تذكرة الفقهاء الجزء ١٥

تذكرة الفقهاء11%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-319-436-1
الصفحات: 501

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 501 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 182470 / تحميل: 5896
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ١٥

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-٤٣٦-١
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

قاضي القضاة فجعلوا حاجتهم إليه وأطمعوه في الهدايا على أن يحتال على أبي جعفرعليه‌السلام في مسألة لا يدري كيف الجواب فيها عند المأمون إذا اجتمعوا للتزويج، فلما حضروا وحضر أبوجعفرعليه‌السلام قالوا: يا أمير المؤمنين هذا يحيى بن أكثم إن أذنت له يسأل أبا جعفر، فقال المأمون: يا يحيى سل أبا جعفر عن مسألة في الفقه لننظر كيف فقهه، فقال يحيى: يا أبا جعفر أصلحك الله ما تقول في محرم قتل صيدا؟ فقال أبوجعفرعليه‌السلام : قتله في حل أو حرم؟ عالما كان أو جاهلا؟ عمدا أو خطأ؟ عبدا أو حرا؟ صغيرا أو كبيرا؟ مبدئا أو معيدا؟ من ذوات الطير أو من غيرها؟ من صغار الصيد أو من كبارها؟ مصرا عليها أو نادما؟ بالليل في وكرها أو بالنهار عيانا؟ محرما للعمرة أو للحج؟ قال: فانقطع يحيى بن أكثم انقطاعا لم يخف على أهل المجلس وتحير الناس تعجبا من جوابه ونشط المأمون، فقال: يخطب أبوجعفر؟ فقال أبوجعفر: نعم يا أمير المؤمنين، ثم قال: الحمد لله إقرارا بنعمته ولا إله إلا الله إخلاصا لعظمته وصلى الله على محمد عند ذكره وقد كان من فضل الله على الانام أن أغناهم بالحلال عن الحرام، فقال جل ذكره: " وأنكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم " ثم إن محمد بن علي خطب أم الفضل بنت عبدالله وبذل لها من الصداق خمسمائة درهم، فقال: المأمون: قد زوجت فهل قبلت؟ فقال أبوجعفرعليه‌السلام : قد قبلت هذا لتزويج بهذا الصداق.

١٠١

ثم أولم المأمون وجاء الناس على مراتبهم في الخاص والعام، قال: فبينما نحن كذلك إذ سمعنا كلاما كأنه كلام الملاحين في مجاوباتهم فإذا بالخدم يجرون سفينة من فضة فيها نسائج من أبريسم مكان القلوس(١) مملوة غالية فخضبوا لحى أهل الخاص بها، ثم مدوا إلى دار العامة فطيبوهم.

فلما تفرقوا قال المأمون: يا أبا جعفر إن رأيت أن تبين لنا ما الذي يجب على كل صنف من هذه الاصناف التي ذكرت من قتل الصيد، فقال أبوجعفرعليه‌السلام : نعم يا أمير المؤمنين إن المحرم إذا قتل صيدا في الحل والصيد من ذوات الطير من كبارها فعليه شاة فإذا أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا وإذا قتل فرخا في الحل فعليه حمل قد فطم وليس عليه قيمته لانه ليس في الحرم فإذا قتله في الحرم فعليه الحمل وقيمته لانه في الحرم وإذا كان من الوحش فعليه في حمار الوحش بدنة وكذلك في النعامة، فإن لم يقدر فإطعام ستين مسكينا فإن لم يقدر فليصم ثمانية عشر يوما، وإن كانت بقرة فعليه بقرة، فإن لم يقدر فإطعام ثلاثين مسكينا، فإن لم يقدر فليصم تسعة أيام، وإن كان ظبيا فعليه شاة فإن لم يقدر فإطعام عشرة مساكين فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيام، فإن كان في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا هديا بالغ الكعبة حقا واجبا أن ينحره في حج إن كان بمنى حيث ينحر الناس وإن كان في عمرة ينحر بمكة ويتصدق بمثل ثمنه حتى يكون مضاعفا وكذلك إذا أصاب أرنبا فعليه شاة يتصدق وإذا قتل الحمامة تصدق بدرهم أو يشتري به طعاما لحمام الحرم، وفي الفرخ نصف درهم وفي البيضة ربع درهم وكل ما أتى به المحرم بجهالة أو خطاء فليس عليه شئ إلا الصيد فإن عليه فيه الفداء بجهالة كان أم بعلم، خطاء كان أو تعمدا، وكلما أتى به العبد فكفارته على صاحبه مثل ما يلزم صاحبه وكلما أتى به الصغير الذي ليس ببالغ فلا شئ عليه وإن كان ممن عاد فينتقم الله منه ليس عليه كفارة والنقمة في الآخرة فإن دل على الصيد وهو محرم فعليه الفداء والمصر عليه يلزمه بعد الفداء عقوبة في الآخرة والنادم عليه لا شئ عليه في الآخرة بعد الفداء فإذا أصاب الطير ليلا وفي وكره خطاء فلا شئ عليه إلا أن يتعمد فإذا تصيد بليل أو نهار فعليه الفداء بمنى(٢)

__________________

(١) القلس - بالفتح -: حبل ضخم للسفينة من خوص او غيره جمعه قلوس - بضم القاف -.

(٢) كذا في النسختين. وفى تفسير على بن ابراهيم بعد قوله "فعليه الفداء" "والمحرم للحج ينحر الفداء بمنى".

حيث ينحر الناس والمحرم للعمرة ينحر بمكة.

١٠٢

فأمر المأمون أن يكتب ذلك ثم دعا أهل بيته فقرأ عليهم ذلك وقال لهم: هل فيكم أحد يجيب بمثل هذا الجواب، قالوا: لا والله ولا القاضي، فقالوا: يا أمير المؤمنين صدقت كنت أعلم به منا، ثم قال: ويحكم إن أهل هذا البيت خلوا من هذا الخلق أو ما علمتم أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بايع الحسن والحسينعليهما‌السلام وهما صبيان غير بالغين ولم يبايع طفلا غيرهما، أو ما علمتم أن عليا آمن بالنبي وهو ابن عشر سنين(١) فقبل الله ورسوله منه إيمانه ولم يقبل من طفل غيره ولا دعا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طفلا غيره إلى الايمان أو ما علمتم أنها ذرية بعضها من بعض يجري لآخرهم ما يجري لاولهم، قال: ثم أمر المأمون أن ينثر على أبي جعفرعليه‌السلام ثلاثة أطباق بنادق زعفران ومسك معجون بماء الورد في جوفهما رقاع على طبق رقاع عمالات والثاني ضياع طعمة لمن أخذها والثالث فيه بدر(٢) ثم أمر أن يفرق طبق العمالات على بني هاشم خاصة والذي عليه ضياع طعمة على الوزراء والذي عليه البدر على القواد، وما زال مكرما لابي جعفرعليه‌السلام أيام حياته حتى كان يقدمه على ولده - تم الخبر -(٣) .

وروى عن علي بن محمد العسكري، عن أبيه، عن جده، عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لما اسربي إلى السماء الرابعة نظرت إلى قبة من لؤلؤ لها أربعة أركان وأربعة أبواب كلها من استبرق أخضر، قلت: يا جبرئيل ما هذه القبة التي لم أر في السماء الرابعة أحسن منها؟ فقال: حبيبي محمد هذه صورة مدينة يقال لها: قم يجتمع فيها عباد الله المؤمنون ينتظرون محمدا وشفاعته للقيامة والحساب يجري عليهم الغم والهم والاحزان و

__________________

(١) في بعض نسخ الحديث [ وهو ابن اثنى عشر سنة ] وفى بعضها [ وهو ابن تسع سنين ].

(٢) البدر - بكسر الباء وفتح الدال -: جمع بدرة وهى كيس يجعل فيه الدرهم والدينار.

(٣) رواه على بن ابراهيم القمى في تفسيره ص ١٦٩ ط ايران ١٣١٣ ورواه المؤلف في الارشاد في ذكر فضائل الجوادعليه‌السلام باب طرف الاخبار والطبرسى في الاحتجاج ص ٢٤٥ ط النجف والطبرى في دلائل الامامة ص ٢٠٦ والاربلى في كشف الغمة ص ٢٨٥. والمسعودى في اثبات الوصية ص ١٦٩ ط طهران ١٣٢٠ - وط النجف وط النجف ص ١٨٣ عن على بن ابراهيم عن ابيه عن ريان ابن شبيب خال المأمون.

١٠٣

المكاره، قال: فسألت علي بن محمد العسكريعليه‌السلام متى ينتظرون الفرج؟ قال: إذا ظهر الماء على وجه الارض(١) .

حديث محمد بن على بن موسى الرضاعليهم‌السلام وعمه عبدالله بن موسى علي بن إبراهيم بن هاشم قال: حدثني أبي قال: لما مات أبوالحسن الرضاعليه‌السلام حججنا فدخلنا على أبي جعفرعليه‌السلام وقد حضر خلق من الشيعة من كل بلد لينظروا إلى أبي جعفرعليه‌السلام فدخل عمه عبدالله بن موسى وكان شيخا كبيرا نبيلا عليه ثياب خشنة وبين عينيه سجادة فجلس، وخرج أبوجعفرعليه‌السلام من الحجرة وعليه قميص قصب ورداء قصب ونعل جدد بيضاء فقام عبدالله فاستقبله وقبل بين عينيه وقام الشيعة وقعد أبوجعفرعليه‌السلام على كرسي ونظر الناس بعضهم إلى بعض وقد تحيروا لصغر سنه فابتدر رجل من القوم فقال لعمه: أصلحك الله ما تقول في رجل أتى بهيمة؟ فقال: تقطع يمينه ويضرب الحد فغضب أبوجعفرعليه‌السلام ثم نظر إليه فقال: يا عم اتق الله اتق الله إنه لعظيم أن تقف يوم القيامة بين يدي الله عزوجل فيقول لك: لم أفتيت الناس بما لا تعلم، فقال له عمه: أستغفر الله يا سيدي أليس قال هذا أبوك صلوات الله عليه؟ فقال أبوجعفرعليه‌السلام : إنما سئل أبي عن رجل نبش قبر امرأة فنكحها، فقال أبي: تقطع يمينه للنبش ويضرب حد الزنا فإن حرمة الميتة كحرمة الحية، فقال: صدقت يا سيدي وأنا أستغفر الله، فتعجب الناس وقالوا: يا سيدنا أتأذن لنا ان نسألك؟ قال: نعم فسألوه في مجلس عن ثلاثين ألف مسألة(٢) فأجابهم فيها وله تسع سنين(٣) .

محمد بن الحسن، عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عمرو بن عثمان الخزاز

__________________

(١) رواه الحسن بن محمد بن الحسن القمى المتوفى سنة ٣٧٨ في تاريخ قم ص ٩٦ [ من ترجمته المطبوع ] عن أبى مقاتل سبل الديلمى نقيب الرى عن أبى الحسن على بن محمدعليهما‌السلام .ونقله المجلسى من الاختصاص في المجلد الرابع عشر من البحار ص ٣٣٧.

(٢) يستبعد أن يكون في وسع السائلين أن يسألوا عن ثلاثين ألف مسألة في مجلس واحد و إن كان الامامعليه‌السلام يقدر على جواب أزيد منها ومن المحتمل أن يكون لفظه " ألف " من زيادة النساخ.

(٣) رواه السيد المرتضى في عيون المعجزات والسروى في المناقب على ما في التنقيح.

ونقله المجلسى في البحار ج ١٢ ص ١٢٠.

١٠٤

عن الحسين بن خالد قال: سألت أبا الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام عن مهر السنة كيف صار خمسمائة درهم؟ فقال: إن الله تبارك وتعالى أوجب على نفسه أن لا يكبره مؤمن مائة تكبيرة ويسبحه مائة تسبيحة ويحمده مائة تحميدة ويهلله مائة تهليلة ويصلي على محمد وآل محمد مائة مرة ثم يقول: اللهم زوجني من حور العين إلا زوجه حوراء وجعل ذلك مهرها فمن ثم أوحى الله إلى نبيه أن سن مهر المؤمنات خمسمائة ففعل ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .(١) محمد بن عبدالله عن بعض أصحابه قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام : لم حرم الله الخمر والميتة والدم ولحم الخنزير؟ فقال: إن الله تبارك وتعالى لم يحرم ذلك على عباده وأحل لهم ما سواه من رغبة فيما حرم عليهم ولا رهبة فيما أحل لهم ولكنه خلق الخلق وعلم ما تقوم به أبدانهم وما يصلحهم فأحله لهم وأباحه لهم تفضلا منه عليهم لمصلحتهم وعلم ما يضرهم فنهاهم عنه و حرمه عليهم ثم أباحه للمضطر وأحله له في الوقت الذي لا يقوم بدنه إلا به فأمر أن ينال منه بقدر البلغة لا غير ذلك(٢) .

ثم قال: أما الميتة فإنها لا يدنوا منها أحد ولا يأكل إلا ضعف بدنه ونحل جسمه وذهبت قوته(٣) وانقطع نسله ولا يموت إلا فجأة، وأما الدم فإنه يورث أكله الاصفر(٤) ويبخر الفم وينتن الريح ويسيئ الخلق ويورث الكلب(٥) والقسوة للقلب وقلة الرأفة والرحمة حتى لا يؤمن أن يقتل ولده ووالديه ولا يؤمن على حميمه وعلى من صحبه.

وأما لحم الخنزير فإن الله مسخ قوما في صورة شئ شبه الخنزير والقرد والدب وكان من الامساخ ثم نهى عن أكل مثله لكي لا ينتفع بها ولا يستخف بعقوبته.

__________________

(١) رواه الكلينى في الكافى المجلد الخامس ص ٣٧٦.وفيه عن عمرو بن عثمان الخزاز عن رجل عن الحسين بن خالد.ورواه الصدوق في العلل ص ١٧٠ وفيه على ابراهيم عن ابيه عن على بن معبد عن الحسين بن خالد ورواه ايضا في العيون في باب علل الاشياء.

(٢) البلغة - بالضم -: ما تبلغ به من العيش. (النهاية)

(٣) في بعض النسخ [ وأوهنت قوته ].

(٤) ولعل المراد بالماء الاصفر الاستسقاء.

(٥) الكلب - بالتحريك -: داء يعرض الانسان شبه الجنون. (النهاية)

١٠٥

وأما الخمر فإنه حرمها لفعلها وفسادها وقال: إن مدمن الخمر كعابد وثن ويورثه الارتعاش ويذهب بقوته ويهدم مروء‌ته ويحمله على أن يجسر على المحارم من سفك الدماء و ركوب الزنا ولا يؤمن إذا سكر ان يثب على حرمه(١) .

محمد بن الحسين أحمد بن الوليد، عن الحسن بن متيل، عن إبراهيم بن إسحاق النهاوندي، عن محمد بن سليمان الديلمي، عن أبي سليم الديلمي، عن أبي بصير(٢) قال: أتيت أبا عبداللهعليه‌السلام بعد أن كبرت سني وقد أجهدني النفس فقال: يا أبا محمد ما هذا النفس؟ فقلت له: جعلت فداك كبر سني ورق عظمي واقترب أجلي مع أني لست أدري ما أصير إليه في آخرتي، فقال: يا أبا محمد إنك لتقول هذا القول؟ فقلت: جعلت فداك كيف لا أقوله؟ فقال: أما علمت أن الله تبارك وتعالى يكرم الشباب منكم ويستحيي من الكهول؟ قلت: جعلت فداك كيف يكرم الشباب منا ويستحيى من الكهول؟ قال: يكرم الشباب منكم أن يعذبهم ويستحيي من الكهول أن يحاسبهم، فهل سررتك؟ قال قلت: جعلت فداك زدني فإنا قد نبزنا نبزا(٣) انكسرت له ظهورنا وماتت له أفئدتنا واستحلت به الولاة دماء‌نا في حديث رواه فقهاؤهم هؤلاء، قال: فقال: الرافضة؟ قلت: نعم، قال: لا والله ما هم سموكم بل الله سماكم، أما علمت أنه كان مع فرعون سبعون رجلا من بني إسرائيل يدينون بدينه فلما استبان لهم ضلال فرعون وهدى موسى رفضوا فرعون ولحقوا بموسى فكانوا في عسكر موسى أشد أهل ذلك العسكر عبادة وأشدهم اجتهادا إلا أنهم رفضوا فرعون فأوحى الله إلى موسى أن أثبت لهم هذا الاسم في التوراة فإني قد نحلتهم ثم ذخر الله هذا الاسم حتى

__________________

(١) رواه الكلينى في الكافى كتاب الاطعمة الحديث الاول.ورواه الصدوق في العلل ص ١٦٥. وفى الامالى في المجلس الخامس والتسعين.ورواه العياشى في تفسيره على ما في ج ١ ص ٤٣٤ من تفسير البرهان ج ١٤ ص ٧٧٢ من البحار.وقوله " يثب على حرمه " الوثوب كناية عن الجماع. وزاد في جميع نسخ الحديث بعد قوله: " على حرمه " " وهو لا يعقل ذلك والخمر لا يزداد صاحبها الا كل شر ".

(٢) هو أبومحمد يحيى بن القاسم الاسدى الكوفى من أصحاب الصادق والكاظمعليهما‌السلام تابعى مات سنة خمسين ومائة بعد أبى عبداللهعليه‌السلام . وقد يطلق على ليث بن البخترى والظاهر المراد ههنا الاول.

(٣) النبز: اللمز بما يقبح ومنه قوله تعالى: " لا تنابزو بالالقاب ". - وبالتحريك -: اللقب

١٠٦

سماكم به إذ رفضتم فرعون وهامان وجنودهما واتبعتم محمدا وآل محمد يا أبا محمد فهل سررتك؟ قال: قلت جعلت فداك زدني، قال: افترق الناس كل فرقة واستشيعوا كل شيعة فاستشيعتم مع أهل بيت نبيكم فذهبتم حيث ذهب الله واخترتم ما اختار الله وأحببتم من أحب الله وأردتم من أراد الله فأبشروا ثم ابشروا فأنتم والله المرحومون المتقبل من محسنكم و المتجاوز عن مسيئكم من لم يلق الله بمثل ما أنتم عليه لم يتقبل [ الله ] منه حسنة ولم يتجاوز عنه سيئة، فهل سررتك يا أبا محمد؟ قال؟ قلت: جعلت فداك زدني، فقال: إن الله وملائكته يسقطون الذنوب عن ظهور شيعتنا كما يسقط الريح الورق عن الشجر في أوان سقوطه وذلك قول الله تعالى:( والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الارض (١) ) فاستغفارهم والله لكم دون هذا العالم، فهل سررتك يا أبا محمد؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني، فقال: لقد ذكركم الله في كتابه فقال:( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا (٢) ) والله ما عنى غيركم إذ وفيتم فيما أخذ عليكم ميثاقكم من ولايتنا وإذ لم تبدلوا بنا غيرنا ولو فعلتم لعيركم الله كما عير غيركم في كتابه إذ يقول:( وما وجدنا لاكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين (٣) ) ، فهل سررتك يا أبا محمد؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني، قال: لقد ذكركم الله في كتابه فقال:( الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين (٤) ) فالخلق والله غدا أعداء غيرنا وشيعتنا، وما عنى بالمتقين غيرنا وغير شيعتنا، فهل سررتك يا أبا محمد؟.

__________________

(١) الشورى: ٣ أى ينزهونه تعالى عما لا يجوز عليه من الصفات متلبسا بحمد ربهم.

(٢) الاحزاب: ٢٣. والنحب: الموت والنذر. و " قضى نحبه " أى أدرك ما تمنى من الموت أو القتل فذلك قضاء النحب.

(٣) الاعراف: ١٠٢. " ان وجدتا " " إن " مخففة من المثقلة واللام للفارقة أى علمنا وعند الكوفيين " ان " للنفى واللام بمعنى الا.

(٤) الزخرف: ٦٧.

١٠٧

قال: قلت: جعلت فداك زدني، فقال: لقد ذكركم الله في كتابه فقال:( ومن يطع الله والرسول فاولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا ) (١) فمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم النبيين ونحن الصديقون والشهداء وأنتم الصالحون، فتسموا بالصلاح كما سماكم الله فوالله ما عنى غيركم، فهل سررتك يا أبا محمد؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني، فقال: لقد جمعنا الله وولينا وعدونا في آية من كتابه فقال: قل يا محمد:( هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر اولوا الالباب (٢) ) فهل سررتك يا أبا محمد؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني، قال: فقال: لقد ذكركم الله في كتابه فقال:( وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الاشرار (٣) ) فأنتم في النار تطلبون وفي الجنة والله تحبرون(٤) فهل سررتك يا أبا محمد؟.

قال: قلت: جعلت فداك زدني، قال: فقال: لقد ذكركم الله في كتابه فأعاذكم من الشيطان فقال:( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ) (٥) والله ما عنى غيرنا وغير شيعتنا فهل سررتك يا أبا محمد؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني، قال: والله لقد ذكركم الله في كتابه فأوجب لكم المغفرة فقال:( يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا (٦) ) قال: قلت: جعلت فداك ليس هكذا نقرؤه إنما نقرء " يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا(٧) " قال: يا أبا محمد فإذا

__________________

(١) النساء: ٧١، وقوله تعالى " رفيقا " تميز ولذلك لم يجمع.قوله " فمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم النبيين " كذا في نسخة من النسختين وفى الاخرى " فمحمد وأهل بيتهعليهم‌السلام في هذا الموضع النبيين " وعلى كلتا النسختين " النبيين " كان على سبيل الحكاية.

(٢) الزمر: ٩. وروى البرقى في المحاسن في حديث قالعليه‌السلام : " نحن الذين يعلمون وعدونا الذين لا يعلمون وشيعتنا اولوا الالباب ".

(٣) ص: ٦٢.

(٤) أى تكرمون وتتنعمون وتسرون.

(٥) الحجر: ٤٢. والاسراء ٦٥.

(٦) الزمر: ٥٣.

(٧) هكذا في النسختين وليست هذه الزيادة في منقوله في البحار ولا في روضة الكافى وعلى فرضه لعل المراد انا فهمنا من الاية أن الله يغفر ذنوب الجميع فاجابعليه‌السلام أنه اذا غفر الله ذنوب جميع الخلق فمن يعذب بعدئذ. والعلم عند الله

١٠٨

غفر الله الذنوب جميعا فمن يعذب، والله ما عنى غيرنا وغير شيعتنا، وإنها لخاصة لنا ولكم فهل سررتك يا أبا محمد؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني، قال: والله ما استثنى الله أحدامن الاوصياء ولا أتباعهم ما خلا أمير المؤمنينعليه‌السلام وشيعته إذ يقول:( يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون * إلا من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم (١) ) والله ما عنى بالرحمة غير أمير المؤمنينعليه‌السلام وشيعته، فهل سررتك يا أبا محمد؟ قال: قلت: جعلت فداك زدني، قال: قال علي بن الحسينعليهما‌السلام ليس على فطرة الاسلام غيرنا وغير شيعتنا وسائر الناس من ذلك براء فهل شفيتك يا أبا محمد(٢) .

أبوأحمد، عن رجل، عن أبي عبدالله أو أبي جعفرعليهما‌السلام قال: اجتمع رجلان يتغديان مع أحد ثلاثة أرغفة ومع واحد خمسة أرغفة قال: فمر بهما رجل فقال: السلام عليكما فقالا: وعليك السلام الغداء رحمك الله، فقال: فقعد وأكل معهما فلما فرغ قام فطرح إليهما ثمانية دراهم، فقال: هذه عوض لكما بما أكلت من طعامكما قال: فتنازعا بها فقال صاحب الثلاثة: النصف لي والنصف لك وقال صاحب الخمسة: لي خمسة بقدر خمستي ولك ثلاثة بقدر ثلاثتك، فأبيا وتنازعا حتى ارتفعا إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام فاقتصا عليه القصة فقال: إن هذا الامر الذي أنتما فيه دني ولا ينبغي أن ترفعا فيه إلى حكم، ثم أقبل عليعليه‌السلام إلى صاحب الثلاثة فقال: أرى أن صاحبك قد عرض عليك أن يعطيك ثلاثة وخبزه أكثر من خبزك فارض به، فقال: لا والله يا أمير المؤمنين لا أرضي إلا بمر الحق، قال: فإنما لك في مر الحق درهم فخذ درهما وأعطه سبعة، فقال: سبحان الله يا أمير المؤمنين عرض علي ثلاثة فأبيت وآخذ واحدا؟ ! قال: عرض ثلاثة للصلح فحلفت أن لا ترضى إلا بمر الحق وإنما لك بمر الحق درهم، قال: فأوقفني على هذا، قال: أليس تعلم أن ثلاثتك تسعة أثلاث؟ قال: بلى، قال: أوليس تعلم أن خمسته خمسة عشر ثلثا؟ قال: بلى

__________________

(١) الدخان: ٤٢ و ٤٣.

(٢) رواه الكلينى في روضة الكافى ص ٣٣. ونقله المجلسى من الاختصاص في المجلد الحاديعشر ص ٢٢٣. وقوله: " براء " - ككرام - وفى بعض النسخ [ برآء ] - كفقهاء - وكلاهما جمع برئ.

١٠٩

قال: فذلك أربعة وعشرون ثلثا، أكلت أنت ثمانية وأكل الضيف ثمانية وأكل هو ثمانية فبقي من تسعتك واحد أكله الضيف وبقي من خمسة عشره سبعة أكلها الضيف فله بسبعته سبعة ولك بواحدك الذي أكله الضيف واحد(١) .

حديث أمير المؤمنينعليه‌السلام مع ابليس

القاسم بن محمد الهمداني قال: حدثني أبوإسحاق إبراهيم بن محمد بن [ أحمد بن ] إبراهيم الكوفي قال: حدثنا أبوالحسين يحيى بن محمد الفارسي، عن أبيه، عن أبي عبدالله، عن أبيهعليهما‌السلام عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال: خرجت ذات يوم إلى ظهر الكوفة وبين يدي قنبر فقلت له: يا قنبر ترى ما أرى؟ فقال ضوء الله عزوجل لك يا أمير المؤمنين عما عمى عنه بصري، فقلت: يا أصحابنا ترون ما أرى؟ فقالوا: لا قد ضوء الله لك يا أمير المؤمنين عما عمى عنه أبصارنا، فقلت: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لترونه كما أراه و لتسمعن كلامه كما أسمع فما لبثنا أن طلع شيخ عظيم الهامة، مديد القامة، له عينان بالطول فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته فقلت: من أين أقبلت يا لعين؟ قال: من الانام فقلت: وأين تريد؟ قال: الانام، فقلت: بئس الشيخ أنت، فقال: لم تقول هذا يا أمير المؤمنين؟ فوالله لاحدثنك بحديث عني عن الله عزوجل ما بيننا ثالث، فقلت: يا لعين عنك عن الله عزوجل ما بينكما ثالث؟ قال: نعم إنه لما هبطت بخطيئتي إلى السماء الرابعة ناديت إلهي وسيدي ما أحسبك خلقت خلقا هو أشقى مني؟ فأوحى الله تبارك وتعالى: بلى قد خلقت من هو أشقى منك فانطلق إلى مالك يريكه، فانطلقت إلى مالك فقلت: السلام يقرء عليك السلام ويقول: أرني من هو أشقى مني فانطلق بي مالك إلى النار فرفع الطبق الاعلى فخرجت نار سوداء ظننت أنها قد أكلتني وأكلت مالكا فقال لها: اهدئي فهدأت ثم انطلق بي إلى الطبق الثاني فخرجت نار هي أشد من تلك سوادا وأشد حمى فقال لها: أخمدي فخمدت إلى أن انطلق بي إلى

__________________

(١) رواه الكلينى في باب النوادر من كتاب القضايا من الكافى الحديث العاشر. ورواه المؤلف أيضا في الارشاد فصل قضايا علىعليه‌السلام . ونقله المجلسى في البحار ج ٢٤ ص ١٥ من الاختصاص.

١١٠

الطبق السابع وكل نار تخرج من طبق هي أشد من الاولى فخرجت نار ظننت أنها قد أكلتني وأكلت مالكا وجميع ما خلقه الله عزوجل فوضعت يدي على عيني وقلت: مرها يا مالك أن تخمد وإلا خمدت، فقال: إنك لن تخمد إلى الوقت المعلوم فأمرها فخمدت فرأيت رجلين في أعناقهما سلاسل النيران معلقين بها إلى فوق وعلى رؤوسهما قوم معهم مقامع النيران يقمعونهما بها، فقلت: يا مالك من هذان؟ فقال: أوما قرأت على ساق العرش و كنت قبل قد قرأته قبل أن يخلق الله الدنيا بألفي عام لا إله إلا الله محمد رسول الله أيدته ونصرته بعلي، فقال: هذان من أعداء اولئك أو ظالميهم - الوهم من صاحب الحديث.(١)

باب القياس

المعلى بن محمد [ بن جعفر ]، عن بعض أصحابنا يرفعه إلى أبي عبداللهعليه‌السلام قال: إن أول من قاس إبليس فقال: خلقتني من نار وخلقته من طين ولو علم إبليس ما جعل الله في آدم لم يفتخر عليه.

ثم قال: إن الله عزوجل خلق الملائكة من النور وخلق الجان من النار وخلق الجن - صنفا من الجان - من الريح وخلق صنفا من الجن من الماء وخلق آدم من صفحة الطين ثم أجرى في آدم النور والنار والريح والماء فبالنور أبصر وعقل وفهم وبالنار أكل وشرب ولولا أن النار في المعدة لم تطحن المعدة الطعام ولولا أن الريح في جوف ابن آدم يلهب نار المعدة لم يلتهب، ولولا أن الماء في جوف ابن آدم يطفئ حر نار المعدة لاحرقت النار جوف ابن آدم، فجمع الله ذلك في آدم الخمس الخصال و كانت في إبليس خصلة فافتخر بها على آدمعليه‌السلام (٢) .

مناظرة مؤمن الطاق مع أبى حنيفة في الطلاق

يعقوب بن يزيد البغدادي، عن محمد بن أبي عمير قال: قال أبوحنيفة لابي جعفر مؤمن الطاق: ما تقول في الطلاق الثلاث؟ قال: أعلى خلاف الكتاب والسنة؟ قال: نعم، قال أبوجعفر: لا يجوز ذلك، قال أبوحنيفة: ولم لا يجوز ذلك؟ قال: لان التزويج عقد بالطاعة ولا يحل بالمعصية، وإذا لم يجز

__________________

(١) نقله المجلسى من الكتاب في البحار ص ٣٨٨ من المجلد التاسع.

(٢) نقله المجلسى في البحار ج ١٤ ص ٤٧٧ من الاختصاص.

١١١

التزويج بجهة المعصية لم يجز الطلاق بجهة المعصية وفى إجازة ذلك طعن على الله عزوجل فيما أمر به وعلى رسوله فيما سن، لانه إذا كان العمل بخلافهما فلا معنى لهما وفي قولنا من شذ عنهما رد إليهما وهو صاغر.

قال أبوحنيفة: قد جوز العلماء ذلك، قال أبوجعفر: بئس العلماء الذين جوزوا للعبد العمل بالمعصية و استعمال سنة الشيطان في دين الله ولا عالم أكبر من الكتاب والسنة، فلم تجوزون للعبد الجمع بين ما فرق الله من الطلاق الثلاث في وقت واحد ولا تجوزون له الجمع بين ما فرق الله من الصلوات الخمس؟ وفي تجويز ذلك تعطيل الكتاب وهدم السنة، وقد قال الله عز وجل:( ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ) (١) المتعدي لحدود الله بإفراقه.

ما تقول يا أبا حنيفة في رجل طلق امرأته على سنة الشيطان، أيجوز له ذلك الطلاق؟ قال أبوحنيفة: خالف السنة وبانت منه امرأته وعصى ربه، قال أبوجعفر: فهو كما قلنا إذا خالف سنة الله عمل بسنة الشيطان ومن أمضى سنته فهو على ملته ليس له في دين الله نصيب، قال أبوحنيفة: هذا عمر بن الخطاب وهو من أفضل أئمة المسلمين، قال: إن الله جل ثناؤه جعل لكم في الطلاق أناة فاستعجلتموه وأجزنا لكم ما استعجلتموه.(٢) قال أبوجعفر: إن عمر كان لا يعرف أحكام الدين، قال أبوحنيفة: وكيف ذلك؟ قال أبوجعفر: ما أقول فيه ما تنكره، أما أول ذلك فإنه قال: لا يصلي الجنب حتى يجد الماء ولو سنة والامة على خلاف ذلك.

وأتاه أبوكيف العائذي(٣) فقال: يا أمير المؤمنين إني غبت فقدمت وقد تزوجت امرأتي؟ فقال: إن كان قد دخل بها فهو أحق بها وإن لم يكن دخل بها فأنت أولى بها وهذا حكم لا يعرف، والامة على خلافه.

وقضى في رجل غاب عن أهله أربع سنين أنها تتزوج إن شاء‌ت والامة على خلاف ذلك، إنها لا تتزوج أبدا حتى تقوم البينة أنه مات أو كفر أو طلقها.

__________________

(١) الطلاق: ٢.

(٢) نقله الحجة الامينى في الغدير المجلد السادس ص ١٧٨ الطبع الثانى من مسند أحمد ج ١ ص ٣١٤ وصحيح مسلم ج ١ ص ٥٧٤ وسنن البيهقي ج ٧ ص ٣٣٦ ومستدرك الحاكم ج ٢ ص ١٩٦.وتفسير القرطبى ج ٣ ص ١٣٠.

(٣) في بعض النسخ [ ابوكيف العابدى ].

١١٢

وإنه قتل سبعة نفر من أهل اليمن برجل واحد، وقال: لولا ما عليه أهل صنعاء لقتلتهم به.

والامة على خلافه.

واتي بامرأة حبلى شهدوا عليها بالفاحشة فأمر برجمها، فقال له عليعليه‌السلام : إن كان لك السبيل عليها فما سبيلك على ما في بطنها، فقال: لولا علي لهلك عمر.

واتي بمجنونة وقد زنت فأمر برجمها، فقال له عليعليه‌السلام : أما علمت أن القلم قد رفع عنها حتى تصح، فقال: لولا علي لهلك عمر.

وإنه لم يدر الكلالة فسأل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبره بها فلم يفهم عنه فسأله ابنته حفصة أن تسأل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الكلالة فسألته، فقال لها: أبوك أمرك بهذا؟ قالت: نعم، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لها: إن أباك لا يفهمها حتى يموت، فمن لم يعرف الكلالة كيف يعرف أحكام الدين(١) .

جزء فيه اخبار من روايات اصحابنا وغيرهم

روي عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما من أهل بيت يدخل واحد منهم الجنة إلا دخلوا أجمعين الجنة قيل: وكيف ذلك؟ قال: يشفع فيهم فيشفع حتى يبقى الخادم فيقول يا رب خويدمتي قد كانت تقيني الحر والقر فيشفع فيها.(٢) وروي(٣) ما من أهل بيت إلا وفيهم نجيب وأنجب النجباء من أهل بيت النبوة.

وروي أن للمنافق أربع علامات: قساوة القلب، وجمود العين، والاصرار على الذنب، والحرص على الدنيا.(٤) حدثني سهل بن زياد الادمي قال: حدثني عروة بن يحيى، عن أبي سعيد المدائني قال: قلت لابي عبداللهعليه‌السلام : ما معنى قول الله عزوجل في محكم كتابه:( وما كنت بجانب

__________________

(١) نقله المجلسى من الكتاب في البحار المجلد الرابع ص ١٤٤.

(٢) رواه العياشى في تفسيره ونقل منه المجلسى في المجلد الثالث من البحار ص ٣٠٧. و أيضا في ص ٣٠٥ من الاختصاص. والقر: البرد.

(٣) أى عن الصادقعليه‌السلام .

(٤) نقله المجلسى في البحار الجزء الثالث من المجلد الخامس عشر ص ٢٣. وروى الصدوق في الخصال أبواب الاربعة من علامات الشقاء جمود العين. الحديث.

١١٣

الطور إذ نادينا ) (١) فقال:عليه‌السلام كتابا لنا كتبه الله يا أبا سعيد في ورق قبل أن يخلق الخلائق بألفي عام صيره معه في عرشه أو تحت عرشه فيه يا شيعة آل محمد أعطيتكم قبل أن تسألوني، وغفرت لكم قبل أن تستغفروني، من أتاني منكم بولاية آل محمد أسكنته جنتي برحمتي.(٢) حدثني محمد بن جعفر بن أبي شاكر، عمن حدثه، عن بعض الرجال، عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: جزى الله المعروف إذا لم يكن يبدأ عن مسألة فأما إذا أتاك أخوك في حاجة كاد يرى دمه في وجهه مخاطرا لا يدري أتعطيه أم تمنعه، فوالله ثم والله لو خرجت له من جميع ما تملكته ما كافيته.(٣) بسم الله الرحمن الرحيم حدثني أبوبكر محمد بن إبراهيم العلاف الهمداني بهمدان قال: حدثنا عبدالله بن محمد بن جعفر بن موسى بن شاذان البزاز قال: حدثنا أبوعبدالله الحسين بن محمد بن سعيد البزاز المعروف بابن المطبقي، وجعفر الدقاق قالا: حدثنا أبوالحسن محمد بن الفيض بن فياض الدمشقي بدمشق قال: حدثنا إبراهيم بن عبدالله ابن أخي عبد الرزاق قال: حدثنا عبدالرزاق بن همام الصنعاني قال: حدثنا معمر بن راشد قال: حدثنا محمد بن المنكدر، عن أبيه، عن جده قال: لما قدم السيد والعاقب اسقفا نجران في سبعين راكبا وافدا على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كنت معهم فبينا كرز يسير - وكرز صاحب نفقاتهم - إذ عثرت بغلته فقال: تعس من نأتيه الابعد يعني النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤) فقال له صاحبه وهو العاقب: بل تعست وانتكست(٥)

__________________

(١) القصص: ٤٦.

(٢) نقله المجلسى من الكتاب في البحار الجزء الاول ص ١١٩ من المجلد الخامس عشر.

(٣) روى نحوه الكلينى في الكافى ج ٤ ص ٢٣.

(٤) التعس: الهلاك والعثار والسقوط والشر والانحطاط. والفعل كمنع وسمع. فاذا خاطبت قلت: تعست - كمنعت - واذا حكيت قلت: تعس - كسمع -. وفى بعض نسخ الحديث [ فقال كرز: تعس الابعد يعنى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ] والابعد: الخائن والمتباعد من الخير.

(٥) انتكس فلان أى وقع على رأسه.

١١٤

فقال: ولم ذلك؟ قال: لانك أتعست النبي الامي أحمد، قال: وما علمك بذلك؟ قال: أما تقرأ من المفتاح الرابع(١) من الوحي إلى المسيح أن قل لبني إسرائيل: ما أجهلكم تتطيبون بالطيب لتطيبوا به في الدنيا عند أهلها وأهلكم وأجوافكم عندي كالجيفة المنتنة يا بني إسرائيل آمنوا برسولي النبي الامي الذي يكون في آخر الزمان صاحب الوجه الاقمر والجمل الاحمر المشرب بالنور، ذي الجناب الحسن والثياب الخشن، سيد الماضين عندي وأكرم الباقين علي، المستن بسنتي، والصائر في دارجتي، والمجاهد بيده المشركين من أجلي، فبشر به بني إسرائيل ومر بني إسرائيل أن يعزروه وأن ينصروه، قال عيسى صلى الله عليه: قدوس قدوس، من هذا العبد الصالح الذي قد أحبه قلبي ولم تره عيني؟ قال: هو منك وأنت منه وهو صهرك على امك، قليل الاولاد، كثير الازواج، يسكن مكة من موضع أساس وطى إبراهيم، نسله من مباركة وهي ضرة امك في الجنة، له شأن من الشأن، تنام عيناه ولا ينام قلبه، يأكل الهدية ولا يقبل الصدقة، له حوض من شفير زمزم إلى مغيب الشمس(٢) حيث يغرب، فيه شرابان من الرحيق والتسنيم،(٣) فيه أكاويب عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا وذلك بتفضيلي إياه على سائر المرسلين، يوافق قوله فعله وسريرته علانيته، فطوبى له وطوبى لامته، الذين على ملته يحيون وعلى سنته يموتون ومع أهل بيته يميلون، آمنين مؤمنين مطمئنين مباركين ويظهر في زمن قحط وجدب فيدعوني، فترخى السماء عزاليها(٤) حتى يرى أثر بركاتها في أكنافها، وابارك فيما يضع فيه يده، قال: إلهي سمه، قال: نعم هو أحمد وهو محمد رسولي إلى الخلق كافة، وأقربهم مني منزلة وأحضرهم عندي شفاعة، لا يأمر إلا بما احب وينهى لما أكره.

__________________

(١) في بعض النسخ [ من المصباح الرابع ].

(٢) في بعض النسخ [ مغرب الشمس ].

(٣) التسنيم هو عين في الجنة وهو اشرف شراب في الجنة.

(٤) الجدب - كالقتل - مصدر: ضد الخصب. وأصابهم الجدب أى الفقر والقحط. " فترخى السماء عزاليها " اشارة إلى شدة وقع المطر. والعزالى جمع عزلاء وهى مصب الماء من القربة ونحوها.

١١٥

قال له صاحبه: فأنى تقدم بنا على من هذه صفته(١) ؟ قال: نشهد أحواله وننظر آياته فإن يكن هو هو ساعدناه بالمسالمة ونكفه بأموالنا عن أهل ديننا من حيث لا يشعر بنا وإن يكن كاذبا كفيناه بكذبه على الله عزوجل، قال: ولم إذا رأيت العلامة لا تتبعه؟ قال: أما رأيت ما فعل بنا هؤلآء القوم أكرمونا، ومولونا ونصبوا لنا الكنائس وأعلوا فيه ذكرنا، فكيف تطيب النفس بالدخول في دين يستوي فيه الشريف والوصيع، فلما قدموا المدينة قال من رآهم من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما رأينا وفدا من وفود العرب كانوا أجمل منهم، لهم شعور وعليهم ثياب الحبر، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متناء عن المسجد فحضرت صلاتهم فقاموا فصلوا في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تلقاء المشرق فهم بهم رجال من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمنعهم، فأقبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: دعوهم فلما قضوا صلاتهم جلسوا إليه وناظروه، فقالوا: يا أبا القاسم حاجنا في عيسى، قال: هو عبدالله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، فقال أحدهما: بل هو ولده وثاني اثنين وقال آخر: بل هو ثالث ثلاثة: أب وابن وروح القدس وقد سمعناه في قرآن نزل عليك يقول: فعلنا وجعلنا وخلقنا ولو كان واحدا لقال: خلقت وجعلت وفعلت فتغشى النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الوحي فنزل عليه صدر سورة آل عمران إلى قوله رأس الستين منها " فمن حاجك فيه من بعد ما جاء‌ك من العلم فقل تعالوا ندع أبناء‌نا وأبناء‌كم ونساء‌نا ونساء‌كم وأنفسنا وأنفسكم - إلى آخر الآية - " فقص عليهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القصة وتلا عليهم القرآن فقال بعضهم لبعض: قد والله أتاكم بالفصل من خبر صاحبكم.

فقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله عزوجل قد أمرني بمباهلتكم، فقالوا: إذا كان غدا باهلناك فقال القوم بعضهم لبعض: حتى ننظر بما يباهلنا غدا بكثرة أتباعه من أوباش الناس أم بأهله من أهل الصفوة والطهارة(٢) ؟ فإنهم وشيج الانبياء وموضع نهلهم(٣) فلما كان

__________________

(١) في بعض النسخ [ فأين تعدينا على من هذه صفته ].

(٢) في بعض النسخ [ أم بالقلة من أهل الصفوة والطهارة ].

(٣) الوشيج هو ما التف من الشجر والوشيجة: عرق الشجرة وليف يفتل ثم يشد به ما يحمل والوشيج جمع وشيجة ووشجت العروق والاغصان: اشتبكت وفى القاموس الوشيج: اشتباك القرابة والواشجة: الرحم المشتبكة.

١١٦

من غد غدا النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيمينه علي وبيساره الحسن والحسينعليهما‌السلام ومن ورائهم فاطمة صلى الله عليها، عليهم النمار النجرانية(١) وعلى كتف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كساء قطواني رقيق خشن ليس بكثيف ولا لين،(٢) فأمر بشجرتين فكسح ما بينهما(٣) ونشر الكساء عليهما وأدخلهم تحت الكساء وأدخل منكبه الايسر معهم تحت الكساء، معتمدا على قوسه النبع(٤) ورفع يده اليمنى إلى السماء للمباهلة واشرأب الناس ينظرون واصفر لون السيد والعاقب وكرا حتى كاد أن يطيش عقولهما، فقال أحدهما لصاحبه: أنباهله؟ قال: أوما علمت أنه ما باهل قوم قط نبيا فنشأ صغيرهم [ أ ] وبقي كبيرهم ولكن أره أنك غير مكترث وأعطه من المال والسلاح ما أراد، فإن الرجل محارب وقل له: أبهؤلاء تباهلنا لئلا يرى أنه قد تقدمت معرفتنا بفضله وفضل أهل بيته، فلما رفع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يده إلى السماء للمباهلة قال: أحدهما لصاحبه: وأي رهبانية؟ ! دارك الرجل، فإنه إن فاه ببهلة لم نرجع إلى أهل ولا مال، فقالا: يا أبا القاسم أبهؤلاء تباهلنا؟ قال: نعم، هؤلاء أوجه من على وجه الارض بعدي إلى الله عزوجل وجهة وأقربهم إليه وسيلة، قال: فبصبصا(٥) يعني ارتعدوا وكرا وقالا له: يا أبا القاسم نعطيك ألف سيف وألف درع وألف حجفة وألف دينار كل عام على أن الدرع والسيف والحجفة عندك إعارة حتى يأتي من وراء‌نا من قومنا فنعلمهم بالذي رأينا و شاهدنا فيكون الامر على ملاء منهم فإما الاسلام وإما الجزية وإما المقاطعة في كل عام، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قد قبلت ذلك منكما أما والذي بعثني بالكرامة لو باهلتموني بمن تحت الكساء لاضرم الله عزوجل عليكم الوادي نارا تأجج حتى يساقها إلى من وراء‌كم في أسرع من طرفة العين فأحرقتم تأججا، فهبط عليه جبرئيل الروح الامينعليه‌السلام فقال:

يا محمد الله يقرئك السلام ويقول لك: وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لو باهلت بمن تحت الكساء أهل السماوات وأهل الارض لساقطت السماء كسفا متهافتة ولتقطعت الارضون زبرا سائحة فلم

__________________

(١) النمرة - كفرحة -: الحبرة، وشملة فيها خطوط بيض وسود. (القاموس).

(٢) القطوان - بالتحريك وآخره نون موضع بالكوفة منه الاكسية. وفى بعض النسخ [ قرطف ] وفى القاموس القرطف - كجعفر -: القطيفة. وفى بعضها [ قرطق ] بالقافين وفى القاموس: القرطق - كجندب -: ليس معروف، معرب كرته.

(٣) كسح البيت: كنسه والشئ قطعه وأذهبه.

(٤) النبع - بتقديم النون على الباء الموحدة -: شجر للقسى وللسهام. (القاموس)

(٥) في اللغة: بصبص الكلب أى أدخل ذنبه بين رجليه، وبصبص فلان: تملق.

١١٧

تستقر عليها بعد ذلك، فرفع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يديه حتى رئي بياض إبطيه، ثم قال: وعلى من ظلمكم حقكم وبخسني الاجر الذي افترضه الله فيكم عليهم بهلة الله تتابع إلى يوم القيامة(١) .

حدثني محمد بن علي بن شاذان وقال: حدثنا أحمد بن يحيى النحوي أبوالعباس ثعلب قال: حدثنا أحمد بن سهل أبوعبدالرحمن قال: حدثنا يحيى بن محمد بن إسحاق بن موسى قال: حدثنا أحمد بن قتيبة أبوبكر، عن عبدالحكم القتيبي، عن أبي كيسة ويزيد بن رومان قالا: لما اجتمعت عائشة على الخروج إلى البصرة أتت ام سلمة رضي الله عنها وكانت بمكة فقالت: يا بنت أبي امية كنت كبيرة امهات المؤمنين وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقمؤ(٢) في بيتك، وكان يقسم لنا في بيتك، وكان ينزل الوحي في بيتك، قالت لها: يا بنت أبي بكر لقد زرتني وما كنت زوارة ولامر ما تقولين هذه المقالة؟ قالت: إن ابني وابن أخي أخبراني أن الرجل(٣) قتل مظلوما وأن بالبصرة مائة ألف سيف يطاعون، فهل لك أن أخرج أنا وأنت لعل الله أن يصلح بين فئتين مشاجرتين؟ فقالت: يا بنت أبي بكر أبدم عثمان تطلبين؟ فلقد كنت أشد الناس عليه وأن كنت لتدعينه بالتبري أم أمر ابن أبي طالب تنقضين فقد تابعه المهاجرون والانصار، إنك سدة بين رسول اللهعليه‌السلام وبين امته وحجابة مضروبة على حرمه، وقد جمع القرآن ذيلك فلا تبذخيه(٤) ، وسكني عقيراك فلا تضحى بها،

__________________

(١) أخرجه رضى الدين احمد بن ابى القاسم بن سعد الدين سيد بن طاووس في كتابه سعد السعود ص ٩١ عن كتاب تأويل ما انزل من القرآن الكريم في النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تأليف ابى عبدالله محمد ابن العباس المعروف بالحجام بهذا السند أيضا.

(٢) في النهاية فيه أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقمؤ إلى منزل عائشة كثيرا. أى يدخل.

(٣) اريد به عثمان بن عفان.

(٤) البذخ - من باب تعب -: التكبر والفخر والعلو وباذخه فاخره وما يأتى من المؤلف من أنه بمعنى النفخ ليس في كتب اللغة ولعله استعمل في الاصل بهذا المعنى ثم استعمل في الكبر تجوزا ثم صار حقيقة فيه كما أشار اليه المجلسى. وفى رواية ابن أبى الحديد في شرح النهج " فلا تندحيه "وقال في شرحه: اى لا تفتحيه ولا توسيعه بالحركة والخروج، يقال: ندحت الشئ اذا وسعته، ومنه يقال: فلان في مندوحة عن كذا أى في وسعة. تريد قول الله تعالى: " وقرن في بيوتكن " في سورة الاحزاب: ٣٣. وفى بعض النسخ [ تبدحيه ] بالباء فأنه من البداح وهو المتسع من الارض. و عقيراك من عقر الدار وهو أصلها. وقولها: " وسكنى عقيراك فلا تضحى بها " في شرح النهج ومعانى الاخبار واحتجاج الطبرسى " وسكن عقيراك فلا تصحريها " أى لا تبرزيها، أو لا تجعليها بالصحراء وهو الاظهر.

١١٨

الله من وراء هذه الامة، قد علم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكانك ولو أراد أن يعهد إليك فعل، قد نهاك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الفراطة في البلاد(١) ، إن عمود الاسلام لا ترأبه النساء إن انثلم، ولا يشعب بهن إن انصدع(٢) حماديات النساء غض بالاطراف، وقصر الوهادة(٣) وما كنت قائله لو أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عرض لك ببعض الفلوات وأنت ناصة قلوصا من منهل إلى آخر، إن بعين الله مهواك وعلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تردين قد وجهت سدافته وتركت عهيداه،(٤)

__________________

(١) الفراطة في البلاد، السعى والذهاب كما يأتى معناه من المؤلف وفى شرح النهج والمعانى والاحتجاج " الفرطة " وقال ابن أبى الحديد: الفرطة في البلاد: اى عن السفر والشخوص من الفرط وهو السبق والتقدم، ورجل فارط أتى الماء أى سابق.

(٢) قولها: " عمود الاسلام لا ترأبه النساء ان انثلم " يعنى لا تصلحه اذا انشق وانصدع. و في شرح النهج " عمود الاسلام لا يثأب بالنساء ان مال ولا يرأب بهن ان صدع ".

وفى رواية المؤلف في كتاب الجمل " عمود الاسلام لا يقام بالنساء ان انثلم ولا يشعب بهن ان انصدع ".

(٣) كذا لكن الصحيح كما في شرح النهج " وحماديات النساء غض الاطراف وخفر الاعراض وقصر الوهازة " وفى معانى الاخبار " حماديات النساء غض الابصار وخفر الاعراض وقصر الوهازة ".وفى كتاب الجمل " غض الاطراف وخفر الاعطاف وقصر الوهادة وضم الذيول " وفى الاحتجاج " غض الاطراف وضم الذيول والاعطاف " وقال ابن أبي الحديد: غض الاطراف: جمعها.وقولها " خفر الاعراض " الخفر: الحياء والاعراض جمع عرض وهو الجسد، يقال: فلان طيب العرض أى طيب ريح البدن. وقال: ومن رواه الاعراض - بكسر الهمزة - جعله مصدرا من أعراض عن كذا.وقولها: " قصر الوهازة " قال ابن قتيبة: سألت عن هذا فقال لى من سألته: سألت عنه أعرابيا فصيحا فقال: الوهازة الخطوة. والوهادة يأتى معناها من المؤلف لكن لا مناسبة لها بسياق الكلام وإن كان في لسان العرب.

(٤) قال ابن ابى الحديد: ناصة قلوصا أى رافعة لها في السير. والنص: الرفع ومنه يقال: حديث منصوص أى مرفوع. والقلوص من النوق: الشابة وهى بمنزلة الفتاة من النساء.والمنهل: الماء ترده الابل.قولها: " إن بعين الله مهواك " أى ان الله يرى سيرك وحركتك.والهوى: الانحدار في السير من النجد إلى الغور.قولها: " وعلى رسوله تردين " أى تقدمين في القيامة.قولها: " وجهت سدافته " السدافة: الحجاب والستر، هى من أسدف الليل اذا ستر بظلمته كانها أرخى ستورا من الظلام، ويروى بفتح السين. و "وجهت " أى نظمتها بالخرز والوجيهة: خرزة معروفة وعادت العرب ان تنضم على المحمل خرزات اذا كان للنساء. قولها: " وتركت عهيداه " لفظة مصغرة مأخوذة من العهد مشابهة لما سلف من قولها: عقيراك. انتهى.وفى النهاية في حديث ام سلمة لعائشة " وتركت عهيداه " العهيدى - بالتشديد والقصر - فعيلى من العهد كالجهيدى من الجهد والعجيلى من العجلة.

١١٩

اقسم بالله لو سرت مسيرك هذا ثم قيل لي: ادخلي الفردوس لاستحييت أن ألقى محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هاتكة حجابا قد ضربه علي، اجعلي حصنك بيتك وقاعة الستر(١) قبرك حتى تلقيه وأنت على ذلك أطوع، ثم قالت: لو ذكرتك من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسا في علي صلوات الله عليه لنهشتني نهش الحية الرقشاء المطرقة ذات الحبب(٢) أتذكرين إذ كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرع بين نسائه إذا أراد سفرا فأقرع بينهن فخرج سهمى وسهمك فبينا نحن معه وهو هابط من قديد(٣) ومعه عليعليه‌السلام ويحدثه فذهبت لتهجمي عليه فقلت لك: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معه ابن عمه ولعل له إليه حاجة فعصيتني ورجعت باكية فسألتك، فقلت: بأنك هجمت عليها فقلت له: يا علي إنما لي من رسول الله يوم من تسعة أيام وقد شغلته عني فأخبرتني أنه قال لك: أتبغضيه فما يبغضه أحد من أهلي ولا من امتي إلا خرج من الايمان أتذكرين هذا يا عائشة؟ قالت: نعم.

ويوم أراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سفرا وأنا أجش له جشيشا(٤) فقال: ليت شعري أيتكن

__________________

(١) " قاعة الستر " يأتي معناها من المؤلف.

(٢) الحية الرقشاء: الافعى التى في ظهرها خطوط ونقط وتوصف بالاطراق كما يوصف به الاسد والنمر والرجل الشجاع.وذلك لان الحية تقع على الذكر والانثى كما قاله الجزرى ولعله كناية عن سمها او استغفالها وأخذها دفعة كما قاله المجلسىرحمه‌الله .والحبب تنضد الاسنان وفى بعض النسخ [ ذات الخبب ] ولعله تصحيف.

(٣) القديد - كزبير - اسم موضع قرب مكة. (مراصد الاطلاع).

(٤) جشه: دقه وكسره كأجشه. وبالعصا: ضربه بها، والجشيش: السويق وحنطة تطحن جليلا فتجعل في قدر ويلقى فيه لحم أو تمر فيطبخ. (القاموس)

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

أو : جراب فيه تمر ، فهو إقرار بالظرف خاصّةً ، دون المظروف ؛ للتغاير الذي قلناه ، وعدم الاستلزام بين الإقرار بالشي‌ء والإقرار بغيره ، ولصدق الإضافة إلى الـمُقرّ في المظروف.

ولو قال : غصبتُه فرساً في اصطبلٍ ، فهو إقرار بالفرس خاصّةً.

ولو قال غصبتُه دابّةً عليها سرج ، أو زمام ، أو : بغلاً عليه برذعة ، فهو إقرار بالدابّة والبغل خاصّةً ، دون السرج والزمام والبرذعة.

أمّا لو قال : غصبتُه عبداً على رأسه عمامة ، أو : في وسطه منطقة ، أو : في رِجْله خُفٌّ ، فهو إقرار بها مع العبد ؛ لأنّ للعبد يداً على ملبوسه ، وما في يد العبد فهو في يد سيّده ، فإذا أقرّ بالعبد للغير ، كان ما في يده لذلك الغير ، بخلاف المنسوب إلى الفرس ، فإنّه لا يد لها على ما هو عليها ، ولهذا لو جاء بعبدٍ وعليه عمامة وقال : هذا العبد لزيدٍ ، كانت العمامة له أيضاً. ولو جاء بدابّةٍ وعليها سرج وقال : هذه الدابّة لزيدٍ ، لم يكن السرج له.

قال بعض الشافعيّة : هذا يقتضي فرقاً لا من جهة الإقرار ، وتكون العمامة غير داخلةٍ في الإقرار ، وإنّما تثبت من جهة العبد(١) .

وعامّة أصحاب الشافعي على أنّه لا فرق بينهما(٢) .

ولو قال : له عندي دابّة مسروجة ، أو : دار مفروشة ، لم يكن مُقرّاً بالسرج والفرش ، بخلاف ما لو قال : بسرجها وبفرشها ، فإنّه يلزمه السرج والفرش ؛ لأنّ الباء تُعلّق الثاني على الأوّل.

وكذا لو قال : له عندي سفينة بطعامها ، كان إقراراً بالطعام.

ولو قال : سفينة فيها طعام ، أو : طعام في سفينةٍ ، لم يكن مُقرّاً‌

____________________

(١ و ٢) بحر المذهب ٨ : ٢٤٥ ، الوسيط ٣ : ٣٣٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٤ ، البيان ١٣ : ٤٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٥.

٣٤١

بالطعام في الأُولى ولا بالسفينة في الثانية.

ولو قال : له عندي ثوب مطرز ، كان إقراراً بالطراز ؛ لأنّ الطراز جزء من الثوب.

وقال بعضهم : إن رُكّب عليه بعد النسج ، فوجهان(١) .

مسألة ٩٢٠ : لو قال : له علَيَّ فَصٌّ في خاتمٍ ، فهو إقرار بالفَصّ خاصّةً ، دون الخاتم.

ولو قال : خاتم فيه فَصٌّ ، فالأقوى أنّه لا يكون مُقرّاً بالفَصّ - وهو أصحّ وجهي الشافعيّة(٢) - لجواز أن يريد : فيه فَصٌّ لي ، فصار(٣) كالصورة السابقة.

والثاني : إنّه يكون مُقرّاً بالفَصّ ؛ لأنّ الفَصّ من الخاتم حتى لو باعه دخل فيه ، بخلاف تلك الصورة(٤) .

واعلم أنّ بعض العامّة ذكر وجهين في جميع الصُّوَر السابقة - مثل قوله : له عندي درهم في ثوبٍ ، أو : زيت في جرّةٍ ، أو : سكّين في قرابٍ ، أو : فَصٌّ في خاتمٍ ، أو : غصبتُ منه ثوباً في منديلٍ ، أو : زيتاً في زقٍّ. وبالجملة ، كلّ مظروف مع ظرفه ، وبالعكس - أحدهما : دخول الظرف في المظروف وبالعكس. والثاني : عدم الدخول(٥) .

ولو اقتصر على قوله : عندي خاتم ، ثمّ قال بعد ذلك : ما أردتُ‌

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٢٥ - ٢٦ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٥١ ، بحر المذهب ٨ : ٢٤٥ ، الوسيط ٣ : ٣٣٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٥٦ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٥ ، البيان ١٣ : ٤٣٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٥.

(٢ و ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٥.

(٣) فيما عدا « ج » من النسخ الخطّيّة والحجريّة : « فهو » بدل « فصار ».

(٥) المغني ٥ : ٣٠٠ - ٣٠١ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٥٢.

٣٤٢

الفَصّ ، فالأقوى عن دي : القبول ، ولا يدخل الفَصّ في الإقرار.

وأصحّ وجهي الشافعيّة : إنّه لا يُقبل تفسيره ، فيدخل(١) الفَصُّ في الإقرار ؛ لأنّ الفَصّ مندرج تحت اسم الخاتم ، فتفسيره رجوع عن بعض الـمُقرّ به(٢) .

ولو قال : له حَمْلٌ في بطن جاريةٍ ، لم يكن مُقرّاً بالجارية.

وكذا لو قال : نعل في حافر دابّةٍ ، أو : عروة على قمقمةٍ.

ولو قال : جارية في بطنها حَمْلٌ ، ودابّة في حافرها نعل ، وقمقمة عليها عروة ، فالأقوى : عدم الدخول.

وللشافعيّة وجهان ، كما في قوله : خاتم فيه فَصٌّ(٣) .

ويترتّب الوجهان عند الشافعيّة في صورة الحمل على الوجهين فيما إذا قال : هذه الجارية لفلان ، وكانت حاملاً ، هل يتناول الإقرار بالحمل؟ فيه وجهان لهم :

أحدهما : نعم ، كما في البيع.

وأظهرهما : لا ، وله أن يقول : لم أُرد الحمل ، بخلاف البيع ؛ لأنّ الإقرار إخبار عن حقٍّ سابق ، وربما كانت الجارية له ، دون الحمل بأن كان الحمل موصًى به ، أو كان حُرّاً(٤) .

وسلّم القفّال أنّه لو قال : هذه الجارية لفلان إلّا حملها ، يجوز ،

____________________

(١) في « ج ، ر » : « ويدخل ».

(٢) الوسيط ٣ : ٣٣٨ - ٣٣٩ ، الوجيز ١ : ١٩٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٥.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٦.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٦.

٣٤٣

بخلاف البيع (١) .

فإ ن قلنا : الإقرار بالجارية يتناول الحمل ، ففيه وجهان كما في الصورة السابقة ، وإلّا فنقطع بأنّه لا يكون مُقرّاً بالحمل إذا قال : جارية في بطنها حمل(٢) .

وعندنا أنّ الحمل لا يدخل في الإقرار ولا في البيع.

مسألة ٩٢١ : لو قال : له ثمرة على شجرةٍ ، كان إقراراً بالثمرة خاصّةً ، ولم يكن مُقرّاً بالشجرة.

ولو قال : شجرة عليها ثمرة ، فليرتّب على أنّ الثمرة هل تدخل في مطلق الإقرار بالشجرة؟

عند الشافعيّة هي لا تدخل بعد التأبير ، كما في البيع(٣) .

وفي فتاوى القفّال أنّها تدخل(٤) .

وهو بعيد.

وأمّا قبل التأبير فوجهان ، أظهرهما : إنّها لا تدخل أيضاً ؛ لأنّ الاسم لا يتناولها ، والبيع ينزّل على المعتاد(٥) .

والمعتمد عندنا : إنّها لا تدخل الشجرة ولا الثمرة لو أقرّ بإحداهما.

وضبط القفّال فقال : كلّ ما يدخل تحت المبيع المطلق يدخل تحت الأقارير ، وما لا فلا ، إلّا الثمار المؤبَّرة(٦) .

وقال آخَرون : ما لا يتبع في المبيع ولا يتناوله الاسم فهو غير داخلٍ ، وما يتبع ويتناول فهو داخل ، وما يتبع ولا يتناوله الاسم ففيه وجهان(٧) .

مسألة ٩٢٢ : لو قال : له علَيَّ ألف في هذا الكيس ، لزمه‌ ، سواء كان‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٧.

(٣ - ٧) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٦.

٣٤٤

فيه شي‌ء أو لم يكن ؛ لأنّ قوله : « علَيَّ » يقتضي اللزوم ، ولا يكون مُقرّاً بالكيس.

وإن كان فيه دون الألف ، فالأقوى : إنّه يلزمه الإتمام ، كما لو لم يكن فيه شي‌ء يلزمه الألف ، وهو أحد قولَي الشافعيّة. والثاني : إنّه لا يلزمه إلّا ذاك القدر ؛ لحصر الـمُقرّ به فيه(١) .

ولو قال : [ له ] علَيَّ الألف الذي في هذا الكيس ، فإن كان فيه دون الألف لم يلزمه إلّا ذلك القدر ؛ لجمعه بين التعريف والإضافة إلى الكيس.

وقال بعض الشافعيّة : يلزمه الإتمام(٢) .

وهو مبنيّ على أنّ الإشارة إذا عارضت اللفظ أيّهما يُقدَّم؟

والأقوى عندي هنا لزوم الإتمام.

ولو لم يكن في الكيس شي‌ء ، فللشافعيّة قولان مبنيّان على ما إذا حلف ليشربنّ ماء هذا الكوز ، ولا ماء فيه ، هل تنعقد يمينه ويحنث ، أم لا؟(٣) .

والوجه عندي : لزوم الألف ، وعدم انعقاد اليمين حيث لا متعلّق لها.

مسألة ٩٢٣ : لو قال : له في هذا العبد ألف درهم ، فهو مجمل يحتاج إلى الاستفسار ، فاذا طولب بالبيان فإن قال : أردتُ أنّه جنى عليه أو على عبده جناية أرشها ألف ، قُبِل وتعلّقت الألف برقبته.

____________________

(١) الوسيط ٣ : ٣٣٩ ، الوجيز ١ : ١٩٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٦.

(٢) الوسيط ٣ : ٣٣٩ - ٣٤٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٦.

(٣) الوسيط ٣ : ٣٤٠ ، الوجيز ١ : ١٩٨ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٣ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٦.

٣٤٥

وإن قال : أردتُ أنّه رهن عنده بألف علَيَّ ، فالأقوى : القبول ؛ لأنّ الدَّيْن وإن كان محلّه الذمّة فله تعلُّقٌ ظاهر بالمرهون ، فصار كالتفسير بأرش الجناية ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة.

والثاني : إنّه لا يُقبل ؛ لأنّ الألف تقتضي كون العبد محلّاً للألف ، ومحلّ الدَّيْن الذمّة ، لا المرهون ، وإنّما المرهون وثيقة له ، وعلى هذا فإذا نازعه الـمُقرّ له أخذناه بالألف الذي ذكره في التفسير ، وطالبناه للإقرار المجمل بتفسيرٍ صالح(١) .

والمعتمد : الأوّل.

وإن قال : أردتُ أنّه وزن في ثمنه عنّي ألفاً ، كان ذلك قرضاً عليه.

وإن قال : نقد في ثمنه لنفسه ألفاً ، قيل له : كم ثمنه؟ وهل وزنت شيئاً ، أم لا؟ فإن قال : الثمن ألف ولم أزن فيه شيئاً ، قال الشافعي : كان العبد كلّه للمُقرّ له(٢) .

وإن قال : وزنت أنا شيئاً أيضاً في ثمنه ، سئل عن كيفيّة الشراء هل كان دفعةً أو لا؟ فإن قال : كان دفعةً واحدة ، سئل عن قدر ذلك ، فإن قال : وزنت ألفاً أيضاً ، فالعبد بينهما بالسويّة ، وإن قال : وزنت ألفين ، فثلثا العبد له ، والثلث للمُقرّ له ، وعلى هذا القياس.

والقول قوله في ذلك مع يمينه ، سواء كانت القيمة أقلّ من ذلك أو أكثر ، فقد يكون غابناً ، وقد يكون مغبوناً ، فلا يُنظر إلى قيمة العبد.

خلافاً لمالك ؛ فإنّه قال : لو كان العبد يساوي ألفين وقد زعم أنّه وزن‌

____________________

(١) بحر المذهب ٨ : ٢٦٢ ، الوسيط ٣ : ٣٤٠ ، الوجيز ١ : ١٩٩ ، البيان ١٣ : ٤٣٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٦ - ٣٧.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٧.

٣٤٦

ألفين ووزن الـمُقرّ له ألفاً ، يكون العبد بينهما بالسويّة ، ولا يُقبل قوله : إنّي وزنت ألفين في ثلثيه. وقد يُعبّر عن مذهبه بأنّ للمُقرّ له من العبد ما يساوي ألفاً(١) .

والشافعي(٢) وافقنا على ما قلناه.

وإن قال : اشتريناه بإيجابين وقبولين ، ووزن هو في شراء عُشْره - مثلاً - ألفاً ، وأنا اشتريت تسعة أعشاره بألف ، قُبِل - لأنّه محتمل - مع يمينه ، سواء وافق قيمته أو لم يوافق ، وسواء كان الألف أقلّ ثمناً ممّا عيّنه له من الحصّة أو أكثر ، وسواء كان ما عيّنه لنفسه أزيد أو أقلّ.

وإن قال : أردتُ به أنّه أوصى له بألف من ثمنه ، قُبِل وبِيع ودُفع إليه ألف من ثمنه.

وإن أراد أن يعطيه ألفاً من غير ثمن العبد ، لم يكن له ذلك إلّا برضا الـمُقرّ له ؛ لأنّه استحقّ ألفاً من ثمنه ، فوجب البيع في حقّه ، إلّا أن يرضى بتركه.

وإن فسّره بأنّه دفع إليه ليشتري له العبد ففعل ، فإن صدّقه المُقرّ له فالعبد له ، وإن كذّبه فقد ردّ إقراره بالعبد ، وعليه ردّ الألف الذي أخذه.

وإن قال : أردتُ أنّه أقرضني ألفاً فصرفتُه إلى ثمنه ، قُبِل ، ولزمه الألف.

____________________

(١) الوسيط ٣ : ٣٤٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٩.

(٢) الوسيط ٣ : ٣٤٠ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٢٥٠ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٧.

٣٤٧

والخلاف للشافعيّة فيما إذا فسّره بالرهن آتٍ هنا(١) .

ولو قال : له من هذا العبد ألف درهم ، فهو كما لو قال : له في هذا العبد.

ولو قال : من ثمن هذا العبد ، فكذلك عند بعض الشافعيّة(٢) .

ولو قال : له علَيَّ درهم في دينار ، فهو كما لو قال : ألف في هذا العبد.

وإن أراد بـ « في » « مع » لزمه الدرهم والدينار معاً على إشكالٍ.

مسألة ٩٢٤ : لو قال : له في ميراث أبي ألف ، فهو إقرار على أبيه بدَيْنٍ.

وكذا لو قال : له من ميراث أبي.

ولو قال : له في ميراثي من أبي ، أو : من ميراثي من أبي ألف ، رجع إليه في التفسير ؛ لأنّه يحتمل أنّه يريد هبةً منه غير لازمة ، فهو بالخيار بين أن يسلّمها أو لا يسلّمها ، إلّا أن يريد إقراراً.

والفرق : إنّه في الصورة الثانية أضاف الميراث إلى نفسه ، وما يكون له لا يصير لغيره بالإقرار ، فكان كما لو قال : داري أو مالي لفلان ، وفي الأُولى لم يُضف الميراث إلى نفسه ، فكان مُقرّاً بتعلّق الألف بالتركة ، واقتضى قوله وجوبها له في الميراث ، ومع الإضافة اليه لا يُحمل ذلك على الوجوب ؛ لأنّه أضاف الميراث إلى نفسه ثمّ جعل له جزءاً ، فكان ذلك هبةً ؛ لأنّه جعل له جزءاً من ماله ، وذلك كما يقول : لفلان في هذه الدار نصفها ، فإنّه يكون إقراراً بالنصف ، وإن قال : له من داري نصفها ، كان ذلك‌

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٧.

٣٤٨

هبةً منه ، لا إقرار اً.

ومَنَع بعضُ الشافعيّة التناقضَ بين إضافة الميراث إلى نفسه وبين تعلّق دَيْن الغير به ، فإنّ تركة كلّ مديونٍ مملوكة لورثته على الصحيح والدَّيْن متعلّق بها(١) .

وقال أكثرهم : إنّ الفرق أنّه إذا قال : في ميراث أبي ، فقد أثبت حقّ الـمُقرّ له في التركة ، وذلك لا يحتمل إلّا شيئاً واجباً ، فإنّ التبرّعات التي لا تلزم ترتفع بالموت ، ولا تتعلّق بالتركة. وإذا قال : في ميراثي من أبي ، فقد أضاف التركة إلى نفسه ، ثمّ جعل للمُقرّ له شيئاً فيها وأضافه إليه ، وذلك قد يكون بطريقٍ لازم ، وقد يكون على سبيل التبرّع ، فاذا فسّر بالتبرّع قُبِل ، واعتبر فيه شرطه(٢) .

وقال بعض الشافعيّة : لا فرق بين الصورتين(٣) .

والمشهور : الفرق(٤) .

ومثله لو قال : له في هذه الدار نصفها ، فهو إقرار.

ولو قال : في داري نصفها ، فهو وعد بهبةٍ(٥) .

واشتهر عن الشافعي أنّه لو قال : له في مالي ألف درهم ، كان إقراراً.

ولو قال : من مالي ، كان وعداً بهبةٍ ، لا إقراراً(٦) .

والبحث هنا في موضعين :

____________________

(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٨.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣١٩ - ٣٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٨.

(٥) في « ث » : « هبة ».

(٦) بحر المذهب ٨ : ٢٦٤ ، حلية العلماء ٨ : ٣٦٢ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٨.

٣٤٩

أحدهما : إنّ هذا ال قول في قوله : « في مالي » يخالف ما قال قبل ذلك في قوله : « في ميراثي » و« في داري ».

والثاني : لِمَ فرّق بين « في » و« من »؟

أمّا الأوّل : فللشافعيّة فيه طريقان فيما إذا قال : له في مالي ألف درهم.

منهم مَنْ قال : فيه قولان :

أحدهما : إنّه وعد هبة ؛ لإضافة المال إلى نفسه.

والثاني : إنّه إقرار ؛ لأنّ قوله : « له » يقتضي الملك ، وبوعد الهبة لا يحصل الملك(١) .

ومنهم مَنْ قطع بأنّه وعد هبة ، وحمل ما روي في القول الأخير على خطأ الناسخ ، وربما أوّله على ما إذا أتى بصيغة الالتزام ، فقال : علَيَّ في مالي ألف درهم ، فإنّه يكون إقراراً(٢) .

وإذا أثبتنا الخلاف ، فعن بعض الشافعيّة أنّه يطّرد فيما إذا قال : في داري نصفها ، وامتنع من طرده فيما إذا قال : في ميراثي من أبي(٣) .

وقال آخَرون : إنّه يلزم تخريجه بطريق الأولى ؛ لأنّ قوله : « في ميراثي من أبي » أولى بأن يجعل إقراراً من قوله : « في مالي ، أو : في داري » لأنّ التركة مملوكة للورثة مع تعلّق الدَّيْن بها ، فيحسن إضافة الميراث إلى نفسه مع الإقرار بالدَّيْن ، بخلاف المال والدار(٤) .

وأمّا الثاني فمن الشافعيّة مَنْ قال : لا فرق ، ولم يثبت هذا النصّ ، و(٥)

____________________

(١ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٨.

(٥) في المصدر : « أو » بدل « و ».

٣٥٠

أوّله (١) .

ومنهم مَنْ فرّق بأنّ « في » تقتضي كون مال الـمُقرّ ظرفاً لمال الـمُقرّ له ، وقوله : « من مالي » يقتضي الفصل والتبعيض ، وهو ظاهر في الوعد بأنّه يقطع شيئاً من ماله له ، وإذا فرّقنا بينهما لزم مثله في الميراث والدار لا محالة(٢) .

والظاهر عندهم عدم الفرق ، وأنّ الحكم في قوله : « في مالي » كما قلنا أوّلاً في « ميراثي »(٣) .

واستبعد الجويني تخريجَ الخلاف فيما إذا قال : له في داري نصفها ؛ لأنّه إذا أضاف الكلّ إلى نفسه ، لم ينتظم منه الإقرار ببعضه ، كما لا ينتظم منه الإقرار بكلّه بأن يقول : داري لفلان ، وخصَّص طريقةَ الخلاف بما إذا لم يكن الـمُقرّ به جزءاً من مسمّى ما أضافه إلى نفسه ، كقوله : في مالي ألف درهم ، أو : في داري ألف درهم(٤) .

هذا كلّه إذا لم يذكر كلمة الالتزام(٥) ، فأمّا إذا أدخلها بأن يقول : علَيَّ ألف درهم في هذا المال ، أو : في مالي ، أو : في ميراثي ، أو : في ميراثي من أبي ، أو : في داري ، أو : في عبدي ، أو : في هذا العبد ، فهو إقرار بكلّ حال. والذي تقدّم من التفصيل مفروض فيما إذا اقتصر على قوله : « في هذا‌ العبد » ولم يقل : « علَيَّ ».

ولو قال : له في ميراثي من أبي ، أو : في مالي ألف بحقٍّ لزمني ، أو بحقٍّ ثابت ، أو : بأمرٍ صحيح ، وما أشبهه ، أو قال : له في مالي بحقٍّ ، أو في داري نصفها بحقٍّ ، أو : له داري هذه بحقٍّ ، لزم ذلك ، وكان كما لو قال :

____________________

(١ - ٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٠ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٨.

(٥) في النسخ الخطّيّة : « التزام ».

٣٥١

« علَيَّ » فيكون(١) إقراراً بكلّ حالٍ ؛ لأنّه قد اعترف أنّ الـمُقرّ له يستحقّ ذلك ، فلزمه.

واعلم أنّ قضيّة قولنا : إنّ قوله : « علَيَّ في هذا المال ، أو : في هذا العبد ألف درهم » إقرار له بالألف : أن يلزمه الألف وإن لم يبلغ ذلك المال ألفاً.

وربما يخطر الخلاف المذكور فيما إذا قال : « لفلان علَيَّ ألف في هذا الكيس » وكان فيه دون الألف ، إلّا أنّ ظرفيّة العبد للدراهم ليس كظرفيّة الكيس لها ، فيمكن أن يختلفا في الحكم.

لكن لو قال : في هذا العبد ألف ، من غير كلمة « علَيَّ » وفسّره بأنّه أوصى له بألف من ثمنه ، فلم يبلغ ثمنه ألفاً ، فلا ينبغي أن يجب عليه تتمّة الألف بحالٍ.

واعلم أنّ بعض العامّة قال : لو قال : له في مالي هذا ، أو : من مالي ألف ، وفسّره بدَيْنٍ أو وديعة أو وصيّة فيه ، قُبِل ؛ لأنّه أقرّ بألف ، فقُبِل ، كما لو قال : في مالي. ويجوز أن يضيف إليه مالاً بعضه لغيره ، ويجوز أن يضيف غير ماله(٢) إليه ؛ لاختصاصٍ له ، أو يدٍ له عليه أو ولاية ، كما قال تعالى :( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً ) (٣) وقال تعالى :( لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ ) (٤) وقال تعالى :( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ) (٥) فلا يبطل إقراره مع احتمال صحّته.

____________________

(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « يكون ». والظاهر ما أثبتناه.

(٢) في المصدر : « مال غيره » بدل « غير ماله ».

(٣) النساء : ٥.

(٤) الطلاق : ١.

(٥) الأحزاب : ٣٣.

٣٥٢

ولو قال : أردتُ هبةً ، قُبِل منه ؛ لأنّه محتمل ، وإن امتنع من تقبيضها لم يُجبر عليه ؛ لأنّ الهبة فيها(١) لا تلزم قبل القبض(٢) .

وكذا لو قال : لفلان في داري هذه نصفها ، أو : من داري نصفها(٣) .

وعن أحمد روايتان :

ففي إحداهما : في مَنْ قال : نصف عبدي هذا لفلان ، لم يجز له إلّا أن يقول : وهبته ، وإن قال : نصف مالي هذا لفلان ، لا أعرفه.

والثانية : إذا قال : فرسي هذه(٤) لفلان ، فإقراره جائز(٥) .

وقد بيّنّا أنّ الشافعي قال تارة : إذا قال : له في مالي ألف درهم ، كان إقراراً ، ولو قال : من مالي ، كان هبةً(٦) .

واختلف أصحابه :

فقال بعضهم : إنّه سهو.

وفرّق بعضهم بين « في ميراثي » و« في داري » لأنّ « في مالي » تقتضي أن يكون ماله ظرفاً ، فيكون قد امتزجت ألف للمُقرّ له بماله ، وإذا قال : « من مالي » لم يحتمل ذلك ، ويفارق الدار ؛ لأنّ قوله : « في داري نصفها » بمنزلة قوله : « من داري » لأنّها لا تُسمّى بعد إخراج النصف داراً ، ويُسمّى ما بقي‌

____________________

(١) كلمة « فيها » لم ترد في « ث ، خ ، ر ».

(٢) المغني ٥ : ٣١٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٢٢.

(٣) في « ج » بدل « نصفها » : « بعضها ».

(٤) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « في شي‌ء هذا » يدل « فرسي هذه ». وذلك تصحيف ، والمثبت من المصدر.

(٥) المغني ٥ : ٣١٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٢٢.

(٦) تقدّم تخريجه في ص ٣٤٨ ، الهامش (٦)

٣٥٣

بعد الألف مالاً (١) .

وبعد هذا كلّه فالقول الذي سوّغ الإقرار بقوله : « في مالي ، أو : في داري ، أو : من مالي ، أو : من داري ، أو : ملكي هذا لفلان » لا بأس به عندي ، وقد سلف.

مسألة ٩٢٥ : لو قال : له في هذا العبد شركة ، صحّ إقراره‌ ، وله التفسير بما شاء من قليلٍ فيه وكثير ، وبأيّ قدر شاء.

وقال أبو يوسف : يكون إقراراً بنصفه ؛ لقوله تعالى :( فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ ) (٢) واقتضى ذلك التسويةَ بينهم كذا هنا(٣) .

وهو غلط ؛ لأنّ أيّ جزءٍ كان له منه فله فيه شركة ، فكان له تفسيره بما شاء ، كالنصف ، وليس إطلاق لفظ الشركة على ما دون النصف مجازاً ، ولا يخالف الظاهر ، والتسوية في الآية ثبتت لدليلٍ.

وكذا الحكم إذا قال : هذا العبد شركة بيننا.

البحث السادس : في تكرير المُقرّ به مع عدم العطف ومعه ، وبالإضراب مع عدم السلب ومعه.

مسألة ٩٢٦ : لو قال : له علَيَّ درهمٌ درهمٌ درهمٌ ، لم يلزمه إلّا درهمٌ واحد ؛ لاحتمال إرادة التأكيد بالتكرير.

____________________

(١) راجع الهامش (٤) من ص ٣٤٩ ، والهامش (٢) من ص ٣٥٠.

(٢) النساء : ١٢.

(٣) روضة القضاة ٢ : ٧٤٨ / ٥٠٩٢ ، بحر المذهب ٨ : ٢٦٣ ، البيان ١٣ : ٤٣٦ ، المغني ٥ : ٣١٢ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٤٧.

٣٥٤

وكذا لو كرّره مائة مرّة فما زاد.

ولو قال : له علَيَّ درهم ودرهم ، أو : ثمّ درهم ، لزمه درهمان ؛ لأنّ العطف يقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه ، ولا يصحّ عطف الشي‌ء على نفسه.

ولو قال : له علَيَّ درهم ودرهم ودرهم ، لزمه بالأوّل والثاني درهمان.

وأمّا الثالث فإن أراد به العطف والمغايرة ، لزمه ثلاثة ؛ لأنّه أراد به درهماً آخَر.

وإن قال : أردتُ به تكرير الثاني وتأكيده ، قُبِل ، ولزمه درهمان لا غير ، ويُصدَّق باليمين.

ولو قال : أردتُ به تكرير الأوّل ، لم يُقبل ، ويلزمه ثلاثة ؛ لأنّ التكرار إنّما يؤكّد به إذا لم يتخلّل بينهما فاصل. وهو أظهر وجهي الشافعيّة. والثاني : أنّه يُقبل(١) .

وكذا الحكم عندهم فيما إذا قال : أنتِ طالق وطالق وطالق ، فإن أطلق ففي الطلاق قولان يُنظر في أحدهما إلى صورة اللفظ ، وفي الثاني إلى احتمال التكرار وجريان العادة به. وفي الإقرار طريقان(٢) .

وقال ابن خيران من الشافعيّة : إنّه على قولين في الطلاق(٣) .

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٩.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٥٥ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٩ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٥ ، البيان ١٣ : ٤١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٢.

(٣) الحاوي الكبير ٧ : ٥٥ ، المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٩ ، بحر المذهب ٨ : ٢٧٧ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٥ ، البيان ١٣ : ٤١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٩.

٣٥٥

وقطع الأكثرون منهم بأنّه يلزمه ثلاثة ، وفرّقوا بأنّ دخول التأكيد في الطلاق أكثر منه في الإقرار ؛ لأنّه يقصد به التخويف والتهديد ، ولأنّه يؤكّد بالمصدر ، فيقال : هي طالق طلاقاً ، والإقرار بخلافه ، وعلى هذا لو كرّر عشر مرّات أو أكثر ، لزمه من الدراهم بعدد ما كرّر ، ولأنّ الواو للعطف ، والعطف يقتضي المغايرة ، فوجب أن يكون الثالث غير الثاني ، كما كان الثاني غير الأوّل ، والإقرار لا يقتضي تأكيداً ، فوجب حمله على العدد(١) .

والحقّ : الأوّل ، وأنّه يُحمل على التأكيد لو قصده ، وهو أخبر بلفظه ، ولا شكّ أنّ اللفظ محتمل للتأكيد والإقرار ، فلا يثبت في ذمّته بالتجويز والاحتمال.

وكذا لو قال : له علَيَّ درهم ثمّ درهم ثمّ درهم ، فهو كما لو قال : درهم ودرهم ودرهم.

ولو قال : درهم ودرهم ثمّ درهم ، لزمه ثلاثة قطعاً ؛ لتغاير لفظتي « ثمّ » والواو ، فلا تصلح للتأكيد اللفظي.

مسألة ٩٢٧ : لو قال : له علَيَّ درهم مع درهم ، أو : معه درهم ، أو : فوق درهم ، أو : فوقه درهم ، أو : تحت درهم ، أو : تحته درهم ، فالأقرب : إنّه يلزمه درهم واحد ؛ لاحتمال أن يكون المراد « مع درهمٍ لي » أو « فوق درهمٍ لي » وأيضاً فقد يريد فوقيّة الجودة وتحتيّة الرداءة ، وبه قال‌

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ٢ : ٣٤٩ ، بحر المذهب ٨ : ٢٧٦ - ٢٧٧ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٥ ، البيان ١٣ : ٤١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٩.

٣٥٦

أكثر الشافعيّة (١) .

ولهم مذهبان آخَران :

أحدهما : إنّه يلزمه درهمان.

واختلف هؤلاء ، منهم مَنْ ناسبٌ [ إلى ](٢) قول الشافعي.

ومنهم مَنْ قال : إنّه مُخرَّج.

فقيل : من الطلاق ، فإنّه لو قال : أنتِ طالق مع طلقة أو فوق طلقة ، وقعت طلقتان.

وقيل : مُخرَّج ممّا لو قال : له علَيَّ درهم قبل درهم ، فإنّه يلزمه درهمان على ما يأتي.

وفرّقوا بينه وبين الطلاق ؛ لأنّ لفظه الصريح موقع ، فإذا أنشأه عمل عليه ، والإقرار إخبارٌ عن سابقٍ ، فإذا كان فيه احتمال رُوجع حتى يتبيّن المراد(٣) .

الثاني : قال بعض الشافعيّة : إن قال : درهم معه درهم ، أو : فوقه درهم ، لزمه اثنان ؛ لرجوع الكناية إلى الأوّل الذي لزمه(٤) .

ولو قال : درهم عليه درهم ، أو : على درهمٍ ، فهو كما لو قال : فوقه درهم ، أو : فوق درهمٍ.

ولو قال : علَيَّ درهم قبل درهمٍ ، أو : قبله درهم ، أو : بعده درهم ، روى المزني عن الشافعي أنّه يلزمه درهمان ، بخلاف الصورة‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٩.

(٢) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٢.

(٤) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٩.

٣٥٧

السابقة. والفرق : إ نّ الفوقيّة والتحتيّة ترجعان إلى المكان فيتّصف بهما نفس الدرهم ، والقبليّة والبعديّة ترجعان إلى الزمان ، ولا يتّصف بهما نفس الدرهم ، فلا بدّ من أن يرجع إليه التقدّم والتأخّر ، وليس ذلك إلّا الوجوب عليه(١) .

وفيه قولٌ آخَر للشافعيّة : إنّه لا يلزمه إلّا درهم ؛ لأنّ القبليّة والبعديّة كما يكونان بالزمان يكونان بالرتبة وغيرها. ثمّ هَبْ أنّهما زمانيّان فإنّ نفس الدرهم لا يتّصف بهما ، لكن يجوز رجوعهما إلى غير الواجب(٢) بأن يريد :

درهم مضروب قبل درهمٍ ، وما أشبهه. سلّمنا أنّهما راجعان إلى الواجب(٣) ، لكن يجوز أن يريد : لزيدٍ درهم قبل وجوب درهمٍ لعمرو(٤) .

وفيه نظر ؛ إذ لو سُمع مثل هذه الاحتمالات لسُمع في مثل « له عندي درهم ودرهم » مع اتّفاقهم على لزوم درهمين.

وفي المسألة وجهٌ آخَر أنّه إن قال : « قبله أو بعده درهم » لزمه درهمان ، وإن قال : « قبل درهم أو بعد درهم » لم يلزمه إلّا درهم ؛ لاحتمال أن يريد « قبل لزوم درهمٍ ، أو : بعد درهمٍ كان لازماً »(٥) .

وقال أصحاب الرأي : إذا قال : فوق درهم ، لزمه درهمان ، وإذا قال : تحت درهمٍ ، لزمه واحد ؛ لأنّ « فوق » تقتضي في الظاهر الزيادة ، وقوله :

____________________

(١) مختصر المزني : ١١٣ ، بحر المذهب ٨ : ٢٧٨ - ٢٧٩ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٩.

(٢ و ٣) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : « الوجوب » بدل « الواجب ». والمثبت من « العزيز شرح الوجيز ».

(٤) حلية العلماء ٨ : ٢٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٩.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٩.

٣٥٨

« تحت » يقتضي [ أنّ ] ذلك درهم(١) .

وكذا البحث لو قال : له علَيَّ درهم مع دينار ، لزمه الدرهم لا غير عندنا ، وبه قال الشافعي(٢) .

ولو قال : له علَيَّ دينار قبله قفيز حنطة ، كان عليه دينار لا غير ، ولم يكن عليه القفيز ، وهذا قولٌ آخَر للشافعيّة(٣) .

واختلفوا ، فمنهم مَنْ قال : في المسائل كلّها يلزمه درهمان ؛ لأنّ قوله : « فوق » و« تحت » و« قبله » و« معه » يجري مجرى العطف ؛ لأنّ ذلك يقبل ضمّ درهمٍ آخَر إليه.

ومنهم مَنْ قال : يلزمه درهم واحد.

ومنهم مَنْ قال : إذا قال : « فوق » أو « تحت » أو « مع » لزمه واحد ، وإذا قال : « قبل » و« بعد » لزمه درهمان. وفرّقوا بأنّ « قبل » و« بعد » لا يحتمل إلاّ التاريخ ، فصار أحد الدرهمين مضموماً إلى الآخَر في الإقرار ، و« فوق » و« تحت » تُحمل على الجودة والرداءة ، و« مع » تُحمل [ على ](٤) « مع درهمٍ لي »(٥) .

وأمّا أحمد فإنّه ذهب إلى أنّه يلزمه درهمان في جميع الصُّور(٦) .

مسألة ٩٢٨ : إذا قال : له علَيَّ ، أو : عندي درهم فدرهم ، إن أراد‌

____________________

(١) مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢١٥ / ١٩١٤ ، بحر المذهب ٨ : ٢٧٨ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٦ ، البيان ١٣ : ٤١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٣ ، المغني ٥ : ٢٩٨ ، الشرح الكبير ٥ : ٣٥٠.

(٢) مختصر المزني : ١١٣ ، الحاوي الكبير ٧ : ٥٦.

(٣) الأُم ٦ : ٢٢١ ، بحر المذهب ٨ : ٢٧٩.

(٤) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٥) بحر المذهب ٨ : ٢٧٩ ، حلية العلماء ٨ : ٣٤٦ ، البيان ١٣ : ٤١٩.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٣ ، وانظر المغني ٥ : ٢٩٨ ، والشرح الكبير ٥ : ٣٤٩.

٣٥٩

العطف لزمه درهمان ، وإن لم يرد العطف لم يلزمه إلّا درهم واحد ، وبه قال الشافعي(١) ، مع أنّه نصّ على أنّه إذا قال : أنتِ طالق فطالق ، أنّه تقع طلقتان(٢) .

ونقل ابن خيران الجواب من كلّ واحدةٍ منهما إلى الأُخرى ، وجَعَلهما على قولين للشافعي :

أحدهما : إنّه يلزمه درهمان ، وتقع طلقتان ؛ لأنّ الفاء حرف عطفٍ كالواو ، و« ثمّ ».

والثاني : إنّه لا يلزمه إلّا واحد ، ولا تقع إلّا طلقة ؛ لأنّ الفاء قد تُستعمل لغير العطف ، فيؤخذ باليقين(٣) .

وذهب الأكثر إلى تقرير النصّين ، وفرّقوا بوجهين :

أحدهما : إنّه يحتمل في الإقرار أن يريد : فدرهم لازم ، أو : فدرهم أجود منه ، ومثل هذا لا ينقدح في الطلاق.

والثاني : إنّ الطلاق إنشاء ، والإقرار إخبار ، والإنشاء أقوى وأسرع نفوذاً ، ولهذا لو أقرّ اليوم بدرهمٍ وغداً بدرهمٍ ، لا يلزمه إلّا درهم ، ولو تلفّظ اليوم بالطلاق ثمّ تلفّظ به غداً ، وقعت طلقتان(٤) .

____________________

(١) الحاوي الكبير ٧ : ٥٥ ، بحر المذهب ٨ : ٢٧٧ ، البيان ١٣ : ٤١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٣٩ - ٤٠.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٥٥ ، بحر المذهب ٨ : ٢٧٧ ، البيان ١٣ : ٤١٧ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٠.

(٣) بحر المذهب ٨ : ٢٧٧ ، البيان ١٣ : ٤١٧ - ٤١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٠.

(٤) بحر المذهب ٨ : ٢٧٧ ، البيان ١٣ : ٤١٨ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٣٢٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٤٠.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501