تذكرة الفقهاء الجزء ١٥

تذكرة الفقهاء11%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-436-1
الصفحات: 501

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 501 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 182593 / تحميل: 5901
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٥

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٦-١
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

صاحبُ الدَّيْن بكذا ، فصدّقه وقلنا : إذا صدّق مدّعي الوكالة فلا يلزمه الدفع إليه ، فالأقرب : إنّه يلزمه الدفع إليه ؛ لأنّه يقول : الحقّ لك وأنّه لا حقّ لغيرك علَيَّ ، فصار كالوارث ، وهو أحد قولَي الشافعيّة.

والثاني : لا يلزمه الدفع إليه ؛ لأنّه دَفْعٌ غير مبرئ ، فلا يأمن أن يجحد المحيل الحوالةَ فيحلف ، ويستحقّ الرجوع عليه ، كما قلنا في الوكالة قد ينكر الموكّل الوكالةَ.

ويفارق الميراث ؛ لأنّه آمن من ذلك ، لأنّه إذا لم يكن وارث غيره فقد أمن الغرامة.

ويبنى على الوجهين أنّه لو كذّبه ولم تكن بيّنة هل له تحليفه؟ إن ألزمناه الدفع إليه فله تحليفه ، وإلّا فكما سبق(١) .

مسألة ٧٩٩ : لو قال : مات زيد وله عندي كذا وهذا وصيّه ، فهو كما لو قال : هذا وارثه‌. ولو قال : مات وقد أوصى به لهذا الرجل ، فهو كما لو أقرّ بالحوالة.

وإذا أوجبنا الدفع إلى الوارث والوصي أو لم نوجب فدفع ثمّ بانَ أنّ المالك حيّ وغرم الدافع ، فله الرجوع على المدفوع إليه ، بخلاف صورة الوكالة ؛ لأنّه صدّقه على الوكالة ، وإنكار صاحب الحقّ لا يرفع تصديقه ، فصدق الوكيل لاحتمال أنّه وكّل ثمّ جحد ، وهنا بخلافه ، والحوالة في ذلك كالوكالة.

مسألة ٨٠٠ : إذا ادّعى على إنسان أنّه دفع إليه متاعاً ليبيعه ويقبض ثمنه وطالَبه بردّه‌ ، أو قال : بعتَه وقبضتَ ثمنه فسلِّمه إلَيَّ ، فأنكر المدّعى عليه ، فأقام المدّعي بيّنةً على أنّه ما أدّاه ، فادّعى المدّعى عليه أنّه كان قد تلف أو ردّه ، فيُنظر في صيغة جحوده.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٣ ، بحر المذهب ٨ : ٢٠٦ ، البيان ٦ : ٤٠٦ - ٤٠٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٠ - ٢٧١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٧١.

٢٠١

فإن قال : « ما لك ع ندي شي‌ء » أو « لا يلزمني تسليم شي‌ء إليك » قُبِل قوله في الردّ والتلف ؛ لأنّه إذا كان قد تلف أو ردّه ، كان صادقاً في إنكاره ، ولم يكن بين كلاميه تناقضٌ. وإن أقام عليه بيّنةً سُمعت بيّنته.

وإن كانت صيغة جحوده : « أنّك ما وكّلتني » أو « ما دفعتَ إلَيَّ شيئاً » أو « ما قبضت الثمن » نُظر إن ادّعى التلفَ أو الردَّ قبل أن يجحد ، لم يُصدَّقْ ؛ لأنّه مناقض للقول الأوّل ، ولزمه الضمان.

وإن أقام بيّنةً على ما ادّعاه ، فوجهان للشافعيّة :

أوّلهما عندهم : إنّها تُسمع ؛ لأنّه لو صدّقه المدّعي لسقط الضمان عنه ، فكذلك إذا قامت الحجّة عليه. وأيضاً فلما يأتي في الوديعة.

والثاني - وهو الأظهر عند الجويني - : أنّها لا تُسمع ؛ لأنّه بجحوده الأوّل كذّب هذه البيّنةَ ، ولأنّه لا تُسمع دعواه ، وكلّ بيّنةٍ تقام فإنّ قيامها يستدعي دعوى مَنْ يقيمها ، فإذا فسدت الدعوى استقلّت البيّنة ، وهي غير مسموعةٍ من غير دعوى.

لكن عدم سماع الدعوى ليس متّفقاً عليه ، ومَنْ يسمع البيّنة يسمع الدعوى لا محالة ، فإذَنْ الخلاف في سماع البيّنة يجري في سماع الدعوى ، بل يجوز أن تكون الدعوى مسموعةً جزماً ، مع الخلاف في سماع البيّنة ؛ إذ الدعوى قد تُسمع بمجرّد تحليف الخصم(١) .

وإن ادّعى الردَّ بعد الجحود ، لم يُصدَّقْ ؛ لصيرورته خائناً.

لكن لو أقام بيّنةً ، فالمشهور عند الشافعيّة في هذا الباب أنّها تُسمع ؛ لأنّ غايته أن يكون كالغاصب في ابتداء الأمر ، ومعلومٌ أنّه لو أقام بيّنةً على‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧١ - ٢٧٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٧٢.

٢٠٢

الردّ تُسمع (١) .

ور أى الجويني أن يكون سماع بيّنته على الوجهين السابقين ؛ لتناقض دعوى الردّ والجحود(٢) .

وإن ادّعى التلف بعد الجحود ، صُدّق بيمينه لتنقطع عنه المطالبة بردّ العين ، ولكن يلزمه الضمان ؛ لخيانته ، كما لو ادّعى الغاصب التلفَ.

مسألة ٨٠١ : قد بيّنّا أنّه يجب على الوكيل رعاية تنصيص الموكّل واتّباع أمره والعدول عن مخالفته‌ ، فإذا قال له : بِعْ هذا ثمّ هذا ، وجب عليه الامتثال في الترتيب.

ولو جَعَل للوكيل بالبيع جُعْلاً فباع ، استحقّه ؛ لأنّه فَعَل ما أمره به وإن تلف الثمن في يده ؛ لأنّ استحقاقه بالعمل وقد عمل.

فإذا ادّعى خيانةً عليه ، لم تُسمع حتى يبيّن القدر الذي خان به بأن يقول : بعتَ بعشرةٍ وما دفعتَ إلَيَّ إلّا خمسةً.

وإذا وكّل بقبض دَيْنٍ أو استرداد وديعةٍ ، فقال المديون والمودع : دفعتُ ، وصدّقه الموكّل وأنكر الوكيل ، غرم الدافع بترك الإشهاد - وهو أحد وجهي الشافعيّة(٣) - كما لو ترك الوكيل بقضاء الدَّيْن الإشهادَ.

وإذا قال شخص : أنا وكيل في بيعٍ أو نكاحٍ ، وصدّقه مَنْ يعامله ، صحّ العقد. فلو قال الوكيل بعد العقد : لم أكن مأذوناً فيه ، لم يلتفت إلى قوله ، ولم يُحكم ببطلان العقد ، وكذا لو صدّقه المشتري بحقّ مَنْ توكّل عنه ، إلّا أن يقيم المشتري بيّنةً على إقراره بأنّه لم يكن مأذوناً من جهته في ذلك التصرّف.

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٧٢.

٢٠٣

الفصل الخامس : في ا للواحق‌

مسألة ٨٠٢ : إذا ولّى الإمام رجلاً القضاء في ناحيةٍ ، فإن أذن له في الاستنابة ، جاز له ذلك.

وإن لم يأذن له ، نُظر فإن كان المتولّي يمكنه النظر بنفسه ، لم يجز له الاستنابة.

وإن كان العمل كثيراً لا يمكنه النظر فيه بنفسه ، جازت له الاستنابة ؛ عملاً بقرينة الحال وظاهر الأمر.

وإذا جازت له ، فهل تجوز في جميع العمل ، أو فيما يتعذّر عليه أن يتولّاه؟ الأقوى : الأوّل.

وللشافعيّة فيه وجهان(١) .

والحكم في ذلك كما تقدّم(٢) في الوكالة.

مسألة ٨٠٣ : إذا ادّعى الوكيل الردَّ إلى الموكّل ، فالأقوى أنّه يفتقر إلى البيّنة.

وقسّم الشافعيّة الأُمناءَ في ذلك على ثلاثة أضرُبٍ :

منهم مَنْ يُقبل قوله في الردّ مع يمينه ، وهُم المودعون والوكلاء بغير جُعْلٍ.

ومنهم مَنْ لا يُقبل قوله في الردّ إلّا ببيّنةٍ ، وهُم المرتهن والمستأجر.

____________________

(١) الحاوي الكبير ١٦ : ٣٣١ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٩٣ ، حلية العلماء ٨ : ١٢٠ ، التهذيب - للبغوي - ٨ : ١٩٥ ، البيان ١٣ : ٢١ ، العزيز شرح الوجيز ١٢ : ٤٣٣ ، روضة الطالبين ٨ : ١٠٢.

(٢) في ص ٢٥ وما بعدها.

٢٠٤

ومنهم : مَن اختُلف فيه على وجهين ، وهُم الوكلاء بجُعْلٍ والشريك والمضارب والأجير المشترك إذا قلنا : إنّه أمين.

أحدهما : إنّه لا يُقبل قولهم في الردّ ؛ لأنّهم قبضوا لمنفعة أنفسهم ، فصاروا كالمرتهن والمستأجر والمستعير.

والثاني : إنّه لا منفعة لهم في العين المقبوضة ؛ لأنّ الوكيل ينتفع بالجُعْل دون العين التي قبضها. وكذلك الشريك والمضارب [ والأجير ](١) ينتفعون بالربح وعوض عملهم ، بخلاف المرتهن ، فإنّه يتوثّق بالعين. وكذلك المستأجر ؛ فإنّه يستوفي منفعتها ، فافترقا(٢) .

مسألة ٨٠٤ : لو ادّعى الوكيل بيعَ العين التي أذن الموكّل له في بيعها ، فقال الموكّل : لم تبعها ، أو يدّعي قبض الثمن من المشتري ، فيصدّقه في الإذن وينكر قبضه إيّاه ، فللشافعي قولان :

أحدهما : يُقبل إقرار الوكيل في ذلك ، وبه قال أبو حنيفة.

إلّا أنّ أبا حنيفة ناقَضَ في مسألةٍ ، وهي : إذا قال لوكيله : زوّجني من امرأة ، فأقرّ الوكيل أنّه تزوّجها له وادّعت ذلك المرأةُ ، وأنكر الموكّل العقد ، لم يُقبل قول الوكيل. قال : لأنّه يمكنه إقامة البيّنة على النكاح ، لأنّه لا يعقد حتى تحضر البيّنة.

والثاني للشافعي : إنّه لا يُقبل إقراره على موكّله ؛ لأنّ الوكيل يُقرّ بحقٍّ لغيره على موكّله ، فلم ينتقل إليه(٣) ، كما لو أقرّ بدَيْنٍ عليه أو إبراءٍ من‌

____________________

(١) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٢) راجع : المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٥.

(٣) كذا قوله : « فلم ينتقل إليه » في النسخ الخطّيّة والحجريّة ، وبدلها في المغني والشرح الكبير : « فلم يقبل ».

٢٠٥

حقٍّ (١) .

وهذا يلزم عليه إقرار أب البكر.

فأمّا أبو حنيفة فلا يصحّ ما فرّق به ؛ لأنّ النكاح عنده ينعقد بفاسقين ولا يثبت بهما(٢) ، وقد تموت الشهود وتتعذّر البيّنة.

مسألة ٨٠٥ : إذا وكّله في البيع وقبض الثمن فقبضه ، كان أمانةً في يده قبل أن يطالبه الموكّل ، فإذا لم يسلّمه إليه لم يضمنه بتأخيره عنده ، وإن طالَبه وجب عليه ردّه على حسب إمكانه.

فإن أخّر لعذرٍ - مثل أن يكون في الحمّام ، أو يأكل الطعام ، أو يصلّي ، أو ما أشبه ذلك - لم يصر مفرّطاً ؛ لأنّه لا يلزمه في ردّ الأمانة ما يضرّ به. فإن تلفت الوديعة قبل زوال عذره أو بعد زوال عذره حالَ اشتغاله بردّها ، فلا ضمان ؛ لما بيّنّاه.

وإن أخّر بغير عذرٍ ، ضمن سواء تلفت قبل مضيّ زمان إمكان الردّ ، أو لم يمض ؛ لأنّه خرج من الأمانة بمنعه الدفع من غير عذرٍ.

ولو طالَبه الموكّل بالدفع فوعده به ثمّ ادّعى أنّه كان قد تلف قبل مطالبته ، أو قال : كنتُ رددتُه قبل مطالبته ، لم يُقبل قوله ؛ لأنّه مكذّب لنفسه ، وضامن في الظاهر بدفعه.

فإن أقام البيّنةَ ، احتُمل سماعها ؛ لأنّ الموكّل لو صدّقه على ما ادّعاه ،

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٦٤ ، بحر المذهب ٨ : ١٦٩ ، حلية العلماء ٥ : ١٥٧ - ١٥٨ ، البيان ٦ : ٤١٥ ، المغني ٥ : ٢٢٢ و ٢٢٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٨ و ٢٥٦.

(٢) تحفة الفقهاء ٢ : ١٣٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٥٥ ، و ٦ : ٢٧٠ - ٢٧١ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٩٠ ، و ٣ : ١١٧ - ١١٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٢٤ - ٢٢٥ ، و ٣ : ١١٩ ، روضة القضاة ١ : ٢١٣ / ٩٤٠ ، بحر المذهب ٨ : ١٦٩ ، عيون المجالس ٣ : ١٠٤٩ / ٧٤٣.

٢٠٦

سقط عنه الضمان ، فإ ذا أقام البيّنةَ على ذلك قُبل. وعدمُه ؛ لأنّه يكذّب بيّنته ، فإنّه كان وَعَده بدفعه إليه ، وإذا كذّب بيّنته لم تُسمع له.

ويفارق ما إذا صدّقه ، فإنّه إذا صدّقه فقد أقرّ ببراءته ، فلم يستحقّ مطالبته.

وإن ادّعى أنّه تلف بعد ما دفعه عن تسليمه ، أو أنّه ردّه إليه لم يُقبل قوله ؛ لأنّه صار بالدفع ضامناً ، ولا يُقبل قوله في الردّ ؛ لأنّه خرج من الأمانة ، فيحتاج إلى بيّنةٍ بذلك.

وللشافعيّة وجهان(١) كالاحتمالين.

فإن كان قد تلف قبل أن مَنَعَه ولم يعلم ، فلا ضمان عليه.

وللشافعيّة وجهٌ آخَر : إنّه يضمن ؛ لأنّه لـمّا منعه تبيّنّا أنّه كان ممسكاً على نفسه(٢) .

وليس بشي‌ء.

مسألة ٨٠٦ : لو دفع إلى وكيله عيناً وأمره بإيداعها عند زيدٍ ، فأودعها ، وأنكر زيد ، فالقول قوله مع اليمين ، فإذا حلف برئ.

وأمّا الوكيل فإن كان قد سلّمها بحضرة الموكّل لم يضمن ، وإن كان بغيبته ففي الضمان إشكال.

وللشافعيّة وجهان :

أحدهما : يضمن كما في الدَّيْن ؛ لأنّ الوديعة لا تثبت إلّا بالبيّنة.

والثاني : لا يضمن ؛ لأنّ الودعي إذا ثبتت عليه البيّنة بالإيداع ، كان القولُ قولَه في التلف والردّ ، فلم تُفد البيّنة شيئاً ، بخلاف الدَّيْن ؛ لأنّ‌

____________________

(١) حلية العلماء ٥ : ١٦٢.

(٢) حلية العلماء ٥ : ١٦٤.

٢٠٧

القضاء لا يثبت إلّا بها(١) .

وإن صدّقه الـمُودَع وادّعى التلف وحلف ، لم يضمنها.

وأمّا الوكيل فإن سلّم بحضرة الموكّل ، لم يضمن. وإن سلّم في غيبته ، فالوجهان.

فأمّا إذا قال الوكيل : دُفع(٢) بحضرتك ، وقال الموكّل : لم تدفع بحضرتي ، أو قال : لم تدفعها إلى المودَع ، وقال : دفعتُها على الوجه الذي تقول ، لا يضمن إذا دفع بغير إشهادٍ.

قال بعض الشافعيّة : القول قول الوكيل مع اليمين ، كما إذا ادّعى الردَّ إليه وأنكره ، ولا يشبه هذا [ ما ](٣) إذا أقرّ بأنّه باع أو قبض وأنكر الموكّل ، فإنّه لا يُقبل قوله في أحد القولين ؛ لأنّه يُثبت حقّاً على موكّله لغيره ، وهنا يُسقط عن نفسه الضمانَ بما ذكره ، فكان القولُ قولَه مع يمينه فيه(٤) .

مسألة ٨٠٧ : إذا دفع إلى وكيله دراهم ليشتري له بها شيئاً ، فاستقرضها الوكيل وأخرجها ، بطلت الوكالة ؛ لأنّه إن كان أمره بأن يشتري له بعين تلك الدراهم ، فقد تعذّر بتلفها ، كما لو مات العبد الموكَّل ببيعه. وإن كان قد وكّله في الشراء مطلقاً ونقد الدراهم في الثمن ، بطلت أيضاً ؛ لأنّه إنّما أمره بالشراء على أن ينقد ذلك الثمن ، فإذا تعذّر نقد ذلك لم يكن له أن يشتري.

وقال أبو حنيفة : لا تفسد الوكالة ، ولا يتعيّن الشراء بتلك الدراهم ،

____________________

(١) الوسيط ٣ : ٣١١ ، المغني ٥ : ٢٣٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٥ - ٢٤٦.

(٢) كذا قوله : « دُفع ». والظاهر : « دفعتُ ».

(٣) ما بين المعقوفين أثبتناه لأجل السياق.

(٤) الحاوي الكبير ٦ : ٥٢٨ ، الوجيز ١ : ١٩٣ ، الوسيط ٣ : ٢١٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٨.

٢٠٨

ويجوز أن يشتري من م ال نفسه ، ويأخذ الدراهم(١) .

وهو غير صحيح ؛ لأنّه وكّله في الشراء بتلك الدراهم ، فإذا تلفت سقط الإذن ، كما قلناه في العبد.

فإن اشترى للموكّل بمثل تلك الدراهم من مال نفسه ، فإذا(٢) أضاف العقد إليه لم يصح ، وإلّا وقع الشراء له لا للموكّل ؛ لأنّه اشترى لغيره شيئاً بعين مال نفسه ؛ لأنّه لا يصحّ أن يقبض للموكّل من نفسه بدل المال الذي أتلفه.

والثاني(٣) : إنّه اشترى له بغير المال الذي عيّنه.

وإن اشترى له في الذمّة ، وقع أيضاً للوكيل ؛ لأنّه على غير الصفة التي أذن له فيها.

ويجب على الوكيل ردّ مثل الدراهم التي قبضها من الموكّل.

تذنيب : إذا دفع إليه دراهم ليشتري بها سلعة ولم ينص على الشراء بالعين ، بل ينقدها عن الثمن الذي يشتري به ، فاشترى في الذمّة على أنّه ينقد تلك الدراهم كما أمره الموكّل ، صحّ الشراء. فإن استقرض بعد ذلك الدراهمَ وأخرجها ، وجب عليه دفع عوضها في الثمن ، ولم يخرج المبيع عن ملك الموكّل بالتفريط اللاحق.

مسألة ٨٠٨ : إذا وكّله في شراء عبدٍ بدراهم في الذمّة ثمّ دفع إليه دراهم لينقدها في الثمن ، ففرّط فيها بأن ترك حفظها ، ضمنها ، فإذا اشترى العبدَ صحّ الشراء قولاً واحداً ؛ لأنّه لم يتعدّ فيما تناوله العقد ، فإذا نقد تلك‌

____________________

(١) فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ١٧ ، الحاوي الكبير ٦ : ٥٣٣ ، حلية العلماء ٥ : ١٣٨.

(٢) في « ج » : « فإن » بدل « فإذا ».

(٣) كذا قوله : « والثاني ». ولم يسبق ذِكْر الأوّل.

٢٠٩

الدراهم بعينها برئ من ضمانها.

ولا فرق في ذلك بين مَنْ قال : إنّ الوكيل بالتعدّي يخرج من الأمانة - وفي صحّة بيعه وجهان عنده - وبين مَنْ قال : إنّه يصحّ بيعه مع التعدّي.

لا يقال : لِمَ لا يبطل بيعه عند القائل بعدم صحّة بيع الوكيل إذا تعدّى؟

لأنّا نقول : إنّما يخرج من الأمانة فيما تعدّى فيه ، فإنّه لو استودع شيئين ففرّط في أحدهما ، لم يضمن الآخَر ، ولم يخرج من حكم الأمانة جملةً ، كذا هنا.

مسألة ٨٠٩ : لو وكّله في تزويج امرأةٍ فزوّجه غيرها ، بطل العقد عند العامة(١) ، أو كان فضوليّاً عندنا ؛ لأنّ من شرط صحّة النكاح ذكر الزوج ، فإذا كان بغير أمره لم يقع له ولا للوكيل ؛ لأنّ المقصود من النكاح أعيان الزوجين ، بخلاف البيع ، ولهذا يجوز أن يشتري من غير تسمية المشتري ، فافترقا.

وإذا عيّن الموكّل للوكيل الزوجةَ ، صحّ إجماعاً.

ولو وكّله في أن يزوّجه بمن شاء ، فالأقرب : الجواز ، وهو قول بعض الشافعيّة(٢) .

وقال بعضهم : لا يجوز ؛ لأنّ الأغراض تختلف ، فلا يجوز حتى يصف(٣) . واختار الزهري(٤) (٥) هذا الوجه.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٥٤٧ ، المغني ٥ : ٢٥٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٩.

(٢) حلية العلماء ٥ : ١١٨ ، البيان ٦ : ٣٦٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٨.

(٣) حلية العلماء ٥ : ١١٨ ، البيان ٦ : ٣٦٥.

(٤) كذا قوله : « الزهري » في جميع النسخ الخطّيّة والحجريّة ، وبدلها في المصدر : « الزبيري ».

(٥) حلية العلماء ٥ : ١١٨.

٢١٠

والمعتمد : الأوّل.

فعلى هذا هل له أن يزوّجه ابنته؟ الأقرب : الجواز ، وبه قال أبو يوسف ومحمّد(١) .

وقال بعض العامّة : لا يجوز له ذلك(٢) .

ولو أذنت المرأة له في تزويجها ، لم يكن له أن يزوّجها من نفسه ؛ لأنّ القرينة اقتضت التزويج بالغير.

وقد روى الحلبي عن الصادقعليه‌السلام قال في المرأة ولّت أمرها رجلاً ، فقالت : زوّجني فلاناً ، فقال : لا زوّجتكِ حتى تُشهدي أنّ أمركِ بيدي ، فأشهدت له ، فقال عند التزويج للّذي يخطبها : يا فلان عليك كذا وكذا ، فقال : نعم ، فقال هو للقوم : أشهدوا أنّ ذلك لها عندي وقد زوّجتها من نفسي ، فقالت المرأة : ما كنت أتزوّجك ولا كرامة وما أمري إلاّ بيدي وما ولّيتك أمري إلّا حياءً ، قال : « تنزع منه ، ويوجع رأسه »(٣) .

ويحتمل مع إطلاق الإذن صحّة أن يزوّجها من نفسه.

وكذا له أن يزوّجها من ولده ووالده.

ولبعض العامّة وجهان(٤) .

مسألة ٨١٠ : إذا وكّله في شراء عبدٍ فاشتراه ، ثمّ اختلف الوكيل والموكّل ، فقال الوكيل : اشتريته بألف ، وقال الموكّل : بخمسمائة ، فالقول فيه كما قلنا فيما إذا اختلف الوكيل والموكّل في تصرّفه ؛ لأنّ ذلك إثباتٌ‌

____________________

(١) المبسوط - للسرخسي - ١٩ : ١١٨ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٤٧ ، المغني ٥ : ٢٣٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٣.

(٢) المغني ٥ : ٢٣٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٣.

(٣) الفقيه ٣ : ٥٠ / ١٧١ ، التهذيب ٦ : ٢١٦ / ٥٠٨.

(٤) المغني ٥ : ٢٣٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٣.

٢١١

لحقّ البائع على الموكّل .

وقال أبو حنيفة : إن كان الشراء في الذمّة ، فالقول قول الموكّل ، فإن كان اشترى ذلك بمال الموكّل ، فالقول قول الوكيل.

وفرّق بينهما بأنّ الشراء إذا كان في الذمّة ، فالموكّل هو الغارم ؛ لأنّه يطالبه بالثمن. وإذا اشتراه بما في يده للموكّل ، فإنّ الغارم الوكيل ؛ لأنّه يطالبه بردّ ما زاد على خمسمائة ، فالقول في الأُصول قول الغارم(١) .

وقد بيّنّا أنّ إقرار الوكيل لا يصحّ على موكّله.

وما ذكره من الفرق ليس بصحيحٍ ؛ لأنّ في الموضعين يثبت بذلك الغرم على الموكّل ؛ لأنّه إمّا أن يطالبه به ، أو يؤدّي من ماله الذي في يد الوكيل ، والحقّ يثبت بقول الوكيل عليه في الموضعين.

مسألة ٨١١ : إذا دفع إلى الوكيل ألفاً ليشتري بها سلعة ، فاشترى بالعين ، ثمّ ظهر فيها عيب ، فردّها البائع على الوكيل ، كانت أمانةً في يده لموكّله.

وإن كان [ اشتراها ](٢) بألفٍ في الذمّة ، فإن بانَ العيب في الألف التي دفعها وقبضها الوكيل ، فهي أيضاً على الأمانة ، ويبدلها من الموكّل إن امتنع البائع من قبضها.

وإن بانَ العيب بعد أن قبضها البائع فردّها على الوكيل فتلفت عنده ، لم يضمنها عندنا.

____________________

(١) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٤٤ ، حلية العلماء ٥ : ١٥١ ، المغني ٥ : ٢٢٢ - ٢٢٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٩.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « اشتراه ». وما أثبتناه يقتضيه السياق.

٢١٢

وللشافعيّة قولان مب نيّان على ما ذكروه في الثمن.

إن قلنا : إنّ الثمن يثبت في ذمّة الموكّل ، كان الوكيل وسيطاً في الدفع ، وكان ذلك في يده أمانةً.

وإن قلنا : يثبت في ذمّة الوكيل دون الموكّل ، وعلى الموكّل أن يسقط ذلك عن ذمّته ، فإذا دفع إليه ألفاً ليقضيها عن نفسه ، كانت أمانةً ما لم يدفعها إلى البائع ، فإذا دفعها وقضى بها دَيْنه ، وجب مثلها عليه للموكّل ، وله الرجوع على الموكّل بألفٍ تقاصّاً ، وصارت مضمونةً عليه ، فإذا عادت إليه بردّ البائع ، كانت مضمونةً عليه للموكّل ألف معيبة ، وعليه للبائع ألف سليمة ، فإذا قضاها رجع على الموكّل بألف سليمة(١) .

مسألة ٨١٢ : إذا دفع إليه ألفاً ليُسلمها في كُرّ طعامٍ ، تناول المتعارف عند الموكّل.

ويحتمل عند الوكيل.

وقال بعض الشافعيّة : ينصرف إلى الحنطة خاصّةً ؛ لانطلاقه إليه عرفاً(٢) .

وهو غير سديدٍ ؛ لاختلاف العرف فيه.

ولو كان لرجلٍ في ذمّة آخَر ألف ، فقال : أسلفها في طعامٍ ، فأسلفها فيه ، صحّ ، وإذا أسلمها برئ من الدَّيْن. وإذا قبض الطعام كان أمانةً في يد الوكيل إن تلف فلا ضمان عليه.

قال أبو العباس من الشافعيّة : وإن لم يكن عليه شي‌ء ، فقال له : أسلف من مالك ألفاً في كُرٍّ من طعامٍ ويكون لك ألف قرضاً علَيَّ ، ففَعَل ،

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ٢١١ ، البيان ٦ : ٣٨٤ - ٣٨٥.

(٢) بحر المذهب ٨ : ١٩٣ ، البيان ٦ : ٣٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٤.

٢١٣

صحّ (١) .

وقال بعضهم : هاتان المسألتان سهو من أبي العباس ؛ لأنّه لا يجوز أن يُسلم ماله في طعامٍ لغيره ، ومذهب الشافعي أنّه لا يجوز أن يكون العوض لواحدٍ ويقع المعوَّض لغيره(٢) .

وتأوّلوا المسألتين بأن يقول : إن أسلمت ألفاً في كُرٍّ من طعامٍ ، ولا يعيّنه بالدَّيْن ، ثمّ يأذن له أن يُسلم الدَّيْن عنه ، ويبرأ. هذا في المسألة الأُولى ، وفي الثانية : أسلم ألفاً في ذمّتي في كُرٍّ من طعامٍ ، فإذا فَعَل هذا ، قال : اقض عنّي الألف لأدفع إليك عوضها(٣) .

قال بعض الشافعيّة : إنّ الذي أراد أبو العباس أن يسلم هكذا ، ولا يحتاج إلى ما شرطه من تأخّر الإذن(٤) .

ويجوز أن يأذن له قبل أن يعقد بدفع الثمن من عنده أو بدفع الدَّيْن الذي عليه ؛ لأنّ التصرّف من الوكيل يجوز تعليقه بالشرط.

وكذا لو قال له : اشتر به عبداً ، سواء عيّنه أو لم يعيّنه ، وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمّد(٥) .

وقال أبو حنيفة : إن عيّن العبد ، جاز. وإن لم يعيّنه ، لم يجز ؛ لأنّه إذا [ لم ](٦) يعيّن ، فقد وكّل في قبض الدَّيْن من ذمّة البائع ، وهو مجهول(٧) .

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٩٩ ، البيان ٦ : ٣٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٥٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٣.

(٢) بحر المذهب ٨ : ١٩٩ ، البيان ٦ : ٣٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٦٣ - ٥٦٤.

(٣ و ٤) البيان ٦ : ٣٩٥.

(٥) البيان ٦ : ٣٩٥ ، حلية العلماء ٥ : ١٤٧.

(٦) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

(٧) البيان ٦ : ٣٩٥ ، حلية العلماء ٥ : ١٤٧.

٢١٤

ولنا : إنّه دفع بإذ نه ، فأشبه ما إذا عيّن. وقول أبي حنيفة باطل ؛ لأنّ المدفوع له ليس بوكيلٍ له ، ولا يتعيّن بالشراء منه ، ويبطل عليه به إذا قال : أطعم عنّي عشرة مساكين ، فإنّهم غير معيّنين ، ويصحّ عنه.

مسألة ٨١٣ : إذا دفع إليه ألفاً ليشتري بها سلعةً أو يسلف بها في طعام ، فاشترى السلعة واستسلف ولم يُسمّ الموكّلَ في العقد ، ثمّ اختلفا ، فقال الوكيل : إنّما اشتريت لنفسي ، وقال الموكّل : بل لي ، فالقول قول الوكيل مع يمينه ، فإذا حلف حُكم له بذلك في الظاهر ، وكان للموكّل الرجوع عليه بالألف.

وقال أصحاب أبي حنيفة : يكون السَّلَم للموكّل؟ لأنّه دفع دراهمه(١) . واختلفوا إذا [ تصادقا ](٢) أنّه لم يَنْو لا لَه ولا للموكّل.

فقال أبو يوسف : يكون بحكم الدراهم(٣) .

وقال محمّد : يكون للوكيل(٤) .

أمّا الأوّل : فلأنّهما إذا اختلفا ، رجّح قول الموكّل ؛ لأنّه دفع دراهمه ، فكان الظاهر معه.

وإذا أطلق قال أيضاً : يرجّح بالدراهم(٥) .

ودليلنا : إذا نوى ذلك عن نفسه وصدّقه عليه ، وقع لنفسه ، فإذا أطلق‌ واختلفا كان القولُ قولَه ، كما لو لم ينقد دراهم.

وما ذكروه فليس بصحيحٍ ؛ لأنّ إذن الدراهم بعد حصول العقد ،

____________________

(١) حلية العلماء ٥ : ١٤٨.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « تصادقوا ». والصحيح ما أثبتناه.

(٣ - ٥) بحر المذهب ٨ : ٢٠٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٤٨.

٢١٥

فلا يؤثّر فيه.

مسألة ٨١٤ : إذا كان وليّاً عن امرأةٍ في التزويج بأن يكون أباً أو جدّاً له‌ ، كان له أن يوكّل ؛ لأنّه وليٌّ بالأصالة ولايةَ الإجبار.

أمّا غيرهما - كالوكيل - هل له أن يوكّل؟ الوجه عندنا : لا ، إلّا مع الإذن - ولأصحاب [ الشافعي ](١) فيه وجهان(٢) ، وعن أحمد روايتان(٣) - لأنّه لا يملك التزويج إلّا بإذنها ، فلا يملك التوكيل فيه إلّا بإذنها.

احتجّ أحمد بأنّ ولايته من غير جهتها ، فلم يعتبر إذنها في توكيله ، كالأب ٤.

وأمّا الحاكم فيملك تفويض عقود الأنكحة إلى غيره بغير إذن المولّى عليه.

مسألة ٨١٥ : لو أنكر الموكّل الوكالةَ بعد عقد النكاح على المرأة ، فالقول قول الموكّل مع يمينه‌ ، فإذا حلف برئ من الصداق ، وبطلت الزوجيّة بينهما ، وكان على الوكيل أن يدفع إليها نصف المهر ؛ لأنّه أتلف عليها البُضْع.

ثمّ إن كان الوكيل صادقاً ، وجب على الموكّل طلاقها ؛ لئلّا يحصل الزنا بنكاحها مع الغير.

ولما رواه عمر بن حنظلة عن الصادقعليه‌السلام في رجلٍ قال لآخَر :

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الشافعيّة ». والصحيح ما أثبتناه.

(٢) البيان ٦ : ٣٦٠ ، الوسيط ٥ : ٧٩ ، الوجيز ٢ : ٧ ، حلية العلماء ٦ : ٣٤٤ - ٣٤٥ ، التهذيب - للبغوي - ٥ : ٢٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٧ : ٥٦٧ ، روضة الطالبين ٥ : ٤١٨ - ٤١٩ ، المغني ٥ : ٢١٧ ، و ٧ : ٣٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١١ ، و ٧ : ٤٣٩.

(٣ و ٤) المغني ٥ : ٢١٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١١.

٢١٦

اخطب لي فلانة فما ف علتَ من شي‌ء ممّا قاولتَ من صداقٍ أو ضمنتَ من شي‌ء أو شرطتَ فذلك رضاً لي وهو لازم لي ، ولم يُشهدْ على ذلك ، فذهب فخطب وبذل عنه الصداق وغير ذلك ممّا طالبوه وسألوه ، فلمّا رجع إليه أنكر ذلك كلّه ، قال : « يغرم لها نصف الصداق عنه ، وذلك أنّه هو الذي ضيّع حقّها ، فلمّا أن لم يُشهدْ لها عليه بذلك الذي قال ، حلّ لها أن تتزوّج ، ولا تحلّ للأوّل فيما بينه وبين الله ، إلّا أن يطلّقها ، لأنّ الله تعالى يقول :( فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) (١) فإن لم يفعل فإنّه مأثوم فيما بينه وبين الله تعالى ، وكان الحكم الظاهر حُكْمَ الإسلام قد أباح [ الله تعالى ](٢) لها أن تتزوّج »(٣) .

مسألة ٨١٦ : للأب أن يقبض صداق ابنته الصغيرة تحت حجره‌ ؛ لأنّه الوليّ عليها ، فكان له طلب حقّها أين كان.

ولو كانت كبيرةً فوكّلته بالقبض ، كان له ذلك أيضاً.

وإن لم توكّله ، لم تكن له المطالبة ؛ لزوال ولايته عنها بالبلوغ والرشد.

فإن أقبضه الزوج ، كان لها مطالبة الزوج بحقّها ، ويرجع الزوج على الأب بما قبضه منه ؛ لأنّ ذمّته لم تبرأ بدفع حقّها إلى غيرها وغير وكيلها ، ولم يقع القبض موقعه ، فكان للزوج الرجوعُ به.

ولو مات الأب ، كان له الرجوعُ به في تركته إن خلّف مالاً. ولو مات معسراً ، ضاع ماله ؛ لما رواه ابن أبي عمير عن غير واحدٍ من أصحابنا عن‌

____________________

(١) البقرة : ٢٢٩.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٣) الفقيه ٣ : ٤٩ / ١٦٩ ، التهذيب ٦ : ٢١٣ - ٢١٤ / ٥٠٤ بتفاوت يسير.

٢١٧

الصادق عليه‌السلام في رجلٍ قبض صداق ابنته من زوجها ثمّ مات هل لها أن تطالب زوجها بصداقها ، أو قبضُ أبيها قبضُها؟ فقالعليه‌السلام : « إن كانت وكّلته بقبض صداقها من زوجها فليس لها أن تطالبه ، وإن لم تكن وكّلته فلها ذلك ، ويرجع الزوج على ورثة أبيها بذلك ، إلّا أن تكون حينئذٍ صبيّةً في حجره ، فيجوز لأبيها أن يقبض عنها ، ومتى طلّقها قبل الدخول بها فلأبيها أن يعفو عن بعض الصداق ويأخذ بعضاً ، وليس له أن يدع كلّه ، وذلك قول الله عزّ وجلّ :( إِلّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ ) (١) يعني الأب والذي توكّله المرأة وتولّيه أمرها من أخ أو قرابة أو غيرهما »(٢) .

مسألة ٨١٧ : لو زوّجها الوليّ أو الوكيل وكانت قد دلّست نفسها وأخفت عيبها الذي يجب ردّ النكاح به ، فإذا ردّها الزوج ، كان له الرجوعُ عليها بالمهر ، ولا يغرم الوكيل شيئاً إذا لم يعلم حالها ؛ لعدم التفريط منه ، واستناد الغشّ إليها خاصّةً.

ولما رواه الحلبي - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال في رجل ولّته امرأة أمرها إمّا ذات قرابة أو جارة له لا يعلم دخيلة أمرها ، فوجدها قد دلّست عيباً هو بها ، قال : « يؤخذ المهر منها ، ولا يكون على الذي زوّجها شي‌ء »(٣) .

مسألة ٨١٨ : لو قال رجل لآخَر : وكّلتَني أن أتزوّج لك فلانة بصداق كذا ، ففَعَلتُ ، وادّعت المرأة ذلك ، فأنكر الموكّل ، فالقول قوله.

فإن أقام الوكيل أو المرأة البيّنةَ ، وإلّا حلف المدّعى عليه عقد النكاح.

____________________

(١) البقرة : ٢٣٧.

(٢) الفقيه ٣ : ٥٠ - ٥١ / ١٧٢ ، التهذيب ٦ : ٢١٥ - ٢١٦ / ٥٠٧.

(٣) الكافي ٥ : ٤٠٧ / ١٠ ، الفقيه ٣ : ٥٠ / ١٧١ ، التهذيب ٦ : ٢١٦ / ٥٠٨.

٢١٨

وقال أحمد بن حنبل : لا يستحلف ؛ لأنّ الوكيل يدّعي حقّاً لغيره(١) .

هذا إن ادّعى الوكيل ، وإن ادّعته المرأة ، استحلف ؛ لأنّها تدّعي الصداق في ذمّته.

ونحن لـمّا أوجبنا نص ف المهر على الوكيل ، كان له إحلاف الموكّل.

وقال أحمد : لا يلزم الوكيل شي‌ء ؛ لأنّ دعوى المرأة على الموكّل ، وحقوق العقد لا تتعلّق بالوكيل(٢) .

وعنه رواية أُخرى : إنّه يلزمه نصف الصداق - كما قلناه - لأنّ الوكيل في الشراء ضامن [ للثمن و ](٣) للبائع مطالبته به ، كذا هنا(٤) .

أمّا لو ضمن الوكيل المهر ، فلها الرجوع عليه بنصفه ؛ لأنّه ضمنه للموكّل ، وهو مُقرٌّ بأنّه في ذمّته.

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف والشافعي : لا يلزم الوكيل شي‌ء(٥) .

وقال محمّد بن الحسن : يلزم الوكيل جميع الصداق ؛ لأنّ الفرقة لم تقع بإنكاره ، فيكون ثابتاً في الباطن ، فيجب جميع الصداق(٦) .

واحتجّ أحمد بأنّه يملك الطلاق ، فإذا أنكر فقد أقرّ بتحريمها عليه ، فصار بمنزلة إيقاعه لما تحرم به(٧) .

إذا ثبت هذا ، فإنّ المرأة تتزوّج وإن لم يطلّق الموكّل ؛ لأنّه لم يثبت عقده.

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٢٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٤ - ٢٥٥.

(٢ و ٤) المغني ٥ : ٢٢٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٥.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٥ و ٦) المغني ٥ : ٢٢٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٥.

(٧) المغني ٥ : ٢٢٤ - ٢٢٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٥.

٢١٩

وقال أحمد : لا تتزوّج حتى يطلّق ، لعلّه يكون كاذباً في إنكاره(١) .

قال أصحابه : ظاهر هذا تحريم نكاحها قبل طلاقها ؛ لأنّها معترفة بأنّها زوجة له ، فيؤخذ بإقرارها ، وإنكاره ليس بطلاقٍ(٢) .

وهل يلزم الموكّل طلاقها؟ الأقوى : الإلزام ؛ لإزالة الاحتمال ، وإزالة الضرر عنها بما لا ضرر عليه فيه ، فأشبه النكاح الفاسد.

ويحتمل عدم اللزوم ؛ لأنّه لم يثبت في حقّه نكاح ، ولو ثبت لم يكلَّف الطلاق.

مسألة ٨١٩ : لو ادّعى أنّ فلاناً الغائب وكّله في تزويج امرأةٍ فزوّجها منه ثمّ مات الغائب ، فإن صدّقه الورثة على التوكيل أو قامت له البيّنة به ، ورثت المرأة نصيبها من تركته. وإن لم تصدّقه الورثة ولا قامت البيّنة ، لم يكن لها ميراث ، ولها إحلاف الوارث إن ادّعت علمه بالتوكيل ، فإن حلف فلا ميراث ، وإلّا حلفت وأخذت.

ولو أقرّ الموكّل بالتوكيل في التزويج وأنكر أن يكون تزوّج له ، فهنا الاختلاف في تصرّف الوكيل ، وقد سبق(٣) .

فقيل : القول قول الموكّل مع اليمين ، وبه قال أبو حنيفة(٤) ، وهو المعتمد ؛ لأنّه مدّعٍ لما لا تتعذّر إقامة البيّنة عليه خصوصاً عند العامّة ؛ حيث إنّ البيّنة شرط في العقد عندهم(٥) ، فأشبه ما لو أنكر الموكّل الوكالة من‌

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٢٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٥.

(٢) المغني ٥ : ٢٢٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٥ - ٢٥٦.

(٣) في ص ١٨٤ ، المسألة ٧٨٣.

(٤) المغني ٥ : ٢٢٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٥٦.

(٥) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٢٩ ، و ٥ : ٢٥٧ ، المغني ٥ : ٢٢٥ و ٧ : ٣٣٩ ، الشرح =

٢٢٠

ليفضي الأمر الى عثمان : للمؤلف.

الحكـم لله اذ ينجـوا معـاوية

ورأس سيـده بـالسيف يـنقسم

ويفلت الرجس عمر وفي تغيبه

عمداً وخارجة بالغدر يخترم

٢٢١

( فتكهم بالخلال )

هو ابو سلمة حفص بن سليمان الهمداني ، مولى السبيع ، كان وزيراً للسفاح ، اول خلفاء العباسيين ، وكان الخلال هذا أول من وقع عليه اسم الوزير. وشهر بالوزارة ولم يكن قبله من يعرف بهذا الاسم وهو الذي بذل اموالاً طائلة له في تكوين الدولة الهاشمية. واتهموه بالتشيع قتله الخوارج. ويقال حرض عليه ابو مسلم الخراساني جماعة. فخطبوه بأسيافهم ليلاً وذلك عند منصرفه من مجلس السمر مع السفاح بالأنبار في رجب سنة ١٣٢ هجـ هكذا ذكره ابن خلكان.

٢٢٢

( فتكهم بالمثلم بن مشرح الباهلي )

هو المثلم بن مشرح. كان يقال له ابن سعاد اسم امه ، ذكر أرباب التاريخ انه ذكر لعبيد الله بن زياد رجل من سدوس يقال له ـ خالد بن عباد ـ. وكان من نساك الخوارج. فوجه اليه فأخذه ، فأتاه رجل من اهل ـ فوز ـ فكذب عنه. وقال هو صهري. وفي ضمني فخلني عنه فلم يزل الرجل يفقده حتى تغيب فأتى ابن زياد فاخبره. فلم يزل يبعث الى خالد بن عباد حتى ظفر بن فأخذه. فقال له أين كنت في غيبتك هذه؟ قال : كنت عند قوم يذكرون الله فيسجدون له ويذكرون أئمة الجور فيتبرؤن منهم. قال ادللني عليهم. قال : اذن يسعدوا ويشقى. ولم اكن لأروعهم فلم يزل به حتى عزم على قتله. وأمر به فأخرج الي رحبة تعرف برحبة ـ الترتيبي ـ وكانت الشرطة تتفادى عن قتله. حتى اتى ـ المثلم بن مشرح الباهلي. وكان من الشرطة فتقدم اليه فقتله فأتمر به الخوارج أن يقتلوه وكان

٢٢٣

مغرما باللقاح يتبعها فيشتريها من مضانها ، فبعثوا اليه رجلاً في هيئة الفتيان عليه درع زعفراني فلقيه ـ بالمربد ـ وهو يسأل عن لقحة صيفي فقال له الفتى ان كنت تبتع فعندي ما يغنيك عن غيره فامض معي فمضى ـ المثلم ـ معه على فرسه يمشي أمامه حتى أتى به بني سعد فدخل داراً وقال له ادخل على فرسك فلما دخل وتوغل في الدار غلق الباب وثارت به الخوارج. فاعتوره حريث بن حجل وكهمش بن طلق الصريمي فقتلاه. وجعلا دراهم كانت معه في بطنه ودفناه في ناحية الدار وحكا آثار الدم. وخليا فرسه في الليل. فأصبحت الغد في المربط. وتجسس عنه الباهليون فلم يروا له أثراً. فأتهموا بني سدوس به. وأخذوا من السدوسيين أربع ديات. ولم يعلم بمكان المثلم. حتى خرج مرداس وأصحابه. فلما وافقهم ابن زرعة الكلابي صاح بهم حريث. وقال : اهاهنا من باهلة أحد؟ قالوا : نعم. قال أعداء الله أخذتم للمثلم من بني سدوس أربع ديات وأنا قتلته وجعلت دراهم كانت معه في بطنه. وهو في موضع كذا مدفون. ولما انهزم ابن زرعة صاروا الى الدار فأصابوا أشلاءه.

٢٢٤

( فتكهم بمعن بن زائدة )

كان معن بن زائدة الشيباني يكنى بأبي الوليد. وقد اشتهر بالكرم والجود والحلم والشجاعة والمروءة والنجدة والفصاحة والذكاء والشعر ، حتى قيل فيه. حدث عن معن ولا حرج. وكان قد أدرك الدولتين الأموية والعباسية. فأحرز فيهما الشأن الخطير والمنصب الرفيع. وقد اتصل في أيام بني أمية بيزيد بن عمرو بن هبيرة الفزاري امير العراقين لبني امية. ولما اديل للعباسيين من الأمويين ، ثار ابن هبيرة واشترك معه معن في هذه المعركة وأبلى فيها بلاء حسناً. وقد حاربهما المنصور حرباً تشيب لها الولدان حتى حصرهما في مدينة واسط : ولم يزل يشدد عليهما الحصار حتى قتل ابن هبيرة وفر معن واختفى. فصار المنصور يطلبه أشد الطلب وجعل لمن يمسكه أو يدل عليه جائزة سنية ، ولما ثار الخراسانيون على المنصور في مدينة الهاشمية ـ قرب الكوفة ـ وجرت بينهم وبين حاشية المنصور

٢٢٥

معركة هائلة كادوا يقتلونه فيها ، كان معن حينذاك متوارياً على مقربة منهم ، فخرج من مخبئه وهو متلثم ودخل المعركة شاهراً سيفه وأخذ يقاتل الثائرين قدام المنصور حتى مزقهم كل ممزق ، ولما انكشفت الحالة عن المنصور قال له : ( من أنت لله ابوك؟ ) فأجاب « أنا طلبتك يا امير المؤمنين ، انا معن بن زائدة » فقال المنصور : قد آمنك الله على نفسك ومالك ومثلك من يصطنع ، ثم أخذه معه وخلع عليه وحباه وزينه : ومما يروى من نجدته. ما ذكره المؤرخون. أنا المنصور أهدر دم رجل من أهل الكوفة كان يسعى مع الخوارج بفساد دولته وجعل لمن يدل عليه مئة ألف درهم ، ثم ظهر الرجل متنكراً في بغداد فعرفه أحد البغداديين وتمسك به وصاح « هذا بغية امير المؤمنين » وفيما هما على تلك الحال مر معن فاستجار به الرجل فأمر معن البغدادي الى الخليفة وأعلمه الخبر فغضب الخليفة واستدعى معناً في الساعة. ولما وصل أمر المنصور الى معن. جمع أهل بيته وأقاربه ومواليه وقال لهم « أقسمت عليكم الا يصل مكروه الى هذا الرجل وفيكم عين تطرف » ثم سار الى الخليفة. وعندما دخل عليه رآه محتدماً غيظاً. فلما أنبه المنصور على فعلته. قال : يا أمير المؤمنين. كم مرة تقدم في دولتكم بلائي وحسن عنائي! وكم مرة

٢٢٦

خاطرت بدمي أفما رأيتموني أهلاً لأن يوهب لي رجل استجار بي بين الناس لوهمه أني من عبيد امير المؤمنين. وكذلك أنا؟ فمر بما شئت وها أنذا بين يديك » فسكن غضب المنصور وقال له ( أجرناه لك يا معن ) ولم يزل بالخليفة يسترضيه حتى أخذ منه مئة الف درهم عطية للرجل المغضوب عليه. ثم عاد الى منزله وقال للرجل « يا رجل خذ صلتك والحق بأهلك وإياك ومخالفة الخلفاء في امورهم بعد الآن ، وكان من الكرم ما يضيق المجال عن ذكره. فان اخبراه بالكرم مسطورة في مضانها. وكذلك مقالة الشعراء فيه ، قال ارباب التاريخ وفي ستة مئة وخمس وعشرين هجرية. أدخل الى منزله بعض الصناع ليعملوا له عملاً فاندس بينهم بعض الخوراج فقتلوه غيلة وهو يحتجم فتبعهم ابن اخيه يزيد وقتلهم على بكرة أبيهم ، فكان لقتله رنة أسىً في الدولة العباسية. ورثته الشعراء بمراث مشجية.

٢٢٧

( فتكهم بعيسى بن جعفر )

بعث هرون الرشيد عيسى بن جعفر بن عمه واخو زبيدة الى عمان عاملاً عليها في ستة آلاف مقاتل فخرج اليه والي صحار وهو مقارش بن محمد اليحمدي فالتقوا ( بحتى ) فانهزم عيسى بن جعفر وسار الى مراكبه بالبحر فتبعه الخوارج في ثلاث سفن فأسروا عيسى وجيء به الى صحار فحبس بها بأمر من الامام الوارث. قال الراوي وبعد ذلك انطلق جماعة من حيث لا يعلم الإمام حتى أتوا الى صحار فتسوروا السجن على عيسى بن جعفر فقتلوه في السجن.

٢٢٨

( فتكهم بعامل سوآرء )

قال ابن ابي الحديد : مرّ شبيب في طريقه الى الكوفة على سورآء فالتفت الى أصحابه وقال : ايكم يأتيني برأس عاملها. فانتدب اليه قطين. وقعنب وسويد ورجلان من أصحابه فكانوا خمسة وساروا حتى انتهوا الى دار الخراج والعمال فيها. فقالوا اجيبوا الأمير فقال الناس أي امير قالوا أمير قد خرج من قبل الحجاج يريد هذا الفاسق شبيباً. فاغتر بذلك عامل سورآء فخرج اليهم. فلما خالطهم شهروا السيوف وحكموا وخبطوه بها حتى قتلوه وقبضوا ما وجدوا في دار الخراج من مال ولحقوا بشبيب فلما رأى شبيب البدر. قال : أتيتمونا بفتنة المسلمين هلم يا غلام الحربة فخرق بها البدر وأمر أن تنخس الدواب التي كانت البدر عليها فمرت رائحة والمال يتناثر من البدر حتى وردت الصراة. فقال ان كان بقي شيء فاقذفوه في الماء.

٢٢٩

( فتكهم بمحمد بن هرون بن المعمر )

ذكر ابن الاثير أن رجلاً من اصحاب مساور الشاري وافق محمد بن هارون بن المعمر. وهو يريد سامراء فقتله وحمل رأسه الى مساور فطلبت ربيعة بثأره.

( فتكهم بالنساء )

ذكر أرباب التاريخ أن الخوارج قتلوا زوجة عبدالله بن خباب فبقروا بطنها وذبحوا جنينها(١) ثم قتلوا ام سنان الصيداوية وثلاثاً من النساء وذلك قبل وقعة النهروان بقليل ، وقتلوا ام حفص. ابنة المنذر بن الجارود العبدي زوجة عبد العزيز بن عبدالله بن اسيد قتلها ابو الحديد العبدي(٢) .

قال ابن الأثير في حوادث سنة ثلاث وثلاثين وثلثمائة. كان جيش ابي يزيد الخارجي. قد هجم في الليل على رجل من أهل القيروان وأخذ ماله وثلاث بنات ابكار. فلما أصبح واجتمع الناس لصلاة الصبح قام الرجل في الجامع وصاح وذكر ما حل به فقام الناس معه وصاحوا فاجتمع الخلق العظيم. ووصلوا الى ابي يزيد فاسمعوه كلاماً غليظاً

__________________

(١) انظر ، ص ٤١.

(٢) انظر ، ص ٧٠.

٢٣٠

فاعتذر اليهم ولطف بهم وأمر برد البنات. فلما انصرفوا وجدوا في طريقهم رجلاً مقتولاً فسألوا عنه فقيل ان فضل بن ابي يزيد قتله وأخذ امرأته وكانت جميلة فحمل الناس المقتول الى الجامع وقالوا لا طاعة الا للقائم ، وجيء اليه بسبي من أهل تونس وهم عنده فوثبوا اليهم وخلصوهم ، وكانت الحروب بين القائم وابي يزيد سنين عديدة. وبعد وفاة القائم قام بالأمر ابنه المنصور فتغلب على ابي يزيد بعد حروب وقتال بين الطرفين. وهلك أبا يزيد ، وقتل من بعده ابنه فضل كما ذكرناه.

٢٣١

( الخوارج وفرقهم )

افترقت الخوارج خمس وعشرون فرقة ، وكل هذه الفرق متفقة على أمرين لا مزيد عليهما في الكفر والبدعة.

احدهما : انهم يزعمون ان علياً ، وعثمان ، وعائشة ، وطلحة والزبير ومن رضي بالحكمين وعمرو بن العاص ، وابي موسى الأشعري ، ومعاوية وأتباعه كفروا كلهم.

والثاني : يعتقدون ان كل من أذنب ذنباً من المسلمين فهو كافر ، ويخلد من النار ، وشذت فرقة منهم وهم النجدات فانهم قالوا : ان الفاسق كافر على معنى انه كافر نعمة ربه ، فيكون اطلاق هذه التسمية عند هؤلاء منهم على معنى الكفران لا على معنى الكفر ؛ ومما يجمع أيضاً تجويزهم الخروج على الإمام الجائر. والكفر لا محالة لازم لتكفير الصحابة ، وهناك اصحاب مقالاة ومعتقدات اكثرها كفر والحاد عصمنا الله من الزلل ، وحفظنا من

٢٣٢

المروق عن الدين ، والإنشقاق عن صفوف المسلمين ، وجعلنا ممن يهتدى بهدي خاتم المرسلين انه سميع مجيب.

« المحكمة » : أول من قال منهم ـ لا حكم إلا لله ـ عروة بن حدير(١) اخو مرداس الخارجي ـ ابي بلال ـ ، فسمع من كان من أهل جباه السود هذه الكلمة ، فتعلقوا بهذه الشبهة فسموا المحكمة ، وخرجوا الى ـ حروراء ـ وكان فيها اجتماعهم واظهارهم العداء لعلي (ع) فسموا ـ الحرورية ـ.

« الازارقة » وهم اتباع. نافع بن الأزرق. ابو راشد الحنفي(٢) وهم اكثر الخوارج عدداً. وأشدهم شوكة. واعظمهم عصبية. فارقوا المحكمة. لقولهم كل من خالفهم من هذه الأمة فهو مشرك. بخلاف المحكمة. فانهم كانوا يقولون كل من خالفهم كافر ، وتزعم الأزارقة من

__________________

(١) وقيل اول من قال ـ لا حكم إلا الله ـ في صفين هو يزيد بن عاصم المحاربي كلمة حق يراد بها باطل. وقيل ان الذي قالها رجل من بني يشكر ، كان مع أصحاب علي يومئذ.

(٢) ذكر المبرد في كامله. أنه اعتزل الحرب يوم النهروان فضللته الخوراج.

٢٣٣

لم يهاجر الى ديارهم فهو مشرك. وان وافقهم في مذهبهم ، وكان من عاداتهم فيمن هاجر اليهم أن يمنحوه بأن يسلموا اليه أسيراً من اسراء مخالفيهم. وأطفالهم ويأمروه بقتله ، ويزعمون أن أطفال مخالفيهم مشركون يخلدون في النار ، ويزعمون أنّ ديار مخالفيهم ديار كفر ، وأنّ قتل نسائهم وأطفالهم مباح ، وإنّ رد أماناتهم لا تجب ، ويزعمون ان الرجم لا يجب على الزاني المحصن ، خلافاً لا جماع المسلمين ، وقالوا انّ من قذف رجلاً محصناً فلا حد عليه ، ومن قذف امراة محصنة فعليه الحد وقالوا ان سارق القليل يجب عليه القطع.

« النجدات » اتباع ـ نجدة بن عامر الحنفي ـ فمن قولهم ان من يقول بمقالة نافع فهو كافر ، ثم افترق هؤلاء ثلاث فرق ، وخرجوا على نجدة.

« العطوية » اتباع عطية بن الأسود الحنفي ، كان عطية هذا من اصحاب نجدة أرسله الى سجستان فأظهر مذهبه بمرو منابذاً لنجدة فعرفت اتباعه بالعطوية.

« الفديكية » اتباع ـ ابو فديك ـ كان ابو فديك من أصحاب نجدة فانقلب على نجدة لأنه أخذ عليه أشياء. منها انه بعث جنداً للغزو ، في البر وجنداً في البحر ، ثم فضل في العطاء من بعثه في البحر فأنكر عليه ذلك. وقال

٢٣٤

لم يكن من حقه ان يفضل هؤلاء فتبعه جماعة وسموا الفديكية.

« الصفرية » اتباع زياد بن الأصفر ـ وقولهم كقول الأزارقة في فساق هذه الامة ولكنهم لا يبيحون قتل نساء مخالفيهم ولا أطفالهم وقالت طائفة منهم : كل ذنب له حد معلوم في الشريعة لا يسمى مرتكبه مشركاً. ولا كافراً ، بل يدعى باسمه المشتق من جريمته يقال سارق ، وقاتل ، وقاذف ، وكل ذنب ليس فيه حد معلوم في الشريعة. مثل الاعراض عن الصلاة فمرتكبه كافر ، ولا يسمون مرتكب واحد من هذين النوعين جميعاً مؤمناً ، وقال فريق منهم. ان المذنب لا يكون كافراً الى أن يحده الوالي ويحكم بكفره ، وكان هذه الفرق الثلاث تدعى بامامة ـ مرداس ـ ابي بلال الخارجي ، وبعده قالت بإمامة ـ عمران بن حطان ـ الخبيث.

« العجاردة » اتباع عبد الكريم بن عجرد ـ وكان من اتباع عطية بن الأسود الحنفي ، وقولهم ان كل طفل بلغ فانه يدعى الى ان يقر بدين الاسلام ، وقبل ان يبلغ يتبرؤن منه ، ولا يحكمون له بحكم الإسلام في حالة طفوليته.

« الخازمية » كانوا يقولون بتكفير القدرية ، ووافقوا أهل السنة في القدر والاستطاعة والمشيئة ، فيقولون لا خالق الا

٢٣٥

الله ولا يكون الا ما يريد. غير أنهم يكفرون. عثمان بن عفان. وعلي بن ابي طالب (ع) والحكمين.

« الشعيبية » اتباع ـ محمد بن شعيب ـ يروى ان محمد بن شعيب نازع رجلاً من الخوارج يقال له ميمون ، وكان على شعيب نازع رجلاً من الخوارج يقال له ميمون ، وكان على شعيب مال فطالب به شعيباً ، فقال شعيب أؤديه اليك ان شاء الله تعالى. فقال ميمون الآن شاء الله ذلك ألا تراه قد أمر به. فقال شعيب : لو كان الله شاء لم اقدر على مخالفته. فظهر بسبب ذلك الخلاف بيت العجاردة في مسألة المشيئة. فكتبوا هذه القصة الى عبد الكريم بن عجرد ، وهو محبوس في حبس السلطان فكتب في جوابه. نحن نقول ما شاء الله كان. وما لم يشأ لم يكن ، ولا نلحق به سوءاً. وقال ميمون : من قال انه لم يرد ان يؤدي الي حقي فقد الحق به سوءاً ، وقال شعيب : بل وافقني في الجواب. ألا تراه يقول : وما لم يشأ لم يكن ، ورجع الخازمية الى قول شعيب ، والحمزية منهم الى قول ميمون القدري ، وميمون هذا كان يجوز نكاح بنات البنين ، وبنات البنات وبنات الأخوة. وهذا خلاف اجماع المسلمين. وهذا منه كفر زاده على قوله بالقدر ، والارادة ، وكان ينكر سورة يوسف ويقول انها ليست من القرآن.

« الخلفية » وهم اتباع ـ خلف ـ وكان من اتباع ميمون

٢٣٦

القدري ثم رجع عن قوله وتبع مذهب اهل السنة في باب القدر والمشيئة والاستطاعة فبايعه خوراج كرمان على ذلك ، وكان حمزة الخارجي يحاربهم حتى فني في حروبهم خلق كثير وقالوا بمقالة الأزارقة. في قولهم ان أطفال مخالفيهم يكونون في النار.

« المعلومية » و

« المجهولية » والفريقان من جملة الخازمية ، ثم ان المعلومية. خالفوهم وزعموا ان من لم يعلم الله بجميع اسمائه فهو جاهل به. والجاهل به كافر ، وزعموا ان من كان على دينهم. وخرج على اعدائه بالسيف فهو الامام ، والمجهولية يقولون. من عرف الله ببعض اسمائه يكون عالماً به ، ولا يشترطون معرفة جميع اسمائه ، ويكفرون المعلومية بهذا السبب.

« الصلتية » ابتاع صلت بن عثمان ، وقيل صلت بن ابي الصلت وقال : المقريزي ـ عثمان بن ابي الصلت ـ وهؤلاء كانوا يقولون انا نوالي كل من كان على مذهبنا. ولكنا نتبرأ عن أطفالهم الى أن يبلغوا ونعرض عليهم الاسلام فيقبلوه ـ يريدون عرض مذهبهم وقبوله.

« الحمزية » وهم اصحاب حمزة الخارجي. القدري. الذي خرج في عهد الرشيد بخراسان ، فانه جمع بين

٢٣٧

البدعتين الخروج. والقدر. وكان الى عهد المأمون ، وقد ظهر فساده في جميع بلاد خراسان. وكرمان ومكران. وقهستان. وكان قبلاً على مذهب الخازمية. ثم خالفهم في القدر. والاستطاعة. ورجع الى قول القدرية. وكان يزعم ان مخالفيهم من هذه الأمة مشركون. وان غنائمهم لا تحل لنا. وكان يأمر باحراق الغنائم. وعقر دواب مخالفيهم الى ان قتله جماعة من أهل نيسابور.

« الثعالبة » أصحاب ـ ثعلبة بن مسكان ، وذكره الشهرستاني ثعلبة بن عامر ، وهذه الفرقة كانت تقول بامامة عبد الكريم بن عجرد وصارت تكفره بعد ذلك.

« المعبدية » كانت هذه الفرقة تقول بامامة ـ معبد بن ثعلبة والثعالبة كانت تكفر معبد ، حيث خالف امام الثعالبة. بان قال : يجوز أخذ الزكاة من العبيد. ويجوز دفعها اليهم ، وزعم بأن كل من لم يوافقه بهذه المقالة كافر.

« الاخنسية » هم أصحاب اخنس بن قيس ، وكان من اتباع الثعالبة اولاً. في موالاة الأطفال ، ثم خنس من بينهم ؛ وزعم انه يجب التوقف في جميع من كان في دار التقية الامن عرفنا منه نوعاً من الكفر فحينئذ نتبرأ عنه ، ومن عرفنا منه الايمان فنواليه ، وكان يقول : ان قتل مخالفيهم

٢٣٨

في السر لا يجوز ، ولا يجوز ابتداء أحد من أهل القبلة بالقتال حتى يدعوه أولاً الى مذهبهم.

« الشيبانية » أصحاب شيبان بن سلمة الخارجي. الذي ساعد أبا مسلم الخراساني في نهضته ضد الأمويين. وكان يذهب الى مذهب المشبهة وكذلك ساير الثعالبة ، ثم خالفهم. وقال : كل زرع يسقى بنهر ، أو عين ففيه نصف الشعر. وقال : كل زرع سقى بالسماء ففيه عشر كامل.

« المكرمية » هؤلاء اتباع اب مكرم ابن عبدالله العجلي. كان يقول من ترك الصلاة فقد كفر لا لانه ترك الصلاة ولكن لانه يكون جاهلاً بالله تعالى. وكان يقول ان المذنبين كلهم جاهلون بالله وكان يقول ان الاعتبار بما سبق في كتاب الله.

« الاباضية » وهم أتباع عبدالله بن اباض ، قال ابن قتيبة. انه من بني مرة بن عبيد من بني تميم ، وهؤلاء الاباضية. تفرقوا الى فرق عديدة. وكل فرقهم تقول بهذه المقالة. ان كل من خالفهم من فرق هذه الأمة كفار. لا مشركون ولا مؤمنون ، ويجوزون شهادتهم ويحرمون دماءهم سراً. ويستبيحونها علانية ، ويجوزون مناكحتهم ويثبتون التوارث بينهم ، ويحرمون بعض غنائهم ويحللون بعضها ، يحللون ما كان من جملة الاسلاب والسلاح ،

٢٣٩

ويحرمون ما كان من ذهب او فضة ويردونها الى اربابها ، وعلى هذا قال : شاعرهم العماني(١) .

نبرأ ممن قد عصى مولاه

ما لم يتب عن الذي أتاه

وهكـذا نبرأ ممن بـريا

منا برأي فافهمن ما عنيا

لانه بـذاك عـاص آثم

وهـو به مخالف مراغم

فعلى هذا أن الاباضية تتبرأ من كل المسلمين. كذلك المسلمون يتبرأون منهم لانهم مرقوا عن الدين واختلقوا لهم معتقدات وآراء مخالفة لقدسية الاسلام وحقيقته.

« اليزيدية » : يقال لهم يزيدية الخوارج اتباع يزيد الخارجي(٢) وكان من البصرة. ثم رجع الى كور فارس. وكان على رأي الاباضية من الخوارج وكان يقول : ان الله تعالى يبعث رسولاً من العجم ، وينزل عليه كتاباً ينسخ به شريعة محمد (ص) وكان يقول اتباعه يكونون في الصابئة المذكورة في القرآن.

__________________

(١) عبد بن حميد بن سلوم السالمي المتوفي سنة ١٣٣٢ هـ في كتابه جوهر النظام ج ١ ، ص ١٦.

(٢) هذا في كتب الملل. لكن الصواب زيد بن ابي انيسة من رؤوس الخوارج ، وقال ابن حزم هو غير زيد بن ابي انيسة.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501