تذكرة الفقهاء الجزء ١٥

تذكرة الفقهاء11%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-436-1
الصفحات: 501

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 501 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 182083 / تحميل: 5881
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٥

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٦-١
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

المكاتَب يتصرّف في بيعه وشرائه بنفسه ، فصحّ أن يوكّل فيه.

وأمّا المرأة فعندنا يصحّ أن توكّل في النكاح ، خلافاً للشافعيّة(١) .

وكذا يصحّ عندنا توكيل الفاسق في تزويج ابنته - خلافاً للشافعيّة في أحد القولين(٢) - لأنّ الفاسق عندنا له ولاية النكاح.

ولا يصحّ توكيل السكران كسائر تصرّفاته ، عندنا.

مسألة ٦٥٥ : شرطنا في الموكّل أن يكون متمكّناً من المباشرة إمّا بحقّ الملك أو الولاية ليدخل فيه توكيل الأب أو الجدّ له في النكاح والمال. ويخرج عنه توكيل الوكيل ، فإنّه ليس بمالكٍ ولا وليّ ، وإنّما يتصرّف بالإذن.

نعم ، لو مكّنه الموكّل من التوكيل لفظاً أو دلّت عليه قرينة ، نفذ.

والعبد المأذون ليس له أن يوكّل فيما أذن له مولاه فيه ؛ لأنّه إنّما يتصرّف بالإذن.

وكذا العامل في المضاربة إنّما يتصرّف عن الإذن لا بحقّ الملك ولا الولاية.

وفي توكيل الأخ والعمّ ومَنْ لا يجبر في النكاح للشافعيّة وجهان يعودان في النكاح ؛ لأنّه من حيث إنّه لا يعزل كالوليّ ، ومن حيث إنّه لا يستقلّ كالوكيل(٣) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٥٠٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٦ ، الوسيط ٣ : ٢٨١ ، الوجيز ١ : ١٨٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٢ ، منهاج الطالبين : ١٣٤ ، المغني ٧ : ٣٣٧.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٥٠٦ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٦ ، و ٢ : ٣٧ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٢ ، الوسيط ٣ : ٢٨١ ، حلية العلماء ٥ : ١١٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١١ ، البيان ٦ : ٣٦٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٢.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٦ ، البيان ٦ : ٣٦٠ ، الوسيط ٣ : ٢٨١ ، حلية العلماء ٦ : ٣٤٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٠.

٢١

وعندنا لا ولاية له ، ولا مدخل له في النكاح أ لبتّة ، فلا يصحّ له أن يوكّل فيه.

وللمحجور عليه بالفلس أو السفه أو الرقّ أن يوكّلوا فيما لهم الاستقلال [ به ](١) من التصرّفات ، فيصحّ من العبد أن يوكّل فيما يملكه دون إذن سيّده ، كالطلاق والخُلْع.

وكذا المحجور عليه لسفهٍ لا يوكّل إلّا فيما لَه فعله ، كالطلاق والخُلْع وطلب القصاص.

والمفلس له التوكيل في الطلاق والخُلْع وطلب القصاص والتصرّف في نفسه ، فإنّه يملك ذلك ، وأمّا ماله فلا يملك التصرّف فيه.

وأمّا ما لا يستقلّ أحدهم بالتصرّف فيه فيجوز مع إذن الوليّ والمولى.

ومَنْ جوّز التوكيل بطلاق(٢) امرأة سينكحها وبيع(٣) عبد سيملكه فقياسه تجويز توكيل المحجور عليه بما سيأذن له فيه الوليّ(٤) .

وكلّ هذا عندنا باطل.

ومَنْ مَنَع من بيع الأعمى وشرائه من العامّة جوّز له أن يوكّل فيه ؛ للضرورة.

وإذا نفذ توكيل الوكيل ، فمنصوبه وكيل الموكّل أم وكيل الوكيل؟ فيه خلاف سيأتي إن شاء الله تعالى.

فإذا جعلناه وكيلاً للوكيل ، لم يكن من شرط التوكيل كون الموكّل مالكاً للتصرّف بحقّ الملك أو الولاية.

____________________

(١) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٢) في « ج ، ر » : « في طلاق ».

(٣) الظاهر : « أو بيع ».

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٠ - ٥٣١.

٢٢

مسألة ٦٥٦ : الوكالة جائزة في كلّ ما يصحّ دخول النيابة فيه‌ من البيع والشراء والمحاكمة ومطالبة الحقوق ممّن هي عليه وإثباتها ، عند علمائنا كافّة مع حضور الموكّل وغيبته وصحّته ومرضه - وبه قال ابن أبي ليلى ومالك وأحمد والشافعي وأبو يوسف ومحمّد(١) - لأنّ الخصومة تصحّ فيها النيابة ، فكان له الاستنابة فيها من غير رضا خصمه لدفع المال الذي عليه إذا كان غائباً أو مريضاً. ولأنّ الخصومة حقّ تجوز النيابة فيه ، فكان لصاحبه الاستنابة بغير رضا خصمه ، كحالة غيبته أو مرضه.

ولأنّ الصحابة أجمعوا عليه ، فإنّ العامّة رووا أنّ عليّاًعليه‌السلام وكّل عقيلاً وقال : « ما قضي له فلي ، وما قضي عليه فعلَيَّ »(٢) ، ووكّل [ عبد الله ](٣) بن جعفر أيضاً وقال : « إنّ للخصومة قحماً ، وإنّ الشيطان ليحضرها ، وإنّي أكره أن أحضرها »(٤) . والقحم : المهالك. واشتهر ذلك بين الصحابة ، ولم ينكره أحد ، فكان إجماعاً.

____________________

(١) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٧ / ١٠٣١ ، بداية المجتهد ٢ : ٣٠١ ، التلقين ٢ : ٤٤٥ - ٤٤٦ ، الذخيرة ٨ : ٦ و ٨ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٣٩٤ ، المعونة ٢ : ١٢٣٧ ، المغني ٥ : ٢٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٦ - ٢٠٧ ، التنبيه : ١٠٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٥ ، بحر المذهب ٨ : ١٤٩ و ١٥٣ ، الوسيط ٣ : ٢٧٨ ، الوجيز ١ : ١٨٨ ، البيان ٦ : ٣٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٦ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٥٣ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢٨ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٢ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٧ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٣٦ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٧ / ١٧٤١.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٥ ، المغني ٥ : ٢٠٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٧ ، سنن البيهقي ٦ : ٨١.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « عبد الرحمن ». والصحيح ما أثبتناه كما في المصادر.

(٤) نفس المصادر في الهامش (٢)

٢٣

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « مَنْ وكّل رجلاً على إمضاء أمر من الأُمور فالوكالة ثابتة أبداً حتى يُعلمه بالخروج منها كما أعلمه بالدخول فيها »(١) وهو من ألفاظ العموم.

وقال أبو حنيفة : للخصم أن يمتنع من مخاصمة الوكيل ومحاكمته إذا كان الموكّل حاضراً ؛ لأنّ حضوره مجلسَ الحكم ومخاصمته حقٌّ لخصمه عليه ، فلم يكن له نقله إلى غيره بغير رضا خصمه ، كالدَّيْن يكون عليه(٢) .

والفرق : إنّ الحوالة إسقاط الحقّ عن ذمّته ، فلا يملكه ، وهنا الوكالة نيابة عنه ، فهو بمنزلة توكيله في تسليم الحقّ الذي عليه. ولأنّ الحاجة قد تدعو إلى التوكيل ، فإنّه قد لا يُحسن الخصومة ، أو [ يترفّع ](٣) عنها ، فإنّه يكره للإنسان أن يباشر الخصومة بنفسه ، بل ينبغي لذوي المروءات وأهل المناصب الجليلة التوكيل في محاكماتهم إذا احتاجوا إليها.

مسألة ٦٥٧ : ولا فرق في ذلك بين الطلاق وغيره عند أكثر علمائنا(٤) . وللشيخرحمه‌الله قولٌ : إنّه إذا وكّل الإنسان غيره في أن يطلّق عنه امرأته وكان غائباً ، جاز طلاق الوكيل ، وإن كان شاهداً لم يجز طلاق الوكيل(٥) .

____________________

(١) تقدّم تخريجه في ص ٧ ، الهامش (٢)

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٢٨ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٢ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٥٣ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٣٦ - ١٣٧ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ٧ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٧ / ١٧٤١ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٣ ، الوسيط ٣ : ٢٧٨ ، البيان ٦ : ٣٥٥ ، الذخيرة ٨ : ٨ ، المعونة ٢ : ١٢٣٧ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٠٧ / ١٠٣١ ، المغني ٥ : ٢٠٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٧.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يرتفع ». والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

(٤) منهم : ابن إدريس في السرائر ٢ : ٨٣ ، والمحقّق الحلّي في شرائع الإسلام ٢ : ١٩٧ ، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ٣١٩.

(٥) النهاية : ٣١٩.

٢٤

ولا وجه له ، والمعتمد : جواز طلاق الوكيل في حضرة الموكّل وغيبته.

وللفاسق أن يوكّل غيره في إيجاب العقد على ابنته وفي قبول النكاح عن ابنه.

وللشافعيّة فيهما وجهان(١) .

وبعض العامّة فرّق بين القبول عن ابنه والإيجاب عن ابنه والإيجاب عن ابنته ، فجوّز الأوّل ، ومَنَع الثاني(٢) .

وليس للكافر ولاية التزويج لابنته المسلمة ، فليس له أن يوكّل فيه ؛ لقوله تعالى :( وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (٣) .

وكذا ليس للمُحْرم أن يوكّل في شراء الصيد ولا في عقد النكاح إيجاباً وقبولاً.

مسألة ٦٥٨ : التوكيل على أقسام ثلاثة :

الأوّل : أن يأذن الموكّل لوكيله في التوكيل ، فيجوز له أن يوكّل إجماعاً ؛ لأنّه عقد أذن له فيه ، فكان له فعله ، كالتصرّف المأذون فيه.

الثاني : أن ينهاه عن التوكيل ، فليس له أن يوكّل إجماعاً ؛ لأنّ ما نهاه عنه غير داخل في إذنه ، فلم يجز له فعله ، كما لو لم يوكّله.

الثالث : أطلق(٤) الوكالة. وأقسامه ثلاثة :

أحدها : أن يكون العمل ممّا يترفّع(٥) الوكيل عن مثله ، كالأعمال الدنيئة في حقّ أشراف الناس المترفّعين(٦) عن فعل مثلها في العادة ، كما‌ لو وكّله في البيع والشراء ، والوكيل ممّن لا يبتذل بالتصرّف في الأسواق ، أو

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ١٥٢ ، البيان ٦ : ٣٦٠ و ٣٦١.

(٢) لم نعثر عليه فيما بين أيدينا من المصادر.

(٣) النساء : ١٤١.

(٤) في « ج » : « إطلاق ».

(٥و٦) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يرتفع المرتفعين ». والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

٢٥

يعجز عن عمله ؛ لكونه لا يُحسنه ، فله التوكيل فيه ؛ لأنّ تفويض مثل هذا التصرّف إلى مثل هذا الشخص لا يقصد منه إلّا الاستنابة ، وهو قول علمائنا أجمع وأكثر الشافعيّة(١) .

ولهم وجهٌ آخَر : إنّه لا يوكّل ؛ لقصور اللفظ(٢) .

وليس بجيّد ؛ لأنّ [ العمل ] إذا كان ممّا لا يعمله [ الوكيل ] عادةً(٣) انصرف الإذن إلى ما جرت العادة من الاستنابة فيه.

الثاني : أن يكون العمل ممّا لا يترفّع(٤) الوكيل عن مثله ، بل له عادة بمباشرته إلّا أنّه عملٌ كثير منتشر لا يقدر الوكيل على فعل جميعه فيباشره بنفسه ، ولا يمكنه الإتيان بالكلّ ؛ لكثرتها ، فعندنا يجوز له التوكيل ، ولا نعلم فيه مخالفاً.

وله أن يوكّل فيما يزيد على قدر الإمكان قطعاً ، وفي قدر الإمكان إشكال أقربه ذلك أيضاً ؛ لأنّ الوكالة اقتضت جواز التوكيل فيه ، فجازت في جميعه ، كما لو أذن له في التوكيل فيه بلفظٍ.

وللشافعيّة ثلاثة طرق :

أصحّها عندهم : إنّه يوكّل فيما يزيد على قدر الإمكان.

وفي قدر الإمكان وجهان :

أحدهما : يوكّل فيه أيضاً ؛ لأنّه ملك التوكيل في البعض ، فيوكّل في الكلّ ، كما لو أذن صريحاً.

____________________

(١و٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٨ ، حلية العلماء ٥ : ١١٩ - ١٢٠ ، البيان ٦ : ٣٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٤ ، منهاج الطالبين : ١٣٥.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لأنّ الوكيل إذا كان ممّا لا يعمله عادةً ». والصحيح ما أثبتناه.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « لا يرتفع ». والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

٢٦

وأصحّهما عندهم : أنّه لا يوكّل في القدر المقدور عليه ؛ لأنّه لا ضرورة إليه ، بل يوكّل في الزائد خاصّةً ؛ لأنّ التوكيل إنّما جاز لأجل الحاجة ، فاختصّ بما دعت إليه الحاجة ، بخلاف وجود إذنه فيه ؛ لأنّه مطلق.

والثاني : إنّه لا يوكّل في قدر الإمكان ، وفيما يزيد عليه وجهان.

والثالث : إطلاق الوجهين في الكلّ(١) .

قال الجويني : والخلاف على اختلاف الطرق نظراً إلى اللفظ أو(٢) القرينة ، وفي القرينة تردّد في التعميم والتخصيص(٣) .

الثالث : ما عدا هذين القسمين ، وهو ما أمكنه فعله بنفسه ولا يترفّع عنه ، فقد قلنا : إنّه لا يجوز له أن يوكّل فيه إلّا بإذن الموكّل ؛ لأنّه لم يأذن له في التوكيل ولا تضمّنه إذنه ، فلم يجز ، كما لو نهاه. ولأنّ التوكيل استئمان ، فإذا استأمنه(٤) فيما يمكنه النهوض به ، لم يكن له أن يولّيه مَنْ لم يأتمنه عليه ، كالوديعة ، وبهذا قال أبو حنيفة وأبو يوسف والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين.

وقال في الأُخرى : يجوز له أن يوكّل - وبه قال ابن أبي ليلى إذا مرض أو غاب - لأنّ الوكيل له أن يتصرّف بنفسه ، فملكه نيابةً للموكّل(٥) .

[ و ] الأوّل أولى. ولا يشبه الوكيل المالك ، فإنّ المالك يتصرّف في‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٨ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٤.

(٢) في « ث ، خ » : « و» بدل « أو ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٦.

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « استئمار استأمره ». والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

(٥) الفقه النافع ٣ : ١٢٤٠ / ٩٩٥ ، بحر المذهب ٨ : ١٦٦ ، البيان ٦ : ٣٦٨ ، المغني ٥ : ٢١٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١٠.

٢٧

ملكه كيف شاء ، بخلا ف الوكيل.

لا يقال : للوصي أن يوكّل وإن كان الموصي لم يأذن له في التوكيل.

لأنّا نقول : إنّ الوصي يتصرّف بولايةٍ ؛ لأنّه يتصرّف فيما لم ينص له على التصرّف فيه ، والوكيل لا يتصرّف إلّا فيما نصّ له عليه ، كذلك التوكيل. ولأنّ الوصي لا يملك أن يوصي إلى غيره ، كذا أيضاً الوكيل ينبغي أن لا يملك أن يوكّل غيره ، أمّا إذا أذن له الموكّل في التوكيل ، فإنّه يجوز له أن يوكّل ؛ لأنّ التوكيل عقد أُذن له فيه ، فكان كما لو أُذن له في البيع.

مسألة ٦٥٩ : إذا وكّله بتصرّفٍ وقال له : افعل ما شئت ، لم يقتض ذلك الإذنَ في التوكيل ؛ لأنّ التوكيل يقتضي تصرّفاً يتولّاه بنفسه ، وقوله : « اصنع ما شئت » لا يقتضي التوكيل ، بل يرجع إلى ما يقتضيه التوكيل من تصرّفه بنفسه ، وهذا أصحّ قولَي الشافعيّة.

وفي الثاني : إنّه له التوكيل - وبه قال أحمد ، واختاره الشيخرحمه‌الله في الخلاف(١) - لأنّه أطلق الإذن بلفظٍ يقتضي العموم في جميع ما شاء ، فيدخل في عمومه التوكيل(٢) .

وهو ممنوع.

مسألة ٦٦٠ : كلّ وكيلٍ جاز له التوكيل فليس له أن يوكّل إلّا أمينا ؛ لأنّه لا نظر للموكّل في توكيل مَنْ ليس بأمين ، فيفيد جواز التوكيل فيما فيه الحظّ والنظر ، كما أنّ الإذن في البيع يفيد البيع بثمن المثل ، إلّا أن يعيّن له الموكّل مَنْ يوكّله ، فيجوز ، سواء كان أميناً أو لم يكن ؛ اقتصاراً على مَنْ نصّ عليه‌

____________________

(١) الخلاف ٣ : ٣٤٣ ، المسألة ٨.

(٢) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٨ ، حلية العلماء ٥ : ١١٩ - ١٢٠ ، البيان ٦ : ٣٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٧ ، المغني ٥ : ٢١٥ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٩.

٢٨

المالك ، ولأنّ الما لك قطع نظره بتعيينه.

ولو وكّل أميناً فصار خائناً ، فعليه عزله ؛ لأنّ تركه يتصرّف في المال مع خيانته تضييعٌ وتفريطٌ على المالك ، والوكالة تقتضي استئمان أمين ، وهذا ليس بأمين ، فوجب عزله.

وللشافعيّة وجهان في أنّه هل له عزله؟(١) .

مسألة ٦٦١ : إذا أذن له أن يوكّل ، فأقسامه ثلاثة :

الأوّل : أن يقول له : وكِّل عن نفسك ، فَفَعَل ، كان الثاني وكيلاً للوكيل ينعزل بعزل الأوّل إيّاه‌ ؛ لأنّه نائبه ، وهو أحد قولَي الشافعيّة.

والثاني : لا ينعزل ؛ لأنّ التوكيل فيما يتعلّق بحقّ الموكّل حقٌّ للموكّل ، وإنّما حصّله بالإذن ، فلا يرفعه إلّا بالإذن(٢) .

ويجري هذا الخلاف في انعزاله بموت الأوّل وجنونه(٣) .

والأصحّ : الانعزال.

ولو عزل الموكّل الأوّلَ ، انعزل. وفي انعزال الثاني بانعزاله هذا الخلاف بين الشافعيّة(٤) .

ولو عزل الأوّل الثاني ، فالأقرب الانعزال ؛ لأنّه وكيله - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة - كما ينعزل بموته وجنونه.

والثاني : لا ينعزل ؛ لأنّه ليس بوكيلٍ من جهته(٥) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٦ : ٥١٨ - ٥١٩ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٨ ، بحر المذهب ٨ : ١٦٨ ، الوسيط ٣ : ٢٩٢ ، حلية العلماء ٥ : ١١٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٥ ، البيان ٦ : ٣٦٧ - ٣٦٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٥.

(٢ و ٣) بحر المذهب ٨ : ١٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٥.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٥.

(٥) بحر المذهب ٨ : ١٦٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٥.

٢٩

والأصل في ذلك أنّ ا لثاني وكيل الوكيل كما [ لو ](١) صرّح [ به ] ٢ في التوكيل ، أو وكيل الموكّل ، ومعنى كلامه : أقم غيرك مقام نفسك؟

والأصحّ أنّه وكيل الوكيل ، لكن إذا كان وكيل الوكيل ، كان فرعُ الفرع فرعَ أصل الأصل ، فينعزل بعزله.

الثاني : لو قال : وكِّل عنّي ، فوكَّل عن الموكّل ، فالثاني وكيلٌ للموكّل ، كما أنّ الأوّل وكيل الموكّل ، وليس لأحدهما عزل الآخَر ، ولا ينعزل أحدهما بموت الآخَر ولا جنونه ، وإنّما ينعزل أحدهما بعزل الموكّل ، فأيّهما عزل انعزل.

الثالث : لو قال : وكّلتُك بكذا وأذنتُ لك في توكيل مَنْ شئتَ ، أو : في أن توكّل وكيلا ، أو : في أن توكّل فلاناً ، ولم يقل : عنّي ، ولا عن نفسك ، بل أطلق ، فللشافعيّة وجهان :

أحدهما : إنّه كالصورة الأُولى - وهو أن يكون وكيلاً عن الوكيل - لأنّ المقصود من الإذن في التوكيل تسهيل الأمر على الوكيل.

وأصحّهما عندهم : إنّه كالصورة الثانية يكون وكيلاً عن الموكّل ؛ لأنّ التوكيل تصرّف يتولّاه بإذن الموكّل ، فيقع عنه(٣) .

وإذا جوّزنا للوكيل أن يوكّل في صورة سكوت الموكّل عنه ، فينبغي أن يوكّل عن موكّله.

ولو وكّله عن نفسه ، فللشافعيّة وجهان ؛ لأنّ القرينة المجوّزة للتوكيل كالإذن في مطلق التوكيل(٤) .

مسألة ٦٦٢ : يجوز للوصي أن يوكّل وإن لم يفوّض الموصي إليه‌

____________________

(١و٢) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٣و٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٣٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٤٥.

٣٠

ذلك بالنصوصيّة ؛ لأ نّه يتصرّف بالولاية ، كالأب والجدّ ، لكن لو منعه الموصي من التوكيل ، وجب أن يتولّى بنفسه ، وليس له أن يوكّل حينئذٍ ؛ لقوله تعالى :( فَمَنْ بَدَّلَهُ ) (١) الآية.

ويجوز للحاكم أن يوكّل عن السفهاء والمجانين والصبيان مَنْ يتولّى الحكومة عنهم ، ويستوفي حقوقهم ، ويبيع عنهم ويشتري لهم ، ولا نعلم فيه خلافاً.

البحث الثالث : في الوكيل

مسألة ٦٦٣ : كما يشترط في الموكّل التمكّن من مباشرة التصرّف للموكّل فيه بنفسه ، يشترط في الوكيل التمكّن من مباشرته بنفسه‌ ، وذلك بأن يكون صحيحَ العبارة فيه ، فلا يصحّ للصبي ولا للمجنون أن يكونا وكيلين في التصرّفات ، سواء كان الصبي مميّزاً ، أو لا ، وسواء بلغ عشر سنين أو خمسة أشبار ، أو لا ، وسواء كان في المعروف ، أو لا.

وعلى الرواية(٢) المسوّغة تصرّفاتِ الصبي إذا بلغ عشر سنين في المعروف والوصيّة يحتمل جواز وكالته فيما يملكه من ذلك.

لكنّ المعتمد الأوّل.

ولو جُنّ الوكيل أو الموكّل أو أُغمي على أحدهما ، بطلت الوكالة ؛ لخروجه حينئذٍ عن التكليف ، وسقوط اعتبار تصرّفه وعبارته في شي‌ء ألبتّة. وقد استثني في الصبي الإذن في الدخول إلى دار الغير والملك في إيصال الهديّة.

وفي اعتبار عبارته في هاتين الصورتين للشافعيّة وجهان ، فإن جاز‌

____________________

(١) البقرة : ١٨١.

(٢) تقدّم تخريجها في ص ١٩ ، الهامش (٣)

٣١

فهو وكيل من جهة الآ ذن والـمُهْدي(١) .

وإذا(٢) قلنا : إنّ تجويزهما على سبيل التوكيل ، فلو أنّه وكّل غيره فيه ، فقياس الشافعيّة أنّه على الخلاف في أنّ الوكيل هل يوكّل؟ فإن جاز ، لزم أن يكون الصبي أهلاً للتوكيل أيضاً(٣) .

وقال أبو حنيفة وأحمد : يجوز أن يكون الصبيّ وكيلاً في البيع والشراء وغير ذلك من أنواع التصرّفات إذا كان يعقل ما يقول ، ولا يحتاج إلى إذن وليّه ؛ لأنّه يعقل ما يقول ، فجاز توكيله ، كالبالغ(٤) .

وهو غلط ؛ لأنّه غير مكلّف ، فلا يصحّ تصرّفه ، كالمجنون.

والفرق بينه وبين البالغ ظاهرٌ ؛ فإنّ البالغ مكلّف ، بخلافه.

إذا عرفت هذا ، فيستحبّ أن يكون الوكيل تامَّ البصيرة فيما وكّل فيه ، عارفاً باللغة التي يحاور بها.

مسألة ٦٦٤ : يجوز للمرأة أن تتوكّل في عقد النكاح إيجاباً وقبولاً عندنا ؛ لأنّ عبارتها في النكاح معتبرة ، بخلاف الـمُحْرم ، فإنّه لا يجوز أن يتوكّل فيه إيجاباً ولا قبولاً ، وبه قال أبو حنيفة(٥) .

وقال الشافعي : لا يجوز للمرأة أن تكون وكيلةً في النكاح إيجاباً ولا قبولاً ، كالـمُحْرم ؛ لأنّهما مسلوبا العبارة في النكاح ، فلا يتوكّلان فيه كما لا يوكّلان(٦) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٢.

(٢) في « ث » : « فإن ». وفي « خ » والطبعة الحجريّة : « فإذا » بدل « وإذا ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٢.

(٤) مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٧٠ / ١٧٤٤ ، بدائع الصنائع ٦ : ٢٠ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٩ - ١٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٧ ، المغني ٥ : ٢٠٣ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٤.

(٥) الوجيز ١ : ١٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٧.

(٦) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٦ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٢ ، الوجيز ١ : ١٨٩ ، حلية =

٣٢

ونحن نمنع ذلك في ال نكاح على ما يأتي.

ويجوز توكيل المطلّقة الرجعيّة في رجعة نفسها وتوكيل امرأةٍ أُخرى ، خلافاً للشافعيّة ؛ لأنّ الفرج - عندهم - لا يستباح بقول النساء ، ومنعوا من توكيل المرأة في الاختيار للنكاح إذا أسلم الكافر على أكثر من أربع نسوة(١) .

وكلّ هذا عندنا جائز.

وكذا يجوز توكيل المرأة في الاختيار للفراق لما زاد على أربع.

وللشافعيّة وجهان ، أحدهما : المنع ؛ لأنّه يتضمّن اختيار الأربع للنكاح(٢) .

مسألة ٦٦٥ : يجوز تعدّد الوكيل في الشي‌ء الواحد ، ووحدته‌ ، ولا نعلم فيه خلافاً ، فإذا وكّل اثنين في تصرّفٍ بأن جَعَل لكلّ واحدٍ منهما الانفراد بالتصرّف ، فله ذلك ؛ لأنّه مأذون له فيه. وإن منعه من الانفراد ، لم يكن له التفرّد. وإن أطلق ، فكذلك لا ينفرد أحدهما ؛ لأنّه لم يأذن له في ذلك ، وإنّما يتصرّف فيما أذن له فيه موكّلُه ، وبه قال الشافعي وأحمد وأصحاب الرأي(٣) .

مسألة ٦٦٦ : يجوز أن يتوكّل العبد في الشراء لنفسه أو لغيره.

وللشافعيّة وجهان(٤) .

____________________

= العلماء ٦ : ٣٢٣ ، البيان ٦ : ٣٦٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٢ ، منهاج الطالبين : ٢٠٦.

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٣.

(٣) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١٥ ، البيان ٦ : ٣٦٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٤٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٥١ ، المغني ٥ : ٢١٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٢٠ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٣١ ، بدائع الصنائع ٦ : ٣٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٤٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٣.

(٤) الوسيط ٣ : ٢٨٧ ، حلية العلماء ٥ : ١٢٩ ، البيان ٦ : ٣٧٦ ، العزيز شرح الوجيز =

٣٣

وفي توكّله في قبول النكاح بغير إذن السيّد وجهان :

أحدهما : المنع ، كما لا يقبل لنفسه بغير إذن السيّد.

وأصحّهما عندهم : الجواز(١) .

والحقّ ذلك إن لم يمنع شيئاً من حقوق السيّد ، وإنّما لم يجز قبوله لنفسه ؛ لما يتعلّق به من المهر ومُؤن النكاح.

وكذا يصحّ أن يتوكّل في طرف الإيجاب لصحّة عبارته ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : المنع ؛ لأنّه لا يزوّج ابنته فأولى أن لا يزوّج بنت غيره(٢) .

والفرق : إنّه إنّما لم يَلِ أمر ابنته ؛ لأنّه لا يتفرّغ للبحث والنظر ، وهنا قد تمّ البحث والنظر من جهة الموكّل.

ويوكّل المحجور عليه بالسفه في [ طرفي ](٣) النكاح ، كتوكيل العبد ، وتوكيل الفاسق في إيجاب النكاح إذا سلبنا الولاية بالفسق ، ونحن لا نسلبه الولاية.

ولا خلاف في جواز قبوله بالوكالة.

والمحجور عليه بالفلس يتوكّل فيما لا يلزم ذمّته عُهْدة ، وكذا فيما‌

____________________

= ٤ : ٣٧٤ ، و ٥ : ٢١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٣٠ و ٥٣٢ ، المغني ٥ : ٢٤٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٢١١ - ٢١٢.

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٥٦ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٢ ، الوسيط ٣ : ٢٨٢ ، حلية العلماء ٥ : ١١٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢١١ ، البيان ٦ : ٣٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٧ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٢.

(٢) بحر المذهب ٨ : ١٥٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٧ - ٢١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٢.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « طريق ». والصحيح ما أثبتناه.

٣٤

يلزم على أصحّ وجهي الشافعيّة ، كما يصحّ شراؤه على الصحيح(١) .

ويجوز توكّل المرأة في طلاق زوجة الغير - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٢) - كما يجوز أن يفوّض الزوج طلاق زوجته إليها ، ويوكّلها في طلاق نفسها.

مسألة ٦٦٧ : كلّ مَنْ لا يملك التصرّف في شي‌ء لنفسه لا يصحّ أن يتوكّل فيه‌ ، كالكافر في تزويج مسلمةٍ ، والمـُحْرم في شراء صيدٍ ، والطفل والمجنون في الحقوق كلّها.

وللمكاتَب أن يتوكّل بجُعْلٍ ؛ لأنّه من اكتسابه للمال وإن لم يأذن له مولاه ؛ لأنّه ليس له منعه من الاكتساب بأنواع وجوهه.

وأمّا بغير جُعْلٍ فإن لم يمنع شيئاً من حقوق السيّد ، فالأقرب : الجواز ، كما قلناه في العبد ، وإلّا افتقر إلى إذن السيّد ؛ لأنّ منافعه كأعيان ماله ، وليس له بذل عين ماله بغير عوضٍ ، فكذا منافعه.

وليس للعبد المأذون له في التجارة التوكّل في شي‌ء يمنع بعض حقوق سيّده بغير إذنه ؛ لأنّ الإذن في التجارة لا يتناول التوكّل.

مسألة ٦٦٨ : مدار الوكالة بالنسبة إلى الإسلام والكفر على ثمان مسائل تبطل فيها وكالة الذمّيّ على المسلم ، وهي صورتان : أن يتوكّل الذمّيّ للمسلم على المسلم ، أو للكافر على المسلم ، عند علمائنا أجمع ؛ لقوله تعالى :( وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (٣) .

____________________

(١) البيان ٦ : ٣٦١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٣.

(٢) بحر المذهب ٨ : ١٥٢ ، البيان ٦ : ٣٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٣.

(٣) النساء : ١٤١.

٣٥

ويكره أن يتوكّل الم سلم للذمّي ، عند علمائنا أجمع. ولم يذكر ذلك أحد من العامّة ، بل أطلقوا القول بأنّ المسلم إذا وكّل ذمّيّاً أو مستأمناً أو مرتدّاً أو حربيّاً ، صحّ التوكيل فيما يصحّ تصرّف الكافر فيه ؛ لأنّ العدالة غير مشروطة فيه ، فكذلك الدين ، كالبيع(١) .

ولأنّ كلّ ما صحّ أن يتصرّف فيه لنفسه ودخلته النيابة ولم يشترط فيه العدالة ، لم يعتبر فيه الدين ، كما لو كان الوكيل فاسقاً ، فإنّه يجوز.

فإن وكّل الكافر مسلماً ، جاز ، وكان أولى.

وإن وكّل المسلم مرتدّاً ، جاز ؛ لأنّ ردّته لا تؤثّر في تصرّفه ، وإنّما تؤثّر في ماله.

مسألة ٦٦٩ : لو وكّل المسلم مسلماً ثمّ ارتدّ الوكيل ، لم تبطل وكالته ، سواء لحق بدار الحرب أو لا ؛ لأنّه يصحّ تصرّفه لنفسه ، فلم تبطل وكالته ، كما لو لم يلحق بدار الحرب. ولأنّ الردّة لا تمنع ابتداء وكالته ، فلم تمنع استدامتها ، كسائر الكفر.

وقال أبو حنيفة : إن لحق بدار الحرب ، بطلت وكالته ؛ لأنّه صار منهم(٢) .

ولا دلالة فيه ؛ لجواز أن يكون الوكيل حربيّاً.

ولو ارتدّ الموكّل ، لم تبطل الوكالة فيما له التصرّف فيه ، وتبطل فيما ليس للمرتدّ التصرّف فيه.

وللشافعي أقوال ثلاثة ، إن قلنا : يزول ملكه أو قلنا : لا يزول ولكن‌

____________________

(١) المغني ٢ : ٢٤٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٢١٥.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٣٦ ، بدائع الصنائع ٦ : ٣٨ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٥٤ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٦٤ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ١١ ، الفقه النافع ٣ : ١٢٤١ / ٩٩٦.

٣٦

لا يصحّ تصرّفه ، لم تصح وكالته فيه. وإن قلنا ببقاء ملكه وتصرّفه فيه نافذ ، صحّ أن يوكّل فيه ، وإن قلنا : إنّه موقوف ، فالوكالة موقوفة(١) .

ولو وكّل المرتدّ مسلماً في التصرّفات الماليّة ، يبنى على انقطاع ملكه وبقائه ، إن قطعناه لم تصح ، وإن أبقيناه صحّ. وإن قلنا : إنّه موقوف فكذلك التوكيل.

فلو وكّله مرتدّاً أو ارتدّ الوكيل ، لم يقدح في الوكالة ؛ لأنّ التردّد في تصرّفه لنفسه ، لا لغيره.

وقال بعض الشافعيّة : إنّه يبنى على أنّه [ هل ](٢) يصير محجوراً عليه؟ إن قلنا : نعم ، انعزل عن الوكالة ، وإلّا فلا(٣) .

البحث الرابع : فيما فيه التوكيل

والنظر في شرائطه ، وهي ثلاثة :

الأوّل : أن يكون مملوكاً للموكِّل.

الثاني : أن يكون قابلاً للنيابة.

الثالث : أن يكون ما به التوكيل معلوماً ولو إجمالاً.

النظر الأوّل : أن يكون مملوكاً للموكّل

يشترط فيما تتعلّق الوكالة به أن يكون مملوكاً للموكِّل ، فلو وكَّل غيره بطلاق زوجةٍ سينكحها [ أو بيع عبد ](٤) سيملكه ، أو إعتاق رقيق سيشتريه ،

____________________

(١) البيان ٦ : ٤٠٩ - ٤١٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٣.

(٢) إضافة من « العزيز شرح الوجيز ».

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢١٨ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٣٣.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « أو عبداً ». والصحيح ما أثبتناه.

٣٧

أو قضاء دَيْنٍ يستد ينه ، أو تزويج امرأة إذا انقضت عدّتها أو طلّقها زوجها ، وما أشبه ذلك ، لم يصح ؛ لأنّ الموكّل لا يتمكّن من مباشرة ذلك بنفسه ، فلا تنتظم إنابة غيره فيه ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.

والثاني : إنّه صحيح ، ويكتفى بحصول الملك عند التصرّف ، فإنّه المقصود من التوكيل(١) .

وقال بعض الشافعيّة : الخلاف عائد إلى أنّ الاعتبار بحال التوكيل أم بحال التصرّف؟(٢) .

ولو وكّله في شراء عبدٍ وعتْقِه ، أو في تزويج امرأة وطلاقها ، أو في استدانة دَيْنٍ وقضائه ، صحّ ذلك كلّه ؛ لأنّ ذلك مملوك للموكِّل.

النظر الثاني : في قبول متعلّق الوكالة النيابة

مسألة ٦٧٠ : الضابط فيما تصحّ فيه النيابة وما لا تصحّ أن نقول : كلّ ما تعلّق غرض الشارع بإيقاعه من المكلّف مباشرةً ، لم تصح فيه الوكالة ، وأمّا ما لا يتعلّق غرض الشارع بحصوله من مكلّفٍ معيّن ، بل غرضه حصوله مطلقاً ، فإنّه تصحّ فيه الوكالة.

وذلك ؛ لأنّ التوكيل تفويض وإنابة ، فلا يصحّ فيما لا تدخله النيابة ، كالطهارة مع القدرة لا يصحّ التوكيل فيها ؛ لأنّ غرض الشارع تعلَّق بإيقاعها من المكلّف بها مباشرةً ، وهي عبادة محضة لا تتعلّق بالمال. ولأنّ محلّها متعيّن ، فلا ينوب غيره منابه.

نعم ، عند الضرورة تجوز الاستنابة في غَسْل الأعضاء ، والاستنابة في‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٥ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٢.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٥.

٣٨

صبّ الماء على أعضائه ؛ لأنّ إيصال الماء إلى أعضائه واجب عليه ، فيجوز أن يستنيب فيه.

وتجوز الاستنابة في إزالة النجاسة عن بدنه وثوبه مع القدرة ، لا في النيّة ، حتى لو غسله ساهياً أو مجنوناً مع نيّة العاجز ، صحّ. ولو غسله ناوياً مع غفلة العاجز ، بطل.

وكذا الصلاة الواجبة لا تصحّ فيها النيابة ما دام حيّاً ، فإذا مات ، جازت الاستنابة فيها ، كالحجّ ، عند علمائنا.

وكذا الاستنابة في ركعتي الطواف إجماعاً ، وفي فعل الصلاة المنذورة عند أحمد في إحدى الروايتين(١) .

ومَنَع الجمهور من الاستنابة في الصلاة إلّا صلاة ركعتي الطواف(٢) .

وأمّا الصوم فلا يصحّ دخول النيابة فيه ما دام حيّاً ، فإذا مات صحّ أن يصوم عنه غيره بعوضٍ ومجّاناً.

وللشافعي قولان فيما لو مات فصام عنه وليُّه(٣) .

والاعتكاف لا تدخله النيابة بحال ، وبه قال الشافعي(٤) . وعن أحمد‌

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٠٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٠٨.

(٢) الحاوي الكبير ٦ : ٤٩٧ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٠ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ١٨٢ ، البيان ٦ : ٣٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٢٠٦ ، روضة الطالبين ٣ : ٥٢٣.

(٣) الحاوي الكبير ٦ : ٤٩٧ ، التنبيه : ٦٧ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ١٩٤ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٨ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ١٨٠ - ١٨١ ، و ٤ : ٢١٠ ، الوسيط ٢ : ٥٥١ ، الوجيز ١ : ١٠٥ ، البيان ٦ : ٣٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٣ : ٢٣٧ ، و ٥ : ٢٠٦ ، روضة الطالبين ٢ : ٢٤٦ ، و ٣ : ٥٢٣ ، منهاج الطالبين : ٧٧ ، المجموع ٦ : ٣٦٨.

(٤) بحر المذهب ٨ : ١٥٠ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ١٨١ ، البيان ٦ : ٣٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٣ : ٢٣٧ ، روضة الطالبين ٢ : ٢٤٦ ، المجموع ٦ : ٣٧٢.

٣٩

روايتان (١) .

وأمّا الزكاة فتجوز النيابة في أدائها ، فيؤدّيها عنه غيره.

وكذا كلّ ما يتعلّق(٢) بالمال من الصدقات الواجبة والمندوبة والخُمْس ، فإنّه يجوز التوكيل في قبض ذلك كلّه وتفريقه.

ويجوز للمُخرج التوكيل في إخراجها وتفريقها ودفعها إلى مستحقّها ، ويستنيب الفقراء والإمام أيضاً في تسلّمها(٣) من أربابها ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث عُمّاله لقبض الصدقات وتفريقها ، وقال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن :

« أعلمهم أنّ عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم فتُردّ في فقرائهم فإن هُمْ أطاعوك بذلك فإيّاك وكرائم أموالهم ، واتّق دعوة المظلوم ، فإنّه ليس بينها وبين الله حجاب »(٤) .

وأمّا الحجّ فتجوز النيابة فيه إذا يئس المحجوج عنه من الحجّ بنفسه بزمانةٍ ، عند الشيخ(٥) رحمه‌الله وعند الشافعي وأكثر العامّة(٦) ، أو بموتٍ إجماعاً. وكذا العمرة وكثير من أفعال الحجّ ، كطواف النساء والرمي.

وكذا تجوز النيابة في ذبح الضحايا والهدايا ؛ لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أناب فيه.

____________________

(١) المغني ٥ : ٢٠٧.

(٢) في النسخ الخطّيّة : « تعلّق ».

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « تسليمها ». والمثبت هو الصحيح.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٥٨ - ١٥٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٦٨ / ١٧٨٢ ، سنن أبي داوُد ٢ : ١٠٥ / ١٥٨٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٢١ / ٦٢٥ ، المغني ٥ : ٢٠٦ - ٢٠٧.

(٥) الخلاف ٢ : ٢٤٨ ، المسألة ٦.

(٦) الحاوي الكبير ٤ : ٨ ، و ٦ : ٤٩٧ ، بحر المذهب ٨ : ١٥٠ ، الوسيط ٢ : ٥٩٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٤٤ - ٢٤٥ ، التهذيب - للبغوي - ٣ : ٢٤٩ ، البيان ٦ : ٣٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٣ : ٣٠٠ ، روضة الطالبين ٢ : ٢٨٧ - ٢٨٨ ، المجموع ٧ : ٩٤ و ١٠٠ ، المغني ٣ : ١٨١ ، الشرح الكبير ٣ : ١٨٣.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

امْرَأَتَهُ ) (١) .

ومَنَع بعضُ أهل العربيّة من ذلك وأنكره ، قال : لأنّ العامل في الاستثناء الفعلُ الأوّل بتقوية حرف الاستثناء ، والعامل الواحد لا يعمل في معمولين. ونقول في الآية : إنّ الاستثناء الثاني من قوله عزّ وجلّ :( أَجْمَعِينَ ) (٢) .

ونمنع من امتناع تعدّد المعمول مع وحدة العامل هنا ؛ لأنّ الاستثناء مُقوٍّ للفعل ، وبعضهم قال : العامل « إلّا » خاصّةً(٣) ، فلا يرد عليه ذلك.

مسألة ٩٦٢ : يصحّ الاستثناء من الأعيان ، كما يصحّ من الكلّيّات ، فإذا قال : لزيدٍ هذه الدار إلّا هذا البيت ، أو : له هذا القميص إلّا كُمّه ، أو : هذه الدراهم إلّا هذا الواحد منها ، أو : هذا القطيع إلّا هذه الشاة ، أو : هذا الخاتم إلّا هذا الفصّ ، وما أشبه ذلك ، صحّ الاستثناء ، وهو قول أكثر الشافعيّة(٤) .

ولهم وجهٌ آخَر : إنّه لا يصحّ ؛ لأنّ الاستثناء المعتاد هو الاستثناء من الأعداد المطلقة ، فأمّا المعيّنة فالاستثناء منها غير معهود ، ولأنّه إذا أقرّ بالعين كان ناصّاً على ثبوت الملك فيها ، فيكون الاستثناء بعده رجوعاً(٥) .

وقد ذكر بعض الشافعيّة أنّه إذا قال : أربعكنّ طوالق إلّا فلانة ، لم يصح هذا الاستثناء ، كما لو قال : هؤلاء الأعْبُد الأربعة لفلان إلّا هذا‌

____________________

(١) الحجر : ٥٨ - ٦٠.

(٢) كما في بحر المذهب ٨ : ٢٤٠ ، وراجع : الاستغناء في أحكام الاستثناء : ٥٧٢ - ٥٧٣.

(٣) راجع : الاستغناء في أحكام الاستثناء : ٥٧٢.

(٤) التنبيه : ٢٧٦ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٢٥١ ، بحر المذهب ٨ : ٢٤٢ ، الوسيط ٣ : ٣٥٥ ، الوجيز ١ : ٢٠١ ، البيان ١٣ : ٤٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٦.

(٥) الوسيط ٣ : ٣٥٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٦.

٤٠١

الواحد ، لم يصح ؛ لعدم الاعتياد بالاستثناء في الأعيان(١) .

والحقّ : الجواز ، وصحّة الاستثناء في الإقرار بالأعْبُد الأربعة ، فلو قال : هؤلاء العبيد لفلان إلّا واحداً ، فالمستثنى منه معيّن ، والمستثنى غير معيّنٍ ، وهو صحيح عندنا وعند أكثر الشافعيّة(٢) ، ويُرجع إليه في التعيين.

فإن ماتوا إلّا واحداً ، فقال : هو الذي أردتُه بالاستثناء ، قُبِل منه مع اليمين - وهو أحد وجهي الشافعيّة(٣) - لاحتماله.

والثاني : لا يُقبل ؛ للتهمة ، وندرة هذا الاتّفاق(٤) .

ولو قال : غصبتهم إلّا واحداً ، فماتوا إلاّ واحداً ، فقال : هو المستثنى ، قُبِل إجماعاً ؛ لأنّ أثر الإقرار يبقى في الضمان. وكذا لو قُتلوا في الصورة الأُولى إلّا واحداً ؛ لأنّ حقّه يثبت في القيمة.

ولو قال : هذه الدار لفلان وهذا البيت منها لي ، أو : له هذا الخاتم وفصّه لي ، قُبِل ؛ لأنّه إخراج بعض ما يتناوله اللفظ ، فكان كالاستثناء.

تنبيه : لو قال : له ثلاثة ودرهمان إلّا درهمين ، صح ، وحُمل على الاستثناء من الجملة الأُولى ؛ لامتناع رجوعه إلى الثانية ؛ لأنّها مستوعبة ، أو على رجوعه إلى مجموعهما(٥) .

ولو قال : له درهمان ودرهمان إلّا درهمين ، فالأقرب : الصحّة ،

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٧.

(٢) بحر المذهب ٨ : ٢٥٦ ، الوسيط ٣ : ٣٥٥ ، البيان ١٣ : ٤٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٦.

(٣ و ٤) التنبيه : ٢٧٦ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥٠ ، بحر المذهب ٨ : ٢٥٦ ، الوجيز ١ : ٢٠١ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٤ ، البيان ١٣ : ٤٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٦ ، منهاج الطالبين : ١٤٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٠٥.

(٥) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « مجموعها ». والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه.

٤٠٢

ويكون عائداً إلى مجموع الجملتين ؛ لأنّ الاستثناء إنّما يرجع إلى الجملة الأخيرة لو لم توجد قرينة الرجوع إلى الجميع.

آخَر : لو قال : له علَيَّ عشرة آخَر :درهم ، بالرفع ، لزمه العشرة ، وتكون « إلّا » هنا قائمةً مقام « غير » وتكون وصفاً.

ولو قال : ما له عندي عشرة إلّا درهم ، فهو إقرار بدرهم.

ولو نصب ، لم يكن مُقرّاً بشي‌ء.

نكتة : أدوات الاستثناء حكمها حكم « إلّا » فإذا قال : له عندي عشرة سوى درهم ، أو : ليس درهماً ، أو : خلا ، أو : عدا ، أو : ما خلا ، أو : ما عدا ، أو : لا يكون ، أو : غير درهم ، بالنصب ، فهو إقرار بتسعة.

ولو(١) رفع في الأخير ، فهو وصف إن كان عارفاً ، وإلّا لزمه تسعة.

البحث الثاني : فيما عدا الاستثناء.

وفيه مطالب :

الأوّل: فيما يقتضي رفع المـُقرّ به.

مسألة ٩٦٣ : إذا قال : لفلان علَيَّ ألف من ثمن خمر ، أو خنزير ، أو كلب ، فإن فصل بين الإقرار - وهو قوله : علَيَّ ألف - وبين الرافع - وهو قوله : من ثمن خمر ، أو خنزير - بسكوتٍ أو كلامٍ آخَر ، لم يُسمع منه ، ولزمه الألف إجماعاً ؛ لأنّ وصفه بذلك رجوع عن الإقرار.

وإن كان موصولاً بحيث لم(٢) يقع بين الإقرار ورافعه سكوتٌ ولا كلامٌ ، لم يُقبل أيضاً ، ولزمه الألف ؛ لما فيه من الرجوع والتناقض ، وهو‌

____________________

(١) في « ج ، ر » : « فلو ».

(٢) في « ر » والطبعة الحجريّة : « لا ».

٤٠٣

أحد قولَي الشافعيّة ؛ لأنّه وصل بإقراره ما يرفعه ، فلم يُقبل ، كما لو قال : علَيَّ ألف لا تلزمني ، أو فصل قوله : « من ثمن خمرٍ » عن الإقرار ، وبه قال أبو حنيفة(١) .

والثاني للشافعيّة : إنّه يُقبل - وبه قال المزني - ولا يلزمه شي‌ء ؛ لأنّ الجميع كلامٌ واحد ، والكلام يُعتبر بآخره ولا يُبعّض ، ولأنّ الإقرار إخبار عمّا جرى ، وهذه المعاملات على فسادها جارية بين الناس ، فعلى هذا للمُقرّ له تحليف الـمُقرّ أنّه كان من ثمن خمر أو خنزير(٢) .

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّا نمنع وحدة الكلام.

سلّمنا ، لكن إنّما يتمّ بآخره لو لم يناقض أوّله ، أمّا إذا تناقضا فإنّه يُحكم بما عليه ، لا له.

وعلى ما اخترناه لو قال المـُقرّ : كان ذلك من ثمن خمر وظننته لازماً لي ، فله تحليف الـمُقرّ له على نفيه.

مسألة ٩٦٤ : إذا وصل إقراره بما ينتظم لفظه عادةً لكنّه يبطل حكمه شرعا ، كما إذا أضاف الـمُقرّ به إلى بيعٍ فاسد ، كالبيع بأجلٍ مجهول أو خيارٍ مجهول ، أو قال : تكفّلت ببدن فلان بشرط الخيار ، وقلنا : ثبوت الخيار في الكفالة يقتضي بطلانها ، أو قال : ضمنت لفلان كذا بشرط الخيار ، وأبطلناه به ، وما أشبه ذلك ، فالوجه : بطلان الإضافة ، وصحّة الإقرار والحكم به ،

____________________

(١) الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢١٦ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ١٧ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢١٦ ، الفقه النافع ٣ : ١٢٢٤ / ٩٨١ ، المبسوط - للسرخسي - ١٨ : ٢٢ و ٦٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٨٦.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٨٠ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥٢ ، الوجيز ١ : ٢٠٠ ، الوسيط ٣ : ٣٤٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٩ - ٣٦٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٢ - ٣٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦.

٤٠٤

فإذا قال : له علَيَّ ألف درهم من ثمن مبيعٍ مجهول ، أو بأجلٍ مجهول ، أو بخيارٍ مجهول ، لم يُقبل منه ، ولزمه الألف في الحال.

وللشافعي قولان(١) .

ولأصحابه مأخذان في هذا الخلاف :

أحدهما : بناؤه على القولين في تبعيض الشهادة إذا شهد لشريكه ولأجنبيٍّ.

وقيل : إنّه غير مشابهٍ للمتنازَع ؛ لأنّ الشهادة للأجنبيّ والشهادة للشريك أمران لا تعلّق لأحدهما بالآخَر ، وإنّما قرن الشاهد بينهما لفظاً ، والخلاف فيها شبه الخلاف في تفريق الصفقة ، وأمّا هاهنا فالمذكور أوّلاً مسند إلى المذكور آخِراً ، وأنّه فاسد في نفسه مُفسدٌ للأوّل ، ولهذا لو قدّم ذكر الخمر فقال : لفلانٍ من ثمن الخمر علَيَّ ألف ، لم يلزمه شي‌ء بحال ، وفي الشهادة لا فرق بين أن يقدّم ذكر الشريك أو الأجنبيّ.

ثمّ هَبْ أنّهما متقاربان ، لكن ليس بناء الخلاف في الإقرار على الخلاف في الشهادة بأولى من العكس.

والثاني : إنّه يجوز بناء هذا الخلاف على الخلاف في حدّ المدّعي والمدّعى عليه ، إن قلنا : المدّعي مَنْ لو سكت تُرك ، فهاهنا لو سكت عن قوله : « من ثمن خمرٍ » لتُرك ، فهو بإضافته إلى الخمر مُدّعٍ ، فلا يُقبل قوله ، ويحلف المُقرّ له. وإن قلنا : المدّعي مَنْ يدّعي أمراً باطناً ، قُبِل قول الـمُقرّ ؛ لأنّ الظاهر معه ، وهو براءة الذمّة ، والـمُقرّ له هو الذي يدّعي أمراً باطناً ،

____________________

(١) الوسيط ٣ : ٣٤٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٩ - ٣٦٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦.

٤٠٥

وهو زوال أصل البراء ة(١) .

وقيل : لو صحّ هذا البناء ، لما افترق الحال بين أن يضيفه إلى الخمر موصولاً أو مفصولاً ، ولوجب أن يخرج التعقيب بالاستثناء على هذا الخلاف(٢) .

قال الجويني بعد ذكر القولين : كنتُ أودّ لو فُصّل بين أن يكون الـمُقرّ جاهلاً بأنّ ثمن الخمر لا يلزم ، وبين أن يكون عالماً ، فيعذر الجاهل دون العالم ، لكن لم يصر إليه أحد من الشافعيّة(٣) .

إذا ثبت هذا ، فلو أقرّ بالكفالة بشرط الخيار وأنكر المكفول له شرط الخيار ، قُدّم قول المُقرّ له عندنا ، وبه قال أبو حنيفة(٤) .

وللشافعي قولان(٥) تقدّما(٦) .

وكذا يجري القولان في كلّ مَنْ وصل إقراره بما يرفعه ، لا من الوجه الذي أثبته ، مثل أن يقول : له علَيَّ ألف من ثمن خمرٍ أو خنزيرٍ أو مبيعٍ هلك قبل قبضه ، أو يقول : قبّضتها ؛ لأنّه وصل إقراره بما يرفعه ، فلم يُقبل منه ، كما لو قال : له علَيَّ ألف إلّا ألفاً.

مسألة ٩٦٥ : إذا قال : له علَيَّ ألف من ثمن عبدٍ لم أقبضه إذا سلّمه‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦.

(٤) بحر المذهب ٨ : ٣٠٠ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٩ - ٣٦٠ ، المغني ٥ : ٢٨٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٩٨.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥٢ ، بحر المذهب ٨ : ٣٠٠ ، الوسيط ٣ : ٣٤٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٩ - ٣٦٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٤٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٦ ، المغني ٥ : ٢٨٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٩٨.

(٦) آنفاً.

٤٠٦

سلّمتُ الألف ، قال الشيخ(١) رحمه‌الله : إن وصل الكلام ، كان القولُ قولَه مع اليمين وإن أنكر الـمُقرّ له وقال : بل هي دَيْن ، أو قال : قبضتَه.

وللشافعيّة طريقان :

أحدهما : قبول قوله : « من ثمن عبدٍ لم أقبضه » على القولين السابقين ، ففي قولٍ يُقبل ولا يُطالب بالألف إلّا بعد تسليم العبد. وفي قولٍ يؤخذ بأوّل الإقرار ، ولا يُحكم بثبوت الألف ثمناً.

والأصحّ عندهم : القطع بالقبول وثبوته ثمناً ، ويفارق صُور القولين ؛ فإنّ المذكور فيها أخيراً يرفع الـمُقرّ به ، وهنا بخلافه(٢) .

واعلم أنّ الشيخرحمه‌الله قسّم هذه المسألة على ثلاثة أنحاء(٣) :

أ : أن يقول : له علَيَّ ألف من ثمن مبيعٍ لم أقبضه ، متّصلاً بعض الكلام ببعضٍ ، وهذا يُقبل قوله ، وهو أحد قولَي الشافعي ، وقد تقدّم(٤) ، ويكون القولُ قولَ الـمُقرّ مع يمينه.

ولا فرق بين أن يعيّن المبيع بأن يقول : له علَيَّ ألف من ثمن هذا العبد ولم أقبضه ، أو لم يعيّنه ، وبه قال أبو يوسف ومحمّد(٥) .

وقال أبو حنيفة : إن عيّن المبيع قُبل منه ، سواء وصل بإقراره أو فصل ، وإن أطلق لم يُقبل منه ؛ لأنّه إذا أطلق فقد وصل إقراره بما يبطله ؛

____________________

(١) راجع المبسوط - للطوسي - ٣ : ٣٤.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧ ، البيان ١٣ : ٤٣٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٩ ، المغني ٥ : ٣٢١.

(٣) راجع المبسوط - للطوسي - ٣ : ٣٣ - ٣٤.

(٤) آنفاً.

(٥) حلية العلماء ٨ : ٣٥٩ ، البيان ١٣ : ٤٣٨.

٤٠٧

لأنّه مبيع مجهول ، والمجهول لا يلزم فيه الثمن ، كما لو قال : من ثمن خمرٍ أو خنزير(١) .

واحتجّ الآخَرون : بأنّه أقرّ بحقٍّ عليه في مقابلة حقٍّ له لا ينفكّ أحدهما عن الآخَر ، فإذا لم يثبت ما له لم يثبت ما عليه ، كما لو عيّن المبيع(٢) .

وقول أبي حنيفة ليس بصحيحٍ ؛ لأنّ إطلاق الإقرار لا يوجب كونه مطلقاً في البيع.

وأمّا إذا قال : من ثمن خنزيرٍ ، ففيه قولان.

وإن سلّمنا ، فإنّ بيع الخنزير لا يصحّ بكلّ حال ، وهذا المبيع يجوز أن يكون معلوماً حال العقد.

والوجه عندي : عدم القبول مطلقاً.

ب : أن يقول : له عندي ألف ، ثمّ يسكت ، ثمّ قال بعد ذلك : من ثمن مبيعٍ لم أقبضه ، فإنّه لا يُقبل قوله ، ويُقدّم قول المُقرّ له مع يمينه ، فإذا حلف على أنّه ليس على ما ذكر ، استحقّ الألف ؛ لأنّه فسّر إقراره بما يُسقط وجوب تسليمه منفصلاً عنه ، فلم يُقبل ، كما لو قال : قبّضتُها ، وبه قال الشافعي(٣) .

ج : إذا قال : لفلانٍ علَيَّ ألف من ثمن مبيعٍ ، ثمّ سكت ، ثمّ قال بعد‌

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٩ ، البيان ١٣ : ٤٣٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٤.

(٢) بحر المذهب ٨ : ٢٩٧ ، البيان ١٣ : ٤٣٨.

(٣) بحر المذهب ٨ : ٢٩٧ ، البيان ١٣ : ٤٣٧.

٤٠٨

ذلك : لم أقبضه ، قُبل قوله عنده(١) رحمه‌الله - وبه قال الشافعي(٢) - فإن خالفه الـمُقرّ له ، كان القولُ قولَ الـمُقرّ مع يمينه ؛ لأنّ إقراره تعلّق بالمبيع ، والأصل عدم القبض ، فقُبل قوله فيه.

والأقوى عندي : عدم القبول.

مسألة ٩٦٦ : لو قال : له علَيَّ ألف لا تلزمني ، أو : علَيَّ ألف ، أو لا ، لزمه‌ ؛ لأنّ هذا الكلام غير منتظمٍ ، فلا يبطل به الإقرار.

ويحتمل القبول بأن يكون عليه ثمن مبيعٍ غير لازمٍ ، أو من هبةٍ له الرجوعُ فيها.

ولو قال : له علَيَّ ألف قضيتُه ، لزمته الألف ، ولم تُقبل دعواه في الإقباض.

وللشافعيّة فيه طريقان :

أحدهما : القطع بلزوم الألف ؛ لقرب اللفظ من عدم الانتظام ، فإنّ ما قضاه لا يكون عليه - وهو الذي اخترناه نحن - بخلاف قوله : من ثمن خمرٍ ؛ لأنّه ربما يظنّ لزومه.

والطريق الثاني : إنّه على القولين ؛ لأنّ مثله يطلق في العرف ، والتقدير : كان له علَيَّ ألف فقضيتُه(٣) .

وكذا يجري الطريقان فيما إذا قال : لفلانٍ علَيَّ ألف أبرأني عنه(٤) .

____________________

(١) المبسوط - للطوسي - ٣ : ٣٤.

(٢) بحر المذهب ٨ : ٢٩٧ ، البيان ١٣ : ٤٣٧.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٧.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٥.

٤٠٩

ولو ادّعى عليه ألفاً فقال : قد قضيتُه ، فالمشهور : أنّه إقرار.

وجَعَله بعض الشافعيّة بمنزلة ما لو قال : علَيَّ ألف قضيتُه(١) .

تذنيب (٢) : لو قال : كان له علَيَّ ألف ، فالأقرب : اللزوم ، ويحتاج في البراءة إلى البيّنة.

وقيل : لا يُسمع هذا كما لا تُسمع الشهادة به(٣) .

والإقرار بالإقرار إقرار.

مسألة ٩٦٧ : لو قال : لفلان علَيَّ ألف إن شاء الله ، احتُمل بطلان الإقرار ؛ لأنّه تعلّق على المشيئة ، وتعليق الإقرار باطل ؛ لأنّه إخبار عن حقٍّ سابق ولم يجزم به ، وعلّق إقراره على مشيئة الله تعالى ، وهي خفيّة عنّا ، ولأنّ الإقرار إخبار عن حقٍّ سابق ، فيكون المخبر عنه واقعاً ، والواقع لا يعلّق على متجدّدٍ ولا على غيره.

وقيل : إنّه(٤) بمنزلة قوله : له علَيَّ ألف من ثمن خمرٍ ؛ لأنّه لو اقتصر على أوّل الكلام لكان إقراراً جازماً(٥) .

والأقرب : الأوّل ؛ لأنّ تعليق السابق لا ينتظم ، فلا يُقبل تعليقه ، ويلزمه ما أقرّ به ، وبه قال أحمد ، وهو أصحّ قولَي الشافعيّة(٦) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٥.

(٢) في « ج ، خ » : « تنبيه » بدل « تذنيب ».

(٣) راجع : بحر المذهب ٨ : ٢٩٣.

(٤) في « ج ، ر » : « هو » بدل « إنّه ».

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٥.

(٦) المغني ٥ : ٣٤٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٢٩٥ ، بحر المذهب ٨ : ٢٦٤ - ٢٦٥ ، البيان ١٣ : ٤٠١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨.

٤١٠

ولو قال : علَيَّ ألف إن شئتَ ، أو : إن شاء فلان ، احتُمل بطلان الإقرار ؛ لتعلّقه على الشرط.

وقال الجويني : إنّه مُخرَّج على القولين ؛ لأنّه نفى بآخر كلامه مقتضى أوّله ، بخلاف قوله : إن شاء الله ، فإنّه يجري في الكلام للتردّد تارةً وللتبرّك أُخرى ، بخلاف التعليق بمشيئة غيره(١) .

ووجّه بعضُ الشافعيّة البطلانَ في قوله : « إن شاء الله ، أو : إن شاء زيد » : بأنّ مثل هذا الكلام قد يطلق للالتزام في المستقبل ، ولهذا يقال : لك علَيَّ كذا إن رددتَ عبدي الآبق ، أو : جملي الشارد ، ويكون ذلك التزاماً في المستقبل(٢) .

وكذا لو قال : لك علَيَّ ألف إن جاء زيد ، أو : قدم الحاج. وكذا لو قال : لك علَيَّ ألف إن شهد لك بذلك شاهدان ؛ لأنّ ذلك كلّه معلّق بشرطٍ.

وكذا لو قال : إن شهد شاهدان بألف فهي علَيَّ ، لم يكن إقراراً.

ولو قال : إن شهد شاهدان فهُما صادقان ، كان إقراراً ، وقد سلف(٣) .

ولو قال : لك علَيَّ ألف إن قبلتَ إقراري ، لم يكن إقراراً ؛ لتعلّقه على الشرط ، بخلاف ما لو قال : هذا لك بألف إن قبلتَ ، فإنّه يكون إيجاباً.

والفرق : إنّ الإيجاب يقع متعلّقاً بالقبول حتى إذا لم يقبل جواباً بطل الإيجاب ، فيصحّ تعليقه ، فأمّا الإقرار فلا يتعلّق بالقبول ؛ لأنّه إقرار(٤) عن حقٍّ سابق.

لا يقال : أليس الـمُقرّ له إذا لم يقبل الإقرار بطل؟

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٥.

(٣) في ص ٢٤٨ - ٢٤٩ ، المسألة ٨٤٢.

(٤) كذا قوله : « إقرار » في النسخ الخطّيّة والحجريّة ، والظاهر : « إخبار » بدل « إقرار ».

٤١١

لأنّا نقول : إنّما يبطل إذا كذّبه أو ردّه ، فأمّا إذا سكت فالإقرار صحيح غير مفتقرٍ إلى القبول، بل لو كذّب الإقرار أو ردّه لم يكن باطلاً في نفسه ، بل لا يتعلّق به حكم ظاهراً.

هذا إن جوّزنا تعليق الإيجاب بمثل هذا الشرط ، كما هو مذهب بعض الشافعيّة(١) .

مسألة ٩٦٨ : لو قال : له علَيَّ ألف إذا جاء رأس الشهر ، أو : إذا قدم فلان ، قال بعض الناس : إنّه لا يكون إقرارا ؛ لأنّ الشرط لا أثر له في إيجاب المال ، والواقع لا يعلَّق بشرطٍ(٢) .

وقال الجويني : إنّه على القولين ؛ لأنّ صدر الكلام صيغة التزامٍ ، والتعليق يرفع حكمها(٣) .

والوجه عندي : إنّه يرجع إلى استفساره ، فإن قصد تعليق الإقرار بالشرط بطل إقراره ، وإن قصد التأجيل صحّ إقراره ؛ لاحتمال الصيغة لهذين ، ويُسمع كلامه مع اليمين لو أنكر المـُقرّ له.

هذا إذا قدّم الإقرار وأخّر التعليق ، ولو عكس فقال : إذا جاء رأس الشهر ، أو : إن جاء [ فلان ](٤) فعلَيَّ ألف ، لم يلزمه شي‌ء ؛ لأنّه لم تُوجد صيغة التزامٍ جازمة.

نعم ، لو قال : أردتُ به التأجيل برأس الشهر ، قُبل.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ١٤ ، روضة الطالبين ٣ : ٨ ، المجموع ٩ : ١٧٠.

(٢) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٩ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨.

(٤) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « رأس الشهر ». والظاهر ما أثبتناه.

٤١٢

وقال بعض الشافعيّة : مطلقه يُحمل على التأجيل برأس الشهر(١) .

واعلم : أنّ المشهور بين الشافعيّة أنّه إذا قال : له علَيَّ ألف إذا جاء رأس الشهر ، إنّه يكون إقراراً ، ولو قدّم الشرط فقال : إذا جاء رأس الشهر فله علَيَّ ألف ، لم يكن إقراراً.

والفرق : إنّه إذا قال : له علَيَّ ألف ، فقد أقرّ بالألف ، فإذا قال : إذا جاء رأس الشهر ، احتُمل أن يكون أراد محلّها ووجوب تسليمها ، وإذا احتُمل ذلك لم يبطل الإقرار ، فأمّا إذا قال : إذا جاء رأس الشهر ، فبدأ بالشرط ، فإنّه لم يُقرّ بالحقّ ، وإنّما علّقه بالشرط ، فلم يكن إقراراً(٢) .

والحقّ أنّه لا فرق بين تقدّم الشرط وتأخّره ؛ لأنّ الشرط وإن تأخّر لفظاً فإنّه مقدَّم معنىً وله صدر الكلام.

واعترض بعض الشافعيّة على قول الفارق بين قوله : « له علَيَّ ألف من ثمن خمر » وبين قوله: « له علَيّ ألف إن جاء رأس الشهر » بأنّ كلّ واحدٍ منهما قد عقّب إقراره بما يرفعه ، فلِمَ كان التعقيب الأوّل باطلاً والثاني صحيحاً؟

وأُجيب : بأنّه يمكن أن يقال : دخول الشرط على الجملة يُصيّر الجملة جزءاً من الجملة الشرطيّة ، والجملة إذا صارت جزءاً من جملةٍ أُخرى تغيّر معناها ، وقوله : « من ثمن خمر » لا يغيّر معنى صدر الكلام ، وإنّما هو بيان جهته ، فلا يلزم من أن لا يبعّض الإقرار عند التعليق - بل يلغى ؛ تحرّزاً من اتّخاذ جزء الجملة جملةً برأسها - أن لا يبعّض في‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨.

(٢) بحر المذهب ٨ : ٢٦٥ ، البيان ١٣ : ٤٠٣.

٤١٣

الصورة الأُخرى (١) .

مسألة ٩٦٩ : لو قال : له علَيَّ ألف مؤجَّل إلى سنةٍ ، فإن ذكر الأجل مفصولاً بكلامٍ غريب أو سكوت ، لم يُقبل التأجيل ، ويثبت الدَّيْن في الحال.

وإن ذكره موصولاً بغير فصلٍ بسكوتٍ ولا كلامٍ البتّة ، فالأقرب عندي : قبول قوله ، كما لو قال : له علَيَّ ألف طبريّة أو موصليّة ، فإنّه يُقبل تفسيره وإن اشتمل على عيبٍ في الـمُقرّ به ، كذا هنا ، ولأنّه ربما يكون الحقّ في ذمّته مؤجَّلاً ولا شاهد له بالتأجيل ، فلو مُنع من الإخبار به ولم يُصدَّق به ، تعذّر عليه الإقرار بالحقّ وعدم تخليص ذمّته بالإشهاد ، فوجب أن يُسمع كلامه توصّلاً إلى تحصيل هذه المصلحة.

وللشافعيّة طريقان كالطريقين فيما إذا قال : له علَيَّ ألف من ثمن عبدٍ لم أقبضه ، أو : علَيَّ ألف قضيتُها.

والظاهر عندهم : القبول - وبه قال أحمد بن حنبل - لأنّ هذا لا يُسقط الإقرار ، وإنّما وصفه بصفةٍ دون صفةٍ.

ولهم قولٌ آخَر : إنّه لا يُقبل ؛ لأنّه وصل إقراره بما يسقط عنه المطالبة به ، فأشبه ما إذا قال : قضيتُها(٢) .

وقد تقدّم الفرق.

وقال أبو حنيفة : إنّه يكون مدّعياً للأجل ، فالقول فيه قول المـُقرّ له مع‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٥ - ٣٣٦.

(٢) الوسيط ٣ : ٣٤٩ - ٣٥٠ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٣١٥.

٤١٤

يمينه ؛ لأنّه أقرّ لغيره بحقٍّ وادّعى فيه حقّاً لنفسه ، فلم يُقبل ، كما لو قال : هذه الدار لزيدٍ ولي سكناها سنة(١) . وعليه أكثر علمائنا(٢) .

وفيه نظر ؛ لأنّ الدَّيْن المؤجَّل أحد نوعي الدَّيْن ، فوجب أن يثبت بالإقرار كالحالّ ، بخلاف ما قالوه ؛ لأنّه هناك أقرّ له بالملك وادّعى عليه عقداً مستأنفاً ، وفي صورة النزاع أقرَّ بدَيْنٍ على صفةٍ ، فقُبل منه ، كما لو قال : من نقدٍ ردي‌ء.

وهذا الخلاف إنّما هو فيما إذا كان الدَّيْن الـمُقرّ به مطلقاً أو مستنداً إلى سببٍ ، وهو بحيث يتعجّل ويتأجّل ، أمّا إذا أسنده إلى جهةٍ لا تقبل التأجيل ، كما إذا قال : له علَيَّ ألف أقرضنيها مؤجَّلةً ، لغا ذكر الأجل إجماعاً.

وإن أسنده إلى جهةٍ يلازمها التأجيل ، كالدية على العاقلة ، فإن ذكر ذلك في صدر إقراره بأن قال : قَتَل عمّي فلاناً خطأً ولزمني من دية ذلك القتل كذا مؤجَّلاً إلى سنةٍ انتهاؤها كذا ، فهو مقبول لا محالة.

ولو قال : علَيَّ كذا من جهة تحمّل العقل مؤجَّلاً إلى وقت كذا ، فللشافعيّة طريقان :

أحدهما : القطع بالقبول ؛ لأنّه كذلك يثبت.

والثاني : إنّه على القولين.

والثاني عندهم أظهر ؛ لأنّ أوّل كلامه ملزم لو اقتصر عليه ، وهو في الإسناد إلى تلك الجهة مُدّعٍ ، كما في التأجيل(٣) .

____________________

(١) بدائع الصنائع ٧ : ٢١٧ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٠٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٦ ، الشرح الكبير ٥ : ٣١٥.

(٢) منهم : الطوسي في الخلاف ٣ : ٣٧٧ ، المسألة ٢٨ ، والحلّي في السرائر ٢ : ٥١٣.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٦.

٤١٥

تذنيبان :

أ : لو قال : بعتك أمس كذا فلم تقبل ، فقال : بل قبلتُ ، قُدّم قول مدّعي القبول ، على إشكالٍ.

وللشافعيّة قولا تبعيض الإقرار ، إن بعّضوه فهو مصدَّق بيمينه في قوله : قبلتُ(١) .

وكذا الحكم فيما إذا قال لعبده : أعتقتك على ألف فلم تقبل ، أو قال لامرأته : خلعتك على ألف فلم تقبلي ، وقال العبد : قبلتُ. وقالت المرأة : قبلتُ.

ب : لو قال : إنّي أُقرّ الآن بما ليس علَيَّ لفلان علَيَّ ألف ، أو قال : ما طلّقت امرأتي ولكنّي أُقرّ بطلاقها فأقول : طلّقتُها ، فالأقرب : عدم نفوذ إقراره ، والحكم ببطلانه.

وللشافعيّة قولان :

أحدهما : كما قلناه.

والثاني : إنّه كما لو قال : علَيَّ ألف لا تلزمني(٢) .

المطلب الثاني : في تعقيب الإقرار بالإيداع

مسألة ٩٧٠ : إذا قال : لفلان علَيَّ ألف درهم وديعة ، ولم يفصل بين كلامه ، فالأولى القبول ، وبه قال الشافعي(٣) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٨ - ٤٩.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٦ - ٣٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٩.

(٣) بحر المذهب ٨ : ٢٦٠ و ٢٨٢ ، البيان ١٣ : ٤٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠ ، المغني ٥ : ٣٠٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٣١٨.

٤١٦

فإن أنكر الـمُقرّ له ، كان القولُ قولَ المـُقرّ مع يمينه ؛ لأنّه أقرّ بما يمكن ، ولا تناقض في قولَيْه ، فكان مسموعاً منه.

وقال أبو حنيفة وأحمد : القول قول المُقرّ له ، ويكون للمُقرّ له أن يطالبه(١) بالألف التي أقرّ ؛ لأنّ « علَيَّ » للإيجاب ، وذلك يقتضي كونها في ذمّته ، ولهذا لو قال : ما على فلان علَيَّ ، كان ضامناً ، والوديعة ليست واجبةً عليه ، فلم يُقبل تفسيره بها(٢) .

ونحن نمنع من عدم وجوب الوديعة ، فإنّه يجب عليه ردّها وحفظها ، وذلك واجب عليه ، فإذا قال : « علَيَّ » وفسّر بها ، احتمل قوله ذلك فقُبِل منه ؛ لأنّه يجوز أن يريد بكلمة « علَيَّ » الإخبار عن هذا الواجب ، ويحتمل أنّه تعدّى فيها حتى صارت مضمونةً عليه ، فلذلك قال : « علَيَّ » وقد تُستعمل « علَيَّ » بمعنى « عندي » كقوله تعالى :( وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ ) (٣) وحروف الصفات يقوم بعضها مقام بعضٍ ، فيجوز أن تُستعمل « علَيَّ » بمعنى « عندي ».

وقال أبو إسحاق من الشافعيّة : إنّ المسألة على قولين عند الشافعي ، كما لو قال : له علَيَّ ألف قضيتُه(٤) .

مسألة ٩٧١ : لو فصل بين كلاميه ، فقال : له علَيَّ ألف ، ثمّ سكت ثمّ جاء بألف بعد إقراره‌ وقال : أردتُ هذا وهو وديعة عندي ، وقال الـمُقرّ له : هو وديعة ولي عليك ألف آخَر دَيْن وهو الذي أردتَه بإقرارك ، فالأقوى‌

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة : « المطالبة » بدل « أن يطالبه ».

(٢) بحر المذهب ٨ : ٢٦٠ ، البيان ١٣ : ٤٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٧ ، المغني ٥ : ٣٠٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٣١٨ و ٣١٩.

(٣) الشعراء : ١٤.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٥٠.

٤١٧

عندي : إنّ القول قو ل الـمُقرّ مع يمينه - وهو أصحّ قولَي الشافعي(١) - لما تقدّم من أنّ الوديعة يجب حفظها والتخلية بينها وبين المالك ، فلعلّه أراد بكلمة « علَيَّ » الإخبار عن هذا الواجب ، أو أنّه تعدّى فيها فصارت مضمونةً عليه ، فلذلك قال : « علَيَّ » أو أراد : عندي ، على ما تقدّم.

والثاني له : إنّ القول قول المُقرّ له - وبه قال أبو حنيفة وأحمد - فما أتى به وديعة ، وعليه ألف آخَر ؛ لأنّ كلمة « علَيَّ » تقتضي الثبوت في الذمّة(٢) .

وحكى الجويني طريقةً قاطعة بالقول الأوّل(٣) .

لكنّ المشهور إثبات القولين ، وترجيح الأوّل(٤) .

ولو كان قد قال : له علَيَّ ألف في ذمّتي ، أو : له ألف علَيَّ دَيْناً ، وفسّر كما تقدّم ، فإن لم نقبل تفسيره في السابق ، فهنا عدم القبول أولى.

وإن قبلنا هناك ، فللشافعيّة وجهان :

أحدهما : يُقبل ؛ لجواز أن يريد : له ألف في ذمّتي إن تلفت الوديعة ؛ لأنّي تعدّيتُ فيها.

وأصحّهما عندهم : إنّه لا يُقبل ، والقول قول المُقرّ له مع يمينه ؛ لأنّ العين لا تثبت في الذمّة ، وكذا الوديعة لا تثبت في الذمّة. ويفارق ما إذا قال : له علَيَّ ألف ، ثمّ فسّرها بالوديعة ؛ لأنّه لم يصرّح بالمحلّ ، واحتُمل أن‌

____________________

(١ و ٢) الحاوي الكبير ٧ : ٤٤ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥١ ، بحر المذهب ٨ : ٢٦٠ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥١ ، البيان ١٣ : ٤٣٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٩ ، المغني ٥ : ٣١٠ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٢٠.

(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٧.

٤١٨

يكون المراد وجوب الحفظ والردّ ، وهنا صرّح بالذمّة(١) .

إذا عرفت هذا ، فإذا قبلنا منه التفسير بالوديعة فيما إذا قال : له علَيَّ ألف ، ثمّ جاء بألف وقال : هو وديعة عندي ، فإنّه لا يُقبل قوله في سقوط الضمان لو ادّعى التلف ؛ لأنّ الألف مضمون عليه وليس بأمانةٍ ؛ لأنّ قوله : « علَيَّ » يتضمّن الإلزام.

فلو ادّعى تلف الألف التي زعم [ أنّها ](٢) وديعة ، لم يسقط الضمان عنه ، ولو ادّعى ردّه لم يُصدَّق ؛ لأنّه ضامن ، وإنّما يُصدَّق المؤتمن.

فخلص من هذا أنّه لا يُصدّق في دعوى تلفه بعد الإقرار أو ردّه.

وأُشكل عليه : بأنّ كلمة « علَيَّ » كما يجوز أن يريد بها صيرورتها مضمونةً عليه ؛ لتعدّيه ، يجوز أن يريد بها وجوب الحفظ والتخلية ، ويجوز أن يريد بها : عندي ، كما سبق. وهذان المعنيان لا ينافيان الأمانة ، مع أنّ النقل عن الشافعي أنّه إن ادّعى أنّه تلف أو ردّه قبل الإقرار ، لم يُصدَّق ؛ لأنّ التالف والمردود لا يكون عليه بمعنى من المعاني ، وإن ادّعى أنّه تلف بعد الإقرار صُدّق(٣) .

مسألة ٩٧٢ : لو قال : له عندي ألف درهم وديعة دَيْناً ، أو : ألف درهم مضاربة دَيْنا ، فالذي يحتمل ذلك أن تكون الوديعة مضمونةً عليه بأن تعدّى‌ فيها ، وكذا مال المضاربة ، فإن فسّر بذلك قُبِل منه ، وإن قال : أردتُ أنّه شرط علَيَّ ضمانها لم يُقبل ؛ لأنّها لا تكون دَيْناً بذلك.

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٤٤ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥١ ، بحر المذهب ٨ : ٢٦٠ - ٢٦١ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٧ ، البيان ١٣ : ٤٣٣ - ٤٣٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٩.

(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « أنّه ». والظاهر ما أثبتناه.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٣٧ - ٣٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٩.

٤١٩

فإن قال : عندي ألف وديعة شرط علَيَّ ضمانها ، كانت وديعةً ، ولم تكن مضمونةً بالشرط ؛ لأنّ ما أصله الأمانة لا يصير بالشرط مضموناً ، وكذا ما أصله الضمان لا يصير بالشرط أمانةً ، ألا ترى أنّه لو دفع مالاً على وجه المساومة وشرط أن يكون أمانةً ، لم يصر بذلك أمانةً.

ولو قال : لفلان علَيَّ ألف درهم في ذمّتي ، فجاءه بألف فقال : الألف التي أقررتُ بها كانت وديعةً وتلفت وهذه بدلها ، قُبِل ذلك ؛ لأنّه يجوز أن يكون بتعدٍّ منه أو تفريطٍ ، فيكون بدلها في ذمّته.

ولو جاء بألف فقال : الألف التي أقررتُ بها هذه وهي وديعة لك ، فللشافعيّة وجهان على ما تقدّم(١) .

ولو قال : لك علَيَّ ألف ، ثمّ قال : كانت وديعةً وكانت تلفت قبل إقراري وكنت أظنّ أنّها باقية ، لم يُقبل منه ؛ لأنّه كذّب بهذا إقراره ، فلم يُقبل منه.

فإن قال : ما أقررتُ به كان وديعةً وتلفت بعد إقراري ، قُبِل منه.

ولو قال : له علَيَّ ألف درهم وديعة ، وفسّر إقراره بوديعةٍ موجودة ، قُبِل.

وكذا إذا قال : أقررتُ بوديعةٍ وقد هلكت بعد إقراري ، فالقول قوله مع اليمين. وإن قال : كانت هالكةً حين أقررتُ ، لم يُقبل منه ؛ لأنّ الوديعة الهالكة لا تكون عليه ، فيكون قد أكذب إقراره ، إلّا أن تكون هلكت بتعدٍّ أو تفريطٍ ، فيكون إقراره صحيحاً.

____________________

(١) في ص ٤١٧.

٤٢٠

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501