نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٨

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار0%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 421

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف: الصفحات: 421
المشاهدات: 226602
تحميل: 4933


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 421 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 226602 / تحميل: 4933
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء 18

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

لعدم الخلافة أسباب أخر غير الموت، لكنا نمنع نظراً إلى أن من قال السّلطان في حقه أنه ابني بمنزلة زيد ابني، وأنه أميري ومن أركان دولتي بمنزلة زيد أميري، وأنه وليّ عهدي كما كان الرضاعليه‌السلام ولي عهد المأمون، وهارون ولي عهد موسىعليه‌السلام ، ونحو ذلك، وفرضنا في كلّ من تلك الصور أنّ المشبّه به والمنزّل عليه فات وحلّه الموت، وبقي الذي اثبت له تلك المناصب، لم يخطر ببال أحدٍ من وكلائه وكتب ذلك المالك إليه أن أعط زيداً الصديق لي ألف دينار من مالي، وأحسن إلى عمرو بتلك المنزلة، فإنه أيضاً صديق لي بمنزلة زيد، وفرضنا أنه قبل أنْ يصل كتابه إلى وكيله مات زيد، لم يحكم أحد من العلماء والعقلاء أنّ فوت ذلك الإعطاء بالنسبة إلى زيد بسبب موته، أوجب فوت الإعطاء بالنسبة إلى عمرو الذي هو موجود حي، وهذا كله ظاهر لا يخفى ».

وأمّا قول الرازي - لإثبات دخول نفي الخلافة في عموم « المنزلة » -:

« لأنّا نقول: أمّا الأول فجوابه: ان معنى قوله: أنت مني ».

فنقول:

أوّلاً : لا يخفى أن هذا الكلام مبطل لكلّ ما ذكره الرازي من قبل في ردّ عموم المنازل، لأنه إذا كان معنى الحديث - كما قال -: « إن حالك معي أو عندي كحال هارون من موسى، وهذا القول يدخل تحته أحوال هارون نفياً وإثباتاً » كان الحديث دالّاً على عمومٍ يزيد على العموم المطلوب للإماميّة، لأنّهم يقولون بعموم الأحوال إثباتاً، والرازي يثبت العموم بالنسبة إلى أحواله نفياً أيضاً.

وثانياً : قد عرفت سابقاً - حسب كلمات المحقّقين من علماء الحديث -

١٤١

أن لفظ « المنزلة » لا يتناول نفي الخلافة التي معناها - كما نصّوا - مراتب القرب والإتّصال، فلا يدخل نفي الفضل والكمال تحت الحديث أبداً.

وثالثاً : إنه يَبطُلُ إدخالُ الأحوال المنفيّة بما ذكره الرازي نفسه من حمل الحديث على السبب، ولزوم التوقّف فيما عدا ذلك.

ورابعاً : إنه باطل بكلمات ( الدهلوي ) ووالده، وبتحقيقات تلميذه الرشيد والكابلي وغيرهم وقد تقدّمت نصوص تلك الكلمات.

وخامساً : إن مَدلول لفظ « المنزلة » لا يدخل فيه « النفي » كما عرفت من نصوص كبار علماء اللغة.

وسادساً : لو سلّمنا شمول مدلول لفظ « المنزلة » للأحوال المنفيّة، لكن المتبادر من الحديث إثبات الفضائل والمناقب، فلا يتناول نفي الخلافة، ويشهد بما ذكرنا: أنّ علماء أهل السنّة - قديماً وحديثاً - يصرّحون بأنّ هذا الحديث إنما صدر من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، تسليةً لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، ودفعاً لطعن المنافقين والمرجفين، فلو كان مدلوله نفي الخلافة والإمامة لم يكن لإيراده في مقام التسلية وجه، بل يكون حينئذٍ تأييداً لإرجاف المرجفين وطعن المنافقين!

هذا، وكأنّ الرازي إلتفت إلى سخافة ما ذكره وما يترتب عليه من الفساد فقال: « إن إفادة الكلام لهذا النفي لا يمنع من دلالته على الفضل » ثم قرّر ذلك بكلامٍ ظاهر الإختلال غير مرتبط بالبحث لأن عدم استقباح الكلام الذي ذكره عن الإمام الثاني إنّما هو لطلب الإنسان الآخر منه تولية بلدةٍ أخرى. وليس فيما نحن فيه عن أمير المؤمنينعليه‌السلام طلب ولاية، حتّى يقاس أحدهما على الآخر، وكلّ ما فيه - كما يظهر من روايات أئمة أهل السنّة - أنّ المنافقين زعموا أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما خلّفهعليه‌السلام إستثقالاً

١٤٢

وتخفّفاً منه، فخرجعليه‌السلام حتى لحق به فأخبره بما قالوا، فقال: كذبوا فهل يعقل أنْ يخبره في هذه الحالة بنفي الخلافة التي هي أعظم المنازل وأجلّ الفضائل؟!

وبالجملة، في المثال الذي ذكره يوجد طلب وافتراح من الإنسان الآخر، ولا يوجد طعنٌ عليه من أحد، فلم يقبح من الإمام الثاني عدم توليته البلدة الأخرى فالمثال لا علاقة له بما نحن فيه.

ولو فرضنا أنّ الإنسان الآخر لم يطلب من الإمام الثاني تولية بلدةٍ أخرى، بل طعن أعداؤه فيه بسبب توليته البلدة المعيّنة فقط، وقالوا: بأن الإمام الثاني إنما ولّاه أمارة تلك البلدة لأجل إبعاده وطرده عن مركز الخلافة والإمامة، لشدّة كراهيّته له فتألّم هذا الإنسان ممّا قالوا في حقّه وانكسر خاطره، حتى حضر عند الإمام الثاني فأبلغه مقالتهم ففي هذه الحالة لو قال الإمام الثاني: أما ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة من تولّى هذه البلدة في حال حياة الإمام الأول ولم يكن خليفةً عنه من بعده، فلا تنال ولاية هذه البلدة وغيرها من البلاد من بعدي؟! كان هذا الكلام مستقبحاً مستنكراً جدّاً، لا يسلّيه ولا يطيّب خاطره أصلاً، بل كان بالعكس مؤيّداً ومؤكّداً لما قاله الأعداء فيه لا سيّما وأنه إذا كان هذا الإنسان الآخر من أخص خواص هذا الإمام الثاني، وكان متّصفاً من أوّل يومٍ بعوالي الفضائل السامية، وجلائل المناقب الراقية، باذلاً في امتثال أوامره ونواهيه من مهجته، مدافعاً عنه في جميع المواقف أعدائه وكان الإمام الثاني مشيداً دائماً بخدمات هذا الإنسان الآخر - وهو صهره وابن عمه أيضاً - معلناً مكارمه ومناقبه حتى نزّله منزلة نفسه،

١٤٣

(٢)

إمامة هارون ووصياته

١ - من التواريخ

لقد فوّض موسى إلى هارون -عليهما‌السلام - الإمامة والخلافة المطلقة الدائمة من بعده، وكذا جميع الأعمال الموقوفة على الإمامة، وفرض على بني إسرائيل جميعهم طاعته، وحرَّم عليهم مخالفته ومخالفة أولاده وهذا ما رواه وأكّد عليه المؤرّخون وأرباب السّير:

قال المؤرّخ مير خواند شاه: « إن موسى فوّض الإمامة والخلافة إلى هارون، وقرّر بقاء ذلك بحسب الوصاية في نسله وذريّته بطناً بعد بطن، وأشهد على ذلك جميع بني إسرائيل، وحرّم عليهم مخالفته ومخالفة أولاده، وأباح قتل المخالفين لهم »(١) .

كتاب « روضة الصفا » واعتباره

وذكر كاشف الظنون كتاب ( روضة الصفا ) بقوله: « روضة الصفا في سيرة الأنبياء والملوك والخلفا. فارسي، لمير خواند المؤرّخ محمد بن خاوند شاه بن محمود، المتوفى سنة ٩٠٣. ذكر في ديباجته: إن جمعاً من إخوانه التمسوا تأليف كتابٍ منقّح محتوٍ على معظم وقائع الأنبياء والملوك والخلفاء، ثم دخل صحبة الوزير مير علي شير وأشار إليه أيضاً، فباشر مشتملاً على مقدمةٍ وسبعة

___________________

(١). روضة الصفا - في أخبار موسى وهارون -.

١٤٤

أقسامٍ وخاتمة »(١) .

واعتمد العلماء والمؤلّفون على كتاب ( روضة الصفا ) ومنهم ( الدهلوي ) نفسه وأضاف بأنْ وصفه بكونه من التواريخ المعتبرة(٢) فيكون النصّ الذي ذكرناه حجةً معتبرة على ( الدهلوي ) وغيره.

وقال بدر الدين العيني: « إعلم أن التوراة اُنزلت على اليهود على يد موسى بن عمرانعليه‌السلام ، لقوله تعالى:( إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً ) الآية. وهو أول كتاب نزل من السماء، لأن الذي نزل على إبراهيم وغيره من الأنبياء -عليهم‌السلام - ما كان يسمّى كتاباً، بل صحفاً

قالوا: وكان موسىعليه‌السلام قد أفضى أسرار التوراة والألواح إلى يوشع بن نون وصيّه من بعده، ليفضي إلى أولاد هارون، لأنّ الأمر كان مشتركاً بينه وبين أخيه هارونعليه‌السلام ، إذ قال:( وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) وهو كان الوصي، فلمـّا مات هارون في حال حياة موسىعليه‌السلام انتقلت الوصاية إلى يوشع بن نون، وكانوا يحكمون بها وهم متمسّكون بها برهةً من الزمان »(٣) .

العيني وتاريخه

والعيني من أعيان علماء القوم، كما في كلماتهم في حقّه:

قال شمس الدين السخاوي: « محمود بن أحمد، القاضي الحنفي، أحد الأعيان، ويعرف بابن العيني.

اشتغل بالعلوم من سائر الفنون على العلماء والكبار، وكان إماماً عالماً علّامةً عارفاً بالتصريف والعربية وغيرهما، حافظاً للتاريخ واللغة، كثير

___________________

(١). كشف الظنون ١ / ٩٢٦.

(٢). التحفة الاثنا عشرية: ٢٦٤.

(٣). عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان، فصل في تحريف أهل الكتاب - مخطوط.

١٤٥

الإستعمال لها، مشاركاً في الفنون، لا يملّ من المطالعة والكتابة، كتب بخطّه جملةً وصنّف الكثير، وكان نادرةً بحيث لا أعلم بعد شيخنا أكثر تصانيف منه، وقلمه أجود من تقريره، وكتابته طريفة حسنة مع السرعة.

وحدّث وأفتى ودرّس، مع لطف العشرة والتواضع، واشتهر اسمه وبعد صيته، وأخذ عنه الفضلاء من كلّ مذهب، وممّن وسمع عليه من القدماء الكمال الشمنّي، وعلّق شيخنا من فوائده بل سمع عليه.

وذكره العلاء ابن خطيب الناصرية في تاريخه فقال: وهو إمام عالم فاضل مشارك في علوم، وعنده حشمة ومروّة وعصبيّة وديانة.

وقد قرأت عليه الأربعين التي انتقاها شيخيرحمه‌الله من صحيح مسلم، في خامس صفر سنة ٥١، وعرضت عليه قبل ذلك محافيظي، وسمعت عدّةً من دروسه »(١) .

وقال السيوطي: « العيني، قاضي القضاة بدر الدين، محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين بن يوسف بن محمود. ولد في رمضان سنة ٧٦٢ وتفقّه واشتغل بالفنون، وبرع ومهر، ودخل القاهرة، وولي الحسبة مراراً، وقضاء الحنفيّة. وله تصانيف مات في ذي الحجة سنة ٨٥٥ »(٢) .

قال: « وكان إماماً عالماً علّامة »(٣) .

وقال الأزنيقي: « ومن التواريخ: تاريخ قاضي القضاة العيني وكان إماماً عالماً علّامة بالعربية والتصريف وغيرهما »(٤) .

وقال أبو الفتح الشّهرستاني: « اليهود خاصّة هاد الرجل أي رجع وتاب،

___________________

(١). الذيل الطاهر. وانظر: الضوء اللامع ١٠ / ١٣١.

(٢). حسن المحاضرة ١ / ٤٧٣.

(٣). بغية الوعاة ٢ / ٢٧٥.

(٤). مدينة العلوم في ذكر علم التواريخ.

١٤٦

وإنما لزمهم هذا الاسم لقول موسىعليه‌السلام ( إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ ) أي: رجعنا وتضرّعنا، وهم اُمّة موسىعليه‌السلام وكتابهم التوراة، وهو أوّل كتاب نزل من السّماء، أعني أن ما كان ينزل على إبراهيم وغيره من الأنبياء -عليهم‌السلام - ما كان يسمّى كتاباً بل صحفاً، وقد ورد في الخبر عن النبي - صلّى الله عليه وسلّم - أنه قال: إنّ الله تعالى خلق آدم بيده، وخلق جنّة عدنٍ بيده، وكتب التوراة بيده. فأثبت لها اختصاصاً آخر سوى سائر الكتب.

وقد اشتمل ذلك على أسفار

وأنزل علي الألواح

قالو: كان موسى -عليه‌السلام - قد أفضى بأسرار التوراة والألواح إلى يوشع بن نون وصيّه من بعده، ليفضي إلى أولاد هارون، لأن الأمر كان مشتركاً بينه وبين أخيه هارون -عليهما‌السلام - إذ قال:( وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) طه ٢٠: ٣٢ وكان هو الوصي، فلمـّا مات هارون في حال حياته انتقلت الوصاية إلى يوشع بن نون وديعةً ليوصلها إلى شبر وشبير ابني هارون قراراً، وذلك أنّ الوصية والإمامة بعضها مستقر وبعضها مستودع، واليهود تدّعي أنّ الشريعة لا تكون إلّاواحدة، وهي ابتدأت بموسىعليه‌السلام وتمّت به، فلم يكن قبله شريعة إلّاحدود عقليّة وأحكام مصلحيّة، ولم يجيزوا النسخ أصلاً »(١) .

الثناء على الشهرستاني

والثناء على أبي الفتح الشهرستاني في كلمات المترجمين له كثير، لا بأس بذكر طرفٍ منه في هذا المقام:

قال ابن خلّكان: « أبو الفتح محمد بن أبي القاسم عبد الكريم بن أبي بكر

___________________

(١). الملل والنحل ١ / ٢١٠ - ٢١١.

١٤٧

أحمد الشهرستاني، المتكلّم على مذهب الأشعري. كان إماماً مبرّزاً فقيهاً متكلّماً، تفقّه على أحمد الخوافي وعلى أبي نصر القشيري، وغيرهما. وبرع في الفقه، وقرأ الكلام على أبي القاسم الأنصاري، وتفرّد فيه، وصنّف كتباً منها كتاب نهاية الإقدام في علم الكلام، والبينات والملل والنحل، والمناهج والبينات، وكتاب المضارعة توفي سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، وقيل سنة تسع وأربعين. والأول أصح »(١) .

وقال اليافعي: « كان إماماً مبرّزاً، فقيهاً، متكلّماً »(٢) .

وقال الأسنوي: « قال ابن خلكان: كان إماماً مبرّزاً فقيهاً متكلّماً، واعظاً، تفقّه على الخوافي تلميذ إمام الحرمين، وعلى أبي نصر القشيري وغيرهما، وبرع في الفقه، وقرأ الكلام على أبي القاسم الأنصاري، وتفرَّد فيه في عصره، صنّف كتباً كثيرةً مشهورة »(٣) .

وقال أبو الفداء: « كان إماماً في علم الكلام والفقه، وله عدّة مصنّفات »(٤) .

وقال الأزنيقي: « وممّن أورد فرق المذاهب في العالم كلّها محمّد الشهرستاني في كتاب الملل والنحل كان إماماً مبرّزاً فقيهاً متكلّماً »(٥) .

وقال كاشف الظنون بعد ذكر الملل والنحل لابن حزم: « قال التاج السبكي في الطبقات: كتابه هذا من أشد الكتب، وما برح المحققون من أصحابنا ينهون عن النظر فيه، لما فيه من الإزراء بأهل السنّة، وقد أفرط فيه في التعصّب على أبي الحسن الأشعري، حتى صرح بنسبته إلى البدعة. وأمّا أبو الفتح الإمام محمّد بن

___________________

(١). وفيات الأعيان ٤ / ٢٧٣.

(٢). مرآة الجنان ٣ / ٢٨٩.

(٣). طبقات الشافعية ٢/١٠٦.

(٤). المختصر في أحوال البشر ٣ / ٢٧.

(٥). مدينة العلوم - في كتب الفرق.

١٤٨

عبد الكريم الشهرستاني المتوفى سنة ٥٤٨ فقد قال فيه أيضاً: هو عندي خير كتابٍ صنّف في هذا الباب، ومصنّف ابن حزم - وإنْ كان أبسط منه إلّا أنّه مبدّد ليس له نظام »(١) .

فوائد في كلام الشهرستاني

كانت العبارات المنقولة عن الكتب المذكورة صريحةً في إمامة هارون ووصياته عن موسى، وأنّه قد أفضى موسى علم التوراة والألواح وأسرارها إلى هارون، فكذلك أمير المؤمنينعليه‌السلام المنزّل منزلة هارون يكون هو الإمام والوصي بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والعارف بأسرار الكتاب الإلهي دون غيره، وأنّ هذه المنازل مختصّة به وبأولاده.

لكن في عبارة الشّهرستاني فوائد:

١ - إن موسى عليه السلام أفضى بأسرار التوراة والألواح إلى يوشع ليفضي إلى أولاد هارون، فيظهر أنّ إفضاء الأسرار كان أمراً مقصوداً لموسى، وأنّ هارون هو الذي كان يختص بتلك الأسرار، ولأجل ذلك اختص أولاده بها.

٢ - وأنّ السبب في الإختصاص المذكور اشتراك هارون مع موسى في أمر الرسالة والهداية كما قال:( وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) .

٣ - وأنّ هارون كان هو الوصيّ لموسى، ومن الواضح لدى كلّ مسلم أن وصاية النبي المعصوم لا تقبل الزوال والإنقطاع.

٤ - لكنّه لـمّا مات في حياة موسى انتقلت الوصاية إلى يوشع وديعةً، وأما الوصاية الأصليّة فكانت لهارون.

___________________

(١). كشف الظنون: ٥٧ ، ٢٩١.

١٤٩

٥ - وأن وصاية يوشع إنّما كانت لأجل إيصالها إلى ابني هارون، فهذا وجه آخر لكون الوصاية الأصليّة لهارون.

٦ - وأن الوصاية والإمامة تنقسم إلى مستودع ومستقر، وكانت وصاية أولاد هارون وإمامتهم مستقرّة.

وعلى ضوء هذه الاُمور نقول:

إنّ الوصاية والإمامة العامّة ثابتة لأمير المؤمنينعليه‌السلام ، بمقتضى عموم المنزلة، ولا أقل من حمل التشبيه على الأوصاف الظاهرة المشهورة، كما ظهر من إفادة ولي الله الدهلوي أمّا ( الدهلوي ) نفسه فيرى ضرورة الحمل على المشابهة الكاملة.

وأيضاً، إنّ ثبوت افتراض طاعة شبر وشبير، وثبوت إمامتهما ووصياتهما، يقتضي أن يكون الحسنان -عليهما‌السلام - مثلهما في جميع ذلك، وهو مقتضي تسميتهما باسم ابني هارون، كما في الحديث وستعرفه وإذا ثبت ذلك لهما ثبت لوالدهما الإمامة العامة بلا فصل، بالإجماع المركّب.

ولا يتوهّم: أنّ المراد من « قالوا » في عبارة الشهرستاني وغيره هم اليهود، فلا يتم الإستدلال.

لأنّ المراد قطعاً علماء الإسلام، لوجود الإستدلال في الكلام بالقرآن الكريم، وأيضاً قوله بعد ذلك: « واليهود تدّعي » يشهد بأنّ فاعل « قالوا » ليس اليهود. وأيضاً سكوت الشهرستاني وغيره عن مقول « قالوا » وعدم ردّهم عليه دليل على قبولهم له، فلو فرض كون القائل هم اليهود لم يسقط الإستدلال بالمقول.

وكما سكت الشهرستاني والعيني عمّا قالوا وسكوتهم دليل القبول، فإنّ بعض علماء أهل السنّة نقلوا الكلام من دون نسبةٍ إلى قائل، ممّا يدلُّ على القبول

١٥٠

له والإذعان به أيضاً ومنهم عَبد الوهاب الروداوري في ( نقاوة الملل وطراوة النحل ) ومصطفى بن خالقداد الهاشمي العبّاسي في ( توضيح الملل ).

٢ - من التّوراة

وإمامة هارون وأولاده صريح التوراة في مقامات كثيرة:

ففي الفصل الأول من السفر الرّابع:

« فكلّم الله موسى قائلاً: قدّم لسبط ليوي، فقفهم بين يدي هارون الإمام، فيخدموه ويحفظوا محفظه ومحفظ الجماعة بين بدي خباء المحضر، ويخدموا خدمة المسكن، ويحفظوا جميع آنية خباء المحضر، ومحفظ بني إسرائيل، ويخدموا خدمة المسكن، وادفع الليوانيين إلى هارون وبنيه مسلمون معطون هم له من بني إسرائيل، ووكّل هارون وينيه على أنْ يحفظوا إمامتهم، وأيّ أجنبي تقدم إليها فليقتل ».

أقول:

وكذلك أمير المؤمنين وأولاده -عليهم‌السلام - بحكم حديث المنزلة، وأنّ أي أجنبي عن الإمامة تقدّم إليها فليقتل

وفي السفر الرابع:

« الفصل الثامن عشر: فقال الله لهارون: أنت وابناك وآل أبيك معك تحملون وزر المقدس؛ وأنت وابناك معك يحملان وزر إمامتكم، وأيضاً إخوتك سبط ليوي سبط أبيك، قدّمه إلينا فينضافوا إليك ويخدموك، وأنت وابناك معك فقط بين يدي خباء الشهادة، ويحفظوا محفظك ومحفظ كل المضرب، لكن لا يتقدموا إلى آلة القدس والمذبح لئلّا يموتوا هم وأنتم والمنضافون إليك يحفظون

١٥١

حفظ خباء المضحر وجميع خدمته، وأجنبي لا يتقدم إليكم، وليحفظوا حفظ المقدس وحفظ المذبح، ولا يكون زيادة سخط على بني اسرائيل، فإني إنما أخذت إخوتكم الليوانيين من بين بني إسرائيل، وجعلتهم هبة لكم الله، ليخدموا خدمة خباء المحضر، وأنت وبنوك معك تحفظون إمامتكم لجميع أمور المذبح وداخل السِجف فتخدمونه، فقد جعلت إمامتكم خدمة موهونة، وأيّ أجنبي تقدم إليها فليقتل، ثم وكّل الله هارون فقال: إني قد أعطيتك حفظ رفائعي من جميع أقداس بني إسرائيل، أعطيتك إيّاها مسحاً وبنيك رسم الدهر، هذا يكون لك من خواص الأقداس من بعد المحرق، من جميع قرابينهم وبرّهم وذكاتهم وقربان الاثم الذي يأتوني به، فهو من خواص الأقداس لك ولبنيك ».

وفي السّفر الرابع:

« الفصل السادس عشر: وتقدّم قورح بين يِصهار بن قهاث بن ليوي، وداثان وأبيرام ابنا الياب واون بن فالث بنوراوبين، فقاموا أمام موسى وأناس من بني إسرائيل خمسون ومائتان اشراف الجماعة دعاة محضر وذوو أسماء، فتجوَّقوا على موسى وهارون وقالوا لهما: ما حسبكما رياسة، إذ الجماعة كلهم مقدسون، وفيما بينهم نور الله، فما بالكما تتشرفان على جوق الله؟ فسمع ذلك موسى ووقع على وجهه، فكلّم قورح، وكلّ جموعه وقال لهم: غداً يعرف الله من هوله ومن المقدس فيقرّ به إليه، ومن يختاره يقرّبه إليه، إصنعوا خلّة خذوا مجامر ياقورج وكلّ جموعه، واجعلوا عليها ناراً وألقوا فيها بين يدي الله غداً فاي رجل اختاره الله، فهو المقدس، حسبكم ذلك يا بني ليوي، ثم قال لهم موسى: اسمعوا يا بني ليوي، أقليل عندكم أنْ أفرزكم إله اسرائيل من جماعتكم، فقرّبكم إليه لتخدموا خدمة مسكنة، وتقفوا بين يدي الجماعة تخدمونهم، فكذاك قرّبك وسائر إخوتك بني ليوي معك، حتى طلبتم الإمامة أيضاً

١٥٢

فكلّم الله موسى قائلاً: مر الجماعة وقل لهم: ارتفقوا من حوالي مسكن قورح وداثان وابيرام. فقام موسى ومضى إلى داثان وابيرام، ومضى معه شيوخ بني إسرائيل، فكلّم الجماعة وقال لهم: اجتنبوا أخبية هؤلاء اقوم الظالمين، ولا تدقوا بشيء ممّا هو لهم، كيلا تتساقوا بجميع خطاياهم، فارتفعوا عن حوالي مسكن قورح وداثان وابيرام، وهما خرجا أيضاً وانتصبا على ابواب خيمهما ونساؤهما وبنوهما وأطفالهما. فقال موسى: بهذه تعلمون أن الله بعث بي لأعمل جميع هذه الأعمال، وليس ذلك من تلقاء نفسي، إنْ مات هؤلاء كموت كلّ الناس، وطولبوا كمطالبتهم، فليس الله بعث بي، وإنْ خلق الله خلقاً بأنْ تفتح الأرض فاهاً فتبلعهم وجميع مالهم، فينزلون أحياء إلى الثرى، علمتم أن هؤلاء قد عصوا الله.

فكان عند فراغه من قول هذا الكلام أنْ انشقّت الأرض التي تحتهم، وفتحت فاهاً فابتلعتهم وبيوتهم، وكل إنسان لقودح وجميع السرح، فنزلوا هم وجميع ما لهم أحياء إلى الثرى وتعطّعت عليهم الأرض وبادوا من جميع الجوق وجميع بني إسرائيل الذين حواليهم هربوا من شدة صوتهم، قالوا: كيلا تبتلعنا الأرض، ونار أخرجت من عند الله وأحرقت المائتين وخمسين رجلاً مقربي البخور.

وكلّم الله موسى قائلاً: مر العازار بن هارون الإمام بأنْ يرفع المجامر من بين يدي المحرقين ويذر النار هناك، لأنها قد تقدست، وأما مجامر أولئك المخطئين على نفوسهم فيصنعونها صفائح رقاقاً غشاء للمذبح، فإنهم لما قدّموها بين يدي الله قد تقدست وتصير علامةً لبني إسرائيل.

وأخذ العارزار الإمام مجامر النحاس التي قدّمها المحرقون فارقوها صفائح للمذبح ذكراً لبني إسرائيل، كي لا يتقدم رجل أجنبي ممّن ليس هو من

١٥٣

نسل هارون، ليبخّر بخوراً بين يدي الله ولا يكون كقورح وكجموعه كما نزّل الله على يد موسى فيه».

وفي الفصل الثلاثون من السفر الثاني:

« والمائدة وجميع آنيتها والمنارة وآنيتها ومذبح البخور ومذبح الصعيدة وجميع آنيته والحوض ومقعده وقدس جميعها تكن من خواص الأقداس، كل من دنا بها تقدس وتمسح هارون وبنيه وقدسهم، ليؤمّوا لي، ومر بني إسرائيل قائلاً: يكون هذا دهن مسح القدس لي لأجيالكم لا يدهن به بدن إنسان، ولا تصنعو مثله على هيئته، وكما هو قدس كذاك فليكن قدساً لكم، أي إنسانٍ تعطّر بمثله أو جعل منه على أجنبي ينقطع من قومه ».

وفي السفر الثاني:

« الفصل الخامس والثلاثون وثياب القدس لهارون الإمام وثياب بنيه للإمانة ».

وفي السفر الثاني:

« الفصل التاسع والثلاثون صنعوا ثياب القدس التي لهان كما أمر الله موسى به

الفصل الأربعون: ثم كلّم الله موسى قائلاً وقدّم هارون وبنيه إلى باب خباء المحضر، فاغسلهم بالماء، وألبس لهارون ثياب القدس وامسحه وقدّسه، ليؤمَّ لي، وقدّم بنيه وألبسهم تونيات وأمسحهم كما مسحت أباهم، ليؤموا لي، ويكون مسحهم لهم إمامة الدهر لأجيالهم.

وعمل موسى بجميع ما أمره الله به ».

وفي السفر الثالث:

« الفصل الأول: ودعا الله موسى فخاطبه من خباء المحضر قائلاً: خاطب

١٥٤

بني إسرائيل قائلاً: أي إنسان منكم قرّب قرباناً من البهائم فليقرّبه وليقدم بنو هارون الأئمة الدم، ويرشح الإمام عند المذبح الذي عند باب خباء المحضر مستديراً، ويسلخ الصعيدة وبعّضها أعضاء، ويشعل بنو هارون الإمام ناراً على المذبح، وينضدوا عليها حَطباً وينضدوا بنو هارون الإمام الأعضاء والرأس والقصبة على الحطب الذي على النار ».

وفي السفر الرابع:

« الفصل الرابع: ثم كلّم الله موسى وهارون قائلاً: ارفعوا جملة بني قهّاث من بني ليوي بعشائرهم وبيوت آبائهم ».

أقول:

فقد جاء في هذه النصوص وغيرها أنّ الله كلّم موسى عن هارون ووصف هارون وبنيه بالإمامة، وأمرهم بالقيام بشئون الإمامة ووظائفها وهذه الإمامة لم تكن مؤقتةً بوقتٍ بل كانت دائمةً غير منقطعة أبداً.

ولـمّا كان أمير المؤمنين -عليه‌السلام - نازلاً منزلة هارونعليه‌السلام ، فإنّ رتبة الإمامة ثابتة له في حياة الرسول وبعد وفاته -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وكذا الحسنان من بعده، وأن على الاُمة مراجتهم في جميع الاُمور والإنصياع لأوامرهم، وأن تقدّم الأجنبي عليهم في أمر الإمامة حرام.

احتجاج الدهلوي بالعهدين

فإنْ قيل: إنّ الإستدلال بعبارت التوراة لإثبات إمامة الأميرعليه‌السلام ليس في محله، لوجود التحريف والتّبديل في التوراة، وسقوطها عن درجة الإعتبار لدى العلماء الكبار.

١٥٥

قلنا:

أولاً : إنّ ( الدهلوي ) إحتج بالتوراة في العقيدة التاسعة، من باب النبوة، من كتابه ( التحفة )، وكذا بالإنجيل والزّبور(١) لإثبات أن نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مبعوث إلى الخلق كافّة فكما أن عبارات هذه الكتب في إثبات مطلبه حجة، كذلك هي حجة في إثبات مطلبنا.

مؤيّدات الإمامية في التوراة كما نقل السنّة

وثانياً : إنّ السبب الوحيد لعدم قبول القوم تلك العبارات الدالّة على الامامة، هو كونها مؤيّدةً مذهب الإمامية، وإلّا ففي التوراة وغيرها من الكتب السابقة عبارات أخرى تؤيّد مذهب الإمامية، نقلها الأعلام أهل السنّة ووافقوا عليها واستشهدوا بها فكما تلك مقبولة عندهم فكذا ما ذكرنا من العبارات

ومن العبارات المؤيّدة لمذهب الإمامية الموجودة في التوراة كما نقل أعلام السنّة.

ما ذكره الرازي ( في تفسيره ) - في تعداد البشارات بنبوّة نبيّنا الأكرم:

« الخامس - روى السّمان في تفسيره، عن السفر الأول من التوراة: إن الله تعالى أوحى إلى إبراهيم صلوات الله عليه وقال: قد أجَبتُ دعاءك في إسماعيل وباركت عليه فكبّرته وعظّمته جدّاً جدّاً، واجعله لاُمة عظيمة، وسيلد اثني عشر عظيماً، والإستدلال به: إنه لم يكن في ولد إسماعيل من كان لاُمّة عظيمة غير نبيّنا محمد صلّى الله عليه وسلّم ».

وقال شهاب الدين القرافي المالكي(٢) : « الباب الرابع - فيما يدل من كتب

___________________

(١). التحفة الاثنا عشرية: ١٦٩.

(٢). شهاب الدين أحمد بن إدريس، المتوفّى سنة ٦٨٤.

١٥٦

القوم على صحة ديننا ونبوّة نبيّناعليه‌السلام ، وأنهم لمخالفته كافرون، ولمعاندة الله تعالى مبعدون عن رحمته، معارضةً لاستدلالاتهم بكتابنا على صحة دينهم وأنا أذكر من البشائر الدالّة على صحة ديننا خمسين بشارة:

البشارة الأولى - في السفر الأول من التوراة، في الفصل العاشر: قال الله تعالى لإبراهيمعليه‌السلام : في هذا العام يولد لك ولد اسمه إسحاق، فقال إبراهيم: لست إسماعيل، هذا يحيى بين يديك بمجدك. فقال الله تعالى: قد استجيب لك في اسماعيل، إني اُباركه واُعظّمه جدّاً جدّاً بما قد استجبت فيه، وأصيّره لاُمة كثيرة، اُعطيه شعباً جليلاً، وسيلد اثني عشر عظيماً »(١) .

وقال رحمة الله الهندي: « البشارة الرابعة » في الآية العشرين، من الباب السابع عشر، سفر التكوين: وعد الله في حق إسماعيلعليه‌السلام لأبراهيمعليه‌السلام في الترجمة العربية المطبوعة سنة ١٨٤٤ هكذا: وعلى إسماعيل استجيب لك هو ذا اُباركه واُكبره واُكثّره جدّاً، فسيلد اثني عشر رئيساً، وأجعله لشعبٍ كبير »(٢) .

البشارة بالأئمة الاثنى عشر كما نقل السنة واعترفوا

ولا يخفى، أنّ ما جاء في نقلهم عن التوراة من أنه سيلد إسماعيل اثني عشر عظيماً، إنّما هو بشارة بالأئمة الاثني عشر من أهل بيت النبي والعترة الطاهرة وهذا وإنْ لم يعترف ويصرّح به كلّهم، فقد جاء في اعتراف بعضٍ منهم:

فقد قال العلامة جواد بن إبراهيم ساباط الحنفي: « وترجمته بالعربية: وأمّا إسماعيل فإني قد سمعت دعاءك له، وها أنا ذا قد باركت فيه وجعلته

___________________

(١). الاجوبة الفاخرة عن الاسئلة الفاجرة - الباب الرابع.

(٢). اظهار الحق: ٢١٣.

١٥٧

مثمراً، وساُكثّره تكثيراً، وسيلد اثني عشر ملكاً، وساُصيّرهم اُمّةً عظيمة.

أقول: ذهب اليهود والنصارى إلى أن المراد بالملاك الاثني عشْر أولاد إسماعيل الاثنا عشر، وهو باطل، لأنهم لم يتملّكوا، ولم يدّعوا الملكيّة.

والحق: إنه في شأن الأئمة الاثني عشر، التي تعتقد الشيعة عصمتها، وسيأتي بيان ذلك في ذكر المهدي، عجل الله بظهوره »(١) .

وممّا جاء في الكتب السابقة مؤيّداً لمذهب الإمامية: ما ذكره الشيخ جواد ساباط في كتابه تحت عنوان « فيما يخص بمحمد وأولاده على الإجمال وما يخص مكة شرّفها الله ». فإنه أورد عبارةً من سفر رؤيا يوحنا وترجمها إلى العربية فقال:

« أقول: هذه سبعة براهين متواترة مترادفة، في الإصحاح - ٢ و ٣ - من رؤيا يوحنا بن زيدي، تدل دلالةً صريحةً على بعثة محمد صلّى الله عليه وسلّم، وعلى نبوّته العامة، وقبلته الجديدة، وعلوّ درجته، تغافل النصارى عنها، وأوّلوها تأويلاتٍ ركيكة لا تستقيم على شيء منها حجة، ولا يثبت برهان ».

ثم ذكر رؤيا يوحنا ثم قال:

« فاعلم: أن هذه الرّؤيا على ما يعتقده النصارى رؤيا رآها يوحناعليه‌السلام ، تشتمل على الأخبار التي حدثت في العالم، من ارتفاع المسيحعليه‌السلام إلى بعثة محمد صلّى الله عليه وسلّم، ومن وفاته إلى ظهور المهديرضي‌الله‌عنه ، ومن وفاته إلى قيام الساعة. ولا شك في أنها تدل على جميع ذلك، وأنها كلام الله تعالى، لكني لست بمطمئن الخاطر من تحريفها، ومع ذلك لا شك أن أماكن الإستدلال فيها قائمة على دعائمها الأصلية، فمن جملة ذلك الموتة الثانية.

___________________

(١). البراهين الساباطية فيما تستقيم به الملة المحمدية.

١٥٨

وهي عند النصارى عبارة من موت الإنسان في الذنب، أي انهماكه فيه لا غير. وأما البعث فإنهم يعترفون بقيام جميع الناس عند ظهور المسيح، وبخلود أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار، ولم يتعرّضوا للبحث في هذا المقام.

وعند اليهود عبارة عن الموتة التي لا تكون بعدها موتة وفيه ما فيه

وعند المسلمين، أما أهل السنّة والجماعة، فالظاهر أنهم لا يعترفون بموتةٍ ثانية، ولم يذكروا إلّا الموتة الاُولى والحياة الثانية، وبعدها يساق الذين آمنوا إلى الجنة والذين كفروا إلى النار، وقالوا: إن الاستثناء في مثل( لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى ) منقطع.

وأمّا الاماميّة فيقولون: إنه إذا ظهر المهدي -رضي‌الله‌عنه - ونزل عيسىعليه‌السلام ، يرجع حينئذٍ محمد صلّى الله عليه وسلّم وعلي وفاطمة والحسنان - رضي الله عنهم -، ويرجع معهم الأبرار والفجار، وتستقلّ لهم المملكة. واستدلّوا بآيات كثيرة منها قوله تعالى:( إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ ) وقالوا: إنّ علي بن إبراهيم وسهل بن عبدالله، قد رويا عن الصادقرضي‌الله‌عنه : إن يوم يقوم الأشهاد يوم رجعة محمد صلّى الله عليه وسلّم. وبقوله تعالى:( رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ) وفيه بحث »(١) .

فالموتة الثانية التي ذكرها يوحنا لا تنطبق إلّاعلى مذهب الإمامية وأما قوله: « وفيه بحث » فكلام مجمل، فإنْ أراد الإشكال في مذهب الإمامية، ففي كلماته الآتية الخالية من هذا التشكيك كفاية

وذكر جواد ساباط في بيان الاُمور المستفادة من رؤيا يوحنا:

« ومنها - الحصاة البيضاء، وهي يدفعها عيسى أو روح القدسعليها‌السلام إلى المظفّر، وهو الذي يكون بعده، ولا يفهم ما كتب عليها إلّا من

___________________

(١). البراهين الساباطية. البرهان الأول من المقالة الثالثة من التبصرة الثالثة.

١٥٩

يأخذها، ولا شيء يشابه ذلك في مذاهب أهل السنّة والجماعة. وذهب الإمامية إلى أنّ جبرئيلعليه‌السلام قد أعطى ذلك محمداً صلّى الله عليه وسلّم، وهو دفعه إلى علي -رضي‌الله‌عنه - وهلمّ جرّاً إلى الحسن بن عليرضي‌الله‌عنه - وهو دفعها إلى المهدي ».

وقال في ( البراهين الساباطيّة ):

« قوله: المظفّر لا تضرّه الموتة الثانية، يريد به محمداً صلّى الله عليه وسلّم، والموتة الثانية مرّ ذكرها في مقدمة البحث ».

وقال في ( البراهين الساباطية ):

« قوله: واكتب إلى ملك كنيسة بيرغاموس، وهي بلد في عرض ٣٩ درجة و ٢٠ دقيقة من الشمال، وطول ٤٠ درجة من الطول الجديد. قوله: هذا ما يقول ذو السيف الحاد إني قد عرفت الخ. إشارة إلى حسن اعتقادهم وعدم انحرافهم عن دينه في أوان الشبهات، إلّا أن بعضهم كانوا يستعملون الرياضات والطلاسم، مثل بلعام باعور، فمنع عن ذلك وجرحهم به، وبعضهم ببدع النيقود يمسيين، وهي إضافة إلى نيقود يمس وهو شماس دهري، فمنعهمعليه‌السلام عن اتّباع شبهاته، ونيقوديمس هذا ليس بنيقوديمس الذي ذكر في ٣ - ١ - من يوحنا، فإن ذلك كان من مقدسي النصارىرحمه‌الله . ثم قال:

إن تركت هذين الأمرين، وسلكت في سبيل الرشاد الذي أمرتك بسلوكه، وإلّا جئت وحاربتك بسيف فمي. قال بعض النصارى: إنه يريد بسيف فمه سيف الله أبيه، فعلى هذا التقرير يكون المراد به عليّاً -رضي‌الله‌عنه - لأنه هو سيف الله الذي قاتل مشركي اليهود والنصارى ».

وقال في ( البراهين الساباطية ):

« قوله: إنّي ساُطعم المظفّر من المن المكتوم. يريد به محمداً صلّى الله

١٦٠