تذكرة الفقهاء الجزء ١٥

تذكرة الفقهاء0%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-436-1
الصفحات: 501

تذكرة الفقهاء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الحلي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: ISBN: 964-319-436-1
الصفحات: 501
المشاهدات: 124790
تحميل: 3862


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 501 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 124790 / تحميل: 3862
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء 15

مؤلف:
ISBN: 964-319-436-1
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وما قدّمناه أصحّ ؛ لأنّه مفسّر معطوف على مبهمٍ ، فلم يكن تفسيراً ، كقوله : مائة وثوب. وما ذكره أبو حنيفة منتقض بالثوب ، فإنّه يثبت في الذمّة بنفسه ، لأنّه يقول : إذا أتلف عبداً أو ثوباً ، وجب مثله في ذمّته(١) ، ولهذا يجوز أن يصطلحا على أكثر من قيمته. وما ذكروه(٢) من مائة وخمسين فإنّ الدرهم المنصوب على التمييز يميّز الجملتين جميعاً ، ويكون لفظه بحكم ما يليه مبهماً ، مع أنّ جماعةً من الشافعيّة لا يسلّمون ذلك(٣) .

وقد اختلف أصحاب مالك(٤) ، فمنهم مَنْ وافقنا ، ومنهم مَنْ قال : يفسّر بالمعطوف بكلّ حال.

إذا عرفت هذا ، فلا فرق بين أن يقول : علَيَّ ألف ودرهم ، أو : درهم وألف ، أو : ألف ودرهمان في أنّ الألف مبهمة.

مسألة ٩٠٦ : لو قال : له علَيَّ خمسة عشر درهماً ، فالكلّ دراهم ؛ لأنّه

____________________

= ٢٠٦ ، المبسوط - للسرخسي - ١٨ : ٩٩ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٨٢ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ١٣ ، فتاوى قاضيخان - بهامش الفتاوى الهنديّة - ٣ : ١٣٧ ، بحر المذهب ٨ : ٢٣٥ ، الوسيط ٣ : ٣٣٥ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٤٠ ، البيان ١٣ : ٤٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٠ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦١٥ / ١٠٤٦ ، الذخيرة ٩ : ٢٧٧ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٠٧ / ١٢٠١ ، المعونة ٢ : ١٢٥٠ ، المغني ٥ : ٣٠٧ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٤٤ - ٣٤٥.

(١) المغني والشرح الكبير ٤ : ٣٨٥.

(٢) كذا ، والظاهر : « ذكره ».

(٣) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥٠ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٤٠ ، البيان ١٣ : ٤٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١١ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٢.

(٤) كذا قوله : « مالك » في النسخ الخطّيّة والحجريّة ، وفي العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٠ : « أحمد ». والاختلاف المذكور موجود في المغني ٥ : ٣٠٦ ، والشرح الكبير ٥ : ٣٤٥ - ٣٤٦.

٣٢١

لا عطف ، وإنّما هُما اسمان جُعلا واحداً ، فالمذكور تفسير له ، فلو باعه‌ بخمسة عشر درهماً ، صحّ البيع إجماعاً.

ولو قال : ألف وثلاثة دراهم ، فالكلّ دراهم أيضاً ؛ قضاءً للعرف فيه.

ولو قال : خمسة وعشرون درهماً ، أو : مائة وخمسة وعشرون درهماً ، أو : ألف ومائة وخمسة وعشرون درهماً ، فالكلّ دراهم ؛ لأنّ عرف اللغة والاستعمال إذا أُريد الإخبار بالدراهم كلّها أتى بهذه العبارة ، ولأنّ لفظ الدرهم لا يجب به شي‌ء زائد ، بل هو تفسير ، وليس تفسيراً للبعض ؛ لاحتياج الكلّ إلى التفسير ، فيكون تفسيراً للكلّ.

وقال بعض الشافعيّة : في « خمسة وعشرين » الخمسةُ مجملة ، والعشرون مفسَّرة بالدرهم ؛ لمكان العطف(١) ، فلو باعه بخمسة وعشرين درهماً ، لم يصح على هذا القول.

وكذا الخلاف في مائة وخمسة وعشرين درهماً ، وقوله : ألف ومائة وخمسة وعشرون درهماً ، أو : خمسون وألف درهم ، أو : مائة وألف درهم ، فقال أبو علي بن خيران من الشافعيّة وأبو سعيد الاصطخري : لا يكون تفسيراً إلّا لما يليه من الجملتين ، وما قبل ذلك يُرجع إلى تفسيره(٢) .

وقال أكثر الشافعيّة : إنّه يكون تفسيراً للجملتين ، ويكون الدرهم المفسّر عائداً إلى الجملتين ؛ لأنّ إحدى الجملتين تفسير للأُخرى(٣) .

ولو قال : ثمانية دراهم وألف ، فإنّه لا يكون تفسيراً للألف.

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ٢٣٥ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٤٠ ، البيان ١٣ : ٤٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١١ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٢.

(٢) الوسيط ٣ : ٣٣٥ - ٣٣٦ ، البيان ١٣ : ٤٢٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١١ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٢.

(٣) الوجيز ١ : ١٩٨ ، الوسيط ٣ : ٣٣٥ ، البيان ١٣ : ٤٢٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١١ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٢.

٣٢٢

ولو قال : ألف وثلاث ة أثواب ، فالجميع أثواب.

وكذا : مائة وأربعة دنانير ، فالجميع دنانير.

ولو قال : مائة ونصف درهم ، فالأقرب : إنّ المائة دراهم.

ولو قال : درهم ونصف ، فالنصف يرجع إلى الدرهم ، وكذا : عشرة دراهم ونصف ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : إنّ النصف مبهم ؛ لأنّه معطوف على ما تقدّم مفسّراً ، فلا يتأثّر به(١) .

وأكثرهم قال : الجميع دراهم ؛ لجريان العادة به حتى لو قال : له علَيَّ درهم ونصف درهمٍ ، عُدّ مُطوّلاً تطويلاً زائداً على قدر الحاجة(٢) .

أمّا لو قال : له علَيَّ نصف ودرهم ، فالنصف مبهم.

ولو قال : مائة وقفيز حنطة ، فالمائة مبهمة ، بخلاف قوله : مائة وثلاثة دراهم ؛ لأنّ الدراهم تصلح تفسيراً للكلّ ، والحنطة لا تصلح تفسيراً للمائة ؛ لأنّه لا يصحّ أن يقال : مائة حنطة.

ولو قال : له علَيَّ ألف درهمٌ(٣) ، فسّر الألف بما لا تنقص قيمته عن درهمٍ ، كأنّه قال : الألف ممّا قيمة الألف منه درهم.

البحث الرابع : في الإقرار بالدرهم.

وفيه مطلبان :

الأوّل : في المفرد.

مسألة ٩٠٧ : الدرهم الإسلامي المعتبر في نُصُب الزكوات ومقادير‌

____________________

(١) الوجيز ١ : ١٩٨ ، الوسيط ٣ : ٣٣٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١١ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٢.

(٢) الوسيط ٣ : ٣٣٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٤٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١١ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٢.

(٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « إلّا درهم ». والمثبت هو الصحيح بدون « إلّا ».

٣٢٣

الديات وغيرها وزنة ستّة دوانيق ، وزن عشرة دراهم منها سبعة مثاقيل ، والدانق : ثماني حبّات وخُمْسا حبّةٍ ، فيكون الدرهم الواحد خمسين حبّةً وخُمْسي حبّةٍ.

والمراد من الحبّة حبّةُ الشعير لا من كباره ولا من صغاره ، بل المتوسّط بينهما التي لم تقشر ، بل قُطع من طرفها ما دقّ وطال.

والدينار : اثنتان وسبعون حبّة منها ، هكذا قال أبو عبيد القاسم بن سلّام(١) .

والمشهور عند علمائنا : إنّ الدانق ثمان حبّات ، وبه قال ابن سريج(٢) من الشافعيّة ، فعلى هذا يكون الدرهم ثمانيةً وأربعين حبّةً.

إذا عرفت هذا ، فإذا قال : له علَيَّ درهم ، وأطلق ، حُمل على المتعارف عند القائل في المعاملة ، فإن وافق المشروع فذاك ، وإلّا كان حمله على المتعارف أولى من حمله على العرف الشرعي.

فلو قال : له علَيَّ ألف درهم ، ثمّ قال : هي ناقصة - كدراهم « طبريّة الشام » الواحد منها أربعة دوانيق ، أو كدراهم خوارزم ، وزن الخوارزميّة أربعة دوانيق ونصف ، أو كدراهمنا - اليوم - السلطانيّة ، الواحد منها نصف مثقالٍ - فإن كان الإقرار في عرف المُقرّ أو بلد الإقرار ودراهمه تامّة وكان قد ذكره متّصلاً ، فالأقوى : القبول ، كالاستثناء ، فكأنّه استثنى من كلّ درهمٍ دانقين ، وهو أصحّ قولَي الشافعيّة.

وقال ابن خيران : إنّها على قولين ؛ بناءً على أنّ الإقرار هل‌

____________________

(١) عنه في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١١ ، وروضة الطالبين ٤ : ٣٢.

(٢) المنسوب اليه في العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١١ ، وروضة الطالبين ٤ : ٣٢ هو المحكيّ عن أبي عبيد القاسم بن سلّام.

٣٢٤

يتبعّض؟ (١) .

والثاني : المنع ؛ لأنّ اللفظ صريح فيه ، وليس كلّ لفظٍ يتضمّن نقصاناً يصلح للاستثناء ، ولهذا لو قال : له علَيَّ ألف بل خمسمائة ، يلزمه الألف ، ولأنّ قوله : « ألف درهم » يقتضي الوازنة ، كما لو باع ولم يعيّن ، فإذا قال : نقص ، فقد رجع عن إقراره ؛ لأنّ الوازنة غير النقص ، وليس النقص من جملتها(٢) .

وهو خطأ ؛ لأنّ الدراهم يعبَّر بها عن الوازنة وعن الناقصة ، وإنّما حُملت على الوازنة ؛ لأنّ عرف الإسلام قائم فيها ، لأنّها دراهم الإسلام ، فإذا فسّرها بالناقصة فلم يرجع عن إقراره ، وإنّما صرفه عن ظاهره إلى مستعملٍ ، فافترقا.

وإن ذكره منفصلاً ، لم يُقبل ؛ لأنّه كالاستثناء ، ولا يصحّ الاستثناء المنفصل ، وعليه وزن الدراهم المتعارفة عند الـمُقرّ وبلد الإقرار ، وإن لم يكن هناك عُرْفٌ حُمل على وزن دراهم الإسلام ، إلّا أن يصدّقه الـمُقرّ له ؛ لأنّ لفظ الدرهم صريح في المقدار المعلوم ، وعرف البلد [ مؤيّد له ](٣) .

واختار بعض الشافعيّة القبولَ ؛ لأنّ اللفظ محتمل له(٤) .

والأصل براءة الذمّة.

وإن كان الإقرار في بلدٍ دراهمه ناقصة ، فإن ذكره متّصلاً ، قُبِل ؛ لأنّ اللفظ والعرف يصدّقانه فيه.

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٢.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « هو بدله ». وذلك تصحيف ، والمثبت هو الصحيح.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٣.

٣٢٥

وإن ذكره منفصلاً ، احتُمل قويّاً القبول ؛ حملاً لكلامه على نقد البلد ، لأنّ للعرف أثراً بيّناً في تقييد الألفاظ ، حتى أنّه لو طرأ على اللغة أو الشرع كان الحمل عليه متعيّناً ، وصار كما في المعاملات ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة.

والثاني : لا يُقبل ، ويُحمل مطلق إقراره على وزن الإسلام ، كما أنّ نُصُب الزكاة لا تختلف باختلاف البلدان(١) .

والفرق ظاهر.

وكذا الخلاف فيما إذا أقرّ في بلدٍ وزنُ دراهمه أكثر من وزن دراهم الإسلام ، احتُمل حمل إقراره على دراهم البلد وعلى دراهم الإسلام.

فإن قلنا بالأوّل فلو قال : « عنيت دراهم الإسلام » منفصلاً ، لم يُقبل.

ولو قال متّصلاً ، فالأقرب : القبول.

وللشافعيّة وجهان ، هذا أصحّهما(٢) .

مسألة ٩٠٨ : ولا فرق بين أن يُقرّ بمائة درهم ويسكت ثمّ يقول : ناقصة ، أو صغار وهي دَيْن ، أو يقول : هي وديعة ، أو غصب ، وبه قال الشافعي(٣) .

وقال أبو حنيفة : في الغصب والوديعة يُقبل ؛ لأنّه أقرّ بفعلٍ في عينٍ ، وذلك لا يقتضي سلامتها ، فأشبه ما لو أقرّ بغصب عبدٍ ثمّ جاء به معيباً(٤) .

وهو ممنوع ؛ لأنّ إطلاق الاسم يقتضي الوازنة الجياد ، فلم يُقبل‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٣.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٦١ - ٦٢ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥١ ، البيان ١٣ : ٤١٦.

(٤) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٠١ ، المبسوط - للسرخسي - ١٨ : ١٣ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٢ ، البيان ١٣ : ٤١٦ ، المغني ٥ : ٢٩٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٣١٤.

٣٢٦

تفسيره بما يخالف ذلك ، كالدَّيْن ، بخلاف العبد ، فإنّ العيب لا يمنع إطلاق اسم العبد عليه.

ولو أقرّ بدراهم وأطلق في بلدٍ أوزانهم ناقصة أو مغشوشة ، أو بدنانير في بلدٍ دنانيرهم مغشوشة ، فالأقرب : الحمل على عرف ذلك البلد ودنانيره ؛ لأنّ مطلق كلامهم يُحمل على عرف بلدهم ، كما في البيع والأثمان.

مسألة ٩٠٩ : الدرهم عند الإطلاق إنّما يُستعمل في النقرة ، فلو أقرّ بدراهم وفسّرها بالفلوس ، لم يُقبل.

ولو فسّر بالدراهم المغشوشة ، فهو كالتفسير بالناقصة ؛ لأنّ وزنها لا يبلغ وزن الدراهم ، فيجي‌ء فيه التفصيل الذي تقدّم في الناقصة.

فإن سكت بعد إقراره بالدراهم سكوتاً يمكنه الكلام فيه [ أو ](١) أخذ في كلامٍ غير ما كان فيه ، استقرّ عليه الخالصة ، فإن عاد وقال : زيوفاً ، لم يقبل.

ولو وصل الكلام أو سكت للتنفّس أو لعروض سعالٍ وشبهه ثمّ وصفها بالرداءة ، فالأقرب : القبول ؛ لأنّ الإنسان قد يكون في ذمّته دراهم رديئة ويحتاج إلى الإقرار بها حذر الموت ، فلو لم يُسمع منه ذلك لأدّى إلى كتمان الحقّ وعدم التخلّص وبراءة الذمّة ، وهو ضرر عظيم ، ولأنّه كما قبل الاستثناء ، فالقبول هنا أولى ؛ لأنّ في الاستثناء نقضاً للأوّل ، بخلاف الوصف بالغشّ.

ولو قال : له علَيَّ دراهم صغار ، وليس للناس دراهم صغار وهي‌

____________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « و». والمثبت يقتضيه السياق.

٣٢٧

الناقصة ، قُبِل أيضاً تفسيره ، خلافاً لبعض الشافعيّة(١) .

ولو فسّر بجنس ردي‌ء من الفضّة قُبِل ، كما لو قال : علَيَّ ثوب ، ثمّ فسّر بجنس ردي‌ء أو بما لا يعتاد أهل البلد لُبْسه ، بخلاف ما لو فسّر بالناقصة ؛ لأنّه يرفع شيئاً ممّا أقرّ به ، وهنا بخلافه.

مسألة ٩١٠ : إذا أقرّ بدرهمٍ ، انصرف الإطلاق إلى سكّة البلد الذي أقرّ بها فيه ، فإن فسّرها به قُبِل.

وإن فسّرها بسكّة غير سكّة البلد أجود منها ، قُبِل ؛ لأنّه يُقرّ على نفسه بما هو أغلظ.

وكذا إن كانت مثلها ؛ لأنّه لا يُتّهم في ذلك.

وإن كانت أدنى من سكّة البلد لكنّها متساوية في الوزن ، احتُمل أن لا يُقبل ؛ لأنّ إطلاقها يقتضي دراهم البلد ونقده ، فلا يُقبل منه دونها ، كما لا يُقبل في البيع ، ولأنّها ناقصة القيمة ، فلم يُقبل تفسيره بها ، كالناقصة وزناً.

ويحتمل القبول - وهو الأقوى عندي ، وبه قال الشافعي(٢) - لأنّه يحتمل ما فسّره به ، بخلاف الناقصة ؛ لأنّ إطلاق الشرع الدراهم لا يتناولها ، بخلاف هذه ، ولأنّه يرفع شيئاً ممّا أقرّ به ، بخلاف هذه ، ولهذا يتعلّق به مقدار النصاب في الزكاة وغيره ، بخلاف الثمن ، فإنّه إيجاب في الحال ،

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٨ ، البيان ١٣ : ٤١٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٣ ، المغني ٥ : ٢٩٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٣١٦.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٥٤ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٣ ، البيان ١٣ : ٤١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٣ ، المغني ٥ : ٢٩٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٣١٤ - ٣١٥.

٣٢٨

وهذا إخبار عن حقٍّ سابق ، ولأنّ البيع إنشاء معاملة ، والغالب أنّ المعاملة في كلّ بلدةٍ تقع فيما يروج فيها ويتعامل الناس بها ، والإقرار إخبار عن حقٍّ سابق ربما يثبت بمعاملةٍ في تلك البلدة وربما يثبت بغيرها ، فوجب الرجوع إلى إرادته ، ولأنّه لا بدّ من صيانة البيع عن الجهالة ، والحمل على ما يروج في البلد أصلح طريقٍ تنتفي به الجهالة ، والإقرار لا تجب صيانته عن الجهالة.

وقال المزني : لا يُقبل تفسيره بغير سكّة البلد(١) .

مسألة ٩١١ : لو قال : له علَيَّ دُرَيْهم ، أو دُرَيْهمات ، أو درهم صغير ، أو دراهم صغار ، فالوجه : قبول تفسيره بما أراد بما يطلق عليه هذا الاسم.

واضطرب قول الشافعيّة :

فالذي رواه الجويني : إنّه كما لو قال : درهم ، أو دراهم ، فيعود في التفسير بالنقص التفصيلُ السابق ، وليس التقييد بالصغير كالتقييد بالنقصان ؛ لأنّ لفظ الدرهم صريح في الوزن ، والوصف بالصغر يجوز أن يكون من حيث الشكل ، ويجوز أن يكون بالإضافة إلى الدراهم البغليّة(٢) .

وقال بعض الشافعيّة بذلك في قوله : « دُرَيْهم » وقال في قوله : « درهم صغير » : إن كان بطبريّة يلزمه نقد البلد ، وإن كان ببلدٍ وزنه وزن مكّة فعليه وزن مكّة ، وكذلك إن كان بغزنة.

وفي هذا القول اضطراب ؛ لأنّه إمّا أن يعتبر اللفظ أو عرف البلد ، إن اعتبرنا اللفظ فيجب الوزن بطبريّة ، وإن اعتبرنا عرف البلد فيجب نقد البلد‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٥٤ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٣ ، البيان ١٣ : ٤١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٣.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٣.

٣٢٩

بغزنة (١) .

وقال بعضهم : إذا قال : دُرَيْهم ، أو درهم صغير ، لزمه درهم من الدراهم الطبريّة ؛ لأنّها أصغر من دراهم الإسلام ، وهي أصغر من البغليّة ، فهي أصغر الصغيرين ، فيؤخذ باليقين. ولم يفرّق بين بلدةٍ وبلدةٍ ، ولأنّا لا نفرّق بين أن يقول : مال ، وبين أن يقول : مال صغير ، فكذلك في الدراهم(٢) .

مسألة ٩١٢ : لو قال : له علَيَّ درهم كبير ، لزمه درهم من دراهم الإسلام ؛ لأنّه كبير في العرف.

ولو كان هناك ما هو أكثر وزناً منه ، فالأقرب : المساواة.

فلو فسّره بالأقلّ من دراهم الإسلام ، احتُمل القبول ؛ لاحتمال إرادة الكبير لا في الوزن ، بل بالحلال.

ولو قال : له دُرَيْهم ، فهو كما لو قال : درهم ؛ لأنّ التصغير قد يكون لصغرٍ في ذاته أو لقلّة قدره عنده ، وقد يكون لمحبّته.

المطلب الثاني : في المتعدّد.

مسألة ٩١٣ : إذا قال : له علَيَّ دراهم ، ولم يفسّر العدد ، لزمه ثلاثة ؛ لأنها أقلّ الجمع ، ولا يُقبل تفسيره بأقلّ منها - وهو الظاهر من مذهب الشافعيّة(٣) - لأنّ العرب وضعت صيغة آحاد وتثنية وجمع ، فقالوا : رجل‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٣.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ١٦ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٩ ، الوسيط ٣ : ٣٣٦ ، الوجيز ١ : ١٩٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٣٨ ، البيان ١٣ : ٤٢١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٤.

٣٣٠

ورجلان ورجال.

ويحتمل عندي القبول لو فسّره باثنين ؛ لأنّ الاثنين قد يُعبَّر عنهما بلفظ الجمع ، كما في قوله تعالى :( فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ ) (١) والمراد أخوان ، وقالعليه‌السلام : « الاثنان فما فوقهما جماعة »(٢) ولأنّ حقيقة الجمع موجودة في الاثنين.

ولو سُلّم أنّه مجاز ، فلا تستحيل إرادته ، فإذا فسّر به قُبِل ؛ لأنّه أعرف بقصده ، والألفاظ لا تدلّ على المعاني بذواتها ، بل باعتبار قصد المتكلّم.

وبه قال بعض الشافعيّة(٣) .

ولو قال : له علَيَّ أقلّ أعداد الدراهم ، لزمه اثنان ؛ لأنّ العدد هو المعدود ، وكلّ معدودٍ متعدّد ، فيخرج عنه الواحد ، ولأنّ الاثنين مبدأ العدد وأوّل مراتبه ، بخلاف الواحد.

مسألة ٩١٤ : لو قال : له علَيَّ دراهم عظيمة ، أو جليلة ، أو جزيلة ، أو وافرة ، كان له ثلاثة ، وكان كقوله : ثلاثة - وبه قال الشافعي(٤) - لأنّ الكثرة لا حدّ لها شرعاً ولا لغةً ولا عرفاً ، وتختلف بالأوصاف وأحوال الناس ، فالثلاثة أكثر من الاثنين وأقلّ ممّا فوقها ، فيحتمل أنّ الـمُقرّ أراد كثيرة بالنسبة‌

____________________

(١) النساء : ١١.

(٢) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢ : ٦١ ( الباب ٣١ ) ح ٢٤٨ ، سنن الدارقطني ١ : ٢٨٠ / ١ ، المستدرك - للحاكم - ٤ : ٣٣٤ ، شرح معاني الآثار ١ : ٣٠٨ ، تاريخ بغداد ٨ : ٤١٥.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ١٦ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٧ ، البيان ١٣ : ٤٢١.

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ١٧ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٣٨ ، البيان ١٣ : ٤٢١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٤ ، المغني ٥ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٤١ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٢٠ / ١٩٢٤.

٣٣١

إلى ما دونها ، ولأن ّ الناس يختلفون ، فمنهم مَنْ يستعظم القليل ، ومنهم مَنْ يستقلّ الكثير ، فجاز أن يريد كثيرة في وهمه وظنّه ، وتكون الثلاثة عنده كثيرةً.

وقال أبو حنيفة : لا يُقبل تفسيره في الكثرة بدون العشرة ؛ لأنّها أقلّ جمع الكثرة(١) .

وقال أبو يوسف ومحمّد : لا يُقبل أقلّ من مائتين ؛ لأنّ بها يحصل الغنى وتجب الزكاة(٢) .

والحمل على يقين الأقلّ وبراءة الذمّة أولى.

ولو قال : علَيَّ دراهم كثيرة ، احتُمل لزوم ثمانين على الرواية(٣) .

والوجه : ما قلناه في العظيمة.

ولو قال : دنانير كثيرة ، فعلى الرواية يلزمه ثمانون ، وعلى قول أبي حنيفة يلزمه عشرة(٤) ، وعلى قول أبي يوسف ومحمّد يلزمه عشرون(٥) .

____________________

(١) تحفة الفقهاء ٣ : ١٩٧ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢٢٠ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٨٠ - ١٨١ ، المبسوط - للسرخسي - ١٨ : ٩٨ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٠٥ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٢٠ / ١٩٢٤ ، الحاوي الكبير ٧ : ١٧ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٧ ، البيان ١٣ : ٤٢١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٠٦ ، المغني ٥ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٤١.

(٢) تحفة الفقهاء ٣ : ١٩٧ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢٢٠ ، الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٠٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٨١ ، المبسوط - للسرخسي - ١٨ : ٩٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٢٠ / ١٩٢٤ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٧ ، البيان ١٣ : ٤٢١ ، المغني ٥ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٤١.

(٣) الكافي ٧ : ٤٦٣ - ٤٦٤ / ٢١ ، معاني الأخبار : ٢١٨ / ١ ، التهذيب ٨ : ٣٠٩ / ١١٤٧.

(٤ و ٥) الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٠٥ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٨١ ، المبسوط - للسرخسي - ١٨ : ٩٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٧.

٣٣٢

ولو قال : حنطة عظيم ة ، أو كثيرة ، فعلى قول أبي حنيفة يرجع إلى بيانه فيما يُسمّى كثيراً في العادة(١) ، وعلى قولهما يلزمه خمسة أوسق(٢) .

ولو قال : له علَيَّ مائة درهم عدداً ، فالأقرب : قبول قوله في إرادة الناقصة.

وقال بعض الشافعيّة : يلزمه مائة درهم - بوزن الإسلام - صحاح ، ولا يشترط أن يكون لكلّ واحدٍ ستّة دوانيق ، وكذا في البيع ، ومَنَع من قبول مائة بالعدد ناقصة بالوزن ، إلّا أن يكون نقد البلد عدديّةً ناقصة ، وظاهر مذهب الشافعيّة حينئذٍ القبول(٣) .

ولو قال : علَيَّ مائة عدد من الدراهم ، فهُنا يعتبر العدد دون الوزن إجماعاً.

مسألة ٩١٥ : إذا قال : له علَيَّ ألف درهم زُيَّف ، جمع زائف ، وهي التي لم تَجْر ، فإن فسّر وقال : أردتُ به أنّها كلّها نحاس أو رصاص ، لم يُقبل ، سواء فَصَله عن إقراره أو وصله به ؛ لأنّ النحاس والرصاص لا يُسمّى دراهم ، فكأنّه وَصَل إقراره بما رفعه ، فصار كاستثناء الكلّ.

وإن فسّر ذلك بما لفظه نحاس أو رصاص ، قال بعض الشافعيّة : الذي يقتضيه المذهب أنّه إن وصل ذلك بإقراره أو فصله قُبِل منه ؛ لأنّ الشافعي قال : « ولو قال : هي من سكّة كذا ، صُدّق مع يمينه ، كانت أدنى‌

____________________

(١ و ٢) تحفة الفقهاء ٣ : ١٩٨ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢٢٠ ، المبسوط - للسرخسي - ١٨ : ١٠٢ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٧.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٣ - ٣١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٤.

٣٣٣

الدراهم أو وسطها » (١) - قال بعض الشافعيّة : أدنى الدراهم هي المغشوشة(٢) - وقول الشافعي : « ثمّ قال : هي نقص أو زيف لم يُصدَّق »(٣) يريد إذا قال : زيف(٤) جميعها رصاص أو نحاس(٥) .

وقال بعضهم : حكم الزيف كالنقص إذا وَصَلها بإقراره قُبِل ، وإن فَصَلها لم يُقبل(٦) .

وهو ظاهر كلامه في المسألة ؛ لأنّه جمع بين النقص والزيف ولم يفصل.

والقول الأوّل غير لازمٍ ؛ لأنّ قوله : « أدنى الدراهم » إنّما عاد إلى السكّة ؛ لأنّه قال : « ولو قال : هي من سكّة كذا » لأنّ المغشوشة خارجة عن ضرب الإسلام كالنقص.

فعلى ما ذكرناه في النقص إذا كان البلد يتعامل فيه بالدراهم المغشوشة ، ينبغي إذا أطلق أن لا يلزمه منها إلّا كما قلنا في النقص.

ولو قال : غصبت(٧) ألف درهم ، أو : له عندي ألف درهم وديعة ، ثمّ قال : هي نقص أو زيف ، مفصولاً ، لم يُقبل - وهو مذهب الشافعي(٨) - كما لو قال : له علَيَّ ألف درهم.

____________________

(١ و ٣) الأُم ٦ : ٢١٩.

(٢ و ٥) بحر المذهب ٨ : ٢٧٢ ، البيان ١٣ : ٤١٥.

(٤) في « ج ، ر » : « زيوف ».

(٦) البيان ١٣ : ٤١٦.

(٧) الظاهر : « غصبته ».

(٨) الحاوي الكبير ٧ : ٥٣ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٨ ، بحر المذهب ٨ : ٢٧٥ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٢ ، البيان ١٣ : ٤١٦ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٢ ، المغني ٥ : ٢٩٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٣١٤.

٣٣٤

وقال أبو حنيفة : يُقبل في الغصب والوديعة ؛ لأنّ ذلك إيقاع فعلٍ في العين ، وذلك لا يقتضي سلامتها ، كما لو أقرّ بغصبِ عبدٍ فجاء به معيباً(١) .

وهو غلط ؛ لأنّ الاسم يقتضي الوازنة غير الزيوف ، فلم يُقبل منه ما يخالف الاسم ، كما لو قال : له علَيَّ ألف.

وما علّل به باطل ؛ لأنّ الغصب وإن كان إيقاع فعلٍ في عينٍ فإنّ ذلك يوجب وقوعه فيما سمّاه ، دون ما لا ينصرف إليه إطلاق الاسم. ويفارق العيب ؛ لأنّ العيب لا يمنع إطلاق الاسم فيه.

مسألة ٩١٦ : إذا قال : له علَيَّ ما بين واحدٍ وعشرة ، لزمه ثمانية ؛ لأنّ ذلك ما بينهما.

ولو قال : ما بين واحدٍ إلى عشرة ، فكالأُولى.

ولم يفرّق أكثر الشافعيّة بينهما(٢) .

والوجه : القطع في الأُولى بالثمانية ، وفي الثانية احتمال.

ولو قال : له علَيَّ من درهمٍ إلى عشرة ، احتُمل لزوم عشرة - وبه قال محمّد بن الحسن الشيباني(٣) - ويدخل الطرفان فيها ، كما يقال : من فلان إلى فلان لا يرضى أحد بكذا ، وقد سبق(٤) في المرافق ؛ لأنّ الحدّ إذا كان‌

____________________

(١) تحفة الفقهاء ٣ : ٢٠١ ، المبسوط - للسرخسي - ١٨ : ١٣ ، بحر المذهب ٨ : ٢٧٥ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٢ ، البيان ١٣ : ٤١٦ ، المغني ٥ : ٢٩٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٣١٤.

(٢) البيان ١٣ : ٤٢١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٤.

(٣) الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٠٩ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢٢٠ - ٢٢١ ، المبسوط - للسرخسي - ١٨ : ٩٦ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٨٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ٥٩ ، بحر المذهب ٨ : ٢٨١ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٣٩ ، البيان ١٣ : ٤٢١.

(٤) في ج ١ ، ص ١٥٧ - ١٥٨ ، المسألة ٤٤.

٣٣٥

من جنس المحدود دخل فيه.

وقد حكى ابن القاص عن الشافعي أنّه إذا قال : له علَيَّ ما بين الدرهم إلى العشرة ، لزمه تسعة(١) .

فعلى هذا يكون قولُه مثلَ قول محمّد بن الحسن ؛ لأنّه أدخل الحدّ في الإقرار ، ولو قال : قرأتُ القرآن من أوّله إلى آخره ، دخل الطرفان ، أو : أكلتُ الطعام من أوّله إلى آخره ، دخل الطرفان ، فكذا هنا.

وهو أحد وجوه الشافعيّة(٢) .

ويحتمل وجوب تسعة - وبه قال أبو حنيفة وأحمد وبعض الشافعيّة(٣) - لأنّ الأوّل ابتداء الغاية ، والعاشر هو الحدّ ، فدخل الابتداء فيه ، ولم يدخل الحدّ ، ولأنّ الملتزم زائد على الواحد ، والواحد مبدأ العدد والالتزام ، فيبعد إخراجه عمّا يلتزم ، ولأنّ « من » لابتداء الغاية ، وأوّل الغاية منها ، و« إلى » لانتهائها ، فلا يدخل فيها ؛ لقوله تعالى :( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) (٤) .

____________________

(١) حلية العلماء ٨ : ٣٤٨.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٥٩ ، الوسيط ٣ : ٣٣٧ ، الوجيز ١ : ١٩٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٣٩ ، البيان ١٣ : ٤٢١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٤١ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٤.

(٣) الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٠٩ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢٢٠ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٨٣ ، المبسوط - للسرخسي - ١٨ : ٩٦ ، الحاوي الكبير ٧ : ٩٥ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٩ ، بحر المذهب ٨ : ٢٨١ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٨ ، الوجيز ١ : ١٩٨ ، الوسيط ٣ : ٣٣٧ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٣٩ ، البيان ١٣ : ٤٢١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٤ ، المغني ٥ : ٢٩٩ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٤٩.

(٤) البقرة : ١٨٧.

٣٣٦

ويحتمل وجوب ثمانية - وبه قال زفر(١) - لأنّ الأوّل والعاشر حدّان لا يدخلان في المحدود ، كما لو قال : بعتك من هذا الجدار إلى هذا الجدار ، لا يدخل الجداران في المبيع.

والمعتمد : الأوّل.

وجماعة من الشافعيّة رجّحوا الثاني ؛ لأنّه لو قال : لفلان من هذه النخلة إلى هذه النخلة ، تدخل النخلة الأُولى في الإقرار ، دون الأخيرة(٢) .

وما ينبغي أن يكون الحكم في هذه الصورة كما ذكر ، بل هو كما لو قال : بعتك من هذا الجدار إلى هذا الجدار.

ولو قال : له علَيَّ ما بين درهمٍ إلى عشرة ، فقد قلنا : إنّه يلزمه ثمانية ؛ لأنّ « ما » بمعنى « الذي » كأنّه قال : له العدد الذي يقع بين الواحد إلى العشرة ، وهو صريح في إخراج الطرفين.

وعن الشافعي أنّه يلزمه تسعة ؛ لأنّ الحدّ إذا كان من جنس المحدود يدخل فيه ، فيضمّ الدرهم العاشر إلى الثمانية(٣) .

وحكي عن القفّال أنّه يلزمه عشرة(٤) .

فحصل للشافعيّة في هذه المسألة ثلاثة أوجُه ، كما في قوله : له علَيَّ من درهمٍ إلى عشرة.

____________________

(١) الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٠٩ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢٢١ ، المبسوط - للسرخسي - ١٨ : ٩٦ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٨٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ٥٨ ، بحر المذهب ٨ : ٢٨١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٣٩.

(٢) الوجيز ١ : ١٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٤.

(٣) بحر المذهب ٨ : ٢٨١ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٤.

(٤) بحر المذهب ٨ : ٢٨١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٤.

٣٣٧

ولو قال : أردتُ بقو لي : « من واحدٍ إلى عشرة » مجموع الأعداد كلّها ، لزمه خمسة وخمسون درهماً.

وطريقه : أن يزيد أوّل العدد - وهو الواحد - على العشرة ، فيصير أحد عشر ، ثمّ يضربها في نصف العشرة ، فما بلغ فهو الجواب.

مسألة ٩١٧ : لو قال : له علَيَّ درهم في عشرة ، احتُمل أن تكون العشرة ظرفا ، وأن تكون مضروباً فيها ، فإن أراد الأوّل لزمه درهم ، كأنّه قال : له درهم في عشرة لي ، وإن أراد الضرب والحساب لزمه عشرة.

ولو أراد بـ « في » « مع » لزمه أحد عشر درهماً ؛ لأنّ « في » قد ترد بمعنى « مع » يقال : جاء الأمير في جيشه ، أي مع جيشه. ويرجع في ذلك إليه ، ويُقبل قوله بغير يمين ؛ لأنّ لفظه محتمل لذلك كلّه ، وهو أعرف بمراده ، فإن أطلق سُئل ، فإن تعذّر لزمه واحد ؛ لأنّه المتيقّن ، والأصل براءة الذمّة.

وعند الشافعيّة أنّه لو قال : أنتِ طالق واحدة في اثنتين - في قولٍ لهم - أنّه يُحمل على الحساب وإن أطلق ؛ لأنّه أظهر في الاستعمال ، وذلك القول عائد هنا(١) .

ولو قال : له علَيَّ درهمان في عشرة ، وقال : أردتُ الحساب ، لزمه عشرون.

وإن قال : أردتُ درهمين مع عشرة ، ولم يكن يعرف الحساب ، قُبِل منه ، ولزمه اثنا عشر ؛ لأنّ كثيراً من العامّة يريدون بهذا اللفظ هذا المعنى.

وقال بعض العامّة : لو كان عارفاً بالحساب ، لم يُقبل منه ؛ لأنّ الظاهر من الحساب استعمال ألفاظه لمعانيها في اصطلاحهم(٢) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٥.

(٢) المغني ٥ : ٣٠٠.

٣٣٨

والوجه : القبول منه ؛ لاحتمال أن يستعمل مصطلحات العامّة.

وإن قال : أردتُ درهمين في عشرة لي ، لزمه درهمان ؛ لاحتمال ما يقول.

ولو قال : درهمان في دينار ، لم يحتمل الحساب وسُئل عن المراد ، فإن قال : أردت العطف ، أو معنى « مع » لزمه الدرهمان والدينار.

وإن قال : أسلمتهما في دينارٍ فصدّقه الـمُقرّ له ، بطل إقراره ؛ لأنّ سَلَم أحد النقدين في الآخَر باطل ، وإن كذّبه فالقول قول الـمُقرّ له ؛ لأنّ الـمُقرّ وصل إقراره بما يُسقطه ، فلزمه ما أقرّ به ، وبطل قوله : « في دينار ».

وكذا لو قال : له درهمان في ثوبٍ ، وفسّره بالسَّلَم ، أو قال : في ثوبٍ اشتريته منه إلى سنة ، فصدّقه ، بطل إقراره ؛ لأنّه إن كان بعد التفرّق بطل السَّلَم ، وسقط الثمن ، وإن كان قبل التفرّق فالـمُقرّ بالخيار بين الفسخ والإمضاء ، ولو كذّبه الـمُقرّ له فالقول قوله مع يمينه ، وله الدرهمان.

البحث الخامس : في الإقرار بالظرف والمظروف.

مسألة ٩١٨ : الإقرار بأحد شيئين لا يستلزم الإقرار بالآخَر ، والظرف والمظروف شيئان متغايران ، فلا يلزم من الإقرار بأحدهما الإقرار بالآخَر ؛ لأنّ الأصل البناء على اليقين ، فلا يلزم من الإقرار بالظرف الإقرار بالمظروف ، ولا بالعكس.

فلو قال : له عندي ثوب في منديلٍ ، أو : تمر في جرابٍ ، أو : لبن في كوزٍ ، أو : طعام في سفينةٍ ، أو : دراهم في كيسٍ ، لم يدخل الظرف في الأقارير ؛ لاحتمال أن يريد : في جرابٍ لي ، أو : في منديلٍ لي ، وإذا احتُمل ذلك لم يلزمه من إقراره المحتمل ، ولا تناقض لو ضمّ هذه اللفظة إلى‌

٣٣٩

الإقرار ، ولو كان اللفظ المطلق يدلّ على الإضافة إلى الـمُقرّ له ، لزم التناقض مع التصريح بالإضافة إلى الـمُقرّ.

وكذا لو قال : غصبتُه زيتاً في جرّةٍ ، أو : ثوباً في منديلٍ ، لم يكن مُقرّاً إلّا بغصب الزيت والثوب خاصّةً ، دون الجرّة والمنديل.

وبه قال الشافعي وما لك(١) .

وقال أبو حنيفة : إذا قال : غصبتُ منه ثوباً في منديلٍ ، كان غاصباً لهما ؛ لأنّ المنديل يكون ظرفاً للثوب ، فالظاهر أنّه ظرف له في حال الغصب ، فصار كأنّه غصبه ثوباً ومنديلاً(٢) .

وهو خطأ ؛ لاحتمال أن يكون المنديل للمُقرّ بأن يقول : غصبتُ ثوباً في منديلٍ لي ، ولو قال ذلك لم يكن غاصباً للمنديل ، ومع الإطلاق يكون محتملاً له ، فلم يكن مُقرّاً بغصبه ، كما لو قال : له عندي ثوب في منديلٍ ، وكما لو قال : غصبتُه دابّةً في اصطبلها.

مسألة ٩١٩ : لو قال : له عندي غمد فيه سيف ، أو : جرّة فيها زيت ،

____________________

(١) الأُم ٣ : ٢٤٠ ، و ٦ : ٢٢٣ ، مختصر المزني : ١١٢ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٥ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥١ ، بحر المذهب ٨ : ٢٤٤ ، الوسيط ٣ : ٣٣٧ - ٣٣٨ ، الوجيز ١ : ١٩٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٣ ، البيان ١٣ : ٤٣٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٥ - ٣١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٥ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦١٧ / ١٠٤٩ ، الذخيرة ٩ : ٢٧٩ ، المعونة ٢ : ١٢٥٢ ، المغني ٥ : ٣٠٠ - ٣٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٥٢.

(٢) الاختيار لتعليل المختار ٢ : ٢٠٨ ، بدائع الصنائع ٧ : ٢٢١ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ١٨٢ ، الحاوي الكبير ٧ : ٢٥ ، بحر المذهب ٨ : ٢٤٤ ، الوسيط ٣ : ٣٣٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٤ ، البيان ١٣ : ٤٣١ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٦ و ٣١٧ ، المغني ٥ : ٣٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٥٢ - ٣٥٣ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦١٧ / ١٠٤٩ ، الذخيرة ٩ : ٢٧٩.

٣٤٠