نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٨

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار0%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 421

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف: الصفحات: 421
المشاهدات: 226575
تحميل: 4921


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 421 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 226575 / تحميل: 4921
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء 18

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

قال أبو محمد عبدالله بن مسلم بن قتيبة في كتاب الإمامة والسياسة: كان مسلمة بن مروان والياً على أهل مكّة، فبينا هو يخطب على المنبر إذ أقبل خالد ابن عبدالله القسري من الشام والياً عليها، فدخل المسجد، فلما قضى مسلمة خطبته صعد خالد المنبر، فلما ارتقى في الدرجة الثالثة تحت مسلمة أخرج طوماراً ففضّه ثم قرأه على الناس وفيه: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الملك ابن مروان أمير المؤمنين إلى أهل مكة: أما بعد، فإني ولّيت عليكم خالد بن عبدالله القسري، فاسمعوا له وأطيعوا، ولا يجعلنّ أحد على نفسه سبيلاً، فإنما هو القتل لا غيره، وقد برئت الذمّة من رجلٍ آوى سعيد بن جبير. والسلام.

ثم التفت إليهم خالد فقال: والذي يحلف به ويحج إليه، لا أجده في دار أحدٍ إلّا قتلته، وهدمت داره ودار كلّ من جاوره، واستبحت حرمه، وقد أجلت لكم فيه ثلاثة أيام. ثم نزل.

ودعا مسلمة برواحله ولحق بالشام.

فأتى رجل إلى خالد وقال له: إن سعيد بن جبير بوادي كذا من أودية مكّة مختفياً بمكان كذا. فأرسل خالد في طلبه، فأتاه الرسول، فلمـّا نظر إليه قال: إني اُمرت بأخذك، وأتيت لأذهب بك، وأعوذ بالله من ذلك، فالحق بأيّ بلدٍ شئت، وأنا معك. فقال سعيد بن جبير: ألك ههنا أهل وولد؟ قال: نعم. قال: إنهم يؤخذون بعدك، وينالهم من المكروه مثل الذي كان ينالني. قال: فإني أكلهم إلى الله عزّوجلّ. قال سعيد: لا يكون هذا. فأتى به إلى خالد، فشدّه وثاقاً، ثم بعث به إلى الحجّاج.

فقال رجل من أهل الشام: إن الحجاج قد أنذر به وأشعر به قبلك فما عرض له، فلو جعلته بينك وبين الله لكان أزكى من كل عملٍ يتقرّب به إلى الله تعالى.

قال خالد - وظهره إلى الكعبة قد استند إليها - والله لو علمت أن عبد الملك لا يرضى عنّي إلّا بنقض هذا البيت حجراً حجراً لنقضته في مرضاته ».

٢٤١

وهذه العبارة التي نقلها ابن فهد عن ( الإمامة والسياسة ) موجودة في نسخ هذا الكتاب. قال ابن قتيبة في ( الإمامة والسياسة ):

« ذكر قتل سعيد بن جبير: وذكروا أنّ مسلمة بن عبد الملك كان والياً على أهل مكة، فبينا هو يخطب على المنبر إذ أقبل خالد بن عبدالله القسري من الشام والياً عليها فدخل المسجد، فلما قضى مسلمة خطبته صعد خالد المنبر، فلما ارتقى في الدرجة الثالثة تحت مسلمة أخرج طوماراً ففضّه ثم قرأه على الناس: بسم الله الرحمن الرحيم »(١) .

فثبت كون الكتاب لابن قتيبة. ولله الحمد على ذلك.

(٢) ونسب صاحب ( غاية المرام بأخبار سلطنة البلد الحرام ) وهو الشيخ العلّامة عز الدين عبد العزيز بن عمر بن فهد كتاب ( الإمامة والسياسة ) إلى ابن قتيبة، بلا أي شكٍ وترديد وهذه عبارته:

« وروى العتبي عن رجلٍ قال: خطب خالد بن عبدالله القسري بواسط فقال: إن أكرم الناس من أعطى من لا يرجوه، وأعظم الناس عفواً من عفا عن قدرة، وأوصل الناس من وصل عن قطعيةٍ.

وبنى خالد لاُمّه كنيسةً وكانت نصرانية، وهجي بأبيات. إنتهى.

وقال الوالد: لخالد القسري حديث في ثالث المخلص الكبير.

وفي المنتقى من سبعته.

وفي مسند عبد بن حميد وهو من سماع الحجاز، حدّثني عمرو بن عون، حدثنا هشيم، عن سيار أبي الحكم، عن خالد بن عبدالله القسري، عن أبيه، عن جدّه: إن النبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال له: يا يزيد أحب الناس ما تحبُّ لنفسك. انتهى.

___________________

(١). الامامة والسياسة ٢ / ٥١.

٢٤٢

قلت: وذكر ما تقدم في ترجمة مسلمة بن عبد الملك عن ابن قتيبة في الإمامة والسّياسة »(١) .

ولا يخفى أن الشيخ عبد العزيز المذكور هو شيخ قطب الدين النهرواني صاحب ( الإعلام بأعلام بيت الله الحرام )، والمترجم له في ( ريحانة الألباء ) للعلامة الشهاب الخفاجي.

(٣) والشاهد الثالث هو: العلّامة تقي الدين محمّد بن أحمد الفاسي صاحب ( العقد الثمين ) - والمترجم له في الضوء اللامع وغيره - فإنه نقل عن ( الإمامة والسياسة ) واعتمد عليه كذلك من غير تشكيك في نسبته إلى ابن قتيبة حيث قال بترجمة مسلمة بن عبد الملك بن مروان:

« أمير مكة، ذكر ولايته عليها ابن قتيبة في الإمامة والسياسة »(٢) .

(٤) وهناك شاهد رابع - وهو متقدم على الشهود الثلاثة - وهو الشيخ أبو الحجاج يوسف بن محمد البلوي صاحب كتاب ( الف باء ) المذكور في ( كشف الظنون ) بقوله: « ألف باء في المحاضرات. للشيخ أبي الحجاج يوسف بن محمّد البلوي الأندلسي المعروف بابن الشيخ، وهو مجلد ضخم أوّله: إنّ أفصح كلام سمع وأعجز حمد الله تعالى بنفسه ذكر فيه أنّه جمع فوائد بدائع العلوم لابنه عبد الرحيم بعد موته، إذ لم يلحق بعد لصغره إلى درجة النبلاء، وسمّى ما جمعه لهذا الطفل المربّى بكتاب ألف با » - حيث قال:

« فصل - وأما ابن جبير ففضله أيضاً مشهور، وفي الدواوين مذكور: ذكر ابن قتيبة في الإمامة والسياسة: إنّه لمـّا قدم على الحجاج سعيد بن جبير قال له:

ما اسمك؟ قال: أنا سعيد بن جبير. فقال الحجاج: بل أنت شقي بن كسير.

___________________

(١). غاية المرام بأخبار سلطنة البلد الحرام. ترجمة خالد بن عبدالله بن يزيد القسري.

(٢). العقد الثمين بأخبار البلد الأمين ٧ / ١٩٤.

٢٤٣

قال سعيد: اُمّي أعلم باسمي واسم أبي. قال الحجاج: شقيت وشقيت اُمّك. قال سعيد: العلم يعلمه غيرك. قال: لاُوردنّك حياض الموت. قال سعيد: أصابت اُمّي إذاً اسمي ».

(٥) وممن ينقل عن ( الإمامة والسياسة ) كثيراً: أبو المجد محمد محبوب عالم في تفسيره المعروف بـ ( تفسير شاهي ) الذي نصّ على اعتباره واعتمد عليه ( الدهلوي ) في الباب الثالث من ( تحفته )(١) ، وكذا تلميذه الرشيد في ( إيضاحه ) فإنّه ينقل عنه في موضع منه، منها: بتفسير قوله تعالى:( وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ ) (٢) حيث يقول:

« في كتاب الإمامة والسياسة: قام علي كرم الله تعالى وجهه خطيباً فقال: أيها الناس، إن القوم إنّما فرّوا من كتاب الله ثم بدا لهم أن دعونا إليه، وإني أكره أن أكون من الفريق المتولّي عن كتاب الله. إن الله عزّوجلّ يقول:( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا ) .

ومنها: بتفسير قوله تعالى:( وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ ) (٣) قال: « وفي كتاب الإمامة والسياسة: لما قتل علي بن أبي طالب - كرّم الله تعالى وجهه - ثار الناس إلى الحسن بن علي - رضي الله تعالى عنهما - فلمـّا بايعوه قال لهم: تبايعون لي على السمع والطّاعة، وتحاربون ما حاربت وتسالمون من سالمت »(٤) .

___________________

(١). التحفة الاثنا عشرية: ٩٧.

(٢). سورة النور: ٤٩.

(٣). سورة الأنبياء: ١١١.

(٤). انظر: الامامة والسياسة ١ / ١٦٣.

٢٤٤

(٢٠)

الأفضليّة من منازل هارون

إنه لا ريب لأحدٍ في أنّ من منازل هارون هو أفضليته من جميع الاُمة الموسويّة، فلا ريب أيضاً في أفضلية أمير المؤمنين من جميع الاُمة المحمدية

لقد نصّ شاه ولي الله الدهلوي - في ( إزالة الخفا ) - على أنّه لم يكن في زمن موسى من يناله مقام الوزارة لموسى إلّا هارون، وأنّه إنما طلب موسى من الله أن يجعل أخاه هارون وزيراً ورداءاً له لا لكونه أخاه، بل لعدم وجود أحد غيره يصلح لهذا المقام.

ودلالة ذلك على الأفضلية واضحة

كما نصّ القاضي عياض على أنّه لم يكن في زمن موسى نبي غيره، إلّا أخاه هارون حيث قال بعد حديث يتعلّق بقصة موسى والخضر: « وهذا الحديث إحدى حجج القائلين بنبوّة الخضر، لقوله فيه: أنا أعلم من موسى، ولا يكون الولي أعلم من النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأمّا الأنبياء فيتفاضلون في المعارف، وبقوله: ما فعلته عن أمري، فدلَّ أنّه بوحي. ومن قال إنّه ليس بنبيّ قال: يحتمل أنْ يكون فعله بأمر نبيّ آخر. وهذا يضعَّف، لأنّه ما علمنا أنّه كان في زمن موسىعليه‌السلام نبي غيره إلّا أخاه هارون، وما نقل أحد من أهل الأخبار في ذلك شيئاً يعوَّل عليه »(١) .

___________________

(١). الشفا بتعريف حقوق المصطفى. وانظر ٢ / ٢٨٣.

٢٤٥

ودلالة ذلك على الأفضلية واضحة كذلك، إذ النبي أفضل من غيره بلا كلام ولا خلاف.

وعلى الجملة، فإنّ حديث المنزلة يدل على أن أمير المؤمنينعليه‌السلام عند النبي -صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - أفضل وأشرف من كلّ أحدٍ سواه، إذ من الواضح جدّاً أنّه لو قيل: زيد عند بكر بمنزلة فلان الوزير عند السلطان فلان - وكان الوزير أفضل الناس عند السلطان - فُهم أفضلية زيد عند بكر من جميع الناس وهذا من الوضوح بمكانٍ بحيث يعدّ منكره معانداً مكابراً ولا يجوّز عاقل كون عليعليه‌السلام عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمنزلة هارون عند موسى -عليهما‌السلام -، مع فرض كونه في المرتبة الرابعة في الأفضلية - والعياذ بالله.

على أن شاه ولي الله الدهلوي جعل المعتبر في المشابهة هو الأوصاف المشهورة المذكورة على الألسنة، وهو يعترف بكون هارون هو أفضل القوم في اُمّة موسى، ومن الواضح جدّاً أن الأفضلية من أجلى تلك الأوصاف، ولعلّ لوضوح ذلك وثبوته لم يعدها ولي الله منها.

بل إنّ ولي الله نفسه يصرّح بدلالة حديث المنزلة على أفضلية أمير المؤمنينعليه‌السلام حيث يقول في مبحث فضائله: « وكان خليفته في غزوة تبوك على المدينة المنورة، وهناك ظهرت فضيلته العظمى بقوله: أنت مني بمنزلة هارون من موسى »(١) لأنّه وصف الفضيلة بـ « العظمى » وهذه الكلمة تأنيث « الأعظم » بلحاظ لفظ « الفضيلة » ولو قال « الفضل » لقال « الأعظم ». فأمير المؤمنين صاحب « الفضل الأعظم » بحديث المنزلة، فهو « الأفضل ».

وبما ذكره شاء ولي الله يبطل ما لفّقه بعضهم لإنكار دلالة الحديث الشريف

___________________

(١). قرة العينين. مبحث فضائل علي.

٢٤٦

على أفضليّة الإمامعليه‌السلام من غيره.

وكما يثبت دلالته على الأفضلية من كلام ولي الله الدهلوي، كذلك يثبت من كلام نجله ( الدهلوي )، لأنه قد حرّم حمل الحديث الشريف على التشبيه الناقص، ومن المعلوم أنّه لو أنكرت أفضليته بل ادعي كونه مفضولاً للثلاثة، فقد حمل الحديث على التشبيه الناقص

هذا كلّه، مضافاً إلى ما تقدم من أدلة عموم المنزلة فإنها تقضي أن يكون أمير المؤمنين أفضل الاُمة، كما كان المشبَّه به أعني هارون أفضل الاُمة

تحريم القاضي عياض وغيره تشبيه غير النبي بالنّبي

وعلى الجملة، فمقتضى أدلة عموم التنزيل، وكذا ما ذكره ( الدهلوي ) ووالده، هو دلالة حديث المنزلة على أفضلية الأمير في الاُمة، كما كان هارون هو الأفضل في اُمة موسى.

ومما يؤكّد ما ذكرنا كلام القاضي عياض، في باب بيان ما هو في حقّ النبيعليه‌السلام سب أو نقص:

« فصل. الوجه الخامس - أنْ لا يقصد نقصاً ولا يذكر عيباً ولا سبّاً، ولكنه ينزع بذكر بعض أوصافه، و يستشهد ببعض أحواله صلّى الله عليه وسلّم الجائزة في الدنيا على طريق ضرب المثل والحجة، لنفسه أو لغيره، أو على التشبيه به أو عند هضيمةٍ نالته أو غضاضة لحقته، ليس على طريق التأسّي وطريق التحقيق، بل على مقصد الترفيع لنفسه أو لغيره أو على سبيل التمثيل وعدم التوقير لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم، أو قصد الهزل والنذير بقوله، كقول القائل: إنْ قيل فيَّ السوءُ فقد قيل في النبي، أو إنْ كُذّبت فقد كُذّب الأنبياء، أو إنْ أذنبت فقد أذنبوا، أو أنا أسلم من ألسنة الناس ولم يسلم منهم أنبياء الله ورسله؟ أو قد صبرت كما صبر أولوا العزم

٢٤٧

من الرسل، أو كصبر أيوب، أو قد صبر نبي الله عن عداه وحلم على أكثر ممّا صبرت.

وكقول المتنبّي:

أنا في اُمة تداركها الله

غريب كصالح في ثمود

ونحوه من أشعار المتعجرفين في القول، المتساهلين في الكلام، كقول المعرّي:

كنت موسى وافته بنت شعيب

غير أن ليس فيكما من فقير

على أن آخر البيت شديد عند تدبّره، وداخل في الإزراء والتحقير بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، وتفضيل حال غيره عليه. وكذلك قوله:

لولا انقطاع الوحي بعد محمّد

فلنا محمّد عن أبيه بديل

هو مثله في الفضل إلّا أنه

لم يأته بسرسالةٍ جبريل

فصدر البيت الثاني من هذا الفصل شديد، لتشبيهه غير النبي صلّى الله عليه وسلّم في فضله بالنبي، والعجز محتمل لوجهين: أحدهما: إن هذه الفضيلة نقصت الممدوح، والآخر: استغناؤه عنها، وهذه أشد. ونحو منه قول الآخر:

وإذا ما رفعت راياته

خفقت بين جناحي جبرين

وقول الآخر من أهل العصر:

فرّ من الخلد واستجار بنا

فصبّر الله قلب رضوان

وكقول حسّان المصيصي من شعراء الأندلس، في محمّد بن عباد المعروف بالمعتمد ووزيره أبي بكر بن زيدون:

كأنّ أبا بكر أبو بكر الرضا

وحسان حسان وأنت محمّد

إلى أمثال هذا. وإنما أكثرنا بشاهدها مع استثقالنا حكايتها، لتعريف أمثلتها، ولتساهل كثير من الناس في ولوج هذا الباب الضنك واستخفافهم فادح

٢٤٨

هذا العبء، وقلّة علمهم بعظيم ما فيه من الوزر، وكلامهم منه بما ليس لهم به علم، وتحسبونه هيّناً وهو عند الله عظيم.

لا سيّما الشعراء، وأشدّهم فيه تصريحاً وللسانه تسريحاً ابن هاني الأندلسي، وابن سليمان المعرّي، بل قد خرج كثير من كلامهما عن هذا إلى حدّ الإستخفاف والنقص وصريح الكفر، وقد اجتنبنا عنه.

وغرضنا الآن الكلام في هذا الفصل الذي سقنا أمثلته، فإنّ هذه كلّها وإنْ لم تتضمّن سبّاً ولا أضافت إلى الملائكة والأنبياء نقصاً، ولست أعني عجزي بيتي المعري، ولا قصد قائلها إزراء وغصّاً، فما وقّر النبوة ولا عظّم الرسالة، ولا غزّر حرمة الإصطفاء، ولا غزز حظوة الكرامة، حتى شبّه من شبّه في كرامةٍ نالها أو معرّة قصد الإنتفاء منها، أو ضرب مثل لتطييب مجلسه أو إغلاء في وصفه لتحسين كلامه بمن عظم الله خطره وشرف قدره، وألزم توقيره وبرّه ونهى عن جهر القول له ورفع الصوت عنده.

فحق هذا - إنْ درء عنه القتل - الأدب والسجن، وقوة تعزيره، بحسب شنعة مقاله ومقتضى قبح ما نطق به، ومألوف عادته لمثله أو ندوره أو قرينة كلامه أو ندمه على ما سبق منه.

ولم يزل المتقدمون ينكرون مثل هذا ممّن جاء، وقد أنكر الرشيد على أبي نؤاس قوله:

فإن يك باقى سحر فرعون فيكم

فإنّ عصى موسى بكف خَصيب

وقال له: يا ابن اللخناء، أنت المستهزىء بعصا موسى، وأمر بإخراجه عن عسكره من ليلته.

وذكر القاضي القتيبي: أن ممّا اُخذ عليه أيضاً وكُفّر فيه أو قارب، قوله في محمد الأمين وتشبيهه إيّاه بالنبي صلّى الله عليه وسلّم:

٢٤٩

تنازع الأحمدان الشبه فاشتبها

خلقاً وخلقاً كما قدّ الشراكان

وقد أنكروا أيضاً عليه قوله:

كيف لا يدنيك من أملٍ

من رسول الله من نفره

لأن حق الرسول وموجب تعظيمه وإنافة منزلته أن يضاف إليه ولا يضاف هو لغيره

فالحكم في أمثال هذا ما بسطناه في طريق الفتيا، على هذا المنهج جاءت فتيا إمام مذهبنا مالك بن أنس رحمه ‌الله وأصحابه »(١) .

وحاصل هذا الكلام تحريم تشبيه غير النبي بالنبي، بل تحريم تشبيه بعض أحوال غير النبي ببعض أحوال نبي من الأنبياء، وأن فعل ذلك يستوجب التعزيز إنْ لم يستوجب القتل

فلو لم يكن عليعليه‌السلام معصوماً عن الخطأ، ولم يكن الأفضل في الامة بعد النبيّ، بل كان كغيره من الأصحاب كان تشبيهه بهارونعليه‌السلام محرماً، واللازم باطل فالملزوم مثله

إذاً، فتشبيه أمير المؤمنينعليه‌السلام بهارونعليه‌السلام دليل العصمة والأفضلية والحمد لله رب العالمين.

لكن التعصّب يحمل القاضي عياض على أنْ ينفي دلالة حديث المنزلة على الأفضلية، ويسعى وراء إنكار مدلوله الذي كان مقتضى عبارته المذكورة الإذعان به؟

___________________

(١). الشفا بتعريف حقوق المصطفى ٢ / ٥٢١ - ٥٢٦.

٢٥٠

تصريح شبعة بن الحجاج بدلالة الحديث على الأفضلية

وقد صرّح إمام جليل من أئمتهم واعترف بما ذكرناه من دلالة حديث المنزلة على الأفضلية المطلقة لأمير المؤمنينعليه‌السلام ألا وهو شعبة بن الحجّاج فقد نقل الحافظ محمد بن يوسف الكنجي الشافعي في ( كفاية الطالب ) بعد حديث المنزلة قال:

« قال الحاكم النيسابوري: هذا حديث دخل في حدّ التواتر. وقد نقل عن شعبة بن الحجاج أنه قال في قوله - صلّى الله عليه وسلّم - لعليعليه‌السلام : أنت مني بمنزلة هارون من موسى: وكان هارون أفضل اُمة موسى، فوجب أن يكون عليعليه‌السلام أفضل من كلّ اُمة محمّد صلّى الله عليه وسلّم، صيانةً لهذا النص الصريح »(١) .

الكنجي الشافعي وكتابه

وقد ذكر كاشف الظنون كتاب ( كفاية الطالب ) في موضعين: ففي حرف الكاف: « كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب. للشيخ الحافظ أبي عبدالله محمّد بن يوسف بن محمّد الكنجي الشافعي المتوفى سنة ٦٥٨ » وفي حرف الميم: « مناقب علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - للإمام أحمد بن حنبل ذكرها في فضائل العشرة، ولأبي المؤيد موفق بن أحمد الخوارزمي المتوفى سنة ٥٦٨، ولأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي الحافظ المتوفى سنة ٣٠٣. وفيه كفاية الطالب في مناقب الإمام علي بن أبي طالب، لأبي عبدالله محمّد بن يوسف الكنجي ».

___________________

(١). كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب: ٢٨٣.

٢٥١

وهل بعد كلام شعبة بن الحجاج الإمام، مجال لهفوات المنكرين دلالة هذا الحديث، أو أباطيل من يدّعي دلالته على نقصٍ في الإمامعليه‌السلام ؟

ترجمة شعبة بن الحجاج

ومن المناسب جدّاً ذكر طرفٍ من كلمات بعض أعلام القوم في بيان مناقب شعبة بن الحجاج:

١ - السمعاني: « أبو بسطام شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي روى عنه: عبدالله بن المبارك، وأبو الوليد الطيالسي، ومحمّد بن اسماعيل البخاري وسليمان بن حرب، وغندر ومسلم بن الحجاج، وحميد بن زنجويه، وعلي بن الجعد، وعبدالله بن إدريس، والثوري، وحماد بن سلمة والبصريون. وكان مولده سنة ٨٣ بنهرناب قرية أسفل من واسط، ومات سنة ١٦٠ في أولّها، وله يوم مات ٧٧ سنة، وكان أكبر من سفيان بعشر سنين.

وكان من سادات أهل زمانه حفظاً وإتقاناً وورعاً وفضلاً، وهو أول من فتش بالعراق عن أمر المحدّثين، وجانب الضعفاء والمتروكين، حتى صار علماً يقتدى به، ثم تبعه عليه بعده أهل العراق.

وكان جمع بين العلم والزهادة والجد والصّلابة والصدق والقناعة، وعبد الله تعالى حتى جفّ جلده على عظمه ليس بينهما لحم »(١) .

٢ - النووي: « شعبة بن الحجاج الإمام المشهور من تابعي التابعين وأعلام المحدّثين، وكبار المحققين أجمعوا على إمامته في الحديث وجلالته وتحرّيه واحتياطه وإتقانه.

قال أحمد بن حنبل: لم يكن في زمن شعبة مثله في الحديث ولا أحسن حديثاً منه، روى عن ثلاثين رجلاً من الكوفة لم يرو عنهم سفيان.

___________________

(١). الأنساب ٨ / ٣٨٨.

٢٥٢

وقال الشافعي: لولا شعبة ما عرف الحديث بالعراق. قال: وكان يجيء الرجل يعني الذي ليس أهلاً للحديث فيقول: لا تحدّث وإلّا أستكتب عليك السلطان.

وقال حماد بن زيد: قال لنا أيوب: الآن يقدم عليكم رجل من أهل واسط يقال له شعبة، هو فارس بالحديث، فحدّثوا عنه.

وقال أبو الوليد الطيالسي: إختلفت إلى حماد بن سلمة فقال: إذا أردت الحديث فالزم شعبة.

وقال حماد بن زيد: لا اُبالي من يخالفني إذا وافقني شعبة، لأنّ شعبة كان لا يرضى أن يسمع الحديث مرّة، وإذا خالفني شعبة في شيء تركته.

وقال أحمد بن حنبل: كان شعبة اُمةً وحده في هذا الشأن، يعني علم الحديث وأحوال الرواة.

وروّينا عن ابن مهدي: كان سفيان - يعني الثوري - يقول: شعبة أمير المؤمنين في الحديث ...»(١) .

٣ - الذهبي: « شعبة بن الحجاج بن الورد - الحجة الحافظ شيخ الإسلام

كان الثوري يقول: شعبة أمير المؤمنين في الحديث.

وقال الشّافعي: لو لا شعبة لما عرف الحديث في العراق »(٢) .

٤ - اليافعي: « الإمام أبو بسطام العتكي مولاهم الواسطي. شعبة بن الحجاج بن الورد، شيخ البصرة وأمير المؤمنين في الحديث أثنى جماعة من كبار الأئمة عليه ووصفوه بالعلم والزهد والقناعة والرحمة والخير، وكان رأساً

___________________

(١). تهذيب الأسماء واللغات ١ / ٢٤٥ رقم ٢٥٣.

(٢). تذكرة الحفاظ ١ / ١٩٣.

٢٥٣

في العربية والشعر سوى الحديث »(١) .

٥ - ابن حجر: « ثقة حافظ متقن. كان الثوري يقول: هو أمير المؤمنين في الحديث، وهو أول من فتّش بالعراق عن الرجال وذبّ عن السنّة، وكان عابداً. من السابعة. مات سنة ستين»(٢) .

تصريح القاضي عبد الجبار بدلالة الحديث على الأفضليّة

وصرّح قاضي القضاة عبد الجبار بن أحمد المعتزلي أيضاً بدلالة حديث المنزلة على الأفضلية كما ذكر أبو محمّد الحسن بن أحمد بن متويه في كتاب ( المجموع المحيط بالتكليف ) الذي هو في الأصل تصنيف القاضي، غير أن ابن متويه جمعة، فقد جاء فيه عنه:

« وذكر أنه قد يستعمل لفظ الفضل فيما لا يتعلق بفعل العبد اختياره، كنحو تفضيل العاقل على غيره، وتفضيل الشجاع على غيره، وتفضيل من له نسب مخصوص على من ليس له ذلك النسب، وليس هذا هو المقصود بهذه المسألة، فإنا نتكلّم في الفضل الذي يقتضي مدحاً وتعظيماً في الدين، فهذا لابدّ من تعلّقه باختيار الفاضل ووقوفه على فعله، وفي هذا الباب خاصّةً يجوز وقوع الخلاف بين العلماء دون الأول، وإذا كان كذلك وقف العلم بالقطع على الأفضل على سمعٍ وارد به، لأنه لا مجال للعقل فيه، وعلى هذا لا يصح الرجوع في إثباته إلى عدّ الفضائل، لأنّ تلك الأفعال يختلف مواقعها بحسب ما ينضاف إليها من النيّات والقصود، وذلك مما هو عنّا مغيّب، فلا يمكن القضاء بفضل أحد والقطع على ثوابه، فضلاً عن تفضيله على غيره، فيجب الإعتماد في ذلك على السمع.

___________________

(١). مرآة الجنان - حوادث ١٦٠ - ١ / ٣٤٠ -٣٤١.

(٢). تقريب التهذيب ١ / ٣٥١ رقم ٦٧.

٢٥٤

فلهذا رجع الشيخ أبو عبدالله إلى خبر الطير، لأنه قد دلّ بظاهره على ثبوته أفضل في الحال، وكلّ من أثبته في تلك الحال أفضل قضى باستمرار هذه الصفة فيه.

وهكذا خبر المنزلة، لأنها إذا لم يُرد بها ما يتّصل بالإمامة، فيجب أنْ يريد به الفضل الذي يلي هارون فيه موسى -عليهما‌السلام -.

فإن أراد بعضهم إثبات أنه أفضل في غالب الظن، بالرجوع إلى أمارات مخصوصة من نحو ما انتشر عنه من الزهد والعبادة والعناء في الحرب والسبق إلى الإسلام وغير ذلك، فهذا غير ممنوع منه، وإليه ذهب بعض الشيوخ الذي آثروا الموازنة.

وقد أحال في الكتاب على الكتاب المغني، لأنّه حكى هناك عمدة ما كان الشيخ أبو عبدالله يذكره في هذا الباب، وبالله التوفيق ».

أقول:

فخبر المنزلة مثل خبر الطير في الدلالة على أفضليّة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وثبوت الأفضليّة له من حديث المنزلة كافٍ لدلالته على الخلافة، لوجوب تقديم الأفضل على المفضول، وهو واضح جدّاً، حتى اعترف به والد ( الدهلوي ).

وقال القاضي عبد الجبّار في ( المغني ) في البحث عن حديث المنزلة:

« فإنْ قيل: فما المراد عندكم بهذا الخبر. قيل له: إنه -عليه‌السلام - لمـّا استخلفه على المدينة وتكلّم المنافقون فيه، قال هذا القول دالّاً على لطف محلّه منه و [ قوّة ] سكونه إليه واشتداد ظهره به، ليزيل ما خامر القلوب من الشبهة في أمره، وليعلم أنهعليه‌السلام إنما استخلفه لهذه الأحوال التي تقتضي نهاية الإختصاص ».

٢٥٥

ترجمة القاضي عبد الجبّار

والقاضي عبد الجبّار ذكروه في كبار علماء الشّافعية وأثنوا عليه:

١ - قال ابن قاضي شهبة: « عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار بن أحمد بن خليل، القاضي أبو الحسن الهمداني، قاضي الري وأعمالها، وكان شافعي المذهب، وهو مع ذلك شيخ الإعتزال، وله المصنّفات الكثيرة في طريقتهم وفي أصول الفقه. قال ابن كثير في طبقاته: ومن أجلّ مصنّفاته وأعظمها دلائل النبوة في مجلّدين، أبان فيه عن علمٍ وبصيرة حميدة، وقد طال عمره، ورحل الناس إليه من الأقطار واستفادوا به. مات في ذي القعدة سنة ٤١٥ »(١) .

٢ - السبكي: « عبد الجبّار بن أحمد بن عبد الجبار بن أحمد بن عبدالله القاضي أبو الحسن الهمداني الإسترابادي، وهو الذي تلقّبه المعتزلة قاضي القضاة، ولا يطلقون هذا اللقب على سواه، ولا يعنون به عند الإطلاق غيره، كان إمام أهل الإعتزال في زمانه، وكان ينتحل مذهب الشافعي في الفروع، وله التصانيف السائرة والذكر الشائع بين الاصوليّين، عمّر دهراً طويلاً حتى ظهر له الأصحاب وبعد صيته، ورحلت إليه الطلّاب »(٢) .

ووصفه في موضع آخر بقوله: « وكان رجلاً محقّقاً واسع النظر »(٣) .

٣ - الداودي: « شيخ المعتزلة وصاحب التصانيف منها التفسير، عاش دهراً طويلاً وسار ذكره، وكان فقيهاً شافعي المذهب »(٤) .

٤ - الأسنوي: « القاضي أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار

___________________

(١). طبقات الشافعية ١ / ١٨٣ رقم ١٤٥.

(٢). طبقات الشافعية ٣ / ٢١٩-٢٢٠.

(٣). طبقات الشافعية ٥ / ٩٧.

(٤). طبقات المفسرين ١/٢٦٢ رقم ٢٤٨.

٢٥٦

الإسترابادي، إمام المعتزلة، كان مقلّداً للشافعي في الفروع، وعلى رأي المعتزلة في الاصول ذكره ابن الصّلاح »(١) .

تصريح السمناني بدلالة الحديث على أنّ عليّاً سيّد الأولياء

وقال علاء الدولة أحمد بن محمّد السمناني في كتابه ( العروة الوثقى ) الذي قال في مفتتحه: « أمّا بعد، فقد سنح في خاطري بغتةً يوم الأحد بعد صلاة الصبح الثاني من الإعتكاف في مسجد صوفيا باد خدا داد العشر الآخر من شهر الله المبارك رمضان سنة ٧٢٠: أنْ ابوّب واهذّب على وفق الإشارة بعض القدسيات الواردة على قلبي في الأوقات المعيّنة في علم ربي المخصوصة بها فيما يجب الإعتقاد به، وما سمح بتقييده الوقت المصفّى عن المقت في أثناء الكتابة ستة أبواب، ليسهل على الشارع في أبواب المعارف خاصّة في مشارع أرباب القدس ومرابع أصحاب الاُنس الإطّلاع على ما فيه والظفر لمطلوبه عند مطالعته، تيمّناً بقوله تعالى:( إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ) واُسمّيه: العروة الوثقى لأهل الخلوة والجلوة » قال ما نصّه:

« وقال لعلي - عليه ‌السلام وسلام الملائكة الكرام - أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ولكن لا نبي بعدي. وقال في غدير خم بعد حجة الوداع، على ملأٍ من المهاجرين والأنصار، آخذاً بكتفه: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. وهذا حديث متفق على صحته.

فصار سيد الأولياء، وكان قلبه على قلب محمّد - عليه التحية والسلام -.

وإلى هذا السرّ أشار سيّد الصدّيقين صاحب غار النبي - صلّى الله عليه وسلّم - أبو بكر، حيث بعث أبا عبيدة بن جرّاح إلى علي لاستحضاره: يا أبا

___________________

(١). طبقات الشافعية ١ / ١٧٣ رقم ٣١٩.

٢٥٧

عبيدة، أنت أمين هذه الاُمة، أبعثك إلى من هو في مرتبة من فقدناه بالأمس، ينبغي أنْ تتكلّم عنده بحسن الأدب، إلى آخر مقالته بطولها ».

ففي هذه العبارة: دلالة حديث المنزلة على أنّ عليّاً سيد الأولياء، وفيها عن أبي بكر: إن عليّاً في مرتبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ترجمة السمناني

وذكر الشيخ عبد الرحيم الأسنوي ترجمة الشيخ السّمناني في ( طبقات الشافعية ) بقوله:

« علاء الدين أبو المكارم أحمد بن محمد بن أحمد الملقّب بعلاء الدولة وعلاء الدين، المعروف بالسمناني كان عالماً مرشداً، له كرامات وتصانيف كثيرة في التفسير والتصوّف وغيرهما. توفي قبل الأربعين وسبعمائة »(١) .

تصريح السيد محمّد الدّهلوي بأنَّ الحديث برهان الاتحاد بين

النبيّ وعلي

وقال السيّد محمّد بن يوسف الحسيني الدهلوي المعروف ب « گيسو دراز » ما تعريبه:

« وكان الغالب في حضور جبرئيل عند الرسول كونه بصورة دحية الكلبي، لا بمعنى خروجه عن صورته الأصليّة، ولا أنّ هذه الصّورة مغايرة لتلك، وإنّما كان الإختلاف في الإعتبار، إذ لا يوجد المطلق في الخارج مطلقاً، ويقال أيضاً بأنّ جبرئيل عقل محمّد قد تمثّل بصورةٍ، فكان وضع الأشياء مواضعها: إنه وإنْ قالوا الجهار خلاف العقل لكنه عقل مخفي وهناك العقل الكل،

___________________

(١). طبقات الشافعية ١ / ٣٤٩ رقم ٦٦٤.

٢٥٨

فلو ظفرت به ونظرت إليه حصلت على كثيرٍ من الأسرار، ومن هنا كان: خلقت أنا وعلي من نور واحد، إذ كان علي أخاً للنبي، آخى بين كلّ نوعين وشكلين ففيّ النبوّة وفيه الخلافة، وأنت منّي كهارون من موسى، يحكي عن تلك الواقعية فإنّ كلامنا إشارة وعند من فهم عبارة. والسلام»(١) .

ففي هذا الكلام تصريح بأنّ حديث المنزلة - كحديث النور - دليل على تقديم وترجيح أمير المؤمنينعليه‌السلام على سائر الخلائق، وأنه برهان على المساواة والإتّحاد بينه وبين الرسول الأمين،صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فيتمّ بهذا الكلام أيضاً مرام الإمامية، وتسقط التأويلات الواهية لبعض علماء السنيّة.

ترجمة السيد محمّد الدهلوي

والسيّد محمّد الدهلوي « كيسو دراز » من أعاظم علماء أهل السنّة الحائزين للفضائل والمقامات السنيّة، ترجم له الشيخ عبد الحق الدهلوي في ( أخبار الأخيار ) وقال:

« جمع بين العلم والسيادة، وله في الولاية شأن رفيع ومرتبة منيعة وكلام عال، وكان له من بين علماء چشت مشرب خاص، وفي بيان أسرار الحقيقة طريق مخصوص، قدم في أوائل أمره إلى قدم، وخرج منها بعد وفاة الشيخ إلى ديار دكن، وحصل له في أهلها القبول العظيم وانقادوا له وأطاعوه حتى توفي هناك ومن تصانيفه المشهورة كتاب الأسمار الذي ذكر فيه الحقائق والمعارف بلسان الرمز والإيماء والإيقاظ والإشارة ».

___________________

(١). الاسمار. السّمر ٧٧.

٢٥٩

تصريح محمّد الأمير بدلالة الحديث على الأفضلية

وقال محمّد بن إسماعيل الأمير - في ( الروضة الندية ) -:

« وكهارون غدا في شأنه

منه إلّا أنّه ليس نبيّا

البيت واضح الألفاظ، والإشارة إلى حديث المنزلة الشهير، الذي رواه من الصّحابة الجم الغفير، وإنّ من رزق اطّلاعاً على كتب الأحاديث الحافلة علم تواتر ذلك، ولنتشرّف بسرد ما ورد من تلك ممّا عرفناه

وقوله - صلّى الله عليه وسلّم -: أنت منّي. قال بعضهم: إن « من » فيه لبيان الجنس. أي: أنت من جنسي في تبليغ والأداء ووجوب الطاعة ونحو ذلك. قلت: ويصح أن تكون تبعيضيّة مثل في قوله تعالى عن خليله:( فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ) أي فإنه بعض مني، لفرط اختصاصه بي واتّصاله وتبعيّته لي وتعبّده لأمري، ويكون قوله: بمنزلة هارون من موسى. بمنزلة بيان لهذه البعضيّة والخصوصيّة، و « الباء » للمقابلة. أي: أنت بعض مني يقابل منزلك منزلة هارون من موسى، فكما أن هارون بعض من موسى فأنت تقابل منزلته وتساويها، ويحتمل تخريجات اُخر هذا أقربها في ذلك.

ولا يخفى أن هذه منزلة شريفة ورتبة عليّة منيفة، فإنه قد كان هارون عضد موسى الذي شدّ الله به أزره، ووزيره، وخليفته على قومه حين ذهب لمناجاة ربّه.

وبالجملة، لم يكن أحد من موسىعليه‌السلام بمنزلة هارونعليه‌السلام ، وهو الذي سأل الله تعالى أنْ يشدّ به أزره ويشركه في أمره، كما سأل ذلك رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - كما في حديث أسماء بنت عميس، وأجاب الله نبيهعليه‌السلام بقوله:( سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ ) الآية. كما أجاب

٢٦٠