نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٩

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار8%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 449

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 449 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 206453 / تحميل: 7202
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٩

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

الحاكم أبو أحمد محمّد بن محمّد بن أحمد بن إسحاق النيسابوري، وليس له ذكر في هذا الكتاب، وهو الأكبر. والثاني: الحاكم أبو عبدالله محمّد بن عبدالله ابن محمّد بن حمدويه النيسابوري، صاحب المستدرك على الصحيحين، وتاريخ نيسابور، وغير ذلك من المصنّفات، وهو الأشهر»(١) .

تمسّك ( الدّهلوي ) ووالده بروايات الحاكم

ثمّ إنّ وليّ الله الدهلوي قد ذكر الحاكم النّيسابوري في عداد المجدّدين للدين الحنيف في المائة الرابعة. ونصّ في مقدّمة كتابه ( فتح الرحمن في ترجمة القرآن ) على أنّ « أصحّ التّفاسير، وهي: تفسير البخاري، وتفسير مسلم، وتفسير الترمذي، وتفسير الحاكم » وناهيك به جلالةً ووثوقاً.

أمّا ( الدهلوي ) نفسه، فقد اعتمد على روايات الحاكم واستند إليها في مقابلة أهل الحق في مواضع عديدة من كتابه ( التحفة )، كما لا يخفى على من راجعه، ومن ذلك: في الجواب عن المطعن الخامس عشر من مطاعن أبي بكر، وفي الجواب عن المطعن الرابع من مطاعن أبي بكر، وفي المكيدة الثانية بعد المائة، والمكيدة الحادية والتسعين قال في المكيدة الحادية والتسعين: « وكيف يوالي أهل السنة أعداء أهل البيت وهم يروون في كتبهم الروايات الصريحة في أنّ: « من مات وهو مبغض لآل محمّد دخل النار وإن صلّى وصام » أخرجه الطبراني والحاكم!! »(٢) .

أقول: فإذا كان الحاكم ممّن يعتمد على رواياته، ومن الحائزين لتلك المقامات الرفيعة والدرجات الجليلة، فكيف ينكر ( الدهلوي ) صحّة أحاديث

____________________

(١). تراجم الحفاظ - مخطوط.

(٢). التحفة الاثنا عشرية: ٢٨٢.

١٠١

يرويها الحاكم فيمن يرويها، كحديث الولاية، وحديث الطير، وحديث أنا مدينة العلم!!

اعتبار تاريخ الحاكم

قد عرفت أنّ الحاكم يروي حديث التشبيه في ( تاريخ نيسابور )، كما عرفت من كلمات القوم في ترجمة الحاكم أنّة قد رزق الحسن في التصنيف، وأنّ تصانيفه كلّها مفيدة معتبرة مشهورة

وفي وصف ( تاريخ نيسابور ) بالخصوص، قال السبكي: « قد كانت نيسابور من أجلّ البلاد وأعظمها، لم يكن بعد بغداد مثلها، وقد عمل لها الحافظ أبو عبدالله الحاكم تاريخاً خضع له جهابذة الحفاظ، وهو عندي سيّد التواريخ، وتاريخ الخطيب وإن كان أيضاً من محاسن الكتب الإسلاميّة، إلّا أنّ صاحبه طال عليه الأمر، وذلك لأنّ بغداد وإن كانت في الوجود بعد نيسابور، إلّا أنّ علماءها أقدم، لأنّها كانت دار وبيت رياسة، قبل أن يرتفع أعلام نيسابور، ثمّ إنّ الحاكم قبل الخطيب بدهر، والخطيب جاء بعده فلم يأت إلّاوقد دخل بغداد من لا يحصى عدداً فاحتاج إلى نوعٍ من الإختصار في تراجمهم، وأمّا الحاكم فأكثر من يذكره من شيوخه أو شيوخ شيوخه، أو ممّن تقارب من دهره، لتقدّم الحاكم وتأخر علماء نيسابور، فلما قلّ العدد عنده كثر المقال، وأطال في التراجم واستوفاها، والخطيب واضح العذر الذي أبديناه »(١) .

وفي ( كشف الظنون ): « تواريخ نيسابور - منها: تاريخ الإمام أبي عبدالله محمّد بن عبدالله الحاكم النيسابوري، المتوفى سنة ٤٠٥. وهو كبير، أوّله:

____________________

(١). الشافعية الكبرى ١ / ٣٢٤.

١٠٢

الحمد لله الذي اختار محمّداً الخ. قال ابن السبكي في طبقاته: وهو التاريخ الذي لم تر عيني تاريخاً أجلّ منه، وهو عندي سيّد الكتب الموضوعة للبلاد »(١) .

(٧)

رواية إبن مردويه

قال الموفق بن أحمد الخوارزمي: « أخبرني شهردار هذا إجازة، قال: أخبرنا أبو الفتح عبدوس بن عبدالله بن عبدوس الهمداني إجازةً، عن الشريف أبي طالب المفضل بن محمّد بن طاهر الجعفري بإصبهان، عن الحافظ أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه بن فورك الإصبهاني، قال: حدّثنا محمّد بن أحمد ابن إبراهيم قال: حدّثنا الحسين بن علي بن الحسين السلولي، قال: حدّثني سويد بن معسر بن يحيى بن حجاج النهدي، حدّثنا أبي، حدّثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن الحارث الأعور صاحب راية علي بن أبي طالب قال:

بلغنا أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان في جمع من أصحابه، فقال: أريكم آدم في علمه ونوحاً في فهمه وإبراهيم في حكمته. فلم يكن بأسرع من أنْ طلع علي. فقال أبو بكر: يا رسول الله، أقست رجلاً بثلاثةٍ من الرّسل، بخ بخ لهذا الرجل، من هو يا رسول الله؟ قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ألا تعرفه يا أبا بكر؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: أبو الحسن علي ابن أبي طالب. قال أبو بكر: بخ بخ لك يا أبا الحسن، وأين مثلك يا أبا الحسن »(٢) .

____________________

(١). كشف الظنون ١ / ٣٠٨.

(٢). مناقب أمير المؤمنين: ٤٤ - ٤٥.

١٠٣

ترجمة إبن مردويه

١ - الذهبي: « إبن مردويه، الحافظ الثبت، العلّامة، أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الإصبهاني، صاحب التفسير والتاريخ وغير ذلك. روى عن: أبي سهل بن زياد القطان، وميمون بن إسحاق الخراساني

وروى عنه: أبو القاسم عبدالرحمن بن مندة، وأخوه عبدالوهاب، وأبو الخير محمّد بن أحمد، وأبو منصور محمّد بن سكرويه، وأبو بكر محمّد بن الحسن بن محمّد بن سليم، وأبو عبدالله الثقفي الرئيس، وأبو مطيع محمّد بن عبد الواحد المصري، وخلق كثير.

وعمل المستخرج على صحيح البخاري، وكان قيّماً بمعرفة هذا الشأن، بصيراً بالرجال، طويل الباع، مليح التصانيف. ولد سنة ٣٢٣. ومات لست بقين من رمضان سنة ٤١٠. يقع عواليه في الثقفيات وغيرها »(١) .

٢ - ابن القيّم: بعد ذكر حديث: « هذا حديث كبير جليل، ينادي جلالته وفخامته وعظمته على أنّه قد خرج من مشكاة النبوّة، لا يعرف إلّا من حديث عبد الرحمن بن المغيرة بن عبدالرحمن المدني، رواه عن إبراهيم بن حمزة الزبيري، وهما من كبار علماء المدينة، ثقتان يحتجُّ بهما في الصحيح، إحتجّ بهما إمام أهل الحديث محمّد بن إسماعيل البخاري، ورواه أئمّة السنّة في كتبهم، وتلقّوه بالقبول، وقابلوه بالتسليم والإنقياد، ولم يطعن أحد منهم فيه ولا في أحدٍ من رواته.

فممّن رواه الإمام ابن الإمام أبو عبدالرحمن عبدالله بن أحمد بن حنبل، في مسند أبيه، وفي كتاب السنّة

____________________

(١). تذكرة الحفاظ ٣ / ٢٣٨.

١٠٤

ومنهم: الفاضل الجليل أبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل، في كتاب السنّة، له.

ومنهم: الحافظ أبو أحمد محمّد بن أحمد بن إبراهيم بن سليمان العسّال، في كتاب المعرفة.

ومنهم: حافظ زمانه ومحدّث أوانه أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيّوب الطبراني، في كثير من كتبه.

ومنهم: الحافظ أبو محمّد عبدالله بن محمّد بن حيّان أبو الشيخ الإصبهاني، في كتاب السنّة.

ومنهم: الحافظ ابن الحافظ أبو عبدالله محمّد بن إسحاق بن محمّد بن يحيى بن مندة حافظ أصبهان.

ومنهم: الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه.

ومنهم: حافظ عصره أبو نعيم أحمد بن عبدالله بن إسحاق الأصبهاني.

وجماعة من الحفّاظ سواهم يطول ذكرهم »(١) .

٣ - السبكي: ذكر « ابن مردويه » في طبقة « الحاكم » كما تقدّم في عبارته المنقولة بترجمة الحاكم.

٤ - السّيوطي: « ابن مردويه الحافظ الكبير العلّامة(٢) .

٥ - الزرقاني: « أبو بكر الحافظ، أحمد بن موسى بن مردويه الإصبهاني، الثبت العلّامة، ولد سنة ٣٢٣، وصنّف التاريخ والتفسير والمسند والمستخرج على البخاري، وكان قيّماً بهذا الشأن، بصيراً بالرجال، طويل الباع، مليح التصنيف، مات لست بقين من رمضان سنة ٤١٠. قال الحافظ ابن

____________________

(١). زاد المعاد في هدي خير العباد ٣ / ٥٦.

(٢). طبقات الحفّاظ: ٤١٢.

١٠٥

ناصر في مشتبه النسبة: ( مردويه ) بفتح الميم. وحكى ابن نقطة كسرها عن بعض الأصبهانيين، والراء ساكنة والدال المهملة مضمومة، والواو ساكنة، والمثناة من تحت مفتوحة تليها هاء »(١) .

« الحافظ » في الاصطلاح

لقد وصف القوم ابن مردويه بصفة « الحافظ » وتجد ذلك أيضاً في الأنساب(٢) وتاريخ ابن كثير(٣) وكشف الظنون(٤) وغيرها من الكتب، ولا يخفى على أهل العلم ما لهذا اللقب من قيمة في اصطلاحهم:

قال نور الدين علي بن سلطان القاري - في شرح الشمائل: « الحافظ - المراد به حافظ الحديث لا القرآن، كذا ذكره ميرك. ويحتمل أنّه كان حافظاً للكتاب والسنّة.

ثمّ « الحافظ » في إصطلاح المحدّثين: من أحاط علمه بمائة ألف حديث متناً وإسناداً. و « الطالب » هو المبتدي الراغب فيه. « والمحدّث » و « الشيخ » و « الإمام » هو الأستاذ الكامل. و « الحجة » من أحاط علمه بثلاثمائة ألف حديث متناً وإسناداً، وأحوال رواته جرحاً وتعديلاً وتاريخاً، و « الحاكم » هو الذي أحاط علمه بجميع الأحاديث المرويّة كذلك.

وقال ابن الجوزي: « الراوي » ناقل الحديث بالإسناد، و « المحدّث » من تحمل روايته واعتنى بدرايته، و « الحافظ » من روى ما وصل إليه ووعى ما يحتاج لديه ».

____________________

(١). شرح المواهب اللدنية ١ / ١٨٢.

(٢). الأنساب. ترجمة حمزة بن الحسين المؤدب الإصبهاني ١ / ١٨٣.

(٣). تاريخ ابن كثير. في ذكر حديث الطير، من مناقب أمير المؤمنين بترجمته.

(٤). كشف الظنون ١ / ٤٣٩.

١٠٦

وقال الشعراني: « وكان الحافظ ابن حجر يقول: الشروط التي إذا اجتمعت في الإنسان سمّي حافظاً هي: الشهرة بالطلب والأخذ من أفواه الرجال والمعرفة بالجرح والتعديل لطبقات الرواة ومراتبهم، وتمييز الصحيح من السقيم، حتّى يكون ما يستحضره من ذلك أكثر ممّا لا يستحضره، مع استحفاظ الكثير من المتون. فهذه الشروط من جمعها فهو حافظ »(١) .

وقال البدخشاني: « الحافظ - يطلق هذا الإسم على من مهر في فن الحديث، بخلاف المحدث»(٢) .

ابن مردويه شيخ من انتهى إليه علوّ الإسناد بإصبهان

قد عرفت من عبارة ( تذكرة الحفاظ ) رواية جماعة من الأعلام ومشاهير الأئمّة - كابن مندة - عن ابن مردويه، وقد تقرّر لدى أهل السنّة المحققين أنّ رواية العدل الواحد عن شخص كافية للدلالة على وثاقة المروي عنه.

هذا، وابن مردويه الأصبهاني الحافظ من شيوخ أبي مطيع المديني الذي « انتهى إليه علوّ الإسناد بأصبهان » كما وصفه الحافظ الذهبي حيث ترجمه بقوله: « أبو مطيع محمّد بن عبدالواحد المديني، المصري الأصل، الصحّاف، الناسخ، عاش بضعاً وتسعين سنة، إنتهى إليه علوّ الإسناد بأصبهان، روى عن أبي بكر ابن مردويه والنقاش وابن عقيل الباوردي وطائفة »(٣) .

وناهيك بهذا شأناً ومقاماً ورفعة.

____________________

(١). لواقح الأنوار في طبقات الأخيار - ترجمة السيوطي.

(٢). تراجم الحفاظ - مخطوط.

(٣). العبر في خبر من غبر ٣ / ٣٤٨.

١٠٧

اعتماد الحفاظ على كتبه

وممّا يدلّ على عظمة ابن مردويه وجلالته، اعتماد كبار الحفّاظ على رواياته، وكتبه، كاعتمادهم على الشيخين وأضرابهما قال ابن الجزري:

« وقد رمزت الكتب التي خرجت منها هذه الأحاديث بحروف تدلّ على ذلك سلكت فيها أخصر المسالك، فجعلت علامة صحيح البخاري « خ » ومسلم « م » وسنن أبي داود « د » والترمذي « ت » والنسائي « س » وابن ماجة القزويني « ق ». وهذه الأربعة « عة ». وهذه الستة « ع ». وصحيح ابن حبان « حب » وصحيح المستدرك « مس » وأبي عوانة « عو » وابن خزيمة « مه » والموطأ « طا » وسنن الدارقطني « قط » ومصنف ابن أبي شيبة « مص » ومسند الإمام أحمد « آ » والبزار « ر » وأبي يعلى الموصلي « ص » والدارمي « مي » ومعجم الطبراني « ط » والأوسط « طس » والصغير « صط » والدعاء له « طب » ولابن مردويه « مر » وللبيهقي « قي » والسنن الكبير له « سنى » وعمل اليوم والليلة لابن السني « ي »

فليعلم أنّي أرجو أن يكون جميع ما فيه صحيحاً »(١) .

____________________

(١). الحصن الحصين - خطبة الكتاب.

١٠٨

(٨)

رواية أبي نعيم

قال محمّد صدر العالم: « أخرج أبو نعيم في فضائل الصّحابة مرفوعاً: إنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: من سرّه أنْ ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوحٍ في فهمه وإلى إبراهيم في خلّته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب »(١) .

ترجمة أبي نعيم

١ - الفخر الرّازي: « وأما المتأخّرون من المحدثين، فأكثرهم علماً، وأقواهم قوّةً، وأشدّهم تحقيقاً في علم الحديث هؤلاء، وهم: أبو الحسن الدارقطني، والحاكم أبو عبدالله الحافظ، والشيخ أبو نعيم الأصبهاني فهؤلاء صدور هذا العلم بعد الشيخين، وهم بأسرهم متّفقون على تعظيم الشافعي والمبالغة في الثناء عليه »(٢) .

٢ - ابن خلكان: « الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبدالله بن أحمد بن إسحاق ابن موسى بن مهران الأصبهاني، الحافظ المشهور، صاحب كتاب حلية الأولياء، كان من أعلام المحدثين، وأكابر الحفّاظ الثقات. أخذ عن الأفاضل، وأخذوا عنه وانتفعوا به، وكتابه لحلية من أحسن الكتب

وتوفي في صفر، وقيل يوم الاثنين الحادي والعشرين من المحرّم، سنة ٤٣٠ بأصبهان، رحمه الله تعالى »(٣) .

____________________

(١). معارج العلى في مناقب المرتضى - مخطوط.

(٢). فضائل الشافعي، وقد تقدّم نصه.

(٣). وفيات الأعيان ١ / ٩١.

١٠٩

٣ - ابن تيميّة: « ولكلّ علم رجال يعرفون به، والعلماء بالحديث أجلّ هؤلاء قدراً، وأعظمهم صدقاً، وأعلاهم منزلةً، وأكثرهم ديناً، وهم من أعظم الناس صدقاً وديناً وأمانةً وعلماً وخبرة فيما يذكرونه من الجرح والتعديل، مثل:

مالك، وشعبة، وسفيان، ويحيى بن سعيد القطّان، وعبد الرحمن ابن مهدي، وابن المبارك، ووكيع بن الجراح ، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبي عبيد، يحيي بن معين، و علي ابن المديني، والبخاري، ومسلم، وأبي داود، وأبي زرعة، وأبي حاتم، والنسائي، والعجلي، وأبي أحمد ابن عدي، وأبي حاتم البستي، و أبي الحسن الدارقطني، وأمثال هؤلاء خلق كثير لا يحصى عددهم

وقد صنّف الناس كتباً في الأخبار صغاراً وكباراً، مثل:

الطبقات لابن سعد

وصنفت كتب الحديث تارة على المسانيد وتارةً على الأبواب، فمنهم من قصد مقصد الصحيح، كالبخاري، ومسلم، وابن خزيمة، وأبي حاتم وغيرهم، ومنهم من خرَّج على الصحيحين، كالإسماعيلي، والبرقاني، وأبي نعيم وغيرهم، ومنهم من خرَّج أحاديث السنن، كأبي داود والنسائي وابن ماجة وغيرهم »(١) .

٤ - ابن القيّم - في عبارته المتقدمة في ترجمة ابن مردويه: « ومنهم حافظ عصره أبو نعيم أحمد بن عبدالله بن إسحاق الأصبهاني »(٢) .

٥ - أبو المؤيّد الخوارزمي: « أحمد بن عبدالله بن أحمد بن إسحاق بن

____________________

(١). منهاج السنة ٧ / ٣٥ - ٣٦.

(٢). زاد المعاد ٣ / ٥٦.

١١٠

موسى بن مهران، أبو نعيم الحافظ، صاحب المسند الرابع، الإصبهاني، سبط محمّد بن يوسف الفريابي الزاهد.

قال الحافظ أبو عبدالله النجار في تاريخه هو: تاج المحدثين، وأحد الأعلام، ومن جمع له العلم في الروايات والحفظ والفهم والدراية، وكان تشدّ إليه الرحال، وتهاجر إلى بابه الرجال، وكتب في الحديث كتباً سارت في البلاد، وانتفعت بها العباد، وأسعدت وامتدّت أيّامه، حتّى ألحق الأحفاد بالأجداد وروى عنه الأئمّة الأعلام »(١) .

٦ - الذهبي: « وفيها توفي أبو نعيم الأصبهاني، أحمد بن عبدالله بن أحمد الحافظ تفرّد بالدنيا بعلوّ الإسناد، مع الحفظ والإستبحار من الحديث وفنونه وصنف التصانيف الكبار المشهورة في الأقطار »(٢) .

٧ - السبكي: « الحافظ أبو نعيم الإصبهاني الصّوفي الجامع بين الفقه والتصوّف، والنهاية في الحفظ والضبط، و أحد أعلام الدّين ، جمع الله له بين ولد في رجب سنة ست وثلاثين وثلاثمائة بأصبهان، وهو سبط الزاهد محمّد بن يوسف البنّاء أحد مشايخ الصّوفيّة، وأحد العلوّ في الرواية والنهاية في الدّراية، رحل إليه الحفّاظ من الأقطار.

ولد في رجب سنة ست وثلاثين وثلاثمائة بأصبهان، وهو سبط الزاهد محمّد بن يوسف البنّاء أحد مشايخ الصّوفيّة، استجاز له أبوه طائفة من شيوخ العصر، تفرّد في الدنيا عنهم، أجاز له من الشام خيثمة بن سليمان، ومن بغداد جعفر الخلدي، ومن واسط عبدالله بن عمر بن شوذب، ومن نيسابور الأصمّ.

وسمع سنة أربع وأربعين وثلاثمائة من عبدالله بن جعفر بن أحمد بن فارس، والقاضي أبي محمّد بن أحمد محمّد بن أحمد العسّال، وأحمد بن معبد السمسار، وأحمد بن محمّد القصّار، وأحمد بن بندار الشعّار، وعبدالله بن الحسن بن

____________________

(١). رجال جامع مسانيد أبي حنيفة ٢ / ٣٩١.

(٢). العبر. حوادث ٤٣٠، ٣ / ١٧٠.

١١١

بندار، والطبراني، والظهراني، وأبي الشيخ، والجعابي.

ورحل سنة ست وخمسين وثلاثمائة، فسمع ببغداد أبا عليّ بن الصوّاف، وأبا بكر بن الهيثم الأنباري، وأبا بحر البرنهاري، وعيسى بن محمّد الطوماري، وعبد الرحمن والد المخلص، وابن خلاد النصيبي، وحبيباً القزّاز، وطائفة كثيرة .وسمع بمكّة أبا بكر الآجريّ، وأحمد بن إبراهيم الكندي. وبالبصرة فاروق بن عبدالكريم الخطابي، ومحمّد بن علي بن مسلم العامري، وجماعة. وبالكوفة أبا بكر عبدالله بن يحيى الطليحي، وجماعة. وبنيسابور أبا أحمد الحاكم، وحسينك التميمي، وأصحاب السراج فمَنْ بعدهم.

روى عنه كوسيار بن لبالبرود الجبلي وتوفّي قبله ببضع وثلاثين سنة، وأبو سعد الماليني وتوفي قبله بثماني عشرة سنة، وأبو بكر بن عليّ الذكواني، وتوفّي قبله بإحدى عشرة سنة، والحافظ أبو بكر الخطيب وهو من أخصّ تلامذته، وقد رحل إليه، وأكثر عنه، ومع ذلك لم يذكره في تاريخ بغداد، ولا يخفى عليه أنّه دخلها ولكنّ النّسيان طبيعة الإنسان، ولذلك أغفله الحافظ أبو سعد بن السمعاني، فلم يذكره في الذيل.

وممّن روى عن أبي نعيم أيضاً الحافظ أبو صالح المؤذّن، والقاضي أبو علي الوحشي، ومستمليه أبو بكر محمّد بن إبراهيم العطار، وسليمان ابن إبراهيم الحافظ، وهبة الله بن محمّد الشيرازي، وأبو الفضل أحمد وأبو علي الحسن ابنا أحمد الحدّاد، وخلق كثير آخرهم وفاة أبو طاهر عبدالواحد بن محمد الدشتج الذهبي.

وقد روى أبو عبدالرحمن السلمي مع تقدّمه عن واحد عن أبي نعيم فقال في كتاب طبقات الصوفيّة: ثنا عبدالواحد بن أحمد الهاشمي، ثنا أبو نعيم أحمد ابن عبدالله، أنا محمّد بن علي بن حبيش المقري ببغداد، أخبرنا أحمد بن

١١٢

محمّد بن سهل الآدمي، وذكر حديثاً.

قال أبو محمّد بن السمرقندي: سمعت أبا بكر الخطيب يقول: لم أرَ أحداً أطلق عليه اسم الحفظ غير رجلين، أبو نعيم الأصبهاني وأبو حازم العبدوي الأعرج.

وقال أحمد بن محمّد بن مردويه: كان أبو نعيم في وقته مرحولاً إليه ولم يكن في أفق من الافاق أسند ولا أحفظ منه، كان حفّاظ الدنيا قد اجتمعوا عنده وكان كلّ يوم نوبة واحد منهم، يقرأ ما يريده إلى قريب الظهر، فإذا قام إلى داره بما كان يقرأ عليه في الطريق جزء، وكان لا يضجر، لم يكن له غذاء سوى التصنيف أو التسميع.

وقال حمزة بن العبّاس العلوي: كان أصحاب الحديث يقولون: بقي أبو نعيم أربع عشرة سنة بلا نظير، لا يوجد شرقاً ولا غرباً أعلى إسناداً منه ولا أحفظ، وكانوا يقولون لما صنّف كتاب الحلية حمل إلى نيسابور حال حياته، فاشتروه بأربعمائة دينار.

وقال ابن المفضل الحافظ: قد جمع شيخنا السّلفي أخبار أبي نعيم، وذكر من حدّث عنه، وهم نحو ثمانين رجلاً وقال: لم يصنّف مثل كتابه حلية الأولياء، سمعناه على أبي المظفر القاساني عنه سوى فوت عنه يسير.

وقال ابن النجّار: هو تاج المحدّثين وأحد أعلام الدّين.

قلت: ومن كراماته المذكورة أنّ السلطان محمود سبكتكين لمـّا استولى على إصبهان، ولّى عليها والياً من قبله ورحل عنها فوثب أهل إصبهان، وقتلوا الوالي، فرجع محمود إليها وآمنهم حتّى اطمأنّوا، ثمّ قصدهم يوم الجمعة في الجامع وقتل منهم مقتلة عظيمة، وكانوا قبل ذلك قد منعوا أبا نعيم الحافظ من الجلوس في الجامع، فحصلت له كرامتان السلامة ممّا جرى عليهم، إذ لو كان

١١٣

جالساً لقتل، وانتقام الله تعالى له منهم سريعاً.

ومن مصنّفاته حلية الأولياء، وهي من أحسن الكتب، كان الشيخ الإمام الوالد رحمه ‌الله كثيراً يحثّنا عليها ويحبّ تسميعها، وله أيضاً كتاب معرفة الصّحابة، وكتاب دلائل النبوّة، وكتاب المستخرج على البخاري، وكتاب المستخرج على مسلم، وكتاب تاريخ أصبهان، وكتاب صفة الجنّة، وكتاب فضائل الصّحابة، وصنّف شيئاً كثيراً من المصنّفات الصّغار.

توفي في العشرين من المحرّم سنة ثلاثين وأربعمائة، وله أربع وتسعون سنة.

ذكر البحث عن واقعة جزء محمّد بن عاصم، التي اتخذها من نال من أبي نعيمرحمه‌الله ذريعة إلى ذلك.

قد حدّث أبو نعيم بهذا الجزء، ورواه عنه الأثبات، والرجل ثقة ثبت إمام صادق، وإذا قال هذا سماعي جاز الإعتماد عليه.

وطعن بعض الجهّال الطاعنين في أئمّة الدين فقال: إنّ الرّجل لم يوجد له سماع بهذا الجزء. وهذا الكلام سبّة على قائله، فإنّ عدم وجدانه لسماعه لا يوجب عدم وجوده، وإخبار الثقة بسماع نفسه كافٍ. ثمّ ذكر شيخنا الحافظ أبو عبدالله الذهبي أنّ شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزّي حدّثه أنّه رأى بخط الحافظ ضياء الدين المقدّسي أنّه وجد بخط الحافظ أبي الحجّاج يوسف ابن خليل أنّه قال: رأيت أصل سماع الحافظ أبي نعيم لجزء محمّد بن عاصم. فبطل ما اعتقدوه ريبة.

ثمّ قال الطاعنون ثانياً: وهذا الخطيب أبو بكر البغدادي وهو الحبر الذي يخضع له الأثبات، وله الخصوصيّة الزائدة بصحبة أبي نعيم قال فيما كتب إليّ به أحمد بن أبي طالب من دمشق، قال كتب إليّ الحافظ أبو عبدالله بن النجار من

١١٤

بغداد، قال أخبرني أبو عبيدالله الحافظ بأصبهان، أخبرنا أبو القاسم بن إسماعيل الصَّيرفي أنا يحيى بن عبدالوهّاب بن مندة قال: سمعت أبا الفضل المقدّسي يقول: سمعت عبدالوهاب الأنماطي يذكر أنّه وجد بخط الخطيب: سألت محمّد ابن إبراهيم العطّار مستملي أبي نعيم عن جزء محمّد بن عاصم كيف قرأته على أبي نعيم؟ وكيف رأيت سماعه؟ فقال: أخرج إليّ كتاباً وقال هو سماعي فقرأته عليه. قلنا: ليس في هذه الحكاية طعن على أبي نعيم، بل حاصلها أنّ الخطيب لم يجد سماعه بهذا الجزء، فأراد استفادة ذلك من مستمليه، فأخبره بأنّه اعتمد في القرائة على إخبار الشيخ، وذلك كاف.

ثمّ قال الطاعنون ثالثاً: وقد قال الخطيب أيضاً رأيت لأبي نعيم أشياء يتساهل فيها، منها أن يقول في الإجازة أخبرنا من غير أن يبيّن. قلت: هذا لم يثبت عن الخطيب، وبتقدير ثبوته فليس بقدح، ثمّ إطلاق أخبرنا في الإجازة مختلف فيه، فإذا رآه هذا الحبر الجليل أعني أبا نعيم فكيف يعد منه تساهلاً، وإن عدّ فليس من التساهل المستقبح، ولو حجرنا على العلماء أنْ لا يرووا إلاّبصيغة مجمع عليها لضيّعنا كثيراً من السنة. وقد دفع الحافظ أبو عبدالله بن النجار قضية جزء محمّد بن عاصم بأنّ الحفّاظ الأثبات رووه عن أبي نعيم، وحكينا لك نحن أنّ أصل سماعه وجد، فطاحت هذه الخيالات، ونحن لا نحفظ أحداً تكلّم في أبي نعيم بقادح، ولم يذكر غير هذه اللفظة التي عزيت إلى الخطيب، وقلنا إنّها لم تثبت عنه، والعمل على إمامته وجلالته، وأنّه لا عبرة بهذيان المعادين وأكاذيب المفترين، على أنّا لا نحفظ عن أحد فيه كلاماً صريحاً في جرح ولا حطّ، ولو حفظ لكان سبّة على قائله، وقد برّء الله أبا نعيم من معرّته.

وقال الحافظ ابن النجّار في إسناد ما حكي عن الخطيب غير واحدٍ ممّن يتحامل على أبي نعيم، لمخالفته لمذهبه وعقيدته فلا يقبل.

١١٥

قال شيخنا الذهبي: والتّساهل الّذي أشير إليه شيء كان يفعله في الإجازة نادراً، قال: فإنّه كثيراً ما يقول كتب إليّ جعفر الخلدي، وكتب إليّ أبو العباس الأصم، أنا أبو الميمون بن راشد في كتابه. قال: ولكن رأيته يقول أنا عبدالله بن جعفر فيما قرئ عليه، قال: والظاهر أنّ هذا إجازة.

قلت: إنْ كان شيخنا الذهبي يقول ذلك في مكان غلب على ظنّه أنّ أبا نعيم لم يسمعه بخصوصه من عبدالله بن جعفر، فالأمر مسلّم إليه، فإنّه أعني شيخنا الحبر الذي لا يلحق شأوه في الحفظ، وإلّا فأبو نعيم قد سمع من عبدالله بن جعفر، فمن أين لنا أنّه يطلق هذه العبارة حيث لا يكون سماع، ثمَّ، وإنْ أطلق ذاك فغايته تدليس جائز، قد اغتفر أشدّ منه لأعظم من أبي نعيم.

ثمّ قال الطاعنون رابعاً: قال يحيى بن مندة الحافظ، سمعت أبا الحسين القاضي يقول: سمعت عبدالعزيز النخشبي يقول: لم يسمع أبو نعيم مسند الحرث ابن أبي أسامة بتمامه من ابن خلّاد فحدّث به كلّه. قلنا قال الحافظ ابن النجّار: وهم عبدالعزيز في هذا، فأنا رأيت نسخة من الكتاب عتيقة وعليها خطّ أبي نعيم يقول سمع منّي فلانٌ إلى آخر سماعي من هذا المسند من ابن خلّاد، فلعلّه روى الباقي بالإجازة »(١) .

٨ - اليافعي: « فيها توفي الإمام الحافظ الشيخ العارف أبو نعيم و كان من أعلام المحدثين، وأكابر الحفاظ المفيدين، أخذ عن الأفاضل وأخذوا عنه وانتفعوا به، وكتاب الحلية من أحسن الكتب.

قلت: أمّا طعن ابن الجوزي فيها وتنقيصه لها فهو من باب قولي:

لئن ذمّها جاراتها وضرائر

وعاب جمالاً في حلاها وفي الحلي

فما سلمت حسناء من ذمّ حاسد

وصاحب حق من عداوة مبطل

____________________

(١). طبقات الشافعية الكبرى ٤ / ١٨ - ٢٥.

١١٦

مع أبيات أخرى في مدح الإمام أبي حامد الغزالي وتصانيفه وكلامه العالي.

وله: كتاب تاريخ أصبهان، تفرّد في الدنيا بعلوّ الإسناد مع الحفظ. روى عن المشايخ بالعراق والحجاز وخراسان، وصنّف التصانيف المشهورة في الأقطار »(١) .

٩ - الأسنوي: « الجامع بين الفقه والحديث والتصوف. قال الخطيب: لم ألق في شيوخي أحفظ منه ومن أبي حازم الأعرج »(٢) .

١٠ - الخطيب التبريزي: « هو من مشايخ الحديث الثقات المعمول بحديثهم المرجوع إلى قولهم »(٣) .

١١ - السّيوطي: « أبو نعيم الحافظ الكبير محدّث العصر أجاز له مشايخ الدنيا وتفرّد بهم، ورحلت الحفاظ إلى بابه، لعلمه وضبطه وعلوّ إسناده »(٤) .

هو شيخ إمام الحرمين

ثمّ إنّ من فضائل أبي نعيم الحافظ: كونه شيخ أبي المعالي إمام الحرمين، فقد قال ابن خلّكان بترجمته بعد أنْ وصفه بقوله: « أعلم المتأخّرين من أصحاب الإمام الشافعي على الإطلاق، المجمع على إمامته، المتّفق على غزارة مادّته وتفنّنه في العلوم من الأصول والفروع والأدب وغير ذلك ...» ونقل عن الشيخ أبي إسحاق قوله لإمام الحرمين: « يا مفيد أهل المشرق

____________________

(١). مرآة الجنان. حوادث سنة ٤٣٠ - ٣ / ٥٢.

(٢). طبقات الشافعية للأسنوي ٢ / ٤٧٤.

(٣). الإكمال في أسماء الرجال ٣ / ٨٠٥.

(٤). طبقات الحفّاظ: ٤٢٣.

١١٧

والمغرب، أنت اليوم إمام الأئمّة » قال:

« وسمع الحديث من جماعةٍ كثيرة من علمائه، وله إجازة من الحافظ أبي نعيم الأصبهاني صاحب حلية الأولياء »(١) .

(٩)

رواية البيهقي

ومن رواة حديث التشبيه هو الحافظ أحمد بن الحسين البيهقي، وقد ذكر روايته لهذا الحديث جماعة من الأعلام، ومنهم:

١ - السمرقندي صاحب كتاب ( الصحائف )، على ما نقل عنه ملك العلماء الهندي في كتابه ( هداية السعداء ).

٢ - الخوارزمي المكي، في كتابه ( المناقب ) عن البيهقي عن الحاكم.

٣ - إبن طلحة الشافعي، في كتابه ( مطالب السئول ).

٤ - إبن الصباغ المالكي، في كتابه ( الفصول المهمّة ).

٥ - الحسين الميبدي، في ( الفواتح بشرح ديوان أمير المؤمنين ).

٦ - البدخشاني.

٧ - العجيلي الشافعي.

رواية البيهقي دليل ثبوت الحديث

ورواية البيهقي دليل على ثبوت الحديث، لقول صاحب ( المشكاة ) في حقّ جماعةٍ من أئمّة الحديث - ومنهم البيهقي هذا: « إنّي إذا نسبت الحديث

____________________

(١). وفيات الأعيان ٣ / ١٦٧.

١١٨

إليهم كأنّي أسندت إلى النّبي ».

وقد شرح علي بن سلطان القاري هذه العبارة في ( المرقاة ) وهذا نصّ كلامه:

« إنّي إذا نسبت الحديث - أي كلّ حديث - إليهم، أي إلى بعض الأئمّة المذكورين، المعروفة كتبهم، بأسانيدهم بين العلماء المشهورين، كأنّي أسندت، أي الحديث برجاله، إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أي فيما إذا كان الحديث مرفوعاً وهو الغالب، وإلى الصحابة إذا كان موقوفاً، وهو المرفوع حكماً »(١) .

ولأنّ الحافظ السّيوطي عندما يتعقب ابن الجوزي في حكمه على بعض الأحاديث بالوضع، يستند إلى رواية البيهقي، لإخراج ذلك الحديث عن الوصف الذي وصفه ابن الجوزي به، خذ لذلك مثالاً الحديث التالي:

« ابن شاهين - ثنا علي بن محمّد البصري، أنا مالك بن يحيى أبو غسّان، ثنا علي بن عاصم، عن الفضل بن عيسى الرقاشي، عن محمّد بن المنكدر، عن جابر بن عبدالله قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لمـّا كلّم الله موسى يوم الطور كلّمه بغير الكلام الذي كلّمه يوم ناداه، فقال له موسى: يا رب هذا كلامك الذي كلّمتني به؟ قال: يا موسى أنا كلّمتك بقوّة عشرة آلاف لسان، ولي قوّة الألسن كلّها وأنا أقوى من ذلك. فلمّا رجع موسى إلى بني إسرائيل قالوا: يا موسى صف لنا كلام الرحمن، قال: سبحان الله إذاً لا أستطيع. قالوا: فشبّه لنا. قال: ألم تروا إلى أصوات الصواعق التي تقتل، فإنّه قريب منه ».

قال ابن الجوزي: « ليس بصحيح. والفضل متروك ».

قال السّيوطي: « في الحكم بوضعه نظر، فإنّ الفضل لم يتّهم بالكذب،

____________________

(١). المرقاة في شرح المشكاة ١ / ٢٧.

١١٩

وأكثر ما عيب عليه القدر، وهو من رجال ابن ماجة. وهذا الحديث أخرجه البزّار في مسنده: ثنا سليمان بن موسى، ثنا علي بن عاصم به. وأخرجه البيهقي في كتاب الأسماء والصفات، وهو قد التزم أنْ لا يخرج في تصانيفه حديثاً يعلم أنّه موضوع، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره، وقد التزم أنْ يخرج فيه أصحّ ما ورد، ولم يخرّج فيه حديثاً موضوعاً ألبتة »(١) .

وقال الشيخ رحمة الله السندي في ( مختصر تنزيه الشريعة ) في حديث رمي بالوضع - وهو سؤال عثمان عن معنى مقاليد السماوات والأرض -: « تعقّب بأنّ البيهقي أخرجه في الأسماء والصفات، وقد التزم أنْ لا يخرج في كتبه حديثاً يعلم أنّه موضوع ».

مصادر ترجمة البيهقي

ومناقب البيهقي كثيرة جدّاً، وهي مذكورة في كتب التراجم والتواريخ بترجمته، أنظر منها:

١ - معجم البلدان ١ / ٥٣٨.

٢ - الأنساب ٢ / ٣٨١.

٣ - الكامل في التاريخ ١٠ / ٥٢.

٤ - وفيات الأعيان ١ / ٧٥.

٥ - المختصر في أخبار البشر ٢ / ١٨٥.

٦ - سير أعلام النبلاء ١٨ / ١٦٣.

٧ - تذكرة الحفاظ ٢ / ١١٣٢.

٨ - العبر في خبر من غبر ٣ / ٢٤٢.

____________________

(١). اللآلي المصنوعة ١ / ١٢ كتاب التوحيد.

١٢٠

٩ - دول الإسلام ١ / ٢٦٩.

١٠ - تتمة المختصر في أخبار البشر ١ / ٥٥٩.

١١ - مرآة الجنان - حوادث سنة ٤٥٨.

١٢ - طبقات الشافعية للسبكي ٤ / ٨.

١٣ - طبقات الشافعية للأسنوي ١ / ١٩٨.

١٤ - طبقات الحفاظ: ٤٣٣.

١٥ - الوافي بالوفيات ٦ / ٣٥٤.

١٦ - البداية والنهاية ١٢ / ٩٤.

١٧ - النجوم الزاهرة ٥ / ٧٧.

١٨ - المرقاة في شرح المشكاة ١ / ٢٣.

١٩ - شذرات الذهب ٣ / ٣٠٤.

وغيرها

وسنترجم له فيما بعد عن بعض هذه المصادر إن شاء الله تعالى.

(١٠)

رواية ابن المغازلي

وروى الحافظ أبو الحسن ابن المغازلي الجلّابي حديث التشبيه بإسناده عن أنس بن مالك، حيث قال:

« قولهعليه‌السلام : من أراد أنْ ينظر إلى علم آدم وفقه نوح، فلينظر إلى علي:

أخبرنا أحمد بن محمّد بن عبدالوهّاب، أنا الحسين بن محمّد بن

١٢١

الحسين العدل العلوي الواسطي، ثنا محمّد بن محمود، حدّثنا إبراهيم بن مهدي الابّلي حدّثنا [ إبراهيم بن سليمان بن رشيد، حدثنا زيد بن عطية، حدّثنا ]،ثنا أبان بن فيروز، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من أراد أن ينظر إلى علم آدم وفقه نوح، فلينظر إلى علي بن أبي طالب »(١) .

ترجمة ابن المغازلي

وقد مدح السمعاني في ( الأنساب ) أبا الحسن ابن المغازلي، ووصفه بالصفات الجميلة، وصرّح بأنّه يروي عنه بواسطة ابنه أبي عبدالله محمّد بن علي الجلابي، وإليك نصّ عبارته:

« الجلّابي، بضم الجيم وتشديد اللّام، وفي آخرها الباء المنقوطة بواحدة. هذه النسبة إلى الجلّاب، والمشهور بهذه النسبة: أبو الحسن علي بن محمّد بن الطيّب الجلابي المعروف بابن المغازلي، من أهل واسط العراق. كان فاضلاً عارفاً برجالات واسط وحديثهم، وكان حريصاً على سماع الحديث وطلبه، رأيت له ذيل التاريخ بواسط، وطالعته وانتخبت منه، سمع أبا الحسن علي بن عبدالصمد الهاشمي، وأبا بكر أحمد بن محمّد الخطيب، وأبا الحسن أحمد بن المظفّر العطّار، وغيرهم.

روى لنا عنه: ابنه بواسط، وأبو القاسم علي بن طرّاد الوزير ببغداد.

وغرق ببغداد في الدجلة في صفر سنة ٤٨٣. وحمل ميتاً إلى واسط، فدفن بها.

وابنه: أبو عبدالله محمّد بن علي بن محمّد الجلابي، كان ولي القضاء والحكومة بواسط، نيابةً عن أبي العباس أحمد بن بختيار المندائي، وكان

____________________

(١). مناقب علي بن أبي طالب: ٢١٢.

١٢٢

شيخاً عالماً فاضلاً، سمع أباه وأبا الحسن محمّد بن محمّد بن مخلّد الأزدي، وأبا علي إسماعيل بن أحمد بن كماري القاضي، وغيرهم. سمعت منه الكثير بواسط في النوبتين جميعاً، وكنت أُلازمه مدّة مقامي بواسط، وقرأت عليه الكثير بالإجازة له عن أبي غالب محمّد بن أحمد بن بشران النحوي الواسطي »(١) .

فظهر أنّ « ابن المغازلي » شيخ من مشايخ السّمعاني صاحب الأنساب بواسطةٍ واحدة، وأنّ ابنه شيخ السمعاني مباشرة. وستأتي ترجمة السمعاني.

وأيضاً: فابن المغازلي من مشايخ الحافظ خميس الحوزي، وقد نقل خميس عن ابن المغازلي ثنائه على ابن السّقا الواسطي وتعصب أهل السنّة عليه، قال الحافظ الذهبي: « قال السلفي: سألت خميساً الحوزي عن ابن السّقا فقال: هو من مزينة مضر، ولم يكن سقّاءً بل لقب له، من وجوه الواسطيّين وذوي الثروة والحفظ، رحل به أبوه فأسمعه من أبي خليفة وأبي يعلى وابن زيدان البجلي والمفضل بن الجندي، وبارك الله في سنّه وعلمه.

واتّفق أنّه أملى حديث الطير، فلم تحمله نفوسهم، فوثبوا به فأقاموه وغسلوا موضعه، فمضى ولزم بيته، و لم يحدّث أحداً من الواسطيين، فلهذا قلّ حديثه عندهم. وتوفي سنة ٣٧١. حدّثني به شيخنا أبو الحسن المغازلي »(٢) .

فخميس الحوزي الحافظ من تلامذة إبن المغازلي، وستأتي ترجمته.

فهذا طرف من مناقب ابن المغازلي، وآيات علوّ شأنه وعظمة مقامه، وجلالة قدره

وممّا يدلّ على جلالة ابن المغازلي: اعتماد كبار الحفاظ والعلماء

____________________

(١). الأنساب. الجلّابي.

(٢). تذكرة الحفّاظ ١٦ / ٣٥٢.

١٢٣

الأعلام على روايات وأحاديثه، ومن ذلك:

قال الذهبي: « قال علي بن محمّد بن الطيّب الجلابي في تاريخه: ابن السقا من أئمّة الواسطيين والحفّاظ المتقنين »(١) .

وقال السمهودي - بعد أنْ ذكر الخلاف في وجوب الصّلاة على آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وقد قال الحافظ أبو عبدالله محمّد المذكور في كتابه نظم درر السمطين: أنّه روى عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال لعلي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه : إذا هالك أمر فقل: اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد، اللّهمّ إنّي أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد أنْ تكفيني ما أخاف وأحذر، فإنّك تكفى ذلك الأمر. ولم ينسبه الحافظ المذكور لمخرجه.

وقد روى في مسند الفردوس بغير إسناد عن عليرضي‌الله‌عنه مرفوعاً: من صلّى على محمّد وعلى آل محمّد مائة مرّة، قضى الله له مائة حاجة.

وأخرجه الفقيه أبو الحسن ابن المغازلي في المناقب من طريق علي بن يونس العطّار، حدّثني محمّد بن علي الكندي، حدّثني محمّد بن مسلم، حدّثني جعفر بن محمّد الصادق، عن أبيه، عن جدّه علي بن الحسين عن أبيه، عن علي بن أبي طالب رفعه »(٢) .

قال: « أخرج أبو الحسن ابن المغازلي من طريق موسى بن القاسم عن علي بن جعفر: سألت الحسن عن قول الله تعالى( كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ ) قال: المشكاة: فاطمة، و( الشَّجَرَةَ مُبَارَکَةٍ ) : إبراهيم،( لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ ) : لا يهوديّة ولا نصرانيّة.( يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ

____________________

(١). تذكرة الحفاظ ١٦ / ٣٥٢.

(٢). جواهر العقدين ٢ / ٦٥.

١٢٤

عَلى نُورٍ ) . قال: إمام بعده إمام،( يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ ) . قال: يهدي الله لولايتنا من يشاء. وقوله: إمام بعد إمام. يعني: أئمّة يقتدى بهم في الدين، ويتمسّك بهم فيه، ويرجع إليهم»(١) .

وقد روى هذا الخبر أحمد بن الفضل بن محمّد بن باكثير المكي الشافعي(٢) .

وروى محمود الشيخاني القادري عن ابن المغازلي « من طريق عبدالله ابن المثنى، عن عمّه ثمامة بن عبدالله بن أنس، عن أبيه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إذا كان يوم القيامة ونصب الصّراط على شفير جهنّم، لم يجز عليه إلّا من معه كتاب ولاية علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه »(٣) .

وفي ( جواهر العقدين ): « ومن طريق سماك بن حرب، عن حبيش، وأخرجه أبو يعلى أيضاً من حديث أبي الطفيل عن أبي ذررضي‌الله‌عنه بلفظ: إنّ مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلّف عنها غرق. إنّ مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة. وأخرجه البزار من طريق سعيد ابن المسيب عن أبي ذر نحوه. وكذا أخرجه الفقيه أبو الحسن ابن المغازلي وزاد: ومن قاتلنا آخر الزمان فكأنّما قاتل مع الدجال »(٤) .

وقال ابن حجر المكي في ( الصواعق ): « الآية السادسة - قوله تعالى:( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ) أخرج أبو الحسن ابن المغازلي عن الباقررضي‌الله‌عنه أنّه قال في هذه الآية: نحن الناس والله »(٥) .

____________________

(١). جواهر العقدين ٢ / ٩٤

(٢). وسيلة المال - مخطوط.

(٣). الصراط السوي في مناقب آل النبيّ - مخطوط.

(٤). جواهر العقدين ٢ / ١٢١.

(٥). الصواعق المحرقة: ٩١.

١٢٥

هذا، وقد ذكر محمّد بن معتمد خان البدخشاني كلام السمعاني السالف الذكر بعينه، في ترجمة ابن المغازلي في كتاب ( تراجم الحفّاظ ) الذي استخرجه من كتاب ( الأنساب ).

وأمّا تاريخه، فقد ذكر في ( كشف الظنون ) حيث جاء فيه « تواريخ واسط - منها: تاريخ أبي عبدالله محمّد بن سعيد بن الدبيثي الواسطي المتوفى سنة ٦٣٧، والذيل عليه لابن الجلّابي »(١) .

ثم إنّ ممّا يؤكّد ويحتّم كون أبي الحسن ابن المغازلي من أعلام أهل السنّة المتقنين الثقات: كلام ( الدّهلوي ) الذي قرّر فيه كون ابن المغازلي من جملة علماء أهل السنّة المؤلِّفين في فضائل علي وأهل البيت الطّاهرين وهذا تعريب عبارته:

« قال ابن يونس - وهو من كبار مجتهدي الشيعة - في الصّراط المستقيم: ألَّف ابن جرير كتاب الغدير، وابن شاهين كتاب المناقب، وابن أبي شيبة كتاب أخبار وفضائل علي، وأبو نعيم الإصفهاني كتاب منقبة المطهّرين وما أنزل من القرآن في فضل أمير المؤمنين، وأبو المحاسن الروياني الشافعي كتاب الجعفريات، والموفّق المكي كتاب الأربعين في فضائل أمير المؤمنين، وابن مردويه كتاب ردّ الشمس في فضل علي، والشيرازي نزول القرآن في شأن أمير المؤمنين، والإمام أحمد بن حنبل كتاب مناقب أهل البيت، والنسائي كتاب مناقب أمير المؤمنين، والنظنزي كتاب الخصائص العلوية، وابن المغازلي الشافعي كتاب مناقب أمير المؤمنين، ويسمى كتاب المراتب أيضاً، والبصري كتاب درجات أمير المؤمنين، والخطيب كتاب الحدائق.

وقال السيّد المرتضى: سمعت عمر بن شاهين يقول: جمعت من فضائل

____________________

(١). كشف الظنون ١ / ٣٠٩.

١٢٦

علي ألف جزء.

إنتهى نقلاً عن ترجمته المسمّى بأنوار العرفان للمعين القزويني الإثنى عشري.

فلينصف المنصفون!! هل للشيعة مصنّف مثل واحد من هذه التصانيف في فضائل أمير المؤمنين وأهل البيت؟!

لقد علم المطّلعون على كتب الشيعة بأنّ علمائهم جميعاً عيال على أهل السنّة في نقل فضائل أمير المؤمنين والزهراء والحسنين.

نعم قد يوجد لهم كتاب في أحوال سائر الأئمّة.

والشاهد على ما ذكرنا كتاب كشف الغمة، والفصول المهمّة، وغيرهما من كتب هذا الباب»(١) .

فأنت ترى ( الدهلوي ) يقرّر كلام ابن يونس في كون ابن المغازلي من علماء أهل السنّة، وهذا هو ما أردنا التأكيد عليه، وأمّا زعمه كون ( الفصول المهمّة ) من كتب الشيعة، فتوهّم باطل، بل هو لنور الدين ابن الصباغ المالكي، كما سيظهر فيما بعد.

ونقل ( كشف الغمة في أحوال الأئمّة ) عن أهل السنّة إنما هو من باب الإلزام والإفحام، وإلّا فالكتب التي ألّفها الشيعة الإمامية في فضائل أمير المؤمنين وأهل البيتعليهم‌السلام ، والأحاديث التي رووها بطرقهم في ذلك، لا تحصى كثرةً، كما لا يخفى على من راجع ( غاية المرام ) و ( بحار الأنوار ) وغيرهما، لكن ( الدهلوي ) عذره جهله

بقي أنْ نذكر موجز ترجمة السمعاني صاحب ( الأنساب ) وترجمة خميس الحوزي، اللذين يرويان عن ابن المغازلي.

____________________

(١). التحفة الإثنا عشرية. في حاشية التعصب الثالث عشر من الباب الحادي عشر.

١٢٧

ترجمة السمعاني الراوي عن ابن المغازلي

أمّا السّمعاني صاحب الأنساب، فهذه جمل من الثناء عليه:

١ - ابن خلّكان: « تاج الإسلام السمعاني المروزي الفقيه الشافعي الحافظ الملقب بقوام الدين. ذكره الشيخ عز الدين أبو الحسن علي بن الأثير الجزري في أوّل مختصره. فقال: كان أبو سعد واسطة عقد بيت السمعاني، وعينهم الباصرة ويدهم الناصرة، وإليه انتهت رياستهم وبه كملت سيادتهم.

رحل في طلب العلم والحديث إلى شرق الأرض وغربها وشمالها وجنوبها، وسافر إلى ما وراء النهر وسائر بلاد خراسان عدّة دفعات وغيرها من البلاد التي يطول ذكرها، ويتعذّر حصرها، ولقي العلماء وأخذ عنهم وجالسهم، وروى عنهم واقتدى بأفعالهم الجميلة وآثارهم الحميدة، وكان عدّة شيوخه تزيد على أربعة آلاف شيخ

وصنّف التصانيف الحسنة الغزيرة الفائدة

وكان أبوه محمّد إماماً فاضلاً مناظراً محدثاً فقيهاً شافعياً حافظاً، وله الإملاء الذي لم يسبق إلى مثله، تكلّم على المتون والأسانيد وأبان مشكلاتها، وله عدّة تصانيف

وكان جدّه المنصور إمام عصره بلا مدافعة، أقرّ له بذلك الموافق والمخالف، وكان حنفي المذهب، متعيّناً عند أئمّتهم، فحجّ في سنة ٤٦٢ وظهر له بالحجاز ما اقتضى انتقاله إلى مذهب الإمام الشافعي »(١) .

٢ - إبن الأثير: « ففي هذه السّنة توفي عبدالكريم بن محمّد بن منصور، أبو سعيد بن أبي المظفّر السمعاني، المروزي الفقيه الشافعي، وكان مكثراً من

____________________

(١). وفيات الأعيان ٣ / ٢٠٩.

١٢٨

سماع الحديث، سافر في طلبه وسمع منه ما لم يسمعه غيره، ورحل إلى ما وراء النهر وخراسان دفعات، ودخل إلى بلاد الجبل والإصبهان والعراق والموصل والجزيرة والشام وغير ذلك من البلاد، وله التصانيف المشهورة، منها: ذيل تاريخ بغداد، وتاريخ مدينة مرو، وكتاب النسب، وغير ذلك، أحسن فيها ما شاء، وقد جمع مشيخته فزادت عدتهم على أربعة آلاف شيخ

وقد ذكره أبو الفرج ابن الجوزي ففظعه، فمن جملة قوله فيه: إنّه كان يأخذ الشيخ ببغداد ويعبر به إلى فوق نهر عيسى فيقول: حدّثني فلان بما وراء النهر. وهذا بارد جدا، فإنّ الرجل سافر إلى ما وراء النهر حقّاً، وسمع في عامّة بلاده من عامّة شيوخه، فأيّ حاجةٍ به إلى هذا التدليس البارد. وإنّما ذنبه عند ابن الجوزي أنّه شافعي، وله أسوة بغيره، فإنّ ابن الجوزي لم يبق على أحدٍ إلّامكسري الحنابلة »(١) .

٣ - إبن الوردي: « هو إمام ابن إمام ابن إمام أبو إمام »(٢) .

٤ - الذهبي: « السمعاني الحافظ البارع العلّامة تاج الإسلام صاحب التّصانيف كان ذكيّاً فهماً سريع الكتابة مليحها، درّس وأفتى ووعظ وأملى وكتب عمّن دبّ ودرج، وكان ثقة حافظاً حجّة واسع الرّحلة، عدلاً ديّناً جميل السّيرة حسن الصّحبة كثير المحفوظ، قال ابن النجار: وسمعت من يذكر أن عدد شيوخه سبعة آلاف شيخ، وهذا شيء لم يبلغه أحد.

وكان مليح التصانيف، كثير الأناشيد، لطيف المزاح، ظريفاً، حافظاً، واسع الرحلة، ثقة صدوقاً ديّناً سمع منه مشايخه وأقرانه، وحدّث عنه

____________________

(١). الكامل في التاريخ ١١ / ٣٣٣ حوادث ٥٦٣.

(٢). تتمّة المختصر في أخبار البشر ٣ / ١١٢.

١٢٩

جماعة »(١) .

٥ - وقال: « محدّث المشرق، وصاحب التصانيف الكثيرة، والرحلة الواسعة كان حافظاً، ثقة، مكثراً، واسع العلم، كثير التصانيف، ظريفاً لطيفاً، مبجّلاً نظيفاً، نبيلاً شريفاً »(٢) .

٦ - اليافعي: « وفيها الإمام تاج الإسلام أبو سعد عبدالكريم السمعاني المروزي الفقيه الشافعي وكان حافظاً ثقة مكثراً، واسع العلم كثير الفضائل ظريفاً لطيفاً مبجلاً لطيفاً نبيلاً شريفاً، وصنّف التصانيف الحسنة الغزيرة الفائدة »(٣) .

٧ - الأسنوي: « كان إماماً عالماً فقيهاً محدثاً أديباً جميل السيرة »(٤) .

٨ - السبكي: « محدّث المشرق صاحب التصانيف المفيدة الممتعة والرّياسة والسؤدد والأصالة. قال محمود الخوارزمي: بيته أرفع بيت في بلاد الإسلام وأعظمه وأقدمه في العلوم الشرعية والأمور الدينيّة. قال: وأسلاف هذا البيت وأخلافه قدوة العلماء وأسوة الفضلاء، الإمامة مرفوعة إليهم، والرياسة موقوفة عليهم، بالفضل والفقاهة، لا بالذل والوقاحة

ولد في الحادي والعشرين من شعبان سنة ٥٠٦ بمرو وعني بالحديث والسماع، واتّسعت رحلته، فعمّت بلاد خراسان وأصبهان وما وراء النهر والعراق والحجاز والشام وطبرستان وألّف معجم البلدان التي سمع بها، وعاد إلى وطنه بمرو سنة ٣٨٠ فتزوّج، وولد له أبو المظفر عبدالرحيم، فرحل به إلى نيسابور ونواحيها وهراة ونواحيها وبلخ وسمرقند وبخارى، وخرّج له معجماً،

____________________

(١). تذكرة الحفاظ ٤ / ١٣١٦.

(٢). العبر ٤ / ١٧٨.

(٣). مرآة الجنان ٣ / ٣٧١.

(٤). طبقات الشافعية ٢ / ٥٥.

١٣٠

ثمّ عاد به إلى مرو، وألقى عصى السفر بعد ما شقّ الأرض شقّاً، وأقبل على التصنيف والإملاء والوعظ والتدريس ونشر العلم، إلى أنْ توفي إماماً من أئمّة المسلمين في كثير من العلوم سنة ٥٦٢ »(١) .

٩ - ابن قاضي شهبة: « عبد الكريم بن محمّد الحافظ الكبير الإمام الشهير، أحد الأعلام من الشافعية والمحدثين، تاج الإسلام

قال ابن النجار: سمعت من يذكر أنّ عدد شيوخه سبعة آلاف شيخ، وهذا شيء لم يبلغه أحد. قال: وكان ظريفاً حافظاً واسع الرحلة ثقة صدوقاً ديّناً جميل السيرة مليح التصانيف، وسرد ابن النجار تصانيفه وذكر أنه وجدها بخطّه »(٢) .

١٠ - السّيوطي: « أبو سعد السمعاني الحافظ البارع، العلّامة، تاج الإسلام، عبد الكريم، ابن الحافظ معين الدين أبي بكر محمّد ابن العلّامة المجتهد أبي المظفر منصور، المروزي، ولد سنة ٥٠٦ في شعبان، وعني بهذا الشأن، ورحل إلى الأقاليم، وسمع من أبي عبدالله الفراوي وزاهر الشحامي والطبقة، وبلغت شيوخه سبعة آلاف شيخ، وصنّف مات في جمادى الأولى سنة ٥٦٢ »(٣) .

ترجمة خميس الراوي عن ابن المغازلي

١ - الذهبي: « الحوزي الحافظ الإمام محدّث واسط أبو الكرم خميس بن علي بن أحمد الواسطي وكان السلفي يثني عليه ويقول: كان عالماً ثقة

____________________

(١). طبقات الشافعية ٧ / ١٨٠.

(٢). طبقات الشافعية ٢ / ١١.

(٣). طبقات الحفّاظ: ٤٨١.

١٣١

يملي من حفظه على كلّ حالٍ منْ سأله »(١) .

٢ - أيضاً: « وفيها توفّي أبو الكرم خميس بن علي الواسطي الحوزي الحافظ، رحل وسمع ببغداد من أبي القاسم ابن البسرى وطبقته. وكان عالماً فاضلاً »(٢) .

٣ - اليافعي: « فيها توفي أبو الكرم خميس بن علي الواسطي الحوزي الحافظ. وكان عالماً حافظاً شاعراً »(٣) .

٤ - السّيوطي: « خميس بن علي بن أحمد الواسطي الجعدي أبو الكرم الحافظ محدّث واسط، سمع ابن البسرى وأبا نصر الزينبي والطبقة. ومنه: السلفي وخلق. وكان عالماً ثقة يملي من حفظه، عارفاً بالحديث والأدب، جمع وجرح وعدّل. ولد سنة ٤٤٢ في شعبان. ومات سنة ٥١٠ »(٤) .

(١١)

رواية شيرويه الديلمي

وروى شيرويه بن شهردار الديلمي هذا الحديث في كتابه ( الفردوس ) بقوله:

« أبو الحمراء: من أراد أن ينظر إلى آدم في وقاره، وإلى نوح في فهمه، وإلى موسى في شدّة بطشه، وإلى عيسى في زهده، فلينظر إلى علي بن أبي طالب »(٥) .

____________________

(١). تذكرة الحفاظ ٤ / ١٢٦٢.

(٢). العبر. حوادث ٥١٠ - ٤ / ٢٠.

(٣). مرآة الجنان. حوادث ٥١٠.

(٤). طبقات الحفّاظ: ٤٥٨.

(٥). فردوس الأخبار. عن نسخةٍ مخطوطة في المكتبة الناصرية.

١٣٢

ترجمة الديلمي

١ - الرافعي: « شيرويه بن شهردار بن شيرويه بن فناخسرو الديلمي، أبو شجاع، الهمداني، الحافظ، من متأخّري أهل الحديث المشهورين الموصوفين بالحفظ، كان قانعاً بما رزقه الله تعالى من ريع أملاكه، وسمع وجمع الكثير ورحل. قال أبو سعد السمعاني: تعب في الجمع، صنّف كتاب الفردوس »(١) .

٢ - الذهبي: « المحدّث، الحافظ، مفيد همدان، ومصنّف تاريخها، ومصنّف كتاب الفردوس روى عنه: إبنه شهردار، ومحمّد بن الفضل الإسفرائيني، ومحمّد بن القاسم الساري، والحافظ أبو العلاء أحمد بن محمّد ابن الفضل، والحافظ أبو العلاء أحمد بن الحسن العطّار، والحافظ أبو موسى المديني، وآخرون توفي في تاسع عشر رجب سنة ٥٠٩ »(٢) .

٣ - أيضاً: « المحدّث العالم الحافظ المؤرخ قال يحيى بن مندة: شاب كيّس حسن زكيّ القلب صلب في السنّة قليل الكلام »(٣) .

٤ - أيضاً: « الحافظ صاحب كتاب الفردوس وكان صلباً في السنّة »(٤) .

٥ - الأسنوي: « الديلمي ذكره ابن الصلاح فقال: كان محدثاً، واسع الرحلة، حسن الخلق والخلق، ذكياً، صلباً في السنّة، قليل الكلام، صنّف التصانيف، انتشرت عنه، منها كتاب الفردوس وتاريخ همدان. ولد سنة ٤٤٥

____________________

(١). التدوين في ذكر علماء قزوين ٣ / ٨٥.

(٢). تذكرة الحفاظ ٤ / ١٢٥٩.

(٣). سير أعلام النبلاء ١٩ / ٢٩٤.

(٤). العبر في خبر من غبر. حوادث ٥٠٩ - ٤ / ١٨.

١٣٣

وتوفي في رجب سنة ٥٠٩ »(١) .

٦ - السّيوطي: « الحافظ المحدّث، مفيد همدان ومصنّف تاريخها، وكتاب الفردوس، سمع عبدالوهّاب بن منده وابن البسري والطبقة، وهو حسن المعرفة، وغيره أتقن منه »(٢) .

إعتبار كتاب الفردوس

وكتابه ( فردوس الأخبار ) من الكتب النفيسة المعتبرة لدى أهل السنّة، قد وصفه علماؤهم بأوصاف حسنة، ونوّهوا باعتباره وشهرته:

قال علي بن شهاب الدين الهمداني في ( روضة الفردوس ): « لمـّا طالعت كتاب الفردوس من مصنّفات الشيخ الإمام العلّامة، قدوة المحقّقين حجة المحدّثين، شجاع الملّة والدين، ناصر السنّة، أبي المحامد، شيرويه بن شهردارالديلمي الهمداني، أفاض الله على روحه الرحمة الرباني، وجدته بحراً من بحور الفوائد وكنزاً من كنوز اللطائف، مشحوناً بحقائق الألفاظ النبوية، مخزوناً في حدائق فصوله دقائق الآثار المصطفويّة »(٣) .

وقال الثعالبي في ( مقاليد الأسانيد ): « الفردوس للديلمي - أخبرني به قرائةً عليه، أي على الشيخ نور الدين علي بن محمّد بن عبدالرحمن الأجهوري، في حرف اللام وإجازة لسائره ...»(٤) .

وقال ولده شهردار بن شيرويه الديلمي في ( مسند الفردوس ): « وهو كتاب نفيس، عزيز الوجود، مفتون به، جامع للغرر والدرر النبويّة والفوائد.

____________________

(١). طبقات الشافعية ٢ / ١٠٤.

(٢). طبقات الحفّاظ: ٤٥٧.

(٣). روضة الفردوس - خطبة الكتاب.

(٤). مقاليد الأسانيد - في ذكر مسند الفردوس.

١٣٤

الجمّة، والمحاسن الكثيرة، قد طنّت به الآفاق وتنافست في تحفّظه الرفاق، لم يصنّف في الإسلام مثله تفصيلاً وتبويباً، ولم يسبقه إليه من سلافة الأيّام ترصيفاً وترتيباً »(١) .

وفي ( كشف الظنون ): « فردوس الأخبار بمأثور الخطاب المخرَّج على كتاب الشهاب، في الحديث، لأبي شجاع شيرويه بن شهردار بن شيرويه بن فناخسرو الهمداني الديلمي واقتفى السيوطي أثره في جامعه الصغير »(٢) .

وقال عبدالرؤوف المناوي: « مسند الفردوس المسمّى بمأثور الخطاب المخرج على كتاب الشهاب. والفردوس للإمام عماد الإسلام أبي شجاع الديلمي، ألَّفه محذوف الأسانيد مرتّباً على الحروف، ليسهل حفظه، وأعلم بأزائها بالحروف للمخرجين كما مرّ.

ومسنده لولده الحافظ أبي منصور شهردار بن شيرويه، خرّج مسند كلّ حديث، وسمّاه: إبانة الشبهة في معرفة كيفية الوقوف على ما في كتاب الفردوس من علامة الحروف »(٣) .

وقال الأدفوي - في ( الإمتاع ) - في الإستدلال على جواز الغنا وعدم دلالة قوله تعالى:( وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ ) على الحرمة، قال: « وما رشحوه به من أنّ إبليس أوّل من تغنّى لو صحّ لم يكن فيه حجة، فما كلّ ما فعله إبليس حراماً، فقد روى الحافظ شجاع الدين شيرويه في كتابه المسمّى بالفردوس بمأثور الخطاب المرتّب على كتاب الشهاب بسنده: إنّ إبليس أوّل من حدا، وليس الحدا حراماً إتّفاقاً، فإنْ ادّعوا أنّ الدليل دلّ على

____________________

(١). مسند الفردوس - خطبة الكتاب.

(٢). كشف الظنون: ١٢٥٤.

(٣). فيض القدير في شرح الجامع الصغير ١ / ٢٨.

١٣٥

إباحة الحداء فخرج بدليل. قلنا: قد دلّ الدليل على إباحة الغناء، ولم يثبت من طريق المنع عنه ».

هذا كلام الأدفوي الذي ترجم له الأسنوي الشافعي بقوله: « كمال الدين أبو الفضل جعفر بن وعد الله الأدفوي كان فاضلاً مشاركاً في علوم متعددة، أديباً شاعراً ذكياً كريماً، طارحاً للتكلّف، ذا مروّة كبيرة، صنّف في أحكام السّماع كتاباً نفيساً سمّاه بالإمتاع، أبان فيه عن اطّلاع كبير، فإنّه كان يميل إليه ميلاً كبيراً ويحضره. سمع وحدّث ودرّس »(١) .

هذا، وإنّ ( الدهلوي ) نفسه يتمسّك ببعض الأخبار الموضوعة التي أوردها الديلمي في كتابه، واصفاً الديلمي بأنّه من مشاهير المحدّثين، بل يدّعي كونه مقبولاً لدى الشيعة أيضاً، قال ( الدهلوي ) بعد أنْ ذكر ( رؤياً ): « وأخرجه بهذا السياق أبو شجاع شيرويه الديلمي في كتاب ( المنتقى ) عن ابن عباس، وهو من مشاهير المحدثين، والشيعة تثق به أيضاً » قال ( الدهلوي ):

« ورؤيا الإمام الحسن أيضاً مشهورة، وطريقها صحيح، أخرج الديلمي في كتاب ( المنتقى ): « عن الحسن بن علي، قال: ما كنت لاُقاتل بعد رؤيا رأيتها، رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم واضعاً يده على العرش ورأيت أبا بكر واضعاً يده على منكب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ورأيت عمر واضعاً يده على منكب أبي بكر، ورأيت عثمان واضعاً يده على منكب عمر، ورأيت دماً دونه، فقلت: ما هذا؟ فقالوا: دم عثمان يطلب الله به.

وروى ابن السّمان عن قيس بن عباد قال: سمعت عليّاً يوم الجمل يقول: اللّهمّ إنّي أبرأ إليك من دم عثمان، ولقد طاش عقلي يوم قتل عثمان، وأنكرت نفسي، وجاؤني للبيعة فقلت: ألا أستحيي من الله! أبايع قوماً قتلوا رجلاً قال له

____________________

(١). طبقات الشافعية ١ / ٨٦.

١٣٦

رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ألا أستحيي من رجلٍ تستحيي منه الملائكة! وإنّي لأستحيي من الله أن أبايع وعثمان قتيل على الأرض لم يدفن، فانصرفوا فلمـّا دفن رجع الناس يسألون البيعة فقلت: أللّهمّ إنّي مشفق ممّا أُقدم عليه. ثمّ جاءت غزيمة فبايعت. قال فقالوا: يا أمير المؤمنين. فكأنّما صدع قلبي »(١) .

فهذا ما ينقله ( الدهلوي ) عن ( الديلمي ) معتمداً عليه، لإثبات فضيلة ومنقبة لعثمان بن عفان، ولم يذكر للديلمي مشاركاً في نقل الحكاية إلّا ابن السّمان الذي يشاركه في الرؤيا الأولى أيضاً فالديلمي معتمد موثوق به لدى ( الدهلوي ) بل يدّعي ثقة الشيعة به أيضاً.

وإذا كان كذلك، فلماذا ينفي ( الدهلوي ) كون حديث ( التشبيه ) من أحاديث أهل السنّة، وينكر وجوده في كتابٍ من كتبهم ولا بطريقٍ ضعيف، مع أنّه من أحاديث ( الفردوس للديلمي ) وقد وافقه في روايته جمع كبير من مشاهير حفّاظ أهل السنّة وعلمائهم الأعلام؟!

وأيضاً: لماذا أعرض ( الدهلوي ) عن حديث ( الولاية )، مع أنّ ( الديلمي ) من رواته، فقد رواه بطريقين ووافقه على روايته أئمة الحديث وأصحاب الصّحاح، بل قد رواه ( الدهلوي ) نفسه وأبوه ولي الله الدهلوي؟!

قال عزّ وجلّ:( وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ ) (٢) .

بل لقد ادّعى ( الدهلوي ) بطلان هذا الحديث من أصله:

( وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ ) (٣) .

____________________

(١). التحفة الإثنا عشرية: ٣٢٩.

(٢). سورة الأنعام: ٤.

(٣). سورة غافر: ٥.

١٣٧

( وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً ) ( وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ) (١) .

لكن ( سيف الله الملتاني ) المروّج لأقوال ( الدهلوي ) والناسج على منواله، يضطر إلى أن يقول في الجواب عن استدلال الإماميّة بحديثٍ يرويه ( الديلمي ): « والإنصاف هو الإعتراف بأنّ أحاديث كتاب الفردوس للديلمي غير معتبرة لدى أهل السنّة فضلاً عن الشيعة ».

فانظر - رحمك الله إلى هذا التناقض والتكاذب بين الأصل والفرع والتابع والمتبوع!!

وأمّا الحكايات السخيفة التي يذكرها ( الدهلوي ) عن ( الديلمي ) في شأن عثمان، فبطلانها ظاهر لمن راجع كتاب ( تشييد المطاعن ).

(١٢)

رواية العاصمي

وقال العاصمي صاحب ( زين الفتى بتفسير سورة هل أتى ) في خطبة كتابه: « أمّا بعد، فقد سألني بعض من أوجبت المودّة في الله سبحانه حقّه وذمامه، وألزمت نفسي إتحافه وإكرامه، لما اتفق في الإختلاف إلينا أيامه أن أذكر نكتاً من شرح سورة الإنسان، وأجعل ذلك إليه من غرر الصنائع والإحسان، بعد ما رآني لخّصت بعض فوائد سورة الرحمن، واستخرجت أصولاً في علوم القرآن.

ثمّ راجعني مرّاتٍ بعد أخرى، ليكون ذلك له عظةً وذكرى، فرأيت الإشتغال بإسعافه أولى وأحرى، مراعاةً لحقوقه وحقوق أسلافه، ومبادرة إلى

____________________

(١). سورة الأعراف: ١٤٦.

١٣٨

إنعامه وإتحافه، ومحاماة على أوليائه وأخلافه.

فابتدأت بعد الإستخارة معتصماً بالله سبحانه، فإنّه نعم المولى ونعم النصير، وراغباً إليه فيما وعد من برّ أجر، فإنّ ذلك عليه سهل يسير وعلى ما يشاء قدير.

ولقد كان من أوكد ما دعاني إليه، وأشدّ ما حداني عليه - بعد الذي قدّمت ذكره وبيّنت أمره - ظنّ بعض الجهلاء الأغتام والمغفّلة الذين هم في بلاد أنعام، بنا - معاشر الكرام وجماعة أهل السنّة والجماعة بالأحكام - أنّا نستجيز الوقيعة في المرتضى رضوان الله عليه وحباه خير ما لديه، وفي أولاده ثمّ في شعبه وأحفاده، وكيف نستجيز ذلك وهو الذي قال [ فيه ] النبيّ صلّى الله عليه: من كنت مولاه فعليّ مولاه. وهذا حديث تلقّته الأئمّة بالقبول، وهو موافق للأصول »(١) .

قال: « وقد كنّا وعدنا أن نذكر طرفاً من ذكر مشابه المرتضى رضوان الله عليه، وأشرنا إليه حيث ذكرنا افتتاح الله سبحانه هذه السّورة بحديث آدمعليه‌السلام ، إذ في المرتضى رضوان الله عليه مشابهة من أبينا آدمعليه‌السلام ، ثمّ من بعض الأنبياءعليهم‌السلام بعده:

فأوّلهم آدمعليه‌السلام ، ثمّ نوحعليه‌السلام ، ثمّ إبراهيم الخليلعليه‌السلام ، ثمّ يوسف الصدّيقعليه‌السلام ، ثمّ موسى الكليمعليه‌السلام ، ثمّ داود ذو الأيدعليه‌السلام ، ثمّ سليمان الشاكرعليه‌السلام ، ثمّ أيّوب الصابرعليه‌السلام ، ثمّ يحيى بن زكريّاعليه‌السلام ، ثمّ عيسى الروحعليه‌السلام ، ثمّ محمّد المصطفىعليه‌السلام .

وأنا أفرد لكلّ واحدٍ منهم فصلاً مشتملاً على ما فيه، لينظر فيه العاقل، فيستدلّ به على ما وراءه. والله الموفّق للصواب.

١٣٩

والذي يؤيّد ما ذهبنا إليه من ذكر المشابه حديث:

أخبرنيه جدّي أحمد بن المهاجر رحمه ‌الله قال: حدّثنا أبو جعفر الرازي مستملي أبي يحيى البزاز، قال: حدّثنا مسلم، عن عبيدالله بن موسى العبسي، عن أبي عمر الأزدي، عن أبي راشد الحبراني، عن أبي الحمراء:

عن النبي صلّى الله عليه أنّه قال: من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في بطشه، فلينظر إلى علي بن أبي طالب.

وأخبرنا محمّد بن أبي زكريا الثقة قال: أخبرنا أبو الحسين محمّد بن أحمد بن جعفر الجوري، قال: حدّثنا أبو جعفر محمّد بن أحمد بن سعيد الرازي، وأخبرني شيخي أحمد بن محمّد [رحمه‌الله ] قال: أخبرنا أبو أحمد إبراهيم بن علي الهمداني قال: حدّثنا أبو جعفر الرازي، وسياق الحديث لأبي الحسين، قال: حدّثنا أبو عبدالله محمّد بن مسلم قال: حدّثنا عبيدالله بن موسى العبسي قال: حدّثنا أبو عمر الأزدي، عن أبي راشد الحبراني عن النبيّ صلّى الله عليه قال:

من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى يحيى بن زكريا في زهده، وإلى موسى بن عمران في بطشه، فلينظر إلى علي بن أبي طالب.

وأخبرنا محمّد بن يحيى الثقة قال: أخبرنا أبو سهل العاصمي ببلخ بقراءتي عليه قال: حدّثنا أبو بكر بن طرخان قال: حدّثنا محمّد بن مالك بن هاني المكتّب الكندي قال: حدّثنا أحمد بن أسد قال: حدّثنا عبيدالله بن موسى، عن أبي عمر الأزدي، عن أبي راشد، عن أبي الحمراء قال:

كنّا جلوساً مع النبي صلّى الله عليه، فأقبل علي بن أبي طالب،

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449