نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء ١٩

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار0%

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 449

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الحسيني الميلاني
تصنيف: الصفحات: 449
المشاهدات: 190886
تحميل: 5471


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 449 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 190886 / تحميل: 5471
الحجم الحجم الحجم
نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء 19

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الناس، فقال في خلال كلامه: من أعرض عن الله بكليّته، أعرض الله عنه جملة، ومن أقبل على الله بقلبه أقبل الله إليه برحمته، وأقبل بجميع وجوه الخلق إليه، ومن كان مرةً ومرةً فالله يرحمه وقتاً مّا. فوقع كلامه على قلبي، وأقبلت على الله، وجميع ما كنت عليه تركت، إلّا خدمة مولاي علي بن موسى الرضا. وذكرت هذا الكلام لمولاي، فقال: يكفيك بهذا موعظة إن اتّعظت به.

أخبرني بهذه الحكاية محمّد بن الحسين، قال: سمعت عبدالرحيم بن علي الحافظ ببغداد، قال: سمعت محمّد بن عمر بن الفضل يقول: سمعت علي بن عيسى يقول: سمعت سري السقطي يقول: سمعت معروفاً يقول ذلك.

( ومعروف كان منقطعاً في الكرخ ).

يعني: ما كان يدخل على الخلق، ولا كان يخرج من الكرخ قط. وهذا دعوى بلا دليل، فهو غير مقبول، مع أنّه باطل في نفسه، لما مضى آنفاً.

( وعلي بن موسى كان المأمون قد جعله ولي العهد بعده ).

لا تعلّق له بالمقصود، فإنّ الإمام عليّاً الرضا كما ذكر أهل السير والعلم بالخبر، جعل ولي العهد بمرو من بلاد خراسان، قبل شهادته نحو سنةً تخميناً، فلا يصلح هذا حجة لعدم لقيه معروف مدّة عمره، وإنّ الّذي عند الصوفية إنّما هو صحبة معروف للرضا قبل آخر عمره، ومعروف قد توفي إلى رحمة الله تعالى قبل قصة الولاية، سنة مائتين على الصحيح، وقيل: إحدى ومائتين.

( وجعل شعاره لباس الخضرة، ثمّ رجع عن ذلك، وأعاد شعار السواد ).

إيراد ذلك لا يمسّ إليه المراد هنالك.

( ومعروف لم يكن ممّن يجتمع بعلي بن موسى ).

تكرار بلا فائدة، وإعادة بلا عائدة.

( ولا نقل عنه ثقة أنّه اجتمع به، أو أخذ شيئاً عنه، بل ولا يعرف أنّه رآه،

٤٠١

ولا كان معروف بوّابه، ولا أسلم على يديه. فهذا كلّه كذب ).

قد مضى بعض تكذيب بعضه، ويأتي تكذيب بعضه، إن شاء الله العلي القوي.

( وأمّا الإسناد الآخر، فيقولون: إنّ معروفاً صحب داود الطائي، وهذا أيضاً لا أصل له، وليس في أخباره المعروفة ما يذكر فيه أخذه عن داود الطائي شيئاً ).

هذا باطل بما مضى في رواية الحديث المسلسل بالتلقيم، بسندٍ جيّدٍ قويم، وقد قال الإمام القشيري في « الرسالة » في باب الصحبة: وكان الاُستاد أبو علي يقول: أخذت هذا الطريق عن النصرآبادي، والنصرآبادي عن الشبلي، والشبلي عن الجنيد، والجنيد عن السرّي، والسرّي عن معروف الكرخي، ومعروف عن داود الطائي.

قلت: الظاهر أنّ كلّ واحد منهم قد تلقّى من صاحبه أنّه تلقّاه من صاحبه، فإنّ كلّ واحد قد لازم صاحبه دهراً، وكلّهم مع كونهم أهل الولاية والهداية، هم أهل الرواية والدراية المحقّقين، لا كالمتصوفين الضعفاء، ولذا اعتمده صاحب مجمع الأحباب، وشرطه معلوم، وفي طبقات شيخ الإسلام والحفاظ الهروي: وكان معروف قد صحب داود الطائي.

فإن قيل: قد ولد الإمام الرضا لإحدى عشرة ليلة خلت من ربيع الأول، سنة ثلاث وخمسين ومائة على الأصح، وقيل: في شوال. وقيل: سنة ست. وقد قال محمّد بن عبدالله بن نمير: مات داود سنة خمس وستّين ومائة، ورجّحه الهروي، وقيل: سنة ستّين ورجّحه ابن حجر، وقيل: إحدى وستّين، وقيل: إثنتين وستّين، وقال أبو داود الطيالسي: مات إسرائيل وداود في أيّام وأنا بالكوفة. وقال أبو نعيم وقعنب بن المحرر: مات إسرائيل سنة ستّين ومائة، وقال

٤٠٢

دبيس وغيره: سنة إحدى وستّين وقيل: اثنتين وستّين، وهو أكثر ما قيل. فعلى هذا: الراجح في متوفى داود سنة ستّين أو إحدى وستّين أو إثنتين وستّين، فيكون سنّ الإمام الرضا إذ ذاك ثمان سنين أو تسعاً أو عشراً، فكيف يتصوَّر أن يكون معروف قد أسلم على يديه، ثمّ أتى داود، واستند إليه.

قلت: ماذا الذي فيه يستبعد؟ فقد علم من رواية إبن الجوزي وغيره: أنّه كان معروف قد ناداه الله تعالى بالإجتباء في الصباء، حتّى كان يردّ قول المؤدب له: أب وابن ثالث ثلاثة، فيقول: بل هو الله الواحد القهار أحد أحد، حتّى هرب إذ ضرب المؤدب، وغاب سنين، فكيف لا يتصوَّر أن يكون باجتباء الله إياه قد علم فراسةً من نور الله: أنّ الإمام الرضا قد آتاه الله تعالى صبيّاً الحكمة والمعرفة، فإنّه شعبة من شجرة الإجتباء والإصطفاء والإرتضاء، وعلم أنّه على يديه يستخرج ويستكمل أمره، وألهم ذلك من الله تعالى، كما ألهم التوحيد قبل ذلك. فأتى الإمام الرضا، وأحكم الإسلام على يديه، ثمّ لمـّا رجع لقى بالكوفة الإمام داود، واستفاد منه أشياء، فلمـّا توفّي الإمام داود إلى رحمة الله تعالى، ومعروف لم يكمل أمره، وسمع نصيحة بعض أصحاب داود، وموعظة ابن السماك، فعاد إلى المولى الرضا، ولازم خدمته، واستفاد منه، إلى أنْ فاز بالمراد والإرشاد والرشاد من الله الهاد.

( وإنّما نقل عنه الأخذ عن بكر بن خنيس العابد الكوفي ).

وفي القشيرية قال معروف الكرخي: قال لي بعض أصحاب داود الطائي: إيّاك أن تترك العمل. ولا يخفى أنّه لا يقتضي أن لا يكون معروف قد روى عن داود مشافهة.

( وفي إسناد الخرقة أيضاً أنّ داود الطائي صحب حبيباً العجمي، وهذا لم يعرف له حقيقة ).

٤٠٣

جهل ابن تيمية به ليس بحجّة، وستأتي في تحقيق الخرقة من مسند الدنيا الحافظ أبي طاهر السلفي، والمحدّث أبي بكر الزراد، وغيرهما من المحقّقين، حقيقة حقّة لهذا، ولسائر ما قد مرّ، ومن ذكر حجة على من لم يذكر، سيّما والّذي لم يذكره لم يتعرّض لنفيه، وقد صحّح هذا كلّه صاحب القرة في الإنتباه، ولم يتكلّم فيها في القرة، من حيث اللقية والصحبة، ولكن أحدث أمر آخر، سنورده مع الردّ بمدد الله الصمد.

( وفيها أنّ حبيباً العجمي صحب الحسن البصري، وهذا صحيح، فإنّ الحسن كان له أصحاب كثيرون، مثل أيوب السختياني، ويونس بن عبيد، وعبدالله بن عون، ومثل محمّد بن واسع، ومالك بن دينار، وحبيب العجمي، وفرقد السنجي وغيرهم من عبّاد أهل البصرة ).

لا حاجة إلى هذه الإطالة.

( وفي الخرقة أنّ الحسن صحب عليّاً. وهذا باطل باتفاق أهل هذه المعرفة. فإنّهم متّفقون على أنّ الحسن لم يجتمع بعليّ، وإنّما أخذ عن أصحاب علي، أخذ عن الأحنف بن قيس، وقيس بن عباد، وغيرهما، عن علي، وهكذا رواه أهل الصحيح، والحسن البصري ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر، وقتل عثمان وهو بالمدينة ).

يقال له هنا: فأين كان علي المرتضى إذن؟ وهل رحل هو أو الحسن مدة خلافة عثمانرضي‌الله‌عنه إلى بلدة؟ فلا بدَّ له من القول بكونهرضي‌الله‌عنه بالمدينة الطيبة، وأنّهما لم يرحلا مدّة خلافة عثمانرضي‌الله‌عنه ، فيسأل: فأيّ مانع كان لهما من الإجتماع؟ فلا جرم أنْ لا منجا له من أنْ يقول بعد كيت وذيت: لا ريبة أنّهما كانا يجتمعان في المسجد كلّ يوم خمس مرّات، إلى آخر ما تحقق فيما سبق. ويا عجبا منه كيف لم يتعرّض ههنا لتحقيق كون علي رضي‌

٤٠٤

الله عنه بأيّة بلدة، وتفحّص عنه فيما إذا رحل الحسن إلى البصرة.

قال: ( كانت أمّه أمةً لأمّ سلمة، فلمـّا قتل عثمان حمل ).

التعبير بالحمل عجيب تزوير. فتأمّل.

( إلى البصرة. وكان علي بالكوفة ).

مرّ رده غير مرّة.

( والحسن في زمنه صبيّ من الصبيان، لا يعرف، ولا له ذكر ).

يأتي ردّه إنْ شاء الله تعالى.

وقال صاحب القرة بعد مقالته المذكورة: وثقات تبع التابعين الذين كانوا بالمدينة، داخلون في هذه المرتبة ألبتة، فعدم عدّ سلاسلهم، والإكتفاء بسلاسل جمعٍ من أهل العراق وخراسان، نوع من الجور.

قلت: يا سبحان الله، هل الجور إثبات ما ثبت عن الأثبات متواتراً متظافراً، أو نفي ذلك وإثبات ما لم يكن شيئاً مذكوراً؟ وكيف يضعون الإسناد لما لم يقع لهم إليه استناد؟

قال: والذي يتبادر أنّ أصل هذا الغلط كان بعض تصريحات أبي طالب المكي، وحيث أنّ كتابه أصل التصوف، كان هذه المسألة من مشهوراتهم الذائعة، وهو وإن كان عمدةً في هذه الطريقة، فله تساهلات كثيرة في علم الحديث، ولا يظهر منه اتّساع وتبحّر في الرواية، حتّى يتكلّم على حال جميع السلاسل.

قلت: قد تقدّم ردّ التكلّم في المكي، مع أنّ هذا ليس من علم الحديث وروايته، بل هو من علم الباطن ورواته، وهو من أهل ذلك الفن، ولا يلزم من عدم التبحر في علم عدمه في علمٍ آخر، على أنّه قد تابع المكي عليه عصريّه الإمام أبو بكر بن أبي إسحاق الكلاباذي البخاري المحدِّث في « التعرّف »، وقد

٤٠٥

قال فيه المشايخ - كما في « فصل الخطاب » - لولا التعرف ما عرف التصوّف.

قال في ذكر رجال الصوفيّة: فممّن نطق بعلومهم، وعبَّر من مواجيدهم، ونشر مقالاتهم، ووصف أحوالهم، قولاً وفعلاً، بعد الصحابة: علي بن الحسين زين العابدين، وابنه محمّد بن علي الباقر، وابنه جعفر بن محمّد الصادق، بعد علي والحسن والحسين، رضي الله عنهم أجمعين. ثمّ قال: وأويس القرني، والحسن بن أبي الحسن البصري - إلى أن قال - ومن أهل خراسان والجبل: أبو يزيد طيفور بن عيسى البسطامي - إلى أن قال -: وممّن نشر علوم الإشارة، كتباً ورسائل، أبو القاسم الجنيد بن محمّد بن الجنيد البغدادي - إلى أن قال - وأبو بكر الشبلي. ثمّ قال: وممّن صنّف في المعاملات: أبو محمّد عبدالله بن محمّد الأنطاكي، وأبو عبدالله أحمد بن عاصم الأنطاكي، والحارث بن أسد المحاسبي، وأبو عبدالله محمّد بن علي الترمذي، وأبو عبدالله محمّد بن الفضل البلخي، وأبو علي الجوزجاني، وأبو القاسم إسحاق بن محمّد الحكيم السمرقندي. ثم قال: فهؤلاء هم الأعلام المذكورون المشهورون، المشهود لهم بالفضل. إلى آخر ما قال، ذكره صاحب « فصل الخطاب ».

ثمّ قال صاحب القرّة: يحرّر الفقير ما قرّر عنده في هذا الباب، وإن كان يشق على بعض أهل العصر، الذين يألفون مشهورات القوم، فإنّ الحق أحق أنْ يتّبع.

كأنّه يريد الإمام المصنّفقدس‌سره الفريد.

قال: سلسلة تهذيب النفس في أهل المدينة مرتقية إلى أئمّة تبع التابعين، وأعظمهم الإمام مالك، وله شيوخ كثيرون، وأكثر انتفاعه بنافع عن ابن عمر، وهو مع إدراكه شرف صحبته وتربيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد صحب والده أيضاً.

٤٠٦

قلت: واهاً لك، ما لمالك والأعظميّة بالمدينة الطيّبة في ذلك، مع وجود إمام المسالك هنالك؟! وهو إمام الأعلام، منبع المعارف والحقائق، جعفر بن محمّد الصادق، وهل الإمام مالك إلّامن خادمي حضرته العليّة، وملازمي عتبته السنيّة، وسلسلته سلسلة الذهب أباً عن جدٍ، إلى المرتضى، وللصادق انتسابٌ إلى أبي بكر الصدّيق أيضاً.

وكأنّ صاحب القرة ليست له خبرة بحال الإمام عبيدالله بن عمر العمري، وقد فضّله يحيى بن سعيد، والإمام أحمد، وعمرو بن علي الفلاس، على مالك في نافع، ثبتاً وحفظاً وإكثاراً لرواية، وأنكروا على ابن مهدي العكس. وكذا قد قدّمه وآثره عليه الزهري، إذ قرأ الكتاب لديه، وقال أبو بكر ابن منجويه: كان من سادات أهل المدينة، وأشراف قريش، فضلاً وعلماً وعبادة وشرفاً وحفظاً وإتقاناً.

ولا بحال الإمام عبدالله بن عبدالعزيز العمري الحافظ الفقيه الصوفي، وقد فضّله السفيانان وعبد الرزاق، في رواية صحيحة عنهم، والطحاوي، وآخرون، على الإمام مالك، ورأوا الحمل عليه حديث [ فالحديث ] ضرب أكباد الإبل. وقد كتب الإمام مالك إليه، إذ كتب هو إلى مالك يحضّه على التفريد، ما نصّه: ما أظنّ ما أنا فيه بدون ما أنت فيه، ونرجو أنْ يكون كلّنا على خير، ويجب على كلّ واحد منّا أن يرضى بما قسمه الله له.

ثمّ الإمام مالك وإنْ مال بعدُ إلى ذلك، ولكن ليس يكون إمامهم، وهؤلاء الأجلّاء فيهم، ولم أعلم ممّن استفاض العمريان!

قال: ( وسلسلة أهل مكة مرتقية إلى أصحاب ابن عباس ).

قلت: لم يقل هنا أنّه مع تشرّفه بصحبته صلّى الله تعالى عليه وآله وسلّم قد صحب المرتضى أيضاً، وتأدّب به، وعليه تخرّج في العلم الظاهر والباطن

٤٠٧

الباهر، كما رواه الأئمّة، كابراً عن كابر، بحيث لا يسع إنكاره المكابر.

قال: ( وسلسلة أهل الكوفة كداود الطائي مرتقية إلى أئمّة تبع التابعين، وأعظمهم سفيان الثوري، عن الأعمش، عن أصحاب عبدالله بن مسعود ).

قلت: يا سبحان الله، إنّما داود من أقران الثوري، وشريكه في شيوخه، وإنّما جلّ أخذه الحديث من التابعين. قال الذهبي في « تذهيب التهذيب » في ترجمته: الفقيه، الزاهد، أحد الأعلام، عن عبدالملك بن عمير، وهشام بن عروة، وإسماعيل بن خالد، وجماعة من طبقتهم. إنتهى.

وإنّما كان بدايته في الترك، من كلمةٍ قالها له الإمام أبو حنيفة من شيوخه في الفقه. ولكن ليس يذكره صاحب القرة، وإنّما استفادته علم الباطن من الإمام الحبيب الراعي، والإمام الحبيب العجمي، على ما رواه أهل هذه المعرفة والمعاملة، واعترف به صاحب القرة في الإنتباه، وكأنّه لم يقرع قط اذنه: إنّ عليّاً كرم الله وجهه سكن الكوفة مدّة، حتّى قضى نحبه، وقد استفاض بها منه جماعات من أرباب الولايات، ككميل، وقد بآء به صاحب القرة في الانتباه، فيكون مرتقى سلسلة أهل الكوفة أيضاً إلى المرتضى.

قال: ( وسلسلة أهل البصرة مرتقية إلى الحسن وابن سيرين ).

قلت: لم يذكر أنّهما عمّن أخذا، فلو لم يكن الحسن أخذ عن المرتضى، فلا شبهة عنده في أخذه عن أصحابه، ككميل بن زياد، وقيس بن عباد، وكذا ابن سيرين.

قال: ( وسلسلة أهل الشام مرتقية إلى أبي الدرداء ).

قلت: لم يذكر من دونه من أهل السلسلة، فإنّ إيجاده مشكل جدّاً، ولا يخفى أنّ سلسلة أهل الشام مرتقية إلى الإمام إبراهيم بن أدهم، ثمّ إلى المرتضى.

٤٠٨

قال: ( وسلسلة أهل اليمن مرتقية إلى طاوس عن ابن عباس ).

قلت: وهو إلى المرتضى. إنتهى.

هذا، وقد أحدث ههنا صاحب القرة شقّاً آخر غير شقّي إبن تيميّة فقال:

وبعد هذا كلّه، لا شبهة أنّ ظاهرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان أحكام الشريعة، والطريقة خفيّة ومستورة، واعتناؤه الكلّي جهاراً وتعليماً وترويجاً وترغيباً وترهيباً، إنّما كان بأحكام الشريعة، والإشارات الضمنيّة إلى الطريقة، وأكثر الآيات والأحاديث بطريق التصريح والتفصيل، يثبت الشريعة، وبعضها بطريق الإيماء والإجمال يثبت الطريقة، ففضل يتعلّق بالأظهر والأصرح، وبما كان به الإعتناء الكلّي يكون فضلاً كليّاً، وغيره وإن كان أنفس وأعلى وأغلى، فضل جزئي. إنتهى ترجمة لفظه.

قلت: سبحان الله، إنّما هذا الإعتناء بالشريعة، لكونها ذريعة إلى الطريقة، حتّى يصل بها من قدر له إلى معرفة الحقيقة، التي هي العلّة الغائية، وإليها نهاية الاُمنيّة، فلها الفضل الكلي دون الذريعة، وإلّا فيلزم أن يكون المقصود الحقيقي الّذي هو وجهه تعالى مفضولاً، وأية كلمة أكبر منها، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.

مع أنّ تفضيلهما عليه في علم الشريعة محلّ المنازعة كما سترى، وهو شريكهما في تعليمها، والغزوات والبعوث كما تخبر به زبر الأثر، نعم لهما سيّما أبي بكر الصدّيق خصوصيّة في إشاعة الإسلام، ونصرتهعليه‌السلام في أوّل الأمر، كما أنّ للمرتضى خصوصيّة في ذلك، في فتح خيبر، إذ أشكل على الكلّ الأمر، وكذا في فتح همدان، وإشاعة أحكام الإسلام في غير واحدٍ من البلدان، باليمن والعراق والآفاق.

ولقد كان بعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في نوبة الخلفاء الثلاثة

٤٠٩

شريكهم في الأمور الجهاديّة، والواقعيّات القضائيّة، كاشف كلّ شبهة، وموضّح كلّ حكم، كما قال الفاروق، ولذا قد أمسكه عنده في نوبته، ولم يولّه شيئاً من البعوث.

وقال ابن حجر في الإصابة في ترجمة المرتضى: ولم يزل بعد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متصدّياً لنشر العلم، فلمـّا قتل عثمان بايعه الناس، ثمّ كان من وقعة الجمل وصفّين والنهروان، والتحريض على قتال البغاة ما كان. إنتهى ملخّصاً.

وقال تاج الإسلام المحدّث الفقيه محمّد بن محمّد بن طاهر بن محمّد بن الحافظ إبراهيم بن حمزة الخدابادي البخاري في أربعينه، بعد ما أسند الحديث الرابع عن المرتضى رفعه: الأنبياء قادة، والفقهاء سادة، ومجالستهم زيادة. الحديث - ما نصّه: راويه صاحب السّوابق الرضيّة، الّذي أفصح عن دقائق التفريد، وأظهر حقائق التوحيد.

وروي عن الإمام الأعظم أبي حنيفة أنّه قال: لولا وقائع عليرضي‌الله‌عنه ، مع البغاة والخوارج وأقضيته وأحكامه معهم، ما كنّا نعرف أحكام أهل البغي والخوارج. إنتهى. وهذا القول مستفيض مشهور، وفي كتب كثيرة مذكور.

قوله ( فهذا كلّه كذب ).

قال الإمام اليافعي في « مرآة الجنان » في ترجمة الإمام معروف الكرخي: من موالي علي بن موسى الرضا، وكان أبواه نصرانيّين، فأسلماه إلى مؤدّب وهو صبيّ، فكان المؤدّب يقول له، قل: ثالث ثلاثة، فيقول معروف: بل هو الله الواحد القهّار، فضربه المعلّم يوماً على ذلك ضرباً مبرحاً، فهرب منه، وكان أبواه يقولان: ليته يرجع إلينا على أيّ دين شاء، فنوافقه عليه.

ثمّ إنّه أسلم على يدي علي بن موسى الرضا، ورجع إلى أبويه، فدقّ

٤١٠

الباب، فقيل له: من بالباب؟ فقال: معروف. فقيل: على أيّ دين؟ فقال: على الإسلام، فأسلم أبواه.

وهذه القصّة قد أوردها كذلك الإمام القشيري، نقلاً عن شيخه الإمام المشتهر في الآفاق، القاري صحيح البخاري وغيره على النقدة، أبي علي الدقاق.

وتبعه ابن خلكان وغيره من أهل الشأن.

وهي تكملة ما في المجمع عن الصفوة لابن الجوزي.

قال عبدالله بن صالح: كان معروف قد ناداه الله بالإجتباء في الصبا. فذكر ابي أنّ أخاه عيسى قال: كنت أنا وأخي معروف في كتّاب النصارى، وكنّا نصارى، وكان المعلّم يعلّم الصبيان: أب وابن، فيصيح أخي معروف ويقول: أحد أحد، فضربه المعلِّم يوماً على ذلك ضرباً شديداً، فهرب على وجهه، فكانت أُمّي تبكي وتقول: لئن ردّ الله تعالى عليَّ ابني، لأتبعنّه على أيّ دينٍ كان، فقدم عليها بعد سنين، فقال له: أي بني على أيّ دين أنت؟ فقال: في دين الإسلام. فقالت: أشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله. قال: فأسلمت وأسلمنا كلّنا. إنتهى.

وقال العلّامة ابن حجر المكي المحدّث في « الصواعق المحرقة » في ترجمة الإمام علي الرضارضي‌الله‌عنه : ومن مواليه معروف الكرخي، اُستاد السرّي السقطي، لأنّه أسلم على يديه.

وقال عصّريه: شيخ مشايخنا في الحديث، الإمام عبدالوهاب الشعراني في « طبقاته » في ترجمة معروف: وهو من موالي علي بن موسى الرضارضي‌الله‌عنه ، صحب داود الطائيرضي‌الله‌عنه إنتهى.

وهكذا ذكر الحرالي والمناوي أنّه أخذ عن مولاه الإمام الرضا.

٤١١

ولا يخفى أنّ اليافعي والمكي كليهما من الطبقة المتأخّرة عن ابن تيميّة، وإنّما وجه استناد الاُستاذ بهما مع عدم حضور الكتب للقدماء لديه: إنّهما لما جزما بما عند الأئمّة المتقدمة، دون ما ذكره ابن تيميّة، مع عثورهم عليه، دلّ ذلك على أنّ الأوّل هو المعوّل، وأنّ هنا ممّا لا يلتفت إليه.

وأمّا ما وقع في « طبقات » شيخ الإسلام من: أنّ أبا معروف هو مولى الإمام الرضا، وبوّابه، وأنّه أسلم على يديه، وأنّ الإمام اطّلع يوماً على الناس، فازدحموا، فوقع أبو معروف تحت أرجلهم فهلك. فغير مشهور عند الجمهور، ولكنّه لا مانع منه أيضاً. والله أعلم.

ثمّ المعنّي بالمولى هنا، ليس مولى العتق، بل مولى الإسلام، كما يفهم من حديث الطبراني وابن عدي والدارقطني والبيهقي وغيرهم، عن أبي اُمامة: من أسلم على يديه رجل فله ولاء. وفي رواية البخاري في تاريخه وأبي داود والطحاوي عن تميم الداري: هو أولى الناس بمحياه ومماته، وفي لفظٍ: بحياته ومماته، سواء اُريد بالولاء ولاء الإرث أو ولاء الموالاة، فلا منافاة، وهو كقول ابن حبان في كتاب الثقات في الراهب النصراني الّذي تشرف بإكرام رأس الإمام الحسين الشهيد، فرأى منه كرامة: فأسلم النصراني وصار مولىً للحسين رضي الله تعالى عنه.

قوله: ( وهذا باطل باتفاق أهل هذه المعرفة، فإنّهم متّفقون على أنّ الحسن لم يجتمع بعلي ).

ويلوح رضا صاحب القرة بهذا مرّةً دون مرة.

سبحان الله، هذا بهتان عظيم، فقد تقدّم عن إمامي هذه المعرفة علي بن المديني شيخ البخاري وأبي زرعة الرازي شيخ مسلم، أنّهما قالا: إنّه رآه بالمدينة الطيّبة، مع رواية البخاري القوية، ورواية أبي يعلى الموصلي الصحيحة

٤١٢

الصريحة في سماعه منهرضي‌الله‌عنه ، ورواية الحافظ أبي نعيم الذي هو مستند ابن تيميّة ومعتمده عن الحسن ما هو صريح في كثرة سماعه منهرضي‌الله‌عنه .

وغير ذلك كلام الإمام الضياء في « المختارة » في ترجيح إثبات سماعه منه، وتجريح نفيها، وتصحيح حديثه عنه لذلك، وإيراده هنالك، وقد قال الحافظ الشامي في « سبل الهدى والرشاد » في الردّ على ابن تيميّة إنكاره المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وخصوصاً مؤاخاة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لعلي المرتضى، وذكر رواية الضياء ذلك، ما نصّه: وابن تيميّة يصرّح بأنّ الأحاديث المختارة أصح وأقوى من أحاديث المستدرك.

ولو تحلّى ابن تيميّة بالإنصاف، وتخلّى من التعصّب والإعتساف، لنقل اتفاق أئمّة حفاظ الآفاق، على خلاف ما جعل عليه الوفاق.

وإنّما قوله هذا كردّه الأحاديث المسندة، الموجودة في الكتب المعتمدة المشهورة، ونسبة الوضع والكذب إليها، كما قال في هذا الكتاب أيضاً: إنّ حديث الموالاة قد رواه الترمذي، وأحمد في مسنده، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: من كنت مولاه فعلي مولاه. وأمّا الزيادة وهي قوله: اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه، إلى آخره، فلا ريب أنّه كذب. ونقل الأثرم في سننه عن الإمام أحمد: إنّ العباس سأله عن حسين الأشقر، وأنّه حدّث بحديثين، فذكر أحدهما قال: والآخر اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه. فأنكر أبو عبدالله جدّاً ولم يشك في أنّ هذين الحديثين كذب. إنتهى.

وقد رواه الإمام أحمد في مسنده، مع شرطه فيه، وهو عدم ذكر الموضوع، والمنكر، بل والشديد الضعف على رأيه، وقد قدمنا تحقيقه في المقدمة، فتذكر وتنبّه. وقد اعترف به صاحب القرة، فقال في « الحجة » في الطبقة الثانية من طبقات كتب السنّة: وكاد مسند أحمد يكون من جملة الطّبقة،

٤١٣

فإنّ الإمام أحمد جعله أصلاً، يعرف به الصحيح والسقيم. قال: ما ليس فيه فلا تقبلوه.

وابنه عبدالله، وغيرهما، بطرق اُخر كثيرة، صحيحة، ليس فيها الأشقر.

قلت: هو - وإنْ قال البخاري، فيه نظر. وقال: عنده مناكير. وقال أبو زرعة: منكر الحديث. وقال العقيلي: شيعي متروك الحديث. وقال أبو حاتم والنسائي والدارقطني: ليس بالقوي. وقال ابن عدي: جماعة من الضعفاء يحيلون بالروايات عليه، على أنّ في حديثه بعض ما فيه. وقال في خبرٍ - على ما في « تنزيه الشريعة » عن « الميزان » -: والبلاء عندي فيه من الأشقر.

لكن في « لسان الميزان » أنّ ابن عدي ذكر في ترجمته حديثاً عن محمّد ابن علي بن خلف العطّار عنه وقال: هو منكر الحديث، والبلاء فيه عندي منه لا من الحسين. إنتهى. وروى الخطيب في « الكفاية » عن إبراهيم بن عبدالله بن الجنيد الختلي قال: سمعت يحيى بن معين ذكر حسيناً الأشقر، فقال: كان من الشيعة المغلية الكبار، فقلت: وكيف حديثه؟ قال: لا بأس به. قلت: صدوق؟ قال: نعم، كتبت عنه، عن أبي كدينة، ويعقوب العمي، وقد احتجّ به النسائي، ووثّقه ابن حبان، وصحّح له الحاكم في المستدرك، وروى عنه الإمام أحمد في المسند، وهو لم يكن يروي إلّا عن ثقة. وقد صرّح ابن تيميّة بذلك في الكتاب الّذي صنّفه في الردّ على البكري. قال: إنّ القائلين بالجرح والتعديل من علماء الحديث نوعان، منهم من لم يرو إلّا عن ثقة عنده، كمالك وشعبة ويحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل. وقد كفانا ابن تيميّة بهذا الكلام مؤنة إثباته. وحينئذٍ لا يبقى له مطعن فيه. فما نقله الأثرم هو القيل المقدم، وقد ظهر للعبد بعد تتبّع تام: أنّ معظم حكايات الأثرم عن أحمد من هذا مرجوع عنها. وممّا عليه يدلّ مسنده الّذي هو معتمده عند الكلّ. والله أعلم.

٤١٤

وكذا روى عن الأشقر، الكديمي، ومحمّد بن المثنى الزمن، وأحمد بن عبدة، وعبدالرحمن بن محمّد بن منصور الحارثي، وعدّة أئمّة. فكلام الأوّلين والآخرين راجع إلى شيعيّته، لا روايته، فقد كذب من كذّبه. وامّا قول الجوزجاني: غال من الشاتمين للخيرة. فظنّ غير مقبول، مخالف لقول الأئمّة. وكذا جلّ جرحه لأهل الكوفة، لشدّة نصبه، وانحرافه. وبمعناه اتّهام أبي معمر الهذلي إيّاه بالكذب».

أقول:

فبطلت خرافات ابن تيميّة ومن تبعه كصاحب قرّة العينين، وهو والد مخاطبنا ( الدهلوي )، من كلام ولده، ومن كلمات المولوي حسن زمان، المتقدم شطر وافر منها.

قوله:

وتتشعب منه كتشعّب الجداول من البحر العظيم.

أقول:

قد شبّه ( الدهلوي ) انشعاب السلاسل من أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى الشعب المختلفة، بإنشعاب الجداول من البحر العظيم، وأنّ هذا التشبيه يدلّ على جلالة هذا الشأن، وعظمة هذا المقام، الّذي خصّه بهعليه‌السلام دون الشيخين، خلافاً لوالده صاحب قرّة العينين، وغيره من النواصب، وأنّ في هذه الفضيلة كفاية للشيعة الإماميّة، في إثبات أفضليّة الإمام أمير المؤمنين عليه الصلاة، ودفع وساوس المخالفين، وسائر تسويلات ( الدهلوي ) وأسلافه من المتعصّبين.

٤١٥

دعوى إنتهاء سلاسل الفقهاء إلى الشيخين

قوله:

كما تصل سلاسل الفقهاء والمجتهدين في الشريعة بالشيخين ونوّابهما كعبدالله بن مسعود

أقول:

دعوى إنتهاء سلاسل الفقهاء إلى من ذكر، دون سيّدنا الأمير عليه الصّلاة والسلام لا شاهد عليها ولا برهان.

وأيضاً: تقتضي هذه الدعوى إنحراف جميع الفقهاء والمجتهدين عن أهل بيت الوحي والنبوّة، مع أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول في الحديث الصحيح المتّفق عليه، بل المتواتر بين الفريقين: « إنّي تارك فيكم الثقلين، ما إنْ تمسّكتم بهما لنْ تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله وعترتي أهل بيتي »(١) .

فهوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأمر الاُمّة بالتمسّك بالكتاب والعترة، ويرشد إلى أنّ كلّ ما خالفهما من الأحكام والاُمور، بل كلّ ما لم يكن منهما ولم يؤخذ عنهما فهو باطل، وأنّ تركهما والإعراض عنهما ضلال وخسران

هذا معنى حديث الثقلين، وهكذا فسّره ( الدهلوي ) حيث ذكره في مواضع من كتابه ( التحفة )، وربّما ادّعى أنّ المتمسّك بالكتاب والعترة، هم أهل السنّة فحسب

لكنّ أهل السنّة، ومنهم ( الدهلوي ) يخالفون هذا الأمر النّبوي، ويناقضون

____________________

(١). راجع الأجزاء: ١ - ٣ من كتابنا.

٤١٦

أنفسهم عندما يُلزمون بما يقولون ويعترفون به، فإذا ذكر ما يدلّ على أفضليّة الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، المستلزمة لإمامته بلا فصل بعد الرسول يلتجؤن إلى القول بأنّ الشيوخ الثلاثة أعلم من الأئمّة المعصومين، وأن إليهم تنتهي سلاسل الفقهاء والمجتهدين، فيتمسكون بهم ويتركون العترة الذين أمروا بالتمسّك بها مع القرآن، وإذا أُلزموا بالبراهين القاهرة والحجج الساطعة على وجوب اتّباع العترة، والإستمساك بعروة أهل البيت الوثيقة قالوا: نحن المتمسكون بهم، بل الشيوخ الثلاثة أيضاً من المتمسكين بهم، وكأنهم لا يعلمون ولا يشعرون: أين التمسك والاقتداء، وأين الاتباع والاقتفاء، من التامر بالاعتداء، والتقدم والتحكم والإعتلاء!! والله الموفق إلى طريق السواء، والعاصم من الزلل الهراء، وخطل المراء.

قال نصر الله الكابلي في ( الصواقع ) بجواب حديث الثقلين: « وكذلك حديث: مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، من تمسّك بها نجا، ومن تخلّف عنها هلك » لا يدلّ على هذا المدّعى، ولا شك أنّ الفلاح منوط بولائهم وهديهم، والهلاك بالتخلّف عنهم، ومن ثمة كان الخلفاء والصحابة يرجعون إلى أفضلهم فيما أشكل عليهم من المسائل. وذلك لأنّ ولائهم واجب، وهداهم هدى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. إنتهى.

فاعترف - وهو بصدد الجواب عن حديثٍ من فضائل أهل البيت - برجوع الخلفاء والصحابة إلى أفضلهم فيما أشكل عليهم من المسائل، وهل يجتمع هذا مع القول بانتهاء سلاسل الفقهاء إلى الخلفاء؟!

ألا يدلّ هذا على أعلميّة الإمامعليه‌السلام من أولئك؟!

وأيضاً: إذا كان « هداهم هدى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » فهم إذاً الورّاث لكمالاته، وحالاته، وأوصافه، فيكون هذا الكلام ردّاً على ( الدهلوي ) المنكر

٤١٧

لوجود كمالات النبوّة في عليعليه‌السلام .

فقد ثبت بطلان كلام ( الدهلوي ) من كلام سلفه ( الكابلي ).

دعوى أنّ الإمامة الباقية في أولاد علي هي القطبيّة

قوله:

وكان معنى الإمامة التي بقيت في أولاد الإمام

أقول:

الغرض من هذا نفي الخلافة والوصاية بالمعنى المصطلح بين العلماء، عن أهل البيت الطاهرينعليهم‌السلام ، لكنّه تحريف للكلم عن مواضعه، وحمل الكلام على ما لا يرضى به صاحبه، فبأيّ دليلٍ أو قرينة يدّعي إنصراف « الإمامة » عن معناها المصطلح، إلى معنى « القطبيّة » غير المبحوث عنها في علم الكلام والإمامة؟!

وقد ادّعى هذا بعض أهل السنّة بالنسبة إلى حديث الغدير، فاعترف بدلالته على الإمامة، لكنّه حملها على الإمامة المصطلحة عند أهل التصوّف والعرفان، وقد أبطلنا هذا المحمل هناك بوجوهٍ عديدةٍ، فراجع.

هذا، وقد ذكر ( الدهلوي ) في الباب الحادي عشر من كتابه ( التحفة ) ما تعريبه:

« التعصّب الثّالث عشر: قولهم - يعني الشيعة - إنّ أهل السنّة يبالغون في بغض علي وذريّته الطاهرة. ذكره ابن شهرآشوب، ولهذا السّبب يلقّبون أهل السنّة بالنواصب، مع أنّ الشّيعة ينقلون في كتبهم عن كتب أهل السنّة - ولا سيّما البيهقي وأبي الشيخ والديلمي - أنّه قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: « لا

٤١٨

يؤمن أحد حتّى أكون أحب إليه من نفسه ويكون عترتي أحب إليه من نفسه. وعن ابن عباس قال قال رسول الله: أحبّوا الله لما يغذوكم من نعمه وأحبّوني لحبّ الله، وأحبّوا أهل بيتي لحبّي. إلى غير ذلك

وقد اشتهر عن سعيد بن المسيّب أنّه كان عنده رجل من قريش، فأتاه علي بن الحسين، فقال له الرجل القرشي: يا أبا عبدالله من هذا؟ قال سعيد: هذا الّذي لا يسع مسلماً أنْ يجهله، هو علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين ».

فلو كانت إمامة سيّدنا علي بن الحسينعليه‌السلام بمعنى « القطبيّة » كما زعم ( الدهلوي ) تبعاً لبعض المتعسّفين - لم تجب معرفته، حتّى يقول سعيد بن المسيّب فيما اشتهر عنه، « هذا الذي لا يسع مسلماً أنْ يجهله ».

فالحمد لله على ظهور بطلان دعوى ( الدهلوي ) ممّا استشهد به هو، وأودعه كتابه ( التحفة).

قوله:

ولهذا لم يرو إلزام هذا الأمر من الأئمّة الأطهار على كافة الخلائق.

أقول:

كأنّه يحتاط، فلا ينفي ذلك على البت والقطع، بل يقول: « لم يرو عنهم »!! فإنْ أراد من هذا النفي والإنكار إلزام الشّيعة، فبطلانه في غاية الظّهور والوضوح، وإنْ أراد أنّه لم يرو ذلك في كتب أهل السنّة، فمن الواضح أيضاً أن لا يروي أهل السنّة مثل هذا الخبر ولكن - مع ذلك - لا تخلو كتبهم من بعض الروايات الدالة على مطالبة أهل البيتعليهم‌السلام بحقّهم، وإثباتهم وجوب

٤١٩

الاتباع والإطاعة على كافة الخلائق.

ويكفينا في هذا الصّدد ما رواه ( الدهلوي ) نفسه في ( فتاواه )(١) ، إذ سئل عمّا رواه الشيخ الكليني من علماء الشيعة في كتابه ( الكافي ) في مطالبة الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام فدكاً من المهدي العباسي، فأجاب: « إنّ أصل القصّة مرويّ في كتب أهل السنّة، وهو: أنّه قال المهدي العباسي للإمام موسى الكاظم يوماً - من باب المطايبة -: إنّ كلّ ما تدّعونه علينا هو فدك، فهلمّوا أردّ عليكم فدكاً. فقال: حدّ الأوّل سمرقند، والحدّ الثاني: أفريقا، والثالث: ساحل بحر الملح من عدن حتّى أقصى اليمن. وكان غرضه أنّا ندّعي عليكم الخلافة، لا فدكاً فقط » انتهى بقدر الحاجة.

قوله:

بل جعلوا بعض أصحابهم الممتازين

أقول:

قد عرف ( الدهلوي ) أنّ تحريف الإمامة عن موضعها، وجعلها في حقّ أهل البيت بمعنى القطبيّة، ينافي الواقع والحقيقة، ومن جهةٍ اُخرى يرى أمامه الأحاديث الكثيرة التي تنصّ على وجوب معرفة الأئمّةعليهم‌السلام ، فاستدرك ما تفوّه به سابقاً بقوله: إنّ الأئمّة قد قصروا إمامتهم على أصحابهم المختصين بهم، المخلصين لهم، ولم يدعوا إليها سائر الناس، إلّا أنّ هذه الدعوى أيضاً باطلة، فمن تتبّع الكتب والأسفار، وتفحّص إفادات المحقّقين

____________________

(١). أصل الفتوى موجود لدى المولوي عبدالحي خلف المولوي عبدالحليم سهالي اللكهنوي، ومنها نسخة بخط بعض الفضلاء من أهل السنّة في مكتبة السيّد صاحب العبقات.

٤٢٠