تحف العقول

تحف العقول0%

تحف العقول مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 520

تحف العقول

مؤلف: ابن شعبة الحراني
تصنيف:

الصفحات: 520
المشاهدات: 171491
تحميل: 9769

توضيحات:

تحف العقول
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 520 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 171491 / تحميل: 9769
الحجم الحجم الحجم
تحف العقول

تحف العقول

مؤلف:
العربية

الدروع والرماح والسيوف ويسني لهم العطاء(١) يهيئ لهم الانزال ويعود مريضهم ويجبر كسيرهم(٢) ويداوي جريحهم ويحمل راجلهم ويكسوا حاسرهم(٣) ويردهم فيرجعون إلى محاربتهم وقتالهم(٤) ، فلم يساو بين الفريقين في الحكم لما عرف من الحكم في قتال أهل التوحيد(٥) لكنه شرح ذلك لهم، فمن رغب عرض على السيف أو يتوب من ذلك.

وأما الرجل الذي اعترف باللواط فإنه لم تقم عليه بينة وإنما تطوع بالاقرار من نفسه وإذا كان للامام الذي من الله أن يعاقب عن الله كان له أن يمن عن الله، أما سمعت قول الله:( هٰذَا عَطَاؤُنَا ) (٦) قد أنبأناك بجميع ما سألتنا عنه فاعلم ذلك.

* (وروي عنه عليه‌السلام في قصار هذه المعاني) *

قالعليه‌السلام لبعض مواليه: عاتب فلانا وقل له: إن الله إذا أراد بعبد خيرا إذا عوتب قبل.

وكان المتوكل نذر أن يتصدق بمال كثير إن عافاه الله من علته، فلما عوفي سأل العلماء عن حد المال الكثير فاختلفوا ولم يصيبوا المعنى، فسأل أبا الحسنعليه‌السلام عن ذلك فقالعليه‌السلام : يتصدق بثمانين درهما، فسأل عن علة ذلك؟ فقال: إن الله قال لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( لَقَدْ نَصَرَکُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ کَثِيرَةٍ ) (٧) فعددنا مواطن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فبلغت ثمانين

____________________

(١) أسنى له الجائزة: جعلها سنية.

والانزال: جمع نزل - بالتحريك - اى العطاء والفضل وأنزل القوم: أرزاقهم.

(٢) الكسير بمعنى المكسور. ويجبر الكسير أى يصلحه.

(٣) الحاسر: العارى والمراد الذى كان بلا درع وثوب.

(٤) في المناقب [ فان الحكم في أهل البصرة الكف عنهم لما ألقوا أسلحتهم إذ لم تكن لهم فئة يرجعون إليها. والحكم في اهل صفين أن يتبع مدبرهم ويجهز على جريحهم ].

(٥) في المناقب [ ولولا امير المؤمنينعليه‌السلام وحكمه في اهل صفين والجمل لما عرف الحكم في عصاة اهل التوحيد ].

(٦) سورة ص آية ٣٨. وبقية الاية( فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِکْ بِغَيْرِ حِسَابٍ‌ ) .

(٧) سورة التوبة آية ٢٥.

٤٨١

موطنا وسماها الله كثيرة فسر المتوكل بذلك وصدق بثمانين درهما.

وقالعليه‌السلام : إن لله بقاعا يحب أن يدعى فيها فيستجيب لمن دعاه والحير منها(١) .

وقالعليه‌السلام : من اتقى الله يتقى. ومن أطاع الله يطاع. ومن أطاع الخالق لم يبال سخط المخلوقين. ومن أسخط الخالق فلييقن أن يحل به سخط المخلوقين.

وقالعليه‌السلام : إن الله لا يوصف إلا بما وصف به نفسه، وأنى يوصف الذي تعجز الحواس أن تدركه والاوهام أن تناله والخطرات أن تحده والابصار عن الاحاطة به. نأى في قربه وقرب في نأيه، كيف الكيف بغير أن يقال: كيف، وأين الاين بلا أن يقال: أين، هو منقطع الكيفية والاينية، الواحد الاحد، جل جلاله وتقدست أسماؤه.

وقال الحسن بن مسعود(٢) : دخلت على أبي الحسن علي بن محمدعليهما‌السلام وقد نكبت إصبعي(٣) . وتلقاني راكب وصدم كتفي ودخلت في زحمة(٤) فخرقوا على بعض ثيابي، فقلت: كفاني الله شرك من يوم فما أيشمك(٥) .

فقالعليه‌السلام لي: يا حسن هذا وأنت تغشانا(٦) ترمي بذنبك من لا ذنب له، قال الحسن: فأثاب إلى عقلي وتبينت خطائي، فقلت: يا مولاي استغفر الله، فقال: يا حسن ما ذنب الايام حتى صرتم تتشئمون بها إذا جوزيتم بأعمالكم فيها، قال الحسن: أنا أستغفر الله أبدا وهي توبتي يا ابن رسول الله؟ قالعليه‌السلام : والله ما ينفعكم ولكن الله يعاقبكم بذمها على ما لاذم عليها فيه، أما

____________________

(١) الحير - بالفتح -: مخفف حائر والمراد ان الحائر الحسينىعليه‌السلام من هذه البقاع.

(٢) لم نظفر في احد من المعاجم بمن سمى بهذا الاسم من اصحاب ابى الحسن العسكرىعليه‌السلام ولعله هو الحسن بن سعيد الاهوازى من اصحاب الرضا والجواد وابى الحسن العسكرىعليهم‌السلام وهو الذى أوصل على بن مهزيار واسحاق بن ابراهيم الحضينى إلى الرضاعليه‌السلام حتى جرت الخدمة على ايديهما، كان ثقة هو وأخوه الحسين وله كتب، اصله كوفى وانتقل مع اخيه إلى الاهواز وكانا اوسع اهل زمانهما علما بالفقه والاثار والمناقب.

(٣) نكبت اصبعى: خدشت واصابته خدشة.

(٤) الزحمة: مصدر كالزحام من زحم - كمنع -: ضايقه ودافعه في محل ضيق.

وخرق الثوب: مزقه.

(٥) كذا. والظاهر [ فما أشأمك ].

(٦) غشا يغشو - فلانا -: اتاه. وغشى يغشى - المكان -: اتاه.

٤٨٢

علمت يا حسن أن الله هو المثيب والمعاقب والمجازي بالاعمال عاجلا وآجلا؟ قلت: بلى يا مولاي، قالعليه‌السلام : لا تعد ولا تجعل للايام صنعا في حكم الله، قال الحسن: بلى، يا مولاي.

وقالعليه‌السلام : من أمن مكر الله وأليم أخذه تكبر حتى يحل به قضاؤه ونافذ أمره.

ومن كان على بينة من ربه هانت عليه مصائب الدنيا ولو قرض ونشر.

وقال داود الصرمي(١) : أمرني سيدي بحوائج كثيرة، فقالعليه‌السلام لي: قل: كيف تقول؟ فلم أحفظ مثل ما قال لي، فمد الدواة وكتب بسم الله الرحمن الرحيم أذكره إن شاء الله والامر بيد الله، فتبسمت، فقالعليه‌السلام : مالك؟ قلت: خير، فقال: أخبرني؟ قلت: جعلت فداك ذكرت حديثا حدثني به رجل من أصحابنا عن جدك الرضاعليه‌السلام إذا أمر بحاجة كتب بسم الله الرحمن الرحيم أذكر إن شاء الله، فتبسمت، فقالعليه‌السلام لي: يا داود ولو قلت: إن تارك التقية كتارك الصلاة لكنت صادقا.

وقالعليه‌السلام يوما: إن أكل البطيخ يورث الجذام، فقيل له: أليس قد أمن المؤمن إذا أتى عليه أربعون سنة من الجنون والجذام والبرص؟ قالعليه‌السلام : نعم، ولكن إذا خالف المؤمن ما امر به ممن آمنه لم يأمن أن تصيبه عقوبة الخلاف.

وقالعليه‌السلام : الشاكر أسعد بالشكر منه بالنعمة التي أوجبت الشكر، لان النعم متاع. والشكر نعم وعقبى.

وقالعليه‌السلام : إن الله جعل الدنيا دار بلوى والآخرة دار عقبى وجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة سببا وثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضا.

وقالعليه‌السلام : إن الظالم الحالم يكاد أن يعفى على ظلمه بحلمه. وإن المحق السفيه يكاد أن يطفئ نور حقه بسفهه.

وقالعليه‌السلام : من جمع لك وده ورأيه فاجمع له طاعتك.

وقالعليه‌السلام : من هانت عليه نفسه فلا تأمن شره.

وقالعليه‌السلام : الدنيا سوق، ربح فيها قوم وخسر آخرون.

____________________

(١) هو أبواسماعيل داود الصرمى - بفتح الصاد وقيل: بكسرها - كان من أصحاب الهادىعليه‌السلام وهو شيعى إمامى حسن.

٤٨٣

[ بسم الله الرحمن الرحيم ] وروى عن الامام الخالص الهادى أبى محمد الحسن بن علىعليهما‌السلام في طوال هذه المعانى كتابهعليه‌السلام إلى اسحاق بن اسماعيل النيسابوري(١) سترنا الله وإياك بستره وتولاك في جميع أمورك بصنعه، فهمت كتابك يرحمك الله ونحن بحمد الله ونعمته أهل بيت نرق على أوليائنا ونسر بتتابع إحسان الله إليهم وفضله لديهم.

ونعتد بكل نعمة ينعمها الله تبارك وتعالى عليهم، فأتم الله عليك يا إسحاق وعلى من كان مثلك - ممن قد رحمه الله وبصره بصيرتك - نعمته. وقدر تمام نعمته دخول الجنة. وليس من نعمة وإن جل أمرها وعظم خطرها إلا و الحمد لله تقدست أسماؤه عليها مؤد شكرها، وأنا أقول(٢) الحمد لله أفضل ما حمده حامده إلى أبد الابد بما من الله عليك من رحمته ونجاك من الهلكة وسهل سبيلك على العقبة. وايم الله إنها(٣) لعقبة كؤود، شديد أمرها، صعب مسلكها، عظيم بلاؤها، قديم في الزبر الاولى ذكرها. ولقد كانت منكم في أيام الماضيعليه‌السلام إلى أن مضى لسبيله وفي أيامي هذه امور كنتم فيها عندي غير محمودي الرأي ولا مسددي التوفيق.

فاعلم يقينا يا إسحاق أنه من خرج من هذه الدنيا أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا يا إسحاق(٤) ليس تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور، وذلك قول الله في محكم كتابه حكاية عن الظالم إذ يقول:( رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَ قَدْ کُنْتُ بَصِيراً قَالَ کَذٰلِکَ أَتَتْکَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَ کَذٰلِکَ الْيَوْمَ تُنْسَى‌ ) (٥) . وأي آية أعظم

____________________

(١) هو ثقة من أصحاب أبى محمد العسكرىعليه‌السلام وممن كانت ترد عليهم التوقيعات أيضا.

وهذا التوقيع رواه الكشى في رجاله قال: حكى بعض الثقات بنيسابور أنه خرج لاسحاق بن اسماعيل من أبى محمدعليه‌السلام توقيع.

فوقععليه‌السلام : يا اسحاق بن اسماعيل سترنا الله وإياك - إلى آخر الخبر مع - تغييرات وزيادات ورواه المجلسى في المجلد الثانى عشر من البحار الطبع الحجرى.

(٢) في بعض النسخ [ فأنا أقول ].

(٣) في بعض النسخ [ وإنها أيم الله ].

(٤) في بعض النسخ [ يا ابن إسماعيل ].

(٥) سورة طه آية ١٢٦.

٤٨٤

من حجة الله على خلقه وأمينه في بلاده وشهيده على عباده من بعد من سلف من آبائه الاولين النبيين وآبائه الآخرين الوصيين عليهم أجمعين السلام ورحمة الله وبركاته.

فأين يتاه بكم(١) وأين تذهبون كالانعام على وجوهكم، عن الحق تصدفون وبالباطل تؤمنون وبنعمة الله تكفرون أو تكونون ممن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم ومن غيركم إلا خزي في الحيوة الدنيا وطول عذاب في الآخرة الباقية. وذلك والله الخزي العظيم. إن الله بمنه ورحمته لما فرض عليكم الفرائض لم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه إليكم بل برحمة منه - لا إله إلا هو - عليكم ليميز الخبيث من الطيب وليبتلي ما في صدروكم وليمحص ما في قلوبكم، لتسابقوا إلى رحمة الله ولتتفاضل منازلكم في جنته، ففرض عليكم الحج والعمرة وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والصوم والولاية وجعل لكم بابا تستفتحون به أبواب الفرائض ومفتاحا إلى سبيله، لولا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله والاوصياء من ولده لكنتم حيارى(٢) كالبهائم لا تعرفون فرضا من الفرائض وهل تدخل مدينة(٣) إلا من بابها، فلما من عليكم بإقامة الاولياء بعد نبيكم، قال الله في كتابه:( الْيَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِينَکُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْکُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَکُمُ الْإِسْلاَمَ دِيناً ) (٤) ففرض عليكم لاوليائه حقوقا أمركم بأدائها ليحل لكم ما وراء ظهوركم من أزواجكم وأموالكم ومآكلكم ومشاربكم، قال الله:( قُلْ لاَ أَسْأَلُکُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (٥) واعلموا أن من يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغنى وأنتم الفقراء، لا إله إلا هو. ولقد طالت المخاطبة فيما هو لكم وعليكم. ولو لا ما يحب الله من تمام النعمة من الله عليكم لما رأيتم لي خطا ولا سمعتم مني حرفا من بعد مضي الماضيعليه‌السلام وأنتم في غفلة مما إليه معادكم(٦) . ومن بعد إقامتى لكم إبراهيم بن عبدة(٧) وكتابي الذي حمله إليكم محمد بن موسى النيسابوري والله

____________________

(١) تاه يتيه: ضل وذهب متحيرا.

(٢) الحيارى - بالفتح والضم -: جمع حيران.

(٣) في بعض النسخ [ قرية ].

(٤) سورة المائدة آية ٥.

(٥) سورة الشورى آية ٢٣.

(٦) في بعض النسخ [ معاذكم ].

(٧) إبراهيم بن عبدة ومحمد بن موسى النيسابورى كانا من أصحاب الهادى والعسكرىعليهما‌السلام وروى الكشىرحمه‌الله بعض توقيعات في حقهما.

٤٨٥

المستعان على كل حال. وإياكم أن تفرطوا في جنب الله فتكونوا من الخاسرين. فبعدا وسحقا لمن رغب عن طاعة الله ولم يقبل مواعظ أوليائه. فقد أمركم الله بطاعته وطاعة رسوله وطاعة أولي الامر، رحم الله ضعفكم وغفلتكم وصبركم على أمركم فما أغر الانسان بربه الكريم ولو فهمت الصم الصلاب بعض ما هو في هذا الكتاب لتصدعت(١) قلقا وخوفا من خشية الله ورجوعا إلى طاعة الله، اعملوا ما شئتم فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون(٢) والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله أجمعين.

* (وروي عنه عليه‌السلام في قصار هذه المعاني) *

قالعليه‌السلام : لا تمار فيذهب بهاؤك. ولا تمازح فيجترأ عليك.

وقالعليه‌السلام : من رضي بدون الشرف من المجلس لم يزل الله وملائكته يصلون عليه حتى يقوم.

وكتبعليه‌السلام إلى رجل سأله دليلا: من سأل آية أو برهانا فاعطي ما سأل، ثم رجع عمن طلب منه الآية عذب ضعف العذاب. ومن صبر اعطي التأييد من الله. والناس مجبولون على حيلة إيثار الكتب المنشرة. نسأل الله السداد، فإنما هو التسليم أو العطب(٣) ولله عاقبة الامور. وكتب إليه بعض شيعته يعرفه اختلاف الشيعة، فكتبعليه‌السلام : إنما خاطب الله العاقل.

والناس في على طبقات: المستبصر على سبيل نجاة، متمسك بالحق، متعلق بفرع الاصل، غير شاك ولا مرتاب، لا يجد عني ملجأ.

وطبقة لم تأخذ الحق من أهله، فهم كراكب البحر يموج عند موجه ويسكن عند سكونه.

وطبقة استحوذ عليهم الشيطان، شأنهم الرد على أهل الحق ودفع الحق بالباطل حسدا من عند أنفسهم.

فدع من ذهب

____________________

(١) في بعض النسخ [ لصدعت ].

(٢) اقتباس من الاية الواردة في سورة التوبة آية ١٠٦.

(٣) العطب: الهلاك.

٤٨٦

يمينا وشمالا، فإن الراعي إذا أراد أن يجمع غنمه جمعها بأهون سعي. وإياك والاذاعة وطلب الرئاسة، فإنهما يدعوان إلى الهلكة.

وقالعليه‌السلام : من الذنوب التي لا تغفر: ليتني لا اؤاخذ إلا بهذا(١) .

ثم قالعليه‌السلام : الاشراك في الناس أخفى من دبيب النمل على المسح الاسود في الليلة المظلمة(٢) .

وقالعليه‌السلام : بسم الله الرحمن الرحيم أقرب إلى اسم الله الاعظم من سواد العين إلى بياضها.

وخرج في بعض توقيعاتهعليه‌السلام عند اختلاف قوم من شيعته في أمره: ما مني أحد من آبائي بمثل ما منيت به من شك هذه العصابة في، فإن كان هذا الامر أمرا اعتقدتموه ودنتم به إلى وقت ثم ينقطع فللشك موضع. وإن كان متصلا ما اتصلت امور الله فما معنى هذا الشك؟.

وقالعليه‌السلام : حب الابرار للابرار ثواب للابرار. وحب الفجار للابرار فضيلة للابرار، وبغض الفجار للابرار زين للابرار. وبغض الابرار للفجار خزي على الفجار.

وقالعليه‌السلام : من التواضع السلام على كل من تمر به، والجلوس دون شرف المجلس.

وقالعليه‌السلام : من الجهل الضحك من غير عجب.

وقالعليه‌السلام : من الفواقر التي تقصم الظهر(٣) جار إن رأى حسنة أطفأها وإن رأى سيئة أفشاها.

وقالعليه‌السلام لشيعته: أوصيكم بتقوى الله والورع في دينكم والاجتهاد لله وصدق الحديث وأداء الامانة إلى من ائتمنكم من بر أو فاجر وطول السجود وحسن الجوار، فبهذا جاء محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله صلوا في عشائرهم واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم وأدوا حقوقهم(٤) ، فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق في حديثه وأدى الامانة

____________________

(١) أى قول الرجل المذنب ذلك إذا قيل له: لا تعص.

(٢) المسح - بالكسر -: البلاس والتقييد بالاسود تأكيد في إخفائه وعدم رؤيته بخلاف ما إذا كان غير الاسود لانه ربما يمكن أن يراه إذا كان أبيضا.

(٣) الفواقر: جمع فاقرة أى الداعية العظيمة فكأنها تكسر فقر الظهر.

(٤) فالضمير يرجع إلى المخالفين أو مطلق الناس.

٤٨٧

وحسن خلقه مع الناس قيل: هذا شيعي فيسرني ذلك.

اتقوا الله وكونوا زينا ولا تكونوا شينا، جروا إلينا كل مودة وادفعوا عنا كل قبيح، فإنه ما قيل فينا من حسن فنحن أهله، وما قيل فينا من سوء فما نحن كذلك. لنا حق في كتاب الله وقرابة من رسول الله وتطهير من الله لا يدعيه أحد غيرنا إلا كذاب. أكثروا ذكر الله وذكر الموت وتلاوة القرآن والصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإن الصلاة على رسول الله عشر حسنات. احفظوا ما وصيتكم به واستودعكم الله وأقرأ عليكم السلام.

وقالعليه‌السلام : ليست العبادة كثرة الصيام والصلاة وإنما العبادة كثرة التفكر في أمر الله.

وقالعليه‌السلام : بئس العبد عبد يكون ذا وجهين وذا لسانين، يطري أخاه شاهدا(١) ويأكله غائبا، إن اعطي حسده، وإن ابتلي خذله(٢) .

وقالعليه‌السلام : الغضب مفتاح كل شر.

وقالعليه‌السلام لشيعته في سنة ستين ومائتين: أمرناكم بالتختم في اليمين ونحن بين ظهرانيكم(٣) .

والآن نأمركم بالتختم في الشمال لغيبتنا عنكم إلى أن يظهر الله أمرنا وأمركم، فإنه من أدل دليل عليكم في ولايتنا - أهل البيت -. فخلعوا خواتيمهم من أيمانهم بين يديه ولبسوها في شمائلهم(٤) .

وقالعليه‌السلام لهم: حدثوا بهذا شيعتنا.

وقالعليه‌السلام : أقل الناس راحة الحقود(٥) .

____________________

(١) أطرى فلانا: أحسن الثناء عليه وبالغ في مدحه.

(٢) في بعض النسخ [ خانه ].

(٣) أى بينكم وفى جماعتكم.

(٤) لما خدع عمرو بن العاص في أمر الحكمين فخلع أبا موسى الاشعرى علياعليه‌السلام من الخلافة كخلعه خاتمه من يمينه كأنه صار لبس الخاتم باليمين وابقائه علامة على ابقاء الخلافة الحق في علىعليه‌السلام وأهل بيته.

فلعله أراد: أن التختم باليمين شاهد على الحق إذا كان الامام بين الناس شاهدا وحاضرا وأما اذا كان غائبا فليس شاهدا بل ليخلعوا الخواتيم من أيمانهم ولبسوها في شمائلهم حتى لا يظن أن من ادعى وأقام مقامه غصبا انه على الحق.

(٥) الحقود: الكثير الحقد.

٤٨٨

وقالعليه‌السلام : أورع الناس من وقف عند الشبهة، أعبد الناس من أقام على الفرائض، أزهد الناس من ترك الحرام، أشد الناس اجتهادا من ترك الذنوب.

وقالعليه‌السلام : إنكم في آجال منقوصة وأيام معدودة والموت يأتي بغتة، من يزرع خيرا يحصد غبطة، ومن يزرع شرا يحصد ندامة، لكل زارع ما زرع. لا يسبق بطيئ بحظه. ولا يدرك حريص ما لم يقدر له. من اعطي خيرا فالله أعطاه. ومن وقي شرا فالله وقاه.

وقالعليه‌السلام : المؤمن بركة على المؤمن وحجة على الكافر.

وقالعليه‌السلام : قلب الاحمق في فمه وفم الحكيم في قلبه.

وقالعليه‌السلام : لا يشغلك رزق مضمون عن عمل مفروض.

وقالعليه‌السلام : من تعدى في طهوره كان كناقضه.

وقالعليه‌السلام : ما ترك الحق عزيز إلا ذل، ولا أخذ به ذليل إلا عز.

وقالعليه‌السلام : صديق الجاهل تعب.

وقالعليه‌السلام : خصلتان ليس فوقهما شئ: الايمان بالله، ونفع الاخوان.

وقالعليه‌السلام : جرأة الولد على والده في صغره تدعو إلى العقوق في كبره.

وقالعليه‌السلام : ليس من الادب إظهار الفرح عند المحزون.

وقالعليه‌السلام : خير من الحياة ما إذا فقدته أبغضت الحياة وشر من الموت ما إذا نزل بك أحببت الموت.

وقالعليه‌السلام : رياضة الجاهل ورد المعتاد عن عادته كالمعجز.

وقالعليه‌السلام : التواضع نعمة لا يحسد عليها.

وقالعليه‌السلام : لا تكرم الرجل بما يشق عليه.

وقالعليه‌السلام : من وعظ أخاه سرا فقد زانه. ومن وعظه علانية فقد شانه.

وقالعليه‌السلام : ما من بلية إلا ولله فيها نعمة تحيط بها.

وقالعليه‌السلام : ما أقبح بالمؤمن أن تكون له رغبة تذله.

تم ما انتهى إلينا من أخبار النبي والائمة الطاهرينعليهم‌السلام في المعاني

٤٨٩

التي ذكرناها والآثار التي اشترطناها.

ولم نذكر شيئا من توقيعات صاحب زماننا والحجة في عصرنا على تواترها في الشيعة المستبصرين واستفاضتها فيهم، لانه لم يصل إلينا ما اقتضاه كتابنا وضاهاه تأليفنا والاعتقاد فيه مثله فيمن سلف من آبائه الماضين الائمة الراشدينعليهم‌السلام أجمعين وأتبعت ذلك بما جانسه وشاكله لتزاد الفوائد وتتضاعف المواعظ والله ولي التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل.

مناجاة الله عزوجل لموسى بن عمرانعليه‌السلام (١)

يا موسى لا تطل في الدنيا أملك فيقسو قلبك(٢) وقاسى القلب مني بعيد(٣) . أمت قلبك بالخشية. وكن خلق الثياب، جديد القلب، تخفى على أهل الارض وتعرف بين أهل السماء. وصح إلي من كثرة الذنوب صياح الهارب من عدوه. واستعن بي على ذلك، فإني نعم المستعان(٤) .

يا موسى إني أنا فوق العباد والعباد دوني وكل لي داخرون، فاتهم نفسك على نفسك ولا تأتمن ولدك على دينك إلا أن يكون ولدك مثلك يحب الصالحين.

يا موسى اغسل واغتسل واقترب من عبادي الصالحين.

يا موسى كن إمامهم في صلاتهم وفيما يتشاجرون واحكم بينهم بالحق بما أنزلت عليك، فقد أنزلته حكما بينا وبرهانا نيرا ونورا ينطق بما في الاولين وبما هو كائن في الآخرين.

يا موسى اوصيك وصية الشفيق المشفق بابن البتول عيسى ابن مريم صاحب الاتان(٥) والبرنس والزيت والزيتون والمحراب. ومن بعده بصاحب الجمل الاحمر

____________________

(١) رواها الكلينى - رحمه الله - في روضة الكافي مع اختلاف وزيادات أشرنا إليها - ورواها الصدوق في المجالس أيضا مع اختلاف.

(٢) في الروضة [ يا موسى لا تطول في الدنيا أملك فيقسو لذلك قلبك ].

(٣) زاد في الروضة [ كن كمسرتى فيك فان مسرتى أن اطاع فلا اعصى ].

(٤) في الروضة [ فانى نعم العون والمستعان يا موسى انى أنا الله فوق العباد ].

(٥) الاتان - بفتح الهمزة -: الحمار.

والبرنس: قلنسوة طويلة كان النساك يلبسونها في صدر الاسلام والمراد بالزيتون والزيت: الثمرة المعروفة لانه كان يأكلها أو نزلتا له في المائدة أو المراد بالزيتون مسجد دمشق او جبال الشام - قاله صاحب القاموس - يعنى اعطاه الله بلاد الشام والمراد بالزيت: الدهن الذى كان في بنى اسرائيل وكان غليانها من علامات النبوة. قاله المجلسىرحمه‌الله .

٤٩٠

الطيب الطاهر المطهر فمثله في كتابك أنه مؤمن مهيمن على الكتب(١) ، وأنه راكع ساجد راغب راهب، إخوانه المساكين وأنصاره قوم آخرون وسيكون في زمانه أزل وزلازل وقتل(٢) ، اسمه أحمد ومحمد الامين من الباقين الاولين(٣) ، يؤمن بالكتب كلها ويصدق جميع المرسلين، امته مرحومة مباركة، لهم ساعات موقتات يؤذنون فيها بالصلوات، فبه صدق، فإنه أخوك(٤) .

يا موسى إنه أميني وهو عبد صدق مبارك له فيما وضع يده، نبارك عليه(٥) ، كذلك كان في علمي وكذلك خلقته، به أفتح الساعة وبأمته أختم مفاتيح الدنيا، فمر ظلمة بني إسرائيل أن لا يدرسوا اسمه ولا يخذلوه وإنهم لفاعلون.

وحبه لي حسنة وأنا معه وأنا من حزبه وهو من حزبي، وحزبي هم الغالبون(٦) .

يا موسى أنت عبدي وأنا الهك، لا تستذل الحقير الفقير، ولا تغبط الغني، وكن عند ذكري خاشعا، وعند تلاوته برحمتي طامعا، فأسمعني لذاذة التوراة بصوت خاشع حزين، اطمئن عند ذكري واعبدني ولا تشرك بي(٧) ، إني أنا السيد الكبير، إني خلقتك من نطفة من ماء مهين من طينة أخرجتها من أرض ذليلة ممشوجة(٨) فكانت

____________________

(١) في الروضة [ على الكتب كلها ].

(٢) الازل - بالفتح -: مصدر ازل يأزل - كضرب يضرب -: وقع في ضيق وشدة و - بالكسر - الداهية. والزلازل: الشدائد والاهوال. وأيضا جمع زلزلة. وفى الروضة [ وقتل وقتال ].

(٣) في الروضة [ اسمه أحمد محمد الامين من الباقين من ثلة الاولين الماضين ].

(٤) في الروضة [ يؤدون فيها الصلوات اداء العبد إلى سيده نافلته فبه فصدق ومنهاجه فاتبع ].

(٥) يقال: هو رجل صدق أى صادق في الرجولية والصداقة، لا يخون.

وفى الروضة [ يا موسى انه امى وهو عبد صدق يبارك له فيما وضع يده عليه ويبارك عليه ].

(٦) زاد في الروضة [ فتمت كلماتى لاظهرن دينه على الاديان كلها ولاعبدن بكل مكان و لانزلن عليه قرآنا فرقانا شفاء لما في الصدور من نفث الشيطان فصل عليه يا ابن عمران فانى اصلى عليه وملائكتى ].

(٧) زاد في الروضة [ وذكر بى من يطمئن إلى واعبدنى ولا تشرك بى شيئا وتحر مسرتى ].

(٨) أى مختلطة من عناصر شتى. والامشاج الاخلاط.

٤٩١

بشرا، فأنا صانعها خلقا، فتبارك وجهي وتقدس صنعي، ليس كمثلي شئ وأنا الحي الدائم لا أزول(١) .

يا موسى كن إذا دعوتني خائفا، مشفقا، وجلا(٢) ، وناجني حين تناجيني بخشية من قلب وجل، وأحي بتوراتي أيام الحياة، وعلم الجاهلين محامدي، وذكرهم آلائي ونعمي، وقل لهم: لا يتمادون في غي ما هم فيه، فإن أخذي لهم شديد.

يا موسى إن انقطع حبلك مني لم يتصل بحبل غيري، فاعبدني وقم بين يدي مقام العبد الحقير.

ذم نفسك وهي أولى بالذم. ولا تتطاول(٣) على بني إسرائيل بكتابي فكفى بهذا واعظا لقلبك منيرا، وهو كلام رب العالمين جل وتعالى.

يا موسى متى ما دعوتني وجدتني(٤) ، فإني سأغفر لك على ما كان منك، السماء تسبح لي وجلا، والملائكة من مخافتي مشفقون، والارض تسبح لي طمعا، وكل الخلق يسبحون لي داخرين.

ثم عليك بالصلاة(٥) ، فإنها مني بمكان ولها عندي عهد وثيق والحق بها ما هو منها ذكاة القربان من طيب المال والطعام، فإني لا أقبل إلا الطيب، يراد به وجهي، اقرن مع ذلك صلة الارحام، فإني أنا الرحمن الرحيم والرحم أنا خلقتها فلا من رحمتي ليتعاطف بها العباد، ولها عندي سلطان في معاد الآخرة، وأنا قاطع من قطعها وواصل من وصلها وكذلك أفعل بمن ضيع أمري.

يا موسى أكرم السائل إذا أتاك برد جميل أو إعطاء يسير، فإنه يأتيك من ليس بإنس ولا جان: ملائكة الرحمن يبلونك كيف أنت صانع فيما أوليتك وكيف مواساتك فيما خولتك، فاخشع لي بالتضرع واهتف بولولة الكتاب(٦) . واعلم أني أدعوك

____________________

(١) في الروضة [ وأنا الحى الدائم الذى لا أزول ].

(٢) زاد في الروضة [ عفر وجهك لى في التراب واسجد بى بمكارم بدنك واقنت بين يدى في القيام].

(٣) التطاول: التكبر.

(٤) في الروضة [ متى دعوتنى ورجوتنى ].

(٥) في الروضة [ بالصلاة والصلاة فانها ].

(٦) الولولة: رفع الصوت بالبكاء والصياح.

٤٩٢

دعاء السيد مملوكه لتبلغ به شرف المنازل، وذلك من فضلي عليك وعلى آبائك الاولين.

يا موسى لا تنسني على كل حال ولا تفرح بكثرة المال، فإن نسياني يقسي القلوب ومع كثرة المال كثرة الذنوب.

الارض مطيعة [ والسماء مطيعة ] والبحار مطيعة، فمن عصاني شقي، فأنا الرحمن [ الرحيم ] رحمن كل زمان، آتي بالشدة بعد الرخاء، وبالرخاء بعد الشدة، وبالملوك بعد الملوك وملكي دائم، قائم لا يزول ولا يخفى علي شئ في الارض ولا في السماء وكيف يخفى علي ما مني مبتدؤه، وكيف لا يكون همك فيما عندي وإلي ترجع لا محالة.

يا موسى اجعلني حرزك وضع عندي كنزك من الصاحات. وخفني ولا تخف غيري، إلي المصير(١) .

يا موسى عجل التوبة وأخر الذنب وتأن في المكث بين يدي في الصلاة، ولا ترج غيري، اتخذني جنة للشدائد وحصنا لملمات الامور(٢) .

يا موسى نافس في الخير أهله، فإن الخير كاسمه. ودع الشر لكل مفتون.

يا موسى اجعل لسانك من وراء قلبك تسلم، وأكثر ذكري بالليل والنهار تغنم، ولا تتبع الخطايا فتندم، فإن الخطايا موعدها النار.

يا موسى أطب الكلام لاهل الترك للذنوب وكن لهم جليسا واتخذهم لغيبك إخوانا وجد معهم يجدون معك(٣) .

يا موسى ما اريد به وجهي فكثير قليله، وما اريد به غيري فقليل كثيره. وإن أصلح أيامك: الذي أمامك فانظر أي يوم هو فأعد له الجواب، فإنك

____________________

(١) زاد في الروضة [ يا موسى ارحم من هو اسفل منك في الخلق ولا تحسد من هو فوقك فان الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.

يا موسى إن ابنى آدم تواضعا في منزلة لينا لا بها من فضلى ورحمتى فقربا قربانا ولا أقبل إلا من المتقين فكان من شأنهما ما قد علمت فكيف تثق بالصاحب بعد الاخ والوزير.

يا موسى ضع كبرك ودع الفخر واذكر انك ساكن القبر فليمنعك ذلك من الشهوات ].

(٢) زاد في الروضة [ يا موسى كيف تخشع لى خليقة لا تعرف فضلى عليها وكيف تعرف فضلى عليها وهى لا تنظر فيه وكيف تنظر فيه وهى لا تؤمن به وكيف تؤمن به وهى لا ترجو ثوابا وكيف ترجو ثوابا وهى قد قنعت بالدنيا واتخذتها مأوى وركنت إليها ركون الظالمين ].

(٣) زاد في الروضة [ يا موسى الموت يأتيك لا محالة فتزود زاد من هو على ما يتزود ].

٤٩٣

موقوف ومسؤول. وخذ موعظتك من الدهر وأهله، فإن الدهر طويله قصير وقصيره طويل وكل شئ فان. فاعمل كأنك ترى ثواب عملك لكي يكون أطمع لك في الآخرة لا محالة، فإن ما بقي من الدنيا كما ولى منها. وكل عامل يعمل على بصيرة ومثال. فكن مرتادا لنفسك(١) ، يا ابن عمران لعلك تفوز غدا يوم السؤال وهنالك يخسر المبطلون(٢) .

يا موسى طب نفسا عن الدنيا وانطو عنها فإنها ليست لك ولست لها، مالك ولدار الظالمين إلا لعامل فيها بالخير، فإنها له نعم الدار(٣) .

يا موسى الدنيا وأهلها فتن بعضها لبعض(٤) ، فكل مزين له ما هو فيه والمؤمن زينت له الآخرة فهو ينظر إليها ما يفتر(٥) قد حالت شهوتها بينه وبين لذة العيش فأدلجته بالاسحار(٦) كفعل الراكب السابق إلى غايته يظل كئيبا ويمسي حزينا فطوبى له، [ أما ] لو قد كشف الغطاء ماذا يعاين من السرور(٧) .

____________________

(١) إرتاد الشئ: طلبه.

(٢) زاد في الروضة [ يا موسى الق كفيك ذلا بين يدى كفعل العبد المستصرخ إلى سيده فانك إذا فعلت ذلك رحمت وأنا اكرم القادرين.

يا موسى سلنى من فضلى ورحمتى فانهما بيدى لا يملكها أحد غيرى وانظر حين تسألنى كيف رغبتك فيما عندى لكل عامل جزاء وقد يجزى الكفور بما سعى ].

(٣) زاد في الروضة [ يا موسى ما امرك به فاسمع ومهما اراه فاصنع خذ حقائق التوراة إلى صدرك وتيقظ بها في ساعات الليل والنهار ولا تمكن ابناء الدنيا من صدرك فيجعلونه وكرا كوكر الطير ].

(٤) في الروضة [ ابناء الدنيا وأهلها فتن بعضهم من بعض ].

(٥) أى لا ينقطع ولا يقصر عنه وضمير شهوتها راجع إلى الاخرة.

(٦) الدلجة: سير الليل وأدلج القوم: ساروا الليل في آخره أو كله.

والكئيب: الحزين أشد الحزن.

(٧) وزاد في الروضة [ يا موسى الدنيا نطفة ليست بثواب للمؤمن ولا نقمة من فاجر فالويل الدائم الطويل لمن باع ثواب معاده بلعقة لم تبق وبلعة لم تدم فكن كما أمرتك وكل امرى رشاد ].

والنطفة ما يبقى في الدلو أو القربة من الماء كنى بها عن قلتها والبلعة بالمهملة ما يبلع كما أن اللعقة ما يلعق. هذا ما ذكره الفيض - رحمه الله - عند بيان الحديث.

٤٩٤

يا موسى إذا رأيت الغنى مقبلا فقل: ذنب عجلت عقوبته، وإذا رأيت الفقر مقبلا فقل: مرحبا بشعار الصالحين. ولا تكن جبارا ظلوما ولا تكن للظالمين قرينا.

يا موسى ما عمر وإن طال يذم آخره، وما ضرك ما زوي عنك إذا حمدت مغبته(١) .

يا موسى صرح الكتاب صراحا(٢) بما أنت إليه صائر، فكيف ترقد على هذا العيون، أم كيف يجد قوم لذة العيش لولا التمادي في الغفلة(٣) والتتابع في الشهوات ومن دون هذا جزع الصديقون.

يا موسى مر عبادي يدعوني على ما كانوا بعد أن يقروا بي أني أرحم الراحمين، اجيب المضطرين(٤) ، وأكشف السوء، وابدل الزمان، وآتي بالرخاء، وأشكر اليسير، وأثيب بالكثير، وأغني الفقير، وأنا الدائم العزيز القدير، فمن لجأ إليك وانضوى إليك من الخاطئين(٥) فقل: أهلا وسهلا بأرحب الفناء نزلت بفناء رب العالمين واستغفر لهم وكن [ لهم ] كأحدهم ولا تستطل عليهم بما أنا أعطيتك فضله، وقل لهم فيسألوني من فضلي ورحمتي، فإنه لا يملكها أحد غيري وأنا ذو الفضل العظيم، كهف الخاطئين وجليس المضطرين(٦) ومستغفر للمذنبين، إنك مني بالمكان الرضى، فادعني بالقلب النقي واللسان الصادق، وكن كما أمرتك، أطع أمري ولا تستطل على عبادي بما ليس منك مبتدؤه. وتقرب إلي، فإني منك قريب، فإني لم أسألك ما يؤذيك ثقله ولا حمله. إنما سألتك أن تدعوني فاجيبك. وأن تسألني فاعطيك وأن تتقرب بما مني أخذت تأويله وعلى تمام تنزيله.

يا موسى انظر إلى الارض فإنها عن قريب قبرك. وارفع عينيك إلى السماء فإن

____________________

(١) زوى: صرف. والمغبة - بالفتح وتشديد الباء -: العاقبة.

(٢) في الروضة [ يا موسى صرح الكتاب اليك صراحا ] وفى بعض نسخها بالخاء المعجمة.

(٣) زاد في الروضة [ والاتباع للشقوة ].

(٤) في الروضة [ يجيب المضطرين ].

(٥) انضوى إليه: انضم.

(٦) في الروضة [ طوبى لك يا موسى كهف الخاطئين وأخ المذنبين وجليس المضطرين ].

٤٩٥

فوقك فيها ملكا عظيما وابك على نفسك ما كنت في الدنيا(١) ، وتخوف العطب والمهالك، ولا تغرنك زينة الدنيا وزهرتها، ولا ترض بالظلم ولا تكن ظالما، فإني للظالم بمرصد حتى اديل منه المظلوم(٢) .

يا موسى إن الحسنة عشرة أضعاف ومن السيئة الواحدة الهلاك، ولا تشرك بي، لا يحل لك أن تشرك بي، قارب وسدد، ادع دعاء الراغب فيما عندي، النادم على ما قدمت يداه(٣) فإن سواد الليل يمحوه النهار، كذلك السيئة تمحوها الحسنة وعشوة الليل(٤) تأتي على ضوء النهار فكذلك السيئة تأتي على الحسنة فتسودها.

مناجاة الله جل ثناؤه لعيسى ابن مريم صلوات الله عليهما(٥)

يا عيسى أنا ربك ورب آبائك، اسمي واحد وأنا الاحد المتفرد بخلق كل شئ وكل شئ من صنعي وكل إلي راجعون.

يا عيسى أنت المسيح بأمري، وأنت تخلق من الطين بإذني، وأنت تحيي الموتى بكلامي، فكن إلي راغبا ومني راهبا ولن تجد مني ملجأ إلا إلي.

يا عيسى أوصيك وصية المتحنن عليك بالرحمة حتى حقت لك مني الولاية بتحريك(٦) مني المسرة، فبوركت كبيرا وبوركت صغيرا حيث ما كنت، أشهد أنك عبدي من أمتي، تقرب إلي بالنوافل وتوكل علي أكفك، ولا تول غيري فأخذلك.

____________________

(١) في الروضة [ ما دمت في الدنيا ].

(٢) أدال الله زيدا من عمرو: نزع الدولة من عمرو وحولها إلى زيد. واديل لنا على أعدائنا أى نصرنا عليهم. والادالة: النصرة والغلبة.

(٣) في الروضة [ وادع دعاء الطامع الراغب فيما عندى النادم على ما قدمت يداك ].

(٤) عشوة الليل: ظلمتها.

(٥) رواها الكلينى في الروضة من الكافى مع اختلاف وزيادات جازت ستين سطرا.

(٦) التحرى: القصد والاجتهاد في الطلب.

وطلب ما هو أحرى بالاستعمال في غالب الظن أو طلب احرى الامرين.

٤٩٦

يا عيسى اصبر على البلاء وارض بالقضاء وكن كمسرتي فيك، فإن مسرتي أن اطاع فلا اعصى.

يا عيسى أحي ذكري بلسانك، وليكن ودي في قلبك.

يا عيسى تيقظ في ساعات الغفلة. وأحكم لي لطيف الحكمة.

يا عيسى كن راغبا راهبا، وأمت قلبك بالخشية.

يا عيسى راع الليل لتحري مسرتي واظمأ نهارك ليوم حاجتك.

يا عيسى إنك مسؤول فارحم الضعيف كرحمتي إياك ولا تقهر اليتيم.

يا عيسى ابك على نفسك في الخلوات، وانقل قدميك إلى مواقيت الصلوات، وأسمعني لذاذة نطقك بذكري، فإن صنيعي إليك حسن.

يا عيسى كم [ من ] امة قد أهلكتها بسالف ذنوب قد عصمتك منها.

يا عيسى ارفق بالضعيف وارفع طرفك الكليل(١) إلى السماء وادعني، فإني منك قريب. ولا تذكرني إلا متضرعا إلي وهمك واحد، فإنك متى دعوتني كذلك اجبك.

يا عيسى لا يغرك المتمرد [ علي ] بالعصيان يأكل رزقي ويعبد غيري، ثم يدعوني عند الكرب فاجيبه، ثم يرجع إلى ما كان عليه، فعلي يتمرد؟ ام بسخطي يتعرض؟ وبي حلفت لآخذنه أخذة ليس له منها منجا ولا دوني ملجأ، أين يهرب من سمائي وأرضي؟ يا عيسى قل لظلمة بني إسرائيل: لا تدعوني والسحت تحت أحضانكم والاصنام في بيوتكم(٢) ، فإني آليت أن أجيب من دعاني وأن أجعل إجابتي إياهم لعنا عليهم حتى يتفرقوا.

يا عيسى ما خير لذاذة لا تدوم وعيش عن صاحبه يزول؟.

يا ابن مريم لو رأت عينك ما أعددت لاوليائي الصالحين ذاب قلبك وزهقت نفسك

____________________

(١) الكليل: الضعيف (٢) الحضن: ما دون الابط إلى الكشح او الصدر والعضدان وما بينهما وهو كناية عن ضبط مال الحرام وحفظه وعدم رده إلى أهله. ولعل المراد بالاصنام الدنانير والدراهم التى يهتمون الناس في اكتنازها. وقوله: آليت اى أقسمت.

٤٩٧

شوقا إليه، فليس كدار الآخرة دار تجاور فيها الطيبون وتدخل عليهم فيها الملائكة المقربون وهم مما يأتي يوم القيامة من أهوالها آمنون، دار لا يتغير فيها النعيم ولا يزول عن أهلها.

يا ابن مريم نافس فيها مع المتنافسين، فإنها امنية المتمكنين، حسنة المنظر، طوبى لك.

يا ابن مريم إن كنت لها من العاملين مع آبائك آدم وإبراهيم في جنات ونعيم لا تبغي بها بدلا ولا تحويلا. كذلك أفعل بالمتقين.

يا عيسى اهرب إلي مع من يهرب من نار ذات لهب ونار ذات أغلال وأنكال(١) ، لا يدخلها روح ولا يخرج منها غم أبدا، قطع كقطع الليل المظلم، من ينج منها يفز، هي دار الجبارين والعتاة الظالمين وكل فظ غليظ.

يا عيسى بئست الدار لمن ركن إليها وبئس القرار دار الظالمين إني احذرك نفسك فكن بي خبيرا.

يا عيسى كن حيث ما كنت مراقبا لي واشهد علي أني خلقتك وأنك عبدي وأني صورتك وإلى الارض أهبطتك.

يا عيسى افطم نفسك عن الشهوات والموبقات وكل شهوة تباعدك مني فاهجرها. واعلم أنك مني بمكان الرسول الامين فكن مني على حذر.

يا عيسى كنت خلقتك بكلامي، ولدتك مريم بأمري، المرسل إليها روحي جبرئيل الامين من ملائكتي حتى قمت على الارض حيا تمشي. وكل ذلك في سابق علمي.

يا عيسى إن غضبت عليك لم ينفعك من رضي عنك. وإن رضيت عنك لم يضرك غضب المتغضبين عليك.

يا عيسى اذكرني في نفسك واذكرني في ملاك أذكرك في ملاء خير من الآدميين.

يا عيسى ادعني دعاء الغريق الذي ليس له مغيث.

يا عيسى لا تحلف بي كاذبا فيهتز عرشي غضبا. الدنيا قصيرة العمر طويلة الامل. وعندي دار خير مما يجمعون.

____________________

(١) النكل - بالكسر -: القيد والجمع أنكال.

٤٩٨

يا عيسى كيف أنتم صانعون إذا أخرجت لكم كتابا ينطق بالحق وأنتم تشهدون بسرائر قد كتمتموها وأعمال كنتم بها عاملين.

يا عيسى قل لظلمة بني إسرائيل: غسلتم وجوهكم ودنستم قلوبكم، أبي تغترون أم على تجترئون، تطيبون بالطيب لاهل الدنيا وأجوافكم عندي بمنزلة الجيف المنتنة كأنكم أقوام ميتون.

يا عيسى قل لهم: قلموا أظفاركم من كسب الحرام. وأصموا أسماعكم من ذكر الخناء. وأقبلوا علي بقلوبكم، فإني لست اريد صوركم.

يا عيسى افرح بالحسنة، فإنها لي رضى وابك على السيئة فإنها شين. وما لا تحب أن يصنع بك فلا تصنعه بغيرك. وإن لطم أحد خدك الايمن فإعطه الايسر. وتقرب إلي بالمودة جهدك، واعرض عن الجاهلين.

يا عيسى دل لاهل الحسنة(١) وشاركهم فيها وكن عليهم شهيدا، وقل لظلمة بني إسرائيل: يا أخدان السوء إن لم تنتهوا أمسخكم قردة وخنازير.

يا عيسى قل لظلمة بني إسرائيل: الحكمة تبكي فرقا مني وأنتم بالضحك تهجرون أتتكم براء‌تي؟ أم لديكم أمان من عذابي؟ أم تعرضون لعقوبتي، فبي حلفت لاتركنكم مثلا للغابرين.

ثم اوصيك يا ابن مريم البكر البتول بسيد المرسلين وحبيبي أحمد صاحب الجمل الاحمر والوجه الازهر، المشرق بالنور، الطاهر القلب، الشديد البأس، الحيي(٢) المتكرم، فإنه رحمة للعالمين وسيد ولد آدم يوم يلقاني، أكرم السابقين علي وأقرب المسلمين مني، العربي الامي، الديان بديني، الصابر في ذاتي، المجاهد للمشركين بذبه عن ديني وأن تخبر به بني إسرائيل وتأمرهم أن يصدقوه وأن يؤمنوا به وأن يتبعوه وينصروه.

قال: إلهي من هو حتى ارضيه ذلك الرضا؟ قال: هو محمد رسول الله إلى الناس كافة وأقربهم مني منزلة وأحضرهم شفاعة، طوبى له من نبي وطوبى لامته،

____________________

(١) دل فلان إلى الشئ - من باب نصر -: أرشده وهداه اليه.

(٢) الحيى - كشريف -: المحتشم، من حيى حياء.

٤٩٩

إنهم لقوني على سبيله، يحمده أهل الارض ويستغفر له أهل السماء، أمين ميمون، طيب، خير الباقين عندي، يكون في آخر الزمان إذا خرج أرخت السماء عزاليها(١) وأخرجت الارض زهرتها حتى يروا البركة وابارك لهم فيما وضع يده عليه، كثير الازواج، قليل الاولاد.

يا عيسى كل ما يقربك مني قد دللتك عليه، وكل ما يباعدك مني قد نهيتك عنه فارتد لنفسك.

يا عيسى الدنيا حلوة وإنما استعملتك فيها فجانب منها ما حذرتك، وخذ منها ما أعطيتك عفوا.

يا عيسى انظر في عملك نظر العبد المذنب الخاطئ، ولا تنظر في عمل غيرك، كن فيها زاهدا ولا ترهب فيها فتعطب.

يا عيسى اعقل وتفكر وانظر في نواحي الارض كيف كان عاقبة الظالمين.

يا عيسى كل وصفي لك نصيحة، وكل قولي لك حق وأنا الحق المبين، فحقا أقول لئن أنت عصيتني بعد أن أنبأتك مالك من دوني ولي ولا نصير.

يا عيسى أدب قلبك بالخشية. وانظر إلى من أسفل منك، ولا تنظر إلى من فوقك.

واعلم أن رأس كل خطيئة وذنب هو حب الدنيا فلا تحبها، فإني لا احبها.

يا عيسى أطب لي قلبك وأكثر ذكري في الخلوات.

واعلم أن سروري أن تبصبص إلي(٢) ، كن في ذلك حيا ولا تكن ميتا.

يا عيسى لا تشرك بي وكن مني على حذر، ولا تغتر بالصحة، ولا تغبط نفسك، فإن الدنيا كفيئ زائل وما أقبل منها كما أدبر، فنافس في الصالحات جهدك.

وكن مع الحق وإن قطعت واحرقت بالنار، فلا تكفر بي بعد المعرفة.

ولا تكن مع الجاهلين فإن الشئ يكون مع الشئ.

____________________

(١) العزالى - بفتح اللام وكسرها -: جمع عزلاء - كحمراء -: مصب الماء من القربة ونحوها وهى اشارة إلى شدة وقع المطر. قال الطريحىرحمه‌الله : أى أفواهها.

والعزالى - بفتح اللام وكسرها -: جمع العزلاء مثل الحمراء وهو فم المزادة، فقوله: أرسلت السماء عزاليها يريد شدة وقع المطر على التشبيه بنزوله من افواه المزادة ومثله ان الدنيا بعد ذلك ارخت عزاليها. انتهى.

(٢) اى ان تقبل إلى بخوف وطمع.

٥٠٠