك.

فقيل له: فهل فوض إليهم؟ فقالعليه‌السلام : هو أعز وأقهر لهم من ذلك.

وروي عنه أنه قال: الناس في القدر على ثلاثة أوجه: رجل يزعم أن الامر مفوض إليه فقدوهن الله في سلطانه فهو هالك. ورجل يزعم أن الله عزوجل أجبر العباد على المعاصي وكلفهم ما لا يطويقون فقد ظلم الله في حكمه فهو هالك. ورجل يزعم أن الله كلف العباد ما يطيقون ولم يكلفهم ما لا

____________________

(١) في بعض النسخ [ بهذه الصفة ].

(٢) السرب - بالفتح -: الطريق والصدر. - وبالكسر - أيضا: الطريق والقلب. - و بالتحريك -: الماء السائل.

وسيأتى بيان هذه الخمسة عن الامامعليه‌السلام بعد شرح الجبر والتفويض وانهما خلاف العدل والعقل.

٤٦٠