نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٩

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار13%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 449

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 449 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 206501 / تحميل: 7203
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٩

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

ولا يخفى عليك ما لوصف « الحافظ » ووصف « الإمام » ووصف « الشيخ » من شأن وعظمة

(٢٢)

رواية محبّ الدّين الطَبَري

ورواه الحافظ محبّ الدّين أحمد بن عبدالله الطبري، شيخ الحرم حيث قال: « ذكر شبهه بخمسةٍ من الأنبياءعليهم‌السلام في مناقب لهم:

عن أبي الحمراء، قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى إبراهيم في حكله، وإلى يحيى ابن زكريا في زهده، وإلى موسى بن عمران في بطشه، فلينظر إلى علي ابن أبي طالب.

أخرجه القزويني الحاكمي.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: من أراد أن ينظر إلى إبراهيم في حلمه، وإلى نوح في حكمه، وإلى يوسف في جماله، فلينظر إلى علي بن أبي طالب.

أخرجه الملّا في سيرته »(١) .

ذكر كتاب الرياض النضرة

وأمّا كتاب ( الرياض النضرة في مناقب العشرة ) فقد ذكره الكاتب الجلبي بقوله: « الرياض النضرة في فضائل العشرة، لمحب الدين أحمد بن عبدالله بن

____________________

(١). الرياض النضرة في مناقب العشرة ( ٣ - ٤ ): ١٩٧.

٢٠١

محمّد الطبري الشافعي، المكي، المتوفى سنة ٦٩٤. أوّله: الحمد لله الّذي يختصّ برحمته من يشاء ذكر أنّه جمع ما يروى فيهم في مجلّد بحذف الأسانيد من كتب عديدة، وشرح غريب الحديث في خلاله، عازياً كلّ حديث إلى كتاب، وقدم مقدمة في أسماء وكنى، وذكر أوّلاً الأحاديث الجامعة ثمّ ما اختص بالأربعة، ثمّ سمّاه كما ورد، وأورد فصل كلّ واحدٍ وأدرج جملة ذلك في قسمين، الأوّل - في مناقب الأعداد. والثاني - في مناقب الآحاد.

ومنه انتقى الشيخ زين الدين أحمد الشمّاع الحلبي، المتوفى سنة ٩٣٦، كتابه المسمّى بالدر الملتقط »(١) .

وهو من مصادر الديار بكري في ( تاريخ الخميس في أحوال النفس والنفيس ).

وعدّه ( الدهلوي ) في الكتب التي ألّفها أهل السنّة في باب المناقب والفضائل.

وتشبّث ( الدهلوي ) الّذي رواه المحبّ الطبري في كتابه ( الرياض النضرة ) بالحديث، مستدلّاً به لما زعم من رضا الصدّيقة الزهراءعليها‌السلام عن أبي بكر بن أبي قحافة، خلافاً لما اُخرج في الصحيح من أنّها ماتت وهي واجدة على أبي بكر، كما في البخاري وغيره.

وتمسّك والده في كتاب ( إزالة الخفاء في سيرة الخلفاء ) بما رواه الطبري في هذا الكتاب من أخبار مناقب الشيخين.

وقال الحافظ المحبّ الطبري في ديباجة كتابه المذكور:

« أمّا بعد، فإنّ الله عزّوجلّ قد اختار لرسوله صلّى الله عليه وسلّم

____________________

(١). كشف الظنون ١ / ٩٣٧.

٢٠٢

أصحاباً، فجعلهم خير الأنام، واصطفى من أصحابه رضي الله تعالى عنهم جملة العشرة الكرام، فرضيهم لعشرته وموالاته وفضّلهم بالإنضمام إليه مدّة حياته، وأنعم عليهم بما أولاهم من أصناف موجبات كريم كرمه، وأسعدهم بما سلف لهم في سابق قديم قدمه، وأشقى قوماً بارتكاز أهويتهم في الخوض في أمرهم، فيما لا يعنيهم واجتراهم على الإقدام على التّنقص بهم، وصفهم بما ليس فيهم

فما للجاهل الغبيّ ولهم، وقد أخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه سيغفر لهم، وما للمتعامي وتأويل ما ورد في شأنهم وتحريفه، بعد قوله صلّى الله عليه وسلّم: لو أنفق أحدهم مثل اُحد ذهباً ما بلغ مدّ أحدهم ولا نُصَيفه.

فالحمد لله أنْ عصمنا من هذه الورطة العظيمة، ووفقنا بحبّ جملتهم إلى سلوك الطريقة المستقيمة، ثمّ الحمد لله أن ألهم جمع هذا المؤلَّف في مناقبهم والإعلام بما وجب من التعريف بشرف قدرهم وعلوّ مراتبهم، وتدوين بعض ما روي من عظيم مآثرهم، وإبراز طرف ما ذكر من عميم مذاخرهم، من كتب ذوات عدد، على وجه الإختصار وحذف السند، ليسهل على الناظر تناوله ويقرب على الطالب فيه ما يحاوله، عازياً كلّ حديث إلى الكتاب المخرَّج منه، منبّهاً على مؤلّفه ومن أخذ عنه، تفصّياً عن عهدة الإرتياب في النقل، واعتماداً على اُولى السّابقة من أهل العلم والفضل، مبتدياً بذكر ما شملهم على طريقة التّضمن، ثمّ بما اختصّ بهم على وجه المطابقة والتعين، ثمّ بما ورد فيما دون العشرة وإن انضمّ إليهم من ليس منهم، ثمّ ما اختصّ بالأربعة الخلفاء ولم يخرج عنهم، ثمّ بما زاد على الأربعة على واحدٍ، ثمّ بما ورد في فضائل كلّ واحد واحد، وأدرجت جملة ذلك في قسمين ».

هذا، وقد روى الحافظ المحب الطبري هذا الحديث في كتابه الآخر:

٢٠٣

( ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى ) حيث قال: « ذكر شبه علي بخمسة من الأنبياء:

عن أبي الحمراء قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:

من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوحٍ في فهمه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى يحيى بن زكريا في زهده، وإلى موسى في بطشه، فلينظر إلى علي ابن أبي طالب.

أخرجه أبو الخير الحاكمي.

وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من أراد أن ينظر إلى إبراهيم في حلمه، وإلى نوح في حكمه، وإلى يوسف في جماله، فلينظر إلى علي بن أبي طالب.

أخرجه الملّا في سيرته »(١) .

ذكر كتاب ذخائر العقبى

وأمّا كتابه ( ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى ) الّذي قال في خطبته:

« أمّا بعد، فإنّ الله تعالى قد اصطفى محمّداً على جميع من سواه، وخصّه بما أنعمه به من فضله الباهر وحباه، وأعلى منزلة من انتمى إليه، سبباً أو نسبةً، ورفع مرتبة من انطوى عليه نصرةً وصحبةً، وألزم مودّة قرباه كافّة بريّته، وفرض محبّة جميع أهل بيته المعظم وذريّته.

لا جرم سنح بالخاطر تدوين ما ورد في مناقبهم، وتبيين ما روي في شريف قدرهم وعلوّ مراتبهم، وتتبّع ما نقل في عظيم فخرهم الفاخِر، وجمع ما ظفرت به من عميم فضلهم الباهر، ولِمَ لا وهم هالة قمر الكون وطفاوة شمس

____________________

(١). ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى: ٩٣.

٢٠٤

البريّة وأغصان دوحة الشرف وفروع أصل الأنوار النبوية، أعاد علينا من حلوم سنا بركتهم، كما أعاذنا من جهل عُلوّ درجتهم وغمر في غفرانه ذنوبنا بحرمتهم، كما غمر بإحسانه قلوبنا بمحبّتهم، وأحسن مآلنا بجاههم عليه، كما علق أعمالنا بالتوسّل إليه، وسمّيته كتاب ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى، ناقلاً من كتب ذوات أعدادٍ على وجه الإختصار وحذف الإسناد، عازياً كلّ حديث إلى كتابه، تفصّياً عن عهدة الإرتياب وتسهيلاً على طلابه، فالله أسأل أن يجعل ذلك وسيلةً إلى جنّات النعيم، وذريعة إلى درك الفوز العظيم وتحقيق الأمل فيه لديه، فإنّه ولي ذلك والقادر عليه.

ورتّبته على قسمين قسم يتضمّن ما جاء فيهم على وجه العموم والإجمال، وقسم يتضمّن ذلك على وجه التخصيص وتفصيل الأحوال ».

وذكره الكاتب الجلبي بقوله: « ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى، مجلّد، لمحب الدين أحمد بن عبدالله الطبري، المتوفى سنة ٦٩٤ »(١) .

وذكره صديق حسن القنوجي - في ( إتحاف النبلاء ) - بقوله: « ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى، مجلّد، لمحبّ الدين أحمد بن عبدالله الطبري، المتوفى سنة ٦٩٤، وموضوعه من اسمه ظاهر ».

فقد ذكره الشوكاني في مرويّاته - في ( إتحاف الأكابر ). والدياربكري في مصادر تاريخه ( الخميس في أحوال النفس والنفيس ).

وقال محمّد الأمير في ذكر مآخذ كتابه ( الروضة الندية ): « وأجلّ معتمدي: ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى، لإمام السنّة وحافظها محبّ الدين أحمد بن عبدالله الطبريرحمه‌الله ».

وقال ابن باكثير المكّي في ( وسيلة المآل في عدّ مناقب الآل ):

____________________

(١). كشف الظنون ١ / ٨٢١.

٢٠٥

« وقد أكثرت العلماء في هذا الشأن وجمعت من جواهر مناقبهم الشريفة ما يحمّل به جيد الزمان، ومن آخر ما جمعت في ذلك التأليف، وأنفع ما نقلت في هذا التصنيف كتاب جواهر العقدين في فضل الشرفين لعلّامة الحرمين السّيّد علي السّمهودي تغمّده الله برحمته، فمن ذخائر العقبى في فضل ذوي القربى، يحقّ له أن يكتب بماء العين، لعلّامة الحجاز الشريف محقّق دهره وحافظ عصره المحبّ الطّبري، لا زال الثناء عليه يحيي ذكره وقدّس الله سرّه، وكتاب استجلاء ارتقاء الغرف بحبّ أقرباء الرّسول ذوي الشّرف، لحافظ عصره السّخاوي نوّر الله ضريحه، وأحلّ في غرف الجنان روحه، وكتاب حسن السريرة في حسن السّيرة، لصاحبنا وعمدتنا سيبويه زمانه مفرد وقته وأوانه، محقّق العصر نادرة الدهر خلاصة ذوي الفخر الغني عن الإطناب بتعداد الألقاب والصفات بما خصّه الله تعالى به من نعوت الكمال وجزيل الهبات، مولانا الإمام العلّامة عبدالقادر ابن محمّد الطّبري الحسيني الخطيب الإمام بالمسجد الحرام، ولا زالت المشكلات تنجلي بوجوده، ولا برح جيد العلوم بتحلي بجواهر عقوده ».

وذكره ( الدهلوي ) في الكتب التي ألّفها أهل السنّة في فضائل ومناقب أهل البيت.

وقال أحمد بن باكثير المكّي - كما تقدّم: « ويحقّ له أنْ يكتب بماء العين لعلاّمة الحجاز الشريف محقّق دهره وحافظ عصره المحبّ الطبري، لا زال الثّناء عليه يحيى ذكره وقدّس الله سرّه ...».

٢٠٦

ترجمة المحبّ الطبري

١ - الذّهبي: « المحب الإمام، المحدّث، المفتي، فقيه الحرم تفقّه ودرس وأفتى وصنّف، وكان شيخ الشافعيّة ومحدّث الحجاز وكان إماماً صالحا زاهداً كبير الشأن »(١) .

٢ - أيضاً: « الإمام، الحافظ، المفتي، شيخ الحرم كان عالماً عاملاً جليل القدر، عارفاً بالآثار، ومن نظر في أحكامه عرف محلّه من الفقه والعلم

توفي في رمضان سنة ٦٩٤ وقيل بل في جمادى الأخرى منها »(٢) .

٣ - وقال الذهبي: « والمحبّ الطبري، شيخ الحرم، أبو العباس، أحمد ابن عبدالله بن محمّد بن أبي بكر بن محمّد بن إبراهيم المكي الشافعي، الحافظ، وسمع من ابن المقيّر وجماعة، وصنّف كتاباً حافلاً في الأحكام في عدّة مجلّداًت. توفي في ذي القعدة »(٣) .

٤ - أيضاً: « وشيخ الحرم، الحافظ الفقيه، محب الدين أحمد بن عبدالله الطبري، مصنّف الأحكام، عن ٧٧ سنة »(٤) .

٥ - ابن الوردي: « وشيخ الحرم الحافظ »(٥) .

٦ - الأسنوي: « محبّ الدين أبو العباس أحمد بن عبدالله بن محمّد الطبري، ثمّ المكّي، شيخ الحجاز، كان عالماً عاملاً جليل القدر، عالماً بالآثار

____________________

(١). تذكرة الحفاظ ٤ / ١٤٧٥.

(٢). المعجم المختص: ٢٢.

(٣). العبر في خبر من غبر - حوادث ٦٩٤، ٥ / ٣٨٢.

(٤). دول الإسلام - حوادث ٦٩٤.

(٥). تتمة المختصر في أخبار البشر - سنة ٦٩٤.

٢٠٧

والفقه، إشتغل بقوص على الشيخ مجد الدين القشيري، وشرح التنبيه، وألّف كتاباً في المناسك، وكتاباً في الألغاز، وكتاباً نفيساً في أحاديث الأحكام.

ولد يوم الخميس ١٧ من جمادى الآخرة سنة ٦١٥.

وتوفي في سنة ٩٤، وقيل في ذي القعدة، وقيل غير ذلك »(١) .

٧ - السبكي: « شيخ الحرم وحافظ الحجاز بلا مدافعة »(٢) .

٨ - الصفدي: « شيخ الحرم، الفقيه، الزاهد، المحدّث، درّس وأفتى، وكان شيخ الشافعية ومحدّث الحجاز »(٣) .

٩ - السيوطي: « المحبّ الطبري الإمام المحدّث، فقيه الحرم، وشيخ الشافعية، ومحدّث الحجاز. كان إماماً زاهداً صالحاً كبير الشأن »(٤) .

ذكر من نقل عنه

وقد أكثر العلماء من النقل لرواياته معتمدين عليها:

قال السيّد شهاب الدين أحمد، صاحب كتاب ( توضيح الدلائل ) بعد رواية:

« رواه شيخ الحرم، والإمام المحترم، الحافظ المحدّث المفتي الفقيه البارع الورع المدرس النبيه، مقدّم الشافعيّة في الحجاز، وكان ذا جاه عظيم واعتزاز، ذو التصانيف الكثيرة والفضائل الشهيرة، محبّ الدين أبو العبّاس، أحمد بن عبدالله بن محمّد بن أبي بكر المكي الطبري، في كتابه ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى ».

____________________

(١). طبقات الشافعية ٢ / ١٧٩.

(٢). طبقات الشافعية ٨ / ١٨.

(٣). الوافي بالوفيات ٧ / ١٣٥.

(٤). طبقات الحفاظ: ٥١٤.

٢٠٨

وقال عبدالغفار بن إبراهيم العكّي الشافعي في ( عجالة الراكب ): « أحمد ابن عبدالله، شيخ الحرم، محبّ الدّين، الطبري المكي، درّس وأفتى، ومن تصانيف الأحكام المبسوط، ورتّب كتاب جامع الأسانيد وشرح التنبيه، وألّف كتاباً في المناسك، وكتاباً في الألفاظ، والرّياض النضرة في فضائل العشرة، والسّمط الثمين في فضائل أمّهات المؤمنين، وذخائر العقبى في فضائل ذوي القربى».

وقال محمّد بن إسماعيل الأمير في آخر ( الروضة النديّة ): « ولعلّه يقول قائل: قد أكثرتم من النقل عن الطبري، ومن الطبري؟ ويشتاق إلى معرفة شيء من أوصافه ليكون أقرّ لعينه في قبول ما أُسند إليه.

فنقول: المحبّ الطّبري هو الإمام المحدّث الفقيه، فقيه الحرم، محب الدّين، أبو العبّاس أحمد بن عبدالله بن محمّد بن أبي بكر الطّبري ثمّ المكي الشافعي، مصنّف الأحكام الكبرى، ولد سنة خمس عشرة وستمائة، وسمع من أبي الحسن بن المقيّر وابن الحميري وشعيب الزعفراني وعبدالرّحمن بن أبي حرمى وجماعة، وتفقّه ودرّس وأفتى وصنّف، وكان شيخ الشافعية، ومحدّث الحجاز، وروى عنه الدمياطي من نظمه، وأبو الحسن بن العطّار وأبو محمّد البرزالي وآخرون.

وكان إماماً صالحاً زاهداً كبير الشأن، روى عنه أيضاً ولده قاضي مكّة جمال الدّين محمّد، وحفيده الإمام نجم الدين قاضي مكّة، وكتب إليّ بمرويّاته.

توفي في جمادى الآخرة سنة أربع وتسعين وستمائة ».

٢٠٩

(٢٣)

رواية السيّد علي الهمداني

ورواه العارف الشهير المحدّث الكبير السيّد علي الهمداني:

« عن جابررضي‌الله‌عنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:

من أراد أنْ ينظر إلى إسرافيل في هيبته، وإلى ميكائيل في رتبته، وإلى جبرائيل في جلالته، وإلى آدم في سلمه، وإلى نوح في حسنه، وإلى إبراهيم في خلّته، وإلى يعقوب في حزنه، وإلى يوسف في جماله، وإلى موسى في مناجاته، وإلى أيوب في صبره، وإلى يحيى في زهده، وإلى عيسى في سنته، وإلى يونس في ورعه، وإلى محمّد في جسمه وخلقه، فلينظر إلى علي، فإنّ فيه تسعين خصلة من خصال الأنبياء، جمعها الله فيه ولم تجمع في أحد غيره. وعدّ جميع ذلك في كتاب جواهر الأخبار»(١) .

ترجمة الهمداني

١ - نور الدين جعفر البدخشاني: « في بيان بعض فضائل العروة الوثقى، حضرة الرحمن الشكور الفخور بجناب الديان، قرّة عين محمّد رسول الله، ثمرة فؤاد المرتضى والبتول، المطّلع على حقائق الأحاديث والتفاسير، الممعن في السرائر بالبصيرة والتبصير، المرشد للطالبين في الطريق السبحاني، الموصل للمتوجّهين إلى الجمال الروحاني، العارف المعروف بالسيّد علي الهمداني، خصّه الله اللطيف باللطف الصمداني، ورزقنا الإستنارة الدائمة من

____________________

(١). المودّة في القربى، أنظر ينابيع المودّة ٢ / ٣٠٦ الطبعة الحديثة.

٢١٠

النور الحقّاني »(١) .

٢ - الجامي: « الأمير السيّد علي بن شهاب الدين بن محمّد الهمدانيقدس‌سره . كان جامعاً بين العلوم الظاهرية والعلوم الباطنية، وله في العلوم الباطنية مصنّفات مشهورة، منها كتاب النقطة، وشرح الأسماء الحسنى، وشرح فصوص الحكم، وشرح القصيدة الهمزية الفارضية.

كان ملازماً للشيخ شرف الدين محمود بن عبدالله المزدقاني، إلّا أنّه أخذ الطريقة من صاحب السرّ بين الأقطاب تقي الدين علي دوستي، ولـمّا توفّي تقي الدين علي عاد إلى الشيخ شرف الدين محمود، فسأله عن وظيفته، فالتفت إليه الشيخ قائلاً: الوظيفة هي أنْ تطوف أقصى بلاد العالم، فسار في بلاد العالم كلّه ثلاث مرّات، وفاز بصحبة أربعمائة وألف ولي من الأولياء، حتّى لقي أربعمائة رجل منهم في مجلس واحد.

ومات في سادس ذي الحجة سنة ٧٨٦ »(٢) .

٣ - الكفوي: « لسان العصر، سيّد الوقت، المنسلخ عن الهياكل الناسوتيّة، والمتوسّل إلى السبحات اللّاهوتيّة، الشيخ العارف الرباني والعالم الصمداني، مير سيّد علي بن شهاب الدين بن محمّد بن محمّد الهمداني قدّس الله تعالى سرّه، كان جامعاً بين العلوم الظاهرة والباطنة، وله مصنّفات كثيرة في علم التصوف » فنقل مصنّفاته، ثمّ نقل كلام الجامي في نفحاته، ثمّ قال:

« وكان السيّد علي الهمداني جمع الأوراد واختارها من المشايخ الّذين كانوا في عصره وتشرف بصحبتهم، وبأس أياديهم الشريفة واقتبس من أنوارهم القدسية، وانتخبها من جوامع كلماتهم الإنسيّة وسمّاها الأوراد

____________________

(١). خلاصة المناقب - مخطوط.

(٢). نفحات الأنس من حضرات القدس: ٤٤٧.

٢١١

الفتحيّة، وهي اليوم أوراد الإخوان الكيروية، والشيخ الجليل السيّد علي الهمداني أخذ الطريقة عن تقي الدّين علي دوستي والشيخ محمود المزدقاني، وهما عن علاء الدّولة السّمناني ثمّ قال: سمعت شيخنا وسيّدنا المولى العارف الربّاني الشيخ محمّد بن يوسف العركتى السمرقندي، يحكي عن شيخه المخدومي عبداللطيف الجامي، عن شيخه المخدوم الأعظم حاجي محمّد الحبوشاني، عن شيخه شاه بيدواري، عن شيخه محمّد الملقب بالرشيد، عن شيخه السيد الأمير عبدالله بردشابادي، عن شيخه المرشد الكامل والشيخ المكمّل إسحاق الختلاني، عن قدوة العارفين دليل السالكين منبع المعارف الربّانيّة معدن اللطائف السّبحانيّة السيّد علي الهمداني.

إنّه لـمّا جمع الأوراد الفتحيّة، وانتخبها من جوامع كلماتهم القدسيّة على حسب ملكاتهم الإنسيّة، رأى في منامه أنّ الملائكة يقرؤونها في شعبة جاركاه، ويطوفون حول العرش، وفي أيديهم طبق من نور مملوّ من اللّالي والجواهر ينثرون، ثمّ قال الشيخ محمّد السمرقندي: ولهذا مشايخنا كانوا يقرؤون في شعبة جاركاه.

ومن تصانيفه: ذخيرة الملوك وهو كتاب لطيف وانشاء شريف مشتمل على لوازم قواعد السّلطنة الصوري والمعنويّ، ومبني على ذكر أحكام الحكومة والولاية وتحصيل السعادة الدنيوي والأخرويّ، على عشرة أبواب ».

٤ - مجد الدين البدخشاني - في ( جامع السلاسل ): « ذكر الفقيه الهمداني علي الثاني مير سيّد علي الهمداني قدّس الله سرّه، لقّب بـ « علي الثاني » وقد وصفه مشايخ عصره -: سلطان الأولياء وبرهان الأصفياء، قدوة العارفين، زبدة المحققين، مستجمع الأسماء والصفات، الجامع بين

٢١٢

المتجلّيات، محيي الشريعة والطريقة والحقيقة، ختم المتقدّمين، زبدة المتأخّرين، وارث الأنبياء والمرسلين، مرشد الأولياء إلى طريق الحق باليقين، مركز دائرة الوجود، الهادي إلى المقصود، قطب الأقطاب، الكامل المكمل الصمداني، علي أمير كبير، السيّد علي الهمداني ».

وقد وصفه غير من ذكر بمثل ما تقدّم من الأوصاف الجليلة، كالميبدي في ( الفواتح - شرح ديوان أمير المؤمنين ) والشيخ أحمد القشاشي في ( السمط المجيد ) وولي الله الدهلوي في ( الإنتباه في سلاسل أولياء الله ) والسيّد شهاب الدين أحمد في ( توضيح الدلائل في تصحيح الفضائل ).

(٢٤)

رواية نور الدين جعفر

وهو نور الدين جعفر بن سالار المعروف بأمير ملّا، خليفة السيّد علي الهمداني المذكور. فقد روى حديث التشبيه - في كتابه ( خلاصة المناقب ) -، إذ أورد أشعار الشيخ فريد الدين العطّار النيسابوري التي تضمّنت معنى حديث التشبيه، أوردها وهو بصدد نقل بعض فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام .

ترجمة أمير ملّا

وتجد ترجمة نور الدين أمير ملّا هنا في:

١ - كتاب الإنتباه في سلاسل أولياء الله. الّذي كتبه شاه عبدالرحيم الدهلوي والد مخاطبنا ( الدهلوي ) في تراجم أعاظم علماء أهل السنّة من أهل العرفان والتصوّف، وبيان طرقهم وسلاسلهم.

٢١٣

٢ - جامع السلاسل. الّذي ألّفه مجد الدين البدخشاني في نفس الموضوع.

ويكفي في جلالة قدره وعظمة شأنه كونه خليفة السيّد علي الهمداني الذي تقدّم ذكره، فإنّ ذلك يكشف عن تفوّقه على سائر أصحاب السيّد وتبرّزه من بينهم.

(٢٥)

رواية شهاب الدّين أحمد

ورواه السيّد شهاب الدين أحمد في كتابه ( توضيح الدلائل على تصحيح الفضائل ) حيث قال: « الباب الثامن عشر - في أنّه حاز خصائص أعاظم الأنبياء، وفاز ثانياً خصال كمال أكارم الأصفياء:

عن أبي الحمراء - رضي الله تعالى عنه - قال قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وبارك وسلّم: من أراد أنْ ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوحٍ في فهمه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى يحيى بن زكريا في زهده، وإلى موسى في بطشه، فلينظر إلى علي بن أبي طالب.

رواه الطبري وقال: أخرجه أبو الخير الحاكمي.

وعن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - قال قال رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وبارك وسلّم: من أراد أنْ ينظر إلى إبراهيم في خلّته، وإلى نوح في حكمته، وإلى يوسف في جماله، فلينظر إلى علي بن أبي طالب.

رواه الطبري وقال: أخرجه الملّا في سيرته ».

٢١٤

ترجمة السيّد شهاب الدين أحمد

وهو: شهاب الدين أحمد بن جلال الدين عبدالله بن قطب الدين محمّد ابن جلال الدين عبدالله بن قطب الدين محمّد بن معين الدين عبدالله ابن هادي ابن محمّد، الحسيني، الإيجي، الشافعي، من أعلام القرن التاسع.

هو من أسرة فقه وحديث وتصوّف، توفي أبوه في سنة ٨٤٠ وجدّه سنة ٧٨٥، وأبو جدّه سنة ٧٦٣، وجدّ جدّه سنة ٧١٤.

وقد ترجم له السخاوي(١) .

إعتبار أخبار هذا الكتاب

وقد ذكر السيّد شهاب الدين أحمد في هذا الكتاب عباراتٍ تفيد التزامه بنقل الأخبار المعتبرة فيه، من ذلك قوله: « وخرّجت من كتب السنّة المصونة عن الهرج ودواوينها، وانتهجت فيه منهج من لم ينتهج العوج عن قوانينها، أحاديث حدث حديثها عن حدث الصّدق في الأخبار، ومسانيد ما حدث وضع حديثها بغير الحق في الأخبار ».

وقوله: « والغرض من هذا الباب ومن تمهيد هذه القواعد أنْ لا يقوم أحد بالردّ لأخبار هذا الكتاب، فإنّ معظمها في الصحاح والسنن، ومرويّاتها ما توارث أهل الصلاح في السنن ».

وقوله: « واعلم أنّ كتابي هذا - إن شاء الله تعالى - خالٍ عن موضوعات الفريقين، حالٍ بتحرّي الصّدق وتوخّي الحق وتنحّي مطبوعات الفريقين ».

____________________

(١). الضوء اللامع لأهل القرن التاسع ١ / ٣٦٧.

٢١٥

(٢٦)

رواية ملك العلماء الهندي

ورواه شهاب الدين بن عمر الزّاولي الدولت آبادي الملقّب بملك العلماء حيث قال:

« إعلم أنّ أحاديث مناقب علي كرّم الله وجهه من الأحاديث الصّحاح، ولكنّ احتجاج الشيعة بها خطأ. إحتجّت الشيعة بخبر الطير. وتمام الخبر ذكرناه في الجلوة الحادية عشر من الهداية التاسعة.

واحتجّت بقوله صلّى الله عليه وسلّم: من أراد أنْ ينظر إلى آدم في علمه

وبآياتٍ

قالوا: جعله الله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وسلّم مساوياً للأنبياء، والأنبياء أفضل من الأصحاب إجماعاً، والمساوي للأفضل أفضل.

وأجاب أهل السنّة: بأنّه تشبيه محض، وهو إلحاق الفرع بالأصل لمشاركته إيّاه في شيء، ولا يدلّ التشبيه على المساواة ».

ثمّ إنّه ذكر الحديث الشريف بهذا اللفظ: « وقال صلّى الله عليه وسلّم:

من أراد أنْ ينظر إلى آدم في علمه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في هيبته، وإلى عيسى في عبادته، فلينظر إلى علي.

فشبّه عليّاً بالأنبياء »(١) .

____________________

(١). هداية السعداء - مخطوط.

٢١٦

(٢٧)

رواية ابن الصبَّاغ المالكي

ورواه أبو الحسن علي ابن الصبّاغ المالكي حيث قال في ذكر مناقب الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام : « الخامسة عشر - محاسنه الجميلة واتّصافه بكلّ فضيلة. فمن ذلك.

ما رواه البيهقي في كتابه الّذي صنّفه في فضائل الصّحابة، يرفعه بسنده إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أنّه قال: من أراد أنْ ينظر إلى نوحٍ في تقواه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في هيبته، وإلى عيسى في عبادته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب »(١) .

ترجمة ابن الصباغ

وقال في ( معجم المؤلفين ): « علي بن محمّد بن أحمد، نور الدين، ابن الصبّاغ. فقيه مالكي، أصله من سفاقس، وولد وتوفي بمكة. من تصانيفه: الفصول المهمة لمعرفة الأئمّة وفضلهم ومعرفة أولادهم ونسلهم »(٢) .

وقال صاحب ( الأعلام ): « ابن الصبّاغ، علي بن محمّد بن أحمد، نور الدين، ابن الصبّاغ، فقيه مالكي، من أهل مكة مولفاً ووفاةً. أصله من سفاقس. له كتب منها: الفصول المهمّة لمعرفة الأئمّة. ط. والعبر فيمن شفّه النظر. قال السخاوي: أجاز لي »(٣) .

____________________

(١). الفصول المهمة في معرفة الأئمّة: ١٢٣.

(٢). معجم المؤلفين ٧ / ١٧٨.

(٣). الأعلام ٥ / ١٦١.

٢١٧

اعتبار كتاب ( الفصول المهمّة )

وكتابه ( الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة ) من الكتب المعتبرة المعتمدة: قال ابن الصبّاغ في ديباجته: « وبعد، فعنَّ لي أن أذكر في هذا الكتاب فصولاً مهمّة في معرفة الأئمّة، أعني الأئمّة الإثني عشر، الّذين أوّلهم علي المرتضى وآخرهم المهدي المنتظر، يتضمّن شيئاً من ذكر مناقبهم الشريفة ومراتبهم العالية المنيفة، ومعرفة أسمائهم وصفاتهم وآبائهم وأُمهاتهم، ومواليدهم ووفاتهم، وذكر مدّة أعمارهم، وحجّابهم وشعرائهم، خالياً عن الإطناب المملّ والتقصير المخلّ، آخذاً عن الإكثار المسئم إلى الإيجاز المفهم، ولن يعرف شرفه إلّامن وقف عليه فعرفه، وعقدت لكلّ إمامٍ منهم فَصلاً يشتمل كلّ فصل من الثلاثة الفصول الأوّل منها على عدّة فصول

وسمّيته بالفصول المهمّة في معرفة الأئمّة، أجبت في ذلك سؤال بعض الأعزّة من الأصحاب، والخلّص من الأحباب، بعد أن جعلت ذلك لي عند الله ذخيرةً ورجاء في التكفير لما أسلفته من جريرة، أو اقترفته من صغيرة أو كبيرة، وذلك لما اشتمل عليه هذا الكتاب من ذكر مناقب أهل البيت الشهيرة، ومآثرهم الأثيرة، ولربّ ذي بصيرة قاصرة وعين عن إدراك الحقائق حاسرة، يتأمّل ما ألّفته ويستعرض ما جمعته ولخّصته، فيحمله طرفه المريض وقلبه المهيض على أنْ ينسبني في ذلك إلى التّرفيض ».

وقال أحمد بن عبدالقادر العجيلي الحفظي الشافعي في ( ذخيرة المآل ) في مسألة الخنثى:

« قلت: وهذه المسألة وقعت في زمننا هذا ببلاد الحيرة، على ما أخبرني به سيّدي العلاّمة نور الدين خلف الحيرتي، وذكر لي أنّ الخنثى الموصوفة

٢١٨

توفّيت عن والدين ولد لبطنها وولد لظهرها، وخلّفت تركة كثيرة، وأنّ علماء تلك الجهة تحيّروا في الميراث، واختلف أحكامهم، فمنهم من قال يرث ولد الظهر دون ولد البطن، ومنهم من قال بعكس هذا، ومنهم من قال يقتسمان التركة، ومنهم من قال توقف التركة حتّى يصطلح الولدان على تساو أو على مفاضلة. وأخبرني أنّ الخصام قائم والتركة موقوفة، وأنّه خرج لسوال علماء المغرب خصوصاً علماء الحرمين عن ذلك، وبعد الإتّفاق به بسنتين وجدت حكم أمير المؤمنين في كتاب الفصول المهمّة في فضل الأئمّة تصنيف الشيخ الإمام علي بن محمّد الشهير بابن الصّبّاغ من علماء المالكيّة. إنتهى ».

وقال الشيخ عبدالله المطيري المدني الشافعي في ديباجة كتابه ( الرياض الزاهرة في فضل آل بيت النبيّ وعترته الطاهرة ) ما نصّه:

« الحمد لله ربّ العالمين والشكر للملهم بالهدى إلى صراط المتقين، والصّلاة والسّلام على سيّدنا ونبيّنا محمّد عبده ورسوله، الّذي يصلّي على خلفه عجماً وعرباً، وأنزل عليه( قُلْ لا أَسْألُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) وعلى آله وأصحابه نجوم الإقتداء وبدور الإهتداء، صلوةً وسلاماً يدومان بدوام المنزه وجوده عن الإنتهاء والإبتداء.

أمّا بعد، فيقول العبد الفقير إلى الله تعالى عبدالله بن محمّد المطيري شهرةً، المدني حالاً: هذا كتاب سمّيته بالرّياض الزّاهرة في فضل آل بيت النّبيّ وعترته الطّاهرة، جمعت فيه ما اطّلعت عليه ممّا ورد في هذا الشأن، واعتنى بنقله العلماء العاملون الأعيان، وأكثره من الفصول المهمّة لابن الصّبّاغ، ومن الجوهر الشفّاف للخطيب ».

وقال السمهودي:

« قوله: وإنّي سائلكم غداً عنهم، تقدم بشاهده في الذّكر الرابع، وسبق

٢١٩

في رابع تنبيهاته قول الحافظ جمال الدّين الزرندي عقب حديث من كنت مولاه فعليّ مولاه، قال الإمام الواحدي: هذه الولاية التي أثبتها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مسئول عنها يوم القيامة.

وروى في قوله تعالى( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) أي عن ولاية علي وأهل البيت، لأنّ الله أمر نبيّه صلّى الله عليه وسلّم أن يعرّف الخلق أنّه لا يسألهم عن تبليغ الرسالة أجرا إلّا المودّة في القربى.

والمعنى أنّهم يسألون هل والوهم حقّ الموالاة كما أوصاهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أم أضاعوها وأهملوها فيكون عليهم المطالبة والتبعة إنتهى.

ويشهد لذلك ما أخرجه أبو المؤيّد في كتاب المناقب، فيما نقله أبو الحسن علي السفاقسي ثمّ المكّي في الفصول المهمّة، عن أبي هريرةرضي‌الله‌عنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن جلوس ذات يوم: والّذي نفسه بيده لا يزول قدم عن قدم يوم القيامة حتّى يسأل الله تعالى الرجل عن أربع، عن عمره فيما أفناه، وعن جسده فيما أبلاه، وعن ماله ممّا اكتسبه وفيما أنفقه، وعن حبّنا أهل البيت. فقال له عمررضي‌الله‌عنه : يا نبيّ الله، ما آية حبّكم؟ فوضع يده على رأس عليّ وهو جالس إلى جانبه، فقال: آية حبّنا حبّ هذا من بعدي ».

وقال الحلبي في ذكر الهجرة: « في الفصول المهمّة: إنّه صلّى الله عليه وسلّم وصى عليّاً رضي الله تعالى عنه بحفظ ذمته وأداء أمانته ظاهراً على أعين النّاس، وأمره أن يبتاع رواحل للفواطم، فاطمة بنت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وفاطمة بنت الزبير بن عبدالمطّلب، ولمن هاجر معه من بني هاشم، ومن ضعفاء المؤمنين، وشراء عليّ رضي الله تعالى عنه الرواحل مخالف لما يأتي في الأصل أنّه صلّى الله عليه وسلّم أرسل إلى علي محلة وأرسل يقول

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

وإسماعيل كان صاحب الصدق.

ويونس كان صاحب التضرّع.

فثبت أنّه تعالى إنّما ذكر كلّ واحدٍ من هؤلاء الأنبياء، لأنّ الغالب عليه كان خصلة معيّنة من خصال المدح والشرف.

ثمّ إنّه تعالى لمـّا ذكر الكلّ، أمر محمّداً عليه الصّلاة والسّلام بأنْ يقتدي بهم بأسرهم، فكان التقدير كأنَّه تعالى أمر محمّداً صلّى الله عليه وسلّم أنْ يجمع من خصال العبوديّة والطاعة كلّ الصّفات التي كانت متفرّقة فيهم بأجمعهم.

ولمـّا أمره الله تعالى بذلك امتنع أنْ يقال أنّه قصّر في تحصيلها، فثبت أنّه حصّلها.

ومتى كان الأمر كذلك ثبت أنّه اجتمع فيه من خصال الخير ما كان متفرّقاً فيهم بأسرهم.

ومتى كان الأمر كذلك، وجب أن يقال: إنّه أفضل منهم بكليّتهم. والله أعلم »(١) .

أقول:

وبنفس هذا التقرير الّذي ذكره العلماء، للإحتجاج بالآية الكريمة على أفضليّة نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من سائر الأنبياء نحتجّ بحديث التشبيه على أفضليّة سيّدنا أمير المؤمنينعليه‌السلام من الأنبياء، فلا يبقى أيّ ريبٍ في دلالة حديث التشبيه على مذهب الشيعة.

بل الأمر هنا أوضح من هناك، لأنّه إذا كان الأمر بالإقتداء بهدى الأنبياء السابقينعليهم‌السلام دالّاً على أفضليّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّ

____________________

(١). تفسير الرازي ١٣ / ٦٩ - ٧١.

٣٠١

إثبات صفات الأنبياء السابقين لأمير المؤمنينعليه‌السلام - الأمر الّذي يدلّ على الحديث بصراحة - يدلّ على أفضليّة الإمامعليه‌السلام منهم، بالأولويّة.

على أنّ الإحتجاج بالآية، كان يتوقّف على مقدّمات، أحدها: إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمـّا اُمر بالإقتداء، امتنع أن يقال إنّه ترك الإقتداء. والثاني: إنّ المراد من هدى الأنبياء السابقين هو جميع الخصال الخاصّة بكلّ واحدٍ منهم. والثالث: إنّ الإقتداء لا يمنع كونهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل من الأنبياء السابقين.

أمّا في حديث: من أراد أنْ ينظر إلى آدم فلا حاجة إلى شيء من المقدّمات، بل إنّ الحديث يثبت صفات الأنبياء السابقين للإمام بلا مقدّمة، إذ ليس فيه أمر بالإقتداء حتّى يحتاج إلى مقدّمة أنّه قد أطاع هذا الأمر قطعاً، وقد ذكر في الحديث صفات الأنبياء بصراحةٍ وهي - في بعض الألفاظ - « العلم، والحلم، والعبادة، والتقوى، والبطش » وليس فيه لفظ « الهدى » حتّى يحتاج إلى مقدّمة يذكر فيها أنّ المراد من الهدى هو الصّفات كما أنّه لا حاجة هنا إلى القول بأنّ الإقتداء لا ينافي الأفضليّة، إذ لا أمر بالإقتداء هنا.

فظهر، أنّ دلالة هذا الحديث على مساواة صفات الإمامعليه‌السلام لصفات الأنبياء السابقينعليه‌السلام ، أوضح من دلالة الأمر بالإقتداء على ذلك.

وقد ذكر النيسابوري أيضاً الإحتجاج المذكور بالآية على أفضلية نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فذكر أقوال العلماء في تفسير « الهدى » ثمّ كلام القاضي وما قيل في الجواب عن الوجوه التي ذكرها القاضي، فصرّح:

« بأنّه يلزم أن يكون منصبه أجلا من منصبهم، لأنّه أمر باستجماع خصال الكمال وصفات الشرف التي كانت متفرقة فيهم، كالشكر في داود

٣٠٢

وسليمان، والصبر في أيوب، والزهد في زكريا ويحيى وعيسى، والصّدق في إسماعيل، والتضرّع في يونس، والمعجزات الباهرة في موسى وهارون. ولهذا قال: لو كان موسى حيّاً لما وسعه إلّا اتّباعي»(١) .

* وقال الخطيب الشربيني بعد ذكر الإحتجاج:

« فثبت بهذا البيان أنّه صلّى الله عليه وسلّم أفضل الأنبياء، لما اجتمع فيه من الخصال التي كانت متفرقة في جميعهم »(٢) .

٣ - الإستدلال على ضوء كلام الفخر الرازي

وإذا كان الأمر بالإقتداء دالّاً على وجود جميع صفات الأنبياء السابقين في وجود نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ يكون دالّاً على أفضليّته منهم من جهة كونه جامعاً بوحده لتلك الصّفات المتفرقة بينهم فلا أقل من دلالة حديث التشبيه على أفضليّة الإمامعليه‌السلام منهم بهذا البيان، فيكون الحديث دالّاً على الأفضليّة بنفس المقدّمات التي ذكرت في الإحتجاج بالآية على الأفضلية، بعد التنزّل عمّا أثبتناه في الوجه السابق من الإستدلال بلا توقفٍ على المقدّمات.

فيكون الحاصل حينئذٍ دلالة حديث التشبيه على أفضليّة الإمامعليه‌السلام من الأنبياء السابقين، لاستجماعه ما تفرّق فيهم من الخصال، وإذا كان أفضل من الأنبياء الخمسة المذكورين، ثبت أفضليته من جميع الأنبياء - سوى خاتم النبيينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - بالإجماع المركّب.

بل لقد جاء في بعض ألفاظ حديث التشبيه ثبوت صفات يعقوب و

____________________

(١). تفسير النيسابوري - هامش الطبري ٧ / ١٨٥.

(٢). السراج المنير ١ / ٤٣٥.

٣٠٣

يوسف وأيّوب ويونسعليهم‌السلام ، وهيبة إسرافيل، ورتبة ميكائيل، وجلالة جبرائيل لسيّدنا أمير المؤمنينعليه‌السلام .

٤ - في علي تسعون خِصلة لم تجمع في غيره

وروى السيّد علي الهمداني - من مشايخ والد ( الدهلوي ) - في كتابه الّذي عدّه رشيد الدّين الدهلوي في كتب أهل السنّة المؤلَّفة في مناقب أهل البيت عليهم الصّلاة والسّلام:

« عن جابر قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من أراد أنْ ينظر إلى إسرافيل في هيبته، وإلى ميكائيل في رتبته، وإلى جبرئيل في جلالته، وإلى آدم في علمه، وإلى نوح في حسنه، وإلى إبراهيم في خلّته، وإلى يعقوب في حزنه، وإلى يوسف في جماله، وإلى موسى في مناجاته، وإلى أيّوب في صبره، وإلى يحيى في زهده، وإلى عيسى في سنته، وإلى يونس في ورعه، وإلى محمّد في جسمه وخلقه، فلينظر إلى علي. فإنّ فيه تسعين خصلة من خصال الأنبياء، جمعها الله فيه ولم تجمع في أحد غيره.

وعدَّد جميع ذلك في جواهر الأخبار »(١) .

أقول:

وليس هذا الحديث مجرّد تشبيه، بل هو جارٍ مجرى الحقيقة، واستجماعه لتلك الصفات، مع عدم اجتماعها في أحدٍ غيره، نصٌّ في الأفضليّة.

____________________

(١). مودّة القربى، ينابيع المودّة ٢ / ٣٠٦ الطبعة المحقّقة.

٣٠٤

٥ - دلالة الحديث في كلام إبن روزبهان

وقد صرّح المتعصّب العنيد الفضل ابن روزبهان بدلالة حديث التشبيه على الأفضليّة، فدلالته على مذهب الإماميّة تامة عنده، إلّا أنّه يردّه بالرمي بالوضع وهذا نصّ كلامه:

« وأثر الوضع على هذا الحديث ظاهر، ولا شكّ أنّه منكر، مع ما نسب إلى البيهقي، لأنّهم يوهم أنّ عليّ بن أبي طالب أفضل من هؤلاء الأنبياء، وهذا باطل، فإنّ غير النبي لا يكون أفضل من النبيّ.

وأمّا أنّه موهم لهذا المعنى، لأنّه جمع فيه من الفضائل ما تفرّق في الأنبياء، والجامع للفضائل أفضل ممّن تفرّق فيهم الفضائل.

وأمثال هذا من موضوعات الغلاة »(١) .

أقول:

اُنظر إلى تعصّب هؤلاء القوم، فمنهم من يعترف بدلالة الحديث على مذهب الشيعة، فيردّه بالوضع والبطلان، كابن روزبهان، ومنهم من ينكر دلالته، كالكابلي و ( الدهلوي )، فهم يتكاذبون فيما بينهم، إلّا أنّ غرضهم إسقاط الحديث عن الصلاحيّة لاحتجاج الشيعة به على مذهبهم الحقّ، وإنْ لزم ما لزم

وأمّا إبطال ابن روزبهان أفضليّة الإمامعليه‌السلام من هؤلاء الأنبياء، من جهة أنّه ليس بنبيّ، وغير النّبيّ لا يكون أفضل من النبي فيبطله آية المباهلة والأحاديث الواردة في ذيلها، وكذا غيرها من الأحاديث الصّريحة في

____________________

(١). إبطال الباطل. انظر: دلائل الصدق ٢ / ٥١٨.

٣٠٥

أنّ عليّاً نفس رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما ورد في توسّل آدمعليه‌السلام به(١) وأنّ الأنبياء بعثوا على ولايته(٢) وحديث « خلقت أنا وعلي من نور واحدٍ قبل أنْ يخلق آدم »(٣) ، وغير هذه الأحاديث.

فظهر دلالة هذا الحديث على الأفضليّة، فيتمّ احتجاج الشيعة به، ويسقط مناقشة ( الدهلوي).

٦ - بيان محمّد بن إسماعيل الأمير لحديث التشبيه

وللعلّامة النحرير محمّد بن إسماعيل الأمير بيانٌ لطيف، وتقرير متين، لحديث التشبيه، يتّضح به طريق احتجاج الشيعة، ويتأيّد به أسلوب استدلالهم، وهذا نصُّ عبارته:

« فائدة - قد شبّههعليه‌السلام بخمسة من الأنبياء، كما قال المحب الطبريرحمه‌الله ما لفظه: ذكر تشبيه عليرضي‌الله‌عنه بخمسةٍ من الأنبياء: عن أبي الحمراء قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى يحيى بن زكريا في زهده، وإلى موسى في بطشه، فلينظر إلى علي بن أبي طالب. أخرجه أبو الخير الحاكمي.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أراد أنْ ينظر إلى إبراهيم في حلمه، وإلى نوح في حكمه، وإلى

____________________

(١). اُنظر ما رووا بتفسير قوله تعالى:( فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَات ) الدرّ المنثور ١ / ٦٠.

(٢). انظر ما رووه بتفسير قوله تعالى:( واسأَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبلِكَ مِنْ رُسُلِنا ) ترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق ٢ / ٩٧ وسنفصل الكلام فيه في الجزء اللاحق من كتابنا.

(٣). انظر الجزء الخامس من كتابنا.

٣٠٦

يوسف في جماله، فلينظر إلى علي بن أبي طالب. أخرجه الملّا في سيرته. انتهى.

قلت: فقد شبّهه صلّى الله عليه وسلّم بهؤلاء الخمسة الرسل، في اكتسابه للخصال الشريفة من خصالهم.

فمن آدم أبي البشر العلم، فإنّ الله تعالى خصّه بأنّه علّمه الأسماء كلّها، ثمّ أبان فضله بذلك ونوّه بعلمه، حيث عرض على الملائكة أسماء المسمّيات، وطلب منهم تعالى إنباءهم بأسمائها فعجزوا، وطلب من آدمعليه‌السلام إنبائهم، فأنبأهمعليه‌السلام بها. فهذه فضيلة من أشرف فضائل آدمعليه‌السلام التي شرف بها بين الملأ الأعلى.

وشبّهه بنوحٍعليه‌السلام في فهمه، لأنّه أمره الله تعالى بصنعة الفلك، وفيها من دقائق الإحكام والإتقان ما لا تحصره الأقلام، ولا يدركه الأفهام، وكانت لم تعرف، ولا اهتدى إليها فكر قبل ذلك، وكان فيها ما كان من الإتقان، واليوت التي جوّفها له ولمن معه، والأنعام والوحوش والسباع، واختلافها طولاً وعرضاً، فإنّها كجؤجؤ الطائر، وقد جعل الله الحمل فيها من آياته، حيث قال:( وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ) وعدّ الإمتنان بها في الذكر في عدّةٍ من الآيات، وناهيك أنّه قرن إجراءه تعالى لها مع خلق السماوات والأرض، واختلاف الليل والنهار، فالمراد فهمه ما ألهمه من صنعتها، ولذلك جعل صنعتها مقيَّدة( بِأَعْيُنِنا ) في قوله:( وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا ) وقوله في الحديث « في حكمه » أي في حكمه الناشي عن حكمه وقوته وصحّته، ويحتمل أن يكون المراد فهمه العام في صنعة الفلك وغيره، ممّا فهمه عن الله تعالى وأمره.

وشبّهه بالخليل في حلمه، وهو من أشرف الصفات، ولذلك قيل: مانعت

٣٠٧

الله الأنبياء بأقلّ ما نعتهم بالحلم، وذلك لعزّة وجوده، ولقد نعت الله به إبراهيمعليه‌السلام بقوله تعالى:( إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ) ( إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ ) ومن مجادلته عن لوط فقال:( إِنَّ فِيها لُوطاً ) في عدة من الآيات. ومن حلمهعليه‌السلام الّذي تخفّ عنه رواسي الجبال: امتثاله لأمر الله تعالى بذبح ولدهعليهما‌السلام ، وإضجاعه، وكتفه له، وإمرار المدية على حلقه، لولا منع الله لها أن تقطع، فلهذا وصفه الله ووصف ولده بالحلم.

وشبّهه صلّى الله عليه وسلّم بيحيى بن زكرياعليهما‌السلام في زهده، ويحيىعليه‌السلام هو علم الزهادة في أبناء آدم، من تأخّر منهم ومن تقدّم، وقد ملئت الكتب باليسير من صفات زهده.

وشبّهه صلّى الله عليه وسلّم بكليم الله في بطشه، وكان موسى شديد البطش، وناهيك أنّه ذكر القبطي فقضى عليه، وأراد البطش بالآخر، وهو في بلد فرعون، وتحت يده بنو إسرائيل أرقّاء في يد فرعون، وكان القبط أهل الصولة والشوكة والدولة.

وشبّهه في الحديث الآخر بيوسف في جماله، ويوسف في جماله شمس لا يزيدها الوصف إلّا خفاءً، فهي أظهر من أنْ تظهر. وقد سبق صفة أمير المؤمنين: وإنّ عنقه كأنّه إبريق فضة، وإنّه كان أغيد، وغير ذلك من الصفات الحسنة.

إذا عرفت هذا، فهذه شرائف الصفات: الحلم، والعلم، والفهم، والزهادة، والبطش، والحسن.

ثمّ إنّه حاز أكمل كلّ واحدة مها، فإنّ علم الرسل أكمل العلوم، وحلمهم أكمل الحلم، وفهمهم أتمّ فهم، وزهادتهم أبلغ زهادة، وبطشهم أقوى بطش.

فناهيك من رجل كمّله الله بهذه الصفات، وأخبر نبيّه صلّى الله عليه

٣٠٨

وسلّم أنّه حازها، وشابه أكمل من اتّصف بها، وإنّ من أراد أن ينظر من كان متّصفاً بها من أولئك الرسل الأعلّين، ويشاهده كأنّه حي، نظر إلى هذا المتّصف بها، لذلك قيل:

يدلّ لمعنى واحد كلّ فاخر

وقد جمع الرحمن فيك المعاليا

ولو أردنا سرد ما فاض عن الوصي من ثمرات هذه الصّفات، وما انفجر عنه من بحور هذه الكلمات، لخرجنا عن قصدنا من بيان معنى الأبيات، والإختصار له في هذه الكلمات، ويأتي في غضون صفاته ما يدلّ على كمالاته، وقد شبَّه صلّى الله عليه وسلّم بعضاً من الصحابة ببعضٍ من الرسل في بعض الصفات، ولم يجمع لاحدٍ خمسة من الأنبياء ولا ثلاثة، ولا جاء في حقّ أحدٍ بهذه العبارة، أعني: من أراد أن ينظر الخ، الدالة على كمال تمكّن تلك الصفة في وصيّه » انتهى(١) .

أقول:

هذا كلام هذا المحقق الكبير في معنى هذا الحديث الشّهير، وقد أحسن في البيان وأجمل في التقرير، وبما ذكره يتّضح وجه احتجاج الشيعة، ويظهر مدى تعصّب ( الدهلوي ) الذي زعم أنّ مفاد الحديث هو التشبيه المحض، كتشبيه التراب والحصى بالدّر والياقوت، وأمثال ذلك من التشبيهات الإدعائيّة، والتمثيلات الإغراقيّة.

هذا، ولا تغفل عن كلمات ابن طلحة، والكنجي، وشهاب الدين أحمد، في بيان معنى حديث التشبيه، فإنّها تفيد ما تذهب إليه الإماميّة كعبارة محمّد ابن إسماعيل المزبورة

____________________

(١). الروضة الندية - شرح التحفة العلوية.

٣٠٩

٧ - إعتراف أبي بكر بدلالة الحديث

فإنْ لم يقبل الخصم شيئاً من الوجوه المذكورة، فقد اشتمل بعض ألفاظ الحديث على اعتراف أبي بكر بدلالة حديث التشبيه على مساواة الإمام أمير المؤمنين مع هؤلاء الأنبياءعليهم‌السلام في الصّفات، وأفضليّته منهم ففي كتاب المناقب للخوارزمي:

« أخبرني شهردار هذا إجازةً، قال: أخبرنا أبو الفتح عبدوس بن عبدالله ابن عبدوس الهمداني إجازةً، عن الشريف أبي طالب المفضل بن محمّد بن طاهر الجعفري بإصبهان، عن الحافظ أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه بن فورك الإصبهاني، قال: حدّثنا محمّد بن أحمد بن إبراهيم، قال: حدّثنا الحسن بن علي بن الحسين السّلوي، قال: حدّثني سويد بن مسعر بن يحيى بن حجاج النهدي حدّثنا أبي، حدّثنا شريك عن أبي إسحاق عن الحارث الأعور صاحب راية علي، قال:

بلغنا أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم كان في جمع من أصحابه فقال:

اُريكم آدم في علمه، ونوحاً في فهمه، وإبراهيم في حكمته.

فلم يكن بأسرع من أنْ طلع علي.

فقال أبو بكر: يا رسول الله، أقست رجلاً بثلاثة من الرسل! بخ بخ لهذا الرجل، من هو يا رسول الله؟

قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ألا تعرفه يا أبا بكر؟!

قال: الله ورسوله أعلم.

قال: أبو الحسن علي بن أبي طالب.

قال أبو بكر: بخ بخ لك يا أبا الحسن. وأين مثلك يا أبا الحسن! »(١) .

____________________

(١). مناقب علي بن أبي طالب: ٤٤ - ٤٥.

٣١٠

وفي ( توضيح الدلائل ): « عن الحارث الأعور صاحب راية أمير المؤمنين كرّم الله وجهه قال: بلغنا أنّ النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله وبارك وسلّم كان في جمع من الصحابة، فقال:

أريكم آدم في علمه ونوحاً في فهمه، وإبراهيم في حلمه.

فلم يكن بأسرع من أنْ طلع علي كرّم الله تعالى وجهه.

قال أبو بكررضي‌الله‌عنه : يا رسول الله: قست رجلاً بثلاثةٍ من الرسل، بخ بخ لهذا، من هو يا رسول الله؟!

قال النبي صلّى الله عليه وعلى آله وبارك وسلّم: يا أبا بكر، ألا تعرفه؟

قال: الله ورسوله أعلم.

قال صلّى الله عليه وعلى آله وبارك وسلّم: أبو الحسن علي بن أبي طالب.

قال أبو بكررضي‌الله‌عنه : بخ بخ لك يا أبا الحسن.

ورواه الصالحاني، وفي إسناده أبو سليمان الحافظ »(١) .

ففي هذا الحديث: إعتراف صريح من أبي بكر بأنّ حديث التشبيه يدلُّ على المساواة بين الإمامعليه‌السلام وهؤلاء الأنبياءعليهم‌السلام ، وأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد قرّر ما ذكره أبو بكر، وتقريره حجّة.

وإنّما قلنا بأنّ أبا بكر فهم المساواة من الحديث، لأنّه قال للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « قست رجلاً بثلاثةٍ من الرسل » ومعنى « قست »: أي: « ساويت » لأنّ قياس أحدٍ بغيره هو بمعنى: التسوية بين الشخصين:

قال الشريف الجرجاني: « القياس في اللغة عبارة عن التقدير، يقال:

____________________

(١). توضيح الدلائل على تصحيح الفضائل - مخطوط.

٣١١

قست النعل بالنّعل، إذا قدّرته وسوّيته، وهو عبارة عن ردّ الشيء إلى نظيره »(١) .

وقال الجوهري: « قست الشيء بغيره وعلى غيره، أقيس قيساً وقياساً، فانقاس، إذا قدّرته على مثاله. وفيه لغة اُخرى: قسته أقوسه قوساً وقياساً، ولا يقال: أقسته، والمقدار مقياس، وقايست بين الأمرين مقايسةً وقياساً، ويقال أيضاً: قايست فلاناً إذا جاريته في القياس، وهو كقياس الشيء بغيره، أي: يقيسه بغيره، ويقتاس بأبيه اقتياساً، أي: يسلك سبيله ويقتدى به »(٢) .

وفي ( الصحاح ) أيضاً: « قست الشيء بالشيء: قدّرته على مثاله »(٣) .

وفي ( القاموس ): « قاسه بغيره وعليه، يقيسه قيساً وقياساً واقتاسه، قدّره على مثاله، فانقاس، والمقدار: المقياس »(٤) .

وقال ابن الأثير: « منه حديث أبي الدرداء: خير نسائكم التي تدخل قيساً وتخرج ميساً. يريد: أنّها إذا مشت قاست بعض خطاها ببعض، فلم تفعل فعل الخرقاء ولم تبطئ، ولكنّها تمشي مشياً وسطاً معتدلاً، فكان خطاها متساوية »(٥) .

فالعجب من ( الدهلوي ) كيف يحمل الحديث على التشبيه؟ وهل هذا إلّا ردّ على أبي بكر وتسفيه؟ بل لقد سفّه بصراحةٍ - كما سيأتي من كلامه - كلّ من فهم المساواة من هذا الحديث فهذا تسفيه صريح لأبي بكر.

كما أنّ ( للدهلوي ) في الباب الحادي عشر من كتابه ( التحفة ) كلاماً مفاده إخراج أبي بكر من الصّبيان المميّزين، ودخلوه في غير المميّزين

____________________

(١). التعريفات: ٧٨.

(٢). الصّحاح: قوس.

(٣). الصّحاح: قيس.

(٤). القاموس: قيس.

(٥). النهاية: قيس.

٣١٢

وأنت تعلم عدم أهليّة من كان في « كمال السّفاهة » ومن « الصبيان غير المميزين » للخلافة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إذ لا خلاف ولا ريب بين المسلمين في اشتراط العقل والبلوغ في الخليفة

وهذا إشكال قويّ لا مفرّ ( للدهلوي ) وأنصاره منه.

ثمّ إنّ قول أبي بكر « من مثلك يا أبا الحسن! » ظاهر في أنّه قد جعل هذه المساواة في الحديث دليلاً على نفي مماثلة أحدٍ مع الإمامعليه‌السلام ، وهذا دليل آخر على الأفضلية، لا سيّما بالنظر إلى تقرير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فتوهّم عدم دلالة المساواة على الأفضليّة باطل جدّاً.

٨ - ابن تيميّة: الأشبه بالنبيّ أفضل وهو يخلفه

قال المتعصّب العنيد ابن تيميّة: « إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أفضل الخلق، وكلّ من كان به أشبه فهو أفضل ممّن لم يكن كذلك، والخلافة كانت خلافة نبوة، لم يكن ملكاً، فمن خلف النبيّ وقام مقام النبيّ كان أشبه به، ومن كان أشبه بالنبي كان أفضل، فمن يخلفه أشبه من عن غيره، والأشبه به أفضل، فالذي يخلفه أفضل »(١) .

فنقول: إنّ قوله: « من كان أشبه بالنّبي كان أفضل » كبرى مقبولة مسلّمة، إذ لا ريب ولا كلام، في أنّ النبيّ أفضل الخلق، والأشبه بالأفضل هو الأفضل وحديث التّشبيه يعيّن المصداق الحقيقي لتلك الواقعيّة المسلّمة، فأمير المؤمنينعليه‌السلام أشبه الخلق بالأنبياء السّابقين الذين لا ريب أيضاً في أفضليّتهم من الثلاثة، وكلّ من كان أشبه بهم فهو أفضل، فأمير المؤمنينعليه‌السلام أفضل من الثلاثة وغيرهم.

____________________

(١). منهاج السنّة ٨ / ٢٢٨.

٣١٣

وأيضاً: ظاهر قوله: « فمن خلف النبي » هو أنّ إبن تيميّة يستدلّ بخلافة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والقيام مقامه، على أنّ من قام مقام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان أشبه به، فهو الأفضل من غيره، لكن دلالة حديث: « من أراد أن ينظر » على الأشبهيّة أقوى من دلالة مجرَّد الخلافة غير المنصوصة - مبنيّة على الظن الذي لا يغني من الحق شيئاً، أمّا أشبهيّة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فهي ثابتة بالنص الصريح المعتبر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأين الظن غير المعتبر من النصّ الصريح المعتبر؟!

وإنّما قلنا « الخلافة غير المنصوصة » من جهة أنّ ( الدهلوي ) وغيره يعترفون بعدم النصّ على خلافة الثلاثة، ولذا لا يترتّب على إثبات أشبهيّة الخلافة المنصوصة أيُّ أثر وفائدة لهم، فلا ريب في أنّ ابن تيميّة يريد غير المنصوصة.

ومع غض النظر عمّا ذكرنا، نقول: لو ثبت أشبهيّة من قام مقام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنصٍّ أو دليلٍ عقلي، فإنّ غاية ذلك التساوي بين تلك الأشبهيّة، مع أشبهيّة أمير المؤمنينعليه‌السلام الثابتة بالحديث الشريف، وهذه المساواة أيضاً وافية بمطلوب الإماميّة، لأنّ كلّ وجه أفاد أنّ أشبهيّة الخليفة بالنبيّ تستلزم أفضليّة من غيره، فهو نفسه يفيد استلزام أشبهيّة الإمامعليه‌السلام أفضليّته له من جميع أفراد الأمّة بعد النبي.

وأيضاً: إذا كانت أشبهيّة الخليفة شرطاً للخلافة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لزم أنْ يكون الخليفة معصوماً مثل النبي، وبما أنّ الثلاثة فاقدون للعصمة، فإنّ خلافتهم عن النبيّ تكون منتفية.

٣١٤

٩ - تشبيه غير المعصوم بالمعصوم غير جائز

إنّ حديث التشبيه بين الإمامعليه‌السلام والأنبياء، يدلّ على العصمة والأفضليّة، وإلّا لما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك وممّا يوضّح هذا كلام السبكي بترجمة أبي داود، حيث قال:

« قال شيخنا الذهبي: تفقّه أبو داود بأحمد بن حنبل، ولازمهُ مدةً. قال: وكان يشبه به، كما كان أحمد يشبه بشيخه وكيع، وكان وكيع يشبه بشيخه سفيان، وكان سفيان يشبَّه بشيخه منصور، وكان منصور يشبَّه بشيخه إبراهيم، وكان إبراهيم يشبَّه بشيخه علقمة، وكان علقمة يشبَّه بشيخه عبدالله بن مسعودرضي‌الله‌عنه .

قال شيخنا الذهبي: وروى أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة: إنّه كان يشبّه عبدالله بن مسعود بالنبي صلّى الله عليه وسلّم في هديه ودلّه.

قلت: أمّا أنا فمن ابن مسعود أسكت، ولا أستطيع أنْ اُشبّه أحداً برسول الله في شيء من الأشياء، ولا أستحسنه، ولا أجوّزه، وغاية ما تسمح نفسي به أن أقول: وكان عبدالله يقتدي برسول الله فيما ينتهي إليه قدرته وموهبته من الله عزّجل، لا في كلّ ما كان رسول الله، فإنّ ذلك ليس لابن مسعود، ولا للصدّيق، ولا لمن اتّخذه الله خليلاً، حشرنا الله في زمرتهم »(١) .

فأنت ترى تاج الدّين السبكي لا يجوّز تشبيه ابن مسعود - مع ما يذكرون له من الفضائل والمناقب الكثيرة كما في ( كنز العمّال ) وغيره - ولا أبي بكر بن أبي قحافة، بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلو لم يكن سيّدنا أمير

____________________

(١). طبقات الشافعيّة ٢ / ٢٩٦.

٣١٥

المؤمنين عليه الصلاة والسلام معصوماً وأفضل الخلق بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لم يشبهه النّبيّ بالأنبياء السابقينعليهم‌السلام في تلك الصفات الجليلة، لأنه مع عدم العصمة والأفضليّة غير جائز قطعاً.

فثبت دلالة تشبيه الإمامعليه‌السلام بالأنبياء في صفاتهم على العصمة والأفضليّة.

ومن المعلوم أنّه لو جاز حمل تشبيه الإمامعليه‌السلام بالأنبياءعليهم‌السلام على التشبيهات الشعريّة المجازيّة، لجاز تشبيه ابن مسعود بل الأوّل فكيف الثاني والثالث بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا مضائقة ولا توقّف

وإذا كان السبكي يأبى عن تشبيه ابن مسعود بل الأوّل وغيره بالنّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كيف يجرأ ( الدّهلوي ) على أنْ ينسب التشبيه الفارغ المجازي إلى نفس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كلامه الثابت صدوره منه؟!

وأيضاً: يفيد كلام السبكي بطلان دعوى مساواة الثلاثة مع الأنبياء في الصفات، إذ لو كان يساوونهم أو يشابهونهم في تلك الصّفات، لما امتنع السبكي من تشبيه الأول منهم بالنبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وأيضاً: عدم جواز تشبيه الأول بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يوضّح بطلان الأحاديث المزعومة والموضوعة في تشبيه الشيخين بالأنبياء.

وأيضاً: يظهر منه فساد دعوى حمل الشيخين لكمالات الأنبياءعليهم‌السلام .

٣١٦

١٠ - تحريم القاضي وغيره تشبيه بعض أحوال غير النّبي بالنّبي

وحرّم القاضي عياض تشبيه غير النبيّ بالنّبي، بل تشبيه بعض أحوال غير النبيّ بالنبيّ، تحريماً أكيداً، يستوجب الحبس والتعزير، وأقام على ذلك وجوهاً عديدة، واستشهد بشواهد من التأريخ والأثر، ومن أقوال المتقدّمين وأفعالهم، وإليك النصّ الكامل لكلامه في ( الشفا بتعريف حقوق المصطفى )، في الباب الأول، في بيان ما هو في حقّه سبّ أو نقص من تعريض أو نصّ:

« فصل: الوجه الخامس - أنْ لا يقصد نقصاً، ولا يذكر عيباً، ولا سبّاً، ولكنّه ينزع بذكر بعض أوصافه، ويستشهد ببعض أحوالهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الجائزة عليه في الدنيا على طريق ضرب المثل والحجة لنفسه أو لغيره، أو على التشبيه به، أو عند هضيمةٍ نالته، أو غضاضة لحقته، ليس على طريق التأسّي وطريق التحقيق، بل على مقصد الترفيع لنفسه أو لغيره، أو سبيل التمثيل وعدم التوقير لنبيّه ( ص )، أو قصد الهزل والتبذير، بقوله كقول القائل: إن قيل فيَّ السوء فقد قيل في النبيّ. أو: إن كذّبت فقد كذّب الأنبياء. أو: إن أذنبت فقد أذنبوا. أو: أنا أسلم من ألسنة الناس ولم تسلم منهم أنبياء الله ورسله. أو: قد صبرت كما صبر أولوا العزم من الرسل، أو كصبر أيّوب، أو قد صبر نبيّ الله من عداه، وحلم على أكثر ممّا صبرت، وكقول المتنبّي:

أنا في اُمّة تداركها الله

غريب كصالح في ثمود

ونحوه من أشعار المتعجرفين في القول، المتساهلين في الكلام، كقول المعرّي:

كنت موسى وافته بنت شعيب

غير أنّ ليس فيكما من فقير

على أنّ آخر البيت شديد عند تدبّره، وداخل في باب الإزراء والتحقير

٣١٧

بموسىعليه‌السلام ، وتفضيل حال غيره عليه، وكذلك قوله:

لولا انقطاع الوحي بعد محمّد

فلنا محمّد من أبيه بديل

هو مثله في الفضل إلّا أنّه

لم يأته برسالةِ جبريل

فصدر البيت الثاني من هذا الفضل شديد، لتشبيهه غير النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في فضله بالنّبيّ، والعجز محتمل لوجهين، أحدهما: إنّ هذه الفضيلة نقصت الممدوح، والآخر استغناؤه عنها، وهذه أشد، ونحو منه قول الآخر:

وإذا ما رفعت راياته

صفّقت بين جناحي جبرين

وقول الآخر من أهل العصر:

فرّ من الخلد واستجار بنا

فصبَّر الله قلب رضوان

وكقول حسّان المصيصي، من شعراء الأندلس، في محمّد بن عبّاد المعروف بالمعتمد ووزيره أبي بكر بن زيدون:

كأنّ أبابكر أبو بكر الرضا

وحسّان حسّان وأنت محمّد

إلى أمثال هذا.

وإنّما أكثرنا بشاهدها مع استثقالنا حكايتها لتعريف أمثلتها، ولتساهل كثيرٍ من الناس في ولوج هذا الباب الضّنك، واستخفافهم فادح هذا العبء، وقلة علمهم بعظيم ما فيه من الوزر، وكلامهم منه بما ليس لهم به علم( وَيَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ ) لا سيّما الشعراء، وأشدّهم فيه تصريحاً، وللسانه تسريحاً إبن هاني الأندلسي، وابن سليمان المعرّي، بل قد خرج كثير من كلامهما عن هذا إلى حدّ الإستخفاف والنقص وصريح الكفر، وقد اجتنبنا عنه.

وغرضنا الآن الكلام في هذا الفصل الذي سقنا أمثلته، فإنّ هذه كلّها وإن

٣١٨

لم يتضمّن شيئاً، ولا أضافت إلى الملائكة والأنبياء نقصاً، ولست أعني عجزي بيتي المعرّي، ولا قصد قائلها إزراء وغضّا، فما وقّر النبوّة، ولا عظّم الرّسالة، ولا عزّر حرمة الإصطفاء، ولا عَزّر حظوة الكرامة، حتّى شبه من شبّه في كرامة نالها، أو معرة قصد الإنتفاء منها، أو ضرب مثل لتطييب مجلسه، أو إغلاء في وصفه لتحسين كلامه، بمن عظّم الله خطره وشرّف قدره، وألزم توقيره وبرّه، ونهى عن جهر القول له ورفع الصوت عنده.

فحقّ هذا - إنْ درأ عنه القتل - الأدب والسّجن، وقوّة تعزيره بحسب شنعة مقاله، ومقتضى قبح ما نطق به، ومألوف عادته لمثله أو ندوره أو قرينة كلامه أو ندمه على ما سبق منه.

ولم يزل المتقدمون ينكرون مثل هذا ممّن جاء، وقد أنكر الرشيد على أبي نؤاس قوله:

فإن يك يأتي سحر فرعون فيكم

فإنّ عصى موسى بكفّ خصيب

وقال له: يا ابن اللخناء: أنت المستهزئ بعصى موسى، وأمر بإخراجه عن عسكره من ليلته. وذكر اليقتيبي: أنّ ممّا أخذ عليه أيضاً وكفّر فيه أو قارب، قوله في محمّد الأمين، وتشبيهه إيّاه بالنبيّ:

تنازع الأحمدان الشبه فاشتبها

خلقاً وخلقاً كما قدّ الشراكان

وقد أنكروا أيضاً عليه قوله:

كيف لا يدنيك من أمل

من رسول الله من نفره

لأنّ حق الرسول، وموجب تعظيمه وإنافة منزلته، أنْ يضاف إليه ولا يضاف هو لغيره.

فالحكم في أمثال هذا ما بسطناه في طريق الفتيا.

وعلى هذا المنهج جاءت فتيا إمام مذهبنا مالك بن أنسرحمه‌الله

٣١٩

وأصحابه، ففي النوادر من رواية يحيى بن أبي مريم عنه في رجلٍ عيّر رجلاً بالفقر، فقال: تعيّرني بالفقر وقد رعى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الغنم؟ فقال مالك: قد عرّض بذكر النبيّ في غير موضعه، أرى أنْ يؤدّب.

قال: ولا ينبغي لأهل الذنوب إذا عوتبوا أن يقولوا: قد أخطأت الأنبياء قبلنا.

وقال عمر بن عبدالعزيز لرجل: اُنظر لنا كاتباً يكون أبوه عربيّاً. فقال كاتب له: قد كان أبو النبيّ كافراً. فقال: جعلت هذا مثلاً!! فعزله فقال: لا تكتب لي أبداً.

وقد كره سحنون أنْ يصلّى على النبيّ عند التعجب، إلّا على طريق الثواب والإحتساب، توقيراً له وتعظيماً، كما أمرنا الله.

وسئل القابسي عن رجلٍ قال لرجل قبيح الوجه: كأنّه وجه نكير، ولرجل عبوس: كأنّه وجه ملك الغضبان. فقال: أيّ شيء أراد بهذا؟! ونكير أحد فتّاني القبر، وهما ملكان، فما الذي أراد؟! أروعٌ دخل عليه حين رآه من وجهه؟ أم عاف النظر إليه لدمامة خلقه؟ فإن كان هذا فهو شديد، لأنّه جرى مجرى التحقير والتهوين، فهو أشد عقوبةً، وليس فيه تصريح بالسبّ للملك، وإنّما السبّ واقع على المخاطب، وفي الأدب بالسوء والسجن نكال للسفهاء. قال: وأمّا ذكر مالك خازن النار فقد جفا الّذي ذكره عندما أنكر من عبوس الاوخر، إلّا أن يكون المعبّس له يد فيرهب بعبسه، فيشبّهه القائل على طريق الذم لهذا في فعله، ولزومه في صفته صفة مالك الملك المطيع لربّه في فعله، فيقول: كأنّه لله يغضب غضب مالك، فيكون أخف. وما كان ينبغي له التعرض لمثل هذا، ولو كان أثنى على العبوس بعبسه، واحتجّ بصفة مالك كان أشد، ويعاقب العقوبة الشديدة، وليس في هذا ذم للملك، ولو قصد ذمّه لقتل.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449