نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٩

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار13%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 449

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 449 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 206464 / تحميل: 7203
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٩

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

وإسماعيل كان صاحب الصدق.

ويونس كان صاحب التضرّع.

فثبت أنّه تعالى إنّما ذكر كلّ واحدٍ من هؤلاء الأنبياء، لأنّ الغالب عليه كان خصلة معيّنة من خصال المدح والشرف.

ثمّ إنّه تعالى لمـّا ذكر الكلّ، أمر محمّداً عليه الصّلاة والسّلام بأنْ يقتدي بهم بأسرهم، فكان التقدير كأنَّه تعالى أمر محمّداً صلّى الله عليه وسلّم أنْ يجمع من خصال العبوديّة والطاعة كلّ الصّفات التي كانت متفرّقة فيهم بأجمعهم.

ولمـّا أمره الله تعالى بذلك امتنع أنْ يقال أنّه قصّر في تحصيلها، فثبت أنّه حصّلها.

ومتى كان الأمر كذلك ثبت أنّه اجتمع فيه من خصال الخير ما كان متفرّقاً فيهم بأسرهم.

ومتى كان الأمر كذلك، وجب أن يقال: إنّه أفضل منهم بكليّتهم. والله أعلم »(١) .

أقول:

وبنفس هذا التقرير الّذي ذكره العلماء، للإحتجاج بالآية الكريمة على أفضليّة نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من سائر الأنبياء نحتجّ بحديث التشبيه على أفضليّة سيّدنا أمير المؤمنينعليه‌السلام من الأنبياء، فلا يبقى أيّ ريبٍ في دلالة حديث التشبيه على مذهب الشيعة.

بل الأمر هنا أوضح من هناك، لأنّه إذا كان الأمر بالإقتداء بهدى الأنبياء السابقينعليهم‌السلام دالّاً على أفضليّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّ

____________________

(١). تفسير الرازي ١٣ / ٦٩ - ٧١.

٣٠١

إثبات صفات الأنبياء السابقين لأمير المؤمنينعليه‌السلام - الأمر الّذي يدلّ على الحديث بصراحة - يدلّ على أفضليّة الإمامعليه‌السلام منهم، بالأولويّة.

على أنّ الإحتجاج بالآية، كان يتوقّف على مقدّمات، أحدها: إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمـّا اُمر بالإقتداء، امتنع أن يقال إنّه ترك الإقتداء. والثاني: إنّ المراد من هدى الأنبياء السابقين هو جميع الخصال الخاصّة بكلّ واحدٍ منهم. والثالث: إنّ الإقتداء لا يمنع كونهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل من الأنبياء السابقين.

أمّا في حديث: من أراد أنْ ينظر إلى آدم فلا حاجة إلى شيء من المقدّمات، بل إنّ الحديث يثبت صفات الأنبياء السابقين للإمام بلا مقدّمة، إذ ليس فيه أمر بالإقتداء حتّى يحتاج إلى مقدّمة أنّه قد أطاع هذا الأمر قطعاً، وقد ذكر في الحديث صفات الأنبياء بصراحةٍ وهي - في بعض الألفاظ - « العلم، والحلم، والعبادة، والتقوى، والبطش » وليس فيه لفظ « الهدى » حتّى يحتاج إلى مقدّمة يذكر فيها أنّ المراد من الهدى هو الصّفات كما أنّه لا حاجة هنا إلى القول بأنّ الإقتداء لا ينافي الأفضليّة، إذ لا أمر بالإقتداء هنا.

فظهر، أنّ دلالة هذا الحديث على مساواة صفات الإمامعليه‌السلام لصفات الأنبياء السابقينعليه‌السلام ، أوضح من دلالة الأمر بالإقتداء على ذلك.

وقد ذكر النيسابوري أيضاً الإحتجاج المذكور بالآية على أفضلية نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فذكر أقوال العلماء في تفسير « الهدى » ثمّ كلام القاضي وما قيل في الجواب عن الوجوه التي ذكرها القاضي، فصرّح:

« بأنّه يلزم أن يكون منصبه أجلا من منصبهم، لأنّه أمر باستجماع خصال الكمال وصفات الشرف التي كانت متفرقة فيهم، كالشكر في داود

٣٠٢

وسليمان، والصبر في أيوب، والزهد في زكريا ويحيى وعيسى، والصّدق في إسماعيل، والتضرّع في يونس، والمعجزات الباهرة في موسى وهارون. ولهذا قال: لو كان موسى حيّاً لما وسعه إلّا اتّباعي»(١) .

* وقال الخطيب الشربيني بعد ذكر الإحتجاج:

« فثبت بهذا البيان أنّه صلّى الله عليه وسلّم أفضل الأنبياء، لما اجتمع فيه من الخصال التي كانت متفرقة في جميعهم »(٢) .

٣ - الإستدلال على ضوء كلام الفخر الرازي

وإذا كان الأمر بالإقتداء دالّاً على وجود جميع صفات الأنبياء السابقين في وجود نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ يكون دالّاً على أفضليّته منهم من جهة كونه جامعاً بوحده لتلك الصّفات المتفرقة بينهم فلا أقل من دلالة حديث التشبيه على أفضليّة الإمامعليه‌السلام منهم بهذا البيان، فيكون الحديث دالّاً على الأفضليّة بنفس المقدّمات التي ذكرت في الإحتجاج بالآية على الأفضلية، بعد التنزّل عمّا أثبتناه في الوجه السابق من الإستدلال بلا توقفٍ على المقدّمات.

فيكون الحاصل حينئذٍ دلالة حديث التشبيه على أفضليّة الإمامعليه‌السلام من الأنبياء السابقين، لاستجماعه ما تفرّق فيهم من الخصال، وإذا كان أفضل من الأنبياء الخمسة المذكورين، ثبت أفضليته من جميع الأنبياء - سوى خاتم النبيينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - بالإجماع المركّب.

بل لقد جاء في بعض ألفاظ حديث التشبيه ثبوت صفات يعقوب و

____________________

(١). تفسير النيسابوري - هامش الطبري ٧ / ١٨٥.

(٢). السراج المنير ١ / ٤٣٥.

٣٠٣

يوسف وأيّوب ويونسعليهم‌السلام ، وهيبة إسرافيل، ورتبة ميكائيل، وجلالة جبرائيل لسيّدنا أمير المؤمنينعليه‌السلام .

٤ - في علي تسعون خِصلة لم تجمع في غيره

وروى السيّد علي الهمداني - من مشايخ والد ( الدهلوي ) - في كتابه الّذي عدّه رشيد الدّين الدهلوي في كتب أهل السنّة المؤلَّفة في مناقب أهل البيت عليهم الصّلاة والسّلام:

« عن جابر قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من أراد أنْ ينظر إلى إسرافيل في هيبته، وإلى ميكائيل في رتبته، وإلى جبرئيل في جلالته، وإلى آدم في علمه، وإلى نوح في حسنه، وإلى إبراهيم في خلّته، وإلى يعقوب في حزنه، وإلى يوسف في جماله، وإلى موسى في مناجاته، وإلى أيّوب في صبره، وإلى يحيى في زهده، وإلى عيسى في سنته، وإلى يونس في ورعه، وإلى محمّد في جسمه وخلقه، فلينظر إلى علي. فإنّ فيه تسعين خصلة من خصال الأنبياء، جمعها الله فيه ولم تجمع في أحد غيره.

وعدَّد جميع ذلك في جواهر الأخبار »(١) .

أقول:

وليس هذا الحديث مجرّد تشبيه، بل هو جارٍ مجرى الحقيقة، واستجماعه لتلك الصفات، مع عدم اجتماعها في أحدٍ غيره، نصٌّ في الأفضليّة.

____________________

(١). مودّة القربى، ينابيع المودّة ٢ / ٣٠٦ الطبعة المحقّقة.

٣٠٤

٥ - دلالة الحديث في كلام إبن روزبهان

وقد صرّح المتعصّب العنيد الفضل ابن روزبهان بدلالة حديث التشبيه على الأفضليّة، فدلالته على مذهب الإماميّة تامة عنده، إلّا أنّه يردّه بالرمي بالوضع وهذا نصّ كلامه:

« وأثر الوضع على هذا الحديث ظاهر، ولا شكّ أنّه منكر، مع ما نسب إلى البيهقي، لأنّهم يوهم أنّ عليّ بن أبي طالب أفضل من هؤلاء الأنبياء، وهذا باطل، فإنّ غير النبي لا يكون أفضل من النبيّ.

وأمّا أنّه موهم لهذا المعنى، لأنّه جمع فيه من الفضائل ما تفرّق في الأنبياء، والجامع للفضائل أفضل ممّن تفرّق فيهم الفضائل.

وأمثال هذا من موضوعات الغلاة »(١) .

أقول:

اُنظر إلى تعصّب هؤلاء القوم، فمنهم من يعترف بدلالة الحديث على مذهب الشيعة، فيردّه بالوضع والبطلان، كابن روزبهان، ومنهم من ينكر دلالته، كالكابلي و ( الدهلوي )، فهم يتكاذبون فيما بينهم، إلّا أنّ غرضهم إسقاط الحديث عن الصلاحيّة لاحتجاج الشيعة به على مذهبهم الحقّ، وإنْ لزم ما لزم

وأمّا إبطال ابن روزبهان أفضليّة الإمامعليه‌السلام من هؤلاء الأنبياء، من جهة أنّه ليس بنبيّ، وغير النّبيّ لا يكون أفضل من النبي فيبطله آية المباهلة والأحاديث الواردة في ذيلها، وكذا غيرها من الأحاديث الصّريحة في

____________________

(١). إبطال الباطل. انظر: دلائل الصدق ٢ / ٥١٨.

٣٠٥

أنّ عليّاً نفس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما ورد في توسّل آدمعليه‌السلام به(١) وأنّ الأنبياء بعثوا على ولايته(٢) وحديث « خلقت أنا وعلي من نور واحدٍ قبل أنْ يخلق آدم »(٣) ، وغير هذه الأحاديث.

فظهر دلالة هذا الحديث على الأفضليّة، فيتمّ احتجاج الشيعة به، ويسقط مناقشة ( الدهلوي).

٦ - بيان محمّد بن إسماعيل الأمير لحديث التشبيه

وللعلّامة النحرير محمّد بن إسماعيل الأمير بيانٌ لطيف، وتقرير متين، لحديث التشبيه، يتّضح به طريق احتجاج الشيعة، ويتأيّد به أسلوب استدلالهم، وهذا نصُّ عبارته:

« فائدة - قد شبّههعليه‌السلام بخمسة من الأنبياء، كما قال المحب الطبريرحمه‌الله ما لفظه: ذكر تشبيه عليرضي‌الله‌عنه بخمسةٍ من الأنبياء: عن أبي الحمراء قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى يحيى بن زكريا في زهده، وإلى موسى في بطشه، فلينظر إلى علي بن أبي طالب. أخرجه أبو الخير الحاكمي.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أراد أنْ ينظر إلى إبراهيم في حلمه، وإلى نوح في حكمه، وإلى

____________________

(١). اُنظر ما رووا بتفسير قوله تعالى:( فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَات ) الدرّ المنثور ١ / ٦٠.

(٢). انظر ما رووه بتفسير قوله تعالى:( واسأَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبلِكَ مِنْ رُسُلِنا ) ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق ٢ / ٩٧ وسنفصل الكلام فيه في الجزء اللاحق من كتابنا.

(٣). انظر الجزء الخامس من كتابنا.

٣٠٦

يوسف في جماله، فلينظر إلى علي بن أبي طالب. أخرجه الملّا في سيرته. انتهى.

قلت: فقد شبّهه صلّى الله عليه وسلّم بهؤلاء الخمسة الرسل، في اكتسابه للخصال الشريفة من خصالهم.

فمن آدم أبي البشر العلم، فإنّ الله تعالى خصّه بأنّه علّمه الأسماء كلّها، ثمّ أبان فضله بذلك ونوّه بعلمه، حيث عرض على الملائكة أسماء المسمّيات، وطلب منهم تعالى إنباءهم بأسمائها فعجزوا، وطلب من آدمعليه‌السلام إنبائهم، فأنبأهمعليه‌السلام بها. فهذه فضيلة من أشرف فضائل آدمعليه‌السلام التي شرف بها بين الملأ الأعلى.

وشبّهه بنوحٍعليه‌السلام في فهمه، لأنّه أمره الله تعالى بصنعة الفلك، وفيها من دقائق الإحكام والإتقان ما لا تحصره الأقلام، ولا يدركه الأفهام، وكانت لم تعرف، ولا اهتدى إليها فكر قبل ذلك، وكان فيها ما كان من الإتقان، واليوت التي جوّفها له ولمن معه، والأنعام والوحوش والسباع، واختلافها طولاً وعرضاً، فإنّها كجؤجؤ الطائر، وقد جعل الله الحمل فيها من آياته، حيث قال:( وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ) وعدّ الإمتنان بها في الذكر في عدّةٍ من الآيات، وناهيك أنّه قرن إجراءه تعالى لها مع خلق السماوات والأرض، واختلاف الليل والنهار، فالمراد فهمه ما ألهمه من صنعتها، ولذلك جعل صنعتها مقيَّدة( بِأَعْيُنِنا ) في قوله:( وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا ) وقوله في الحديث « في حكمه » أي في حكمه الناشي عن حكمه وقوته وصحّته، ويحتمل أن يكون المراد فهمه العام في صنعة الفلك وغيره، ممّا فهمه عن الله تعالى وأمره.

وشبّهه بالخليل في حلمه، وهو من أشرف الصفات، ولذلك قيل: مانعت

٣٠٧

الله الأنبياء بأقلّ ما نعتهم بالحلم، وذلك لعزّة وجوده، ولقد نعت الله به إبراهيمعليه‌السلام بقوله تعالى:( إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ) ( إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ ) ومن مجادلته عن لوط فقال:( إِنَّ فِيها لُوطاً ) في عدة من الآيات. ومن حلمهعليه‌السلام الّذي تخفّ عنه رواسي الجبال: امتثاله لأمر الله تعالى بذبح ولدهعليهما‌السلام ، وإضجاعه، وكتفه له، وإمرار المدية على حلقه، لولا منع الله لها أن تقطع، فلهذا وصفه الله ووصف ولده بالحلم.

وشبّهه صلّى الله عليه وسلّم بيحيى بن زكرياعليهما‌السلام في زهده، ويحيىعليه‌السلام هو علم الزهادة في أبناء آدم، من تأخّر منهم ومن تقدّم، وقد ملئت الكتب باليسير من صفات زهده.

وشبّهه صلّى الله عليه وسلّم بكليم الله في بطشه، وكان موسى شديد البطش، وناهيك أنّه ذكر القبطي فقضى عليه، وأراد البطش بالآخر، وهو في بلد فرعون، وتحت يده بنو إسرائيل أرقّاء في يد فرعون، وكان القبط أهل الصولة والشوكة والدولة.

وشبّهه في الحديث الآخر بيوسف في جماله، ويوسف في جماله شمس لا يزيدها الوصف إلّا خفاءً، فهي أظهر من أنْ تظهر. وقد سبق صفة أمير المؤمنين: وإنّ عنقه كأنّه إبريق فضة، وإنّه كان أغيد، وغير ذلك من الصفات الحسنة.

إذا عرفت هذا، فهذه شرائف الصفات: الحلم، والعلم، والفهم، والزهادة، والبطش، والحسن.

ثمّ إنّه حاز أكمل كلّ واحدة مها، فإنّ علم الرسل أكمل العلوم، وحلمهم أكمل الحلم، وفهمهم أتمّ فهم، وزهادتهم أبلغ زهادة، وبطشهم أقوى بطش.

فناهيك من رجل كمّله الله بهذه الصفات، وأخبر نبيّه صلّى الله عليه

٣٠٨

وسلّم أنّه حازها، وشابه أكمل من اتّصف بها، وإنّ من أراد أن ينظر من كان متّصفاً بها من أولئك الرسل الأعلّين، ويشاهده كأنّه حي، نظر إلى هذا المتّصف بها، لذلك قيل:

يدلّ لمعنى واحد كلّ فاخر

وقد جمع الرحمن فيك المعاليا

ولو أردنا سرد ما فاض عن الوصي من ثمرات هذه الصّفات، وما انفجر عنه من بحور هذه الكلمات، لخرجنا عن قصدنا من بيان معنى الأبيات، والإختصار له في هذه الكلمات، ويأتي في غضون صفاته ما يدلّ على كمالاته، وقد شبَّه صلّى الله عليه وسلّم بعضاً من الصحابة ببعضٍ من الرسل في بعض الصفات، ولم يجمع لاحدٍ خمسة من الأنبياء ولا ثلاثة، ولا جاء في حقّ أحدٍ بهذه العبارة، أعني: من أراد أن ينظر الخ، الدالة على كمال تمكّن تلك الصفة في وصيّه » انتهى(١) .

أقول:

هذا كلام هذا المحقق الكبير في معنى هذا الحديث الشّهير، وقد أحسن في البيان وأجمل في التقرير، وبما ذكره يتّضح وجه احتجاج الشيعة، ويظهر مدى تعصّب ( الدهلوي ) الذي زعم أنّ مفاد الحديث هو التشبيه المحض، كتشبيه التراب والحصى بالدّر والياقوت، وأمثال ذلك من التشبيهات الإدعائيّة، والتمثيلات الإغراقيّة.

هذا، ولا تغفل عن كلمات ابن طلحة، والكنجي، وشهاب الدين أحمد، في بيان معنى حديث التشبيه، فإنّها تفيد ما تذهب إليه الإماميّة كعبارة محمّد ابن إسماعيل المزبورة

____________________

(١). الروضة الندية - شرح التحفة العلوية.

٣٠٩

٧ - إعتراف أبي بكر بدلالة الحديث

فإنْ لم يقبل الخصم شيئاً من الوجوه المذكورة، فقد اشتمل بعض ألفاظ الحديث على اعتراف أبي بكر بدلالة حديث التشبيه على مساواة الإمام أمير المؤمنين مع هؤلاء الأنبياءعليهم‌السلام في الصّفات، وأفضليّته منهم ففي كتاب المناقب للخوارزمي:

« أخبرني شهردار هذا إجازةً، قال: أخبرنا أبو الفتح عبدوس بن عبدالله ابن عبدوس الهمداني إجازةً، عن الشريف أبي طالب المفضل بن محمّد بن طاهر الجعفري بإصبهان، عن الحافظ أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه بن فورك الإصبهاني، قال: حدّثنا محمّد بن أحمد بن إبراهيم، قال: حدّثنا الحسن بن علي بن الحسين السّلوي، قال: حدّثني سويد بن مسعر بن يحيى بن حجاج النهدي حدّثنا أبي، حدّثنا شريك عن أبي إسحاق عن الحارث الأعور صاحب راية علي، قال:

بلغنا أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم كان في جمع من أصحابه فقال:

اُريكم آدم في علمه، ونوحاً في فهمه، وإبراهيم في حكمته.

فلم يكن بأسرع من أنْ طلع علي.

فقال أبو بكر: يا رسول الله، أقست رجلاً بثلاثة من الرسل! بخ بخ لهذا الرجل، من هو يا رسول الله؟

قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ألا تعرفه يا أبا بكر؟!

قال: الله ورسوله أعلم.

قال: أبو الحسن علي بن أبي طالب.

قال أبو بكر: بخ بخ لك يا أبا الحسن. وأين مثلك يا أبا الحسن! »(١) .

____________________

(١). مناقب علي بن أبي طالب: ٤٤ - ٤٥.

٣١٠

وفي ( توضيح الدلائل ): « عن الحارث الأعور صاحب راية أمير المؤمنين كرّم الله وجهه قال: بلغنا أنّ النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله وبارك وسلّم كان في جمع من الصحابة، فقال:

أريكم آدم في علمه ونوحاً في فهمه، وإبراهيم في حلمه.

فلم يكن بأسرع من أنْ طلع علي كرّم الله تعالى وجهه.

قال أبو بكررضي‌الله‌عنه : يا رسول الله: قست رجلاً بثلاثةٍ من الرسل، بخ بخ لهذا، من هو يا رسول الله؟!

قال النبي صلّى الله عليه وعلى آله وبارك وسلّم: يا أبا بكر، ألا تعرفه؟

قال: الله ورسوله أعلم.

قال صلّى الله عليه وعلى آله وبارك وسلّم: أبو الحسن علي بن أبي طالب.

قال أبو بكررضي‌الله‌عنه : بخ بخ لك يا أبا الحسن.

ورواه الصالحاني، وفي إسناده أبو سليمان الحافظ »(١) .

ففي هذا الحديث: إعتراف صريح من أبي بكر بأنّ حديث التشبيه يدلُّ على المساواة بين الإمامعليه‌السلام وهؤلاء الأنبياءعليهم‌السلام ، وأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد قرّر ما ذكره أبو بكر، وتقريره حجّة.

وإنّما قلنا بأنّ أبا بكر فهم المساواة من الحديث، لأنّه قال للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « قست رجلاً بثلاثةٍ من الرسل » ومعنى « قست »: أي: « ساويت » لأنّ قياس أحدٍ بغيره هو بمعنى: التسوية بين الشخصين:

قال الشريف الجرجاني: « القياس في اللغة عبارة عن التقدير، يقال:

____________________

(١). توضيح الدلائل على تصحيح الفضائل - مخطوط.

٣١١

قست النعل بالنّعل، إذا قدّرته وسوّيته، وهو عبارة عن ردّ الشيء إلى نظيره »(١) .

وقال الجوهري: « قست الشيء بغيره وعلى غيره، أقيس قيساً وقياساً، فانقاس، إذا قدّرته على مثاله. وفيه لغة اُخرى: قسته أقوسه قوساً وقياساً، ولا يقال: أقسته، والمقدار مقياس، وقايست بين الأمرين مقايسةً وقياساً، ويقال أيضاً: قايست فلاناً إذا جاريته في القياس، وهو كقياس الشيء بغيره، أي: يقيسه بغيره، ويقتاس بأبيه اقتياساً، أي: يسلك سبيله ويقتدى به »(٢) .

وفي ( الصحاح ) أيضاً: « قست الشيء بالشيء: قدّرته على مثاله »(٣) .

وفي ( القاموس ): « قاسه بغيره وعليه، يقيسه قيساً وقياساً واقتاسه، قدّره على مثاله، فانقاس، والمقدار: المقياس »(٤) .

وقال ابن الأثير: « منه حديث أبي الدرداء: خير نسائكم التي تدخل قيساً وتخرج ميساً. يريد: أنّها إذا مشت قاست بعض خطاها ببعض، فلم تفعل فعل الخرقاء ولم تبطئ، ولكنّها تمشي مشياً وسطاً معتدلاً، فكان خطاها متساوية »(٥) .

فالعجب من ( الدهلوي ) كيف يحمل الحديث على التشبيه؟ وهل هذا إلّا ردّ على أبي بكر وتسفيه؟ بل لقد سفّه بصراحةٍ - كما سيأتي من كلامه - كلّ من فهم المساواة من هذا الحديث فهذا تسفيه صريح لأبي بكر.

كما أنّ ( للدهلوي ) في الباب الحادي عشر من كتابه ( التحفة ) كلاماً مفاده إخراج أبي بكر من الصّبيان المميّزين، ودخلوه في غير المميّزين

____________________

(١). التعريفات: ٧٨.

(٢). الصّحاح: قوس.

(٣). الصّحاح: قيس.

(٤). القاموس: قيس.

(٥). النهاية: قيس.

٣١٢

وأنت تعلم عدم أهليّة من كان في « كمال السّفاهة » ومن « الصبيان غير المميزين » للخلافة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إذ لا خلاف ولا ريب بين المسلمين في اشتراط العقل والبلوغ في الخليفة

وهذا إشكال قويّ لا مفرّ ( للدهلوي ) وأنصاره منه.

ثمّ إنّ قول أبي بكر « من مثلك يا أبا الحسن! » ظاهر في أنّه قد جعل هذه المساواة في الحديث دليلاً على نفي مماثلة أحدٍ مع الإمامعليه‌السلام ، وهذا دليل آخر على الأفضلية، لا سيّما بالنظر إلى تقرير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فتوهّم عدم دلالة المساواة على الأفضليّة باطل جدّاً.

٨ - ابن تيميّة: الأشبه بالنبيّ أفضل وهو يخلفه

قال المتعصّب العنيد ابن تيميّة: « إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أفضل الخلق، وكلّ من كان به أشبه فهو أفضل ممّن لم يكن كذلك، والخلافة كانت خلافة نبوة، لم يكن ملكاً، فمن خلف النبيّ وقام مقام النبيّ كان أشبه به، ومن كان أشبه بالنبي كان أفضل، فمن يخلفه أشبه من عن غيره، والأشبه به أفضل، فالذي يخلفه أفضل »(١) .

فنقول: إنّ قوله: « من كان أشبه بالنّبي كان أفضل » كبرى مقبولة مسلّمة، إذ لا ريب ولا كلام، في أنّ النبيّ أفضل الخلق، والأشبه بالأفضل هو الأفضل وحديث التّشبيه يعيّن المصداق الحقيقي لتلك الواقعيّة المسلّمة، فأمير المؤمنينعليه‌السلام أشبه الخلق بالأنبياء السّابقين الذين لا ريب أيضاً في أفضليّتهم من الثلاثة، وكلّ من كان أشبه بهم فهو أفضل، فأمير المؤمنينعليه‌السلام أفضل من الثلاثة وغيرهم.

____________________

(١). منهاج السنّة ٨ / ٢٢٨.

٣١٣

وأيضاً: ظاهر قوله: « فمن خلف النبي » هو أنّ إبن تيميّة يستدلّ بخلافة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والقيام مقامه، على أنّ من قام مقام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان أشبه به، فهو الأفضل من غيره، لكن دلالة حديث: « من أراد أن ينظر » على الأشبهيّة أقوى من دلالة مجرَّد الخلافة غير المنصوصة - مبنيّة على الظن الذي لا يغني من الحق شيئاً، أمّا أشبهيّة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فهي ثابتة بالنص الصريح المعتبر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأين الظن غير المعتبر من النصّ الصريح المعتبر؟!

وإنّما قلنا « الخلافة غير المنصوصة » من جهة أنّ ( الدهلوي ) وغيره يعترفون بعدم النصّ على خلافة الثلاثة، ولذا لا يترتّب على إثبات أشبهيّة الخلافة المنصوصة أيُّ أثر وفائدة لهم، فلا ريب في أنّ ابن تيميّة يريد غير المنصوصة.

ومع غض النظر عمّا ذكرنا، نقول: لو ثبت أشبهيّة من قام مقام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنصٍّ أو دليلٍ عقلي، فإنّ غاية ذلك التساوي بين تلك الأشبهيّة، مع أشبهيّة أمير المؤمنينعليه‌السلام الثابتة بالحديث الشريف، وهذه المساواة أيضاً وافية بمطلوب الإماميّة، لأنّ كلّ وجه أفاد أنّ أشبهيّة الخليفة بالنبيّ تستلزم أفضليّة من غيره، فهو نفسه يفيد استلزام أشبهيّة الإمامعليه‌السلام أفضليّته له من جميع أفراد الأمّة بعد النبي.

وأيضاً: إذا كانت أشبهيّة الخليفة شرطاً للخلافة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لزم أنْ يكون الخليفة معصوماً مثل النبي، وبما أنّ الثلاثة فاقدون للعصمة، فإنّ خلافتهم عن النبيّ تكون منتفية.

٣١٤

٩ - تشبيه غير المعصوم بالمعصوم غير جائز

إنّ حديث التشبيه بين الإمامعليه‌السلام والأنبياء، يدلّ على العصمة والأفضليّة، وإلّا لما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك وممّا يوضّح هذا كلام السبكي بترجمة أبي داود، حيث قال:

« قال شيخنا الذهبي: تفقّه أبو داود بأحمد بن حنبل، ولازمهُ مدةً. قال: وكان يشبه به، كما كان أحمد يشبه بشيخه وكيع، وكان وكيع يشبه بشيخه سفيان، وكان سفيان يشبَّه بشيخه منصور، وكان منصور يشبَّه بشيخه إبراهيم، وكان إبراهيم يشبَّه بشيخه علقمة، وكان علقمة يشبَّه بشيخه عبدالله بن مسعودرضي‌الله‌عنه .

قال شيخنا الذهبي: وروى أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة: إنّه كان يشبّه عبدالله بن مسعود بالنبي صلّى الله عليه وسلّم في هديه ودلّه.

قلت: أمّا أنا فمن ابن مسعود أسكت، ولا أستطيع أنْ اُشبّه أحداً برسول الله في شيء من الأشياء، ولا أستحسنه، ولا أجوّزه، وغاية ما تسمح نفسي به أن أقول: وكان عبدالله يقتدي برسول الله فيما ينتهي إليه قدرته وموهبته من الله عزّجل، لا في كلّ ما كان رسول الله، فإنّ ذلك ليس لابن مسعود، ولا للصدّيق، ولا لمن اتّخذه الله خليلاً، حشرنا الله في زمرتهم »(١) .

فأنت ترى تاج الدّين السبكي لا يجوّز تشبيه ابن مسعود - مع ما يذكرون له من الفضائل والمناقب الكثيرة كما في ( كنز العمّال ) وغيره - ولا أبي بكر بن أبي قحافة، بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلو لم يكن سيّدنا أمير

____________________

(١). طبقات الشافعيّة ٢ / ٢٩٦.

٣١٥

المؤمنين عليه الصلاة والسلام معصوماً وأفضل الخلق بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لم يشبهه النّبيّ بالأنبياء السابقينعليهم‌السلام في تلك الصفات الجليلة، لأنه مع عدم العصمة والأفضليّة غير جائز قطعاً.

فثبت دلالة تشبيه الإمامعليه‌السلام بالأنبياء في صفاتهم على العصمة والأفضليّة.

ومن المعلوم أنّه لو جاز حمل تشبيه الإمامعليه‌السلام بالأنبياءعليهم‌السلام على التشبيهات الشعريّة المجازيّة، لجاز تشبيه ابن مسعود بل الأوّل فكيف الثاني والثالث بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا مضائقة ولا توقّف

وإذا كان السبكي يأبى عن تشبيه ابن مسعود بل الأوّل وغيره بالنّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كيف يجرأ ( الدّهلوي ) على أنْ ينسب التشبيه الفارغ المجازي إلى نفس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كلامه الثابت صدوره منه؟!

وأيضاً: يفيد كلام السبكي بطلان دعوى مساواة الثلاثة مع الأنبياء في الصفات، إذ لو كان يساوونهم أو يشابهونهم في تلك الصّفات، لما امتنع السبكي من تشبيه الأول منهم بالنبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وأيضاً: عدم جواز تشبيه الأول بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يوضّح بطلان الأحاديث المزعومة والموضوعة في تشبيه الشيخين بالأنبياء.

وأيضاً: يظهر منه فساد دعوى حمل الشيخين لكمالات الأنبياءعليهم‌السلام .

٣١٦

١٠ - تحريم القاضي وغيره تشبيه بعض أحوال غير النّبي بالنّبي

وحرّم القاضي عياض تشبيه غير النبيّ بالنّبي، بل تشبيه بعض أحوال غير النبيّ بالنبيّ، تحريماً أكيداً، يستوجب الحبس والتعزير، وأقام على ذلك وجوهاً عديدة، واستشهد بشواهد من التأريخ والأثر، ومن أقوال المتقدّمين وأفعالهم، وإليك النصّ الكامل لكلامه في ( الشفا بتعريف حقوق المصطفى )، في الباب الأول، في بيان ما هو في حقّه سبّ أو نقص من تعريض أو نصّ:

« فصل: الوجه الخامس - أنْ لا يقصد نقصاً، ولا يذكر عيباً، ولا سبّاً، ولكنّه ينزع بذكر بعض أوصافه، ويستشهد ببعض أحوالهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الجائزة عليه في الدنيا على طريق ضرب المثل والحجة لنفسه أو لغيره، أو على التشبيه به، أو عند هضيمةٍ نالته، أو غضاضة لحقته، ليس على طريق التأسّي وطريق التحقيق، بل على مقصد الترفيع لنفسه أو لغيره، أو سبيل التمثيل وعدم التوقير لنبيّه ( ص )، أو قصد الهزل والتبذير، بقوله كقول القائل: إن قيل فيَّ السوء فقد قيل في النبيّ. أو: إن كذّبت فقد كذّب الأنبياء. أو: إن أذنبت فقد أذنبوا. أو: أنا أسلم من ألسنة الناس ولم تسلم منهم أنبياء الله ورسله. أو: قد صبرت كما صبر أولوا العزم من الرسل، أو كصبر أيّوب، أو قد صبر نبيّ الله من عداه، وحلم على أكثر ممّا صبرت، وكقول المتنبّي:

أنا في اُمّة تداركها الله

غريب كصالح في ثمود

ونحوه من أشعار المتعجرفين في القول، المتساهلين في الكلام، كقول المعرّي:

كنت موسى وافته بنت شعيب

غير أنّ ليس فيكما من فقير

على أنّ آخر البيت شديد عند تدبّره، وداخل في باب الإزراء والتحقير

٣١٧

بموسىعليه‌السلام ، وتفضيل حال غيره عليه، وكذلك قوله:

لولا انقطاع الوحي بعد محمّد

فلنا محمّد من أبيه بديل

هو مثله في الفضل إلّا أنّه

لم يأته برسالةِ جبريل

فصدر البيت الثاني من هذا الفضل شديد، لتشبيهه غير النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في فضله بالنّبيّ، والعجز محتمل لوجهين، أحدهما: إنّ هذه الفضيلة نقصت الممدوح، والآخر استغناؤه عنها، وهذه أشد، ونحو منه قول الآخر:

وإذا ما رفعت راياته

صفّقت بين جناحي جبرين

وقول الآخر من أهل العصر:

فرّ من الخلد واستجار بنا

فصبَّر الله قلب رضوان

وكقول حسّان المصيصي، من شعراء الأندلس، في محمّد بن عبّاد المعروف بالمعتمد ووزيره أبي بكر بن زيدون:

كأنّ أبابكر أبو بكر الرضا

وحسّان حسّان وأنت محمّد

إلى أمثال هذا.

وإنّما أكثرنا بشاهدها مع استثقالنا حكايتها لتعريف أمثلتها، ولتساهل كثيرٍ من الناس في ولوج هذا الباب الضّنك، واستخفافهم فادح هذا العبء، وقلة علمهم بعظيم ما فيه من الوزر، وكلامهم منه بما ليس لهم به علم( وَيَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ ) لا سيّما الشعراء، وأشدّهم فيه تصريحاً، وللسانه تسريحاً إبن هاني الأندلسي، وابن سليمان المعرّي، بل قد خرج كثير من كلامهما عن هذا إلى حدّ الإستخفاف والنقص وصريح الكفر، وقد اجتنبنا عنه.

وغرضنا الآن الكلام في هذا الفصل الذي سقنا أمثلته، فإنّ هذه كلّها وإن

٣١٨

لم يتضمّن شيئاً، ولا أضافت إلى الملائكة والأنبياء نقصاً، ولست أعني عجزي بيتي المعرّي، ولا قصد قائلها إزراء وغضّا، فما وقّر النبوّة، ولا عظّم الرّسالة، ولا عزّر حرمة الإصطفاء، ولا عَزّر حظوة الكرامة، حتّى شبه من شبّه في كرامة نالها، أو معرة قصد الإنتفاء منها، أو ضرب مثل لتطييب مجلسه، أو إغلاء في وصفه لتحسين كلامه، بمن عظّم الله خطره وشرّف قدره، وألزم توقيره وبرّه، ونهى عن جهر القول له ورفع الصوت عنده.

فحقّ هذا - إنْ درأ عنه القتل - الأدب والسّجن، وقوّة تعزيره بحسب شنعة مقاله، ومقتضى قبح ما نطق به، ومألوف عادته لمثله أو ندوره أو قرينة كلامه أو ندمه على ما سبق منه.

ولم يزل المتقدمون ينكرون مثل هذا ممّن جاء، وقد أنكر الرشيد على أبي نؤاس قوله:

فإن يك يأتي سحر فرعون فيكم

فإنّ عصى موسى بكفّ خصيب

وقال له: يا ابن اللخناء: أنت المستهزئ بعصى موسى، وأمر بإخراجه عن عسكره من ليلته. وذكر اليقتيبي: أنّ ممّا أخذ عليه أيضاً وكفّر فيه أو قارب، قوله في محمّد الأمين، وتشبيهه إيّاه بالنبيّ:

تنازع الأحمدان الشبه فاشتبها

خلقاً وخلقاً كما قدّ الشراكان

وقد أنكروا أيضاً عليه قوله:

كيف لا يدنيك من أمل

من رسول الله من نفره

لأنّ حق الرسول، وموجب تعظيمه وإنافة منزلته، أنْ يضاف إليه ولا يضاف هو لغيره.

فالحكم في أمثال هذا ما بسطناه في طريق الفتيا.

وعلى هذا المنهج جاءت فتيا إمام مذهبنا مالك بن أنسرحمه‌الله

٣١٩

وأصحابه، ففي النوادر من رواية يحيى بن أبي مريم عنه في رجلٍ عيّر رجلاً بالفقر، فقال: تعيّرني بالفقر وقد رعى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الغنم؟ فقال مالك: قد عرّض بذكر النبيّ في غير موضعه، أرى أنْ يؤدّب.

قال: ولا ينبغي لأهل الذنوب إذا عوتبوا أن يقولوا: قد أخطأت الأنبياء قبلنا.

وقال عمر بن عبدالعزيز لرجل: اُنظر لنا كاتباً يكون أبوه عربيّاً. فقال كاتب له: قد كان أبو النبيّ كافراً. فقال: جعلت هذا مثلاً!! فعزله فقال: لا تكتب لي أبداً.

وقد كره سحنون أنْ يصلّى على النبيّ عند التعجب، إلّا على طريق الثواب والإحتساب، توقيراً له وتعظيماً، كما أمرنا الله.

وسئل القابسي عن رجلٍ قال لرجل قبيح الوجه: كأنّه وجه نكير، ولرجل عبوس: كأنّه وجه ملك الغضبان. فقال: أيّ شيء أراد بهذا؟! ونكير أحد فتّاني القبر، وهما ملكان، فما الذي أراد؟! أروعٌ دخل عليه حين رآه من وجهه؟ أم عاف النظر إليه لدمامة خلقه؟ فإن كان هذا فهو شديد، لأنّه جرى مجرى التحقير والتهوين، فهو أشد عقوبةً، وليس فيه تصريح بالسبّ للملك، وإنّما السبّ واقع على المخاطب، وفي الأدب بالسوء والسجن نكال للسفهاء. قال: وأمّا ذكر مالك خازن النار فقد جفا الّذي ذكره عندما أنكر من عبوس الاوخر، إلّا أن يكون المعبّس له يد فيرهب بعبسه، فيشبّهه القائل على طريق الذم لهذا في فعله، ولزومه في صفته صفة مالك الملك المطيع لربّه في فعله، فيقول: كأنّه لله يغضب غضب مالك، فيكون أخف. وما كان ينبغي له التعرض لمثل هذا، ولو كان أثنى على العبوس بعبسه، واحتجّ بصفة مالك كان أشد، ويعاقب العقوبة الشديدة، وليس في هذا ذم للملك، ولو قصد ذمّه لقتل.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

المفيد، ومن قلدهما، بل جملة أصحابنا المتقدمين ورؤساء مشايخنا الماضين لم يتعرضوا لذلك، بل أفتوا وصنفوا أن مع اختلاف الجنس يجوز بيع الواحد بالاثنين، وقوله عليه السلام " إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم " والحنطة والشعير مختلفان صورة وشكلا، ولونا وطعما، وإدراكا وحسا، ثم أطال بما لا يرجع إلى طايل ولا يعود إلى حاصل.

(وصفحة ٢٤٣) " وقال ابن أبي عقيل: لايجوز بيع التمر اليابس بالرطب، ولا الزبيب بالعنب، لان الزبيب والتمر يابسان، والرطب والعنب رطبان، واذا يبسا نقصا، وكذا الفاكهة اليابسة بالفاكهة الرطبة، مثل التمر بالرطب.

وقال ابن الجنيد: لايشترى التمر اليابس بالرطب.

لنهي النبي صلى الله عليه وآله عن ذلك، وهذا في الفاكهة وغيرها من اللحم إذا كان من جنس واحد، وسواء كان جفافه بالنار أو الهواء ".

جواهر الكلام (مجلد ٢٣ صفحة ٣٤٢) (و) أما (في النسيئة) فإن كان كل من العوضين من الاثمان فهو صرف لاتجوز فيه كما تعرفه في محله، وإن كان أحدهما منهما والآخر من العروض فلا خلاف أجده في جواز التماثل والتفاضل بل الاجماع بقسميه عليه، إذ هو إما نسيئة أو سلم، وكل منهما مجمع على جوازه، بل لعله من الضروريات المستغني عن الاستناد إلى إطلاق الادلة ونحوه، وإن لم يكن ذلك بل كان ع رضا بعرض ففيه (تردد) وخلاف فعن ابني أبي عقيل والجنيد والمفيد وسلار وابن البراج عدم الجواز، والمشهور نقلا وتحصيلا بل لعل عليه عامة المتأخرين الجواز، (و) لاريب في أن (الاحوط المنع) وإن كان الاقوى خلافه، لاطلاق الادلة.

(وصفحة ٣٤٥ و ٣٤٦) " بل أبوعلي بن الجنيد من كبار فقهاء أصحابنا ذكر المسألة وحققها وأوضحها في كتابه الاحمدي، وقال لابأس بالتفاضل بين الحنطة والشعير لانهما جنسان مختلفان.

وكذلك ابن أبي عقيل من كبار مصنفي أصحابنا قال وإذا اختلف الجنسان فلا بأس ببيع الواحد بأكثر منه وقد قيل لايجوز بيع الحنطة والشعير إلا مثلا بمثل

٤٢١

سواء، لانهما من جنس واحد، وبذلك جاء‌ت بعض الاخبار، والقول والعمل على الاول، وأطنب في المقال، وكان فيما قال إن أخبار الآحاد لاتوجب علما ولا عملا واستدل أيضا بقوله عليه السلام " إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم ".

" وابن بابويه قد روى نصوص الاتحاد وظاهره العمل بها.

ومن الغريب أن الفاضل في التحرير قد اغتر بنقله، فقال: قال الشيخ الحنطة والشعير جنس واحد وقال ابن أبي عقيل وباقي علمائنا أنهما جنسان إذ لم نعرف من عنى بالباقي غير ابني الجنيد وإدريس، وقد ظهر لك بحمد الله سقوط القول بالاختلاف المقتضي لجواز التفاضل فيهما والخبر العامي.

بيعوا الذهب بالورق والورق بالذهب والبر بالشعير والشعير بالبر كيف شئتم يدا بيد، لاينبغي التعويل عليه خصوصا بعد ما قيل من القصور في دلالته أيضا، نعم صرح غير واحد من الاصحاب باختصاص ذلك في باب الربا وإلا ففي الزكاة وغيرها جنسان، ولذا لم يكمل نصاب أحدهما بالآخر، وقاعدة اشتراط اتحاد الجنس في الربا تخص بالادلة المزبورة، قلت: قد يقال: إن النصوص إنما دلت على أن الشعير من الحنطة لا أنهما الآن حقيقة واحدة.

المكاسب المحرمة

مختلف الشيعة (مجلد ١ صفحة ٣٤٠) " وقال ابن أبي عقيل: جميع مايحرم بيعه وشراؤه ولبسه عند آل الرسول عليهم السلام بجميع ما ذكرناها، من الاصناف التي يحرم أكلها، من السباع، والطير، والسمك، والثمار، والنبات، والبيض ".

الحدائق الناضرة (مجلد: ١٨ صفحة ٩٣) " قال في المبسوط " الحيوان الذي هو نجس العين كالكلب والخنزير وما تولد منهما

٤٢٢

وجميع المسوخ، وما تولد من ذلك أو من أحدهما، فلا يجوز بيعه ولا إجازته ولا الانتفاع به، ولا اقتناؤه، بحال، إجماعا، إلا الكلب ".

ثم قال " والظاهر ان غير مأكول اللحم مثل الفهد والنمر والفيل وجوارح الطير مثل الصقور والبزاة والشواهين والعقبان والارانب والثعالب وما أشبه ذلك، فهذا كله يجوز بيعه، وإن كان مما لا ينتفع به فلا يجوز بيعه، بلا خلاف مثل الاسد والذئب ".

وقال ابن أبي عقيل " جميع مايحرم بيعه وشراؤه ولبسه عند آل الرسول عليهم السلام بجميع ما ذكرنا من الاصناف التي يحرم أكلها، من السباع والطير والسمك والثمار والنبات والبيض ".

وقال ابن الجنيد " لا خير فيما عدا الصيود والحارس من الكلاب، وفي سائر المسوخ، واختار في أثمان ما لا يؤكل لحمه من السباع والمسوخ أن لايصرف بائعه ثمنه في مطعم أو مشرب له ولغيره من المسلمين ".

وقال ابن البراج " لايجوز بيع ما كان مسخا من الوحوش.

ويجوز بيع جوارح الطير والسباع من الوحوش ".

وقال ابن إدريس في سرائره بعد نقل عبارة النهاية " قال محمد بن إدريس " قوله عليه الرحمة " والفيلة والذئبة.

فيه كلام.

وذلك ان ما جعل الشارع وسوغ الانتفاع به فلا بأس ببيعه وابتياعه لتلك المنفعة، وإلا يكون قد حلل وأباح وسوغ شيئا غير مقدور عليه، وعظام الفيل لاخلاف في جواز استعمالها مداهن وأمشاطا وغير ذلك، والذئب ليس بنجس السؤر بل هو من جملة السباع، فعلى هذا جلده بعد ذكاته ودباغه طاهر " انتهى.

والظاهر: انه على هذه المقالة نسخ المتأخرون كالفاضلين ومن تأخر عنهما، فإنهم جعلوا مناط الجواز طهارة العين وحصول المنفعة بجلد أو شعر أو ريش أو عظم أو نحو ذلك.

قال في المختلف بعد نقل الاقوال التي قدمنا ذكرها " والاقرب الجواز " لنا: أنه عين طاهرة ينتفع بها، فجاز بيعها.

أما انها عين طاهرة فلانا قد بينا فيما سلف طهارة المسوخ، وأما الانتفاع بها فلانها ينتفع بجلودها وعظامها، وأما جواز بيعها حينئذ فللمقتضي، وهو عموم قوله تعالى: (أحل الله البيع) وزوال المانع.

وهو النجاسة، إلى آخر كلامه زيد مقامه.

وهو المختار الذي تعضده الاخبار الجارية في هذه المضمار، وهي التي عليها الاعتماد في الايراد والاصدار".

٤٢٣

جواهر الكلام (مجلد: ٢٢ صفحة ٣٩) " وأما السباع فظاهر ابن أبي عقيل وسلار أنها كلها لايجوز بيعها وفي النهاية إلا الفهود خاصة، لانها تصلح للصيد، وعن المفيد بعد الحكم بتحريمها قال " والتجارة في الفهود والبزاة وسباع الطير التي يصاد بها حلال، وعن المبسوط والطاهر غير المأكول مثل الفهد والنمر والفيل وجوارح الطير والصقور والبزاة والشواهين والعقبان والارنب والثعلب وما أشبه ذلك فهذا كله يجوز بيعه وإن كان لاينتفع به فلا يجوز بيعه بلا خلاف ".

٤٢٤

كتاب السلف

مختلف الشيعة (مجلد ١ صفحة ٣٦٣) " قال الشيخ في النهاية لابأس بابتياع جميع الاشياء حالا وإن لم يكن حاضرا في الحال..

وابن أبي عقيل قال: البيع عند آل الرسول عليهم السلام بيعان، أحدهما بيع شي ء حاضر قائم العين، والآخر بيع شئ غائب موصوف بصفة مضمونة إلى أجل، والحق ماقاله الشيخ..

" مسألة: قال الشيخ في النهاية: لو أخل بالاجل كان البيع غير صحيح، وفي الخلاف: السلم لايكون إلا مؤجلا، ولا يصح أن يكون حالا، وتبعه ابن إدريس، وهو قول ابن أبي عقيل.

(وصفحة ٣٦٤) " وقال ابن أبي عقيل: لايجوز السلم إلا بالعين، والورق، ولا يجوز بالمتاع.

" مسألة: إذا حل الاجل وتعذر التسليم على البايع كان للمشتري الفسخ، فإن باعه البايع ماباعه إياه جاز سواء باعه بزيادة عن الثمن، أو نقصان، وسواء كان من جنس الثمن أو لا، وبه قال المفيد، وجوز سلار: البيع بعد الاجل، وأطلق، ولم يفصل، وابن إدريس اختار ما قلناه، والشيخ منع من بيعه بعد الاجل بجنس الثمن مع الزيادة، وبه قال ابن الجنيد، وابن أبي عقيل.

(وصفحة ٣٦٧) " مسألة: المشهور أن قبض الثمن في المجلس شرط في السلم، ذهب إليه الشيخ، وابن أبي عقيل.

" وقال في النهاية: يصح السلم إذا جمع شرطين، ذكر الجنس

٤٢٥

والوصف، والاجل، وهذا يدل على عدم اشتراط موضع التسليم.

وهو الظاهر من كلام ابن أبي عقيل ".

الدروس (صفحة ٣٥٨) " درس في اللواحق: ولا تكفي المشاهدة في الثمن الذي شأنه الاعتبار، خلافا للمرتضى، وتوقف الفاضل في الاكتفاء بها في المزروع، وقطع الشيخ باشتراط شرعه وليس قويا، كما لايشترط في البيع، ويجوز كون الثمن نقدا وعرضا مالم يؤد إلى الربا، ومنع الحسن من جواز إسلاف غير النقدين ضعيف ".

مسالك الافهام (مجلد ١ صفحة ١٦٩) " قوله ويجوز إسلاف الاعواض الخ.

إذا اختلفت، وفي الاثمان وإسلاف الاثمان في الاعواض، ولا يجوز إسلاف الاثمان في الاثمان ولو اختلفا، نبه بالاول على خلاف ابن الجنيد، حيث منع من إسلاف عرض في عرض إذا كانا مكيلين، أو موزونين، أو معدودين، كالسمن في الزيت.

وبالثاني على خلاف ابن أبي عقيل، حيث منع من إسلاف غير النقدين، وهما نادران ".

الحدائق الناضرة (مجلد: ٢٠ صفحد ١١) " ونقل عن ابن أبي عقيل انه منع من اسلاف غير النقدين، ولم نقف له على دليل، بل ظاهر جملة من الاخبار يرده وأما إسلاف الاثمان في العروض فهو متفق عليه نصا وفتوى، وأما إسلاف الاثمان وإن اختلفا فالظاهر انه لا خلاف في عدم جوازه لدخوله في باب الصرف المشترط فيه التقابض في المجلس.

(وصفحة ٢٣) " وفي الخلاف السلم لايكون إلا مؤجلا، ولا يصح أن يكون حالا وتبعه ابن إدريس وهو قول ابن أبي عقيل.

قال في المختلف بعد نقل ذلك والتحقيق أن نقول إن قصد السلم وجب الاجل، وأما لو قصد الحال مثل أن يقول أسلمت إليك هذا الدينار في

٤٢٦

هذا الكتاب أو في قفيز حنطة فالاقرب الصحة، وينعقد بيعا مطلقا، لا سلما.

(وصفحة ٣٢) " وثانيها عدمه مطلقا وهو ظاهر الشيخ في النهاية واختاره العلامة في التحرير والارشاد والمحقق في الشرايع وجمع آخرون وهو ظاهر ابن أبي عقيل على مانقله في المختلف ووجهه مضافا إلى أصالة العدم اطلاق الاوامر بالوفاء بالعقود " وحل البيع " والاجماع على عدم اشتراطه في باقي أنواع البيع وإن كان مؤجلا وهذا هو الاظهر عندي.

واختار هذا القول ابن إدريس وادعى عليه الاجماع قال " وليس من شرط صحة السلم ذكر موضع التسليم بغير خلاف بين أصحابنا والاصل براء‌ة الذمة وقوله تعالى " وأحل الله البيع " وهذا بيع وقوله (أوفوا بالعقود) وما ذكره الشيخ في الخلاف لم يذهب إليه أحد من أصحابنا ولا ورد به خبر عن أئمتنا عليهم السلام ".

جواهر الكلام (مجلد: ٢٤ صفحة ٢٧٣) " فما عن ابن أبي ع قيل من أنه لايجوز السلم إلا بالعين والورق ولا يجوز بالمتاع واضح البطلان، وكالمحكي عن أبي علي من أنه لا يسلم في نوع من المأكول نوعا منه إذا اتفق جنساهما في الكيل والوزن والعدد وإن اختلف أسماؤها كالسمن في الزيت لانه كالصرف نسيئة وإن كان قد يوهمه صحيح عبدالله بن سنان عن الصادق عليه السلام سألت أبا عبدالله عليه السلام عن رجل أسلف رجلا زيتا على أن يأخذ سمنا قال " لا يصلح، كحسنه، سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول " لا ينبغي إسلاف السمن بالزيت، والزيت بالسمن إلا أن الظاهر إرادة الكراهة منهما "..

(وصفحة ٣٠٢) " ومن الغريب بعد ذلك كله مافي جامع المقاصد حيث فسر عبارة القواعد السابقة، بإرادة وقوع البيع بلفظ السلم، قال: وجه القرب دلالته على المراد من البيع، لانه يؤدي معنى إيجابه كما سبق، لان السلم بيع لانه من جملة أفراده، فلا يكون استعمال لفظه في بيع آخر استعمالا أجنبيا إلا أنه يجب أن يصرح بالحلول، لان جزء مفهوم السلم التأجيل فلابد من صارف يصرفه عن مقتضاه، وذلك هو

٤٢٧

التصريح بالحلول.

وتبعه على ذلك ثاني الشهيدين في تفسير عبارة اللمعة، إلا أنه اعترف بعد ذلك بأن الظاهر منها وفي الدروس وكثير إن الخلاف مع قصد السلم وإن المختار جوازه مؤجلا وحالا مع التصريح بالحلو، ولو قصدا بل مع الاطلاق أيضا، يحمل على الحلول وكان الذي أوهمهما ذلك حتى أنهما فسرا العبارة بما يرجع إلى النزاع في الصيغة المذكورة سابقا مافي المختلف، فإنه أجاب عما ذكره حجة للشيخ وابني أبي عقيل وإدريس على اشتراط الاجل في السلم، من النبوي السابق وغيره، بأنا نقول بموجبها، فإنا نسلم وجوب ذكر الاجل مع قصد السلم، وليس محل النزاع، بل البحث فيما لو تبايعا حالا بحال بلفظ السلم، ضرورة ظهوره في ان ذلك ليس محلا للنزاع، بل إنما هو فيما يرجع إلى الصيغة.

لكنك خبير بما فيه بل المحكي عن الشيخ وابني أبي عقيل وإدريس صريح في أن المراد اشتراط الاجل، وانه يبطل كونه سلما، كما ان العبارات السابقة صريحة في خلافه، وان نظرهم في تلك العبارات إليه، فلا داعي إلى تأويل الجميع بما هو مقطوع بفساده عند التأمل، خصوصا بعد ما عرفت من قوة القبول بعدم اشتراط الاجل فيه، وأنه تصح سلما فيعتبر فيه حينئذ القبض في المجلس وغيره مما يعتبر فيه.

والمراد بالتصريح بالحلول مايشمل اتفاقهما عليه ضرورة عدم مدخلية اللفظ في ذلك ".

٤٢٨

كتاب الشفعة

كشف الرموز (مجلد ٢ صفحة ٣٨٨) " كتاب الشفعة قال دام ظله: الاول ما تثبت فيه، إلى آخره، أقول: المبيع على ضربين، ما يتصور فيه الشفعة، ومالا شفعة فيه، فالثاني هو الممتاز المنفرد فيه بالملكية.

والاول على قسمين، قسم متفق فيه على ثبوت الشفعة فيه، وقسم مختلف فيه.

فالاول الارضون (الارضين خ) والمساكين كالعراص (العوار) والبساتين وما سواها هو الثاني.

قال علم الهدى وابن أبي عقيل: تثبت الشفعة في كل مبيع من ضيعة ومتاع وحيوان وغير ذلك ".

مختلف الشيعة (مجلد ١ صفحة ٤٠٢) " وقال ابن أبي عقيل: لاشفعة في سفينة، ولا في رقيق.

(وصفحة ٤٠٣) " مسألة: المشهور أن الشفعة لايثبت في المقسوم، إذا عرفت السهام وميزت، وقال ابن أبي عقيل: الشفعة في الاموال المشاعة، أو المقسومة جميعا، ولا شفعة للجار مع الحايط، وهذا إشعار منه بثبوتها مع الجواز، والمعتمد الاول.

" احتج ابن أبي عقيل بالعموم الدال على ثبوت الشفعة وبما رواه منصور بن حازم في الصحيح قال قلت لابي عبدالله عليه السلام دار بين قوم اقتسموها واخذ كل واحد منهم قطعة فبناها وتركوا بينهم ساحة فيها ممرهم فجاء رجل فاشترى نصيب بعضهم أله ذلك قال " نعم ولكن يسد بابه وإن أراد صاحب الطريق منعه فإنهم أحق به وإلا فهو طريقه يجئ يجلس على ذلك الباب ".

٤٢٩

الدروس (صفحة ٣٨٦) " فرع لو اشتملت الارض على بئر لايمكن قسمتها، وأمكن أن تسلم البئر لاحدهما مع قسمة الارض ثبتت الشفعة في الجميع، قيل وكذا لو أمكن جعل أكثر بيت الرحا موازيا لما فيه الرحا، ويلزم منه لو اشتملت الارض على حمام أو بيت ضيق وأمكن سلامة الحمام أو البيت لاحدهما ان ثبتت، وعندي فيه نظر، للشك في وجوب قسمة ماهذا شانه، وإنما يثبت للشريك لا للجار ونقل الشيخ فيه الاجماع، خلافا لظاهر الحسن، وقدم عليه الخليط، وهو شاذ ".

مسالك الافهام (مجلد ٢ صفحة ٢١٧) " ذهب أكثر المتقدمين وجماعة من المتأخرين منهم الشيخان، والمرتضى، وابن الجنيد، وأبوصلاح، وابن إدريس، إلى ثبوتها في كل مبيع منقولا كان أم لا، قابلا للقسمة أم لا، ومال إليه الشهيد في الدروس، ونفى عنه البعد وقيده آخرون بالقابل للقسمة، وتجاوز آخرون بثبوتها في المقسسوم أيضا، اختاره ابن أبي عقيل، واقتصر أكثر المتاخرين على ما اختاره المصنف رحمه الله، من اختصاصها بغير المنقول عادة مما يقبل القسمة، مستندين إلى أصالة عدم تسلط المسلم على مال المسلم، إلا بطيب نفس منه، إلا ماوقع الاتفاق عليه.

ورواية جابر أن النبي صلى الله عليه وآله قال " لاشفعة إلا في ربع، أو حائط " وقوله صلى الله عليه وآله " الشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وضربت الطرق فلا شفعة " ظاهره أنه لاشفعة إلا فيما يقع فيه الحدود، وتضرب له الطرق.

" قوله وتثبت في الارض المقسومة بالاشتراك في الطرق، إذا كان واسعا يمكن قسمته، مذهب الاصحاب إلا ابن أبي عقيل اشتراط الشركة في ثبوت الشفعة، فلا تثبت في الجواز، ولا فيما قسم، لما تقدم من الاخبار وغيرها، واستثنوا منه صورة واحدة، وهي ماإذا اشترك في الطريق أو الشرب، وباع الشريك نصيبه من الارض ونحوها ذات الطريق أو الشرب وضمهما أو أحدهما إليهما، فإن الشفعة تثبت حينئذ في مجموع المبيع، وإن كان بعضه غير مشترك.

٤٣٠

(وصفحة ٢١٩) " قوله ولا تثبت الشفعة بالجوار، ولا فيما قسم وميز إلا مع الشركة في طريقه، أو نهره، هذا الاستثناء من المعطوف، وهو ما قسم إن اعتبرنا في ثبوت الشفعة مع الاشتراك في الطريق والنهر كون المشفوع مما قسم، واسنثنى من الامرين معا إن لم يشترط ذلك، واكتفينا بالشركة في أحد الامرين، وإن كان الاصل غير مشترك مطلقا، كما تقدم تحقيقه، وظاهر المصنف هو الاول بقرينة القرب وما سلف، ونبه بهذا على خلاف ابن أبي عقيل حيث أثبتها في المقسوم مطلقا، وعلى خلاف بعض العامة حيث أثبتها بالجوار مطلقا ".

٤٣١

كتاب الجهاد: إذن الابوين والغريم

مختلف الشيعة (مجلد ١ صفحة ٣٢٤) " وقال ابن أبي عقيل: وإذا استنفر الامام وجب النفر على كل مؤمن، ولم يسغ التخلف عنه، ويرتفع مع استنفاره إذن الاهل والغريم، وطاعة الابوين، لقوله تعالى " ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله، وأطيعوا الرسول، وأولي الامر منكم ".

" والعموم الذي احتج به ابن أبي عقيل لانقول بموجبه، فإن الامام إذا عينه بالاستنفار، وجب عليه، ولا عبرة حينئذ بإذن صاحب الدين، سواء كان حالا أو مؤجلا.

" مسألة: قال الشيخ: الابوان إن كانا مسلمين لم يكن له أن يجاهد إلا بأمرهما، ولهما منعه.

وقال ابن أبي عقيل: يرتفع مع استنفاره إذن الاهل، والغريم، وطاعة الوالدين.

" احتج ابن أبي عقيل بعموم قوله تعالى " أطيعو الله، وأطيعوا الرسول، وأولوا الامر منكم " ولقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله إثاقلتم إلى الارض " وبقوله تعالى " إن كان آباؤكم وأبناؤكم " الآية.

" احتج الشيخ بما روي أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله يستأذنه في الجهاد فقال " أحي والداك؟ فقال نعم قال ففيهما تجاهد ".

وروي أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال " أذنا لك؟ قال لا.

قال فارجع فاستاذنهما، فإن أذنا فجاهد أو

٤٣٢

فهاجر، وإلا فبرهما " والاقرب عندي التفصيل، هو عدم اعتبار رضاهما إن عمت الحاجة، أو استنفره الامام بخصوصية، وعليه يحمل الآيات التي استدل بها ابن أبي عقيل، ووجوب اعتبار رضاهما إذا لم تعم الحاجة، ولم يعينه الامام، لقوله تعالى " وصاحبهما في الدنيا معروفا ".

الدروس (صفحة ١٥٩) " وهو فرض كفاية، على البالغ، العاقل، الحر، الذكر، الصحيح من المرض، السليم من العمى، والاقعاد، والشيخوخة المانعة من القيام، والفقر، ويتعين بتعيين الامام، أو قصور القايمين بدونه، وبالنذر وشبهه، وللابوين والمدين مع الحلول واليسار المنع، وقال الحسن: يسقط طاعتهما، وطاعة الغريم، عند الاستنفار، وحمل على التعيين ".

تقسيم الغنائم

كشف الرموز (مجلد ١ صفحة ٤١٩) " قال دام ظله: ولا تؤخذ أموالهم التي ليست في العسكر، وهل يؤخذ ما حواه العسكر، مما ينقل؟ فيه قولان، أظهرهما الجواز.

أقول: الجواز مذهب الشيخ في النهاية، والمرتضى في كتاب التنزيه، وابن أبي عقيل في المتمسك وذهب علم الهدى في الناصريات، والشيخ في المبسوط، إلى أنه لايقسم، وهو اختيار المتأخر.

واستدلوا عليه بما رواه ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله " المسلم أخو المسلم، لايحل له دمه وماله، إلا من طيبة نفسه ".

وبما روي عن علي عليه السلام، " أنه لما هزم الناس يوم الجمل، فقالوا: يا أمير المؤمنين ألا يؤخذ من أموالهم؟ قال: لا، لانهم تحرموا بحرمة الاسلام، فلا يحل أموالهم في دار الهجرة ".

مختلف الشيعة (مجلد ١ صفحة ٣٢٨) " مسألة: قال الشيخ: يقسم للفارس سهمان، وللراجل سهم واحد، ولذي

٤٣٣

الافراس ثلاثة أسهم، قال في المبسوط والخلاف: وفي أصحابنا من قال للفارس ثلاثة أسهم، سهم له وسهمان لفرسه، وكذا نقل ابن إدريس عن بعض أصحابنا، والمشهور الاول وهو قول ابن أبي عقيل.

(وصفحة ٣٣١) " وقال ابن أبي عقيل: إذا ظهر المؤمنون على المشركين فاستأسروهم فالامام في رجالهم البالغين بالخيار، إن شاء استرقهم، وإن شاء من عليهم، قال الله تعالى " فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها " وأطلق ولم يفصل.

(وصفحة ٣٣٣) " قال ابن أبي عقيل: الحكم في المشركين حكمان، فمن كان منهم من أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى، فإنهم يقاتلون حتى يعطوا الجزية، أو يسلموا فإن أعطوا الجزية قبلت منهم، ومن كان من المشركين من غير أهل الكتاب قوتلوا حتى يسلموا، فإن أعطوا الجزية لم يقبل منهم، ولم يذكر حكم المجوس بالنصوصية، والظاهر من كلامه هذا إن حكمهم مخالف لحكم أهل الكتاب " احتج ابن أبي عقيل بعموم الامر بقتال المشركين ".

(وصفحة ٣٣٧) " وقال ابن أبي عقيل: يقسم أموالهم التي حواها العسكر ".

" استدل ابن أبي عقيل بما روي أن رجلا من عبدالقيس قام يوم الجمل، فقال يا أمير المؤمنين ما عدلت حين يقسم بيننا أموالهم ولا تقسم بيننا نساؤهم، ولا أبناؤهم؟ فقال له " إن كنت كاذبا فلا أماتك الله حتى تدرك غلام ثقيف، وذلك إن دار الهجرة حرمت ما فيها، ودار الشرك أحلت ما فيها، فأيكم يأخذ أمه من سهمه، فقام رجل فقال وما غلام ثقيف ياأمير المؤمنين؟ قال عبد لايدع لله حرمة إلا هتكها، قال يقتل، أو يموت، قال بل يقصمه الله قاصم الجبارين ".

" والاقرب ماذهب إليه الشيخ في النهاية.

لنا: مارواه ابن أبي عقيل، وهو شيخ من علمائنا تقبل مراسيله لعدالته ومعرفته.

٤٣٤

" مسألة: المشهور بين علمائنا تحريم سبى نساء البغاة، وهو قول ابن أبي عقيل، ونقل عن بعض الشيعة أن الامام في أهل البغي بالخيار، إن شاء من عليهم، وإن شاء سباهم.

قال: واحتجوا بقول أمير المؤمنين عليه السلام للخوارج لما سألوه عن المسائل التي اعتلوا بها، فقال لهم " أما قولكم إني يوم الجمل أحللت لكم الدماء والاموال ومنعتكم النساء والذرية، فإني مننت على أهل البصرة، كما من رسول الله صلى الله عليه وآله على أهل مكة، وبعد فأيكم يأخذ عايشة من سهمه، قالوا فاخبرنا به إنما لم يسهم لانه من عليهم كما من رسول الله صلى الله عليه وآله على أهل مكة، ولو شاء سباهم كما لو شاء النبي صلى الله عليه وآله أن يسبي نساء أهل مكة " قال واحتجوا أيضا في ذلك بأخبار كثيرة وعلل.

كرهت ذكرها لطول الكتاب ".

الدروس (صفحة ١٦٤) " كيفية قتال البغاة مثل كيفية قتال المشركين، والفرار كالفرار، إلا أن البغاة إذا كانا لهم فئة أجهز على جريحهم، وتبع مدبرهم، وقتل أسيرهم، وإن لم يكن لهم فئة اقتصر على تفريقهم.

ونقل الحسن أنهم يعرضون على السيف، فمن تاب منهم ترك، وإلا قتل، ولا يجوز سبي نساء الفريقين.

ونقل الحسن للامام ذلك إنشاء، لمفهوم قول علي عليه السلام " إني مننت على أهل البصرة كما من رسول الله صلى الله عليه وآله على أهل مكة " وقد كان لرسول الله صلى الله عليه وآله أن يسبئ، فكذا للامام، وهو شاذ ".

مسالك الافهام (مجلد ١ صفحة ١٢٣) " قوله ومن لهم شبهة كتاب الخ.

نبه بقوله شبهة كتاب على أن ما بأيدي المجوس غير معلوم كونه كتابهم، لما ورد من أنهم قتلوا نبيهم واحرقوا كتابهم، وكان باثني عشر ألف جلد ثور، وفي أيديهم صحف يزعمون أنها من ذلك الكتاب، فاقروا على دينهم لهذه الشبهة، وقول النبي صلى الله عليه وآله " سنوا بهم سنة أهل الكتاب " وخالف في ذلك ابن أبي عقيل فالحقهم بباقي المشركين ".

٤٣٥

كتاب النذر

مختلف الشيعة (مجلد ٢ صفحة ٦٦٢) " جزم الشيخ في الخلاف بأن إطلاق الهدي منكرا كان أو معرفا، ينصرف إلى الابل، أو البقر، أو الغنم، وتردد في المبسوط، وذكر احتمال انصرافه إلى أقل كالثمرة، والبيضة، وهو الاقرب، لاصالة البراء‌ة، ونمنع تخصيص إطلاق الهدي بالنعم، والثاني لو عين الطعام لم ينعقد نذره عند ابن الجنيد، وابن البراج، وابن إدريس، وبه قال ابن أبي عقيل، فإنه قال: ولو أن رجلا يجعل طعاما له هديا لبيت الله لم يكن بشئ، لان الطعام لايهدى إلى البيت، وكذا لو قال لجزور بعدما نحرها هذه هدي لبيت الله لم يكن بشئ، لان هدي البدن إنما يهدي احياء، وليست تهدى حين صارت لحما، وظاهر كلامه في المبسوط يقتضي الجواز، وكذا غير الطعام مما ليس بحيوان كالدراهم والدنانير ".

مسالك الافهام (مجلد ٢ صفحة ١٧٢) " قوله ولو نذر أن يهدي واقتصر. إلى آخره.

القول بالبطلان لابن الجنيد، وابن أبي عقيل، وابن البراج، لانه لم يتعبد بالاهداء، إلا في النعم، فيكون نذر الغير التعبد به فيبطل، ويؤيده رواية أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام وفيها " فإن قال الرجل أنا أهدي هذا الطعام فليس بشئ، إنما تهدى البدن " لكن فيها مع ضعف السند بعلي بن أبي حمزة، حصره الاهداء في البدن، وهو خلاف الاجماع، لان غيرهما من النعم مما يهد قطعا ".

٤٣٦

كتاب النكاح: في العقد وبعض المحرمات

كشف الرموز (مجلد ٢ صفحة ١٠٠) " قال دام ظله: لايشترط حضور شاهدين، ولا ولي، إذا كان الزوجة بالغة رشيدة، على الاصح.

ذهب الشيخ (المشايخ خ) من أصحابنا إلى أن النكاح صحيح بغير الشاهد والولي، وليس ذلك من شرطه، بل هو من فضله، وما أعرف فيهم (منهم خ)مخالفا، إلا ابن أبي عقيل، فإنه يشترط فيه، وهو مذهب الجمهور.

وتمسكهم بقول النبي صلى الله عليه وآله " لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل ".

والجواب عن ذلك، الطعن في السند، وقد أنكره الزهري من الفقهاء، ومدار الحديث عليه.

سلمنا ذلك فهو من الآحاد، لا يعارض عموم القرآن، من قوله تعالى " فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن " وقوله تعالى " فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ".

نزلناه عن هذا فإنه معارض بما روي عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله قال " ليس للولي مع الثيب أمر ".

(لا يقال): إنه مخصوص بالثيب (لانا نقول) كل من قال: بعدم اشتراطه في الثيب، قال: بعدم اشتراطه في البكر.

نزلنا على هذا، فنقول: يحتمل أن يكون المراد نفي الفضل والكمال لانفي الصحة كما في قوله عليه السلام " لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ولا صدقة وذو رحم محتاج ".

٤٣٧

(وصفحة ١١٠) " في أولياء العقد: قال دام ظله: ولا يشترط في ولاية الجد بقاء الاب، وقيل: يشترط، وفي المستند ضعف.

القول الاول للمفيد وسلار وعلم الهدى والشيخ في كتبه، سوى كتاب النهاية، فإنه يشتر فيها.

والقول الثاني للشيخ في النهاية وأبوالصلاح وصاحب الرائع وصاحب الواسطة تبعا لكلام الشيخ ويظهر من كلام ابن أبي عقيل في المتمسك، انفراد الاب بالولاية، وهو متروك.

(وصفحة ١١٢) " قال دام ظله: أما البكر البالغة الرشيدة، فأمرها بيدها، ولو كان أبوها حيا، قيل: لها الانفراد بالعقد، دائما كان أو منقطعا (وقيل): العقد مشترك بينها وبين الاب، فلا ينفرد أحدهما به (وقيل): أمرها إلى الاب، وليس لها معه أمر، ومن الاصحاب من أذن لها في المتعة دون الدائم، ومنهم من عكس، والاول أولى.

القول الاول للمرتضى والمفيد في أحكام النساء، وهو اختيار الشيخ في التبيان وصاحب الواسطة والمتأخر وسلار وشيخنا، ونصوا جميعا أن المستحب أن لاتعقد إلا بإذن الاب.

والقول الثاني اختيار المفيد في المقنعة وأبي الصلاح في الكافي.

القول الثالث للشيخ في النهاية والخلاف، وفي المبسوط اختاره أيضا على تردد، وابن أبي عقيل في المتمسك.

(وصفحة ١٣٩) " قال دام ظله: يكره أن يعقد الحر على الامة، وقيل: يحرم، إلا أن يعدم الطول، ويخشى العنت.

القول بالكراهية للشيخ في النهاية والتهذيب والتبيان، وبالتحريم للشيخ في المبسوط والخلاف، والمفيد في المقنعة، وصاحب الرائع، وصاحب الواسطة، وابن أبي عقيل في المتمسك، وهو أشبه (الاشبه خ).

(وصفحة ١٤٠) " قال دام ظله: لايجوز نكاح الامة على الحرة إلا بإذنها، ولو بادر كان العقد باطلا، إلى آخره.

أقول: الصحيح أن عقد الامة على الحرة لايجوز، إلا بالشرطين

٤٣٨

المذكورين في نكاح الامة، وهنا ثالث بغير خلاف، وهو إذن الحرة.

فلو بادر الزوج ولم يستأذنها، قال في التبيان والمبسوط: كان العقد باطلا، وادعى في المبسوط، الاجماع وقال في النهاية، والمفيد وسلار: تكون الحرة مخيرة بين فسخ عقد الامة وإمضائه وبين فسخ عقد نفسها، وبه رواية ضعيفة، رواها الحسن بن محبوب، عن يحيى بن اللحام، عن سماعة، عن أبي عبدالله عليه السلام، في رجل تزوج أمة على حرة، فقال " إن شائت الحرة أن تقيم مع الامة أقامت، وإن شاء‌ت ذهبت إلى أهلها، قال: قلت له: وإن لم ترض بذلك وذهبت إلى أهلها أله عليها سبيل إذا لم ترض بالمقام؟ قال: لا سبيل " له ".

(وصفحة ١٤٦) " السبب السادس: الكفر قال دام ظله: وفي الكتابية قولان، أظهرهما أنه لايجوز غبطة ويجوز متعة.

هذا اختيار الشيخ في النهاية وأبي الصلاح، وسلار، وقال المفيد في المقنعة، وابن بابويه في المقنع، والمرتضى في الانتصار: لايجوز مطلقا، وللمفيد قول في المسائل العزية بالجواز متعة ودواما، وهو اختيار ابن أبي عقيل.

ومستندهما قوله تعالى " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ".

والمختار الاول.

مختلف الشيعة (مجلد ٢ صفحة ٥٢٢) " مسألة: المشهور عند علمائنا أجمع، إلا ابن أبي عقيل والصدوق، تحريم أم الزوجة مؤبدا، سواء دخل بالبنت أولا، ذهب إليه الشيخان وسلار وأبوالصلاح وغيرهم وقال ابن أبي عقيل قال الله تعالى " وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم " ثم يشرط في الآية شرطا فقال " اللاتي دخلتم " إلى قوله " فلا جناح عليكم " فالشرط عند آل الرسول في الامهات والربائب جميعا الدخول.

وإذا تزوج الرجل المرأة ثم ماتت عنه، أو طلقها قبل أن يدخل بها، فله أن يتزوج أمها وابنتها.

(وصفحة ٥٢٧) " مسألة: المشهور تحريم نكاح بنت الاخ والاخت على نكاح العمة والخالة، إلا برضائهما، فإن رضيت العمة والخالة، صح الجمع، وله أن يدخل

٤٣٩

العمة، والخالة، على بنت الاخ، والاخت، وإن لم ترض البنتان، ذهب إليه الشيخان، والسيد المرتضى، وابن البراج، وأبوالصلاح، وسلار، وأكثر علمائنا.

وقال ابن أبي عقيل: لما عد المحرمات في الآية، قال فهذه جملة النساء اللاتي حرم الله عزوجل نكاحهن، وأحل نكاح ما سواهن ألا تسمعه يقول بعد هذه الاصناف الستة " وأحل لكم ماوراء ذلكم " فمن ادعى أن رسول الله صلى الله عليه وآله حرم عليه غير هذه الاصناف، وهو يسمع الله يقول " وأحل لكم ماوراء ذلكم " وقد أعظم القول على رسول الله صلى الله عليه وآله.

وقد قال " ألا لا يتعلقن على أحد بشئ، فإني لا أجل إلا ما أحل الله، ولا أحرم إلا ماحرم الله في كتابه، وكيف أقول ما يخالف الغرس، وبه هداني الله عزوجل " وقد روي عن علي بن جعفر قال سألت أخي موسى عليه السلام عن الرجل يتزوج المرأة على عمتها أو خالتها قال: " لابأس لان الله عزوجل قال " وأحل لكم ماوراء ذلكم ".

(وصفحة ٥٢٩) " المسألة الاولى: إذا تزوج الامة على الحرة ولم تعلم الحرة، فالاقرب أن نكاح الامة لايقع باطلا في أصله، بل إذا فسخت الحرة نكاحها بطل، وإلا صح وبه قال الشيخان، وابن البراج، وسلار، وابن حمزة.

وقال ابن أبي عقيل وابن الجنيد: أنه يقع باطلا، واختاره ابن إدريس.

وعبارات الشيخ بالبطان، وكذا الاكثر من علمائنا موهمة، ومرداهم أنه لايقع منجزا لازما، بل يكون قابلا للفسخ، وكذا في الروايات.

" المسألة الثالثة: هل للحرة أن تفسخ عقد نفسها، لو دخلت الامة عليها؟ قال الشيخان نعم، وبه قال ابن البراج، وسلار، وابن حمزة، وابن إدريس، ثم رجع عنه، ويحتمل المنع على قول ابن أبي عقيل، لانه لا تقريب (كذا) من الطرفين، كما تقدم في العمة.

(مجلد ٢ صفحة ٥٣٠) " وقال السيد المرتضى: مما انفردت به الامامية حظر نكاح الكتابيات.

وقال علي بن بابويه: وإن تزوجت يهودية أو نصرانية فامنعها من شرب الخمر، وأكل لحم الخنزير

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449