نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٩

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار0%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 449

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف: الصفحات: 449
المشاهدات: 171351
تحميل: 3894


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 449 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 171351 / تحميل: 3894
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء 19

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وقال أبو الحسن أيضاً في شابٍ معروف بالخير قال لرجلٍ شيئاً، فقال له الرجل: اُسكت فإنّك اُمّي، فقال الشاب: أليس كان النبيّ اُميّاً؟! فشنّع عليه مقالته وكفّره الناس، وأشفق الشاب ممّا قال، وأظهر الندم عليه. فقال أبو الحسن: أمّا إطلاق الكفر عليه فخطأ، لكنّه مخطئ في استشهاده بصفة النبيّ، وكون النبيّ اميّاً آية له، وكون هذا أمياً نقيصة فيه وجهالة، ومن جهالته احتجاجه بصفة النبيّ، لكنّه إذا استغفر وتاب واعترف ولجأ إلى الله، يترك، لأنّ قوله لا ينتهي إلى حدّ القتل، وما طريقة الأدب فطوع فاعله بالندم عليه يوجب الكف عنه »(١) .

فلو لم يكن أمير المؤمنينعليه‌السلام معصوماً، ولم يكن أفضل الخلق بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل كان مثل سائر الصحابة، ومتأخراً عن الثلاثة في الرتبة - ومعاذ الله من جميع ذلك - لما جاز تشبيهه بآدم وغيره من الأنبياء، بل كان ذلك منكراً، واللازم باطل، فالملزوم مثله فظهر من كلمات القاضي عياض وغيره من الأعلام الذين نقل هو كلماتهم دلالة هذا التشبيه على أفضليّة أمير المؤمنينعليه‌السلام وعصمته دلالة صريحة واضحة.

فكان كلام القاضي عياض هادماً لبنيان كلّ شبهةٍ واعتراض، والحمد لله ربّ العالمين.

١١ - التّشبيه يوجب العموم

لقد ذكر علماء الاُصول أنّ التشبيه محمول على العموم في كلّ محلٍ يحتمله، ففي كتاب ( اُصول الفقه ) للبزدوي:

« والأصل في الكلام هو الصريح، وأمّا الكناية ففيها ضرب قصور، من

____________________

(١). الشّفا بتعريف حقوق المصطفى ٢ / ٥٢١ - ٥٢٩.

٣٢١

حيث أنها تقصر عن البيان إلاّبالنية، والبيان بالكلام هو المراد، فظهر هنا التفاوت فيما يدرأ بالشبهات، وصار جنس الكنايات بمنزلة الضرورات، ولهذا قلنا: إنّ حدّ القذف لا يجب إلّابتصريح الزنا، حتّى أنّ من قذف رجلاً بالزنا، فقال له آخر: صدقت، لم يحدّ المصدق، وكذلك إذا قال: لست بزانٍ، يريد التعريض بالمخاطب، لم يحدّ، وكذلك في كلّ تعريض، لما قلنا، بخلاف من قذف رجلاً بالزنا، فقال الآخر: هو كما قلت، حدّ هذا الرجل، وكان بمنزلة الصريح، لما عرف في كتاب الحدود »(١) .

فقال شارحه عبدالعزيز بن أحمد البخاري:

« قوله: وكان بمنزلة الصريح لما عرف. قال شمس الأئمّة في قوله: « هو كما قلت » إنّ كاف التشبيه توجب العموم عندنا في المحلّ الّذي يحتمله، ولهذا قلنا في قول عليرضي‌الله‌عنه : - إنّما أعطيناهم الذمّة وبذلوا الجزية، ليكون أموالهم كأموالنا، ودماؤهم كدمائنا - إنّه مجريّ على العموم فيما يندرء بالشبهات كالحدود، وما ثبت بالشبهات كالأموال، فهذه الكاف أيضاً موجبة العموم، لأنّه حصل في محلٍّ يحتمله، فيكون نسبةً له إلى الزنا قطعاً، بمنزلة الكلام الأوّل على ما هو موجب العام عندنا »(٢) .

وعلى هذا الأساس، يكون تشبيه الإمامعليه‌السلام بهؤلاء الأنبياء في صفاتهم، محمولاً على العموم، وذلك يثبت المساواة بالضرورة.

١٢ - ترتّب أحكام المنزَّل عليه على المنزَّل

وإذا نُزّل شيء منزلة شيء ترتَّبت أحكام المنزَّل عليه على المنزَّل، ولزمت المساواة بينهما، ولهذا الذي ذكرنا موارد كثيرة في الكتب العلميّة، قال

____________________

(١). أصول الفقه.

(٢). كشف الأسرار في شرح اُصول الفقه ٢ / ٣٨٩ - ٣٩١.

٣٢٢

الشيح جمال الدين ابن هشام في بيان وجوه ( إلّا ):

« الثاني: - أنْ تكون صفةً بمنزلة غير، فيوصف بها وبتاليها جمع منكَّر أو شبهه، فمثال الجمع المنكر( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا ) فلا يجوز في إلّا هذه أن تكون للإستثناء من جهة المعنى، إذ التقدير حينئذٍ: لو كان فيهما آلهة ليس فيهما الله لفسدتا، وذلك يقتضي بمفهومه: إنّه لو كان فيهما آلهة فيهم الله لم تفسدا، وليس ذلك المراد، ولا من جهة اللفظ، لأنّ آلهة جمع منكَّر في الإثبات، فلا عموم له، فلا يصحُّ الاستثناء منه، ولو قلت: قام رجال إلّا زيد، لم يصح إتّفاقاً.

وزعم المبرد: إنّ إلّا في هذه الآية للاستثناء، وإنّ ما بعدها بدل، محتجّاً بأنّ لو تدل على الإمتناع، وامتناع الشيء انتفاؤه، وزعم أنّ التفريغ ما بعدها جائز، وأن نحو لو كان معنا إلّا زيد، أجود كلام.

ويردّه: إنّهم لا يقولون: لو جاءني ديّار أكرمته، ولا: لو جاءني من أحدٍ أكرمته، ولو كان بمنزلة النافي لجاز ذلك، كما يجوز: ما فيها ديار وما جاءني من أحد، ولـمّا لم يجز ذلك دلّ على أنّ الصواب قول سيبويه: إن إلّا وما بعدها صفة »(١) .

أقول:

فظهر أنّ كون الشيء بمنزلة الشيء يستلزم المساواة بينهما، ومن المعلوم أنّ قول القائل: « هذا بمنزلة هذا » هو من باب التّشبيه، كما صرّح به أئمّة أهل السنّة في حديث « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى »، و ( الدهلوي ) نفسه معترف بذلك.

____________________

(١). مغني اللبيب ١ / ٧٠.

٣٢٣

فثبت أنّ التشبيه يثبت المساواة، وأنّه تترتب أحكام المشبَّه به للمشبّه بلا كلام، فثبت مساواة أمير المؤمنين مع آدمعليهما‌السلام في العلم، وترتّب أحكام علم آدم لعلم أمير المؤمنين، وكذا في باقي الصّفات المذكورة في الحديث الشريف، وهذا هو المطلوب.

١٣ - مجيء التشبيه للمساواة في القرآن

وفي القرآن الكريم في سورة الأحقاف:( فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ) (١) .

ومن البيّن أنّ المراد من هذا التشبيه هو المساواة بين صبر نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وصبر أولي العزم من الرّسل، لا أن يكون صبره أقلّ من صبرهم، والعياذ بالله.

فالقول بأنّ فهم المساواة من التشبيه من غاية السّفاهة، يكشف عن كيفيّة اعتقاد قائله بالنّسبة إلى كلام الله المجيد.

وإنّ دليل المفسّرين في فهم المساواة من الآية، هو دليلنا على إثبات المساواة من حديث التّشبيه

قال أبو السّعود:( فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ) جواب شرط محذوف، أي إذا كان عاقبة أمر الكفرة ما ذكر، فاصبر على ما يصيبك من جهتهم، كما صبر اُولوا الثبات والحزم من الرسل، فإنّك من جملتهم، بل من عليّتهم، ومن للتبيين، وقيل: للتبعيض، والمراد باُولي العزم أصحاب الشرائع الذين اجتهدوا في تأسيسها وتقريرها، وصبروا على تحمّل مشاقّهم، ومعاداة الطاعنين فيها، ومشاهيرهم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة

____________________

(١). سورة الأحقاف، الآية ٣٥.

٣٢٤

والسلام. وقيل: هم الصابرون على بلاد الله تعالى، كنوح صبر على أذيّة قومه، كانوا يضربونه حتّى يغشى عليه، وإبراهيم صبر على النار، وعلى ذبح ولده، والذبيح على الذبح، ويعقوب على فقد الولد والبصر، ويوسف على الجبّ والسجن، وأيوب على الضرّ، وموسى قال له قومه( إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ) قال:( كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ ) وداود بكى على خطيئته أربعين سنة، وعيسى لم يضع لبنة على لبنةً، صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين »(١) .

الإحتجاج بكلمات ( الدّهلوي ) في مواضع اُخرى

إنّ في الوجوه المذكورة الدالّة على دلالة حديث التّشبيه على المطلوب كفايةً لكلّ منصف جرَّد نفسه للتحقيق عن الحق، والعثور على مقتضى الأدلّة النقليّة والعقليّة ولو أنَّ أولياءَ ( الدّهلوي ) وأتباعه تعصّبوا له وأبوا عن قبول الحق والتّسليم له، فإنّا نحتجّ - في الوجوه الآتية - بكلمات ( الدهلوي ) نفسه، تنبيهاً للغافلين، وإتماماً للحجّة على المعاندين:

١ - قال ( الدهلوي ) في جواب حديث: « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى": « وأيضاً، فإنّ تشبيه الأمير بهارون - وهارون خليفة موسى في غيبته في زمان حياته، أمّا بعد حياته فقد كان خليفة موسى يوشع بن نون كما هو المعلوم - يستلزم أنْ يكون الأمير كذلك خليفة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا غاب في حياته لا بعد وفاته، بل يكون الآخرون خلفائه، كي يتمُّ التشبيه. وحمل كلام الرسول على التشبيه الناقص خلاف الديانة ».

وهذا الوجه أخذ ( الدهلوي ) من ( تفسير الرازي ) لنفي خلافة أمير المؤمنينعليه‌السلام بعد وفاة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا فصل، وقد

____________________

(١). إرشاد العقل السليم = تفسير أبي السعود ٨ / ٩٠.

٣٢٥

جعل ما ذكره مصداق التشبيه الكامل بين أمير المؤمنينعليه‌السلام وهارون.

وعلى ضوء ما ذكره: لنا أن نحمل حديث التشبيه على التشبيه الكامل بين أمير المؤمنينعليه‌السلام والأنبياء، ومن المعلوم أنّ التشبيه الكامل يفيد المساواة بين المشبّه والمشبّه به في جميع الجهات، فهوعليه‌السلام يساوي الأنبياء المذكورين في صفاتهم. وهو المطلوب، وحينئذٍ نقول: حمل ( الدهلوي ) وبعض أسلافه حديث التشبيه على التشبيه الناقص يخالف الدّيانة، وكيف يأمر ( الدهلوي ) بالتشبيه الكامل هناك، وينسى ذلك في هذا المقام؟!

٢ - وقال ( الدهلوي ) في حاشية ما ذكره في جواب حديث: « إنّي تارك فيكم الثقلين »: « قال الملّا يعقوب الملتاني - وهو من علماء أهل السنّة - إنّ في تشبيه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أهل بيته بالسّفينة، وصحابته بالنجوم، إشارة إلى أن الشريعة يجب أن تؤخذ من الصحابة، وأنّ الطريقة يجب أن تؤخذ من أهل البيت، لأنّ الوصول إلى الحقيقة وتحصيل المعرفة يستحيل إلّا باتّباع الطريقة والمحافظة على الشريعة، كما لا يمكن قطع البحار إلّا بركوب السفينة مع الاهتداء بالنجوم، لأنّ ركوب السفينة وإن كان ينجي من الغرق، لكنها لا تصل إلى المقصد إلّا بالإهتداء بالنجوم، كما أن مراعاة النجوم فقط من غير ركوبٍ لا يفيد. وهذه نكتة دقيقة. فليتأمّل فيها ».

أقول:

ولو لم يكن التشبيه دالّاً على المساواة، ما كان في هذه النكتة شيء من الدقّة، بل لم تكن شيئاً يذكر.

إلّا أنّ الشّيعة يفسّرون حديث « أصحابي كالنجوم » بأنّ المراد من « الأصحاب » هم « أهل البيت » كما لا يخفى على من راجع كتاب ( بصائر

٣٢٦

الدرجات ) وكتاب ( معاني الأخبار )، فأهل البيت هم المتَّبعون في الشّريعة قطعاً هذا من جهة.

ومن جهةٍ أخرى: فإنّ حديث « أصحابي كالنّجوم » حديث باطل موضوع، لدى جماعةٍ كبيرة من أئمّة أهل السنّة ومحقّقيهم، كما لا يخفى على من راجع قسم ( حديث الثقلين ) من كتابنا.

٣ - وقال ( الدهلوي ) في حديث قول النبي لأمير المؤمنينعليهما‌السلام « حربك حربي »: بأنّ من حارب أمير المؤمنين عن بغض له وعداء فهو كافر، وأنّ هذا الحديث محمول على المجاز، فكأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: حربك كأنّه حربي، فهو تشبيه، ويكون حربه بمنزلة حرب النبي، ولا يجوز حمل التشبيه في كلامهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على المبالغة والإغراق، أو على التشبيه المحض من قبيل تشبيه التراب والحصى بالمسك والياقوت ».

وعلى هذا، فإنّ تشبيه النبيّ عليّاً بآدمعليهما‌السلام في العلم، معناه إحاطته بجميع ما كان لآدم من علم، وكذا في باقي الأنبياء والصفات، وهذا يدلّ على الأفضلية.

٤ - وبالرغم من أنّ ( الدهلوي ) يسعى ويبالغ في إنكار دلالة هذا الحديث على المساواة مع الأنبياء، فإنّه يحمل ما رووه في شبه أبي بكر وعمر ببعض الأنبياء في بعض الصفات على المساواة، إذ سيأتي قوله: « رابعاً: إنّ تفضيل الأمير على الخلفاء الثلاثة، إنّما يثبت من هذا الحديث فيما إذا لم يكونوا مساوين للأنبياء المذكورين في تلك الصفات أو ما يماثلها، ودون هذا النفي خرط القتاد، بل إذا فحصت كتب أهل السنّة لوجدت أحاديث كثيرة تدلّ على تشبيه الشيخين بالأنبياء، بحيث لم ترد في حقّ أحدٍ من معاصريهما ».

٥ - ثمّ إنّه قال بعد كلامه المذكور: « ولهذا فقد قام الشيخان بوظائف

٣٢٧

الأنبياء، من الجهاد مع الكفّار، وترويج أحكام الشريعة، وإصلاح أمور الرعيّة، على أحسن حال ».

وهذا متفرّع على كون الشيخين حاملين لكمالات الأنبياء، المتفرّع على كون التشبيه بينهما وبينهم تشبيهاً تامّاً.

فتشبيه سيّدنا أمير المؤمنينعليه‌السلام بهم يدلّ على وجود صفاتهم فيه بقدر ما فيهم.

قوله:

والتشبيه كما يكون بأدواته المتعارفة، كالكاف وكأن ومثل، ونحوها، كذلك يكون بهذا الاُسلوب كما تقرّر في علم البيان أنّ من أراد أن ينظر إلى القمر ليلة البدر، فلينظر إلى وجه فلان. فهذا القسم داخل أيضاً في التشبيه.

الحديث يحمل على المساواة لتعذّر العينيّة

أقول:

أين التّصريح بكون هذه الجملة ونحوها من التشبيه؟ إنّا لم نجد ما يؤيّد هذا الدعوى في كتب علم البلاغة، كالمفتاح وشروحه، وتلخيص المفتاح وشروحه، فهي دعوى بلا دليل

بل لقد تقدّم أنّ المتبادر من هذا الكلام وشبهه هو العينيّة، غير أنّها لمـّا كانت متعذّرة في الحديث الشريف، فلا بدّ من حمل الحديث على أقرب المعاني إليها، وهي المساواة والمماثلة التامّة القريبة من العينيّة، فكأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: « من أراد أنْ ينظر إلى آدم في علمه، فلينظر إلى علي، فإنّه مساوٍ له في العلم، أو: فإنّه مثله في العلم. فمع تقدير كلمة: « مثل » ونحوها

٣٢٨

يظهر المعنى الكامل للحديث ويتّضح المراد منه جيّداً قال التفتازاني:

« [ وَ أداته ] أي أداة التّشبيه [ الكاف وكأنّ ] وقد يستعمل عند الظنّ بثبوت الخبر من غير قصدٍ إلى التشبيه، سواء كان الخبر جامداً أو مشتقاً، نحو كأنّ زيداً أخوك، وكأنّه قدم [ ومثل وما في معناه ] ممّا يشتق من المماثلة والمشابهة، وما يؤدّي هذا المعنى [ والأصل في نحو الكاف ] أي في الكاف ونحوها، كلفظة نحو ومثل وشبه، بخلاف كأنّ ويماثل ويشابه [ أنْ يليه المشبَّه به ] لفظاً نحو: زيد كالأسد، أو تقديراً نحو قوله تعالى( أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ ) على تقدير: أو كمثل ذوي صيّب [ وقد يليه ] أي نحو الكاف [ غيره ] أي غير المشبّه به [ نحو( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ ) ] الآية، إذ ليس المراد تشبيه حال الدنيا بالماء، ولا بمفردٍ آخر يتمحّل تقديره، بل المراد تشبيه حالها في بهجتها ونضارتها، وما يتعقّبها من الهلاك والفناء بحالة النبات الحاصل من الماء، يكون أخضر ناضراً، ثمّ ييبس فيطيره الرياح كأن لم يكن، ولا حاجة إلى تقدير كمثل ماء، لأنّ المعتبر هو الكيفيّة الحاصلة من مضمون الكلام المذكور بعد الكاف، واعتبارها مستغن عن هذا التقدير، ومن زعم أنّ التقدير كمثل ماءٍ، وأنّ هنا ممّا يلي الكاف غير المشبّه به، بناءً على أنّه محذوف، فقد سها سهواً بيّناً، لأنّ المشبّه به الذي يلي الكاف قد يكون ملفوظاً، وقد يكون محذوفاً على ما صرّح به في الإيضاح [ وقد يذكر فعل ينبىء عنه ] أي عن التشبيه [ كما علمت زيداً أسداً إن قرب التشبيه ] وادّعى كمال المشابهة، لما في علمت من معنى التحقيق، وحسبت زيداً أسداً [ أن بعد ] التشبيه بأدنى تبعيد، لما في الحسبان من الإشعار بعدم التحقّق والتيقّن، وفي كون مثل هذه الأفعال منبئاً عن التشبيه نوع خفاء، والأظهر أن الفعل ينبئ عن

٣٢٩

حال التشبيه في القرب والبعد »(١) .

وقال التفتازاني أيضاً:

« وقد يذكر فعل ينبئ عنه. أي عن التشبيه، كما في علمت زيداً أسداً، إنّ قرب التشبيه، وأريد أنّه مشابه الأسد مشابهةً قويّةً، لما في علمت من الدلالة على تحقّق التشبيه وتيقّنه، وكما في حسبت وخلت زيداً أسداً إنّ بعد التشبيه أدنى تبعيد، لما في الحسبان من الدلالة على الظن دون التحقيق، ففيه إشعار بأنّ شبهه بالأسد ليس بحيث يتيقّن أنّه هو هو، بل يظنُّ ذلك ويتخيّل. وفي كون هذا الفعل منبئاً عن التشبيه نظر، للقطع بأنّه لا دلالة للعلم والحسبان على ذلك، وإنّما يدلُّ عليه علمنا بأنّ أسداً لا يمكن حمله على زيد تحقيقاً، وأنّه إنّما يكون على تقدير أداة التشبيه، سواء ذكر الفعل أو لم يذكر، كما في قولنا: زيد أسد. ولو قيل: إنّه ينبئ عن حال التشبيه من القرب والبعد لكان أصوب »(٢) .

قلت: فليكن الدلالة على التشبيه أو المساواة في الحديث الشريف بالجملة المقدَّرة كذلك.

وقال التفتازاني:

« [ والغرض منه ] أي من التشبيه [ في الأغلب يعود إلى المشبّه. وهو ] أي الغرض العائد إلى المشبّه [ بيان إمكانه ] يعني بيان أنّ المشبه أمر ممكن الوجود، وذلك في كلّ أمر غريب يمكن أن يخالف فيه ويّدعى امتناعه [ كما في قوله ] أي قول أبي الطيّب:

[ فإنّ تفق الأنام وأنت منهم

فإنّ المسك بعض دم الغزال ]

____________________

(١). المختصر في شرح تلخيص المفتاح: ١٤٣.

(٢). المطول في شرح تلخيص المفتاح: ٣٣٠.

٣٣٠

فإنّه أراد أن يقول: إنّ الممدوح قد فاق الناس، بحيث لم يبق بينه وبينهم مشابهة، بل صار أصلاً برأسه وجنساً بنفسه، وهذا في الظاهر كالممتنع، لاستبعاد أنْ يتناهى بعض آحاد النوع في الفضائل الخاصة بذلك النوع، إلى أن يصير كأنّه ليس منها، فاحتجّ لهذه الدعوى وبَيّن إمكانها، بأنْ شبه حاله بحالة المسك الذي هو من الدماء، ثمّ إنّه لا يعدّ من الدماء، لما فيه من الأوصاف الشريفة التي لايوجد في الدم.

فإن قلت: أين التشبيه في هذا البيت؟

قلت: يدلّ البيت عليه ضمناً، وإن لم يدل عليه صريحاً، لأنّ المعنى:

إن تفق الأنام مع أنّك واحد منهم، فلا استبعاد في ذلك، لأنّ المسك بعض دم الغزال وقد فاقها حتّى لا يعدّ منها، فحالك شبيهة بحال المسك، ويسمّى مثل هذا تشبيهاً ضمنياً، أو تشبيهاً مكنّياً عنه »(١) .

أقول:

فليكن التشبيه في الحديث مقدَّراً كذلك، فيكون معنى الحديث: من أراد أنْ ينظر إلى آدم في علمه، فلينظر إلى علي، فإنّه مساوٍ لآدم في العلم، أو مثله في العلم. وهكذا في باقي الصفات.

قوله:

ومن هنا، أدخلوا في التشبيه الشعر المشهور:

لا تعجبوا من بلى غلالته

قد زرّ أزراره على القمر

____________________

(١). المطول في شرح التلخيص: ٣٣٠ - ٣٣١.

٣٣١

وكذا البيتين من شعر المتنبّي:

نشرت ثلاث ذوائب من خلفها

في ليلةٍ فأرت ليالي أربعا

واستقبلت قمر السماء بوجهها

فأرتني القمرين في وقتٍ معاً

أقول:

أوّلاً: إنّ أسلوب هذه الأبيات يختلف عن أسلوب الحديث، كما هو واضح، ونحن نتكلّم في دلالة هذا الأسلوب أعني: « من أراد أن ينظر إلى كذا، فلينظر إلى فلان » على التشبيه، فلا وجه لاستشهاده بالأبيات المذكورة.

وثانياً: قوله: لا تعجبوا من بلى غلالته إستعارة بحسب الاصطلاح، وليس تشبيهاً، وإن كانت الإستعارة مبنيّةً على التشبيه، لكن كلام ( الدهلوي ) هنا مبنيّ على الفرق بينهما كما يدلّ على ذلك قوله فيما بعد: وإنْ لم يكن تشبيهاً فاستعارة وأصلها التشبيه.

ويدلّ على أنّ الشعر المذكور من الإستعارة لا التشبيه، كلام التفتازاني، وهذا نصّه بطوله:

« واعلم أنّهم اختلفوا في أنّ الإستعارة مجاز لغوي أو عقلي، فالجمهور على أنّه مجاز لغوي، بمعنى أنّها لفظ استعمل في غير ما وضع له، لعلاقة المشابهة، [ ودليل أنّها ] أي الإستعارة [ مجاز لغوي: كونها موضوعة لا للمشبّه ولا للمشبّه به ولا للأعم منهما ] أي من المشبّه والمشبه به، فأسد في قولنا: رأيت أسداً يرمي، موضوع للسبع المخصوص، لا للرجل الشجاع، ولا لمعنى أعم من الرجل والسبع كالحيوان الجري مثلاً، ليكون إطلاقه عليهما حقيقة، كإطلاق الحيوان على الأسد والرجل الشجاع، وهذا معلوم بالنقل عن أئمّة اللغة قطعاً، فإطلاقه على الرجل الشجاع إطلاق على غير ما وضع له، مع قرينة

٣٣٢

مانعة عن إرادة ما وضع له، فيكون مجازاً لغويّاً، وفي هذا الكلام دلالة على أنّ لفظ العامّ إذا أطلق على الخاص لا باعتبار خصوصه، بل باعتبار عمومه، فهو ليس من المجاز في شيء، كما إذا لقيت زيداً فقلت: لقيت رجلاً أو إنساناً أو حيواناً، بل هو حقيقة، إذ لم يستعمل اللفظ إلّا في المعنى الموضوع له.

[ وقيل: إنّها ] أي الإستعارة [ مجاز عقلي، بمعنى أنّ التصرّف في أمر عقلي لا لغوي، لأنّها لما لم تطلق على المشبّه إلّابعد ادّعاء دخوله ] أي دخول المشبّه [ في جنس المشبّه به ] بأنْ جعل الرجل الشجاع فرداً من أفراد الأسد [ كان استعمالها ] أي الإستعارة في المشبّه إستعمالاً [ فيما وضعت له ] وإنّما قلنا إنّها لم تطلق على المشبّه إلّا بعد ادّعاء دخوله في جنس المشبّه به، لأنّها لو لم تكن كذلك لما كانت الإستعارة أبلغ من الحقيقة، إذ لا مبالغة في إطلاق الإسم المجرَّد عارياً عن معناه، ولما صحَّ أنْ يقال لمن قال: رأيت أسداً، وأراد زيداً أنّه جعله أسداً، كما لا يقال لمن سمّى ولده أسداً أنّه جعله أسداً، لأنّ « جعل » إذا كان متعدّياً إلى مفعولين، كان بمعنى « صيّر »، ويفيد إثبات صفة لشيء، حتّى لا يقال: جعله أميراً، إلّا وقد أثبت فيه صفة الإمارة، وإذا كان نقل اسم المشبّه به تابعاً لنقل معناه إليه، بمعنى أنّه أثبت له معنى الأسد الحقيقي ادّعاء، ثمّ أطلق عليه إسم الأسد، كان الأسد مستعملاً فيما وضع له، فلا يكون مجازاً لغوياً بل عقلياً، بمعنى أنّ العقل جعل الرجل الشجاع من جنس الأسد، وجعل ما ليس واقعاً في الواقع واقعاً مجاز عقلي.

[ ولهذا ] أي، ولأنّ إطلاق اسم المشبّه به على المشبّه إنّما يكون بعد ادّعاء دخوله في جنس المشبّه صحّ التعجّب في قوله ( شعر ): قامت تظلّلني أي توقع الظلّ عليّ [ من الشمس نفس أعزّ عليَّ من نفسي ] ومنْ عجب شمس - أي غلام - كالشمس في الحسن والبهاء تظلّلني من الشمس. فلولا أنّه ادّعى

٣٣٣

لذلك الغلام معنى الشمس الحقيقي جعله شمساً على الحقيقة، لما كان لهذا التعجّب معنىً، إذ لا تعجّب في أنْ يظلِّل إنسان حسن الوجه إنساناً آخر ].

[ والنهي عنه ] أي، ولهذا صحَّ النهي عن التعجّب في قوله ( شعر ): [ لا تعجبوا من بلى غلالته ] هي شعار تلبس تحت الثوب وتحت الدّرع أيضاً [ قد زرَّ أزراره على القمر ] تقول: زررت القميص عليه أزرره، إذا شددت أزراره عليه، فلولا أنّه جعله قمراً حقيقياً لما كان للنهي عن التعجّب معنىً، لأنّ الكتّان إنّما يسرع إليه البلى بسبب القمر الحقيقي، لا بملابسة إنسان كالقمر في الحسن.

لا يقال: القمر في البيت ليس بإستعارة، لأنّ المشبه مذكور، وهو الضمير في « غلالته » و « أزراره ».

لأنّا نقول: لا نسلِّم أنّ الذكر على هذا الوجه ينافي الاستعارة، كما في قولنا: سيف زيد في يد أسد، فإنَّ تعريف الإستعارة صادق على ذلك.

[ ورُدّ ] هذا الدليل [ بأنَّ الإدّعاء ] أي ادّعاء دخول المشبّه في جنس المشبّه به [ لا يقتضي كونها ] أي الإستعارة مستعملةً [ فيما وضعت له ]، للعلم الضروري بأنّ أسداً في قولنا: رأيت أسداً يرمي، مستعمل في الرجل الشجاع، والموضوع له هو السبع المخصوص.

وتحقيق ذلك: أنّ ادّعاء دخول المشبّه في جنس المشبّه به، مبني على أنّه جعل أفراد الأسد بطريق التأويل قسمين، أحدهما: المتعارف، وهو الذي له غاية الجرأة في مثل تلك الجثة المخصوصة، والهيكل المخصوص، والثاني: غير المتعارف، وهو الّذي له تلك الجرأة، لكنْ لا في تلك الجثة والهيكل المخصوص، ولفظ الأسد إنّما هو موضوع للمتعارف، فاستعماله في غير المتعارف استعمال له في غير ما وضع له، والقرينة مانعة عن إرادة المعنى

٣٣٤

المتعارف، فيتعيَّن المعنى غير المتعارف. وبهذا يندفع ما يقال: إنّ الإصرار على دعوى الأسديّة للرجل الشجاع، ينافي نصب القرينة المانعة عن إرادة السبع المخصوص.

وأمّا التعجب والنهي عنه كما في البيتين المذكورين، فللبناء على تناسي التشبيه، قضاءً لحق المبالغة، ودلالةً على أنّ المشبّه، بحيث لا يتميّز عن المشبّه أصلاً، حتآى أنّ كلّ ما يترتّب على المشبّة به، من التعجّب والنهي عن التعجّب، يترتّب على المشبه أيضاً، وفي الحاشية المنهيّة على قوله: ينافي الإستعارة الخ وإنّما يكون منافياً إذا كان ذكره على وجهٍ ينبئ عن التشبيه »(١) .

وثالثاً: إنّ إطلاق « القمر » في قوله: « لا تعجبوا الخ » إنّما هو على سبيل الاستعارة، وكذا إطلاق « الليالي » على « الذوائب » واطلاق « القمر » على « وجه المحبوبة » في البيتين، استعارة لا تشبيه. ومن المعلوم: أنّ كون هذه الإطلاقات من قبيل الإستعارة، وعدم كونها من قبيل التشبيه، ليس فيه ضرر بالنسبة إلى غرض ( الدهلوي ) وهو كون الحديث الشريف من قبيل التشبيه، فلا وجه لدعوى ( الدهلوي ) إدخال هذه الإطلاقات في التشبيه، إلّا تخديع العوام كي يتوهّموا ضعف دلالة التشبيه على المساواة، وتنظير الحديث بتلك الأشعار الفارغة عن المعنى الحقيقي.

قوله:

ولو تجاوزنا عن ذلك لكان استعارةً مبناها على التشبيه.

____________________

(١). المطوّل في شرح التلخيص: ٣٦٠ - ٣٦٢.

٣٣٥

إن كان الحديث من الإستعارة فدلالته أبلغ

أقول:

وعلى فرض كون الحديث الشريف من باب الإستعارة، فإنّ دلالته على المساواة تكون آكد وأبلغ، قال التفتازاني:

« فصل - أطبق البلغاء على أنّ المجاز والكناية أبلغ من الحقيقة والتصريح، لأنّ الإنتقال فيهما [ من الملزوم إلى اللازم، فهو كدعوى الشيء ببينة ] فإنّ وجود الملزوم يقتضي وجود اللازم، لامتناع انفكاك الملزوم عن لازمه [ و ] أطبقوا أيضاً على [ أنّ الإستعارة ] التحقيقيّة والتمثيليّة [ أبلغ من التشبيه، لأنّها نوع من المجاز ] وقد علم أنّ المجاز أبلغ من الحقيقة، وليس معنى كون كلٍ من المجاز والكناية أبلغ، أنّ شيئاً منهما يوجب أنْ يحصل في الواقع زيادة في المعنى لا توجد في الحقيقة والتصريح، بل المراد أنّه يفيد زيادة تأكيد للإثبات، ويفهم من الإستعارة أنّ الوصف في المشبّه بالغ حدّ الكمال كما في المشبّه به، وليس بقاصر فيه كما يفهم من التشبيه، والمعنى لا يتغيّر حاله في نفسه، بأنْ يعبّر عنه بعبارةً أبلغ.

وهذا مراد عبدالقاهر بقوله: ليست مزيّة قولنا: رأيت أسداً، على قولنا: رأيت رجلاً هو والأسد سواء في الشجاعة: أنّ الأوّل أفاد زيادة في مساواته الأسد في الشجاعة لم يفدها الثاني، بل الفضيلة هي: أنّ الأوّل أفاد تأكيداً لإثبات تلك المساواة له لم يفده الثاني. والله أعلم »(١) .

فظهر أنّ « التشبيه » و « الإستعارة » كليهما يفيدان المساواة بين المشبّه والمشبّه به، إلّا أنّ في « الإستعارة » زيادة تأكيد لإثبات المساواة، فلها مزيّة

____________________

(١). المختصر في شرح تلخيص المفتاح: ١٨٦.

٣٣٦

على « التشبيه ». وعلى هذا الأساس أيضاً يكون الحديث - بناءً على كونه استعارةً - دالّاً على المساواة، بل هو في هذه الصورة أدلّ وأبلغ من أن يقال: « آدم وعليعليهما‌السلام سواء في العلم » وهكذا في باقي الصفات.

فنفي دلالة الحديث على المساواة - على تقدير كونه من باب الإستعارة - بل تسفيه من فهم المساواة منه، هو في الحقيقة تسفيه للشيخ عبدالقاهر الجرجاني وسائر أئمّة علوم البلاغة ومهرة الفنون الأدبيّة وكأنّ ( الدهلوي ) لا يبالي بما يترتّب على كلماته، وإنّه يحاول نقض استدلالات الإماميّة وإنْ لزم منه تسفيه وتكذيب كبار الأساطين من علماء مذهبه، أو غير ذلك من اللوازم الفاسدة، وليته قد استعار الفهم والعقل من بعض العقلاء فلم ينف دلالة الإستعارة على المساواة!!

وأيضاً، يشترط في الإستعارة وجود أمرٍ يختصُّ بالمشبه به فيقصد إثبات ذلك الأمر للمشبَّه، وعلى هذا الأساس نقول: إذا كان الحديث من قبيل الإستعارة، فقد أثبت فيه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العلم المختص بادمعليه‌السلام لأمير المؤمنين، وهكذا سائر الصفات، وإلاّ لم يكن استعارة، لفقد الشرط، فيبطل جعل ( الدهلوي ) الحديث من قبيل الاستعارة.

أمّا اشتراط الشرط المذكور، فهو صريح أئمّة فن البلاغة، قال التفتازاني:

« فصل - في بيان الإستعارة بالكناية، والإستعارة التخييليّة، لما كانت عند المصنّف أمرين معنويين غير داخلين في تعريف المجاز، أورد لهما فصلاً على حده، ليستوفي المعاني التي يطلق عليها لفظ الإستعارة، فقال: [ قد يضمر التشبيه في النفس ] أي في نفس معنى اللفظ، أو نفس المتكلّم [ فلا يصرّح بشيء من أركانه سوى المشبّه ]. وأمّا وجوب ذكر المشبّه به فإنّما هو في التشبيه المصطلح، وقد عرفت أنّه غير الإستعارة بالكناية، ويدلّ عليه - أي على ذلك

٣٣٧

التشبيه المضمر في النفس - بأن يثبت للمشبّه أمر مختص بالمشبّه به، من غير أن يكون هناك أمر متحقّق حسّاً أو عقلاً، يطلق عليه ذلك الأمر، فيسمّى التشبيه المضمر في النفس استعارة بالكناية، أو مكنّياً عنها، أمّا الكناية فلأنّه لم يصرّح به، بل إنّما دلّ عليه بذكر خواصّه ولوازمه، وأمّا الإستعارة فمجرّد تسمية خالية عن المناسبة، ويسمى إثبات ذلك الأمر المختصّ بالمشبّه للمشبّه استعارة تخييليّة، لأنّه قد استعير للمشبّه ذلك الأمر الذي يختصّ بالمشبّه به، وبه يكون كمال المشبّه به أو قوامه في وجه الشبه، ليخيّل أنّ المشبّه من جنس المشبّه به »(١) .

قوله:

وفهم المساواة بين المشبّه والمشبّه به من كمال السفاهة.

أقول:

هذا الكلام يدلّ على نهاية متانة هذا الرجل وكثرة ديانته!! فقد عرفت وجود استعمال التشبيه في المساواة، في القرآن والحديث واستعمالات العلماء، فكلام الرّجل ردّ في الحقيقة على الكتاب والسنّة والعلماء، وسائر أرباب الفهم وأصحاب البلاغة

إنّ كلّ من يراجع الكتب العلميّة ككتب الصرف والنحو، والمعاني والبيان، والحكمة والمنطق، والفقه وأصوله، يجدها مليئةً بذكر التمثيلات للقواعد الكليّة بأدوات التشبيه، مثل الكاف ونحو ومثل ونحوها، فيقال مثلاً: كلّ فاعل مرفوع، نحو: قام زيد، وكلّ مفعول منصوب، كأكرمت زيداً ولا شك في أنّ المراد من

____________________

(١). المختصر في شرح التلخيص: ١٧٠.

٣٣٨

هذا التشبيه والتمثيل هو المساواة والمطابقة التامّة بين المثال والقاعدة الكليّة.

فبناءً على ما ذكره ( الدهلوي ) يكون جميع أرباب العلوم، والمصنّفون في الفنون المختلفة، حمقى سفهاء، لأنّهم يفهمون من التشبيه المساواة بين المشبّه والمشبّه به!!

وأيضاً، لا ريب في أنّ جميع العقلاء يفهمون من قول القائل: « زيد كعمرو في العلم » المساواة بينهما، فعلى ما ذكره يكون جميع العلماء سفهاء حمقى!!

إعتراف الكابلي بدلالة التشبيه على المساواة

ومن هنا ترى ( الكابلي ) يعترف - على ما هو عليه من التعصّب والعناد - بكون « المساواة » من معاني « التشبيه »، لكنّ ( الدهلوي ) يجعل فهم « المساواة » من « التشبيه » من « كمال السفاهة » وهذا نصٌّ عبارة ( الكابلي ) في جواب حديث التشبيه:

« ولأنّه ورد على سبيل التشبيه، والمشبّه لا يلزم أنْ يساوي المشبّه به، وكثيراً ما يشبَّه الأضعف بالأقوى، والأدنى بالأعلى، فيقال: ترب كالمسك، وحصى كالياقوت، ومن أراد أن ينظر إلى القمر ليلة البدر فلينظر إلى وجه سعدى، ولا يلزم أن يكون لوجه سعدى نور يساوي نور القمر. قال الشاعر:

أرى بارقاً بالأبرق الفرد يومض

ويذهب جلباب الدجى ثمّ يغمض

كأنّ سليمى من أعاليه أشرفت

تمدّ لنا كفّاً خضيباً وتقبض

فإنّه شبّه الكف الخضيب لسليمى بالبارق، وأين هذا من ذاك؟ فلو قيل: من أراد أن ينظر إلى البارق فلينظر إلى الكف الخضيب لسليمى إذا مدّته من أعالي الأكمة وقبضته، فإنّه لا يدل على مساواة كفٍّ خضيبٍ للبارق، وهو من الظهور بمحل.

٣٣٩

وقد يشبّه الأقوى بالأضعف، والأعلى بالأدنى كثيراً، نحو: در كثغر الحبيب. ومنه قوله تعالى:( مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ ) وكما يقال: البارق ككف خضيب عشيقةٍ مدّته من سطح قصرها وقبضته. والشعر يحتمله.

وقد يشبّه أحد المتساويين بالآخر، نحو: زيد في حسنه كعمرو، إذا كانا متساويين في الحسن.

فلا يوجب الخبر مساواته للأنبياء »(١) .

فإنّه ذكر مجيء التشبيه دالّاً على المساواة، واعترف بذلك بصراحةٍ، وإنْ كان قد ذكر هذا المعنى بعنوان « قد » وجعله مذكوراً في نهاية البحث وآخر أقسام التشبيه، ممّا يوحي بتعصّبه ضدّ الحق، كما لا يخفى، لما عرفت من أنّ « المساواة » معنى حقيقي « للتشبيه » للتبادر، وصحّة سلب التشبيه من غير المساوي، وإنّه قد ورد « التشبيه » لـ « المساواة » في الكتاب والسنّة وغيرهما.

وعلى كلّ حال، فإنّ ( الكابلي ) يعترف - ولو في الجملة - بمجيء « التشبيه » للدلالة على « المساواة ».

أمّا ( الدهلوي ) فقد أنكر هذا المعنى ونفاه، بالرغم من أخذه كلّ ما ذكره في هذا الموضع من ( الكابلي ) كسائر المواضع، وكأنّه يعلم أنّ هذا المقدار من الإعتراف بالحق أيضاً ينفع الإماميّة في استدلالهم بالحديث الشريف على ما ذهبوا إليه، فلا يكتفي بإنكاره، بل ينسب من يدعي إفادة « التشبيه » لـ « المساواة »، ومن يفهم « المساواة » من « التشبيه » إلى « كمال السفاهة ».

بل إنّه يجعل فهم « المساواة » من « التشبيه » من « جملة الأوهام » ويقول بأنّ « هذا الوهم يكون من الصّبيان » الصّغار لا من الصبيان المميّزين » جاء ذلك

____________________

(١). الصواقع الموبقة - مخطوط.

٣٤٠