تذكرة الفقهاء الجزء ١٥

تذكرة الفقهاء7%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-436-1
الصفحات: 501

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 501 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 181317 / تحميل: 5866
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٥

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٦-١
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

المكاتَب يتصرّف في بيعه وشرائه بنفسه ، فصحّ أن يوكّل فيه.

وأمّا المرأة فعندنا يصحّ أن توكّل في النكاح ، خلافاً للشافعيّة(١) .

وكذا يصحّ عندنا توكيل الفاسق في تزويج ابنته - خلافاً للشافعيّة في أحد القولين(٢) - لأنّ الفاسق عندنا له ولاية النكاح.

ولا يصحّ توكيل السكران كسائر تصرّفاته ، عندنا.

مسألة ٦٥٥ : شرطنا في الموكّل أن يكون متمكّناً من المباشرة إمّا بحقّ الملك أو الولاية ليدخل فيه توكيل الأب أو الجدّ له في النكاح والمال. ويخرج عنه توكيل الوكيل ، فإنّه ليس بمالكٍ ولا وليّ ، وإنّما يتصرّف بالإذن.

نعم ، لو مكّنه الموكّل من التوكيل لفظاً أو دلّت عليه قرينة ، نفذ.

والعبد المأذون ليس له أن يوكّل فيما أذن له مولاه فيه ؛ لأنّه إنّما يتصرّف بالإذن.

وكذا العامل في المضاربة إنّما يتصرّف عن الإذن لا بحقّ الملك ولا الولاية.

وفي توكيل الأخ والعمّ ومَنْ لا يجبر في النكاح للشافعيّة وجهان يعودان في النكاح ؛ لأنّه من حيث إنّه لا يعزل كالوليّ ، ومن حيث إنّه لا يستقلّ كالوكيل(٣) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٥٠٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٦ ، الوسيط ٣ : ٢٨١ ، الوجيز ١ : ١٨٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٢ ، منهاج الطالبين : ١٣٤ ، المغني ٧ : ٣٣٧.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٥٠٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٦ ، و ٢ : ٣٧ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٢ ، الوسيط ٣ : ٢٨١ ، حلية العلماء ٥ : ١١٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١١ ، البيان ٦ : ٣٦٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٢.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٦ ، البيان ٦ : ٣٦٠ ، الوسيط ٣ : ٢٨١ ، حلية العلماء ٦ : ٣٤٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٠.

٢١

وعندنا لا ولاية له ، ولا مدخل له في النكاح أ لبتّة ، فلا يصحّ له أن يوكّل فيه.

وللمحجور عليه بالفلس أو السفه أو الرقّ أن يوكّلوا فيما لهم الاستقلال [ به ](١) من التصرّفات ، فيصحّ من العبد أن يوكّل فيما يملكه دون إذن سيّده ، كالطلاق والخُلْع.

وكذا المحجور عليه لسفهٍ لا يوكّل إلّا فيما لَه فعله ، كالطلاق والخُلْع وطلب القصاص.

والمفلس له التوكيل في الطلاق والخُلْع وطلب القصاص والتصرّف في نفسه ، فإنّه يملك ذلك ، وأمّا ماله فلا يملك التصرّف فيه.

وأمّا ما لا يستقلّ أحدهم بالتصرّف فيه فيجوز مع إذن الوليّ والمولى.

ومَنْ جوّز التوكيل بطلاق(٢) امرأة سينكحها وبيع(٣) عبد سيملكه فقياسه تجويز توكيل المحجور عليه بما سيأذن له فيه الوليّ(٤) .

وكلّ هذا عندنا باطل.

ومَنْ مَنَع من بيع الأعمى وشرائه من العامّة جوّز له أن يوكّل فيه ؛ للضرورة.

وإذا نفذ توكيل الوكيل ، فمنصوبه وكيل الموكّل أم وكيل الوكيل؟ فيه خلاف سيأتي إن شاء الله تعالى.

فإذا جعلناه وكيلاً للوكيل ، لم يكن من شرط التوكيل كون الموكّل مالكاً للتصرّف بحقّ الملك أو الولاية.

____________________

(١) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٢) في « ج ، ر » : « في طلاق ».

(٣) الظاهر : « أو بيع ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٠ - ٥٣١.

٢٢

مسألة ٦٥٦ : الوكالة جائزة في كلّ ما يصحّ دخول النيابة فيه‌ من البيع والشراء والمحاكمة ومطالبة الحقوق ممّن هي عليه وإثباتها ، عند علمائنا كافّة مع حضور الموكّل وغيبته وصحّته ومرضه - وبه قال ابن أبي ليلى ومالك وأحمد والشافعي وأبو يوسف ومحمّد(١) - لأنّ الخصومة تصحّ فيها النيابة ، فكان له الاستنابة فيها من غير رضا خصمه لدفع المال الذي عليه إذا كان غائباً أو مريضاً. ولأنّ الخصومة حقّ تجوز النيابة فيه ، فكان لصاحبه الاستنابة بغير رضا خصمه ، كحالة غيبته أو مرضه.

ولأنّ الصحابة أجمعوا عليه ، فإنّ العامّة رووا أنّ عليّاًعليه‌السلام وكّل عقيلاً وقال : « ما قضي له فلي ، وما قضي عليه فعلَيَّ »(٢) ، ووكّل [ عبد الله ](٣) بن جعفر أيضاً وقال : « إنّ للخصومة قحماً ، وإنّ الشيطان ليحضرها ، وإنّي أكره أن أحضرها »(٤) . والقحم : المهالك. واشتهر ذلك بين الصحابة ، ولم ينكره أحد ، فكان إجماعاً.

____________________

(١) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٧ / ١٠٣١ ، بداية المجتهد ٢ : ٣٠١ ، التلقين ٢ : ٤٤٥ - ٤٤٦ ، الذخيرة ٨ : ٦ و ٨ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٣٩٤ ، المعونة ٢ : ١٢٣٧ ، المغني ٥ : ٢٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٦ - ٢٠٧ ، التنبيه : ١٠٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٥ ، بحر المذهب ٨ : ١٤٩ و ١٥٣ ، الوسيط ٣ : ٢٧٨ ، الوجيز ١ : ١٨٨ ، البيان ٦ : ٣٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٦ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٥٣ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢٨ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٢ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٧ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٣٦ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٧ / ١٧٤١.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٥ ، المغني ٥ : ٢٠٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٧ ، سنن البيهقي ٦ : ٨١.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « عبد الرحمن ». والصحيح ما أثبتناه كما في المصادر.

(٤) نفس المصادر في الهامش (٢)

٢٣

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « مَنْ وكّل رجلاً على إمضاء أمر من الأُمور فالوكالة ثابتة أبداً حتى يُعلمه بالخروج منها كما أعلمه بالدخول فيها »(١) وهو من ألفاظ العموم.

وقال أبو حنيفة : للخصم أن يمتنع من مخاصمة الوكيل ومحاكمته إذا كان الموكّل حاضراً ؛ لأنّ حضوره مجلسَ الحكم ومخاصمته حقٌّ لخصمه عليه ، فلم يكن له نقله إلى غيره بغير رضا خصمه ، كالدَّيْن يكون عليه(٢) .

والفرق : إنّ الحوالة إسقاط الحقّ عن ذمّته ، فلا يملكه ، وهنا الوكالة نيابة عنه ، فهو بمنزلة توكيله في تسليم الحقّ الذي عليه. ولأنّ الحاجة قد تدعو إلى التوكيل ، فإنّه قد لا يُحسن الخصومة ، أو [ يترفّع ](٣) عنها ، فإنّه يكره للإنسان أن يباشر الخصومة بنفسه ، بل ينبغي لذوي المروءات وأهل المناصب الجليلة التوكيل في محاكماتهم إذا احتاجوا إليها.

مسألة ٦٥٧ : ولا فرق في ذلك بين الطلاق وغيره عند أكثر علمائنا(٤) . وللشيخرحمه‌الله قولٌ : إنّه إذا وكّل الإنسان غيره في أن يطلّق عنه امرأته وكان غائباً ، جاز طلاق الوكيل ، وإن كان شاهداً لم يجز طلاق الوكيل(٥) .

____________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٧ ، الهامش (٢)

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢٨ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٢ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٥٣ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٣٦ - ١٣٧ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٧ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٧ / ١٧٤١ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٣ ، الوسيط ٣ : ٢٧٨ ، البيان ٦ : ٣٥٥ ، الذخيرة ٨ : ٨ ، المعونة ٢ : ١٢٣٧ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٧ / ١٠٣١ ، المغني ٥ : ٢٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٧.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يرتفع ». والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

(٤) منهم : ابن إدريس في السرائر ٢ : ٨٣ ، والمحقّق الحلّي في شرائع الإسلام ٢ : ١٩٧ ، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ٣١٩.

(٥) النهاية : ٣١٩.

٢٤

ولا وجه له ، والمعتمد : جواز طلاق الوكيل في حضرة الموكّل وغيبته.

وللفاسق أن يوكّل غيره في إيجاب العقد على ابنته وفي قبول النكاح عن ابنه.

وللشافعيّة فيهما وجهان(١) .

وبعض العامّة فرّق بين القبول عن ابنه والإيجاب عن ابنه والإيجاب عن ابنته ، فجوّز الأوّل ، ومَنَع الثاني(٢) .

وليس للكافر ولاية التزويج لابنته المسلمة ، فليس له أن يوكّل فيه ؛ لقوله تعالى :( وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (٣) .

وكذا ليس للمُحْرم أن يوكّل في شراء الصيد ولا في عقد النكاح إيجاباً وقبولاً.

مسألة ٦٥٨ : التوكيل على أقسام ثلاثة :

الأوّل : أن يأذن الموكّل لوكيله في التوكيل ، فيجوز له أن يوكّل إجماعاً ؛ لأنّه عقد أذن له فيه ، فكان له فعله ، كالتصرّف المأذون فيه.

الثاني : أن ينهاه عن التوكيل ، فليس له أن يوكّل إجماعاً ؛ لأنّ ما نهاه عنه غير داخل في إذنه ، فلم يجز له فعله ، كما لو لم يوكّله.

الثالث : أطلق(٤) الوكالة. وأقسامه ثلاثة :

أحدها : أن يكون العمل ممّا يترفّع(٥) الوكيل عن مثله ، كالأعمال الدنيئة في حقّ أشراف الناس المترفّعين(٦) عن فعل مثلها في العادة ، كما‌ لو وكّله في البيع والشراء ، والوكيل ممّن لا يبتذل بالتصرّف في الأسواق ، أو

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٥٢ ، البيان ٦ : ٣٦٠ و ٣٦١.

(٢) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

(٣) النساء : ١٤١.

(٤) في « ج » : « إطلاق ».

(٥و٦) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يرتفع المرتفعين ». والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

٢٥

يعجز عن عمله ؛ لكونه لا يُحسنه ، فله التوكيل فيه ؛ لأنّ تفويض مثل هذا التصرّف إلى مثل هذا الشخص لا يقصد منه إلّا الاستنابة ، وهو قول علمائنا أجمع وأكثر الشافعيّة(١) .

ولهم وجهٌ آخَر : إنّه لا يوكّل ؛ لقصور اللفظ(٢) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ [ العمل ] إذا كان ممّا لا يعمله [ الوكيل ] عادةً(٣) انصرف الإذن إلى ما جرت العادة من الاستنابة فيه.

الثاني : أن يكون العمل ممّا لا يترفّع(٤) الوكيل عن مثله ، بل له عادة بمباشرته إلّا أنّه عملٌ كثير منتشر لا يقدر الوكيل على فعل جميعه فيباشره بنفسه ، ولا يمكنه الإتيان بالكلّ ؛ لكثرتها ، فعندنا يجوز له التوكيل ، ولا نعلم فيه مخالفاً.

وله أن يوكّل فيما يزيد على قدر الإمكان قطعاً ، وفي قدر الإمكان إشكال أقربه ذلك أيضاً ؛ لأنّ الوكالة اقتضت جواز التوكيل فيه ، فجازت في جميعه ، كما لو أذن له في التوكيل فيه بلفظٍ.

وللشافعيّة ثلاثة طرق :

أصحّها عندهم : إنّه يوكّل فيما يزيد على قدر الإمكان.

وفي قدر الإمكان وجهان :

أحدهما : يوكّل فيه أيضاً ؛ لأنّه ملك التوكيل في البعض ، فيوكّل في الكلّ ، كما لو أذن صريحاً.

____________________

(١و٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٨ ، حلية العلماء ٥ : ١١٩ - ١٢٠ ، البيان ٦ : ٣٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٤ ، منهاج الطالبين : ١٣٥.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لأنّ الوكيل إذا كان ممّا لا يعمله عادةً ». والصحيح ما أثبتناه.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لا يرتفع ». والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

٢٦

وأصحّهما عندهم : أنّه لا يوكّل في القدر المقدور عليه ؛ لأنّه لا ضرورة إليه ، بل يوكّل في الزائد خاصّةً ؛ لأنّ التوكيل إنّما جاز لأجل الحاجة ، فاختصّ بما دعت إليه الحاجة ، بخلاف وجود إذنه فيه ؛ لأنّه مطلق.

والثاني : إنّه لا يوكّل في قدر الإمكان ، وفيما يزيد عليه وجهان.

والثالث : إطلاق الوجهين في الكلّ(١) .

قال الجويني : والخلاف على اختلاف الطرق نظراً إلى اللفظ أو(٢) القرينة ، وفي القرينة تردّد في التعميم والتخصيص(٣) .

الثالث : ما عدا هذين القسمين ، وهو ما أمكنه فعله بنفسه ولا يترفّع عنه ، فقد قلنا : إنّه لا يجوز له أن يوكّل فيه إلّا بإذن الموكّل ؛ لأنّه لم يأذن له في التوكيل ولا تضمّنه إذنه ، فلم يجز ، كما لو نهاه. ولأنّ التوكيل استئمان ، فإذا استأمنه(٤) فيما يمكنه النهوض به ، لم يكن له أن يولّيه مَنْ لم يأتمنه عليه ، كالوديعة ، وبهذا قال أبو حنيفة وأبو يوسف والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين.

وقال في الأُخرى : يجوز له أن يوكّل - وبه قال ابن أبي ليلى إذا مرض أو غاب - لأنّ الوكيل له أن يتصرّف بنفسه ، فملكه نيابةً للموكّل(٥) .

[ و ] الأوّل أولى. ولا يشبه الوكيل المالك ، فإنّ المالك يتصرّف في‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٤.

(٢) في « ث ، خ » : « و» بدل « أو ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٦.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « استئمار استأمره ». والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

(٥) الفقه النافع ٣ : ١٢٤٠ / ٩٩٥ ، بحر المذهب ٨ : ١٦٦ ، البيان ٦ : ٣٦٨ ، المغني ٥ : ٢١٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١٠.

٢٧

ملكه كيف شاء ، بخلا ف الوكيل.

لا يقال : للوصي أن يوكّل وإن كان الموصي لم يأذن له في التوكيل.

لأنّا نقول : إنّ الوصي يتصرّف بولايةٍ ؛ لأنّه يتصرّف فيما لم ينص له على التصرّف فيه ، والوكيل لا يتصرّف إلّا فيما نصّ له عليه ، كذلك التوكيل. ولأنّ الوصي لا يملك أن يوصي إلى غيره ، كذا أيضاً الوكيل ينبغي أن لا يملك أن يوكّل غيره ، أمّا إذا أذن له الموكّل في التوكيل ، فإنّه يجوز له أن يوكّل ؛ لأنّ التوكيل عقد أُذن له فيه ، فكان كما لو أُذن له في البيع.

مسألة ٦٥٩ : إذا وكّله بتصرّفٍ وقال له : افعل ما شئت ، لم يقتض ذلك الإذنَ في التوكيل ؛ لأنّ التوكيل يقتضي تصرّفاً يتولّاه بنفسه ، وقوله : « اصنع ما شئت » لا يقتضي التوكيل ، بل يرجع إلى ما يقتضيه التوكيل من تصرّفه بنفسه ، وهذا أصحّ قولَي الشافعيّة.

وفي الثاني : إنّه له التوكيل - وبه قال أحمد ، واختاره الشيخرحمه‌الله في الخلاف(١) - لأنّه أطلق الإذن بلفظٍ يقتضي العموم في جميع ما شاء ، فيدخل في عمومه التوكيل(٢) .

وهو ممنوع.

مسألة ٦٦٠ : كلّ وكيلٍ جاز له التوكيل فليس له أن يوكّل إلّا أمينا ؛ لأنّه لا نظر للموكّل في توكيل مَنْ ليس بأمين ، فيفيد جواز التوكيل فيما فيه الحظّ والنظر ، كما أنّ الإذن في البيع يفيد البيع بثمن المثل ، إلّا أن يعيّن له الموكّل مَنْ يوكّله ، فيجوز ، سواء كان أميناً أو لم يكن ؛ اقتصاراً على مَنْ نصّ عليه‌

____________________

(١) الخلاف ٣ : ٣٤٣ ، المسألة ٨.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٨ ، حلية العلماء ٥ : ١١٩ - ١٢٠ ، البيان ٦ : ٣٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٧ ، المغني ٥ : ٢١٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٩.

٢٨

المالك ، ولأنّ الما لك قطع نظره بتعيينه.

ولو وكّل أميناً فصار خائناً ، فعليه عزله ؛ لأنّ تركه يتصرّف في المال مع خيانته تضييعٌ وتفريطٌ على المالك ، والوكالة تقتضي استئمان أمين ، وهذا ليس بأمين ، فوجب عزله.

وللشافعيّة وجهان في أنّه هل له عزله؟(١) .

مسألة ٦٦١ : إذا أذن له أن يوكّل ، فأقسامه ثلاثة :

الأوّل : أن يقول له : وكِّل عن نفسك ، فَفَعَل ، كان الثاني وكيلاً للوكيل ينعزل بعزل الأوّل إيّاه‌ ؛ لأنّه نائبه ، وهو أحد قولَي الشافعيّة.

والثاني : لا ينعزل ؛ لأنّ التوكيل فيما يتعلّق بحقّ الموكّل حقٌّ للموكّل ، وإنّما حصّله بالإذن ، فلا يرفعه إلّا بالإذن(٢) .

ويجري هذا الخلاف في انعزاله بموت الأوّل وجنونه(٣) .

والأصحّ : الانعزال.

ولو عزل الموكّل الأوّلَ ، انعزل. وفي انعزال الثاني بانعزاله هذا الخلاف بين الشافعيّة(٤) .

ولو عزل الأوّل الثاني ، فالأقرب الانعزال ؛ لأنّه وكيله - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة - كما ينعزل بموته وجنونه.

والثاني : لا ينعزل ؛ لأنّه ليس بوكيلٍ من جهته(٥) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٥١٨ - ٥١٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٨ ، بحر المذهب ٨ : ١٦٨ ، الوسيط ٣ : ٢٩٢ ، حلية العلماء ٥ : ١١٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٥ ، البيان ٦ : ٣٦٧ - ٣٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٥.

(٢ و ٣) بحر المذهب ٨ : ١٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٥.

(٥) بحر المذهب ٨ : ١٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٥.

٢٩

والأصل في ذلك أنّ ا لثاني وكيل الوكيل كما [ لو ](١) صرّح [ به ] ٢ في التوكيل ، أو وكيل الموكّل ، ومعنى كلامه : أقم غيرك مقام نفسك؟

والأصحّ أنّه وكيل الوكيل ، لكن إذا كان وكيل الوكيل ، كان فرعُ الفرع فرعَ أصل الأصل ، فينعزل بعزله.

الثاني : لو قال : وكِّل عنّي ، فوكَّل عن الموكّل ، فالثاني وكيلٌ للموكّل ، كما أنّ الأوّل وكيل الموكّل ، وليس لأحدهما عزل الآخَر ، ولا ينعزل أحدهما بموت الآخَر ولا جنونه ، وإنّما ينعزل أحدهما بعزل الموكّل ، فأيّهما عزل انعزل.

الثالث : لو قال : وكّلتُك بكذا وأذنتُ لك في توكيل مَنْ شئتَ ، أو : في أن توكّل وكيلا ، أو : في أن توكّل فلاناً ، ولم يقل : عنّي ، ولا عن نفسك ، بل أطلق ، فللشافعيّة وجهان :

أحدهما : إنّه كالصورة الأُولى - وهو أن يكون وكيلاً عن الوكيل - لأنّ المقصود من الإذن في التوكيل تسهيل الأمر على الوكيل.

وأصحّهما عندهم : إنّه كالصورة الثانية يكون وكيلاً عن الموكّل ؛ لأنّ التوكيل تصرّف يتولّاه بإذن الموكّل ، فيقع عنه(٣) .

وإذا جوّزنا للوكيل أن يوكّل في صورة سكوت الموكّل عنه ، فينبغي أن يوكّل عن موكّله.

ولو وكّله عن نفسه ، فللشافعيّة وجهان ؛ لأنّ القرينة المجوّزة للتوكيل كالإذن في مطلق التوكيل(٤) .

مسألة ٦٦٢ : يجوز للوصي أن يوكّل وإن لم يفوّض الموصي إليه‌

____________________

(١و٢) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٣و٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٥.

٣٠

ذلك بالنصوصيّة ؛ لأ نّه يتصرّف بالولاية ، كالأب والجدّ ، لكن لو منعه الموصي من التوكيل ، وجب أن يتولّى بنفسه ، وليس له أن يوكّل حينئذٍ ؛ لقوله تعالى :( فَمَنْ بَدَّلَهُ ) (١) الآية.

ويجوز للحاكم أن يوكّل عن السفهاء والمجانين والصبيان مَنْ يتولّى الحكومة عنهم ، ويستوفي حقوقهم ، ويبيع عنهم ويشتري لهم ، ولا نعلم فيه خلافاً.

البحث الثالث : في الوكيل

مسألة ٦٦٣ : كما يشترط في الموكّل التمكّن من مباشرة التصرّف للموكّل فيه بنفسه ، يشترط في الوكيل التمكّن من مباشرته بنفسه‌ ، وذلك بأن يكون صحيحَ العبارة فيه ، فلا يصحّ للصبي ولا للمجنون أن يكونا وكيلين في التصرّفات ، سواء كان الصبي مميّزاً ، أو لا ، وسواء بلغ عشر سنين أو خمسة أشبار ، أو لا ، وسواء كان في المعروف ، أو لا.

وعلى الرواية(٢) المسوّغة تصرّفاتِ الصبي إذا بلغ عشر سنين في المعروف والوصيّة يحتمل جواز وكالته فيما يملكه من ذلك.

لكنّ المعتمد الأوّل.

ولو جُنّ الوكيل أو الموكّل أو أُغمي على أحدهما ، بطلت الوكالة ؛ لخروجه حينئذٍ عن التكليف ، وسقوط اعتبار تصرّفه وعبارته في شي‌ء ألبتّة. وقد استثني في الصبي الإذن في الدخول إلى دار الغير والملك في إيصال الهديّة.

وفي اعتبار عبارته في هاتين الصورتين للشافعيّة وجهان ، فإن جاز‌

____________________

(١) البقرة : ١٨١.

(٢) تقدّم تخريجها في ص ١٩ ، الهامش (٣)

٣١

فهو وكيل من جهة الآ ذن والـمُهْدي(١) .

وإذا(٢) قلنا : إنّ تجويزهما على سبيل التوكيل ، فلو أنّه وكّل غيره فيه ، فقياس الشافعيّة أنّه على الخلاف في أنّ الوكيل هل يوكّل؟ فإن جاز ، لزم أن يكون الصبي أهلاً للتوكيل أيضاً(٣) .

وقال أبو حنيفة وأحمد : يجوز أن يكون الصبيّ وكيلاً في البيع والشراء وغير ذلك من أنواع التصرّفات إذا كان يعقل ما يقول ، ولا يحتاج إلى إذن وليّه ؛ لأنّه يعقل ما يقول ، فجاز توكيله ، كالبالغ(٤) .

وهو غلط ؛ لأنّه غير مكلّف ، فلا يصحّ تصرّفه ، كالمجنون.

والفرق بينه وبين البالغ ظاهرٌ ؛ فإنّ البالغ مكلّف ، بخلافه.

إذا عرفت هذا ، فيستحبّ أن يكون الوكيل تامَّ البصيرة فيما وكّل فيه ، عارفاً باللغة التي يحاور بها.

مسألة ٦٦٤ : يجوز للمرأة أن تتوكّل في عقد النكاح إيجاباً وقبولاً عندنا ؛ لأنّ عبارتها في النكاح معتبرة ، بخلاف الـمُحْرم ، فإنّه لا يجوز أن يتوكّل فيه إيجاباً ولا قبولاً ، وبه قال أبو حنيفة(٥) .

وقال الشافعي : لا يجوز للمرأة أن تكون وكيلةً في النكاح إيجاباً ولا قبولاً ، كالـمُحْرم ؛ لأنّهما مسلوبا العبارة في النكاح ، فلا يتوكّلان فيه كما لا يوكّلان(٦) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٢.

(٢) في « ث » : « فإن ». وفي « خ » والطبعة الحجريّة : « فإذا » بدل « وإذا ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٢.

(٤) مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٧٠ / ١٧٤٤ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٩ - ١٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٧ ، المغني ٥ : ٢٠٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٤.

(٥) الوجيز ١ : ١٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٧.

(٦) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٦ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٢ ، الوجيز ١ : ١٨٩ ، حلية =

٣٢

ونحن نمنع ذلك في ال نكاح على ما يأتي.

ويجوز توكيل المطلّقة الرجعيّة في رجعة نفسها وتوكيل امرأةٍ أُخرى ، خلافاً للشافعيّة ؛ لأنّ الفرج - عندهم - لا يستباح بقول النساء ، ومنعوا من توكيل المرأة في الاختيار للنكاح إذا أسلم الكافر على أكثر من أربع نسوة(١) .

وكلّ هذا عندنا جائز.

وكذا يجوز توكيل المرأة في الاختيار للفراق لما زاد على أربع.

وللشافعيّة وجهان ، أحدهما : المنع ؛ لأنّه يتضمّن اختيار الأربع للنكاح(٢) .

مسألة ٦٦٥ : يجوز تعدّد الوكيل في الشي‌ء الواحد ، ووحدته‌ ، ولا نعلم فيه خلافاً ، فإذا وكّل اثنين في تصرّفٍ بأن جَعَل لكلّ واحدٍ منهما الانفراد بالتصرّف ، فله ذلك ؛ لأنّه مأذون له فيه. وإن منعه من الانفراد ، لم يكن له التفرّد. وإن أطلق ، فكذلك لا ينفرد أحدهما ؛ لأنّه لم يأذن له في ذلك ، وإنّما يتصرّف فيما أذن له فيه موكّلُه ، وبه قال الشافعي وأحمد وأصحاب الرأي(٣) .

مسألة ٦٦٦ : يجوز أن يتوكّل العبد في الشراء لنفسه أو لغيره.

وللشافعيّة وجهان(٤) .

____________________

= العلماء ٦ : ٣٢٣ ، البيان ٦ : ٣٦٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٢ ، منهاج الطالبين : ٢٠٦.

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٣.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٥ ، البيان ٦ : ٣٦٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥١ ، المغني ٥ : ٢١٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٠ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٣١ ، بدائع الصنائع ٦ : ٣٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٤٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٣.

(٤) الوسيط ٣ : ٢٨٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٩ ، البيان ٦ : ٣٧٦ ، العزيز شرح الوجيز =

٣٣

وفي توكّله في قبول النكاح بغير إذن السيّد وجهان :

أحدهما : المنع ، كما لا يقبل لنفسه بغير إذن السيّد.

وأصحّهما عندهم : الجواز(١) .

والحقّ ذلك إن لم يمنع شيئاً من حقوق السيّد ، وإنّما لم يجز قبوله لنفسه ؛ لما يتعلّق به من المهر ومُؤن النكاح.

وكذا يصحّ أن يتوكّل في طرف الإيجاب لصحّة عبارته ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : المنع ؛ لأنّه لا يزوّج ابنته فأولى أن لا يزوّج بنت غيره(٢) .

والفرق : إنّه إنّما لم يَلِ أمر ابنته ؛ لأنّه لا يتفرّغ للبحث والنظر ، وهنا قد تمّ البحث والنظر من جهة الموكّل.

ويوكّل المحجور عليه بالسفه في [ طرفي ](٣) النكاح ، كتوكيل العبد ، وتوكيل الفاسق في إيجاب النكاح إذا سلبنا الولاية بالفسق ، ونحن لا نسلبه الولاية.

ولا خلاف في جواز قبوله بالوكالة.

والمحجور عليه بالفلس يتوكّل فيما لا يلزم ذمّته عُهْدة ، وكذا فيما‌

____________________

= ٤ : ٣٧٤ ، و ٥ : ٢١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٠ و ٥٣٢ ، المغني ٥ : ٢٤٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١١ - ٢١٢.

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٦ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٢ ، الوسيط ٣ : ٢٨٢ ، حلية العلماء ٥ : ١١٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١١ ، البيان ٦ : ٣٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٢.

(٢) بحر المذهب ٨ : ١٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٧ - ٢١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٢.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « طريق ». والصحيح ما أثبتناه.

٣٤

يلزم على أصحّ وجهي الشافعيّة ، كما يصحّ شراؤه على الصحيح(١) .

ويجوز توكّل المرأة في طلاق زوجة الغير - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٢) - كما يجوز أن يفوّض الزوج طلاق زوجته إليها ، ويوكّلها في طلاق نفسها.

مسألة ٦٦٧ : كلّ مَنْ لا يملك التصرّف في شي‌ء لنفسه لا يصحّ أن يتوكّل فيه‌ ، كالكافر في تزويج مسلمةٍ ، والمـُحْرم في شراء صيدٍ ، والطفل والمجنون في الحقوق كلّها.

وللمكاتَب أن يتوكّل بجُعْلٍ ؛ لأنّه من اكتسابه للمال وإن لم يأذن له مولاه ؛ لأنّه ليس له منعه من الاكتساب بأنواع وجوهه.

وأمّا بغير جُعْلٍ فإن لم يمنع شيئاً من حقوق السيّد ، فالأقرب : الجواز ، كما قلناه في العبد ، وإلّا افتقر إلى إذن السيّد ؛ لأنّ منافعه كأعيان ماله ، وليس له بذل عين ماله بغير عوضٍ ، فكذا منافعه.

وليس للعبد المأذون له في التجارة التوكّل في شي‌ء يمنع بعض حقوق سيّده بغير إذنه ؛ لأنّ الإذن في التجارة لا يتناول التوكّل.

مسألة ٦٦٨ : مدار الوكالة بالنسبة إلى الإسلام والكفر على ثمان مسائل تبطل فيها وكالة الذمّيّ على المسلم ، وهي صورتان : أن يتوكّل الذمّيّ للمسلم على المسلم ، أو للكافر على المسلم ، عند علمائنا أجمع ؛ لقوله تعالى :( وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (٣) .

____________________

(١) البيان ٦ : ٣٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٣.

(٢) بحر المذهب ٨ : ١٥٢ ، البيان ٦ : ٣٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٣.

(٣) النساء : ١٤١.

٣٥

ويكره أن يتوكّل الم سلم للذمّي ، عند علمائنا أجمع. ولم يذكر ذلك أحد من العامّة ، بل أطلقوا القول بأنّ المسلم إذا وكّل ذمّيّاً أو مستأمناً أو مرتدّاً أو حربيّاً ، صحّ التوكيل فيما يصحّ تصرّف الكافر فيه ؛ لأنّ العدالة غير مشروطة فيه ، فكذلك الدين ، كالبيع(١) .

ولأنّ كلّ ما صحّ أن يتصرّف فيه لنفسه ودخلته النيابة ولم يشترط فيه العدالة ، لم يعتبر فيه الدين ، كما لو كان الوكيل فاسقاً ، فإنّه يجوز.

فإن وكّل الكافر مسلماً ، جاز ، وكان أولى.

وإن وكّل المسلم مرتدّاً ، جاز ؛ لأنّ ردّته لا تؤثّر في تصرّفه ، وإنّما تؤثّر في ماله.

مسألة ٦٦٩ : لو وكّل المسلم مسلماً ثمّ ارتدّ الوكيل ، لم تبطل وكالته ، سواء لحق بدار الحرب أو لا ؛ لأنّه يصحّ تصرّفه لنفسه ، فلم تبطل وكالته ، كما لو لم يلحق بدار الحرب. ولأنّ الردّة لا تمنع ابتداء وكالته ، فلم تمنع استدامتها ، كسائر الكفر.

وقال أبو حنيفة : إن لحق بدار الحرب ، بطلت وكالته ؛ لأنّه صار منهم(٢) .

ولا دلالة فيه ؛ لجواز أن يكون الوكيل حربيّاً.

ولو ارتدّ الموكّل ، لم تبطل الوكالة فيما له التصرّف فيه ، وتبطل فيما ليس للمرتدّ التصرّف فيه.

وللشافعي أقوال ثلاثة ، إن قلنا : يزول ملكه أو قلنا : لا يزول ولكن‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٢٤٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٢١٥.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٣٦ ، بدائع الصنائع ٦ : ٣٨ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٥٤ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٤ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ١١ ، الفقه النافع ٣ : ١٢٤١ / ٩٩٦.

٣٦

لا يصحّ تصرّفه ، لم تصح وكالته فيه. وإن قلنا ببقاء ملكه وتصرّفه فيه نافذ ، صحّ أن يوكّل فيه ، وإن قلنا : إنّه موقوف ، فالوكالة موقوفة(١) .

ولو وكّل المرتدّ مسلماً في التصرّفات الماليّة ، يبنى على انقطاع ملكه وبقائه ، إن قطعناه لم تصح ، وإن أبقيناه صحّ. وإن قلنا : إنّه موقوف فكذلك التوكيل.

فلو وكّله مرتدّاً أو ارتدّ الوكيل ، لم يقدح في الوكالة ؛ لأنّ التردّد في تصرّفه لنفسه ، لا لغيره.

وقال بعض الشافعيّة : إنّه يبنى على أنّه [ هل ](٢) يصير محجوراً عليه؟ إن قلنا : نعم ، انعزل عن الوكالة ، وإلّا فلا(٣) .

البحث الرابع : فيما فيه التوكيل

والنظر في شرائطه ، وهي ثلاثة :

الأوّل : أن يكون مملوكاً للموكِّل.

الثاني : أن يكون قابلاً للنيابة.

الثالث : أن يكون ما به التوكيل معلوماً ولو إجمالاً.

النظر الأوّل : أن يكون مملوكاً للموكّل

يشترط فيما تتعلّق الوكالة به أن يكون مملوكاً للموكِّل ، فلو وكَّل غيره بطلاق زوجةٍ سينكحها [ أو بيع عبد ](٤) سيملكه ، أو إعتاق رقيق سيشتريه ،

____________________

(١) البيان ٦ : ٤٠٩ - ٤١٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٣.

(٢) إضافة من « العزيز شرح الوجيز ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٣.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « أو عبداً ». والصحيح ما أثبتناه.

٣٧

أو قضاء دَيْنٍ يستد ينه ، أو تزويج امرأة إذا انقضت عدّتها أو طلّقها زوجها ، وما أشبه ذلك ، لم يصح ؛ لأنّ الموكّل لا يتمكّن من مباشرة ذلك بنفسه ، فلا تنتظم إنابة غيره فيه ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.

والثاني : إنّه صحيح ، ويكتفى بحصول الملك عند التصرّف ، فإنّه المقصود من التوكيل(١) .

وقال بعض الشافعيّة : الخلاف عائد إلى أنّ الاعتبار بحال التوكيل أم بحال التصرّف؟(٢) .

ولو وكّله في شراء عبدٍ وعتْقِه ، أو في تزويج امرأة وطلاقها ، أو في استدانة دَيْنٍ وقضائه ، صحّ ذلك كلّه ؛ لأنّ ذلك مملوك للموكِّل.

النظر الثاني : في قبول متعلّق الوكالة النيابة

مسألة ٦٧٠ : الضابط فيما تصحّ فيه النيابة وما لا تصحّ أن نقول : كلّ ما تعلّق غرض الشارع بإيقاعه من المكلّف مباشرةً ، لم تصح فيه الوكالة ، وأمّا ما لا يتعلّق غرض الشارع بحصوله من مكلّفٍ معيّن ، بل غرضه حصوله مطلقاً ، فإنّه تصحّ فيه الوكالة.

وذلك ؛ لأنّ التوكيل تفويض وإنابة ، فلا يصحّ فيما لا تدخله النيابة ، كالطهارة مع القدرة لا يصحّ التوكيل فيها ؛ لأنّ غرض الشارع تعلَّق بإيقاعها من المكلّف بها مباشرةً ، وهي عبادة محضة لا تتعلّق بالمال. ولأنّ محلّها متعيّن ، فلا ينوب غيره منابه.

نعم ، عند الضرورة تجوز الاستنابة في غَسْل الأعضاء ، والاستنابة في‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٥.

٣٨

صبّ الماء على أعضائه ؛ لأنّ إيصال الماء إلى أعضائه واجب عليه ، فيجوز أن يستنيب فيه.

وتجوز الاستنابة في إزالة النجاسة عن بدنه وثوبه مع القدرة ، لا في النيّة ، حتى لو غسله ساهياً أو مجنوناً مع نيّة العاجز ، صحّ. ولو غسله ناوياً مع غفلة العاجز ، بطل.

وكذا الصلاة الواجبة لا تصحّ فيها النيابة ما دام حيّاً ، فإذا مات ، جازت الاستنابة فيها ، كالحجّ ، عند علمائنا.

وكذا الاستنابة في ركعتي الطواف إجماعاً ، وفي فعل الصلاة المنذورة عند أحمد في إحدى الروايتين(١) .

ومَنَع الجمهور من الاستنابة في الصلاة إلّا صلاة ركعتي الطواف(٢) .

وأمّا الصوم فلا يصحّ دخول النيابة فيه ما دام حيّاً ، فإذا مات صحّ أن يصوم عنه غيره بعوضٍ ومجّاناً.

وللشافعي قولان فيما لو مات فصام عنه وليُّه(٣) .

والاعتكاف لا تدخله النيابة بحال ، وبه قال الشافعي(٤) . وعن أحمد‌

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٠٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٨.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٤٩٧ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٠ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ١٨٢ ، البيان ٦ : ٣٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٣.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٤٩٧ ، التنبيه : ٦٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ١٩٤ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٨ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ١٨٠ - ١٨١ ، و ٤ : ٢١٠ ، الوسيط ٢ : ٥٥١ ، الوجيز ١ : ١٠٥ ، البيان ٦ : ٣٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٣ : ٢٣٧ ، و ٥ : ٢٠٦ ، روضة الطالبين ٢ : ٢٤٦ ، و ٣ : ٥٢٣ ، منهاج الطالبين : ٧٧ ، المجموع ٦ : ٣٦٨.

(٤) بحر المذهب ٨ : ١٥٠ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ١٨١ ، البيان ٦ : ٣٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٣ : ٢٣٧ ، روضة الطالبين ٢ : ٢٤٦ ، المجموع ٦ : ٣٧٢.

٣٩

روايتان (١) .

وأمّا الزكاة فتجوز النيابة في أدائها ، فيؤدّيها عنه غيره.

وكذا كلّ ما يتعلّق(٢) بالمال من الصدقات الواجبة والمندوبة والخُمْس ، فإنّه يجوز التوكيل في قبض ذلك كلّه وتفريقه.

ويجوز للمُخرج التوكيل في إخراجها وتفريقها ودفعها إلى مستحقّها ، ويستنيب الفقراء والإمام أيضاً في تسلّمها(٣) من أربابها ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث عُمّاله لقبض الصدقات وتفريقها ، وقال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن :

« أعلمهم أنّ عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم فتُردّ في فقرائهم فإن هُمْ أطاعوك بذلك فإيّاك وكرائم أموالهم ، واتّق دعوة المظلوم ، فإنّه ليس بينها وبين الله حجاب »(٤) .

وأمّا الحجّ فتجوز النيابة فيه إذا يئس المحجوج عنه من الحجّ بنفسه بزمانةٍ ، عند الشيخ(٥) رحمه‌الله وعند الشافعي وأكثر العامّة(٦) ، أو بموتٍ إجماعاً. وكذا العمرة وكثير من أفعال الحجّ ، كطواف النساء والرمي.

وكذا تجوز النيابة في ذبح الضحايا والهدايا ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أناب فيه.

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٠٧.

(٢) في النسخ الخطّيّة : « تعلّق ».

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « تسليمها ». والمثبت هو الصحيح.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٥٨ - ١٥٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٦٨ / ١٧٨٢ ، سنن أبي داوُد ٢ : ١٠٥ / ١٥٨٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٢١ / ٦٢٥ ، المغني ٥ : ٢٠٦ - ٢٠٧.

(٥) الخلاف ٢ : ٢٤٨ ، المسألة ٦.

(٦) الحاوي الكبير ٤ : ٨ ، و ٦ : ٤٩٧ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٠ ، الوسيط ٢ : ٥٩٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٤٤ - ٢٤٥ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٢٤٩ ، البيان ٦ : ٣٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٣ : ٣٠٠ ، روضة الطالبين ٢ : ٢٨٧ - ٢٨٨ ، المجموع ٧ : ٩٤ و ١٠٠ ، المغني ٣ : ١٨١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٨٣.

٤٠

ونحر عن عليّ عليه‌السلام - وهو غائب - وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله مائة ناقة ثلثيها(١) عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله وثلثها عن عليّعليه‌السلام (٢) .

وتجوز النيابة في الجهاد ؛ لأنّ الغرض حراسة المسلمين ، وحفظ عمود الدين ، وليس الغرض متعلّقاً بمباشرة معيّن ، إلّا أن يعيّنه الإمام للخروج بنفسه إمّا لشدّة بلائه في الحرب ، أو لجودة شوره ووفور عقله وربط جأشه(٣) وقوّة بأسه ، أو لغير ذلك من الحِكَم والمصالح ، فحينئذٍ لا تجوز الاستنابة فيه.

مسألة ٦٧١ : يصحّ التوكيل في البيع إيجاباً وقبولاً ، وفي جميع أنواعه‌ - كالسَّلَم والصرف والتولية وغيرها - وفي جميع أحكامه وتوابعه من الفسخ بالخيار والأخذ بالشفعة وإسقاطهما ، فإنّه قد يترفّع عن التردّد في الأسواق ، وقد لا يُحْسن التجارة ، وقد لا يتفرّغ لها ، وقد يكون مأموراً بالتخدير ، كالمرأة ، فأجاز الشارع التوكيل فيه ؛ دفعاً للحاجة ، وتحصيلاً لمصلحة الآدمي المخلوق لعبادة الله تعالى ، كما قال عزّ من قائل :( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلّا لِيَعْبُدُونِ ) (٤) .

ويجوز التوكيل في الحوالة والضمان والكفالة وعقد الرهن والشركة والوكالة والصلح ؛ لأنّه إمّا بيع عند الشافعي(٥) ، أو عقد مستقلّ برأسه.

____________________

(١) في « ث ، ج ، خ » والطبعة الحجريّة : « ثلثاها ».

(٢) الفقيه ٢ : ١٥٣ / ٦٦٥ ، الكامل في التاريخ ٢ : ٣٠٢ ، صحيح مسلم ٣ : ٨٨٦ - ٨٩٢ / ١٢١٨ ، سنن البيهقي ٥ : ١٣٤ ، الاستذكار ١٣ : ٩٥ - ٩٦ / ١٨١٨٨ ، التمهيد ٢ : ١١١.

(٣) جأش القلب هو رُواعه إذا اضطرب عند الفزع ، يقال : فلان رابط الجأش ، أي يربط نفسَه عن الفرار ، لشجاعته. الصحاح ٣ : ٩٩٧ « جأش ».

(٤) الذاريات : ٥٦.

(٥) الحاوي الكبير ٦ : ٣٦٧ ، التنبيه : ١٠٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٤٠ ، =

٤١

والتفليس لا يتصوّر فيه الوكالة.

وأمّا الحجر فيصحّ أن يوكّل الحاكم مَنْ ينوب عنه فيه ، ويوكّل الغرماء مَنْ يطلبه من الحاكم. وأمّا المحجور عليه فلا يتصوّر فيه أن يستنيب مَنْ يحكم عليه بالحجر عليه.

وكذا تصحّ الوكالة في القراض في عقده وفعله بأن يستنيب العامل إن أذن له المالك ، وإلّا فلا.

وفي الإقرار خلاف يأتي(١) .

ويصحّ التوكيل في الهبة والعارية - لأنّها هبة المنافع - في عقدها وفعلها ، إلّا في مثل إعارة الثوبِ ليلبسه ، والدابّةِ ليركبها بنفسه ، وشبه ذلك.

والغصب لا يتصوّر فيه التوكيل ، فإذا وكّل رجل رجلاً في غصبٍ ، كان الغاصبُ الوكيلَ ، دون الموكّل ؛ لأنّ فعل ذلك حرام ، فلا تصحّ النيابة فيه.

وتصحّ النيابة في المطالبة بالشفعة وأخذها.

وكذا تصحّ في المساقاة والمزارعة والإجارة والوديعة والجعالة والفعل المتعلّق بالجعالة ، والحوالة والقرض عقداً وتسليماً وأخذاً ، والوقف والحبس والعمرى والرقبى ، والوصيّة إيجاباً وقبولاً ، وفعل متعلّقها.

ولبعض الشافعيّة قولٌ في منعها ؛ لأنّها قربة(٢) .

والقربة لا تنافي النيابة ، كالحجّ وصلاة الطواف.

____________________

= الوسيط ٤ : ٤٩ ، الوجيز ١ : ١٧٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٤١ - ١٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٨٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٢٨ ، منهاج الطالبين : ١٢٥.

(١) في ص ٤٩ ، المسألة ٦٧٨.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٤.

٤٢

وتصحّ النيابة في ال صدقة - كالزكاة وشبهها - والإبراء وقبض الأموال ، مضمونةً كانت أو غير مضمونة ، وفي قبض الديون وإقباضها ؛ لأنّ ذلك كلّه في معنى البيع في الحاجة إلى التوكيل فيها ، فيثبت فيها حكمه.

ولا نعلم في شي‌ء من ذلك خلافاً ، إلّا ما قلناه.

وكذا تصحّ النيابة في العطايا وقسمة الفي‌ء والغنيمة والصدقة.

مسألة ٦٧٢ : يصحّ التوكيل في عقد النكاح إيجاباً وقبولا ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وكّل عمرو بن أُميّة الضمري وأبا رافع في النكاح له(١) .

ولأنّ الحاجة قد تدعو إلى ذلك ، فإنّه ربما احتاج إلى التزويج من مكانٍ بعيد لا يمكنه السفر إليه ، فإنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله تزوّج أُمّ حبيبة وهي يومئذٍ بأرض الحبشة(٢) .

ويجوز التوكيل في الطلاق ، حاضراً كان الموكّل أو غائباً على ما قدّمناه ، وفي الخلع ، وفي الرجعة - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٣) - كابتداء النكاح ، فإنّ كلّ واحدٍ منهما استباحة فرجٍ محرَّم.

والثاني : المنع ، كما لو أسلم الكافر على أكثر من أربع نسوة ووكّل بالاختيار ، وكذا لو طلّق إحدى امرأتيه ، أو أعتق أحد عبديه ، ووكّل بالتعيين(٤) .

____________________

(١) راجع المصادر في الهامش ( ٢ و ٣ ) من ص ٦.

(٢) الكامل في التاريخ ٢ : ٣٠٨ ، تاريخ الطبري ٣ : ١٦٥ ، تاريخ مدينة دمشق ٦٩ : ١٣٥ ، دلائل النبوّة - للبيهقي - ٣ : ٤٦٠ ، سنن النسائي ٦ : ١١٩ ، المعجم الكبير - للطبراني - ٢٣ : ٢١٩ / ٤٠٢ ، مسند أحمد ٧ : ٥٧٩ / ٢٦٨٦٢.

(٣) بحر المذهب ٨ : ١٥١ ، البيان ٦ : ٣٥٤ - ٣٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٤.

(٤) بحر المذهب ٨ : ١٥١ ، البيان ٦ : ٣٥٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٤.

٤٣

ونمنع الملازمة وثبو ت الحكم في الأصل.

وكذا يصحّ التوكيل في تعيين المهر وقبضه ، ولا تصحّ الوكالة في القَسْم ؛ لأنّه يتعلّق ببدن الزوج ويتضمّن استمتاعاً.

مسألة ٦٧٣ : كما يصحّ التوكيل في العقود ، كذا يصحّ في فسخها والتوكيل في الإقالة منها وسائر الفسوخ.

وما هو على الفور قد يكون التأخير بالتوكيل تقصيراً.

ويصحّ التوكيل في خيار الرؤية.

وللشافعيّة خلاف فيه(١) .

ويجوز التوكيل في الإعتاقِ والتدبيرِ.

وللشافعيّة فيه وجهان يبنى على أنّه وصيّة أو تعليق عتقٍ بصفةٍ؟ فإن قلنا بالثاني منعناه(٢) .

والكتابةِ.

ولا يتصوّر في الاستيلاد ؛ لأنّه متعلّق بالوطي ، والوطء مختصّ بالفاعل.

ولا تصحّ الوكالة في الإيلاء ؛ لأنّه يمين. وكذا اللعان لا يصحّ التوكيل فيه أيضاً ؛ لأنّه يمين كالإيلاء ، أو شهادة على خلافٍ ، وكلاهما لا تدخلهما النيابة ، وكذا القسامة.

ولا تصحّ في الظهار ؛ لأنّه منكر وزور وبهتان ، فلا تدخله النيابة.

وللشافعيّة وجهان مبنيّان على أنّ المغلَّب فيه معنى اليمين أو‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٥٢ ، و ٥ : ٢٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٤٣ ، و ٥٢٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٣.

٤٤

الطلاق؟ ومعظمهم مَنَع من التوكيل فيه(١) .

وأمّا العدّة فلا تدخلها النيابة ؛ لأنّها تجب لاستبراء رحمها.

والرضاع لا تدخله النيابة ؛ لأنّه متعلّق بالمـُرضع والمرتضع ؛ لأنّه يختصّ بإنبات لحم المرتضع وانتشار عظمه بلبن الـمُرضع.

والنفقة يصحّ التوكيل في دفعها وقبضها.

ولا تصحّ النيابة في الأيمان ؛ لأنّها عبادة. ولأنّ الحكم في الأيمان يتعلّق بتعظيم اسم الله ، فامتنعت النيابة فيها ، كالعبادات.

وكذا النذور والعهود لا تدخلها النيابة.

وأمّا الشهادات فلا يصحّ التوكيل فيها ؛ لأنّا علّقنا الحكم بخصوص لفظ الشهادة حتى لم يقم غيرها مقامها ، فكيف يحتمل السكوت عنها بالتوكيل!؟ ولأنّ الشهادة تتعلّق بعين الشاهد ؛ لكونها خبراً عمّا سمعه أو رآه ، ولا يتحقّق هذا المعنى في نائبه.

فإن استناب فيها ، كان النائب شاهداً على شهادته ؛ لكونه يؤدّي ما سمعه من شاهد الأصل ، وليس ذلك بتوكيل ، فحينئذٍ تصحّ الاستنابة في الشهادة على وجه الشهادة.

وكذا تصحّ النيابة في القضاء والحكم.

مسألة ٦٧٤ : في صحّة التوكيل في المباحات - كالاصطياد والاحتطاب والاحتشاش وإحياء الموات وإجارة الماء وشبهه - إشكال ينشأ : من أنّه أحد أسباب الملك ، فكان كالشراء. ولأنّه عمل مقصود يصحّ أخذ الأُجرة عليه ، فجاز فيه النيابة كغيره من الأعمال ، فحينئذٍ يحصل الملك للموكّل إذا قصده‌

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٥٠ و ١٥١ ، البيان ٦ : ٣٥٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٣.

٤٥

الوكيل - وهو أصحّ و جهي الشافعيّة ، وبه قال أحمد(١) - لأنّه تملّك مالٍ بسببٍ لا يتعيّن عليه ، فجاز التوكيل فيه ، كالشراء والاتّهاب.

والثاني للشافعيّة : لا يصحّ كالاغتنام ؛ لأنّ الملك يحصل فيها بالحيازة وقد وُجدت من الوكيل ، فيكون الملك له(٢) .

فعلى هذا إن جوّزنا التوكيل فيه ، جوّزنا الإجارة عليه ، فإذا استأجره ليحتطب أو يستقي المال أو يحيي الأرض ، جاز ، وكان ذلك للمستأجر. وإن قلنا بالمنع هناك ، منعناه هنا ، فيقع الفعل للأجير.

والجويني رأى جواز الاستئجار عليه مجزوماً به ، فقاس عليه وجه تجويز التوكيل(٣) .

مسألة ٦٧٥ : يجوز التوكيل في قبض الجزية وإقباضها والمطالبة بها ، وفي عقد الذمّة.

وفي تجويز توكيل الذمّي المسلمَ [ فيه ](٤) خلافٌ بين الشافعيّة(٥) .

وأمّا العقوبات - كالقتل والجنايات والزنا والقذف والسرقة والغصب وأشباه ذلك - فلا مدخل للتوكيل فيها ، بل أحكامها تثبت في حقّ متعاطيها ومرتكبها ؛ لأنّ كلّ شخصٍ بعينه مقصود بالامتناع منها ، فإذا لم يفعل(٦)

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٥ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٠ ، البيان ٦ : ٣٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٤ ، المغني ٥ : ٢٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٥.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٥ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٠ ، البيان ٦ : ٣٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٤.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٥.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « منه ». والظاهر ما أثبتناه ، أي : توكيله في القبض.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٧ ، و ١١ : ٥٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٤ ، و ٧ : ٥٠٤.

(٦) أي : لم يمتنع.

٤٦

أُجري حكمها عليه.

و أمّا حدود الله تعالى - كحدّ الزنا والسرقة - فيجوز التوكيل فيها لاستيفائها ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر برجم ماعِز ، فرُجم(١) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « اغْدُ يا أُنَيْس إلى امرأة هذا فإذا اعترفَتْ فارْجُمْها » فغدا أُنَيْس عليها فاعترفت فأمر بها فرُجمت(٢) .

ووكّل أمير المؤمنينعليه‌السلام عبد الله بن جعفر في إقامة حدّ الشرب على الوليد بن عقبة ، فأقامه(٣) .

ولأنّ الحاجة تدعو إلى ذلك ، فإنّ الإمام لا يمكنه تولّي ذلك بنفسه ، فيجوز التوكيل في استيفائها للإمام.

وللسيّد أن يوكّل في استيفاء الحدّ من مملوكه.

ويجوز التوكيل في إثبات حدود الله تعالى - وبه قال بعض العامّة(٤) - لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وكّل أُنَيْساً في إثبات الحدّ واستيفائه جميعاً ، فإنّه قال : « فإذا اعترفَتْ فارْجُمْها »(٥) وهذا يدلّ على أنّه لم يكن قد ثبت وقد وكّله في إثباته.

ولأنّ الحاكم إذا استناب نائباً في عملٍ ، فإنّه يدخل في تلك النيابة‌

____________________

(١) صحيح مسلم ٣ : ١٣٢٣ / ٢٣ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٥٤ / ٢٥٥٤ ، سنن الترمذي ٤ : ٣٦ / ١٤٢٨ ، سنن الدارقطني ٣ : ٩١ - ٩٢ / ٣٩ ، و ١٢١ - ١٢٢ / ١٣٢ و ١٣٣ ، سنن البيهقي ٨ : ٢١٤ ، سنن الدارمي ٢ : ١٧٨.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ١٣٤ ، صحيح مسلم ٣ : ١٣٢٤ - ١٣٢٥ / ١٦٩٧ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٥٢ / ٢٥٤٩ ، سنن أبي داوُد ٤ : ١٥٣ / ٤٤٤٥ ، سنن الترمذي ٤ : ٣٩ - ٤٠ / ١٤٣٣ ، سنن النسائي ٨ : ٢٤١ - ٢٤٢ ، سنن البيهقي ٨ : ٢١٣ ، سنن الدارمي ٢ : ١٧٧ ، مسند أحمد ٥ : ٩١ / ١٦٥٩٠ ، و ٩٢ / ١٦٥٩٤.

(٣) صحيح مسلم ٣ : ١٣٢٠ / ١٦٩٣ ، الكامل في التأريخ ٣ : ١٠٦ - ١٠٧ ، المغني ٥ : ٢٠٦.

(٤) المغني ٥ : ٢٠٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٧ - ٢٠٨.

(٥) تقدّم تخريجه في الهامش (٢)

٤٧

الحدودُ وإثباتُها ، فإذا دخلت في التوكيل بالعموم فبالتخصيص أولى.

وقال الشافعي : لا يجوز التوكيل في إثباتها ؛ لأنّها تُدرأ بالشبهات ، وقد أُمر بإدرائها بالشبهة ، والتوكيل توصّلٌ إلى إثباتها(١) .

وهو غير منافٍ لقولنا ؛ فإنّ للوكيل أن يدرأها بالشبهات.

وأمّا عقوبات الآدميّين فيجوز التوكيل في استيفائها في حضور المستحقّ إجماعاً.

وأمّا في غيبته فإنّه يجوز ذلك أيضاً عندنا ؛ للأصل.

وللشافعي فيه ثلاثة طُرق أشهرها : أنّه على قولين :

أحدهما : المنع ؛ لأنّه لا نتيقّن بقاء الاستحقاق عند الغيبة ؛ لاحتمال العفو ، ولأنّه ربما يرقّ قلبه حالة حضوره فيعفو ، فليشترط الحضور.

وأصحّهما : الجواز - كما قلناه - لأنّه حقّ يستوفى بالنيابة في الحضور ، فكذا في الغيبة ، كسائر الحقوق. واحتمال العفو كاحتمال رجوع الشهود فيما إذا ثبت بالبيّنة ، فإنّه لا يمنع الاستيفاء في [ غيبته ](٢) .

الثاني : القطع بالجواز ، وحمل المنع على الاحتياط.

الثالث : القطع بالمنع ؛ لعظم خطر الدم(٣) . وبهذا الأخير قال أبو حنيفة(٤) .

____________________

(١) التنبيه : ١٠٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٦ ، الوسيط ٣ : ٢٧٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٦ ، المغني ٥ : ٢٠٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٧ - ٢٠٨.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « غيبتهم ». والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه كما في « العزيز شرح الوجيز ».

(٣) بحر المذهب ٨ : ١٦٥ ، حلية العلماء ٥ : ١١٣ - ١١٤ ، البيان ٦ : ٣٥٧ - ٣٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٩ - ٢١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٦.

(٤) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢٨ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢١ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٣٦ ، =

٤٨

مسألة ٦٧٦ : ويجوز التوكيل في إثبات حدّ القذف والقصاص عند الحاكم وإقامة البيّنة عليه‌ ، عند عامّة الفقهاء ؛ لأنّه حقٌّ لآدميّ ، فجاز التوكيل في إثباته ، كسائر الحقوق.

وقال أبو يوسف : لا يصحّ التوكيل فيه ؛ لأنّه يثبت الحدّ بما قام مقام العفو ، والحدّ لا يثبت بذلك ، كما لا يثبت بالشهادة على الشهادة ، ولا بكتاب القاضي إلى القاضي ولا برجل وامرأتين ، كذا هنا(١) .

ونمنعه في الشهادة على الشهادة وكتاب القاضي إلى القاضي ، على أنّ الحدّ لا يثبت بالتوكيل ، وإنّما يثبت بالبيّنة ، فلم يصح ما قاله.

مسألة ٦٧٧ : يجوز لكلّ واحدٍ من المدّعي والمدّعى عليه التوكيل بالخصومة ، رضي صاحبه أو لم يرض ، وليس لصاحبه الامتناع من خصومة الوكيل.

وقال أبو حنيفة : له الامتناع ، إلّا أن يريد الموكّل سفراً أو يكون مريضاً أو تكون مخدّرةً(٢) .

وقال مالك : له ذلك ، إلّا أن يكون سفيهاً خبيثَ اللسان ، فيعذر‌

____________________

= الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٥٢ ، حلية العلماء ٥ : ١١٤ ، المغني ٥ : ٢٠٧ - ٢٠٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٨ ، بحر المذهب ٨ : ١٦٥ ، البيان ٦ : ٣٥٧.

(١) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢٨ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢١ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٣٦ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٥٣ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ١١ ، الحاوي الكبير ٦ : ٥١٦ ، بحر المذهب ٨ : ١٦٥ ، حلية العلماء ٥ : ١١٣ ، البيان ٦ : ٣٥٦.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢٨ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٣٦ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٥٣ و ٢٥٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٧ / ١٧٤١ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٧ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٧ / ١٠٣٠ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٨٤ / ١١٨٦ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٢ ، البيان ٦ : ٣٥٥ - ٣٥٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٩.

٤٩

الموكّل في التوكيل (١) .

والحقّ ما قلناه ؛ لأنّه توكيلٌ في خالص حقّه ، فيُمكّن منه ، كالتوكيل باستيفاء الدَّيْن من غير رضا مَنْ عليه.

ولا فرق في التوكيل في الخصومة بين أن يكون المطلوب مالاً أو عقوبةً للآدميّين ، كالقصاص وحدّ القذف.

وكذا حدود الله تعالى عندنا ، خلافاً للشافعي(٢) .

مسألة ٦٧٨ : في التوكيل بالإقرار إشكال.

وصورته أن يقول : وكّلتُك لتقرَّ عنّي لفلان.

قال الشيخرحمه‌الله : إنّه جائز(٣) . وهو أحد قولَي الشافعيّة ؛ لأنّه قول يلزم به الحقّ ، فأشبه الشراء وسائر التصرّفات(٤) ، وبه قال أبو حنيفة(٥) أيضاً.

ومعظم الشافعيّة على المنع ؛ لأنّ الإقرار إخبار عن حقٍّ عليه ، ولا يلزم الغير إلّا على وجه الشهادة ، وهذا كما لو قال : رضيت بما يشهد به عَلَيَّ فلان ، فإنّه لا يلزمه ، كذلك هنا. ولأنّه إخبار ، فلا يقبل التوكيل كالشهادة ، وإنّما يليق التوكيل بالإنشاءات(٦) .

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٩ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٧ / ١٧٤١.

(٢) بحر المذهب ٨ : ١٦٥ ، البيان ٦ : ٣٥٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٦.

(٣) الخلاف ٣ : ٣٤٤ ، المسألة ٥ من كتاب الوكالة.

(٤) بحر المذهب ٨ : ١٥٠ و ١٦٢ ، الوجيز ١ : ١٨٨ ، الوسيط ٣ : ٢٧٧ ، حلية العلماء ٥ : ١١٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠٩ ، البيان ٦ : ٣٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٥ ، المغني ٥ : ٢٠٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٧.

(٥) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢٩ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٥٠ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٩ / ١٧٤٢ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٧ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٨ / ١٠٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٨.

(٦) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٦ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٠ و ١٦٢ ، الوسيط ٣ : ٢٧٧ ، =

٥٠

فعلى هذا هل يُجعل مُقرّاً بنفس التوكيل؟ فيه للشافعيّة وجهان :

أحدهما : نعم ، تخريجاً ، واختاره الجويني ؛ لأنّ توكيله دليل ثبوت الحقّ عليه ؛ لأنّ قوله : « أقرّ عنّي بكذا » يتضمّن وجوبه عليه.

وأظهرهما : أنّه لا يُجعل مُقرّاً ، كما أنّ التوكيل بالإبراء لا يجعل إبراءً ، وكالتوكيل في البيع ، فإنّه لا يكون بيعاً ، ورضاه بالشهادة عليه لا يكون إقراراً بالحقّ(١) .

وعندي في ذلك تردّد ، فإن قلنا بصحّة التوكيل في الإقرار ، ينبغي أن يبيّن للوكيل جنس المُقرّ به وقدره ، فلو قال : أقرّ عنّي بشي‌ء لفلان ، طُولب الموكّل بالتفسير.

ولو اقتصر على قوله : أقرّ عنّي لفلان ، فللشافعيّة وجهان :

أحدهما : أنّه كما لو قال : أقرّ عنّي له بشي‌ء.

وأصحّهما : أنّه لا يلزمه شي‌ء بحال ؛ لجواز أن يريد الإقرار بعلمٍ أو شجاعة ، لا بالمال(٢) .

مسألة ٦٧٩ : لا يصحّ التوكيل بالالتقاط ، فإذا أمره بالالتقاط فالتقط ، كان الملتقط أحقَّ به من الآمر.

والميراث لا تصحّ النيابة فيه ، إلّا في قبض الموروث وقسمته.

____________________

= حلية العلماء ٥ : ١١٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠٩ ، البيان ٦ : ٣٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٥ ، المغني ٥ : ٢٠٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٧.

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٦ ، الوسيط ٣ : ٢٧٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠٩ ، البيان ٦ : ٣٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٥.

(٢) بحر المذهب ٨ : ١٦٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٠٩ - ٢١٠ ، البيان ٦ : ٣٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٦.

٥١

وتصحّ النيابة في دفع الديات إلى مستحقّها.

والجنايات لا تصحّ النيابة فيها ؛ لأنّها ظلم ، فتتعلّق بفاعلها.

وأمّا قتال أهل البغي فيجوز أن يستنيب فيه.

والأشربة لا تصحّ النيابة فيها ، ويجب الحدّ على الشارب ؛ لأنّه فَعَل المحرَّم.

وأمّا الجهاد فقد مَنَع الشافعي من دخول النيابة فيه بحال ، بل كلّ مَنْ حضر الصفّ توجّه الفرض عليه(١) .

وهو بهذا المعنى صحيح ، وكذا ما قلناه أوّلاً من صحّة النيابة في الجهاد على معنى أنّ للرجل أن يُخرج غيره بأُجرة أو غيرها في الجهاد.

وأمّا الذبح فيصحّ التوكيل فيه.

وكذا يصحّ في السبق والرمي ؛ لأنّه إمّا إجارة أو جعالة ، وكلاهما تدخله النيابة.

ويصحّ التوكيل في الدعوى ؛ لأنّ ذلك مطالبة بحقّ غيره ، فهو كاستيفاء المال.

ويجوز التوكيل في مطالبة الحقوق وإثباتها والمحاكمة فيها ، حاضراً كان الموكّل أو غائباً ، صحيحاً أو مريضاً.

النظر الثالث : في العلم‌

مسألة ٦٨٠ : لا يشترط في متعلّق الوكالة - وهو ما وُكّل فيه - أن يكون معلوماً من كلّ وجهٍ‌ ، فإنّ الوكالة إنّما جُوّزت لعموم الحاجة ، وذلك‌

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٥١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٣.

٥٢

يقتضي المسامحة فيها ، ولذلك جوّز بعضهم تعليقها بالإغرار(١) . ولم يشترط القبول اللفظي فيها ، ولا الفوريّة في القبول ، لكن يجب أن يكون معلوماً مبيَّناً من بعض الوجوه حتى لا يعظم الغرر.

ولا فرق في ذلك بين الوكالة العامّة والخاصّة.

فأمّا الوكالة العامّة : فبأن يقول : وكّلتُك في كلّ قليل وكثير.

فإن لم يُضف إلى نفسه ، فالأقوى : البطلان ؛ لأنّه لفظ مبهم في الغاية.

ولو ذكر الإضافة إلى نفسه فقال : وكّلتُك في كلّ أمر هو إلَيَّ ، أو : في كلّ أُموري ، أو : في كلّ ما يتعلّق بي ، أو : في جميع حقوقي ، أو : بكلّ قليل وكثير من أُموري ، أو : فوّضت إليك جميع الأشياء التي تتعلّق بي ، أو : أنت وكيلي مطلقاً فتصرَّف في مالي كيف شئت ، أو فصَّل الأُمور المتعلّقة به التي تجري فيها النيابة ، فقال : وكّلتُك ببيع أملاكي وتطليق زوجاتي وإعتاق عبيدي ، أو لم يفصّل على ما تقدّم ، أو قال : وكّلتُك بكلّ أمر هو إلَيَّ ممّا يناب فيه ، ولم يفصّل أجناس التصرّفات ، أو قال : أقمتك مقام نفسي في كلّ شي‌ء ، أو : وكّلتُك في كلّ تصرّفٍ يجوز لي ، أو : في كلّ ما لي التصرّف فيه ، فالوجه عندي : الصحّة في الجميع - وبه قال ابن أبي ليلى(٢) - ويملك كلّ ما تناوله لفظه ؛ لأنّه لفظ عامّ فيصحّ فيما تناوله ، كما لو قال : بِعْ مالي كلّه.

ولأنّه لو فصّل وذكر جميع الجزئيّات المندرجة تحت اللفظ العامّ ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١١.

(٢) بحر المذهب ٨ : ١٩٢ ، البيان ٦ : ٣٦٣ ، المغني ٥ : ٢١١ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤١ ، حلية العلماء ٥ : ١١٦ ، المبسوط - للسرخسي - ١٩ : ٧٠.

٥٣

صحّ التوكيل ، سواء ضمّها بعضها إلى بعضٍ ، أو لا ، فيكون الإجمال صحيحاً.

وقال الشيخرحمه‌الله : لا تصحّ الوكالة العامّة(١) . وهو قول جميع العامّة - إلّا ابن أبي ليلى - لما فيه من الغرر العظيم والخطر الكبير ؛ لأنّه تدخل فيه هبة ماله وتطليق نسائه وإعتاق رقيقه ، وأن يزوّجه نساء كثيرة ، ويلزمه المهور الكثيرة والأثمان العظيمة ، فيعظم الضرر(٢) .

والجواب : إنّا نضبط جواز تصرّف الوكيل بالمصلحة ، فكلّ ما لا مصلحة للموكّل فيه لم ينفذ تصرّف الوكيل [ فيه ](٣) كما لو وكّله في بيع شي‌ء وأطلق ، فإنّه لا يبيع إلّا نقداً بثمن المثل من نقد البلد ، كذا في الوكالة العامّة.

وكذا يصحّ لو قال له : اشتر لي ما شئت - خلافاً لبعض العامّة(٤) ، وعن أحمد رواية أنّه يجوز(٥) - عملاً بالأصل ، ولأنّ الشريك والمضارب وكيلان في شراء ما شاء. وحينئذٍ ليس له أن يشتري إلّا بثمن المثل وأدون ، ولا يشتري ما يعجز الموكّل عن ثمنه ، ولا ما لا مصلحة للموكّل فيه.

ولو قال : بِعْ مالي كلّه واقبض ديوني كلّها ، صحّ التوكيل ؛ لأنّه قد يعرف ماله وديونه.

ولو قال : بِعْ ما شئت من مالي واقبض ما شئت من ديوني ، صحّ التوكيل ؛ لأنّه إذا جاز التوكيل في الجميع ، ففي البعض أولى.

____________________

(١) الخلاف ٣ : ٣٥٠ ، المسألة ١٤ من كتاب الوكالة.

(٢) راجع المصادر في الهامش (٢) من ص ٥٢.

(٣) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٤و٥) المغني ٥ : ٢١٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٢.

٥٤

ووافقتنا العامّة في جواز : وكّلتُك في بيع أموالي واستيفاء ديوني ، أو : استرداد ودائعي ، أو : إعتاق عبيدي(١) .

والتفاوت ليس بطائلٍ.

وأمّا الوكالة الخاصّة : فهي المقصورة على نوعٍ من الأنواع ، كبيع عبدٍ أو شراء جاريةٍ أو محاكمة خصمٍ أو استيفاء دَيْنٍ منه ، وما أشبه ذلك ، ولا خلاف في جوازها.

مسألة ٦٨١ : إذا وكّله في بيع أمواله ، صح ، ولا يشترط كون أمواله معلومةً حينئذٍ ، بل يبيعها الوكيل ويبيع ما يعلم انتسابها إليه.

وللشافعيّة فيه وجهان ، هذا أصحّهما(٢) .

ولو قال : وكّلتُك في قبض جميع ديوني على الناس ، جاز مجملاً وإن لم يعرف مَنْ عليه الدَّيْن ، وأنّه واحد أو أشخاص كثيرة ، وأيّ جنسٍ ذلك الدَّيْن.

أمّا لو قال : وكّلتُك في بيع شي‌ء من مالي ، أو : في بيع طائفةٍ منه أو قطعة منه ، أو في قبض شي‌ء من ديوني ، ولم يعيّن ، فالأقوى : البطلان ؛ لجهالته من الجملة ، ولا بدّ من أن يكون الموكّل فيه ممّا يسهل استعلامه.

أمّا لو قال : بِعْ ما شئت من أموالي ، أو : اقبض ما شئت من ديوني ، فإنّه يجوز.

وكذا لو قال : بِعْ مَنْ رأيت من عبيدي.

وقال بعض الشافعيّة : لا يجوز حتى يعيّن(٣) . وليس شيئاً.

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٩٣ ، البيان ٦ : ٣٦٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١١ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٢ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٨.

٥٥

مسألة ٦٨٢ : لو قال له : بِعْ ما شئت من مالي ، جاز ، خلافاً لبعض الشافعيّة(١) . ولو قال : بِعْ ما شئت من عبيدي ، جاز عندنا وعندهم(٢) .

وفرّقوا : بأنّ الثاني محصور الجنس ، بخلاف الأوّل(٣) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ ما جاز التوكيل في جميعه جاز في بعضه ، كعبيده.

ولو قال : اقبض دَيْني كلّه وما يتجدّد من ديوني في المستقبل ، صحّ على إشكالٍ في المتجدّد.

ولو قال له : اشتر لي شيئاً أو حيواناً أو رقيقاً أو عبداً أو ثوباً ، ولم يعيّن الجنس ، فالأقوى عندي : الجواز ، ويكون الخيار في الشراء إلى الوكيل ، ويكون ذلك كالقراض حيث أمره صاحب المال بشراء شي‌ء.

وقال أصحاب الشافعي : لا يصحّ مع الإطلاق حتى يبيّن أنّ الرقيق عبد أو أمة ، ويبيّن النوع أيضاً من أنّه تركيّ أو هنديّ أو غيره ؛ لأنّ الحاجة قد تقلّ إلى شراء عبدٍ مطلق على أيّ نوعٍ ووصفٍ كان ، وفي الإبهام ضرر عظيم ، فلا يحتمل ، وإنّما تمسّ الحاجة في الأكثر وتدعو إلى غلامٍ من جنسٍ معيّن ، هذا مذهب أكثرهم(٤) .

وذكر بعضهم وجهاً : أنّه يصحّ التوكيل بشراء عبدٍ مطلق(٥) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٢ - ٢١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٨ ، المغني ٥ : ٢١٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٢.

(٢ و ٣) المغني ٥ : ٢١٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٢.

(٤) الحاوي الكبير ٦ : ٤٩٩ ، بحر المذهب ٨ : ١٩١ ، البيان ٦ : ٣٦٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٨ ، المغني ٥ : ٢١٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٤٣.

(٥) الحاوي الكبير ٦ : ٤٩٩ ، بحر المذهب ٨ : ١٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٩.

٥٦

مسألة ٦٨٣ : إذا و كلّه في شراء عبدٍ وأطلق ، فقد بيّنّا جوازه‌. وعند الشافعيّة لا بدّ من تعيين جنسه(١) .

وهل يفتقر مع تعيين النوع إلى تعيين الثمن؟ الأقرب عندي : عدمه - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة ، وبه قال أبو حنيفة وابن سريج(٢) - لأنّه إذا ذكر نوعاً فقد أذن له في أعلاه ثمناً ، فيقلّ الغرر. ولأنّ ضبط الثمن ممّا يعسر معه التحصيل ؛ لأنّه قد لا يوجد به ، ولأنّ تعلّق الغرض بعبدٍ من ذلك النوع نفيساً كان أو خسيساً ليس ببعيدٍ.

والثاني للشافعيّة : لا بدّ من تقدير الثمن ، أو بيان غايته بأن يقول : مائة ، أو من مائة إلى ألف ؛ لكثرة التفاوت فيه ، ويجوز أن يذكر له أكثر الثمن أو أقلّه ، وإذا كان التفاوت في الجنس الواحد كثيراً ، لم يتمّ التوكيل إلّا بالتعيين(٣) .

وهو ممنوع.

ولا يشترط استقصاء الأوصاف التي تُضبط في السَّلَم ولا ما يقرب منها إجماعاً.

نعم ، إذا اختلفت الأصناف الداخلة تحت النوع الواحد اختلافاً ظاهراً ، قال بعض الشافعيّة : لا بدّ من التعرّض له(٤) .

____________________

(١) راجع الهامش (٤) من ص ٥٥.

(٢) بحر المذهب ٨ : ١٩١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٢ ، البيان ٦ : ٣٦٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٩ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٣٣ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٤ ، المغني ٥ : ٢١٣.

(٣) بحر المذهب ٨ : ١٩١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٢ ، البيان ٦ : ٣٦٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٩ ، المغني ٥ : ٢١٣.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٩.

٥٧

وليس شيئاً.

وهل يكفي ذكر الثمن عن ذكر النوع فيقول له مثلاً : اشتر لي عبداً بمائة ، وإن لم يقل : تركيّاً أو هنديّاً؟ الوجه عندنا : جوازه ، وبه قال بعض الشافعيّة(١) .

وقال بعضهم بعدم الاكتفاء(٢) .

ولو قال : اشتر لي عبداً كما تشاء ، جاز أيضاً عندنا - وبه قال بعض الشافعيّة(٣) - لأنّه صرّح بالتفويض التامّ ، بخلاف ما لو اقتصر على قوله : اشتر لي عبداً ، فإنّه لم يأت فيه ببيانٍ معتاد ولا تفويضٍ تامّ.

والأكثرون منهم لم يكتفوا بذلك ، وفرّقوا بينه وبين أن يقول في القراض : اشتر مَنْ شئت من العبيد ؛ لأنّ المقصود هناك الربح بنظر العامل وتصرّفه ، فليس(٤) التفويض إليه(٥) .

وفي التوكيل بشراء الدار يجب عندهم التعرّض للمحلّة والسكّة ، وفي الحانوت للسوق(٦) .

وكلّ هذا عندنا غير لازمٍ.

مسألة ٦٨٤ : إذا وكّله في الإبراء من الحقّ الذي له على زيدٍ ، صحّ.

فإن عرف الموكّل مبلغ الدَّيْن كفى ، ولم يجب إعلام الوكيل قدر الدَّيْن وجنسه ، وبه قال بعض الشافعيّة(٧) .

____________________

(١) الوجيز ١ : ١٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٣.

(٢) الوجيز ١ : ١٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٢.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٩.

(٤) في « العزيز شرح الوجيز » : « فيليق » بدل « فليس ».

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٩.

(٦) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٩.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٩.

٥٨

وقال بعضهم : لا بدّ من أن يبيّن للوكيل قدر الدَّيْن وجنسه(١) .

والمعتمد : الأوّل ؛ لأصالة صحّة الوكالة.

أمّا لو قال : بِعْ عبدي بما باع به فلان فرسه ، اشتُرط في صحّة البيع عِلْمُ الوكيل ؛ لأنّ العهدة تتعلّق به ، فلا بدّ أن يكون على بصيرةٍ من الأمر ، ولا عهدة في الإبراء.

ولو كان الموكّل جاهلاً بما باع به فلان فرسه ، لم يضر.

واشترط بعضهم العلم بما يقع الإبراء منه(٢) .

وأصل الخلاف : إنّ الإبراء هل هو محض إسقاط ، أو تمليك؟ إن قلنا : إسقاط ، صحّ مع جَهْل مَنْ عليه الحقّ بمبلغ الحقّ. وإن قلنا : تمليك ، فلا بدّ من علمه ، كما أنّه لا بدّ من علم المتّهب بما يوهب منه(٣) .

ولو قال : وكّلتُك في أن تُبرئه من الدَّيْن الذي لي عليه ، ولم يعلم الموكّل قدره ولا الوكيل ، صحّ أيضاً عندنا.

ولو وكّله في الإبراء من شي‌ء ، وأطلق ، لم يكن للوكيل التعيين ، بل يُبرئه من شي‌ء مبهم ، ويُحمل على أقلّ ما يتموّل ؛ لأنّه المتيقّن بالإسقاط ، والزائد عليه ثابت في الذمّة ، فلا يزول عنها إلّا بمزيل.

ولو قال : وكّلتُك في أن تُبرئه ممّا شئت ، أو ممّا شاء ، فالوجه : الصحّة ، ويرجع في القدر إلى مشيئته أو مشيئة الغريم.

ولو وكّله بأن قال : ابرئ فلاناً عن دَيْني ، اقتضى ذلك أن يُبرئه من‌ الجميع. ولو قال : عن شي‌ء منه ، أبرأه عن أقلّ ما يتموّل.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٥١٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٩.

(٢و٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٩.

٥٩

ولو قال : أبرأه عمّا شئت ، لم يجز الاستيعاب ، مع احتماله.

مسألة ٦٨٥ : إذا وكّله في الإبراء من الحقّ الذي له عليه(١) ، فأبرأه الوكيل ، صح ، وبرئت ذمّته.

ولو كان له على رجل حقٌّ ، فوكّل صاحب الحقّ مَنْ عليه الحقّ في إبراء نفسه ، صحّ ؛ لأنّه وكّله في إسقاط حقٍّ عن نفسه ، فوجب أن يصحّ ، كما لو وكّل العبدَ في إعتاق نفسه والمرأةَ في طلاقها ، وهو المشهور عند الشافعيّة(٢) .

وقال بعضهم : لا يصحّ ؛ لأنّه لا يملك إسقاط الحقّ عن نفسه بنفسه ، كما لو كان في يده عين مضمونة عليه ، فإنّه لا يصحّ أن يوكّله في إسقاط الضمان عن نفسه(٣) .

وهو ضعيف ؛ لأنّه يخالف إسقاط الحقّ عن الذمّة ؛ لأنّ ذلك لا يسقط إلّا بالقبض ، ولا يكون قابضاً من نفسه ، وهنا يكفي مجرّد الإسقاط ، على أنّا نمنع الحكم في الأصل.

إذا ثبت هذا ، فإذا وكّل المضمونُ له المضمونَ عنه في إبراء الضامن ، جاز ، فإذا أبرأه ، برئ الضامن والمضمون عنه عندنا.

وعند العامّة لا يبرأ المضمون عنه(٤) .

وإن وكّل الضامنَ في إبراء المضمون عنه فأبرأه ، لم يبرأ الضامن عندنا ؛ لأنّ الدَّيْن انتقل من ذمّة المضمون عنه ، ولا تصحّ هذه الوكالة ، كما لو وكّله في إبراء مَنْ لا حقّ له عليه.

____________________

(١) كذا ، والظاهر : « على زيد » بدل « عليه ».

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٥١٦ ، بحر المذهب ٨ : ١٦٣ ، الوسيط ٣ : ٢٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٢٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٨ - ٥٣٩.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٥١٥ بحر المذهب ٨ : ١٦٣.

(٤) المغني ٥ : ٢٤١ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١٢.

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501