تحف العقول

تحف العقول0%

تحف العقول مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 520

تحف العقول

مؤلف: ابن شعبة الحراني
تصنيف:

الصفحات: 520
المشاهدات: 173286
تحميل: 9985

توضيحات:

تحف العقول
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 520 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 173286 / تحميل: 9985
الحجم الحجم الحجم
تحف العقول

تحف العقول

مؤلف:
العربية

يطيقون، فإذا أحسن حمد الله وإذا أساء استغفر الله فهذا مسلم بالغ، فأخبرعليه‌السلام أن من تقلد الجبر والتفويض ودان بهما فهو على خلاف الحق.

فقد شرحت الجبر الذي من دان به يلزمه الخطأ، وأن الذي يتقلد التفويض يلزمه الباطل، فصارت المنزلة بين المنزلتين بينهما.

ثم قالعليه‌السلام : وأضرب لكل باب من هذه الابواب مثلا يقرب المعنى للطالب ويسهل له البحث عن شرحه، تشهد به محكمات آيات الكتاب وتحقق تصديقه عند ذوي الالباب وبالله التوفيق والعصمة.

فأما الجبر الذي يلزم من دان به الخطأ فهو قول من زعم أن الله عزوجل أجبر العباد على المعاصي وعاقبهم عليها.( ومن قال بهذا القول فقد ظلم الله في حكمه وكذبه ورد عليه قوله: ولا يظلم ربك أحدا ) (١) . وقوله:( ذٰلِکَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاکَ وَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ ) (٢)

وقوله:( إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون ) (٣)

مع آي كثيرة في ذكر هذا.

فمن زعم أنه مجبر على المعاصي فقد أحال بذنبه على الله و قد ظلمه في عقوبته. ومن ظلم الله فقد كذب كتابه. ومن كذب كتابه فقد لزمه الكفر باجتماع الامة. ومثل ذلك مثل رجل ملك عبدا مملوكا لا يملك نفسه ولا يملك عرضا من عرض الدنيا ويعلم مولاه ذلك منه فأمره على علم منه بالمصير إلى السوق لحاجة يأتيه بها ولم يملكه ثمن ما يأتيه به من حاجته وعلم المالك أن على الحاجة رقيبا لا يطمع أحد في أخذها منه إلا بما يرضى به من الثمن، وقد وصف مالك هذا العبد نفسه بالعدل والنصفة وإظهار الحكمة ونفي الجور وأوعد عبده إن لم يأته بحاجته أن يعاقبه على علم منه بالرقيب الذي على حاجته أنه سيمنعه، وعلم أن المملوك لا يملك ثمنها ولم يملكه ذلك، فلما صار العبد إلى السوق وجاء ليأخذ حاجته التي بعثه المولى لها وجد عليها مانعا يمنع منها إلا بشراء وليس يملك العبد ثمنها، فانصرف إلى مولاه

____________________

(١) سورة الكهف آية ٤٧.

(٢) سورة الحج آية ١٠.

(٣) سورة يونس آيه ٤٥

٤٦١

خائبا بغير قضاء حاجته فاغتاظ مولاه من ذلك وعاقبه عليه.

أليس يجب في عدله و حكمه أن لا يعاقبه وهو يعلم أن عبده لا يملك عرضا من عروض الدنيا ولم يملكه ثمن حاجته؟ فإن عاقبه عاقبه ظالما متعديا عليه مبطلا لما وصف من عدله وحكمته ونصفته وإن لم يعاقبه كذب نفسه في وعيده إياه حين أوعده بالكذب والظلم اللذين ينفيان العدل والحكمة.

تعالى عما يقولون علوا كبيرا، فمن دان بالجبر أو بما يدعو إلى الجبر فقد ظلم الله ونسبه إلى الجور والعدوان، إذ أوجب على من أجبر [ ه ] العقوبة.

ومن زعم أن الله أجبر العباد فقد أوجب على قياس قوله إن الله يدفع عنهم العقوبة.

ومن زعم أن الله يدفع عن أهل المعاصي العذاب فقد كذب الله في وعيده حيث يقول:( بَلَى مَنْ کَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولٰئِکَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ‌ ) (١)

وقوله:( إِنَّ الَّذِينَ يَأْکُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْکُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً ) (٢)

وقوله:( إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما ) (٣) ، مع آى كثيرة في هذا الفن ممن كذب وعيد الله ويلزمه في تكذيبه آية من كتاب الله الكفر وهو ممن قال الله:( أَ فَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَکُمْ وَ قَدْ کَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ کَلاَمَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ ) (٤) بل نقول: إن الله عزوجل جازى العباد على أعمالهم ويعاقبهم على أفعالهم بالاستطاعة التي ملكهم إياها، فأمرهم ونهاهم بذلك ونطق كتابه:( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثله وهم لا يظلمون ) (٥) وقال جل ذكره:( يَوْمَ تَجِدُ کُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَ مَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَ بَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً

____________________

(١) سورة البقرة آية ٧٦.

(٢) سورة النساء آية ١١.

(٣) سورة النساء آية ٥٩.

(٤) سورة البقرة آية ٧٩.

(٥) سورة الانفال آية ١٦١.

٤٦٢

وَ يُحَذِّرُکُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ) (١)

وقال:( اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم ) (٢)

فهذه آيات محكمات تنفي الجبر ومن دان به.

ومثلها في القرآن كثير، اختصرنا ذلك لئلا يطول الكتاب وبالله التوفيق.

وأما التفويض الذي أبطله الصادقعليه‌السلام وأخطأ(٣) من دان به وتقلده فهو قوله القائل: إن الله جل ذكره فوض إلى العباد اختيار أمره ونهيه وأهملهم.

وفي هذا كلام دقيق لمن يذهب إلى تحريره ودقته.

وإلى هذا ذهبت الائمة المهتدية من عترة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فانهم قالوا: لو فوض إليهم على جهة الاهمال لكان لازما له رضا ما اختاروه واستوجبوا منه الثواب(٤) ولم يكن عليهم فيما جنوه العقاب إذا كان الاهمال واقعا.

وتنصرف هذه المقالة على معنيين: إما أن يكون العباد تظاهروا عليه فألزموه قبول اختيارهم بآرائهم ضرورة كره ذلك أم أحب فقد لزمه الوهن، أو يكون عزوجل عجز عن تعبدهم بالامر والنهي على إرادته كرهوا أو أحبوا ففوض أمره ونهيه إليهم وأجراهما على محبتهم، إذ عجز عن تعبدهم بإرادته فجعل الاختيار إليهم في الكفر والايمان ومثل ذلك مثل رجل ملك عبدا ابتاعه ليخدمه ويعرف له فضل ولايته ويقف عند أمره ونهيه، وادعى مالك العبد أنه قاهر عزيز حكيم، فأمر عبده ونهاه ووعده على اتباع أمره عظيم الثواب وأوعده على معصيته أليم العقاب، فخالف العبد إرادة مالكه ولم يقف عند أمره ونهيه، فأي أمر أمره أو أي نهي نهاه عنه لم يأته على إرادة المولى بل كان العبد يتبع ارادة نفسه واتباع هواه ولا يطيق المولى أن يرده إلى اتباع أمره ونهيه والوقوف على إرادته، ففوض اختيار أمره ونهيه إليه ورضي منه بكل ما فعله على إرادة العبد لا على إرادة المالك وبعثه في بعض حوائجه وسمى له الحاجة فخالف على مولاه وقصد لارادة نفسه واتبع هواه، فلما رجع إلى مولاه نظر إلى ما أتاه به فإذا هو خلاف ما أمره به، فقال له: لم أتيتني بخلاف ما أمرتك؟ فقال العبد: أتكلت على تفويضك الامر إلي فاتبعت هواي وإرادتي، لان المفوض إليه غير محظور عليه فاستحال التفويض

____________________

(١) سورة آل عمران آية ٢٨.

(٢) سورة المؤمن آية ١٧.

(٣) في بعض النسخ [ وخطأ ].

(٤) في بعض النسخ [ به الثواب ].

٤٦٣

أوليس يجب على هذا السبب إما أن يكون المالك للعبد قادرا يأمر عبده باتباع أمره ونهيه على إرادته لا على إرادة العبد ويملكه من الطاقة بقدر ما يأمره به وينهاه عنه، فإذا أمره بأمر ونهاه عن نهي عرفه الثواب والعقاب عليهما.

وحذره ورغبه بصفة ثوابه وعقابه ليعرف العبد قدرة مولاة بما ملكه من الطاقة(١) لامره ونهيه وترغيبه وترهيبه، فيكون عدله وإنصافه شاملا له وحجته واضحة عليه للاعذار والانذار. فإذا اتبع العبد أمر مولاه جازاه وإذا لم يزدجر عن نهيه عاقبه أو يكون عاجزا غير قادر ففوض أمر إليه أحسن أم أساء أطاع أم عصى، عاجز عن عقوبته ورده إلى اتباع أمره.

وفي إثبات العجز نفي القدرة والتأله وإبطال الامر والنهي والثواب والعقاب ومخالفة الكتاب إذ يقول:( وَ لاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْکُفْرَ وَ إِنْ تَشْکُرُوا يَرْضَهُ لَکُمْ ) (٢) وقوله عزوجل:( اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَ لاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (٣) وقوله:( وَ مَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَ مَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ‌ ) (٤) وقوله:( وَ اعْبُدُوا اللَّهَ وَ لاَ تُشْرِکُوا بِهِ شَيْئاً ) (٥) وقوله: وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون(٦)

فمن زعم أن الله تعالى فوض أمره ونهيه إلى عباده فقد أثبت عليه العجز وأوجب عليه قبول كل ما عملوا من خير وشر وأبطل أمر الله ونهيه ووعده ووعيده، لعلة ما زعم أن الله فوضها إليه لان المفوض إليه يعمل بمشيئته، فإن شاء الكفر أو الايمان كان غير مردود عليه ولا محظور، فمن دان بالتفويض على هذا المعنى فقد أبطل جميع ما ذكرنا من وعده ووعيده وأمره ونهيه وهو من أهل هذه الآية( أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْکِتَابِ وَ تَکْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذٰلِکَ مِنْکُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ

____________________

(١) في بعض النسخ [ من الطاعة ].

(٢) سوره الزمر آية ٦.

(٣) سورة آل عمران آية ٩٧.

(٤) سورة الذاريات آيه ٥٦، ٥٧.

(٥) سورة النساء آية ٤٠.

(٦) مضمون مأخوذ من الاية الواردة في سورة الانفال آية ٢٠ لا لفظها.

٤٦٤

إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَ مَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ‌ ) (١) : تعالى الله عما يدين به أهل التفويض علوا كبيرا.

لكن نقول: إن الله عزوجل خلق الخلق بقدرته، وملكهم استطاعة تعبدهم بها، فأمرهم ونهاهم بما أراد(٢) فقبل منهم اتباع أمره ورضي بذلك لهم. ونهاهم عن معصيته وذم من عصاه وعاقبه عليها ولله الخيرة في الامر والنهي، يختار ما يريد ويأمر به وينهى عما يكره ويعاقب عليه بالاستطاعة التى ملكها عباده لاتباع أمره واجتناب معاصيه، لانه ظاهر العدل والنصفة والحكمة البالغة، بالغ الحجة بالاعذار والانذار وإليه الصفوة يصطفي من عباده من يشاء لتبليغ رسالته واحتجاجه على عباده، اصطفى محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله وبعثه برسالاته إلى خلقه، فقال من قال من كفار قومه حسدا واستكبارا:( لَوْ لاَ نُزِّلَ هٰذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ‌ ) (٣) يعني بذلك امية بن أبي الصلت وأبا مسعود الثقفي(٤) ، فأبطل الله اختيارهم ولم يجز لهم آراء‌هم حيث يقول:

____________________

(١) سورة البقرة آية ٧٩.

(٢) في الاحتجاج [ وملكهم استطاعة ما تعبدهم به من الامر والنهى ].

(٣) سورة الزخرف آية ٣٠.

وقال الطبرسى في تفسيره: يعنون بالقريتين مكة والطائف وتقدير الاية على رجل عظيم من القريتين أى من إحدى القريتين فحذف المضاف

(٤) وكذا في الاحتجاج ولكن الظاهر أن المراد بالرجل العظيم هو الذى كان من إحدى القريتين كالوليد بن المغيرة من مكة وأبى مسعود الثقفى من الطائف كما في التفسير فليس أمية بن أبى الصلت وأبومسعود الثقفى من القريتين لانهما كانا من أهل الطائف فيكون كلاهما مثالا للرجل العظيم الذى كان من إحدى القريتين أى الطائف لا من القريتين يعنى مكة والطائف.

فعلى اى نحو كان فالرجلان كانا عظيمى القدر عند قومهما وذوى الاموال الجسيمة فيهما فزعموا أن من كان كذلك اولى بالنبوة من غيره.

وكان الوليد بن المغيرة عم أبى جهل كان شيخا كبيرا مجربا من دهاة العرب يتحاكمون إليه في الامور وينشدونه الاشعار فما اختاره من الشعر كان مختارا وكان له عبيد عشرة عند كل عبد ألف دينار يتجر بها وملك القنطار أى جلد ثور مملو ذهبا.

كان الوليد أحد المستهزئين الخمس الذين كفى الله شرهم وهو الذى جاء قريش عنده فقالوا له: يا عبد شمس ما هذا الذى يقول محمدا سحر أم كهانة ام خطب؟ فقال: دعونى أسمع كلامه فدنا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو جالس في الحجر، فقال: يا محمد انشدنى شعرك؟ فقال: ما هو بشعر ولكنه كلام الله الذى به بعث أنبياء‌ه ورسله، فقال: اتل، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم.

فلما سمع الرحمن استهزأ منه وقال: بقية الحاشية في الصفحة الاتية

٤٦٥

( أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّکَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَ رَفَعْنَا بَعْضَهُمْ

____________________

بقية الحاشية من الصفحة الماضية تدعو إلى رجل باليمامة يسمى الرحمن، قال: لا ولكنى ادعو إلى الله وهو الرحمن الرحيم، ثم افتتح حم السجدة فلما بلغ إلى قوله: فان أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود وسمعه اقشعر جلده وقامت كل شعرة في بدنه وقام ومشى إلى بيته ولم يرجع إلى قريش، فقيل: صبا عبد شمس إلى دين محمد فاغتمت قريش وغدا عليه أبوجهل فقال: فضحتنا يا عم، قال: يا ابن أخ ما ذاك وانى على دين قومى ولكن سمعت كلاما صعبا تقشعر منه الجلود، قال: أفشعر هو؟ قال: ما هو بشعر.

قال؟ فخطب؟ قال: لا، ان الخطب كلام متصل وهذا كلام منثور لا يشبه بعضه بعضا له طلاوة، قال: فكهانة هو؟ قال: لا، قال: فما هو؟ قال: دعنى أفكر فيه، فلما كان من الغد، قالوا: يا عبد شمس ما تقول؟ قال: قولوا: هو سحر فانه أخذ بقلوب الناس فانزل الله تعالى: ذرنى ومن خلقت وحيدا - إلى قوله -: عليها تسعة عشر. وجاء يوما إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: اقرأ على، فقال: إن الله أمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى يعظكم لعلكم تذكرون ، فقال: أعد؟ فأعاد، فقال: والله له الحلاوة والطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمعذق وما هذا بقول بشر. وأما امية بن أبى الصلت الثقفى كان من اهل الطائف وكان من أكبر شعراء الجاهلية وأغلب شعره متعلق بالاخرة وكان ينظر في الكتب المتقدمة ويقرؤها وحرم الخمر وشك في الاوثان ورغب عن عبادتها والتمس الدين وأخبر أن نبيا يخرج. قد أظل زمانه وكان يؤمل أن يكون ذلك النبى فلما بعث النبى وبلغ خبره كفر به حسدا وقال: كنت أرجو أن اكونه.

كان أبوه عبيد الله بن ربيعة المكنى بابى الصلت وأمه رقية بنت عبد الشمس.

مات في الطائف ومما قال في مرض موته:

كل عيش وإن تطاول دهرا

منتهى أمره إلى أن يزول

ليتنى كنت قبل ما قد بدا لى

في رؤوس الجبال أرعى الوعولا

وروى أنه استنشد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اخته شعره من بعد موته فأنشدته:

لك الحمد والنعماء والفضل ربنا

ولا شئ اعلى منك جدا وأمجدا

وهى قصيدة طويلة حتى أتت على آخرها، ثم انشدته قصيدته التى فيها:

وقف الناس للحساب جميعا

فشقى معذب وسعيد

إلى غير ذلك فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : آمن شعره وكفر قلبه.

وأنزل الله فيه واتل عليهم نبأ الذى آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين * ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الارض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا - إلى قوله -: وانفسهم كانوا يظلمون

وأبومسعود هو عروة بن مسعود الثقفى كان من أهل الطائف وأحد السادة الاربعة في الاسلام: بشر بن هلال العبدى، عدى بن حاتم الطائى، سراقة بن مالك المدلجى، عروة بن مسعود الثقفى

بقية الحاشية في الصفحة الاتية

٤٦٦

فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَ رَحْمَةُ رَبِّکَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ‌ ) (١)

ولذلك اختار من الامور ما أحب ونهى عما كره، فمن أطاعه أثابه. ومن عصاه عاقبه ولو فوض اختيار أمره إلى عباده لاجاز لقريش اختيار أمية بن أبي الصلت وأبي مسعود الثقفي، إذ كانا عندهم أفضل من محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله . فلما أدب الله المؤمنين بقوله:( وَ مَا کَانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَکُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) (٢) ، فلم يجز لهم الاختيار بأهوائهم ولم يقبل منهم إلا اتباع أمره واجتناب نهيه على يدي من اصطفاه، فمن أطاعه رشد ومن عصاه ضل وغوى ولزمته الحجة بما ملكه من الاستطاعة لاتباع أمره واجتناب نهيه، فمن أجل ذلك حرمه ثوابه وأنزل به عقابه.

وهذا القول بين القولين ليس بجبر ولا تفويض وبذلك أخبر أمير المؤمنين صلوات الله عليه عباية بن ربعي الاسدي(٣) حين سأله عن الاستطاعة التي بها يقوم ويقعد ويفعل،

____________________

بقية الحاشية من الصفحة الماضية كان أبومسعود عاقلا لبيبا وهو الذى أرسلته قريش يوم الحديبية فعقد معه الصلح وهو كافر ثم أسلم سنة تسع من الهجرة بعد رجوع النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله من الطائف.

واستأذن النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله في الرجوع إلى قومه، فقال: انى أخاف أن يقتلوك، فقال: ان وجدونى نائما ما أيقظونى، فأذن له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فرجع إلى الطائف ودعا قومه إلى الاسلام ونصح لهم فعصوه واسمعوه الاذى حتى اذا طلع الفجر قام في غرفة من داره فأذن وتشهد فرماه رجل بسهم فقتله ولما بلغ النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله قتله قال: مثل عروة مثل صاحب يس دعا قومه إلى الله فقتلوه وهو جد أعلى لعلى بن الحسينعليهما‌السلام المقتول بكربلا من قبل امه، كان امه ليلى بنت أبى مرة بن عروة بن مسعود الثقفى.

وهو الذى روى عنه تعظيم الصحابة للنبى حين رجع من عند النبى إلى أصحابه يوم الحديبية، فقال: يا قوم لقد وفدت على الملوك، وفدت على قيصر وكسرى والنجاشى والله ان رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله ، اذا أمرهم ابتدروا أمره واذا توضأ كانوا يقتتلون على وضوئه واذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون اليه النظر تعظيما له.

(١) سورة الزخرف آية ٣١.

(٢) سورة الاحزاب آية ٣٦.

(٣) قد مضى ترجمة عباية بن ربعى وحديثه ص ٢١٣.

٤٦٧

فقال له أمير المؤمنينعليه‌السلام : سألت عن الاستطاعة تملكها من دون الله أو مع الله؟ فسكت عباية، فقال له أمير المؤمنينعليه‌السلام : قل يا عباية، قال وما أقول؟ قالعليه‌السلام : إن قلت: إنك تملكها مع الله قتلتك وإن قلت: تملكها دون الله قتلتك قال عباية: فما أقول يا أمير المؤمنين؟ قالعليه‌السلام : تقول إنك تملكها بالله الذي يملكها من دونك، فإن يملكها إياك كان ذلك من عطائه، وإن يسلبكها كان ذلك من بلائه، هو المالك لما ملكك والقادر على ما عليه أقدرك، أم سمعت الناس يسألون الحول والقوة حين يقولون: لا حول ولا قوة إلا بالله.

قال عباية: وما تأويلها يا أمير المؤمنين؟ قالعليه‌السلام : لا حول عن معاصي الله إلا بعصمة الله ولا قوة لنا على طاعة الله إلا بعون الله، قال: فوثب عباية فقبل يديه ورجليه.

وروي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام حين أتاه نجدة يسأله عن معرفة الله، قال: يا أمير المؤمنين بماذا عرفت ربك؟ قالعليه‌السلام : بالتمييز الذي خلوني والعقل الذي دلني، قال: أفمجبول أنت عليه؟ قال: لو كنت مجبولا ما كنت محمودا على إحسان ولا مذموما على إساء‌ة وكان المحسن أولى باللائمة من المسيئ فعلمت أن الله قائم باق وما دونه حدث حائل زائل، وليس القديم الباقي كالحدث الزائل، قال نجدة: أجدك أصبحت حكيما يا أمير المؤمنين، قال أصبحت مخيرا، فإن أتيت السيئة [ ب‍ ] مكان الحسنة فأنا المعاقب عليها.

وروي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه قال لرجل سأله بعد انصرافه من الشام، فقال: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن خروجنا إلى الشام بقضاء وقدر؟ قالعليه‌السلام : نعم يا شيخ، ما علوتم تلعة(١) ولا هبطتم واديا إلا بقضاء وقدر من الله، فقال الشيخ: عند الله أحتسب عنائي يا أمير المؤمنين؟ فقالعليه‌السلام : مه يا شيخ، فإن الله قد عظم أجركم في مسيركم وأنتم سائرون، وفي مقامكم وأنتم مقيمون، وفي انصرافكم وأنتم منصرفون ولم تكونوا في شئ من اموركم مكرهين ولا إليه مضطرين، لعلك ظننت أنه قضاء حتم وقدر لازم، لو كان ذلك كذلك لبطل الثواب والعقاب ولسقط الوعد والوعيد ولما ألزمت الاشياء أهلها(٢) على الحقائق، ذلك مقالة عبدة الاوثان وأولياء الشيطان، إن الله عزوجل أمر تخييرا ونهى تحذيرا ولم يطع مكرها ولم يعص مغلوبا ولم يخلق

____________________

(١) التلعة: ما علا من الارض.

(٢) في بعض النسخ [ الاسماء أهلها ].

٤٦٨

السموات والارض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار فقام الشيخ فقبل رأس أمير المؤمنينعليه‌السلام وأنشأ يقول:

أنت الامام الذي نرجو بطاعته

يوم النجاة من الرحمن غفرانا

أوضحت من ديننا ما كان ملتبسا

جزاك ربك عنا فيه رضوانا(١)

فليس معذرة في فعل فاحشة

قد كنت راكبها ظلما وعصيانا(٢)

فقد دل أمير المؤمنينعليه‌السلام على موافقة الكتاب ونفي الجبر والتفويض اللذين يلزمان من دان بهما وتقلدهما الباطل والكفر وتكذيب الكتاب ونعوذ بالله من الضلالة والكفر، ولسنا ندين بجبر ولا تفويض لكنا نقول بمنزلة بين المنزلتين وهو الامتحان والاختبار بالاستطاعة التي ملكنا الله وتعبدنا بها على ما شهد به الكتاب ودان به الائمة الابرار من آل الرسول صلوات الله عليهم.

ومثل الاختبار بالاستطاعة مثل رجل ملك عبدا وملك مالا كثيرا أحب أن يختبر عبده على علم منه بما يؤل إليه، فملكه من ماله بعض ما أحب ووقفه(٣) على امور عرفها العبد فأمره أن يصرف ذلك المال فيها ونهاه عن أسباب لم يحبها وتقدم إليه أن يجتنبها ولا ينفق من ماله فيها، والمال يتصرف في أي الوجهين، فصرف المال(٤) أحدهما في اتباع أمر المولى ورضاه، والآخر صرفه في اتباع نهيه وسخطه. وأسكنه دار اختبار أعلمه أنه غير دائم له السكنى في الدار وأن له دارا غيرها وهو مخرجه إليها، فيها ثواب وعقاب دائمان، فإن أنفذ العبد المال الذي ملكه مولاه في الوجه الذي أمره به جعل له ذلك الثواب الدائم في تلك الدار التي أعلمه أنه مخرجه إليها، وإن أنفق المال في الوجه الذي نهاه عن إنفاقه فيه جعل له ذلك العقاب الدائم في دار الخلود.

وقد حد المولى في ذلك حدا معروفا وهو المسكن الذي أسكنه في الدار الاولى، فإذا بلغ الحد استبدل المولى بالمال وبالعبد على أنه لم يزل مالكا للمال والعبد في الاوقات كلها إلا أنه وعد أن لا يسلبه ذلك المال ما كان في تلك الدار الاولى إلى أن يستتم سكناه فيها

____________________

(١) رواه الكلينى في الكافى ج ١ ص ١٥٦ وفيه [ جزاك ربك بالاحسان احسان ].

(٢) في بعض النسخ [ عندى لراكبها ظلما وعصيانا ].

(٣) في بعض النسخ [ ووافقه ].

(٤) في بعض النسخ [ فصرف الان ].

٤٦٩

فوفى له لان من صفات المولى العدل والوفاء والنصفة والحكمة، أو ليس يجب إن كان ذلك العبد صرف ذلك المال في الوجه المأمور به أن يفي له بما وعده من الثواب وتفضل عليه بأن استعمله في دار فانية وأثابه على طاعته فيها نعيما دائما في دار باقية دائمة.

وإن صرف العبد المال الذي ملكه مولاه أيام سكناه تلك الدار الاولى في الوجه المنهي عنه وخالف أمر مولاه كذلك تجب عليه العقوبة الدائمة التي حذره إياها، غير ظالم له لما تقدم إليه وأعلمه وعرفه وأوجب له الوفاء بوعده ووعيده، بذلك يوصف القادر القاهر.

وأما المولى فهو الله عزوجل، وأما العبد فهو ابن آدم المخلوق، والمال قدرة الله الواسعة، ومحنته(١) إظهار [ ه ] الحكمة والقدرة، والدار الفانية هي الدنيا، وبعض المال الذي ملكه مولاه هو الاستطاعة التي ملك ابن آدم، والامور التي أمر الله بصرف المال إليها هو الاستطاعة لاتباع الانبياء والاقرار بما أوردوه عن الله عزوجل، واجتناب الاسباب التي نهى عنها هي طرق إبليس.

وأما وعده فالنعيم الدائم وهي الجنة، وأما الدار الفانية فهي الدنيا.

وأما الدار الاخرى فهي الدار الباقية وهي الآخرة.

والقول بين الجبر والتفويض هو الاختبار والامتحان والبلوى بالاستطاعة التي ملك العبد.

وشرحها في الخمسة الامثال التي ذكرها الصادقعليه‌السلام (٢) أنها جمعت جوامع الفضل وأنا مفسرها بشواهد من القرآن والبيان إن شاء الله.

تفسير صحة الخلقة : أما قول الصادقعليه‌السلام فإن معناه كمال الخلق للانسان وكمال الحواس وثبات العقل والتمييز وإطلاق اللسان بالنطق، وذلك قول الله:( وَ لَقَدْ کَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَ حَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَ فَضَّلْنَاهُمْ عَلَى کَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ) (٣)

فقد أخبر عزوجل عن تفضيله بني آدم على سائر خلقه من البهائم والسباع ودواب البحر والطير وكل ذي حركة تدركه حواس بني آدم بتمييز العقل والنطق، وذلك قوله:( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ‌ ) (٤)

وقوله:( يا أيها الانسان ما غرك بربك

____________________

(١) أى اختباره وامتحانه.

(٢) اى صحة الخلقة. وتخلية السرب. والمهلة في الوقت. والزاد. والسبب المهيج.

(٣) سورة الاسراء آية ٧٢.

(٤) سورة التين آية ٤.

٤٧٠

الكريم * الذي خلقك فسواك فعدلك * في أي صورة ما شاء ركبك ) (١)

وفي آيات كثيرة فأول نعمة الله على الانسان صحة عقله وتفضيله على كثير من خلقه بكمال العقل وتمييز البيان، وذلك أن كل ذي حركة على بسيط الارض هو قائم بنفسه بحواسه، مستكمل في ذاته، ففضل بني آدم بالنطق الذي ليس في غيره من الخلق المدرك بالحواس، فمن أجل النطق ملك الله ابن آدم غيره من الخلق حتى صار آمرا ناهيا وغيره مسخر له كما قال الله:( سَخَّرَهَا لَکُمْ لِتُکَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاکُمْ ) (٢)

وقال:( وَ هُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْکُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَ تَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا ) (٣)

وقال:( وَ الْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَکُمْ فِيهَا دِفْ‌ءٌ وَ مَنَافِعُ وَ مِنْهَا تَأْکُلُونَ‌ * وَ لَکُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَ حِينَ تَسْرَحُونَ‌ * وَ تَحْمِلُ أَثْقَالَکُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَکُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ ) (٤) .فمن أجل ذلك دعا الله الانسان إلى اتباع أمره وإلى طاعته بتفضيله إياه باستواء الخلق وكمال النطق والمعرفة بعد أن ملكهم استطاعة ما كان تعبدهم به بقوله:( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَ اسْمَعُوا وَ أَطِيعُوا ) (٥) . وقوله:( لاَ يُکَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ) (٦) . وقوله:( لاَ يُکَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا ) (٧) ، وفي آيات كثيرة.

فإذا سلب من العبد حاسة من حواسه رفع العمل عنه بحاسته كقوله:( لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَ لاَ عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ ) (٨) - الآية - فقد رفع عن كل من كان بهذه الصفة الجهاد وجميع الاعمال التي لا يقوم بها، وكذلك أوجب على ذي اليسار الحج والزكاة لما ملكه من استطاعة ذلك ولم يوجب على الفقير الزكاة والحج، قوله:( ولله على الناس حج البيت ما استطاع إليه سبيلا ) (٩) . وقوله

____________________

(١) سورة الانفطار آيات ٦ و ٧ و ٨.

(٢) سورة الحج آية ٣٨.

(٣) سورة النحل آية ١٤. وقوله: لتأكلوا. اه‍. أى لتصطادوا منه السمك وتأكلوا لحمه.

وقوله: حلية تلبسونها اى اللؤلؤ والمرجان أنتم ونساؤكم تزينون بها.

(٤) سورة النحل آية ٨.

والدف‌ء: السخانة وهى ما يستدفئ به من اللباس المعمول من الصوف والوبر فيقى البرد.

وقوله: ولكم فيها جمال أى لكم فيها مع ما تقدم ذكره تجمل وتزين عند الناظرين اليها حين تريحون وحين تسرحون أى في هذين الوقتين وقت ردها من مراعيها ووقت تسريحها اليها فالرواح: رجوعها بالعشى من المراعى، والسراح: مسيرها إلى مراعيها بالغداة.

(٥) سورة التغابن آيه ١٦.

(٦) سورة البقرة آية ٢٨٦.

(٧) سورة الطلاق آية ٧.

(٨) سورة النور آية ٦٠. وسورة الفتح آية ١٧.

(٩) سورة آل عمران آية ٩١.

٤٧١

في الظهار:( وَ الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ - إلى قوله -:فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْکِيناً ) (١)

كل ذلك دليل على أن الله تبارك وتعالى لم يكلف عباده إلا ما ملكهم استطاعته بقوة العمل به ونهاهم عن مثل ذلك. فهذه صحة الخلقة. وأما قوله: تخلية السرب(٢) . فهو الذي ليس عليه رقيب يحظر عليه ويمنعه العمل بما أمره الله به وذلك قوله فيمن استضعف وحظر عليه العمل فلم يجد حيلة ولا يهتدي سبيلا، كما قال الله تعالى:( إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا ) (٣) فأخبر أن المستضعف لم يخل سربه وليس عليه من القول شئ إذا كان مطمئن القلب بالايمان.

وأما المهلة في الوقت فهو العمر الذي يمتع الانسان من حد ما تجب عليه المعرفة إلى أجل الوقت، وذلك من وقت تمييزه وبلوغ الحلم إلى أن يأتيه أجله. فمن مات على طلب الحق ولم يدرك كماله فهو على خير، وذلك قوله:( ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ) - الآية -(٤) وإن كان لم يعمل بكمال شرايعه لعلة ما لم يمهله في الوقت إلى استتمام أمره. وقد حظر على البالغ ما لم يحظر على الطفل إذا لم يبلغ الحلم في قوله:( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ ) - الآية -(٥) فلم يجعل عليهن حرجا في إبداء الزينة للطفل وكذلك لا تجري عليه الاحكام. واما قوله: الزاد فمعناه الجدة(٦) والبلغة التي يستعين بها العبد على ما أمره الله به، وذلك قوله:( مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) - الآية -(٧) ألا ترى أنه قبل عذر

____________________

(١) سورة المجادلة آية ٤، ٥.

(٢) السرب - بالفتح والسكون -: الطريق، يقال: فلان مخلى السرب أى غير مضيق عليه.

(٣) سورة النساء آية ١٠٠.

(٤) سورة النساء آية ١٠٠.

(٥) سورة النور آية ٣١.

(٦) الجدة - بالكسر -: الغنى والقدرة.

(٧) سورة التوبة آية ٩١.

٤٧٢

من لم يجد ما ينفق وألزم الحجة كل من أمكنته البلغة والراحلة للحج والجهاد وأشباه ذلك، وكذلك قبل عذر الفقراء وأوجب لهم حقا في مال الاغنياء بقوله:( لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) - الآية(١) .

فأمر بإعفائهم ولم يكلفهم الاعداد لما لا يستطيعون ولا يملكون.

وأما قوله في السبب المهيج، فهو النية التي هي داعية الانسان إلى جميع الافعال وحاستها القلب(٢) فمن فعل فعلا وكان بدين لم يعقد قلبه على ذلك لم يقبل الله منه عملا إلا بصدق النية ولذلك أخبر عن المنافقين بقوله:( يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم يما يكتمون ) (٣)

ثم أنزل على نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله توبيخا للمؤمنين( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ‌ ) (٤) فإذا قال الرجل قولا واعتقد في قوله دعته النية إلى تصديق القول بإظهار الفعل، وإذا لم يعتقد القول لم تتبين حقيقته، وقد أجاز الله صدق النية وإن كان الفعل غير موافق لها لعلة مانع يمنع إظهار الفعل في قوله:( إِلاَّ مَنْ أُکْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ) (٥) وقوله:( لاَ يُؤَاخِذُکُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِکُمْ ) (٦) . فدل القرآن واخبار الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله أن القلب مالك لجميع الحواس يصحح أفعالها، ولا يبطل ما يصحح القلب شئ.

فهذا شرح جميع الخمسة الامثال التي ذكرها الصادقعليه‌السلام أنها تجمع المنزلة بين المنزلتين وهما الجبر والتفويض. فإذا اجتمع في الانسان كمال هذه الخمسة الامثال وجب عليه العمل كملا لما أمر الله عزوجل به ورسوله، وإذا نقص العبد منها خلة كان العمل عنها(٧) مطروحا بحسب ذلك.

____________________

(١) سورة البقرة آية ٢٧٣.

(٢) في بعض النسخ [ وحاسنه العقل ]. وحاسنه اى غالبه في الحسن. أو لاطفه وعامله بالحسنى.

(٣) سورة آل عمران آية ١٦٦.

(٤) سورة الصف آية ٢.

(٥) سورة النحل آية ١٠٦.

(٦) سورة البقرة آية ٢٢٥.

(٧) كذا. والظاهر [ عنه ].

٤٧٣

فأما شواهد القرآن على الاختبار والبلوى بالاستطاعة التي تجمع القول بين القولين فكثيرة. ومن ذلك قوله:( وَ لَنَبْلُوَنَّکُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْکُمْ وَ الصَّابِرِينَ وَ نَبْلُوَ أَخْبَارَکُمْ‌ ) (١) . وقال:( سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ) (٢) . وقال:( آلم * أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَکُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لاَ يُفْتَنُونَ ) (٣)

وقال في الفتن التي معناها الاختبار:( وَ لَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ ) (٤) وقال في قصة موسىعليه‌السلام :( فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري ) (٥) وقول موسى:( إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُکَ ) (٦)

أي اختبارك. فهذه الآيات يقاس بعضها ببعض ويشهد بعضها لبعض.

وأما آيات البلوى بمعنى الاختبار قوله:( لِيَبْلُوَکُمْ فِي مَا آتَاکُمْ ) (٧) ، وقوله:( ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ) (٨) ، وقوله:( إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ کَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ ) (٩) ، وقوله:( خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَيَاةَ لِيَبْلُوَکُمْ أَيُّکُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) (١٠) ، وقوله:( وَ إِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِکَلِمَاتٍ ) (١١) ، وقوله:( وَ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَ لٰکِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَکُمْ بِبَعْضٍ ) (١٢) . وكل ما في القرآن من بلوى هذه الآيات التي شرح أولها فهي اختبار وأمثالها في القرآن كثيرة. فهي إثبات الاختبار والبلوى: إن الله عزوجل لم يخلق الخلق عبثا ولا أهملهم سدى ولا أظهر حكمته لعبا وبذلك أخبر في قوله:( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا ) (١٣) .

فإن قال قائل: فلم يعلم الله ما يكون من العباد حتى

____________________

(١) سورة محمد آية ٣٣ أى لنعاملكم معاملة المختبر، وذلك بأن نأمركم بالجهاد حتى نعلم من امتثل الامر بالجهاد والصبر على دينه ومشاق ما كلف به. وقوله: ونبلو أخباركم أى نظهرها ونكشفها امتحانا لكم ليظهر للناس من أطاع ما أمره الله به ومن عصى ومن لم يمتثل.

(٢) سورة الاعراف آية ١٨١. والقلم آية ٤٤.

(٣) سورة العنكبوت آية ١.

(٤) سورة ص آية ٣٣.

(٥) سورة طه آية ٨٧.

(٦) سورة الاعراف آية ١٥٤.

(٧) سورة المائدة آية ٤٨. والانعام من ١٦٥.

(٨) سورة آل عمران آية ١٥٢.

(٩) سورة القلم آية ١٧.

(١٠) سورة الملك آية ٢.

(١١) سورة البقرة آية ١٢٣.

(١٢) سورة محمد آية ٥. وقوله: لانتصر أى لانتقم منهم باستيصال ولكن يريد أن يبلوكم أى ليمتحن بعضكم ببعض فيظهر المطيع من العاصى.

(١٣) سورة المؤمنون آية ١١٠.

٤٧٤

اختبرهم؟ قلنا: بلى، قد علم ما يكون منهم قبل كونه وذلك قوله.

( وَ لَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ ) (١) وإنما اختبرهم ليعلمهم عدله ولا يعذبهم إلا بحجة بعد الفعل، وقد أخبر بقوله:( وَ لَوْ أَنَّا أَهْلَکْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْ لاَ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً ) (٢) وقوله: وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا(٣) . وقوله:( رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ ) (٤)

فالاختبار من الله بالاستطاعة التي ملكها عبده وهو القول بين الجبر والتفويض.

وبهذا نطق القرآن وجرت الاخبار عن الائمة من آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فإن قالوا: ما الحجة في قول الله: يهدي من يشاء ويضل من يشاء وما أشبهها؟ قيل: مجاز هذه الآيات كلها على معنيين: أما أحدهما فإخبار عن قدرته أي إنه قادر على هداية من يشاء وضلال من يشاء وإذا أجبرهم بقدرته على أحدهما لم يجب لهم ثواب ولا عليهم عقاب على نحو ما شرحنا في الكتاب، والمعنى الآخر أن الهداية منه تعريفه كقوله:( وَ أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى ) (٥) فلو أجبرهم على الهدى لم يقدروا أن يضلوا، وليس كلما وردت آية مشتبهة كانت الآية حجة على محكم الآيات اللواتي امرنا بالاخذ بها، من ذلك قوله:( منه آيات محكمات هن أم الكتاب واخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم ) (٦) وقال:( فبشر عباد * الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أي أحكمه وأشرحه اولئك الذين هداهم الله واولئك هم أولوا الالباب ) (٧) . وفقنا الله وإياكم إلى القول والعمل لما يحب ويرضى وجنبنا وإياكم معاصيه بمنه وفضله والحمد لله كثيرا كما هو أهله وصلى الله على محمد وآله الطيبين وحسبنا الله ونعم الوكيل.

____________________

(١) سورة الانعام آية ٢٨.

(٢) سورة طه آية ١٣٤.

(٣) سورة الاسراء آية ١٦.

(٤) سورة النساء آية ١٦٣.

(٥) سورة فصلت آية ١٧.

(٦) سورة آل عمران آية ٧.

(٧) سورة الزمر آية ١٩.

٤٧٥

* (أجوبته عليه‌السلام ليحيى بن أكثم عن مسائله (١) ) *

قال موسى بن محمد بن الرضا(٢) : لقيت يحيى بن أكثم في دار العامة، فسألني عن مسائل، فجئت إلى أخي علي بن محمدعليهما‌السلام فدار بيني وبينه من المواعظ ما حملني وبصرني طاعته، فقلت له: جعلت فداك إن ابن أكثم كتب يسألني عن مسائل لافتيه فيها، فضحكعليه‌السلام ثم قال: فهل أفتيته؟ قلت: لا، لم أعرفها(٣) ، قالعليه‌السلام : وما هي؟ قلت: كتب يسألني عن قول الله:( قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْکِتَابِ أَنَا آتِيکَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْکَ طَرْفُکَ ) (٤) نبي الله كان محتاجا إلى علم آصف(٥) ؟. وعن قوله:( وَ رَفَعَ

____________________

(١) نقله المجلسى في المجلد الرابع من البحار ص ٥٨١ من الطبع الحجرى عن التحف وقال: وفى الاختصاص للشيخ المفيد عن محمد بن عيسى بن عبيد البغدادى عن محمد بن موسى مثله ورواه ايضا بأدنى تغيير في المجلد الثانى عشر عن المناقب لابن شهر آشوب.

(٢) هو أبوأحمد موسى المبرقع أخو أبى الحسن الهادىعليه‌السلام من طرفى الاب والام كان امهما ام ولد تسمى بسماتة المغربية وكان موسى جد سادات الرضوية، قدم قم سنة ٢٥٦ وهو أول من انتقل من الكوفة إلى قم من السادات الرضوية وكان يسدل على وجهه برقعا دائما ولذلك يسمى بالمبرقع.

فلم يعرفه القميون فانتقل عنهم إلى كاشان فأكرمه أحمد بن عبدالعزيز بن دلف العجلى فرحب به وأكرمه وأهدى إليه خلاعا فاخرة وأفراسا جيادا ووظفه في كل سنة ألف مثقال من الذهب وفرسا مسرجا فلما عرفه القميون أرسلوا رؤساء‌هم إلى كاشان لطلبه وردوه إلى قم واعتذروا منه وأكرموه واشتروا من مالهم دارا ووهبوا له سهاما من القرى وأعطوه عشرين ألف درهم واشترى ضياعا كثيرة. فأتته أخواته زينب وام محمد وميمونة بنات محمد بن الرضاعليهما‌السلام ونزلن عنده، فلما متن دفن عند فاطمة بنت موسى بن جعفرعليهما‌السلام واقام موسى بقم حتى مات سنة ٢٦٦ ودفن في داره وقيل: في دار محمد بن الحسن بن أبى خالد الاشعرى وهو المشهد المعروف اليوم.

ويظهر من بعض الروايات أن المتوكل الخليفة العباسى يحتال في أن ينادمه.

وقد أفرد المحدث النورى رحمه الله في أحواله رسالة سماها: البدر المشعشع في أحوال موسى المبرقع

(٣) في بعض النسخ [ قلت: لا، قال ولم قلت لم أعرفها ].

(٤) سورة النمل آية ٤٠.

(٥) هو آصف بن برخيا.

٤٧٦

أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً ) (١) سجد يعقوب وولده ليوسف وهم أنبياء.

وعن قوله:( فَإِنْ کُنْتَ فِي شَکٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْکَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ ) (٢) ، من المخاطب بالآية؟ فإن كان المخاطب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقد شك، وإن كان المخاطب غيره فعلى من إذا أنزل الكتاب؟.

وعن قوله:( وَ لَوْ أَنَّ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَ الْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ کَلِمَاتُ اللَّهِ) (٣) ما هذه الابحر وأين هي؟ وعن قوله:( وَ فِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَ تَلَذُّ الْأَعْيُنُ ) (٤) فاشتهت نفس آدمعليه‌السلام أكل البر فأكل وأطعم [ وفيها ما تشتهي الانفس ] فكيف عوقب؟.

وعن قوله:( أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُکْرَاناً وَ إِنَاثاً ) (٥) يزوج الله عباده الذكران وقد عاقب قوما فعلوا ذلك؟ وعن شهادة المرأة جازت وحدها وقد قال الله:( وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْکُمْ ) (٦) ؟ وعن الخنثى وقول عليعليه‌السلام : يورث من المبال، فمن ينظر إذا بال إليه؟ مع أنه عسى أن يكون امرأة وقد نظر إليها الرجال، أو عسى أن يكون رجلا وقد نظرت إليه النساء وهذا مالا يحل.

وشهادة الجار إلى نفسه لا تقبل؟ وعن رجل أتى إلى قطيع غنم فرأى الراعي ينزو على شاة منها فلما بصر بصاحبها خلى سبيلها، فدخلت بين الغنم كيف تذبح وهل يجوز أكلها أم لا؟.

وعن صلاة الفجر لم يجهر فيها بالقراء‌ة وهي من صلاة النهار وإنما يجهر في صلاة الليل؟.

وعن قول عليعليه‌السلام لابن جرموز: بشر قاتل ابن صفية بالنار(٧) فلم يقتله وهو إمام؟ وأخبرني عن عليعليه‌السلام لم قتل أهل صفين وأمر بذلك مقبلين ومدبرين وأجاز على الجرحى(٨) ، وكان حكمه يوم الجمل أنه لم يقتل موليا ولم يجز على جريح ولم يأمر بذلك، وقال: من دخل داره فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، لم فعل ذلك؟ فإن كان الحكم

____________________

(١) سورة يوسف آية ١٠٠.

(٢) سورة يونس آية ٩٤.

(٣) سورة لقمان آية ٢٦.

(٤) سورة الزخرف آية ٧١.

(٥) سورة الشورى آية ٤٩.

(٦) سورة الطلاق آية ٢.

(٧) ابن صفية هو الزبير بن العوام صحابى المعروف الذى قتله يوم الجمل ابن جرموز والقصة مشهورة مذكورة في التواريخ.

(٨) أجاز على الجريح: أجهز عليه أى شد عليه واتم قتله.

٤٧٧

الاول صوابا فالثاني خطأ.

وأخبرني عن رجل أقر باللواط على نفسه أيحد، أم يدرأ عنه الحد؟ قالعليه‌السلام : اكتب إليه، قلت: وما أكتب؟ قالعليه‌السلام : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم وأنت فألهمك الله الرشد أتاني كتابك فامتحنتنا به من تعنتك لتجد إلى الطعن سبيلا إن قصرنا فيها، والله يكافيك على نيتك وقد شرحنا مسائلك فأصغ إليها سمعك وذلل لها فهمك واشغل بها قلبك، فقد لزمتك الحجة والسلام.

سألت: عن قول الله عزوجل: قال الذي عنده علم من الكتاب فهو آصف بن برخيا ولم يعجز سليمانعليه‌السلام عن معرفة ما عرف آصف لكنه صلوات الله عليه أحب أن يعرف أمته من الجن والانس أنه الحجة من بعده، وذلك من علم سليمانعليه‌السلام أودعه عند آصف بأمر الله، ففهمه ذلك لئلا يختلف عليه في إمامته ودلالته كما فهم سليمانعليه‌السلام في حياة داودعليه‌السلام لتعرف نبوته وإمامته من بعده لتأكد الحجة على الخلق.

وأما سجود يعقوبعليه‌السلام وولده فكان طاعة لله ومحبة ليوسفعليه‌السلام كما أن السجود من الملائكة لآدمعليه‌السلام لم يكن لآدمعليه‌السلام وإنما كان ذلك طاعة لله ومحبة منهم لآدمعليه‌السلام ، فسجود يعقوبعليه‌السلام وولده ويوسفعليه‌السلام معهم كان شكرا لله باجتماع شملهم، ألم تره يقول في شكره ذلك الوقت:( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْکِ وَ عَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ - إلى آخر الآية -) (١) .

وأما قوله: فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب فإن المخاطب به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يكن في شك مما انزل إليه ولكن قالت الجهلة: كيف لم يبعث الله نبيا من الملائكة؟ إذ لم يفرق بين نبيه وبيننا في الاستغناء عن المآكل والمشارب والمشي في الاسواق، فأوحى الله إلى نبيه فاسأل الذين يقرؤون الكتاب بمحضر الجهلة، هل بعث الله رسولا قبلك إلا وهو يأكل الطعام ويمشي في الاسواق ولك بهم اسوة.

وإنما قال: فإن كنت في شك ولم يكن شك ولكن للنصفة كما قال:( تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَ أَبْنَاءَکُمْ وَ نِسَاءَنَا وَ نِسَاءَکُمْ وَ أَنْفُسَنَا وَ أَنْفُسَکُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ

____________________

(١) سورة يوسف آيه ١٠٢.

٤٧٨

فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْکَاذِبِينَ‌ ) (١) ولو قال: عليكم لم يجيبوا إلى المباهلة، وقد علم الله أن نبيه يؤدي عنه رسالاته وما هو من الكاذبين، فكذلك عرف النبي أنه صادق فيما يقول ولكن أحب أن ينصف من نفسه.

وأما قوله: ولو أن ما في الارض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله فهو كذلك لو أن أشجار الدنيا أقلام والبحر يمده سبعة أبحر وانفجرت الارض عيونا لنفدت قبل أن تنفد كلمات الله وهي عين الكبريت وعين النمر(٢) وعين [ ال‍ ] برهوت وعين طبرية وحمة ماسبذان(٣) وحمة إفريقية يدعى لسنان(٤) وعين بحرون(٥) ، ونحن كلمات الله التي لا تنفد ولا تدرك فضائلنا.

وأما الجنة فإن فيها من المآكل والمشارب والملاهي ما تشتهي الانفس وتلذ الاعين وأباح الله ذلك كله لآدمعليه‌السلام والشجرة التي نهى الله عنها آدمعليه‌السلام وزوجته أن يأكلا منها شجرة الحسد عهد إليهما أن لا ينظر إلى من فضل الله على خلائقه بعين الحسد فنسي ونظر بعين الحسد ولم يجد له عزما وأما قوله: أو يزوجهم ذكرانا وإناثا أي يولد له ذكور ويولد له إناث، يقال لكل اثنين مقرنين زوجان كل واحد منهما زوج، ومعاذ الله أن يكون عنى الجليل ما لبست به على نفسك تطلب الرخص لارتكاب المآثم ومن( مَنْ يَفْعَلْ ذٰلِکَ يَلْقَ أَثَاماً* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ يَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً ) (٦) إن لم يتب.

وأما شهادة المرأة وحدها التي جازت فهي القابلة جازت شهادتها مع الرضا، فإن لم يكن رضى فلا أقل من امرأتين تقوم المرأتان بدل الرجل للضرورة، لان الرجل

____________________

(١) سورة آل عمران آية ٦٠.

(٢) وفى المناقب [ وعين اليمن ].

(٣) في المناقب [ ما سيدان تدعى لسان ].

(٤) في المناقب [ تدعى بسيلان ].

(٤) والحمة - بالفتح فالتشديد: العين الحارة التى يستشفى بها الاعلاء والمرضى.

وأراد بها وبالعين ههنا كل ماء له منبع ولا ينقص منه شئ كالبحار وليس منحصرا فيها فكان ذكرها على سبيل التمثيل ولانها معهود عند السائل.

(٥) في المناقب [ وعين باحوران ].

(٦) سورة الفرقان اية ٦٨ و ٦٩.

٤٧٩

لا يمكنه أن يقوم مقامها، فإن كانت وحدها قبل قولها مع يمينها.

وأما قول عليعليه‌السلام في الخنثى فهي كما قال(١) : ينظر قوم عدول يأخذ كل واحد منهم مرآة وتقوم الخنثى خلفهم عريانة وينظرون في المرايا فيرون الشبح فيحكمون عليه.

وأما الرجل الناظر إلى الراعي وقد نزا على شاة فإن عرفها ذبحها وأحرقها، وإن لم يعرفها قسم الغنم نصفين وساهم بينهما(٢) ، فاذا وقع على أحد النصفين فقد نجا النصف الآخر، ثم يفرق النصف الآخر فلا يزال كذلك حتى تبقى شاتان فيقرع بينهما فأيتها وقع السهم بها ذبحت وأحرقت ونجا سائر الغنم(٣) .

وأما صلاة الفجر فالجهر فيها بالقراء‌ة، لان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يغلس بها(٤) فقراء‌تها من الليل.

وأما قول عليعليه‌السلام : بشر قاتل ابن صفية بالنار فهو لقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وكان ممن خرج يوم النهروان فلم يقتله أمير المؤمنينعليه‌السلام بالبصرة، لانه علم أنه يقتل في فتنة النهروان.

وأما قولك: إن علياعليه‌السلام قتل أهل الصفين مقبلين ومدبرين وأجاز على جريحهم(٥) ، وإنه يوم الجمل لم يتبع موليا ولم يجز على جريح ومن ألقى سلاحه آمنه ومن دخل داره آمنه، فإن أهل الجمل قتل إمامهم ولم تكن لهم فئة يرجعون إليها وإنما رجع القوم إلى منازلهم غير محاربين ولا مخالفين ولا منابذين(٦) ، رضوا بالكف عنهم، فكان الحكم فيهم رفع السيف عنهم والكف عن أذاهم، إذ لم يطلبوا عليه أعوانا، وأهل صفين كانوا يرجعون إلى فئة مستعدة وإمام(٧) يجمع لهم السلاح

____________________

(١) في المناقب [ فهو كما قال: يرث من المبال ].

(٢) وساهم بينهما أى قارع بينهما.

(٣) زاد في المناقب [ وسهم الامام سهم الله لا يخيب ].

(٤) يغلس بها أى يصلى بالغلس وهو بالتحريك: ظلمة آخر الليل.

(٥) أى أجهز عليهم.

(٦) في المناقب [ غير محاربين ولا محتالين ولا متجسسين ولا مبارزين ].

(٧) في المناقب [ وامام منتصب ].

٤٨٠