تذكرة الفقهاء الجزء ١٥

تذكرة الفقهاء7%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-436-1
الصفحات: 501

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 501 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 181217 / تحميل: 5863
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٥

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٦-١
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

وكذا لو قال : استوف ، أو : اتّزن ، فكذلك.

وقال بعض الشافعيّة : إنّ قوله : « اتّزن » إقرار ؛ لأنّه يستعمل في العادة فيما يستوفيه الإنسان لنفسه ، بخلاف قوله : « زِنْ » وبه قال أبو حنيفة(١) .

ولو قال : زِنْه ، أو : خُذْه ، فليس بإقرارٍ أيضاً ؛ للاحتمال المذكور ، وهو ظاهر مذهب الشافعي(٢) .

وقال بعض العامّة : يكون إقراراً ؛ لأنّ الكناية تعود إلى ما تقدّم في الدعوى(٣) .

ولو قال : شدّه في هميانك ، أو : اجعله في كيسك ، أو : اختم عليه ، فهو كقوله : زِنْه ، أو : خُذْه.

مسألة ٨٣٤ : يصحّ الإقرار بالعربيّة والعجميّة معاً من العربيّ والعجميّ معاً بالإجماع ؛ لأنّ كلّ واحدةٍ منهما لغة كالأُخرى يُعبَّر بها عمّا في الضمير ، وتدلّ على المعاني الذهنيّة بسبب العلاقة الراسخة بينهما بحسب المواضعة ، فإذا كان اللفظ موضوعاً لشي‌ءٍ دلّ عليه.

فإن أقرّ عربيّ بالعجميّة ، أو عجميّ بالعربيّة ، فإن عرف أنّه عالم بما أقرّ به ، لزمه.

وإن قال : ما عرفتُ(٤) معناه ، فإن صدّقه المُقرّ له على ذلك ، سقط الإقرار. وإن كذّبه ، فالقول قول الـمُقرّ مع يمينه ؛ لأنّ الظاهر من حال‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٩٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١.

(٢ و ٣) حلية العلماء ٨ : ٣٣٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٨ ، الوجيز ١ : ١٩٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٩٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١.

(٤) في الطبعة الحجريّة : « علمت » بدل « عرفت ».

٢٤١

العجميّ أن لا يعرف العربيّة ، وكذا العربيّ لا يعرف العجميّة ظاهراً.

مسألة ٨٣٥ : لو قال المدّعي : لي عليك ألف ، فقال في الجواب : نعم ، أو : بلى ، أو : أجل ، أو : صدقتَ ، كان إقراراً ؛ لأنّ هذه الألفاظ موضوعة للتصديق في عرف اللغة.

قال الله تعالى :( هل وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ ) (١) .

ولو قال : لعمري ، قيل : يكون إقراراً ؛ لأنّه يستعمل فيه(٢) .

والأقرب : أنّه ليس كذلك ؛ لاختلاف العرف فيه.

ولو قال : أنا مُقرٌّ به ، أو : بما تدّعيه ، أو : بما ادّعيتَ ، أو : بدعواك ، أو : لستُ منكراً له ، فهو إقرار.

ولو قال : أنا مُقرٌّ ، ولم يقل : به ، أو قال : لستُ منكراً ، أو : أنا أُقرّ ، لم يكن إقراراً ؛ لجواز أن يريد الإقرار ببطلان دعواه ، أو بأن الله تعالى واحد.

وهذا يدلّ على أنّ الحكم بأنّ قوله : « أنا مُقرّ به » إقرار فيما إذا خاطبه وقال : « أنا مُقرٌّ لك به » وإلّا فيجوز [ أن يريد ](٣) الإقرار به لغيره.

ولو قال : أنا أُقرّ لك به ، لم يكن إقراراً ؛ لجواز إرادة الوعد ، ولأنّه ليس صريحاً في الإخبار ؛ لجواز إرادة الإنشاء والوعد بالإقرار في ثاني الحال ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : إنّه إقرار ؛ لأنّ قرينة الخصومة وتوجّه الطلب تشعر‌

____________________

(١) الأعراف : ٤٤.

(٢) المغني ٥ : ٣٤٨ ، بحر المذهب ٨ : ٢٩١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٨ ، البيان ١٣ : ٣٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٩٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه من « العزيز شرح الوجيز ».

٢٤٢

بالتنجيز (١) .

والأوّ ل أصحّ.

ولو قال : لا أُنكر ما تدّعيه ، كان إقراراً غير محمولٍ على الوعد عند بعض الشافعيّة ؛ لأنّ العموم إلى النفي أسرع منه إلى الإثبات ، ولهذا كانت النكرة في معرض النفي تعمّ ، وفي الإثبات لا تعمّ(٢) .

وهو مشكل ، والأقرب : إنّه كالإثبات.

ولو سُلّم الفرق ، لكنّه لا ينفي الاحتمال ، وقاعدة الإقرار الأخذ بالقطع والبتّ والحكم بالمتيقّن ؛ لأصالة براءة الذمّة.

وقال الجويني من الشافعيّة : بتقدير حمله على الوعد فالقياس أنّ الوعد بالإقرار إقرارٌ ، كما أنّا نقول : التوكيل بالإقرار إقرار(٣) .

وهو غلط ، والحكم في الأصل ممنوع.

ولو قال في الجواب : لا أُنكر أن يكون مُحقّاً ، لم يكن مُقرّاً بما يدّعيه ؛ لجواز أن يريد في شي‌ءٍ آخَر ، ولو قال : فيما يدّعيه ، فهو إقرار.

ولو قال : لا أُقرّ به ولا أُنكره ، فهو كما لو سكت ، فيُجعل منكراً ويطالب بالجواب.

وقيل : تُعرض عليه اليمين(٤) .

ولو قال : أبرأتني عنه ، أو قبضتَه ، فهو إقرار ، وعليه بيّنة القضاء أو الإبراء.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٩٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١.

(٣) الوسيط ٣ : ٣٢٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٩٨.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٩٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١.

٢٤٣

وقال بعض الشافعيّة : إنّ قوله : « أبرأتني عنه » ليس بإقرارٍ ؛ لقوله تعالى :( فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمّا قالُوا ) (١) [ و ](٢) تبرئته عن عيب الأُدْرَة(٣) لا تقتضي إثباته له(٤) .

ولو قال : أقررت بأنّك أبرأتني ، أو : استوفيت منّي ، لم يكن إقراراً. ولو قال في الجواب : لعلّ ، أو : عسى ، أو : أظنّ ، أو : أحسب ، أو : أقدر ، أو : أتوهّم ، لم يكن مُقرّاً.

مسألة ٨٣٦ : اللفظ قد يكون صريحاً في التصديق وتنضمّ إليه قرائن تصرفه عن موضوعه إلى الاستهزاء والتكذيب ، ومن جملتها : الأداء ، والإبراء ، وتحريك اللسان(٥) الدالّ على شدّة التعجّب والإنكار ، فعلى هذا يُحمل قوله : « صدقت » وما في معناه على هذه الحالة ، فلا يكون إقراراً.

فإن وُجدت القرائن الدالّة على الإقرار ، حُكم به ، وإن وُجدت القرائن الدالّة على غيره ، حُكم بعدم الإقرار.

ولو قال : لي عليك ألف ، فقال في الجواب : لك علَيَّ ألف ، على سبيل الاستهزاء ، لم يكن إقراراً.

وحكى أبو سعيد المتولّي من الشافعيّة أنّ فيه وجهين(٦) .

مسألة ٨٣٧ : لو قال : أليس لي عليك ألف؟ فقال : بلى ، كان مُقرّا ، ولزمه الألف ؛ لأنّه تصديق للإيجاب المناقض للنفي ؛ لقوله تعالى :( أَلَسْتُ

____________________

(١) الأحزاب : ٦٩.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٣) الأُدْرَة : انتفاخ الخصية. لسان العرب ٤ : ١٥ « أدر ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٩٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١.

(٥) كذا قوله : « اللسان ». والظاهر : « الرأس » بدل « اللسان ».

(٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٩٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢.

٢٤٤

بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى ) (١) .

ولو قال : نعم ، فاحتمالان :

أحدهما : إنّه لا يكون مُقرّاً.

والفرق : إنّ « نعم » في جواب الاستفهام [ تصديق لما دخل عليه الاستفهام ](٢) ، و« بلى » تكذيب له من حيث إنّ أصل « بلى » « بل » زِيدت [ عليها ](٣) « الياء » وهي للردّ والاستدراك ، وإذا كان كذلك فقوله : « بلى » ردّ لقوله : ليس لي عليك ألف ، فإنّه الذي دخل عليه حرف الاستفهام ، ونفيٌ له ، ونفي النفي إثبات ، فكأنّه قال : لك علَيَّ ألف ، وقوله : « نعم » تصديق له ، فكأنّه قال : ليس [ لك علَيَّ ](٤) .

هذا تلخيص ما نُقل عن الكسائي وجماعة من فضلاء اللغة(٥) ، وعلى وفقه ورد القرآن العزيز.

قال الله تعالى :( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى ) (٦) .

قيل : لو قالوا : « نعم » لكفروا(٧) .

وقال تعالى :( أَمْ يَحْسَبُونَ أَنّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى سَبُونَ أَنّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى ) (٨) .

____________________

(١) الأعراف : ١٧٢.

(٢) ما بين المعقوفين أثبتناه لأجل السياق.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « عليه ». والظاهر ما أثبتناه.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لي عليك ». والظاهر ما أثبتناه.

(٥) كما في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٩٨.

(٦) الأعراف : ١٧٢.

(٧) مغني اللبيب ١ : ١٥٤.

(٨) الزخرف : ٨٠.

٢٤٥

وقال تعالى : ( أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَن لَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ * بَلى ) (١) .

وقال تعالى في « نعم » :( فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ ) (٢) وقال :( أَئِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنّا نَحْنُ الْغالِبِينَ * قالَ نَعَمْ ) (٣) .

والثاني : إنّه يكون مُقرّاً ؛ لأنّ كلّ واحدٍ من « نعم » و« بلى » يقام مقام الآخَر في العرف.

والاحتمالان وجهان أيضاً للشافعيّة(٤) .

وقال الآخَرون : إنّ الأقارير تُحمل على مفهوم أصل العرف ، لا على دقائق العربيّة(٥) .

ولو قال : هل لي عليك ألف؟ فقال : نعم ، فهو إقرار.

مسألة ٨٣٨ : إذا قال لغيره : اشتر منّي عبدي هذا ، أو : أعطني عبدي هذا ، فقال : نعم ، فهو إقرار له بملكيّة العبد.

وكذا لو قال : اعتق عبدي هذا ، فقال : نعم.

ويحتمل عدمه ، وبه قال بعض الشافعيّة(٦) .

ولو قال : بِعْني هذا العبد ، فهو إقرار بعدم ملكيّة القائل له.

وهل هو إقرار للمخاطب بالملكيّة؟ إشكال ؛ لاحتمال أن يكون وكيلاً.

ولو قال : اشتر منّي هذا العبد ، فقال : نعم ، فهو إقرار بأنّ المخاطب‌ مالك للبيع ، وليس إقراراً بأنّه مالك للمبيع.

____________________

(١) القيامة : ٣ و ٤.

(٢) الأعراف : ٤٤.

(٣) الشعراء : ٤١ و ٤٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٩٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢.

(٥ و ٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٩٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢.

٢٤٦

ولو ادّعى عليه عبداً في يده ، فقال : اشتريته من وكيلك فلان ، فهو إقرار له ، ويحلف المدّعى عليه على أنّه ما وكّل فلاناً بالبيع.

مسألة ٨٣٩ : لو قال : له علَيَّ ألف في علمي ، أو : فيما أعلم أو أشهد ، فهو إقرار ؛ لأنّ ما في علمه لا يحتمل إلّا الوجوب.

ولو قال : كان له علَيَّ ألف ، وسكت ، أو : كانت هذه الدار له في السنة الماضية ، فالأقرب : إنّه يلزمه الألف وتسليم الدار إليه - وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه(١) - لأنّه أقرّ بالوجوب ، ولم يذكر ما يرفعه ، فيبقى على ما كان عليه ، ولهذا لو تنازعا داراً فأقرّ أحدهما للآخَر أنّها كانت ملكه ، حُكم بها له ، إلّا أنّه هنا إن عاد فادّعى القضاء أو الإبراء ، سُمعت دعواه ؛ لأنّه لا تنافي بين إقراره وبين ما يدّعيه. وللعمل بالاستصحاب.

والثاني للشافعيّة : إنّه ليس بإقرارٍ في الحال بشي‌ء ؛ لأصالة براءة الذمّة. ولأنّه لم يذكر أنّ عليه شيئاً في الحال ، إنّما أخبر بذلك في زمنٍ ماضٍ ، فلا يثبت في الحال. وكذا لو شهدت البيّنة به ، لم يثبت(٢) .

مسألة ٨٤٠ : لو قال : هذه داري أسكنت فيها فلاناً ثمّ أخرجتُه منها ، لم يكن إقراراً بالملكيّة قطعاً.

وهل يكون إقراراً باليد؟ قال بعض الشافعيّة : نعم ؛ لأنّه اعترف‌

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٨٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٠٠ - ٣٠١ ، حلية العلماء ٨ : ٣٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٩٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢ - ٢٣.

(٢) حلية العلماء ٨ : ٣٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٩٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٢ - ٢٣ ، المغني ٥ : ٢٨٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٠١.

٢٤٧

بثبوتها من قَبْلُ و ادّعى زوالها(١) .

وقال بعضهم : إنّه ليس بإقرارٍ ؛ لأنّه لم يعترف بيد فلان إلّا من جهته(٢) . وهو الأقوى عندي.

ولو قال : ملّكتُ هذه الدار من زيدٍ ، فهو إقرار بالملك لزيدٍ ، على إشكالٍ ، وادّعى انتقالها منه إليه ، فإن لم يصدّقه زيد دُفعت إليه. وإن صدّقه ، أُقرّت في يده.

ولو قال : اقض الألف التي لي عليك ، فقال : نعم ، فهو إقرار.

ولو قال في الجواب : أُعطي غداً ، أو : ابعث مَنْ يأخذه ، أو أمهلني يوماً ، أو أمهلني حتى أضرب الدراهم ، أو أفتح باب الصندوق ، أو أقعد حتى تأخذ ، أو لا أجد اليوم ، أو لا تدم التقاضي ، أو قال : ما أكثر ما تتقاضى والله لأقضينّك ، قال أبو حنيفة : يكون مُقرّاً في جميع هذه الصور(٣) .

وعندي فيه تردّد ، واضطربت الشافعيّة فيه(٤) .

وكذا لو قال : اسرج دابّة فلان هذه ، فقال : نعم ، أو قال : أخبرني زيد أنّ لي عليك كذا ، فقال : نعم ، أو قال : متى تقضي حقّي؟ فقال : غداً.

[ ولو ](٥) قال له قائل : غصبتَ ثوبي ، فقال : ما غصبتُ من أحدٍ قبلك‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٩٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٣.

(٣) المبسوط - للسرخسي - ١٨ : ١٥ - ١٦ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢٠٨ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٨١ - ١٨٢ ، روضة القضاة ٢ : ٧٣٦ / ٥٠٢٢ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٠٧ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ١٢٤ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٨ ، البيان ١٣ : ٤٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٩٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٣.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٨ ، البيان ١٣ : ٤٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٩٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٣.

(٥) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « أو ». والصحيح ما أثبتناه.

٢٤٨

ولا بعدك ، لم يكن مُقرّاً ؛ لأنّ نفي الغصب من غيره لا يقتضي ثبوت الغصب فيه.

وكذا لو قال : ما علَيَّ لزيدٍ أكثر من مائة درهم ؛ لأنّ نفي الزائد على المائة لا يوجب إثبات المائة.

ويحتمل أن يكون إقراراً بالمائة. وهو أيضاً وجه للشافعيّة(١) .

مسألة ٨٤١ : قد بيّنّا أنّ من شرط صحّة الصيغة بالإقرار التنجيز ، فلو علّق إقراره على شرطٍ أو صفةٍ ، بطل ، كقوله : إن جاء زيد فله علَيَّ كذا ، أو إذا جاء رأس الشهر فله كذا.

ولا فرق بين أن يكون الشرط معلومَ الوقوع أو مجهولَه.

ولو قال المعسر : لفلان علَيَّ ألف إن رزقني الله تعالى مالاً ، لم يكن إقراراً ؛ للتعليق ، وبه قال بعض الشافعيّة(٢) .

وقال بعضهم : إنّه إقرار ، وصيغة الشرط لبيان وقت الأداء(٣) .

والمعتمد : أن يستفسره ، فإن فسّر بالتأجيل صحّ. وإن فسّره بالتعليق بطل.

وكذا في قوله : « إذا جاء رأس الشهر فله علَيَّ كذا » إن قصد بيان وقت الأداء لزم. وإن قصد التعليق بطل.

مسألة ٨٤٢ : لو ادّعى عليه ألفاً وقال : إنّ فلاناً يشهد لي بها ، فقال المدّعى عليه : إن شهد بها علَيَّ فلان فهو صادق ، وجب الألف عليه في الحال ، سواء شهد فلان أو لا.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٣.

(٢) البيان ١٣ : ٤٠٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٣ - ٢٤.

(٣) البيان ١٣ : ٤٠٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٤.

٢٤٩

ولو قال فلان : لا أ شهد ، أو : أنّ المدّعي كاذب ، أو : أنا أشهد ببراءة الـمُقرّ ، كان عليه الأداء في الحال ؛ لأنّه حكم بصدقه على تقدير الشهادة.

وإنّما تتمّ هذه الملازمة ويصدق هذا الحكم لو كان الحقّ ثابتاً في ذمّته ؛ لأنّه لو لم يكن ثابتاً لم يصدق هذا الحكم لو شهد ، فتكون الملازمة كاذبةً ، لكنّا إنّما نحكم بصدقها كغيره من الإقرارات.

وهو أصحّ وجهي الشافعيّة. والثاني : إنّه لا يكون إقراراً ؛ لما فيه من التعليق(١) .

والأقرب : إنّه إن ادّعى عدم علمه بما قال وأنّ الـمُقرّ له لا يستحقّ في ذمّته شيئاً وأنّه توهّم أنّ فلاناً لا يشهد عليه ، فإن كان ممّن يخفى عنه ذلك قُبِل قوله ، وحُمل على التعليق ، وكان كلامه لاغياً ، وإلّا ثبت.

ولو شهد عليه شاهد بألفٍ ، فقال : هو صادق ، أو عَدْل ، لم يكن مُقرّاً.

ولو قال : إنّه صادق فيما شهد به ، أو عَدْل فيما قال ، كان مُقرّاً.

ولو قال : إن شهدا علَيَّ صدّقتُهما ، لم يكن مُقرّاً ؛ لأنّ غير الصادق قد يصدق.

ولو قال : إن شهد علَيَّ فلان فهو حقٌّ أو صحيح ، فكقوله : صادق.

ولو قال : له علَيَّ ألف إن شهد بها فلان ، لم يكن إقراراً ، لأنّه معلّق على شرطٍ.

مسألة ٨٤٣ : لو علّق إقراره بمشيئة الله تعالى ، بطل ، فلو قال : لك علَيَّ ألف إن شاء الله ، لم يكن إقراراً - وهو قول الشافعيّة(٢) - لأنّه علّق‌

____________________

(١) حلية العلماء ٨ : ٣٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٢٤.

(٢) التنبيه : ٢٧٥ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٧ ، الوسيط ٣ : ٣٤٨ ، الوجيز ١ : =

٢٥٠

إقراره على شرطٍ ، فلم يصح ، كما لو علّقه على مشيئة زيدٍ. ولأنّ المعلّق على مشيئة الله تعالى لا سبيل إلى معرفته.

وقال أحمد بن حنبل : إنّه يكون إقراراً ؛ لأنّه وصل إقراره بما يرفعه بأجمعه ، ولا يصرفه إلى غير الإقرار ، فلزمه ما أقرّ به ، وبطل صلته به ، كما لو قال : له علَيَّ ألف إلّا ألفاً. ولأنّه عقّب الإقرار بما لا يفيد حكماً آخَر ولا يقتضي رفع الحكم ، فأشبه ما لو قال : له علَيَّ ألف في مشيئة الله تعالى(١) .

وهو ممنوع ؛ لأنّه محض تعليقٍ على شرطٍ ، فأشبه التعليق بدخول الدار ومشيئة زيدٍ.

ولو قال : له علَيَّ ألف إلّا أن يشاء الله تعالى ، صحّ الإقرار ؛ لأنّه علّق رفع الإقرار على أمرٍ لا يعلم ، فلا يرتفع.

ولو قال : لك علَيَّ ألف إن شئت ، أو إن شاء زيد ، لم يصح ، وبه قال أحمد(٢) أيضاً.

وقال بعض أصحابه : يصحّ ؛ لأنّه عقّب بما يرفع الإقرار ، فأشبه استثناء الكلّ(٣) .

وهو غلط ؛ لأنّه علّقه على شرطٍ يمكن علمه فلم يصح ، كما لو قال : له علَيَّ ألف إن شهد به فلان ، وذلك لأنّ الإقرار إخبار بحقٍّ سابق ، فلا يتعلّق على شرطٍ مستقبل.

____________________

= ٢٠٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨ ، المغني ٥ : ٣٤٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٩٥.

(١) المغني ٥ : ٣٤٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٩٥ - ٢٩٦.

(٢ و ٣) المغني ٥ : ٣٤٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٩٦.

٢٥١

ولو قال : له علَيَّ ألف إن شاء الله ، وقصد التبرّك بالمشيئة والصلة والتفويض إلى الله تعالى ، فهو إقرار ، كقوله تعالى :( لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ ) (١) وقد علم الله تعالى أنّهم سيدخلونه.

مسألة ٨٤٤ : لو قال : له علَيَّ ألف إن شاء زيد ، أمكن جَعْل مشيئة زيدٍ شرطاً يتوقّف الأمر على وجودها ؛ لأنّ مشيئته متجدّدة ، وأمّا مشيئة الله تعالى فإنّها غير متجدّدةٍ ، والماضي لا يمكن رفعه ، فتعيّن حمل الأمر في مشيئة زيدٍ على المستقبل ، فيكون وعداً لا إقراراً.

ولو قال : بعتك إن شاء الله ، أو زوّجتك إن شاء الله ، لم يقع البيع ولا النكاح.

وقال أبو حنيفة : يقع النكاح والبيع ، وبه قال أحمد(٢) .

ولو قال : بعتك بألف إن شئتَ ، فقال : قد شئتُ وقبلتُ ، لم يصح ، على إشكالٍ ؛ لأنّ هذا الشرط من موجَب العقد ومقتضاه ، فإنّ الإيجاب إذا وُجد من البائع كان القبول إلى مشيئة المشتري واختياره.

والحقُّ : البطلان من حيث التعليق ؛ إذ لا نعلم حاله عند العقد هل يشاء أم لا ، فأشبه ما لو قال : إن شاء زيد.

ولو قال : له علَيَّ ألف إن قدم فلان ، لم يلزمه ؛ لأنّه لم يُقرّ به في الحال ، وما لا يلزمه في الحال لا يصير واجباً عند وجود الشرط.

البحث الثاني : في المُقر

مسألة ٨٤٥ : يشترط في الـمُقرّ البلوغ ، فأقارير الصبي لاغية ، سواء كان‌

____________________

(١) الفتح : ٢٧.

(٢) المغني ٥ : ٣٥٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٩٦.

٢٥٢

مميّزاً أو لا ، وسو اء أذن له الوليّ أو لا ، عند علمائنا - وبه قال الشافعي(١) - لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « رُفع القلم عن ثلاثة : عن الصبي حتى يبلغ ، وعن المجنون حتى يفيق ، وعن النائم حتى ينتبه »(٢) .

وقال أبو حنيفة : إذا كان الصبيّ مميّزاً ، صحّ الإذن في البيع والشراء ، ويصحّ إقراره فيه(٣) .

وقال أحمد : اليتيم إذا أُذن له في التجارة وهو يعقل البيع والشراء ، فبيعه وشراؤه جائز. وإن أقرّ أنّه قبض شيئاً من ماله ، جاز بقدر ما أذن له فيه وليُّه(٤) . وليس بشي‌ء.

وقول أبي حنيفة : « إذا كان مأذوناً من جهة الوليّ صحّ إقراره ؛ قياساً على تصرّفاته »(٥) باطل بالحديث(٦) ، وأصله ممنوع.

ولنا وللشافعيّة قولٌ في صحّة تدبيره ووصيّته(٧) ، فعلى هذا القول‌

____________________

(١) الأُم ٦ : ٢١٧ ، مختصر المزني : ١١٢ ، الحاوي الكبير ٧ : ٤ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٤ ، بحر المذهب ٨ : ٢٢١ ، الوسيط ٣ : ٣١٧ ، الوجيز ١ : ١٩٤ - ١٩٥ ، حلية العلماء ٨ : ٣٢٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٣٦ ، البيان ١٣ : ٣٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤ ، منهاج الطالبين : ١٣٩ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٧٢ ، روضة القُضاة ٢ : ٧١٥ / ٤٠٥٢.

(٢) سنن البيهقي ١٠ : ٣١٧ ، المغني ٥ : ٢٧١ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٧٢.

(٣) الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٨٠ ، روضة القُضاة ٢ : ٧١٥ / ٤٠٥١ ، الحاوي الكبير ٧ : ٤ ، بحر المذهب ٨ : ٢٢١ ، حلية العلماء ٨ : ٣٢٥ ، البيان ١٣ : ٣٩١ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٧٢.

(٤) المغني والشرح الكبير ٥ : ٢٧٢.

(٥) روضة القُضاة ٢ : ٧١٥ / ٤٠٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٥.

(٦) أي : حديث رفع القلم.

(٧) الحاوي الكبير ٧ : ٥ ، و ٨ : ١٨٩ ، و ١٨ : ١٣٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٤٥٧ ، =

٢٥٣

عندنا وعند الشافعي يصحّ إقراره بهما(١) .

والحقّ ما تقدّم ؛ لأنّ إقراره لا يصحّ بغير ذلك وبغير ما أذن له فيه ، فكذا بهما وبالبيع والشراء ، كالمجنون.

ولو ادّعى أنّه قد بلغ بالاحتلام ، أو ادّعت الجارية البلوغَ بالحيض ، قُبِل إن كان ذلك في وقت الإمكان ، وإلّا فلا.

ولو فُرض ذلك في خصومةٍ ، لم يحلفا ؛ لأنّه لا يُعرف ذلك إلّا من جهتهما ، فأشبه ما إذا علّق نذر العتق بمشيئة الغير ، فقال : شئت ، يُصدّق بغير يمينٍ. ولأنّهما إن صُدّقا فلا تحليف ، وإن كُذّبا فكيف يحلفان واعتقاد المكذّب أنّهما صغيران؟ ولأنّه لو حلّفناه لأراد في تحليفه تغرير الصبي ، والصبي لا يحلف ، فإذَنْ لو حُلّف لما حلف.

ولو بلغ مبلغاً تيقّن بلوغه فيه ، لم يحلف أيضاً على أنّه كان بالغاً حينئذٍ ؛ لأنّا إذا حكمنا بموجب قوله فقد أنهينا الخصومة نهايتها ، فلا عود إلى التحليف.

ولو جاء واحد من الغُزاة يطلب سهم المقاتلة وذكر أنّه احتلم ، دُفع إليه سهمه ؛ لأنّا لا نشترط البلوغ في استحقاق سهم الغنيمة.

____________________

= و ٢ : ٨ ، بحر المذهب ١٤ : ١٢٠ ، الوجيز ١ : ٢٦٩ ، و ٢ : ٢٨٢ ، الوسيط ٤ : ٤٠٣ ، و ٧ : ٤٩٧ ، حلية العلماء ٦ : ٦٩ ، و ١٨١ ، التهذيب - للبغوي - ٥ : ٩٩ ، البيان ٨ : ١٣٧ و ٣٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٦ ، و ٥ : ٢٧٥ ، و ٧ : ٦ ، و ١٣ : ٤١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٠ ، و ٤ : ٤ ، و ٥ : ٩٣ ، و ٨ : ٤٤٩ ، المغني ١٢ : ٣٣٤ ، الشرح الكبير ١٢ : ٣٠٨ ، وذلك أيضاً قول الشيخ الطوسي في الخلاف ٦ : ٤١٩ ، المسألة ٢١ من كتاب المدبّر.

(١) العزيز ٥ : ٢٧٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤.

٢٥٤

وعند المشترطين يحلف ويأخذ السهم(١) .

فإن لم يحلف ، فللشافعيّة وجهان :

قال بعضهم : يعطى ؛ لأنّ الظاهر استحقاقه بحضور الوقعة(٢) .

وقال بعضهم : لا يعطى ؛ لعدم العلم بالبلوغ ، وقوله متّهم(٣) .

ولو ادّعى البلوغ بالسنّ ، طُولب بالبيّنة ؛ لإمكانها.

ولو كان غريباً أو خاملَ الذِّكْر ، التُحق بدعوى الاحتلام.

وقال بعض الشافعيّة : يُطالَب بالبيّنة(٤) ؛ لإمكانه(٥) في جنس المدّعي ، أو يُنظر إلى الإنبات ؛ لتعذّر معرفة التأريخ ، كما في صبيان الكفّار(٦) .

والأظهر عند الشافعيّة : الثاني ؛ لأنّه إذا أمكن إقامة البيّنة ، كُلّف إقامتها ، ولم يُنظر إلى حال المدّعي وعجزه(٧) .

والوجه : إنّ دعوى الصبي البلوغَ بالاحتلام ليس إقراراً ؛ لأنّ المفهوم من الإقرار الإخبارُ عن ثبوت حقٍّ عليه للغير ، ونفس البلوغ ليس كذلك ، ولهذا يُطالَب مدّعي البلوغ بالسنّ بالبيّنة ، واختلفوا في تحليف مدّعي البلوغ بالاحتلام ، والـمُقرّ لا يكلَّف البيّنة ولا اليمين.

نعم ، لو قال : أنا بالغ ، فقد اعترف بثبوت الحقوق المنوطة بالبلوغ ، فحقّ هذا الوجه أن يكون متضمّناً للإقرار ، لا أنّه نفسه إقرار. وبتقدير كونه

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٥.

(٤) المطالبة بالبيّنة هي الاحتمال الثاني من الاحتمالات الثلاث لبعض الشافعيّة ، والأوّل منها هو الالتحاق بدعوى الاحتلام ، والثالث منها : النظر إلى الإنبات. راجع العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٦.

(٥) كذا قوله : « لإمكانه ». والظاهر : « لإمكانها ».

(٦ و ٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٥.

٢٥٥

إقراراً فليس ذلك بإ قرار الصبي(١) ؛ لأنّه إذا قال : أنا بالغ ، يُحكم ببلوغه سابقاً على قوله ، فلا يكون إقرارُه إقرارَ الصبي.

مسألة ٨٤٦ : يشترط في الـمُقرّ العقل ، فلا يُقبل إقرار المجنون ؛ لأنّه مسلوب القول في الإنشاء والإقرار بغير استثناء.

ولا فرق بين أن يكون الجنون مطبقاً أو يأخذه أدواراً ، إلّا أنّ الذي يأخذه أدواراً إن أقرّ في حال إفاقته ، صحّ ؛ لأنّه حينئذٍ عاقل.

ولا بدّ من كماليّة العقل في الإقرار ، فالسكران الذي لا يحصّل أو لا يكون كاملَ العقل حالة سكره لا يُقبل إقراره ، عند علمائنا أجمع ، وكذا بيعه وجميع تصرّفاته ؛ لعدم الوثوق بما يقول ، وعدم العلم بصحّته ، ولا تنتفى عنه التهمة فيما يُخبر به ، فلم يوجد معنى الإقرار الموجب لقبول قوله.

وللشافعي فيه اضطراب(٢) .

قال بعض أصحابه : يصحّ إقرار السكران ، ولا يصحّ بيعه(٣) .

وقال بعضهم : بيع السكران يحتمل وجهين : الجواز ، وعدمه(٤) .

وقال بعضهم بالجواز ؛ لأنّ أفعاله تجري مجرى أفعال الصاحي(٥) .

قال الشافعي : لو شرب رجل خمراً أو نبيذاً فسكر فأقرّ في حال‌

____________________

(١) في « ر » : « إقراراً للصبي » بدل « بإقرار الصبي ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٥.

(٣) بحر المذهب ٨ : ٢٢٣ ، الوجيز ٢ : ٥٧ ، التهذيب - للبغوي - ٦ : ٧٣ ، العزيز شرح الوجيز ٨ : ٥٦٥ ، روضة الطالبين ٦ : ٥٩.

(٤) بحر المذهب ٨ : ٢٢٣ ، المجموع ٩ : ١٥٥.

(٥) بحر المذهب ٨ : ٢٢٣ ، المجموع ٩ : ١٥٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٩.

٢٥٦

سكره ، لزمه ما أقرّ به(١) .

وروى المزني في ظهار السكران ما إذا صحّ كان بمنزلة المجنون في إقراره(٢) .

ومَنْ أُكره فأُوجر خمراً حتى ذهب عقله ثمّ أقرّ ، لم ينفذ إقراره وعند الشافعي(٣) أيضاً ؛ لأنّه معذور.

ولا فرق عندنا بين أن يسكر قاصداً أو غيره ، خلافاً للشافعي(٤) .

مسألة ٨٤٧ : لا بدّ من القصد في الإقرار ، فلا عبرة بإقرار الغافل والساهي والنائم ؛ لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « رُفع القلم عن ثلاثة : عن الصبي حتى يبلغ ، وعن المجنون حتى يفيق ، وعن النائم حتى ينتبه »(٥) .

وكذا المغمى عليه لا ينفذ إقراره ؛ لزوال رشده وتحصيله ، وكذا المبرسم ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لدخول المبرسم والمغمى عليه في معنى المجنون والنائم. ولأنّه قولٌ من غائب العقل ، فلا يثبت له حكم ، كالبيع والطلاق.

مسألة ٨٤٨ : يشترط في الـمُقرّ الاختيار ، فلا يقع إقرار المُكره على الإقرار ، عند علمائنا أجمع - وبه قال الشافعي وأحمد(٦) - لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله :

____________________

(١) الأُمّ ٣ : ٢٣٥ ، بحر المذهب ٨ : ٢٢٣ ، البيان ١٣ : ٣٩٢.

(٢) مختصر المزني : ٢٠٢ ، الحاوي الكبير ١٠ : ٤١٩ ، بحر المذهب ٨ : ٢٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٨ : ٥٦٤.

(٣) الأُمّ ٣ : ٢٣٥ ، بحر المذهب ٨ : ٢٢١ ، البيان ١٣ : ٣٩٢ ، المغني ٥ : ٢٧٢ - ٢٧٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٧٣.

(٤) راجع : الحاوي الكبير ١٠ : ٤١٩ ، والتهذيب - للبغوي - ٦ : ٧٢ ، والعزيز شرح الوجيز ٨ : ٥٦٤ ، وروضة الطالبين ٦ : ٥٩.

(٥) تقدّم تخريجه في ص ٢٥٢ ، الهامش (٢)

(٦) الحاوي الكبير ٧ : ٥ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٤ ، بحر المذهب ٨ : ٢٢٢ =

٢٥٧

« رُفع عن أُمّتي الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه »(١) .

ولأنّه قول أُكره عليه بغير حقٍّ ، فلم يصح ، كالبيع.

ولو أقرّ بغير ما أُكره عليه - مثل أن يُكره على الإقرار لرجلٍ فيقرّ لغيره ، أو يُكره على أنّه يُقرّ بنوعٍ من المال فيُقرّ بغيره ، أو يُكره على الإقرار بطلاق امرأةٍ فيُقرّ بطلاق أُخرى ، أو يُكره على الإقرار بعتق عبدٍ فيُقرّ بعتق غيره - صحّ ؛ لأنّه أقرّ بما لم يُكره عليه ، فصحّ ، كما لو أقرّ به ابتداءً.

ولو أُكره على الإقرار بمائةٍ فأقرّ بمائتين ، فالأقرب : نفوذه. ولو أُكره على الإقرار بمائةٍ فأقرّ بخمسين ، لم يُنفذ.

ولو أُكره على أداء مالٍ ، فباع شيئاً من ماله ليؤدّي ذلك ، صحّ بيعه ؛ لأنّه لم يُكره على البيع.

ولو ادّعى الـمُقرّ الإكراهَ على الإقرار ، لم يُقبل قوله ، إلّا بالبيّنة ، سواء أقرّ عند سلطانٍ أو عند غيره ؛ لأصالة عدم الإكراه ، إلّا أن يكون هناك دلالة على الإكراه ، كالقيد والحبس والتوكيل به ، فيكون القولُ قولَه مع يمينه ؛ لدلالة هذه الحال على الإكراه ، على إشكالٍ.

ولو ادّعى أنّه كان زائلَ العقل حالة إقراره ، لم يُقبل قوله إلاّ بالبيّنة ؛ لأصالة السلامة حتى يُعلم غيرها.

ولو لم يُعلم له حالة جنونٍ البتّة ، لم يلتفت إليه. ولو عُلم ، فالقول قوله مع اليمين.

ولو شهد الشهود بإقراره ، لم تفتقر صحّة الشهادة إلى أن يقولوا : أقرّ‌

____________________

= و ٢٢٣ ، البيان ١٣ : ٣٩١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٩ ، منهاج الطالبين : ١٣٩ ، المغني ٥ : ٢٧٢ - ٢٧٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٧٣.

(١) كنز العمّال ٤ : ٢٣٣ / ١٠٣٠٧ نقلاً عن الطبراني في المعجم الكبير.

٢٥٨

طوعاً في صحّة عقله وبدنه ؛ لأنّ الظاهر سلامة الحال وصحّة الشهادة.

مسألة ٨٤٩ : لا يُقبل إقرار المحجور عليه للسفه بالمال ، ويصحّ في الحدّ والقصاص ؛ لانتفاء التهمة فيه.

وإذا فُكّ الحجر عنه ، لم يلزمه المال الذي أقرّ به في الحجر ؛ لأنّ عدم قبول إقراره صيانة لماله لموضع التهمة فيه ، فلو ألزمناه بعد فكّ الحجر بطل معنى الحجر.

ولو أقرّ بالسرقة ، لزمه القطع ، دون المال.

وللشافعي في المال قولان : اللزوم ؛ لئلّا يتبعّض إقراره. والعدم ؛ لعدم قبول قوله في المال(١) .

والتبعيض غير ضائرٍ ، كما لو شهد رجل وامرأتان ، ثبت المال ، دون القطع.

وأمّا في الباطن : فإن كان الذي أقرّ به حقّاً تعلّق به حال الحجر برضا صاحبه كالقرض ، لم يلزمه أيضاً ؛ لأنّ الحجر مَنَع من معاملته ، فصار كالصبي. وإن لزمه بغير اختيار صاحبه كالإتلاف ، لزمه أداء ذلك المال في الباطن ، ولهذا لو قامت البيّنة عليه حال الحجر ، لزمه.

ويُقبل إقرار المحجور بالفلس في النكاح ، دون السفيه المحجور ؛ اعتباراً للإقرار بالإنشاء.

وقال الجويني : إقرار السفيهة بأنّها منكوحة فلانٍ كإقرار الرشيدة ؛ إذ لا أثر للسفه في النكاح من جانب المرأة.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٤٣ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٥ ، بحر المذهب ٨ : ٢٢٢ ، حلية العلماء ٨ : ٣٢٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ١٤٠ ، الوجيز ١ : ١٩٥ ، الوسيط ٣ : ٣١٩ ، البيان ٦ : ٢١٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٦.

٢٥٩

قال : وفيه احتمال من جهة ضعف قولها وخبل عقلها ؛ لأنّها غير تامّة الرشد ولا كاملة العقل ، فأشبهت المجنون(١) .

أمّا المحجور عليه للفلس : فالأقرب نفوذ إقراره في حقّه خاصّةً ، وقد سبق البحث فيه.

ويُقبل إقرار المفلس قبل الحجر عليه ، سواء أقرّ بعينٍ أو دَيْنٍ.

مسألة ٨٥٠ : يشترط في صحّة الإقرار الحُرّيّة ، فلا يُقبل إقرار العبد بالعقوبة ولا بالمال ، عند علمائنا أجمع ، سواء كانت العقوبة توجب القتل أو لا - ووافقنا أحمد والمزني على أنّه لا يُقبل إقراره بعقوبةٍ توجب القتل ، دون غيرها من العقوبات(٢) - لأنّه لا يملك نفسه ولا التصرّف في نفسه ، وهو مال غيره ، فإقراره على نفسه إقرار على مولاه ، وهو غيره ، وإقرار الشخص على غيره غير مسموعٍ.

وقال الشافعي : يُقبل إقراره فيما يوجب الحدّ والقصاص في النفس والطرف ؛ لأنّ عليّاًعليه‌السلام قطع عبداً بإقراره. ولأنّه لو قامت به البيّنة قُبِل ، فالإقرار أولى(٣) .

ونمنع استناد القطع إلى الإقرار ، فجاز أن يكون اقترن بتصديق المولى. والفرق بين الإقرار والبيّنة ظاهر.

ولو صدّقه المولى على العقوبة ، نفذ الحكم فيه ، كالبيّنة.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٥.

(٢) المغني ٥ : ٢٧٣ - ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٧٩ - ٢٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٦.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٤١ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٤ ، الوجيز ١ : ١٩٥ ، الوسيط ٣ : ٣١٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٢٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٥ - ٦.

٢٦٠

ولو أقرّ المولى عليه ولم يُقر هو ، لم يُسمع ؛ لأنّه غيره وإقرار الشخص على غيره غير مسموعٍ. ولأنّ المولى لا يملك من العبد إلّا المال.

وقال بعض العامّة : يصحّ إقرار المولى عليه بما يوجب القصاص ، ويجب المال دون القصاص ؛ لأنّ المال تعلّق برقبته ، وهي مال السيّد ، فصحّ إقراره به كجناية الخطأ(١) .

ولو أقرّ بما يوجب القتل ، لم يُقبل عندنا.

وقال أحمد : لا يُقبل أيضاً ، ويُتبع به بعد العتق - وبه قال زفر والمزني وداوُد [ و ] ابن جرير الطبري - لأنّه يسقط حقّ سيّده بإقراره. ولأنّه متّهم في أن يُقرّ لرجلٍ ليعفو عنه ويستحقّ أخذه فيتخلّص بذلك من سيّده(٢) .

وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي : يصحّ إقراره بما يوجب القتل أيضاً ؛ لأنّه أحد نوعي القصاص ، فصحّ إقراره به ، كما دون النفس(٣) .

وينبغي على هذا القول أن لا يصحّ عفو وليّ الجناية على مالٍ إلّا باختيار سيّده ؛ لئلّا يلزم إيجاب المال على سيّده بإقرار غيره.

وهذا كلّه عندنا باطل ، ولا شي‌ء ممّا يوجب القصاص في النفس أو‌

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٧٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٧٩ - ٢٨٠.

(٢) المغني ٥ : ٢٧٣ - ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٨٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ٤١ ، الوسيط ٣ : ٣١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٦.

(٣) الاختيار لتعليل المختار ٢ : ١٤٩ ، المبسوط - للسرخسي - ١٨ : ١٤٨ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٨٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ٤١ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٤ ، الوسيط ٣ : ٣١٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٢٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٦ ، المغني ٥ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٨٠.

٢٦١

الطرف أو الحدّ أو ا لمال بثابتٍ على العبد بإقراره على نفسه ولا بإقرار مولاه عليه.

ولا يُقبل إقرار العبد بجناية الخطأ ولا شبيه العمد ولا بجناية عمدٍ موجَبها المال ، كالجائفة والهاشمة والمأمومة ؛ لأنّه إيجاب حقٍّ في رقبته ، وذلك يتعلّق بالمولى ، ويُقبل إقرار المولى عليه ؛ لأنّه إيجاب حقٍّ في ماله.

ولو أقرّ بسرقةٍ توجب المال ، لم يُقبل إقراره ، ويُقبل إقرار المولى عليه.

وإن أوجبت القطع في المال فأقرّ بها العبد ، لم يُقبل منه.

وعند العامّة يُقبل في القطع ، ولم يجب المال ، سواء كان ما أقرّ بسرقته باقياً أو تالفاً ، في يد العبد أو في يد السيّد ، ويُتبع بذلك بعد العتق(١) .

وللشافعي في وجوب المال في هذه الصورة وجهان(٢) .

ويحتمل أن لا يجب القطع عند العامّة ؛ لأنّه شبهة ، فيُدرأ بها القطع ، لكونه حدّاً يدرأ بالشبهات - وبه قال أبو حنيفة - وذلك لأنّ العين التي يُقرّ بسرقتها لم يثبت حكم السرقة فيها ، فلا يثبت حكم القطع بها(٣) .

مسألة ٨٥١ : لو أقرّ العبد برقّيّته لغير مَنْ هو في يده ، لم يُقبل إقراره بالرق ؛ لأنّ إقراره بالرقّ إقرار بالملك ، والعبد لا يُقبل إقراره في المال بحال. ولأنّا لو قَبِلنا إقراره لضرّرنا بسيّده ؛ لأنّه إذا شاء أقرّ بنفسه لغير سيّده‌

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٨١.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٤٣ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٥ ، الوسيط ٣ : ٢١٩ ، الوجيز ١ : ١٩٥ ، حلية العلماء ٨ : ٣٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٦ ، المغني ٥ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٨١.

(٣) المغني ٥ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٨١.

٢٦٢

فأبطل ملك سيّده.

ولو أقرّ به السيّد لرجلٍ وأقرّ هو بنفسه لآخَر ، فهو للّذي أقرّ له السيّد ؛ لأنّه في يد السيّد ، لا في يد نفسه. ولأنّ السيّد لو أقرّ به منفرداً قُبِل ، ولو أقرّ العبد منفرداً لم يُقبل ، فإذا لم يُقبل إقرار العبد منفرداً فكيف يُقبل في معارضة السيّد!؟ ولو قُبِل إقرار العبد لما قُبِل إقرار السيّد ، كالحدّ وجناية العمد عندهم(١) .

مسألة ٨٥٢ : المكاتَب المشروط كالقِنّ عندنا لا يُقبل إقراره‌ ؛ لأنّه إقرار في حقّ الغير.

وعند العامّة إنّ حكمه حكم الحُرّ في صحّة إقراره(٢) . ولا بأس به.

ولو أقرّ بجناية خطأ أو عمد توجب المال ، فكالإقرار بالمال يُتبع به بعد العتق.

وعند العامّة يُقبل إقراره(٣) .

فإن عجز عن الكتابة ، بِيع في الجناية إن لم يفده سيّده.

وقال أبو حنيفة : يستسعى في الكتابة ، فإن عجز بطل إقراره بها ، سواء قضي بها أو لم يقض(٤) .

وعن الشافعي(٥) كقولنا.

وعنه قولٌ آخَر : إنّه مراعى إن أدّى لزمه ، وإن عجز بطل(٦) .

وأمّا المطلق : فإذا تحرّر بعضه ، كان حكمُ نصيب الحُرّيّة حكمَ الأحرار ، وحكمُ نصيب الرقّيّة حكمَ العبيد.

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٧٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٨١.

(٢ و ٣) المغني ٥ : ٢٧٥.

(٤ - ٦) مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢١٦ / ١٩١٦ ، المغني ٥ : ٢٧٥.

٢٦٣

مسألة ٨٥٣ : قد بيّنّا أنّ العبد إذا أقرّ بالسرقة أو غيرها ، لم يلتفت إليه‌ ، خلافاً للعامّة(١) .

فإن صدّقه المولى ، نفذ إقراره.

ثمّ المال إن كان باقياً ، يُسلَّم إلى المالك ، سواء كان في يد العبد أو في يد المولى. ولو كان تالفاً ، تُبع به بعد العتق.

ولو لم يصدّقه المولى ، فللشافعيّة قولان :

أحدهما : إنّه يُقبل إقراره ، ويتعلّق الضمان برقبته مع تلف العين ؛ لأنّ إقراره لـمّا تضمّن عقوبةً ، انقطعت التهمة عنه.

وأصحّهما عندهم : إنّه لا يُقبل ، كما لو أقرّ بمال ، ويتعلّق الضمان بذمّته ، إلّا أن يصدّقه السيّد(٢) .

وإن كان الـمُقرّ به باقياً ، فإن كان في يد السيّد ، لم ينتزع من يده إلّا بتصديقه ، كما لو قال حُرٌّ : سرقتُه ودفعتُه إليه. وإن كان في يد العبد ، لم ينتزع منه ، ولم يُقبل قوله بسرقته.

وللشافعيّة طريقان :

أحدهما عن ابن سريج : إنّ في انتزاعه قولين ، إن قلنا : لا ينتزع ، ثبت بدله في ذمّته ، وبه قال أبو حنيفة ومالك. وأبو حنيفة لا يوجب القطع أيضاً والحال هذه.

ومن الشافعيّة مَنْ قَطَع بنفي القبول في المال ، كما لو كان في يد السيّد ؛ لأنّ يده يد السيّد ، بخلاف ما لو كان تالفاً ؛ لأنّ غاية ما في الباب فوات رقبته على السيّد ؛ إذ يتبع في الضمان ، والأعيان التي تفوت عليه لو‌

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٧٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٨١.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٧ - ٢٧٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٦.

٢٦٤

قَبِلنا إقراره فيها لا تنضبط ، فيعظم ضرر السيّد.

ومنهم مَنْ عَكَس وقال : إن كان المال باقياً في يد العبد ، قُبِل إقراره ؛ بناءً على ظاهر اليد. وإن كان تالفاً ، لم يُقبل ؛ لأنّ الضمان حينئذٍ يتعلّق بالرقبة ، وهي محكوم بها للسيّد(١) .

فتلخّص من أقوال الشافعيّة أربعة أقوال :

أ : يُقبل مطلقاً.

ب : لا يُقبل مطلقاً.

ج : يُقبل إذا كان المال باقياً.

د : يُقبل إذا كان المال تالفاً.

ولو أقرّ ثمّ رجع عن الإقرار بسرقةٍ ، لم يجب القطع.

مسألة ٨٥٤ : لو أقرّ العبد بما يوجب القصاص على نفسه ، لم يُقبل.

وعند العامّة يُقبل(٢) .

فلو أقرّ فعفا المستحقّ على مالٍ أو عفا مطلقاً وقلنا : إنّه يوجب المال ، فوجهان :

أصحّهما عند الشافعيّة : إنّه يتعلّق برقبته وإن كذّبه السيّد ؛ لأنّه إنّما أقرّ بالعقوبة ، والمال توجّه بالعفو ، ولا يُنظر إلى احتمال أنّه واطأ المستحقّ على أن يقرّ ويعفو المستحقّ لتفوت الرقبة على السيّد ؛ لضعف هذه التهمة ، إذ المستحقّ ربما يموت أو لا يفي ، فيكون الـمُقرّ مخاطراً بنفسه.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٦.

(٢) المغني ٥ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٨٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ٤١ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٤ ، الوجيز ١ : ١٩٥ ، الوسيط ٣ : ٣١٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٢٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٦.

٢٦٥

والثاني : إنّه كذلك إن قلنا : إنّ موجَب العمد القصاصُ ، أمّا إذا قلنا : موجَبه أحدُ الأمرين ، ففي ثبوت المال عندهم قولان ؛ بناءً على الخلاف في ثبوت المال إذا أقرّ بالسرقة الموجبة للقطع(١) .

مسألة ٨٥٥ : إذا أقرّ العبد بدَيْن خيانةٍ من جهة غصبٍ أو سرقةٍ لا توجب القطع أو إتلافٍ وصدّقه السيّد ، تعلّق بذمّته يُتبع به بعد العتق ؛ لأنّ ما يفعله العبد لا يلزم السيّد منه شي‌ء.

وقال الشافعي : يتعلّق برقبته ، كما لو قامت عليه بيّنة ، فيباع فيه ، إلّا أن يختار السيّد الفداء(٢) .

وإذا بِيع فيه وبقي شي‌ء من الدَّيْن ، فهل يُتبع به بعد العتق؟ قولان للشافعيّة(٣) .

وإن كذّبه السيّد ، لم يتعلّق برقبته عندنا وعنده(٤) ، بل يتعلّق بذمّته ، ويُتبع به بعد العتق.

ولا يُخرَّج عندهم على الخلاف فيما إذا بِيع في الدَّيْن وبقي شي‌ء ؛ لأنّه إذا ثبت التعلّق بالرقبة فكأنّ الحقّ انحصر فيها وتعيّنت محلّاً للأداء(٥) .

وقال بعضهم : إنّ القياسيّين خرّجوه على ذلك الخلاف ، وقالوا : الفاضل عن قدر القيمة غير متعلّقٍ بالرقبة ، كما أنّ أصل الحقّ غير متعلّقٍ بها هنا(٦) .

مسألة ٨٥٦ : لو أقرّ العبد بدَيْن معاملةٍ ، نُظر إن لم يكن مأذوناً له في التجارة ، لم يُقبل إقراره على السيّد ، ويتعلّق الـمُقرّ به بذمّته يُتبع به إذا‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٨ - ٢٧٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٦.

(٤ - ٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٧.

٢٦٦

أُعتق ، سواء صدّقه السيّد أو كذّبه.

وإن كان مأذوناً له في التجارة ، ففي قبوله إشكال.

وقال الشافعي : يُقبل ويؤدّي من كسبه وما في يده ، إلّا إذا كان ممّا لا يتعلّق بالتجارة ، كالقرض(١) .

ولو أطلق المأذون الإقرارَ بالدَّيْن ولم يبيّن جهته ، احتُمل عندهم أن يُنزَّل على دَيْن المعاملة(٢) .

والأظهر : إنّه يُنزَّل على دَيْن الإتلاف.

ولا فرق في دَيْن الإتلاف بين المأذون وغيره.

ولو حجر عليه مولاه فأقرّ بعد الحجر بدَيْن معاملةٍ أسنده إلى حال الإذن ، فللشافعيّة وجهان مبنيّان على القولين فيما لو أقرّ المفلس بدَيْنٍ لزمه قبل الحجر ، هل يُقبل في مزاحمة الغرماء؟

والأظهر عندهم هنا : المنع ؛ لعجزه عن الإنشاء في الحال ، ويمكن التهمة(٣) .

قال الجويني : وجوب القطع على العبد في مسألة الإقرار بالسرقة إذا لم نقبله في المال مُخرَّج على الخلاف فيما إذا أقرّ الحُرّ بسرقة مال زيدٍ ، هل يُقطع قبل مراجعة زيد؟ لارتباط كلّ واحدٍ منهما بالآخَر(٤) .

مسألة ٨٥٧ : مَنْ نصفه حُرٌّ ونصفه رقيقٌ إذا أقرّ بدَيْن جنايةٍ ، لم يُقبل في حقّ السيّد ، إلّا أن يصدّقه ، ويُقبل في نصفه ، وعليه قضاؤه ممّا في يده.

وإن أقرّ بدَيْن معاملةٍ ، قضى نصفه - نصيب الحُرّيّة - ممّا في يده ،

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٩.

٢٦٧

وتعلّق نصيب الرقّيّة بذمّته.

وقال الشافعيّة : إن صحّحنا تصرّفه ، قَبِلنا إقراره عليه ، وقضيناه ممّا في يده. وإذا لم نصحّحه ، فإقراره كإقرار العبد(١) .

وإقرار السيّد على عبده بما يوجب عقوبةً مردود ، وبدَيْن الجناية مقبول ، إلّا أنّه إذا بِيع فيه وبقي شي‌ء ، لم يُتبع به بعد العتق ، إلّا أن يصدّقه.

وأمّا إقراره بدَيْن المعاملة فلا يُقبل على العبد ؛ لأنّه لا ينفذ إقرار رجلٍ على آخَر.

مسألة ٨٥٨ : المريض مرضَ الموت يُقبل إقراره بالنكاح وبموجبات العقوبات.

ولو أقرّ بدَيْنٍ أو عينٍ لأجنبيٍّ ، فالأقوى عندي من أقوال علمائنا : إنّه ينفذ من الأصل إن لم يكن متّهماً في إقراره. وإن كان متّهماً ، نفذ من الثلث ؛ لأنّه مع انتفاء التهمة يريد إبراء ذمّته ، فلا يمكن التوصّل إليه إلّا بالإقرار عن ثبوته في ذمّته ، فلو لم يُقبل منه بقيت ذمّته مشغولةً ، وبقي الـمُقرّ له ممنوعاً عن حقّه ، وكلاهما مفسدة ، فاقتضت الحكمة قبول قوله. أمّا مع التهمة فإنّ الظاهر أنّه لم يقصد الإخبار بالحقّ ، بل قَصَد منعَ الوارث عن جميع حقّه أو بعضه والتبرّعَ به للغير ، فأُجري مجرى الوصيّة.

ويؤيّده ما رواه العلاء بيّاع السابري عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن امرأة استودعت رجلاً مالاً فلمّا حضرها الموت قالت له : إنّ المال الذي دفعتُه إليك لفلانة ، وماتت المرأة ، فأتى أولياؤها الرجل وقالوا له : إنّه كان لصاحبتنا مال لا نراه إلّا عندك ، فاحلف لنا ما قِبَلك شي‌ء ، أفيحلف لهم؟

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٧٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٧.

٢٦٨

فقال : « إن كانت مأ مونةً عنده فليحلف ، وإن كانت متّهمةً فلا يحلف ، ويضع الأمر على ما كان ، فإنّما لها من مالها ثلثه »(١) .

وقال الشافعي : يصحّ إقراره للأجنبيّ(٢) ، وأطلق ، وهو إحدى الروايات عن أحمد(٣) .

وعنه رواية أُخرى : إنّه لا يُقبل ؛ لأنّه إقرار في مرض الموت ، فأشبه الإقرار لوارثٍ(٤) .

وعنه ثالثة : إنّه يُقبل في الثلث ، ولا يُقبل في الزائد ؛ لأنّه ممنوع من عطيّة ذلك للأجنبيّ ، كما هو ممنوع من عطيّة الوارث عندهم ، فلم يصحّ إقراره بما لا يملك عطيّته ، بخلاف الثلث فما دون(٥) .

والحقّ ما قلناه من أنّه إذا لم يكن متّهماً ، صحّ إقراره ، كالصحيح ، بل هنا أولى ؛ لأنّ حال المريض أقرب إلى الاحتياط لنفسه وإبراء ذمّته وتحرّي الصدق ، فكان أولى بالقبول ، أمّا الإقرار للوارث فإنّه متّهم فيه.

مسألة ٨٥٩ : لو أقرّ لأجنبيٍّ في مرضه وعليه دَيْنٌ ثابت بالبيّنة أو بالإقرار في الصحّة وهناك سعة في المال لهما ، نفذ إقراره من الأصل مع نفي التهمة ، ومطلقاً عند العامّة(٦) .

ولو ضاق المال عنهما ، فهو بينهما بالحصص - وبه قال مالك‌

____________________

(١) الكافي ٧ : ٤٢ / ٣ ، الفقيه ٤ : ١٧٠ / ٥٩٥ ، التهذيب ٩ : ١٦٠ / ٦٦١ ، الاستبصار ٤ : ١١٢ / ٤٣١ بتفاوت يسير.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٨.

(٣ و ٤) المغني ٥ : ٣٤٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٧٤.

(٥) المغني ٥ : ٣٤٢ - ٣٤٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٧٤.

(٦) المغني ٥ : ٣٤٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٧٥.

٢٦٩

والشافعي وأبو عبيد وأبو ثور(١) . قال أبو عبيد : إنّه قول [ أكثر ] أهل المدينة(٢) - لأنّهما حقّان تساويا في وجوب القضاء من أصل المال لم يختص أحدهما برهنٍ فاستويا ، كما لو ثبتا ببيّنةٍ.

وقال النخعي : إنّه يُقدَّم الدَّيْن الثابت بالبيّنة - وبه قال الثوري وأصحاب الرأي ، وعن أحمد روايتان كالمذهبين - لأنّه أقرّ بعد تعلّق الحقّ بتركته ، فوجب أن لا يشارك الـمُقرّ له مَنْ ثبت دَيْنه ببيّنةٍ ، كغريم المفلس الذي أقرّ له بعد الحجر عليه(٣) .

وإنّما قلنا : إنّه تعلّق الحقّ بتركته ؛ لأنّ الشارع مَنَعه من التصرّف في أكثر من الثلث ، ولهذا لم تُنفذ هباته وتبرّعاته من الأصل ، فلم يشارك مَنْ أقرّ له قبل الحجر ومَنْ ثبت دَيْنه ببيّنةٍ الذي أقرّ له المريض في مرضه.

ولو أقرّ لهما جميعاً في المرض ، فإنّهما يتساويان ، ولا يُقدَّم السابق منهما.

مسألة ٨٦٠ : لو أقرّ المريض لوارثه بمال ، فالأقوى عندي اعتبار‌

____________________

(١) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦١٧ - ٦١٨ / ١٠٥٠ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٩٦ / ١١٩٤ ، الذخيرة ٩ : ٢٦٠ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٨ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٥ ، حلية العلماء ٨ : ٣٢٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨١ ، روضة الطالبين ٤ : ٨ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٨٩ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢١٠ / ١٩٠٥ ، المغني ٥ : ٣٤٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٧٥.

(٢) المغني ٥ : ٣٤٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٧٥ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.

(٣) المغني ٥ : ٣٤٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٧٥ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٠٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٨٩ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢١٨ ، المبسوط - للسرخسي - ١٨ : ٢٦ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٢٩ ، الذخيرة ٩ : ٢٦٠ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦١٨ / ١٠٥٠ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٩٦ / ١١٩٤.

٢٧٠

العدالة.

فإن كان عَدْ لاً غير متّهمٍ في إقراره ، نفذ من الأصل ، كالأجنبيّ.

وإن لم يكن مأموناً وكان متّهماً في إقراره ، نفذ من الثلث ؛ لما تقدّم في الأجنبيّ.

ولما رواه منصور بن حازم عن الصادقعليه‌السلام أنّه سأله عن رجل أوصى لبعض ورثته أنّ له عليه دَيْناً ، فقال : « إن كان الميّت مريضاً فأعطه الذي أوصاه(١) له »(٢) .

وقال بعض علمائنا : إنّ إقرار المريض من الثلث مطلقاً(٣) .

وبعضهم قال : إنّه من الثلث في حقّ الوارث مطلقاً ؛ لأنّ الوراثة موجبة للتهمة(٤) .

ولما رواه هشام [ بن سالم عن إسماعيل بن جابر قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام ](٥) عن رجل أقرّ لوارثٍ له - وهو مريض - بدَيْنٍ عليه ، قال : « يجوز إذا كان الذي أقرّ به دون الثلث »(٦) .

وقال بعضهم : إنّ إقرار المريض مطلقاً من الأصل(٧) . ولم يعتبر التهمة.

____________________

(١) في المصادر : « أوصى » بدل « أوصاه ».

(٢) الكافي ٧ : ٤١ - ٤٢ / ١ ، الفقيه ٤ : ١٧٠ / ٥٩٤ ، التهذيب ٩ : ١٥٩ / ٦٥٦ ، الاستبصار ٤ : ١١١ / ٤٢٦.

(٣) المختصر النافع : ١٦٨.

(٤) المقنع : ١٦٥.

(٥) ما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

(٦) الكافي ٧ : ٤٢ / ٤ ، الفقيه ٤ : ١٧٠ / ٥٩٢ ، التهذيب ٩ : ١٦٠ / ٦٥٩ ، الاستبصار ٤ : ١١٢ / ٤٢٩.

(٧) السرائر ٢ : ٥٠٦ ، و ٣ : ٢١٧.

٢٧١

قال ابن المنذر من ا لعامّة : أجمع كلّ مَنْ نحفظ عنه من أهل العلم على أنّ إقرار المريض في مرضه لغير الوارث جائز(١) .

وللشافعيّة في الإقرار للوارث طريقان :

أحدهما : إنّه على قولين :

أحدهما : إنّه لا يُقبل - وبه قال شريح وأبو هاشم وابن أُذينة والنخعي والثوري ويحيى الأنصاري وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد بن حنبل - لأنّه موضع التهمة بقصد حرمان بعض الورثة ، فأشبه الوصيّة للوارث. ولأنّه إيصال لماله إلى وارثه بقوله في مرض موته ، فلم يصح بغير رضا بقيّة ورثته ، كهبته. ولأنّه محجور عليه في حقّه ، فلم يصح إقراره له ، كالصبي.

وأصحّهما : القبول - كما ذهبنا إليه ، وبه قال الحسن البصري وعمر ابن عبد العزيز ، ومن الفقهاء أبو ثور وأبو عبيد - كما لو أقرّ لأجنبيٍّ ، وكما لو أقرّ في حال الصحّة ، والظاهر أنّه لا يُقرّ إلّا عن حقيقةٍ ، ولا يقصد حرماناً ، فإنّه انتهى إلى حالةٍ يصدق فيها الكاذب ويتوب الفاجر.

الطريق الثاني : القطع بالقبول ، وحَمْلُ قول الشافعي : « فمَنْ أجاز الإقرار لوارثٍ أجازه ، ومَنْ أبى ردّه » [ على ](٢) حكاية مذهب الغير(٣) .

____________________

(١) الإجماع - لابن المنذر - : ٣٨ / ٣٤٤ ، المغني ٥ : ٣٤٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٧٤.

(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٣٠ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٥ ، بحر المذهب ٨ : ٢٤٩ ، الوجيز ١ : ١٩٥ ، الوسيط ٣ : ٣٢٠ ، حلية العلماء ٨ : ٣٣٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٦٢ ، البيان ١٣ : ٣٩٣ - ٣٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨٠ - ٢٨١ ، روضة الطالبين ٤ : ٨ ، المبسوط - للسرخسي - ١٨ : ٣١ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٠٢ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢١٩ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٩٠ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢١٠ / ١٩٠٦ ، المغني ٥ : ٣٤٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٧٥ - =

٢٧٢

وقال مالك : إن كان الـمُقرّ متّهماً ، بطل الإقرار. وإن لم يكن متّهماً ، صحّ ونفذ ، ويجتهد الحاكم فيه(١) .

مسألة ٨٦١ : الأصل في إخبار المسلم الصدقُ ، فلا يُحمل على غيره إلّا لموجبٍ.

فإذا أقرّ المريض لوارثٍ أو لغيره واعتبرنا التهمة ، كان الأصل عدمها ؛ لأصالة ثقة المسلم وعدالته.

فإن ادّعاها(٢) الوارث وقال الـمُقرّ له : إنّه غير متّهم ، فالقول قول المُقرّ له مع اليمين ؛ لالتزامه بالظاهر ، فلا يُقبل قول الوارث إلّا بالبيّنة.

وإن اعتبرنا التهمة في الوارث خاصّةً وجعلنا الوراثة موجبةً للتهمة وأمضينا إقراره من الثلث كالوصيّة ، فالاعتبار في كونه وارثاً بحال الموت أم بحال الإقرار؟ الأقوى : الثاني - وبه قال مالك والشافعي في القديم ، وهو قول عثمان البتّي(٣) - لأنّ التهمة حينئذٍ تعرض.

وقال أبو حنيفة والشافعي في الجديد : إنّ الاعتبار بحال الموت ، كما في الوصيّة ، وهذا لأنّ المانع من القبول كونه وارثاً ، والوراثة تتعلّق بحالة‌

____________________

= ٢٧٦ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦١٨ / ١٠٥١ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٩٧ و ١٦٩٨ / ١١٩٤ و ١١٩٥.

(١) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦١٨ / ١٠٥١ ، عيون المجالس ٤ : ١٦٩٦ - ١٦٩٨ / ١١٩٤ و ١١٩٥ ، بحر المذهب ٨ : ٢٤٩ ، حلية العلماء ٨ : ٣٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨١ ، روضة الطالبين ٤ : ٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢١٠ / ١٩٠٥ ، المغني ٥ : ٣٤٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٧٦.

(٢) في النسخ الخطّيّة والحجريّة بدل « ادّعاها » : « ادّعاه ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) الوسيط ٣ : ٣٢٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨١ ، روضة الطالبين ٤ : ٨ ، المغني ٥ : ٣٤٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٧٨ ، الخلاف - للشيخ الطوسي - ٣ : ٣٦٩ ، المسألة ١٤ من كتاب الإقرار.

٢٧٣

الموت (١) .

وليس بمعتمدٍ .

فعلى ما اخترناه لو أقرّ لزوجته ثمّ طلّقها أو لأخيه ثمّ ولد له ولد ، صحّ الإقرار.

ولو أقرّ لأجنبيّةٍ ثمّ نكحها أو لأخيه وله ابن فمات ، لم يصح من الأصل ، وعلى الآخَر بالعكس فيهما.

ولو أقرّ في المرض أنّه كان قد وهب من وارثه وأقبض في الصحّة ، فالأقوى أنّه لا ينفذ من الأصل.

وللشافعيّة طريقان :

أحدهما : القطع بالمنع ؛ لذكره ما هو عاجز عن إنشائه في الحال.

والثاني : إنّه على القولين في الإقرار للوارث [ و ] رجّح بعضهم القبولَ ؛ لأنّه قد يكون صادقاً فيه ، فليكن له طريق إلى إيصال الحقّ إلى المستحقّ(٢) .

ولو أقرّ لمتّهمٍ وغير متّهمٍ ، نفذ في حقّ غير المتّهم من الأصل ، وفي المتّهم من الثلث.

وعند الشافعيّة لو أقرّ لوارثه وأجنبيٍّ معاً ، هل يصحّ في حصّة الأجنبيّ إذا لم يُقبل للوارث؟ قولان ، والظاهر عندهم : الصحّة(٣) .

مسألة ٨٦٢ : لو أقرّ في صحّته أو مرضه بدَيْنٍ ثمّ مات فأقرّ وارثه عليه‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣١ ، بحر المذهب ٨ : ٢٥٠ ، الوسيط ٣ : ٣٢٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٦٢ ، البيان ١٣ : ٣٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨١ ، روضة الطالبين ٤ : ٨ ، المغني ٥ : ٣٤٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٧٨.

(٢) الوسيط ٣ : ٣٢١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨١ ، روضة الطالبين ٤ : ٨.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨١ ، روضة الطالبين ٤ : ٨.

٢٧٤

بدَيْنٍ لآخَر وقصرت التركة عنهما ، احتُمل تساويهما وأنّهما يتضاربان في التركة ، كما لو ثبت الدَّيْنان بالبيّنة ، وكما لو أقرّ بهما في حياته ، فإنّ الوارث خليفته ، فإقراره كإقراره.

ويحتمل أنّه يقدَّم ما أقرّ به المورّث ؛ لأنّه تعلّق بالتركة ، فليس للوارث صَرف التركة عنه. وفي الثاني قوّة.

وللشافعيّة وجهان(١) كهذين.

والوجهان جاريان فيما لو أقرّ الوارث بدَيْنٍ عليه ثمّ أقرّ لآخَر بدَيْنٍ عليه(٢) .

وهُما مبنيّان على أنّ المحجور عليه بالفلس إذا أقرّ بدَيْنٍ أسنده إلى ما قبل الحجر هل يُقبل إقراره في زحمة الغرماء؟ للشافعي فيه قولان ، فالتركة كمال المحجور عليه من حيث إنّ الورثة ممنوعون عن التصرّف فيها(٣) .

ولو ثبت عليه دَيْنٌ في حياته بالبيّنة ثمّ مات فأقرّ وارثه عليه بدَيْنٍ ، جرى الخلاف أيضاً ، كما تقدّم.

مسألة ٨٦٣ : لو ثبت عليه دَيْنٌ في حياته أو بعد موته بأن تردّت بهيمة في بئرٍ كان قد احتفرها في محلّ عدوان ، زاحم صاحبُ البهيمة ربَّ الدَّيْن القديم ؛ لأنّ وجود السبب كوجود المسبّب.

وللشافعي قولان تقدّما فيما إذا جنى المفلس بعد الحجر عليه(٤) .

ولو مات وخلّف ألف درهم فجاء مُدّعٍ وادّعى أنّه أوصى بثلث ماله ، فصدّقه الوارث ثمّ جاء آخَر وادّعى عليه ألف درهم دَيْناً ، فصدّقه الوارث ،

____________________

(١) الوسيط ٣ : ٣٢١ - ٣٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٨.

(٢) الوسيط ٣ : ٣٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٨ - ٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨٢.

(٤) الوسيط ٣ : ٣٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٩ ، وراجع ج ١٤ - من هذا الكتاب - ص ٢٩ - ٣٠ ، المسألة ٢٧٦.

٢٧٥

احتُمل صَرفُ الثلث إلى الوصيّة ؛ لتقدّمها ، وتقدُّمُ الدَّيْن ، لأنّه في وضع الشرع مقدَّم على الوصيّة.

وللشافعيّة قولان مخرَّجان على قولهم : إنّ إقرار الوارث والموروث سواء(١) .

ولو صدّق الوارث مدّعي الدَّيْن أوّلاً ، فالأقوى صَرف المال إليه.

ولو صدّق المدّعيَيْن دفعةً ، قسّم الألف بينهما أرباعاً ؛ لأنّا نحتاج إلى ألف للدَّيْن وإلى ثلث ألف للوصيّة ، فيزاحم على الألف الألف وثلث الألف ، فيخصّ الوصيّة ثلث عائل ، فيكون ربعاً ، وهو قول أكثر الشافعيّة(٢) .

وقال بعضهم : تبطل الوصيّة ، ويُقدّم الدَّيْن كما لو ثبتا بالبيّنة(٣) .

وهو الأقوى ، سواء قدّمنا عند الترتيب الأوّلَ منهما أو سوّينا بينهما.

مسألة ٨٦٤ : لو أقرّ المريض بعين ماله لإنسان ثمّ أقرّ بدَيْنٍ لآخَر مستغرق أو غير مستغرقٍ ، سُلّمت العين للمُقرّ له‌ ، ولا شي‌ء للثاني ؛ لأنّ المُقرّ مات ولا شي‌ء له.

ولو أقرّ بالدَّيْن أوّلاً ثمّ أقرّ بعين ماله ، احتُمل مساواة هذه للأُولى - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٤) - لأنّ الإقرار بالدَّيْن لا يتضمّن حَجْراً في العين ، ولهذا تنفذ تصرّفاته فيه.

ويحتمل تزاحمهما - وهو الثاني للشافعيّة ، وبه قال أبو حنيفة ٥ - لأنّ لأحد الإقرارين قوّةَ السبق ، وللآخَر قوّة الإضافة إلى العين ، فاستويا.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٩.

(٢ و ٣) الوسيط ٣ : ٣٢٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٩.

(٤ و ٥) الوجيز ١ : ١٩٥ ، الوسيط ٣ : ٣٢١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٩.

٢٧٦

البحث الثالث : في المُقرّ له

وله شروط ثلاثة : أهليّته للاستحقاق ، وأن لا يكذّب المـُقرّ له ، والتعيين ، فهنا مطلبان :

الأوّل : أهليّة الـمُقرّ له للاستحقاق للحقّ المـُقرّ به‌ ، وإلّا كان الكلام لغواً لا عبرة به ، فلو قال: لهذا الحمار أو الحائط أو لدابّة فلان علَيَّ ألف ، بطل إقراره.

ولو قال : لفلان علَيَّ بسببها ألف ، صحّ ، وحُمل على أنّه جنى عليها أو استعملها أو اكتراها.

وقال بعض الشافعيّة : لا يصحّ ؛ لأنّ الغالب لزوم المال بالمعاملة ، ولا تتصوّر المعاملة معها(١) .

ولو قال : لعبد فلان علَيَّ أو عندي ألف ، صحّ ، وكان الإقرار لسيّده ، بخلاف الدابّة ؛ لأنّ المعاملة معها لا تُتصوّر ، وتُتصوّر مع العبد ، والإضافة إليه كالإضافة في الهبة وسائر الإنشاءات.

ولو قال : علَيَّ ألف بسبب الدابّة ، ولم يقل : لمالكها ، فالأقرب : إنّه لا يلزمه لمالكها شي‌ء ؛ لجواز أن يلزمه بسببها ما ليس لمالكها بأن ينفرها على راكبٍ أجنبيّ فيسقط ، أو يركبها ويجني بيديها على أجنبيٍّ.

نعم ، إنّه يُسأل ويُحكم بموجب بيانه ، فإن امتنع من البيان وادّعى المالك قصده ، حلف له ، وإلّا فلا.

مسألة ٨٦٥ : الحمل يصحّ أن يملك ، ولهذا يُعزل له في الميراث‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١١.

٢٧٧

نصيبٌ ، وتصحّ الوصي ّة به وله.

فإذا قال : لحمل فلانة علَيَّ ألف ، أو عندي له ألف ، فأقسام أحواله ثلاثة :

فإن أسنده إلى جهةٍ صحيحة بأن يقول : ورثه من أبيه ، أو أوصى به فلان له ، صحّ(١) إقراره.

ثمّ إن انفصل الحمل ميّتاً ، فلا حقّ له ، ويكون لورثة مَنْ قال : إنّه ورثه منه ، أو للموصي ، أو لورثته إن أسنده إلى الوصيّة.

وإن انفصل حيّاً لدون ستّة أشهر من يوم الإقرار ، استحقّ ؛ لأنّا تبيّنّا وجوده يومئذٍ.

وإن انفصل لأكثر من مدّة الحمل - وهي سنة على روايةٍ(٢) ، وعشرة على أُخرى(٣) ، وتسعة على ثالثةٍ(٤) عندنا ، وعند الشافعي أربع سنين(٥) - فلا شي‌ء له ؛ لتيقّن عدمه حينئذٍ.

وإن انفصل لستّة أشهر فما زاد إلى السنة أو العشرة الأشهر أو التسعة عندنا أو إلى أربع سنين عند الشافعي ، فإن كانت فراشاً فالأقرب : صحّة الإقرار ؛ عملاً بأصالة الصحّة.

ويحتمل البطلان ؛ لاحتمال تجدّد العلوق بعد الإقرار ، والأصل عدم الاستحقاق ، وعدم المُقرّ له عند الإقرار.

والثاني قول الشافعيّة(٦) .

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة : « فيصحّ ».

(٢) الكافي ٦ : ١٠١ / ٣ ، الفقيه ٣ : ٣٣٠ / ١٦٠٠.

(٣) لم نعثر عليها في المصادر الحديثيّة ، ونسبها إلى الرواية أيضاً ابن حمزة في الوسيلة : ٣١٨.

(٤) الكافي ٦ : ٥٢ / ٣ ، التهذيب ٨ : ١١٥ / ٣٩٦ ، و ١٦٦ - ١٦٧ / ٥٧٨.

(٥) الأُم ٥ : ٢٢٢ ، الحاوي الكبير ١١ : ٢٠٥ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ١٤٣ ، البيان ١٠ : ٣٧٦ ، العزيز شرح الوجيز ٩ : ٤٥١ ، روضة الطالبين ٦ : ٣٥٤.

(٦) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٦٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١١.

٢٧٨

وإن لم تكن مستفرشةً ، فللشافعي قولان :

أحدهما : إنّه لا يستحقّ ؛ لأنّا لا نتيقّن وجوده عند الإقرار.

وأظهرهما عندهم : الاستحقاق - وهو المعتمد - إذ لا سبب في الظاهر يتجدّد به العلوق ، فالظاهر وجوده وقت الإقرار ، ولهذا يُحكم بثبوت نسبه ممّن كانت فراشاً له(١) .

فإن ولدت المرأة ذكراً ، فهو له.

وكذا لو ولدت ذكرين فصاعداً ، فلهم بالسويّة.

وإن ولدت أُنثى ، فلها.

وإن ولدتهما معاً ، فهو بينهما بالسويّة إن [ أسنده ](٢) إلى الوصيّة ، وإلّا فهو بينهما أثلاثاً إن أسنده إلى الإرث.

ولو اقتضى جهة الوراثة التسويةَ بأن يكونا ولدي الأُمّ ، كان ثلثه بينهما بالسويّة.

ولو أطلق الإرث حكمنا بما يجب به عند سؤالنا إيّاه عن الجهة.

مسألة ٨٦٦ : لو أسند الإقرار إلى جهةٍ فاسدة بأن يسند الاستحقاق إلى القرض منه أو البيع عليه ، فالوجه عندي : الصحّة - وهو أظهر قولَي الشافعيّة(٣) - لأنّه عقّبه بما هو غير معقولٍ ولا منتظم ، فأشبه ما إذا قال :

لفلان علَيَّ ألف لا تلزمني.

والثاني للشافعيّة : البطلان(٤) .

ولهم طريقٌ آخَر : إنّ المطلق إن كان فاسداً ، فهنا أولى بالبطلان. وإن

____________________

(١) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٦٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨٥ ، روضة الطالبين ٤ : ١١.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « أسند ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣ و ٤) بحر المذهب ٨ : ٢٥٤ ، البيان ١٣ : ٣٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٢.

٢٧٩

قلنا : المطلق صحيح ، كانت المسألة على قولين(١) .

ولو أطلق الإقرار ، فالأقوى عندي الصحّة أيضاً ؛ عملاً بمقتضى إقراره ، وحملاً للأقارير على الصحّة والجهة الممكنة في حقّه وإن كانت نادرةً ، وهو أصحّ قولَي الشافعي ، وبه قال أبو حنيفة ومحمّد(٢) .

والثاني للشافعي : البطلان - وبه قال أبو يوسف - لأنّ المال في الغالب إنّما يثبت بمعاملةٍ أو جنايةٍ ، ولا مساغ للمعاملة معه ولا للجناية عليه(٣) .

مسألة ٨٦٧ : لو انفصل الحمل ميّتاً وقلنا بصحّة الإقرار حالة ما إذا نسب الإقرار إلى المستحيل أو أطلق ، لم يكن له حق ؛ لأنّه إن كان عن وصيّةٍ ، فقد ظهر بطلانها ؛ لأنّه لا تصحّ الوصيّة إلّا بعد أن ينفصل حيّاً. وإن كان ميراثاً ، فلا يثبت له إذا انفصل ميّتاً.

ويُسأل المـُقرّ عن جهة إقراره من الإرث أو الوصيّة ويُحكم بموجبها.

قال بعض الشافعيّة : ليس لهذا السؤال والبحث طالبٌ معيّن ، وكان‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٣٤ ، الوسيط ٣ : ٣٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٢.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣٤ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٥ - ٣٤٦ ، بحر المذهب ٨ : ٢٥٣ - ٢٥٤ ، الوجيز ١ : ١٩٥ - ١٩٦ ، الوسيط ٣ : ٣٢٣ ، حلية العلماء ٨ : ٣٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٦١ ، البيان ١٣ : ٣٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٢ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢١٩ - ٢٢٠ / ١٩٢٢ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢١٠ ، المبسوط - للسرخسي - ١٧ : ١٩٧ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٨٣ ، المغني ٥ : ٢٧٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٩٢.

(٣) الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢١٠ ، المبسوط - للسرخسي - ١٧ : ١٩٧ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٨٣ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢١٩ / ١٩٢٢ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣٤ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٥ - ٣٤٦ ، بحر المذهب ٨ : ٢٥٣ ، الوجيز ١ : ١٩٥ ، الوسيط ٣ : ٣٢٣ ، حلية العلماء ٨ : ٣٣٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٦٠ ، البيان ١٣ : ٣٩٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٨٦ ، روضة الطالبين ٤ : ١٢.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501